الحَمْدُ للهِ رب العالمين ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ،
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
أَيُّهَا المُسلِمُونَ : خُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ القَضَاءِ وَالقَدَرِ وَوُجُوبُ الإِيمَانِ بِهِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِيمَانِ السِّتَّةِ ، فَلَقَد خَلَقَ اللهُ عِبَادَهُ فِي دَارِ ابْتِلاَءٍ وَامْتِحَانٍ وَكَبَدٍ وَمُعَانَاةٍ ، وَالرُّجْعَى إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ تَعَالَى ( كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )(الأنبياء - 35) ، فرِمَاحُ المَصَائِبِ عَلَى النَّاسِ مُشرَعَةٌ، وَسِهَامُ البَلاءِ إِلَيهِم مُرسَلَةٌ ، فالإِنسَانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مُعَرَّضٌ لِلْمَصَائِبِ وَالإِبْتِلَاءَاتِ وَالشِدَّةِ وَالعُسْرِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ وَيَحْتَسِبَ فَإِنَّ مَعَ الشِّدَّةِ فَرَجًا ، وَمَعَ البَلاءِ عَافِيَةً ، وَمعَ العُسرِ يُسرًا ، قَالَ تَعَالَى ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]. فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، هوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ ، المُدبِّرُ الحَكِيمُ ، فلا يَقَعُ شيءٌ في السماوات وَلاَ فِي الأَرْضِ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، قَالَ تَعَاَلَى ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31].
وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ( عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ، إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ، وَلَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ ) رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَمِنْ أَعْظَمِ الخَيْرِ الَّذِي تَشتَمِلُ عَلَيهِ المَصَائِبُ ، مُضَاعَفَةُ الأُجُورِ وَتَكفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَرِفْعَةُ الدَّرَجَاتِ، فَفِي صحِيحِ البُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ، وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بها مِن خَطَايَاهُ ) وَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يُرَكِّزَ عَلَى الجَوَانِبِ المُشْرِقَةِ فِي الجَوَائِحِ وَالمَصَائِبِ وَالإِبْتِلَاءَاتِ ، لِأَنَّ الشَّرَّ لاَ يَكُونُ مَحْضًا ، فَالخَيْرُ مَوْجُودٌ فِي ثَنَايَا المَصَائِبِ ، بَلْ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الجَوَائِحُ مِنْ أَسْبَابِ الخَيْرِ قَالَ تَعَالَى ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216] وَيَقُولُ سبحانه ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19] وَيَقُولُ: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11].
فيَجِبُ عَلَى المُسلِمِ فِيمَا كَتَبَهُ اللهُ عَلَيهِ وَقَدَّرَهُ، أَنْ يَرضَى بِهِ وَيَستَسلِمَ للهِ ، كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى العَبدِ في حَالِ سَرَّائِهِ وَضَرَّائِهِ، وَفي حَالِ الضَّرَّاءِ أَوجَبُ هو اللُّجُوءُ إِلى اللهِ وَدُعَاؤُهُ وَالتَّضَرُّعُ إِلَيهِ وَالاستِكَانَةُ إِلَيهِ، وَقَد ذَمَّ – الله ُتَعَالى - الَّذِينَ لا يَتَضَرَّعُونَ وَلا يَستَكِينُونَ وَقتَ البَلاءِ، فَقَالَ - سُبحَانَهُ-:﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [المؤمنون: 76]. وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى دَيدَنَ خَيرِ خَلقِهِ وَهُم أَنبِيَاؤُهُ وَرُسلُهُ ، إِذَا نَزَلَ بِهِمُ البَلاءُ وَاشتَدَّ بِهِمُ الكَربُ وَعَظُمَت عَلَيهِم المَصَائِبُ، لَجَؤُوا إِلَيهِ وَتَضَرَّعُوا، وَأَظهَرُوا افتِقَارَهُم بِالَّشكَوى إِلَيهِ ،
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - لْنَكُنْ مَعَ اللهِ بِطَاعَتِهِ يَكُنْ مَعَنَا بِحِفظِهِ وَتَوفِيقِهِ، فَإِنَّهُ - تَعَالى - مَعَ الصَّابِرِينَ، وَمَعَ المُؤمِنِينَ، وَمَعَ المُتَّقِينَ، وَمَعَ المُحسِنِينَ، ( إنَّ اللهَ مع الذينَ اتقوا والذينَ هُم محسنون )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ولي الصالحين ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.: أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَاتَّقُوا اللهَ القَائِلَ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ الفِتَنَ وَالأَزَمَاتِ وَالشَّدَائِدَ وَالمُلِمَّاتِ ، فُرصَةٌ لأَن يُرَاجِعَ المَرءُ نَفسَهُ وَيَتَبَيَّنَ إِيمَانَهُ وَقُوَّةَ صَبرِهِ ، وَمِنْ أَسْبَابِ زَوَالِهَا اللُّجُوءُ إِلَى اللهِ وَالإِكْثَارُ مِنْ الإِسْتِغْفَارِ وَالبُعْدُ عَنْ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي وَكَبَائِرِ الذُّنُوبِ كَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالمُسْكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ وَمَا صَاحَبَ ذَلِكَ مِنْ مُنْكَرَاتٍ ، وَالانتِصَارِ عَلَى الشَهَوَاتِ ، وَالعَودَةِ إِلى اللهِ، وَالتَّوبَةِ وَالإِنَابَةِ إِلَيْهِ ، فَإِنَّ النِّعَمَ لاَ تُفقَدُ ، وَالمَصَائِبَ لاَ تُولَدُ ، إِلاَّ بِسَبَبٍ مِنْ أَنفُسِنَا، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا