[align=justify]
أصدق الكلمات هي تلك التي تخرج رغماً عنّا حتى لو حاولنا إغلاق جميع المنافذ في وجهها ، وحتى لو حكمنا عليه بالسّجن المؤبد في قلوبنا ، وهي التي تكتبنا قبل أن نكتبها وترسمنا قبل أن نرسمها ونراها تنساب من رؤوس الأقلام بنعومة قل نظيرها وبعفوية قلّ مثيلها ، وأكذب الكلمات هي تلك التي تعرض على لجان التفتيش في العقل مراراً وتكراراً فتحسب عدد حروفها وطريقة تشكيلها وتُعرّضها للشطب تارة وللتعديل تارة أخرى حتى تعود بلا لون ولا طعم ولا رائحة وتصبح قوالب جامدة كتلك التي نسمعها في نشرات الأخبار .
الأقلام / لوحات المفاتيح ودودة مع من يتواصل معها دائماً ويتعاهدها بالزيارة وحسن العشرة ، ولكنها سريعة التنكّر لمن يبتعد عنها طويلاً ويهمل التواصل معها والاطمئنان عليها حتى يصل بها الحال إلى أنها لاتستجيب له حين يعطيها الأوامر بترجمة ما في القلب والفكر ، لذلك لا تحسن ظنك بقلمك الذي هجرته طويلاً وحاول العودة إليه رويداً رويداً فإن مثلك كمثل لاعب الكرة إذا هجرها لفترة يستحيل عليه الرجوع لسابق مستواه سريعاً .
دائماً اعتبر كل فكرة تراودك ضيفاً عزيزاً عليك فأحسن استقباله ، وقم بحق ضيافته ، واذبح له أسمن ما لديك من إبداع ، وقدّم له ما لذّ وطاب من الكلمات الجميلة والعبارات الرائعة ، فإن الأفكار إذا لم تحسن استقبالها أو تأخرت في ذلك تغادر سريعاً وربما لا تعود أبداً .
حين كتابتك كن على سجيّتك وطبيعتك وإياك أن تحاول أن تكون غيرك لأنك إن حاولت فعل ذلك فشلت وعدت أسوأ مما كنت تظنّ نفسك عليه حتى تصبح كالغراب الذي أضاع مشيته ومشية الحمامة ، ولا تجهد نفسك وحرفك بتغطيتهما بغطاء المثالية لأنك مهما فعلت ذلك فضحتك زلات لسانك وخربشات قلمك على حين غرّة ولله درّ زهير بن أبي سلمى حين قال :
ومهما تكن عند امريء من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ

كتبت هذه الحروف تحت تأثير الحمّى وبعد يوم كامل قضيته مع الأدوية وأنا حبيس "البطانيات" لذلك أنصحك عزيزي القاريء حين تقرأه بـ "لاتنقله عنّي ولا تاخذه جدّ" كما يقول الشاعر نزهان الشمري .


‏‫منصور الغايب
twitter : @Mansour_m[/align]