خطبة جمعة

بعنوان

آفة التدخين

كتبها

عبدالله فهد الواكد

إمام وخطيب جامع الواكد بحائل



الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ الذي استخلصَ الحمدَ لنفسِهِ ، واستوجبَ الثَّنَاءَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ، نَاصِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ بِيَدِهِ ، وَمَصِيرُ كُلِّ شَيْءٍ إلَيْهِ ، وَتُكْلَانُ كُلِّ أَمْرٍ عَلَيْهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا اللهُ وحدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) أَمَّا بَعْدُ أيُّها المُسْلِمُونَ : فَإِنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ يَنْفَعُكُمْ إِلاَّ أبَاحَهُ اللهُ لَكُمْ فَضْلاً مِنْهُ وَإِحْسَاناً ، وَمَا مِن شَيْءٍ يَضُرُّكُمْ إِلاَّ حَرَّمَهُ عَلَيْكُمْ رَحْمَةً مِنْهُ وَامْتِنَاناً ، قَالَ تَعَالَى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) فَلِلَّهِ النِّعْمَةُ عَلَيْكُمْ بِمَا أبَاحَهُ لَكُمْ وَلِلهِ النِّعْمَةُ بِمَا حَرَّمَهُ عَلَيْكُم مِنْ الخَبَائِثِ والمُضِرَّاتِ ، فَعَلَيْكُم أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ أَنْ تَشْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ فِي الحَالَتَيْنِ ،
أَيُّهَا النَّاسُ : مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ ضَرَرُهُ ، وَمُجْمَعٌ عَلَى تَصْنِيفِهِ فِي زُمْرَةِ الخَبَائِثِ ، تَفَشَّى فِي مُجْتَمَعَاتِ المُسْلِمِينَ ، حَتَّى تَغَلْغَلَ فِي النَّاسِ شَيْئاً فَشَيْئاً ، فَلَا تَجِدُ بَيْتًا إِلَّا مَا نَدَرَ مِمَّنْ رَحِمَ رَبُّ البَشَرِ، يَخْلُوا مِنْ رَائِحَتِهِ الكَرِيهَةِ ، وَلَا تَجِدُ بِقَالَةً وَلاَ تَمْوِينَاتٍ ، إِلَّا وَهُوَ يَتَصَدَّرُ مَبِيعَاتِهَا ، وَلاَ تَمُرُّ فِي طَرِيقٍ إِلَّا وَتَرَى أَعْقَابَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً ، إِنَّهُ الدُّخَانُ يَاعِبَادَ اللهِ ، إِنَّهُ العَادَةُ المُدَمِّرَةُ ، وَالآفَةُ المُكَدِّرَةُ ، إِنَّهُ الآفَةُ التِي بَدَأَ العَالَمُ جَمِيعًا بِمُحَارَبَتِهِ ، حَيْثُ بَلَغَ المُدَخِّنُونَ فِي العَالَمِ مِلْيَاراً وَمِئَتَيْ مِلْيُونَ مُدَخِّناً ، وَالدُّخَانُ يَقْتُلُ سَنَوِياًّ فِي العَالَمِ خَمْسَةَ مَلَايِينَ شَخْصًا بِمُعَدَّلِ شَخْصٍ وَاحِدٍ كُلَّ تِسْعَ ثَوَانٍ ، شَيْءٌ مُذْهِلٌ ، وَمُنْذِرُ جَلَلٍ ، وَكَارِثَةٌ عَظِيمَةٌ ، حَتَّى وَبَاءَ كُورُونَا الذِي إسْتَنْفَرَ العَالَمُ مَا يَمْلِكُ فِي مُوَاجَهَتِهِ وَأَغْلَقَتْ الدُّوَلُ حُدُودَهَا ، وَحُظِرَ عَلَى النَّاسِ الخُرُوجُ مِنْ بُيُوتِهِمْ ، لَمْ تَفْعَلْ كُورُونَا بِالنَّاسِ مَا فَعَلَهُ التَّدْخِينُ سَوَاءً فِي مُعَدَّلَاتِ الوَفَاةِ أَوْ فِي العَدْوَى لِأَنَّ الدُّخَانَ مُعْدٍ بِالتَّقْلِيدِ وَالمُصَاحَبَةِ وَكَذَلِكَ فِي الخَسَائِرِ الإِقْتِصَادِيَّةِ ، فَفِي المَمْلَكَةِ سِتَّةُ مَلَايِينَ مُدَخِّنٍ حَسَبَ إِحْصَائِيَّةٍ رَسْمِيَّةٍ ، فَلَوْ ضَرَبْنَا هَذَا العَدَدَ بِسِعْرِ عُلْبَةِ الدُّخَانِ وَهُوَ عِشْرُونَ رِيَالاً تَقْرِيبًا لَأَصْبَحَتْ الخَسَارَةُ عَلَى شِرَاءِ الدُّخَانِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِلْيُونَ رِيَالٍ يَوْمِيًّا ، وَفِي السَّنَةِ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ مِلْيَارَ رِيَالٍ ، هَذِهِ مِيزَانِيَّةُ دَوْلَةٍ صَغِيرَةٍ ، وَهَذَا فَقَطْ فِي المَمْلَكَةِ ، فَكَيْفَ بِدُوَلِ العَالَمِ كُلِّهَا ، أَرَأَيْتُمْ ضَخَامَةَ الخَطَرِ ، فَكَمْ تَعَالَتِ الأصوَاتُ في إِنكَارِ شُربِ الدُّخَانِ ، وَكَمْ صَدَرَتْ التَّحذِيرَاتُ الطِّبِيةُ عَنْ إِضْرَارِهِ وَ أَضْرَارِهِ ، وَكَمْ صَدَرَ مِنْ الفَتَاوَى الشَّرْعِيَّةِ بِتَحرِيمِهِ ، وَكَمْ أُلِّفَ مِنْ الكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ بِبَيَانِ مَفَاسِدِهِ ، فَهَلْ سَأَلْتَ نَفْسَكَ يَاَمَنِ ابْتُليتَ بِهَذَا الدَّاءِ ، إِلَى مَتَى وَأَنَا أُدَخِّنُ ؟ إِلَى مَتَى وَأَنَا أُجَاذِبُ الأَذَى ، وَأَمْتَصُّ الدَّاءَ ، نَعَمْ ، إِلَى مَتَى وَأَنْتَ تُدَخِّنُ ؟ إنْ كَانَ لاَيُهِمُّكَ المَالُ فَلْتُهِمُّكَ الصِّحَّةُ ، وَإِنْ كَانَتْ لاتُهِمُّكَ الصِّحَّةُ ، فَلْيُهِمُّكَ الدِّينُ ، وَإِنَ كَانَ لايُهِمُّكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَلْيُهِمُّكَ مَنْ حَوْلُكَ مِنَ المُسْلِمِينَ ، فَإِنَّكَ تُسِيءُ إِلَى كُلِّ مَنْ يُجَالِسُك ، وتُضَايِقُهُم بِرَائِحَتِهِ الكَرِيهَةِ ، بَلْ تُضَايِقُ بِهِ حَتَّى المَلَائِكَةَ ، لِأَنَّ المَلَائِكَةَ ، تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُوا آدَمَ ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ { مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ البَقْلَةِ الثُّومِ وَقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ َالبَصَلَ وَالثُّومَ وَالكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تَتَأَذّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ ، { مَنْ آذَى مُسْلٍماً فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، فَمَا عَادَ الدُّخاَنُ كَمَا كَانَ فِي المَاضِي ، يُبَاعُ خِفْيَةً ، وَيُشْرَبُ خِلْسَةً ، إِنَّما جِهَارًا نَهَاراً ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ r {كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَى إِلَّا المُجَاهِرِينَ}
أَيُّهَا الآبَاءُ وَالإِخْوَةُ العُقَلَاءُ : إِنَّ هُنَاكَ أُنَاساً يَتَأَسَّوْنَ بِكُمْ ، وَشَبَاباً يَقْتَدُونَ بِتَصَرُّفَاتِكُمْ ، فَاتَّقُوا اللهَ فِيهِمْ ، حَتَّى الأَطْفَالَ الصِّغَارَ ، يَفْعَلُونَ كَمَا أَنْتُمْ تَفْعَلُونَ ، ثُمَّ يَألَفَونَ شُرْبَهَا ، وَيَقَعَونَ فِي فَخِّهَا ، وَبَعْدَ ذَلِكَ ، يَنْضَمُّونَ إِلَى صُفُوفِ المُدَخِّنِينَ ، وَلَرُبَّمَا سَلَكُوا سُبُلاً مِعْوَجَّةً ، لِيَحْصُلُوا عَلَى هَذَا الأَذَى ، فَاتَّقُوا اللهَ ، وَاسْتَتِرُوا حَتَّى يَعْصِمَكُمْ اللهُ
وَأَنْتَ أَيُّهَا المُغْتَرِبُ ، يَامَنِ اغْتَرَبْتَ عَنْ أَهْلِكَ وَعِيَالِكَ ، تَبْحَثُ عَنْ لُقْمَةِ العَيْشِ ، وَتُكَابِدُ العَنَتَ وَالمَشَقَّةَ ، لِمَاذَا تَمُدُ هَذِهِ الأَيَادِي المُنْهَكَةَ ، وَتَسْتَلُّ مِنْ بَيْنِ مَقَاطِرِ عَرَقِ جَبِينِكَ ، مَبْلَغاً مِنَ المَالِ ، حَرَمْتَ مِنْهُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ ، وَوَلَدَكَ وَبِنْتَكَ وَزَوْجَتَكَ وَأَقْرِبَاءَكَ ، تَدْفَعُهُ ثَمَناً لِهَذَا الخَبِيثِ ، إِنَّ المُسْلِمَ الحَصِيفَ ، لَيَتَأَلَّمُ أَشَدَّ الأَلَمِ مِنْ حَالِ بَعْضِ المُسْلِمِينَ ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ المُسْلِمَ المُبْتَلَى بِالتَّدْخِينِ ، غَيْرُ رَاضٍ عَنْ نَفْسِهِ ، فَهُوَ فِي خَوْفٍ مِنْ رَبِّهِ ، وَفِي حَرَجٍ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنَ النَّاسِ ، لَكِنَّ هَذِهِ العَادَةَ السَّيِّئَةَ ، صَارَتْ كالنَّفَسِ الذِي يَسْلُكُ رِئَتَيْهِ ، فَيَاأَخِي المُسْلمُ : الكَثِيرُ الكَثِيرُ مِنْ النَّاسِ ، دَخَّنَ زَمَناً طَوِيلاً ، ثُمَّ أَقْلَعَ عَنْهُ وَقَفَلَ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ ، فَكُنْ بَارَكَ اللهُ فِيكَ مِنْهُمْ ، قَاَلَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ { كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ } وَ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ

الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، َوأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، تَعْظِيماً لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه ُ، الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ ، وَسَلّمَ تَسْلِيماً مَزِيداً (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أَيُّهَا المُسْلِمُ الكَرِيمُ : يَامَنْ ابْتُلِيَ بِالتَّدْخِينِ إِعْلَمْ أَنَّهُ يُوجَدُ مَصَحَّاتٌ وَمَرَاكِزُ لِمُكَافَحَةِ التَّدْخِينِ فَاذْهَبْ إِلَيْهَا فَلَدَيْهِمْ القُدْرَةُ بَعْدَ اللهِ عَلَى مُسَاعَدَتِكَ وَالأَخْذَ بِيَدِكَ إِلَى بَرِّ الإِقْلَاعِ عَنْ هَذَا الدَّاءِ ،
وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا المُسْلِمُ المَصُونُ ، الذِي حَفِظَكَ اللهُ مِنْ شَرِّهِ ، فَاجْعَلْ شُكْرَكَ لِلهِ فِي نُصْحِكَ لِلآخَرِينَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ، َونَسْأَلُ اللهَ فِي هَذَا اليَوْمِ المُبَارَكِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِ وُلَاةِ الأَمْرِ إِلَى مُحَارَبَتِهِ وَنَبْذِهِ وَمَنْعِ بَيْعِهِ ، وَفَكِّ المُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِ هُوَ وَالشِّيشَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ المُبَاعَاتِ الخَبِيثَةِ ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَهْدِي أَصْحَابَ المَحِلاَّتِ التِي تَبِيعُهُ ، وَأَنْ تَتْرُكَ بَيْعَهُ لِوَجْهِ اللهِ ، لِأَنَّ صَاحِبَ المَحَلِّ سَيُسْأَلُ أَمَامَ اللهِ عَنْ كُلِّ مَا سَبَّبَهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ مَفَاسِدَ ، وَأَسْأَلُ اللهَ فِي هَذِهِ السَّاعِةِ ، أَنْ يعْصِمَكَ أَيُّهَا المُدَخِّنُ مِنْ التَّدْخِينِ ، فَاسْتَتِرْ بِدَايَةً ثُمَّ اسْتَتِرْ ثُمَّ اسْتَتِرْ يَسْتُرُكَ اللهُ ، وَيُعِينُكَ عَلَى تَرْكِهِ ،
ألا وصلّوا وسلّموا على من أمرتم بالصلاة والسلامِ عليه