[align=justify]ركوب "أمواج المحيطات" رياضة يجيدها أقوياء القلوب أصحاء الأبدان محبو المغامرات ممن لا يثنيهم موج كالجبال عن ممارسة هوايتهم المحببة لقلوبهم ، أما ركوب "أمواج الشهرة" فهي صفة ملازمة للمتسلقين المتكسبين أصحاب المباديء الهلامية والأخلاق الهشّة والمسلّمات اللواتي سواء اجتمعن أو افترقن فإنهن قابلات للتكسّر آحاداً .
كل فترة تأتينا موجة "شهرة" عاتية من تمكن من ركوبها بمهارة لا يجيدها إلا المتكسبون المتلونون فإنه سينال من الشهرة ما ينال بقدر مهارته وتوقيته المناسب في ركوب تلك الموجة ، والأمواج تأتي تباعاً على فترات قد تكون متقاربة وقد تكون متباعدة ، والمتتبع لأحداث البلاد في الآونة الأخيرة سينتبه لذلك وسيرى كم من المشاهير اليوم ما هم إلا نتاج موجة "شهرة" استطاعوا ركوبها أو فلنكن أكثر صراحة ولنقل استخدموا كل ما هو متاح مما حلّ أو حرم لركوبها حتى لو كان تغيير ألوان أجسادهم أو تغيير أقنعتهم ولبس أقنعة جديدة مناسبة لتلك الموجة أو حتى الولوغ في أعراض الناس ونيّاتهم .
قبل فترة كانت موجة الشهرة هي الطعن في القبائل وولاءاتها والتشكيك في انتمائهم وكانت موجة يحتاج ركوبها إلى مزيد خسّة وفائض نذالة ، وانظر إلى من ركبها اليوم فستجدهم من المشاهير بل ممن أوصلتهم شهرتهم لكرسي البرلمان ، وأعداؤهم اليوم أكثر تتبعاً لهم وتلقفاً لأخبارهم من أصدقائهم وكل ذلك بسبب ركوب تلك الموجة مع أنهم وبشهادة الأصدقاء قبل الأعداء من سقط القوم ومن حثالة المجتمع ولن تجد لهم ذكراً في قادم السنين إلا على براميل مزبلة التاريخ .
وبعدها جاءت موجة الوقوف في صف الحراك والكتابة والتأييد والكلام في الحكومة والانتقاد لها على قاعدة "ليش مو لابس طاقية" وعلى نسق "ماتركتم في صاحبكم من خير" وكانت موجة كبيرة تتسع لعدد كبير من الركاب ركبها شيوخ القبائل قبل رعاتها وركبها أهل البادية والحاضرة وهم اليوم من المشاهير الذين يشار إليهم بالبنان في مواقع التواصل الاجتماعي وهم أقل ما يقال عنهم "مع الخيل يا شقرا" ، حتى أصبحنا نراهم بعد وصولهم لمبتغاهم من الشهرة يعودون القهقرى ليتراشقوا التهم بينهم مثلهم كمثل النار التي تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله .
وبعدها جاءت موجة المساس بالذات الأميرية إما تصريحاً أو تلميحاً وهي موجة تحتاج إلى قوة قلب أو إلى سفاهة قلّ نظيرها لاحتمالات عدّة ، وكانت خطواتها تأتي تباعاً على هيئة تغريدة فرتويت فتبليغ فتحقيق فمحاكمة فسجن فمسيرة فاستئناف فبراءة فاحتفاء فشهرة لا تعادلها شهرة ، حتى إن أحدهم ليود كتابة مذكرات "خلف القضبان" من أجل أيام معدودة قضاها في السجن ! ، كما أن تلك الموجة استفاد منها أيضاً المحامون الذين انبروا للدفاع بالمجانّ والذين لو جاءهم طالب حقّ قد سلب حقه لطالبوه بالمبالغ الطائلة ولكنهم تخلوا عنها من أجل شهرة تأتي بعد موجة .
واليوم نرى موجة شهرة جديدة قد لاحت في الأفق تنادي بصوت عالي : شهرة شهرة باقي ٤ راكب باقي ٥ راكب .... على غرار سائقي سيارات الأجرة في مكة أيام الحج ، وهذه الموجة لا تحتاج إلا إلى لسان سليط لا يتورع عن الكذب وقذف التهم ، أو إلى جهل مركّب لقلم لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، أو إلى متحدّث في غير فنّه ليأتيك بالأعاجيب ، أو إلى مهارة في سرد الحكايات على غرار حكايا قبل النوم يرمي فيها الكلام على عواهنه بلا دليل .
وهذه الموجة التي أشرت لها هي موجة انتقاد "الجامية" على حدّ تعبيرهم ووصفهم ، وإكثار الحديث حولهم ورميهم بما ليس فيهم ونعتهم بمشايخ البلاط ووعاظ السلاطين ، والتي بلا شك ستخلف لنا مجموعة جديدة من المشاهير والتي ستبتلى بهم الساحة الإعلامية أو حتى السياسية ، وإن غداً لناظره لقريب .[/align]