خطبة جمعة

بعنوان
(الحس الوطني)
كتبها
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل



الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ الذِي رَفَعَ الحَرَجَ وَأَدْنَى الفَرَجَ أَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ،
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَاتَّقُوا اللهَ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ).
أّيُّهَا المُسْلِمُونَ : عَلَى زَمَنِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، إِمْرَأَتَانِ مَعَهُمَا طِفْلَانِ صَغِيرَانِ ، هَجَمَ عَلَيْهِمَا ذِئْبٌ فَأَكَلَ الذِّئْبُ وَلَدَ الكُبْرَى فَادَّعَتْ المَرْأَةُ الكُبْرَى أَنَّ الوَلَدَ المَأْكُولَ هُوَ وَلَدُ الصُّغْرَى ، فَاحْتَكَمَتَا لَدَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَكَانَتْ الكُبْرَى أَلْحَنَ حُجَّةً وَأَسْبَغَ بَيَانًا ، فَقَضَى دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الوَلَدَ لِلْكُبْرَى ، ثُمَّ احْتَكَمَتَا إِلَى سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، الذِي فَهَّمَهُ اللهُ الحُكْمَ ، قَالَ اللهُ فِي حُكْمِهِ فِي مَسْأَلَةِ الغَنَمِ التِي نَفَشَتْ فِي الحَرْثِ قَالَ تَعَالَى ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) ، إِحْتَكَمَتْ هَاتَانِ المَرْأَتَانِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْطُونِي سِكِّيناً أَشْطُرُ هَذَا الوَلَدَ شَطْرَيْنِ ، وَأَشُقُّهُ نِصْفَيْنِ ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا تَأْخُذُ نِصْفًا ، فَرَضِيَتْ الكُبْرَى بِذَلِكَ ، وَأَمَّا الصُّغْرَى فَرَفَضَتْ هَذَا الحُكْمَ ، وَتَنَازَلَتْ عَنْ نِصْفِهَا ، وَقَالَتْ أَعْطُوا الوَلَدَ لِلْكُبْرَى وَلَا تَقْسِمُوهُ نِصْفَيْنِ ، فَعَلِمَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَنَّ الوَلَدَ لِلصُّغْرَى ، فَحَكَمَ لَهَا بِالوَلَدِ ، لِأَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، يَعْلَمُ أَنَّ الأُمَّ الحَقِيقِيَّةَ لِلْوَلَدِ لَا تَرْضَى بِشَقِّهِ نِصْفَيْنِ ، لِأَنَّهُ فَلَذَةُ كَبِدِهَا ، وَثَمَرَةُ فُؤَادِهَا ، وَأَمَّا الأُمُّ المُزَيَّفَةُ ، صَاحِبَةُ الإِدِّعَاءِ البَاطِلِ ، فَلَا يَهُمُّهَا ذَلِكَ ، أَشُطِرَ الوَلَدُ أَمْ لَمْ يُشْطَرْ ، أَقُتِلَ الطِّفْلُ أَمْ لَمْ يُقْتَلْ ، بَلْ تُرِيدُهُ يُشْطَرُ وَيُقْتَلُ ، لِتَتَسَاوَى هِيَ وَالصُّغْرَى فِي المُصِيبَةِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : هَذِهِ القِصَّةُ العَجِيبَةُ التِي وَرَدَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا المَعْنَى الحَقِيقِيِّ لِصِدْقِ الإِرْتِبَاطِ ، وَتُجَسِّدُ حَالَنَا نَحْنُ مَعَ تُرْبَتِنَا الغَالِيَةِ ، وَوَطَنِنَا العَزِيزِ ، الذِي لَا يُبَاعُ بِالأَثْمَانِ ، إِنَّمَا الأَرْوَاحُ وَالأَبْدَانُ فِدَاءً لِوِحْدَتِهِ وَسَلَامَتِهِ
وَلِي وَطَنٌ آلَيْتُ أَلَّا أَبِيعَهُ
وَأّلَّا أَرَى غَيْرِي لَهُ الدَّهرَ مَالِكَا
عَمَرْتُ بِهِ شَرْخَ الشَّبَابِ مُنَعَّمًا
بِصُحْبَةِ قَوْمٍ أَصْبَحُوا فِي ظِلَالِكَا
وَحَبَّبَ أوْطَانَ الرِّجَالِ إِلَيْهُمُ
مَآرِبُ قَضَّاهَا الشَّبَابُ هُنَالِكَ
إِذَا ذَكَرُوا أَوْطَانَهُمْ ذَكَّرَتْهُمُ
عُهُودُ الصِّبَا فِيهَا فَحَنُّوا لِذَلِكَا
فَقَدْ أَلِفَتْهُ النَّفْسُ حَتَّى كَأَنَّهُ
لَهَا جَسَدٌ إِنْ بَانَ غُودِرَ هَاِلكَا
