خطبة جمعة
بعنوان

شهر الله المحرم وكورونا

كتبها / عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل

2/1/1442





الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَأُثِنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ المُخْبِتِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ ، وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَـابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسُكُمْ )
فِي يَوْمِ الأَمْسِ الخَمِيسِ دَخَلَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ مُسْتَهِلاًّ عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا جَعَلَهُ اللهُ عَامَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ لِلإِسْلَاِم وَالمُسْلِمِينَ ، وَيُنْدَبُ فِي هَذَا الشَّهْرِ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَالصِّيَامُ فَعَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ : ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: " ‏أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ " رواه مسلم
أيها المسلمون : وَالأَشْهُرُ الحُرُمُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، أَيْ ثُلُثُ السَّنَةِ وَهِيَ شَهْرُ ذِي القِعْدَةِ ، وَسُمِّىَ بِذَلِكَ ،لِأَنَّ العَرَبُ كَانُوا يَقْعِدُونَ فِيهِ عَنِ القِتَالِ ، بَعْدَ أَنْ كَانَ مُسْتَمِراً بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ إِذَا انْتَهَى مُحَرَّمُ عَادُوا لِلْغَزْوِ وَالسَّلْبِ وَالقِتَالِ ، حَتَّى يَهِلَّ هِلَالُ رَجَبَ ، هَذِهِ هِيَ الأشْهُرُ الأُرْبَعَةُ الحُرُمُ ، ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ ، وَهُوَ شَهْرُ اللهِ رَجَبُ الفَرْدُ ، وَقَدْ كَانَ المُشْرِكُونَ يَتَشَاءَمُونَ مِنْ شَهْرِ صَفَرَ ،لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ فِيهِ إِلَى السَّلْبِ وَالنَّهْبِ ، وَالغَزْوِ وَالقَتْلِ ، بَعْدَ الكَفِّ عَنْ ذَلِكَ فِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلَالَةَ تَشَاؤُمِهِمْ ، وَبُطْلَانِ اعْتِقَادِهِمْ ، وَمَنَعَهُ بِقَوْلِهِ : ((لَا صَفَرَ)) ،لِأَنَّ المُقَرِّرَ لِلْأَحْدَاثِ وَالأَشْيَاءِ هُوَ اللهُ ، وَلاَ دَخْلَ لِلزَّمَنِ فِيمَا يَقَعُ فِي الكَوْنِ ، مِنْ خَيْرٍ وَضَرٍّ، لِأَنَّ المُدَبِّرَ هُو اللهُ تَعَالَى ، فَمَنْ سَبَّ الدّهْرَ ، أَوْ شَيْئاً مِنْهُ ، شَهْراً كَانَ أَوْ يَوْماً ، سَنَةً كَانَتْ أَوْ سَاعَةً ، فَكَأَنَّمَا إْعْتَقَدَ أَنَّ الزَّمَنَ مُسَبِّبٌ وَخَالِقٌ لِلضُّرِّ الذِي حَلَّ بِهِ ، وَلِذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ وَقَاَلَ : ((لاَ تَسُبُّوا الدّهْرَ ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ ، يُقَلِّبُ لَيلَهُ وَنَهَارَهُ)) أَيْ أَنَّمَا نَسَبْتُمُوهُ إِلَى الدَّهْرِ ،إِنَّمَا وَقَعَ بِقَضَاءِ اللهِ وَقدَرِهِ ، وَاللهُ خَالِقُهُ ، فَمَنْ سَبَّ الدَّهْرَ ، بِسَبَبِ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ أَقْدَارٍ ضَارَّةٍ ، فَكَأَنَّمَا سَبَّ اللهَ تَعَالَى ، مُقَدِّرَ الأَقْدَارِ كُلِّهَا ، وَمُقَلِّبَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ المُسْلِمُونَ : وَاللهُ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ ، جَعَلَ حَجَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي السَّنَةِ العَاشِرَةِ مِنْ الهِجْرَةِ ، مُنْطَلَقاً لِضَبْطِ الأَشْهُرِ ، وَأَعْلَنَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : (( إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اْسْتَدَارَ ،كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ )) ، فَأَبْطَلَ بِإِعْلَانِهِ هَذَا ، كُلَّ نَسِيءٍ نَسَأَهُ المُشْرِكُونَ ، وَضَبَطَ التَّأْرِيخَ بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ ، وَكُلُّ تَقْدِيمِ يَوْمٍ أَوْ تأْخِيرِ يَوْمٍ ، فِي شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ ، يَعُودُ الهِلَالُ فَيَضْبُطُهُ ، فَالشَّهْرُ القَمَرِيُّ ، إِمَّا ثَلاَثُونَ يَوْماً ، أَوْ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، كَمَا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، : ((فَصَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ ، وَحَجُّكُمْ يَوْمَ تَحُجُّونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ))
