الخطبة الأولى : فضل الصدقة وأهمية الزكاة في الإسلام [ الخطبة الأولى ]
❉ الحَمْدُ للهِ الَّذِي فَرَضَ الزَّكَاةَ تَزْكِيَةً لِلنُّفُوسِ وَتَنْمِيَةً لِلْأَمْوَالِ، وَرَتَّبَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ خَلَفًا عَاجِلًا وَثَوَابًا جَزِيلَاً فِي الْمَآلِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرُسُولُهُ أَفَضْلُ الرُّسُلِ فِي كُلِّ الْخِصَالِ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَأَشْرَفِ آلٍ .❉ أمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ : أُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.❉ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَدُّوْا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ قَرِينَةُ الصَّلَاَةِ فِي كِتَابِ اللهِ، مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كَفَرَ، وَمَنْ مَنْعَهَا بُخْلًا أَوْ تَهَاوُنًا فَسَقَ وَهُوَ عَلَى خَطَرٍ، وَمَنْ أَدَّاهَا مُعْتَقِدَاً وُجُوْبَهَا رَاجِيَاً ثَوَابَهَا فَلَيُبْشِرْ بِالْخَيْرِ الْكَثِيْرِ وَالْخُلْفِ وَالْأَجْرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾.وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَمَّنْ سِوَاهُ، وَلَكِنْ مِنْ رَحْمَتِهِ أَنْ شَرَعَ لَكُمُ الصَّدَقَةَ وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ الزَّكَاةَ، وَجَعَلَهَا جُزْءًا يَسِيْرَاً مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وَفَرَضَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعَامِ، إِذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ وُجُوبِهَا عَلَى التَّمَامِ، وَذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَالِ :وَهِيَ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ : وَهِي الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، فَفِيهَا الزَّكَاةُ إِذَا كَانَتْ مُتَّخَذَةً لِلدَّرِّ، وَرَاعِيَةً أغْلَبَ الْحَوْلِ مَعَ تَمَامِ الْمُلْكِ وَبُلُوغِ النِّصَابِ. ثُمَّ الْخَارِجُ مِنَ الْأرْضِ : مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ مِمَّا يُكَالُ وَيُدَّخَرُ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِلَا مَؤُونَةٍ كَالَّذِي يُسْقَى بِالْأَمْطَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى بِكُلْفَةٍ كَالمَكَائِنِ وَالنَّوَاضِحِ وَنَحْوِهِمَا.ثُمَّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ : فَفِيْهِمَا الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَتْ نِصَابَاً، وَمَضَى عَلِيْهِمَا الْحَوْلُ، وَنِصَابُ الذَّهَبِ: خَمْسَةٌ وَثَمَانُوْنَ جِرَامًا، وَنِصَابُ الْفِضَّةِ: خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُوْنَ جِرَامَاً، وَالْوَاجِبُ فِيْهِمَا رُبْعُ الْعُشْرِ. وَالْأَوْرَاقُ النَّقْدِيَّةُ المُتَدَاوَلةُ لَهَا حُكْمُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ.ثُمَّ عُرُوضُ التِّجَارَةِ : وَهِيَ مَا يُعَدُّ لِلْبَيْعِ وَالتَّكَسُّبِ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ النَّاسُ، وَالْوَاجِبُ فِي قِيْمَتِهَا رُبْعُ الْعُشْرِ إِذَا مَضَى عَلَيْهَا الْحَوْلُ ؛ أَمَّا مَا يُؤَجَّرُ مِنْ عَقَارٍ وَنَحْوِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ فِي أُجْرَتِهِ.فَاتَّقُوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ : وَتَصَدَّقُوا فِي هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ عَلَى المُحْتَاجِينَ مِنْ المُسْلِمِينَ ، وَأَخْرِجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ ، وَلَا تَظُنُّوا الزَّكَاةَ غَرَامَةً، فَإِنَّهَا وَاللهِ غَنِيمَةٌ وَسَلَاَمَةٌ : فَهِيَ تَطْهِيرٌ للمُزَكِّي مِنَ الْإِثْمِ فِي الْمَآلِ، وَتَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ وَالْأَعْمَالِ، وَبَرَكَةٌ وَخُلْفٌ فِي الْمَالِ. وَاتَّقُوْا الشُّحَّ فَإِنَّهُ أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لَكُمْ، قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا : ‏﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ .بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

[ الخطبة الثانية ] :
❉ الحَمْدُ للهِ وكَفَى ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى رَسِولِهِ المُصْطَفَى ، وعَلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن سَارَ عَلى نَهْجِهِ واقْتَفَى . أمَّا بَعْدُ : فاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حَقَّ التَّقْوَى .❉ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : تُوْبُوا إِلَى اللهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصِّدْقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَاَنِيَةِ ، تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا، قَالَ ﷺ : «وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ .فَارْزُقُوْهُمْ تُرْزَقُوا، وَارْحَمُوْهُمْ تُرْحَمُوا، وَتَاجِرُوا مَعَ رَبِّكُمْ بِبَرِّهِمْ وَالْإحْسَانِ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهَا تِجَارَةٌ لَنْ تَبُوْرَ .ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ حَتَّى يُخْرِجَهَا صَاحِبُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ بِأَنْ يَصْرِفَهَا فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :‏﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏﴾.فَاحْرِصُوا عَلَى دَفْعِهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا، وَاحْذَرُوا مِنْ دَفْعِهَا لِجِهَاتٍ مَجْهُولَةٍ، وَإِنَّمَا أَخْرَجُوهَا بِأَنْفُسِكُمْ أَوْ عَبْرَ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ ومنصاتها الإلكترونية الْمُصَرَّحِ لَهَا بِجَمْعِ الزَّكَاةِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَإِيْصَالِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا ؛ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيمَ عَلَى بِلَادِنَا الأَمْنَ وَالرَّخَاءَ ، وَأَنْ يُوَفِّقَ قَادَتَنَا خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْهُدَى وَالْتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى، وَالرِّضْوَانَ وَالْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى.❉ عِبادَ اللهِ : قَالَ اللهُ - جلَّ في عُلاه -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ .اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ . اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَالتَابِعِيْنَ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ.اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِيْنَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِيْنَ، وَاشْفِ مَرْضَى الْمُسْلِمِيْنَ ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم يَا رَبَّ الْعَالِمِينَ .اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا وَعَقِيْدَتَنَا وَقَادَتَنَا وَرِجَالَ أمْنِنَا بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيراً لَهُ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيْزُ .اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَاءِ النَّارِ ، وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ مَعَ الْأَبْرَارِ .اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْوَبَاءِ وَالْغَلَاَءِ وَالرِّبَا والزِّنا ، وَالزَّلَازِلِ وَالْمِحَنِ وَسُوءِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.