الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ الْعَالَمِينَ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وأشكرُهُ عَلَى نِعمةِ الأَمْنِ والدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلـِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْمُتَّقِيِنَ، وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَلاَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِينَا فَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ»
[صححه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ( 3 / 345 )، والشاطبي في "الاعتصام" (1/430 )، والعراقي في "تخريج الإحياء" (3/199)]
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً؛ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»
[رواه الترمذي، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"]
وَمَعْنَى «كُلُّهَا فِي النَّارِ» أَيْ: مُتَوَعَّدَةٌ بِالنَّارِ؛ لِمُخَالَفَتِهَا نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَمِنْ هَذِهِ الْفِرَقِ وَالْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُخَالِفُ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ سَلَفِ الأُمَّةِ: جَمَاعَةُ التَّبْلِيغِ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: جَمَاعَةُ الأَحْبَابِ، أَوْ جَمَاعَةُ الدَّعْوَةِ؛ كَمَا يُسَمِّيهَا أَتْبَاعُهَا، وَهَذِهِ الْجَمَاعَةُ ‏أَسَّسَهَا ‏مُحَمَّدُ إِلْيَاس الْكَانْدَهْلَوِيُّ مِنَ الْهِنْدِ، وَالَّذِي نَشَأَ وَتَخَرَّجَ مِنْ مَدْرَسَةِ دِيُوبَنْدَ!
‏وَهِيَ مَدْرَسَةٌ صُوفِيَّةٌ تَنْتَسِبُ إِلَى الطَّرِيقَةِ النَّقْشَبَنْدِيَّةِ الْجَشْتِيَّةِ وَالْقَادِرِيَّةِ السَّهْرُوَرْدِيَّةِ طَرِيقةً وَسُلُوكًا وَاعْتِقَادًا‏.
وَهَذِهِ الْجَمَاعَةُ بَدَأَتْ فِي بَاكِسْتَانَ وَالْهِنْدِ وَبَنْغَلادِيش، وَانْتَشَرَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمَاكِنِ.
تَنْطَلِقُ مِنْ صِفَاتٍ سِتَّةٍ ابْتَدَعُوهَا تُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الْخُرُوجَ وَالسَّفَرَ لِدَعْوَتِهِمْ ، وَتَرْكَ الزَّوْجَةِ وَالأَوْلاَدِ جِهَادٌ أَكْبَرُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَجِهَادُ الْكُفَّارِ جِهَادٌ أَصْغَرُ، وَيَسْتَدِلُّونَ لِخُرُوجِهِمْ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [ آل عمران: 110]تَأْوِيِلاً بَاطِلاً لَمْ يُنْقَلُ عَنِ السَّلَفِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ عِنْدَهُمْ : الْخُرُوجُ الْمُنَظَّمُ فِيِ مَنْهَجِهِمْ ؛ وَالَّذِي يَجْعَلُونَهُ كَمَرَاحِلِ حَيَاةِ الْجَنِينِ!
أَرْبَعُونَ يَوْمًا هُوَ حَمْلُ الدَّعْوَةِ، وَمِثْلُهَا يَكُونُ نُطْفَةً، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَقَةً، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْفَخُ فِيهِ رُوحُ الدَّعْوَةِ.
وَمَعَ بَاطِلِهِمْ هَذَا ؛ فإنهم لاَ يْهَتَمُّونَ بِالْعَقِيدَةِ ، وَلاَ بِعِلْمِ الْمَسَائِلِ عَدَا عِلْمِ الْفَضَائِلِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الْعَقِيدَةَ وَاخْتِلاَفَ الْمَسَائِلِ تُفَرِّقُهُمْ كَمَا يَزْعُمُونَ ؛ فَهُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَيَعْذُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
وَمِنْ مَنْهَجِهُمْ : الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْخُرَافَاتِ وَالْكَرَامَاتِ وَالْقَصَصِ الْكَاذِبَةِ، وَيَرَوْنَهَا حَلاَلاً لِمَصْلَحَةِ الدَّعْوَةِ.