فَالنُّذُورُ ، وَالعِدَدُ ، وَالكَفَّارَاتُ ، وَسَائِرُ الأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ ، لاَ يَصِحُّ حِسَابُهَا ، إِلاَّ بِالأَشْهُرِ القَمَرِيَّةِ ، قَالَ تَعَالَى : ( يَسْـئَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ ، قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ ) وَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْنَا ، أَنْ رَدَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ ، ثُمَّ ضَبَطَهَا أَهْلُ الإِسْلَام ،
فَيَا عِبَادَ اللهِ :
لِنَشْكرَ اللهَ تَعَالَى ،عَلَى مَا هَدَانَا ،وَإِنْ كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِينَ.
بَارَكَ اللهُ لي ولكُمْ بِالقُرْآنِ الكَرِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ ، أَقُولُ مَاسَمِعْتُمْ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ، وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ،فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ ،إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
أَمَّا بَعْدُ:عِبَادَ اللهِ ،
إِنَّ الذِي جَعَلَ لَنَا الأَشْهُرَ الأَرْبَعَةَ حُرُماً ، نَهَانَا أَنْ نَظْلِمَ فِيهِنَّ أَنْفُسَنَا حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ ( مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ ،فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ العِظَامِ وَاقْتِحَامِ المَعَاصِي وَالآثَامِ ، وَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بِإِيذَاءِ غَيْرِكُمْ وَنَقْلِ هَذَا المَرَضِ كُورُونَا بِتَجَاوُزِكُمْ التَّعْلِيمَاتِ وَعَدَمِ اكْتِرَاثِكُمْ بِالإِحْتِرَازَاتِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : نَسْأَلُكُمْ بِاللهِ أَنْ تَلْتَزِمُوا بِإِجْرَاءَاتِ الوَقَايَةِ وَالتَّبَاعُدِ وَلِبْسِ الكَمَّامَاتِ وَالمُدَاوَمَةِ عَلَى غَسْلِ اليَدَيْنِ وَتَرْكِ التَّجَمُّعَاتِ حَتَّى يَزَولَ هَذَا المَرَضُ ، حَائِلُ أَصْبَحَتْ تَتَصَدَّرُ مُدُنَ المَمْلَكَةِ بِسَبَبِ التَّهَاوُنِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ هَدَاهُمْ اللهُ ، تَخْرُجُ نَتِيجَةُ أَحَدِهِمْ بِأَنَّهُ مُصَابٌ وَبِسَبَبِ أَنَّهُ شَبَابٌ أَوْ أَنَّ مَنَاعَتَهُ مَا شَاءَ اللهِ جَيِّدَةٌ ، فَلاَ يَلْتَزِمُ عَزْلَ نَفْسِهِ إِنَّمَا يَبْدَأُ يَجُولُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَعْضُهُمْ يَخْرُجُ مِنْ أُنَاسٍ مُصَابِينَ إِلَى آخَرِينَ أَصِحَّاءَ ، وَإِذَا تَحَدَّثْتَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ لَكَ ، - مَا هُنَا إِلَّا الخَيْرَ – بَلْ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُكَذِّبُ وُجُودَ هَذَا الَمَرَضِ وَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ لاَ وُجُودَ لَهُ ، العِنَايَةُ المُرَكَّزَةُ بِحَائِلَ وَصِلَتْ نِسْبَةُ شَغْلِهَا كَمَا قَرَأْتُ 129 بِالمِئَةِ تَقْرِيبًا بِسَبَبِ كُورُونَا فَيُرْجَى مَنْ بِهِ كُورُونَا أَوْ خَالَطَ مُصَابِينَ أَنْ يَعْتَزِلَ المَسَاجِدَ وَالجُمَعَ وَهُوَ مَعْذُورٌ شَرْعًا وَأَنْ يَكُفَّ عَنْ التَّسَبُّبِ بِانْتِقَالِ هَذَا المَرَضِ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ أَفْتَى العُلَمَاءُ بِوُجُوبِ عَزْلِ المُصَابِ وَالمُخَالِطِ نَفْسَهُ حَتَّى لاَ يُؤْذِي الآخَرِينَ قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( لَا يُورِدُنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ )
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَكُونُوا جَمِيعًا ، وَيَدًا وَاحِدَةً ، وَجَسَدًا وَاحِدًا
وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ وَهَدَانَا وَهدَاكُم ، لِطَرِيقِ الفَضِيلَةِ وَالرَّشَادِ ،
ألا وصلوا وسلموا على رسول الله محمد

ملف وورد و بي دي اف
على الرابط التالي

https://sites.google.com/view/www-alwakid-net/%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A9/%D8%B4%D9%87%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B1%D9%85-%D9%88%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-42