خطبة جمعة

بعنوان

( آخر جمعة في رمضان )
عام 1442 هـ

كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل




الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فيَا عِبَادَ اللهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ :
مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالبَارِحَةِ، كُنَّا فِي جُمُعَةٍ مَاضِيَةٍ نَعِيشُ أَوَائِلَ أَيَّامِ رَمَضَانَ، وَاليَوْمَ نَعِيشُ أَوَاخِرَهُ وَأَزَفَاتِهِ فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ المَقْبُولُ مِنَّا فَنُهَنِّيهِ، وَمَنْ المَحْرُومُ فَنُعَزِّيهِ قَالَ تَعَالَى (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) الزلزلة .
أيها المسلمون : قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ ((كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا))
ذَهَبَتْ هَذِهِ الأَيَّامُ يَاعِبَادَ اللهِ ، وَلَيْسَتْ الأَيَّامُ كَالأَيَّامِ ، وَلَيْسَتْ اللَّيَالِي كَاللَّيَالِي ، إِذَا لَمْ يَحْرِصْ المُسْلِمُ فِي رَمَضَانَ فَمَتَى يَحْرِصْ ، إِنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فِي رَمَضَانَ فَمَتَى يَجْتَهِدُ
إِذَا الرَّوْضُ أَمْسَى قَاحِلاً بِرَبِيعِهِ فَفِي أَيِّ فَصْلٍ يَسْتَنِيرُ وَيُزْهِرُ ؟
أَيُّهَا الأَخُ المُسْلِمُ ، إِنَّ الفُرْصَةَ لاَ زَالَتْ مُوَاتِيَةً ، وَلاَ زَالَ فِي الشَّهْرِ بَقِيَّةٌ ، بَقِيَ أَرْبَعُ لَيَالٍ أَوْ خَمْسٌ هُنَّ مِنْ أَفْضَلِهِ ، مِنْهُنَّ لَيْلَتَانِ وِتْرِيَّتاَنِ ، لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، وَلَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ قَدْ تَكُونُ لَيْلَةُ القَدْرِ إِحْدَاهُنَّ أَوْ لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَناَ لِلْعَمَلِ بِهاَ ، فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ ، وَتَقَلَّبْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ ، وَلاَ تَقُلْ أَنَا شَابٌ أَوْ صَحِيحُ الجِسْمِ وَأَمَامِيَ العُمُرُ الطَّوَيلُ ، لاَ تَقُلْ ذَلِكَ ، فَكَمْ مِنْ شَابٍّ خَرَجَ فَلَمْ يَعُدْ وَأَفْطَرَ وَلَمْ يَتَسَحَّرْ ، إِسْتَيْقِظْ وَأَحْسِنْ الخِتَامَ ، فَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا ، وَالأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ ، فَطُوبَى لِمَنْ غَسَلَ دَرَنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ ، وَرَجَعَ عَنْ خَطَايَاهُ بِالأَوْبَةِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَكْثِرُوا الإِسْتِغْفَارَ فِي خِتَامِ شَهْرِكُمْ ، قَالَ الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : " أَكْثِرُوا مِنْ الإِسْتِغْفَارِ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ مَتَى تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ " وَقَالَ لُقْمَانُ لاْبْنِهِ : " يَا بُنَيَّ ، عَوِّدْ لِسَانَكَ الإِسْتِغْفَارَ، فَإِنَّ للهِ سَاعَاتٍ لاَ يَرُدُّ فِيهِنَّ سَائِلاً " أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ الذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : شُرِعَ لِلْمُسْلِمِ فِي خِتَامِ الشَّهْرِ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الفِطْرِ، وَهِيَ فَرْضٌ وَاجِبٌ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ( فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الحُرِّ وَالعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، فَمَنْ أَدْرَكَ غُرُوبَ شَمْسِ لَيْلَةِ العِيدِ وَهُوَ حَيٌّ مُسْلِمٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الفِطْرِ ، وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُهَا عَنِ الجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، وَتُخْرَجُ مِنْ عَامَّةِ قُوتِ البَلَدِ كَالبُرِّ وَالتَّمْرِ أَوْ الأَرُزِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَمَرَناَ رَسُولُ اللهِ أَنْ نُؤَدِّيَ زَكَاةَ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، وَمِقْدَارُ زَكَاةِ الفِطْرِ صَاعٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا يُسَاوِي كِيلَيْنِ وَثَمَانِينَ جِرَاماً تَقْرِيباً ، وَلاَ تُدْفَعُ إِلاَّ لِمُسْتَحِقِّيهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ ، فَهِيَ تَجْبُرُ الخَلَلَ الذِي يَقَعُ فِي الصِّيَامِ فَهِيَ بِمَثَابَةِ سُجُودِ السَّهْوِ فِي الصَّلاَةِ ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ العِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، وَأَفْضَلُ وَقْتٍ لِإِخْرَاجِهَا قَبْلَ الخُرُوجِ لِصَلاَةِ العِيدِ ، وَلاَ يَجُوزُ تأخيرُهَا عَنْ صَلَاةِ العِيدِ ، فِإنْ أُخِّرَتْ أَصْبَحَتْ صَدَقَةً مِنَ الصَّدَقَاتِ ، وَتَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ مَلَكَ صَاعًا فَاضِلاً عَنْ قُوتِهِ يَوْمَ العِيدِ وَلَيْلَتَهُ ، وَلاَ يَجُوزُ دَفْعُ القِيمَةِ بَدَلَ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ خِلاَفُ المَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ : سُئِلَ أَحْمَدُ وَأَنَا أَسْمَعُ : يُعْطَى دَرَاهِمَ ؟ قَالَ : " أَخَافُ أَنْ لاَ يُجْزِئُهُ ، خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ " قَالَ الإِمَامُ بْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ ( قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا نَقْداً وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الوَاجِبَ إِخْرَاجُهَا طَعَاماً عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ العِلْمِ )
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَيَحْرُمُ صِيَامُ يَوْمَيْ العِيدَيْنِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَىَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ : يَوْمِ الفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ ، رَوَاهُ مُسْلِم ، وَعِيدُ الفِطْرِ يَوْمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ ، وَلِذَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ صِيَامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالَ أَوْ القَضَاءُ مِنْ اليَوْمِ الثَّانِي لِشَهْرِ شَوَّالَ ، وَيُسْتَحَبُّ الخُرُوجُ لِصَلاَةِ الْعِيدِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، بَلْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَشَيْخِ الإِسْلاَمِ بْنِ تَيْمِيَةَ وَغَيْرِهِ إِلَى وُجُوبِ الْخُرُوجِ لِصَلاَةِ الْعِيدِ ، لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ أَنْ نُخْرِجْهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأَضْحَى : العَوَاتِقَ وَالحِيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأَمَّا الحِيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ ، وَيُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ التَّجَمُّلُ لِلْعِيدِ وَلِبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ وَالطِّيبِ ، فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيُقِرُّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَيُسْتَحَبُّ الإِغْتِسَالُ قَبْلَ الخُرُوجِ لِصَلاَةِ العِيدِ ، فَقَدْ كَانَ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُو إِلَى المُصَلَّى ، وَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَغُسْلُ العِيدِ مُسْتَحَبٌّ بِالإِجْمَاعِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وِتْراً قَبْلَ خُرُوجِهِ لِلصَّلاَةِ ، لِمَا رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ، وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ العِيدِ وَيَوْمِهِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ الإِمَامُ لِصَلاَةِ العِيدِ ، يَرْفَعُ الرِّجَالُ أَصْوَاتِهِمْ بِذَلِكَ ، وَتَخْفِضُ النِّسَاءُ إِذَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ أَجَانِبَ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي البَيْتِ وَالمَسْجِدِ وَالسُّوقِ ، وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ أَنْ يَقُولَ : " اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ " أَوْ يَقُولَ " اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ كَبِيراً " أَوْ يَقُولَ " اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ ، اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا " وَكُلُّهاَ أَلْفَاظٌ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ.
صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مُحَمَّدٍ