لَهُمْ كِتَابٌ مُقَدَّسٌ يُعَظِّمُونَهُ أَشَدَّ مِنْ تَعْظِيمِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لِصَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، يُسَمُّونَهُ : (تَبْلِيغِي نِصَاب) فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ ، وَالْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ ، وَالأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَالضَّعِيفَةِ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ ، وَهُوَ مَرْجِعٌ لِنَشْرِ بِدَعِهِمْ وَضَلاَلِهِمْ.
يُوَزِّعُونَ الْـمَهَامَّ بِكُلِّ بَلَدٍ بِسِرِّيِّةٍ وَخَفَاءٍ وَدَهَاءٍ ، وَيُمَارِسُونَ الْعُزْلَةَ وَتَنَسُّكَ الْأَتْقِيَاءِ ؛ لَهُمْ قَائِدٌ فِي الْحَيِّ، وَأَمِيرٌ فِي الْمَدِينَةِ، وَأَمِيرٌ فِي الْمِنْطَقَةِ.
فَهُمْ يُشَكِّلُونَ خَطَرًا عَلَى الْعَقِيدَةِ وَالنَّاشِئَةِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالْوَطَنِ، وَلِذَلِكَ هِيَ جَمَاعَةٌ مَحْظُورَةٌ فِي بِلاَدِنَا يَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيِرُ مِنْهَا !
فَنَحْنُ وَلِلّهِ الحَمْدُ فِي هَذِهِ البِلادِ نَعيشُ جَماعَةً واحِدَةً تَحْتَ قيادَةٍ واحِدَةٍ ، مَرْجِعُنَا : كِتابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ نَبيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَخُطَانَا وَمَنْهَجُنَا مَا عَلَيْهِ الرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -وَأَصْحابُهُ – رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم ؛ فَنَحْنُ أَهْلُ السُّنَّةِ والْجَماعَةِ ، وَلَسْنَا بِأَهْلِ جَمَاعاتٍ وَفِرَقٍ وَمُنَظَّمَاتٍ وَأَحْزَابٍ ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -قَالَ : " عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ "
[ صححه الألباني ] وَبَحْبُوحَةُ الْـجَنَّةِ : وَسَطُهَا .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ التَّمَسُّكَ بِكِتابِكَ وَسُنَّةِ نَبيِّكَ ، وارْزُقْنا الثَّباتَ عَلَى الأَمْرِ يَا رَبَّ العالَمينَ ، والْعَزيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ ، وَلَا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ، وَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ ؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرِ الرَّحِيمِ.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَقُّ الْمُـِبينُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِيِنَ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ ؛ أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا لِعِبَادَتِه، وَأَرْسَلَ إلَيْنَا رَسُولاً يُبَيِّنُ لَنَا الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ الْوَاضِحَ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَالَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْلُكُوهُ، وَهُوَ صِرَاطُ اللهِ الْمُسْتَقِيمُ، وَمَنْهَجُ دِينِهِ الْقَوِيمُ.
قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153].
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- خَطًّا ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ». ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
[رواه أحمد، والدارمي، وحسَّنه الألباني].
فَاسْتِقِيمُوا عَلَى أَمْرِ رَبِّكُمْ ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ، وَمَنْهَجِ الصَّحابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي تَوَجُّهِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ ، وَلَا تَـحِيدُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَاحْذَرُوا هَذِهِ الْـمَـَناهِجَ الوافِدَةَ اَلَّتِي وَفَدَتْ عَلَيْنَا عَبْرَ وَسَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ وَطُرُقٍ مُلْتَوِيَةٍ ؛ قَدْ أُحْسِنَ الظَّنُّ بِهِمُ ، وَفِي حَقيقَتِهِمْ يَحْمِلُونَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ ، وَلِهَذَا البَلَدِ الشَّرَّ وَاَلْمَكِيدَةَ – كَفَانَا اللَّهُ وَالْـمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ ؛هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ- ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم ].