خطبة جمعة
بعنوان (رعايةُ المسنينَ)
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
تنفيذا لتعميم معالي الوزير

الْخُطْبَةُ الأُولَى

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ أَحْمَدُهُ عَدَدَ مَا أَصْبَحَناَ وَأَمْسَاناَ ، وَأَرْشَدَناَ وَهَدَاناَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، الذِي أَضْحَكَناَ وَأَبْكَاناَ ، وَأَمَاتَناَ وَأَحْيَاناَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلِّمْ عَلَيهِ وَبَارَكَ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ الغُرِّ المَيامِينِ، والتَّابعينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : سَنَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ عَنْ رَحْمَةِ الْمُسِنِّينَ ، عَنْ بِرِّ الآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْكِبَارِ الضَّعِيفِينَ ، عَنْ رَحْمَةِ هَؤُلَاءِ الضَّعَفَةِ ، الَّذِينَ اشْتَعَلَ فِيهِمُ المَشِيبَ ، وَطَوَتْهُمْ أَيَّامُ الْعُمُرِ ، الذِينَ تَقَارَبَتْ خُطَاهُمْ ، وَدَنَتْ أَبْصَارُهُمْ ، وَرَافَقَهُمُ العَصَى ، وَآخَتْهُمُ الْعِلَّةُ وَالدَّوَاءُ ، أَيُّهَا المُسْلِمُ المُوَفَّقُ : إِذَا وَفَّقَكَ اللهُ لِبِرِّهِمْ ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ ، فَأَبْشِرْ ، فَثَمَّ أَمْرُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى القَائِلِ ( وَقَضَى رَبُّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَاَ كَماَ رَبَّياَنِي صَغِيراً ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ فِي بِرِّ أَبِيهِ : لاَ تَمْشِ أَمَامَ أَبِيكَ ، وَلاَ تَجْلِسْ قَبْلَهُ ، وَلاَ تَدَعُوهُ بِاسْمِهِ - بَلْ تُنَادِيهِ بِأَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَيْهِ
وَاعْلَمْ أَيُّهَا المُسْلِمُ المُبَارَكُ : أَنَّ رِضَا الْوَالِدَيْنِ سَبَبٌ لِرِضَا اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَخَطَهُمَا سَبَبٌ لِسَخَطِهِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ )
أَيُّهَا المُسْلِمُ الوَفِيُّ ، أَيُّهَا الشَّابُّ التَّقيُّ : أَبَوَاكَ ، أُمُّكَ وَأَبُوكَ ، بِرُّهُمَا وَأَحْسِنْ إِلَيْهِماَ ، قُلْ رَبِّ ارْحَمْ هَذَيْنِ الأَبَوَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ ، كَمَا تَعِبَا فِي تَرْبِيَتِي ، قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَماَ سَهِراَ لِأَنَامَ ، وَجَاعَاَ لِأَشْبَعَ ، وَضَمِئَاَ لِأَرْوَى ، فَكَمْ بَذَلُوا الجُهُودَ المُضْنِيَةَ لَيَرَوْا البَسْمَةَ عَلَى وَجُوهِكُمْ ، وَيَمْسَحُوا الدَّمْعَةَ مِنْ عُيُونِكُمْ ، كَمْ قَلِقُوا فِي مَرَضِكُمْ وَفِي سَفَرِكُمْ ، كَمْ دَعَوْا لَكُمْ فِي ظَهْرِ الغَيْبِ ، كَمْ شَقَوْا لِتَسْعَدُوا ، وَكَمْ حَزِنُوا لِتَفْرَحُوا فَـ (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الْإِحْسَانُ )
كَلِمَتُكَ الرَّقِيقَةُ ، شُكْرُكَ وَثَنَاؤُكَ وَتَقْدِيرُكَ وَاعْتِزَازُكَ بِمَا قَدَّمَاهُ هَذَانِ الْأَبَوَانِ بِرُّ وَرَحْمَةٌ ، تَصَرُّفُكَ الْحَانِي وَحُنُوُّكَ الدَّانِي ، مَعَ هَذَيْنِ الوَالِدَيْنِ شَفَقَةٌ وَرَحْمَةٌ ، دُعَاؤُكَ لَهُمَا بِالخَيْرِ وَطُولِ الْعُمُرِ وَالْعَافِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى وَفَائِكَ ، إِسْتِشَارَتُهُما وَالْأَخْذُ بِنَصَائِحِهِمَا وَطَلَبُ رِضَاهُمَا دَلِيلٌ عَلَى تَيَمُّنِكَ وَتَوَاضُعِكَ ، الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا وَإِهْدَاءُ مَا جَادَتْ بِهِ نَفْسُكَ وَيَدُكَ مِنْ خَيْرٍ دَلِيلٌ عَلَى كَرِيمِ خِصَالِكَ ، وَطِيبِ مَعْدَنِكَ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : حَالُ المُسِنِّينَ فِي الْغَرْبِ وَالدُّوَلِ الكَافِرَةِ التِي تَدَّعِي التَّقَدُّمَ وَالرُّقِيَّ ، تُؤَكِّدُ أَنَّنَا فِي نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ ، لِأَنَّهُمْ يُحَالُونَ إِلَى دُورِ الْعَجَزَةِ وَالمُسِنِّينَ أَمَّا فِي بِلَادِناَ وَمُجْتَمَعَاتِنَا فَإِنَّ المُسِنِّينَ يَتَحَوَّلُونَ بَيْنَنَا وَفِي بُيُوتِنَا إِلَى شُمُوعٍ مُضِيئَةٍ ، وَقَنَادِيلَ مُؤْنِسَةٍ ، تَزْدَادُ البُيُوتُ بِهِمْ بَهْجَةً وَسُرُوراً ، يَشْعُرُ الأَطْفَالُ وَالصِّغَارُ بِعُمْقِ اللُّحْمَةِ ، وَعَظِيمِ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ ، فَهُمْ أُنْسٌ وَبَهْجَةٌ لَنَا جَمِيعاً لِلكِبَارِ وَالصِّغَارِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : الْإِحْسَانُ فِي الْإِسْلَامِ قَدْ شَمِلَ الوَالِدَيْنِ وَكِباَرَ السِّنِّ جَمِيعاً ، فَالرَّجُلُ المُسِنُّ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأةُ الْعَجُوزُ أُنَاسٌ صَاغَتْهُمُ التَّجَارُبُ وَعَرَكَتْهُمُ الحَيَاةُ وَصَقَلَتْهُمُ مُعَافَرَةْ الدَّهْرِ وَمُكَابَدَةُ الأَيَّامِ ، فَصَارُوا يَنْطِقُونَ بِالحِكْمَةِ وَيَتَكَلَّمُونَ بِالمَوْعِظَةِ ، فَاسْتَفِدْ مِنْهُمْ ، وَلَقَدْ حَثَّ الإِسْلَامُ عَلَى رِعَايَةِ المُسِنِّينَ وَاحْتِرَامِهِمْ ، فَإِذَا رَأَيْتَ شَيْخاً كَبِيراً أَوْ رَجُلاً مُسِنّاً ، فَاحْمِلْ إِلَيْهِ رِسَالَةَ المُجْتَمَعِ المُتَرَاحِمِ ، إِجْعَلْ لَهُ فِي قَلْبِكَ مِنَ المَوَدَّةِ وَفِي تَصَرُّفِكَ مِنَ التَّقْدِيرِ ، مَا يَجْعَلُهُ يَحْمَدُ اللهَ وَيَشْعُرُ أَنَّهُ فِي رِعَايَةِ خَيْرٍ تَحْمِلُهُ وَتَسُدُّ ضَعْفَهُ وَتَرْتُقُ شَيْبَتَهُ إِفْسَحْ لَهُ الطَّرِيقَ وَافْسَحْ لَهُ المَجْلِسَ ، قُمْ مِنْ مَكَانِكَ لِيَجْلِسَ فِيهِ وَيَسْتَرِيحَ ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أُنَّهُ قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا )
إِذَا رَأَيْتَهُ مَهْمُوماً مَغْمُوماً فَاجْلِسْ إِلَيْهِ وَحَادِثْهُ وَلَاطِفْهُ حَتَّى يَزُولَ مَا بِهِ مِنْ غَمٍّ ، إِذَا رَأَيْتَهُ وَحِيداً يَسْتَشْعِرُ الوَحْشَةَ فَاطْرُدْ عَنْهُ أَشْبَاحَهاَ بِالزِّيَارَةِ وَالتَّفَقُّدِ وَقَضَاءِ الحَاجَةِ وَالإِحْسَانِ وَلَو بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَابْتِسَامَةٍ مُشْفِقَةٍ مُورِقَةٍ ، رَحْمَتُكَ أَيُّهَا المُسْلِمُ بِهَؤُلاءِ المُسِنِّينَ إِنَّمَا هِيَ شُكْرٌ لِماَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ مِنْ شَبَابٍ وَفُتُوَّةٍ ، وَادِّخَارٌ وَاسْتِذْخَارٌ ، لِرَحْمَةٍ تَحْتَاجُهاَ فِي مُقْبِلِ أَيَّامِكَ ، فَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ أيُّهَا الشَّبَابُ : وَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّابَّ الَّذِي يُكْرِمُ المُسِنِّينَ ، بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى سَيُسَخِّرُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ فِي كِبَرِهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْرِمُ كَبَارَ السِّنِّ وَيَعْرِفُ قَدْرَهُمْ ، وَقَدْ بَشَّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُوَقِّرُ الكَبِيرَ بِمُرَافَقَتِهِ فِي الجَنَّةِ ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أَنَسُ وَقِّرِ الْكَبِيرَ وَارْحَمِ الصَّغِيرَ تُرَافِقُنِي فِي الْجَنَّةِ )
اللهمَّ أعنَّا علَى بِرِّ الوَالِدَيْنِ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يُوَقِّرُ كِبَارَ السِّنِّ وَيَقُومُ عَلَى رِعَايَتِهِمْ وَخِدْمَتِهِمْ
بَارَكَ اللهُ لي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.


الخُطْبَةُ الثَّانيةُ

الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ نبيَّناَ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى الله عليه وسلِّمْ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ أيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَإنَّ كِبَارَ السِّنِّ هُمْ الصِّلَةُ بَيْنَ المَاضِي وَالحَاضِرِ، نَعْتَزُّ وَنُفَاخِرُ بِهِمْ ، وَقَدْ أَوْلَتْهُمْ قِيَادَةُ هَذِهِ البِلَادِ المُبَارَكَةِ العَنِايَةَ الكَبِيرَةَ وَسَنَّتْ لَهُمْ الأَنْظِمَةَ التِي تَحْفَظُ حُقُوقَهُمْ وَتُوَفِّرَ لَهُمْ الحِمَايَةَ وَالرِّعَايَةَ ، نَسْألُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِرِعَايَةِ المُسِنِّينَ وَالإِعْتِنَاءِ بِهِمْ ، وَرَدِّ الجَمِيلِ إِلَيْهِمْ ، وَرَفْعِ قدْرِهِمْ ، فَاحْتِرَامُ الكَبِيرِ وَتَوْقِيرُهُ وَمُسَاعَدَتُهُ خُلُقٌ عَظِيمٌ وَمَظْهَرٌ كَرِيمٌ وَبَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ،
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه القائلِ ( إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ) صلى الله عليه وسلم