أَّيُّهَا المُسْلِمُونَ : لَا يَزَالُ أَصْحَابُ الدَّعَوَاتِ المُغْرِضَةِ ، دَعَوَاتُ الفَوْضَى وَالمُظَاهَرَاتِ وَالمَسِيرَاتِ ، كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ بَارِقُ سُوءٍ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ، هَذِهِ حَالُهُمْ لَا تَسْكُنُ لَهُمْ نَفْسٌ خَبِيثَةٌ ، وَلَا تَهْدَأُ لَهُمْ رُوحٌ نَتِنَةٌ ، رَبَى صَدِيدُ الحِقْدِ فِي قُلُوبِهِمْ ، فَفَاضَ عَلَى أَجْسَادِهِمْ يُمَزِّقُهَا ، كَالنَّارُ تَأْكُلُ بَعْضُهَا * إِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهُ ، وَلاَ غَرَابَةَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْ غَرِيبٍ ، وَلَكِنَّ الذِي يُدْمِي الفُؤَادَ أَنْ تَأْتِي المَآسِي مِنْ ابْنِ البِلاَدِ ، فَالدُّعُاةُ لِلْفَوْضَى وَالمُحَرِّضِينَ عَلَيْهَا ، كَتِلْكَ المَرْأَةِ الكُبْرَى المُزَيَّفَةِ ، لَا يَهُمُّهُمْ أَتَمَزَّقَ الوَطَنُ أَتَهَتَّكَتْ أَرْكَاُنُهُ ، أَسَادَ فِيهِ القَتْلُ وَالدَّمَارُ ، لاَ يَهُمُّهُمء أَبَدًا ، هَؤُلَاءِ وَاللهِ لَيْسُوا أبْنَاءً حَقِيقِيِّينَ لِهَذَا الَوَطَنِ ، لِأَنَّ الإِبْنَ الحَقِيقِيِّ لِهَذَا الوَطَنِ ، لَا يَرْضَى أَنْ يُشَاكَ الوَطَنُ بِشَوْكِةٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَمَسُّهُ يَدُ التَّمْزِيقِ وَكَفُّ التَّحْزِيبِ ، وَذِرَاعُ التَّخْرِيبِ ، لَقَدْ تَنَازَلَتْ هَذِهِ الأُمُّ الصُّغْرَى عَنْ وَلَدِهَا ، فِي سَبِيلِ بَقَائِهِ ، وَعَدَمِ تَعْرِيضِهِ لِلْهَلاَكِ ، الإِبْنُ الحَقِيقِيُّ لِهَذَا الوَطَنِ ، هُوَ مَنْ يَبْذُلُ رُوحَهُ وَدَمَهُ وَجَمِيعَ مَا يَمْلِكُ ، فِي سَبِيلِ تَمَاسُكِ بِلَادِهِ الطَّيِّبَةِ ، وَوُحْدَةِ صَفِّهَا ، وَيَسْتَمِيتُ فِي سَبِيلِ تَمَاسُكِ الأُمَّةِ ، قَالَ تَعَالَى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)
أيُّهَا المُؤْمِنُونَ : رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوَّلُ عَمَلٍ قَامَ بِهِ فِي المَدينَةِ يَوْمَ أَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا ، أَنْ آخَى بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، قَالَ اللهَ تَعَالَى ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وَنَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الفُرْقَةِ وَالتَّحَزُّبِ وَالتَّفَكُّكِ فَقَالَ تَعَالَى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم


الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَاتَّقُوا اللهَ القَائِلَ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُسْلِمُونَ : نَحْمَدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ حَبَانَا وَحَبَاكُمْ هَذِهِ العُقُولَ النَّيِّرَةَ التِي أَدْرَكَتْ بِبُعْدِ نَظَرِهَا وَسَلاَمَةِ عَقِيدَتِهَا ، مَا وَرَاءَ دَعَاوَى بَاءَتْ بِالفَشَلِ، وَآلَتْ بِمَنْ تَبِعَهَا وَصَدَّقَهَا إِلَى الحُرُوبِ وَالهَلَاكِ وَالفَوْضَى وَالدَّمَارِ ، لِأَنَّ البِضَاعَةَ الكَاسِدَةَ لاَ يُمْكِنُ تَسْوِيقُهَا لَدَى أُمَةِ التَّوْحِيدِ وَالعَقِيدَةِ الصَّافِيةِ وَأَمَّةِ الوَفَاءِ وَالشَّهَامَةِ ، وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أُمَّةٌ يَحْدُوا سُرَاهَا طِيبُ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ صَلَّىّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الذِي أَمَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) وأمرنا بالصلاة والسلام عليه فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين