العراضه العشائريه العراقيه
٢/١١/٢٠٢٠
القاضي المتقاعد حسن حسين جواد الحميري
تتميز المجتمعات العشائريه في العراق بمميزات في علاقتها مع بعضها بصفات تختلف عما لدى غيرها من حيث ممارسة أنواع معينه من العادات والتقاليد لذا اسميتها بالعراقيه لاختلافها عن العراضه الشاميه فهي ماتتميز به العشائر العراقيه تحديدا .. من هذه العادات هي الهوسات و العراضات.. اما الهوسه فهي فعاليه عشائريه حماسيه تكون باجتماع أبناء العشيره في الغالب الأعم في مناسبات وفاة أحد شيوخها أو وجهائها أو في افراحهم اذيلتفون حول شاعر يجيد الأداء في هذه الفعاليات ويسمى بالمهوال حيث يقوم بإلقاء قصيده شعبيه مؤلفه من ثلاثه او اربعه اشطر تمجد بصاحب المناسبه او بالراحل أو خلفه أو عشيرته وفي نهايتها يكون شطر هو بيت القصيد من الهوسه يلهب فيه المهوال حماس الملتفين حوله فيرددون هذا المقطع وهم في حركه دائريه نشطه مع ثني الاذرع ورفعها إلى الأعلى وفي حالة الوقوف الدبك على الأرض بقوه باقدامهم مؤكدين فيها قول المهوال ولا ينقطعون عن ترديد هذه الانشوده أو الاهزوجه حتى يبادرهم المهوال بأخرى تثير فيهم العواطف الحماسيه للتعبير بمايدل عل اعتزازهم بجذرهم واصلهم القبلي أو العشائري ..او اعتزازهم بصفات الفقيد وكثيرا ما يحاول الشاعر أن يستنهض همم الحاضرين من خلال أقواله المؤثرة بمايدفع الواقفين الآخرين الذين لم يدخلو حلبة الهوسه من الدخول والمشاركه والدوران مع المهوسين حيث يكون المهوال قطب الرحى في هذه الفعالية.. فإذا كان المتوفى شيخا وأثناء تشيع جنازته فيرتجز المهوال مثلا قائلا
شهل الغيبه يهلال الدنيا
وفي أثناء انعقاد مجلس الفاتحه ينشد المهوال لمدح ابن الشيخ المتوفى أو أحد الشيوخ الحاضرين
اسمع والناس تكلك
هذا البيه من الجدين
أو لتأكيد أبناء العشيره ذاتهم بعد وفاة كبيرهم
ذياب الشلوه الظلينه
اي ان وفاة قائدهم لاتؤثر فيهم ولا يفرح الأعداء فالباقون هم كالاسود والذئاب أو كالاهزوجه التاليه
الحظ بالدار يداور
من الميت للعدلين
اي بقاء نفوذ عائلة الشيخ المتوفى وانتقاله إلى أبنائه أو إخوته... فنظرية التفويض الإلهي التي يؤمن بها المجتمع القبلي هنا لها وجود وحضور...
أو كلاهزوجه التاليه
شلون نحسبك ميت
والعز ظل بالدار
أو كالاهزوجه التاليه
شلون تموت وأنت الكل راضي عليك
فيجاوبه المهوال الاخر
احتاجه الباري ودز عليه
ولشحذ ههم المهوسين وأبناء العشيره للانضمام للهوسه.. مثلا..
المايتحرك بالدم
فاسد دمه بالتحليل
أو
المايتحرك بالدم
شيلة مرته تلوك عليه
اي ان ابن العشيره الذي لا يشارك في هذه الفعاليه هو ليس بقريب أو ليس برجل.. وأغلب الذين يشاركون في هذه الفعاليه هم من المتحمسين لعشيرتهم ويعتقدون أن عدم إظهار الاهزوجه بالمظهر الحماسي اللائق يحط من منزلة عشيرتهم وبالتالي منزلتهم.. ويصاحب ذالك إطلاق العيارات الناريه وأصوات حماسيه يصدرها احد شجعانها من ذوي الصوت الاجش.. هي.. هي
اما العراضه فهي تختلف عن الهوسه وان كانت الهوسه هي أحد فعاليتها المؤثرة.. فهي تدل على الاستعراض.. كما في استعراض الجيش لقطعاته العسكريه في ساحات العرض او أو المناورات العسكريه.. وكانت سابقا عندما كان النظام القبلي فعالا وعند تعرض القبيله لخطر عندها يقوم كل فخد من القبيله بدعوة أبنائه للمشاركه في دفع الخطر والاتجاه نحو دار الشيخ باهزوجات يرفع فيها علم العشيره وتقال فيها الأشعار البدويه الحماسيه فهي عرض عسكري يبان من خلاله قوة المجموعه المشاركه وبعدها يتجهون وهم إلى موقع المعركه وهم مهياؤن وتواقون للمشاركه فيها
وبعد انتهاء فاعلية
التنظيم السياسي القبلي بظهور الدوله المركزيه القويه أصبح الغزو من ذكريات الماضي يذكر بعض قصصه الأجداد والآباء للاحتفاء للتسليه واقتصرت العراضه في الوقت الحاضر على حالات وفيات شيوخ العشائر فعندما يصل إلى علم شيخ العشيره نبأ وفاة شيخ عشيره أو ابنه أو أخيه أو شخصيه مؤثره فيها وتربطه بتلك العشيره علاقة صداقه اوقربي أو مصاهره يقوم بتنبيه أفراد عشيرته بذالك ويبلغهم باليوم الذي سيخرجون فيه عراضه إلى ديار العشيره المحزونه.. وبعد أن يهياون علم العشيره وشاعرها وان لم يكن لديهم شاعر فيستعينون بمهوال متميز.. وهم كثر.. وبعد أن يطمئن أن عدد العراضه أصبح كافيا ولائقا للاستعراض فيقومون بركوب السيارات حاملين معهم علمهم ولربما وضعوه وساريته على ظهر إحدى السيارات المصاحبه حيث يترجلون بعد وصولهم لمسافه قريبه من مجلس الفاتحه وينتظمون ويرفعون علم العشيره ويقوم المهوال بإلقاء الهوسات التي تبين تأثر العشيره العارضه للأمر الذي تعرضت له العشيره المعروض عليها..مثال ذالك
اسمع يالتنشد
جينا نعزي راعي الدار
ولا ينسى مدح شيخ العشيره المستعرضه ففي الغالب الأعم أن المهوال سوف يلقى التكريم منه بنفحه بالهبات وال عطايا.. . مثال ذالك
هذا البيه من العشرين
اسمع والناس تكلك
فإذا ماشاهدت القبيله المستعرضه عليها القبيله المستعرضه تقوم هي الأخرى باستقبالها بالاهازيح مثال ذالك
اهلا بالجاي يعزي
واهلا بالوياه
او
اهلا بالخال النشمي
ولربما بعد وصولها تأتي مهروله العشيره العارضه بقوه يتقدمها شيخها ووجهائها وهم يرددون الاهزوجه التي ارتجزها مهوالها
وبعد أن تصبح العراضه في موقع تماس مع مجلس الفاتحه يقوم أحد أفراد العشيره المعروض عليها بأخذ علم العشيره العارضه وغرسه مع إعلام العشائر الأخرى التي سبقت.. وبالاضافه إلى العلم ففي الوقت الحاضر أصبحت بعض العشائر تكتب تعزيتها على لافته سوداء تكتب فيها عبارات التعزيه على لسان شيوخها وتثبت عل احد جدران العشيره المحزونه مثال ذالك.. (ببالغ الحزن والاسى تنعى إمارة حمير امارة خفاجه بوفاة الشيخ محسن منصور السماوي.. انا لله وانا اليه راجعون)
الشيخ مسلم حسين جواد الحميري
وعليه فالعراضه فيها انتقال للعشيره المستعرضه إلى مكان العشيره الثانيه الذي ربما يبعد عشرات الكيلومترات وبعد الوصول تبدأ الهوسات وعلمها مرفوعا.. أما الهوسه فهي تكون في موطن العشيره ذاتها وقرب مجلس الفاتحه أو مناسبة الفرح.. لكن ذالك لايمنع أن تستعرض العشيره قدراتها في مضاربها قبل ترك ديارها باتجاه العشيره المعروض عليها للوقوف على لياقة العشيره في أدائها هذه الفعالية و لتعريف النشأ الجديد بالهوسه والعراضه للمارستها في قابل ايامهم....
ويلاحظ أن إطلاق النار يكون على أشده في حالات التشيع التي هي أقرب للعراضه لكثرة العشائر وإعلامها والمهاويل وهم في حالة حركه لمسافه تصل احيانا إلى العديد من الكيلو مترات يتخللها إطلاق نار كثيف من جميع انواع الاسلحه الخفيفه والثقيله من مسدسات وبنادق متوسطه بل وأحيانا حتى بإطلاق صواريخ القاذفات... وهو أمر قد جر إلى ويلات فلعدم تمكن الرامي من سلاحه فربما هوت فوهته سلاحه باتجاه أجساد المشيعين أو الحضور فحصدها وهي حالات كثيراما حصلت وتحصل في كل عراضه عشائريه.. وتشير هذه الحاله لعدم سيطرة الدوله على السلاح وانفقاد الأمن والسلم الاجتماعي ولمايمثله من تبديد بالعتاد الواجب ادخاره للخطر الخارجي..لذا وجب على الدوله العمل بقرار منع إطلاق العيارات الناريه وعلى أبناء العشائر أن يكونوا واعين لخطورة هذه الأنشطة والتي ربما باعدت واساءت أكثر مما قربت واضرت أكثر مما أفادت بزيادتها للأيتام والأرامل وهدر المال العام....