[align=justify]
الهموم أنواع كما جاء على لسان العرب العاربة والمستعربة ، فقديماً قيل مامعناه : "همّ يبكّي وهمّ يضحّك" ، فيجب على كل مهموم أن يجعل لنفسه خطّة طواريء يواجه بها الهموم التي تنتابه بين حين وآخر على أن يستخدم لكل همّ ما يناسبه ؛ إمّا بكاء وعويل على غرار "أعينيّ جودا ولا تنفدا" ، أو من ضحك ورقص على غرار "لاتحسبوا أن رقصي بينكم طرباً" ، حتى ينتهي الهمّ بأقل الخسائر العُمْريّة ويتفرغ المهموم لاستقبال همّ جديد ليتعامل معه بمايناسبه أيضاً .
قرأت قبل أيام قانوناً جديداً أقرّه مجلس الأمة يقضي بعقوبات جديدة رادعة للوالد الذي يمنع ابنه من التعليم وتتضمن العقوبات الحبس شهراً أو غرامة بقيمة ألف دينار ! ، فكّرت كثيراً بهذا القرار الذي ظاهره فيه الحرص وباطنه - بالنسبة لي - فيه الهمّ ، ثم أخذت أفكر في نوعية هذا الهمّ حتى أواجهه بما يناسبه ، فوجدته همّاً من النوع المضحك بل الذي يجبرك على الاستلقاء على قفاك من شدة الضحك ولا بأس بقليل من التنكّس ياسادة "فالطير يرقص مذبوحاً من الألمِ" ، رغم أنه ذكّرني بهمّ قديم هو من النوع الذي يجبرك على البكاء دماً ، وذلك في تسعينيات القرن الماضي حين كان منظر كثير من أطفال البدون المحرومين من التعليم بسبب قلّة ذات اليد وعدم مجّانية التعليم يصل لدرجة عالية من الإيلام حتى يكاد أن يصيبك في مقتل ! ، مما أظهر جيلاً من الأطفال لا تتعجب إن قلت لك أنه أميّ أو نصف أمّي لا يجيد سوى القليل من القراءة والكتابة والحساب ، يوم أن كنت أرى أطفال البدون يبيعون الحلوى لأطفال المدارس وهم تخنقهم الحسرة والألم ولوعة الحرمان ، حتى أنني شاهدت بعضهم يرتدي لباس المدرسة رغم أنه لا يذهب إلى المدرسة تسلية من أهله له ، وعاينت بعض الأسر التي قامت بتسجيل أبنائها في المدارس - تسمى مجازاً مدارس في ذاك الوقت - بنظام "الشفتات" في كل سنة تسجل ابناً لها في حين يبقى الآخرون يصارعون لوعة الحرمان لعدم استطاعة الأسرة تحمل تكاليف دراسة الجميع ، وعاصرت بعض الزملاء في مقاعد الدراسة ممن كان يتم إخراجهم من الفصل يوميّاً بسبب عدم تسديد ولي أمره للرسوم الدراسية مما أدى لفصل بعضهم وطرده من الدراسة في ذلك الوقت حتى أشتهر بين أوساط الطلبة البدون مصطلح "طالب عسكري" و "طالب مدني" نسبة إلى ولي أمر الطالب والذي إن كان عسكريّاً فستتحمل وزارتي الدفاع والداخلية تكاليف الدراسة وماذاك حبّاً في البدون بل تنفيعاً لأصحاب المدارس ، وقد أدى ذلك كله وغيره لجعل بعض المحسنين - في وقته - جزاهم الله خيراً يقومون بتحويل بعض المساجد إلى كتاتيب يشرف عليها أبناء وبنات البدون المتعلمون مقابل أجر يسير وعمل عظيم لا زال يذكر فيشكر .
يا أعضاء مجلس الأمة أسألكم بالله ؛ ألا يستحق كل من كانت له يد في حرمان أولئك الأطفال البدون من حق التعليم أن يعاقب وأن تنزل به أشد العقوبات ؟! ، ألا يستحق من أخرج لنا جيلاً يعاني من ضعف القراءة والكتابة اليوم بين أبناء البدون أن يحال للقضاء ليقتص منه كل متضرّر ؟! ألا يستحق من جعل من البدون بضاعة تباع وتشترى بين أصحاب المدارس الجشعين أن ينال عقابه في الدنيا قبل الآخرة ؟! ، إن كنتم لا تستطيعون معاقبتهم ؛ فاعلموا أن الله سبحانه وتعالى قادر جبّار ، وسيقتص لكل مظلوم ممن ظلمه وسيسأل من قتل أحلام أطفال البدون : "بأي ذنب قتلت" ، والآن أستأذنكم يا سادة في فاصل رقص "من شدّة الألم" بسبب هذا الهمّ المضحك المبكي ! .


‏‫منصور الغايب
twitter : @Mansour_m[/align]