[align=justify]كنت قد وعدت الأستاذ محمد الوشيحي – وفقه الله – بأن ستكون لي وقفة مع مقاله ضد الجامية وذاك حين أعلن عنه في تويتر بعد أن سألته عن أدلّته على تغريدته التي ذكر فيها بأن الجاميّة لهم رتب ورواتب في أمن الدولة ، فوعد بذكر الأدلّة في المقال المذكور ، وبناء على ذاك الوعد كان وعدي بتلك الوقفة ، وحين نشر الأستاذ الوشيحي مقاله الذي خلا من الأدلّة على ما كان هو أساس الوعد ارتأيت عدم الرّد لقناعتي بأنّ المعارك الفكرية القصيرة يستفيد منها القارئ ولا يستفيد منها الكاتبان ، لكنّه – مشكوراً – عاد وبيّن لي بأنه ينتظر ردّي على مقالته ، وذاك لتواضعه وحسن ظنّه بقلمي ، فأقول بعد الاستعانة بالله :

في الخلافات الفكرية أنت أمام أمرين : إمّا أن تشتري راحة بالك وتعلّق على فمك لافتة مكتوب عليها "لكم دينكم ولي دين" ، أو أن تجرّد سيفك/قلمك وتكشف عن رأسك وتقول أنا لها أنا لها ، وتقارع سهام الحجّة بالحجّة بصدر مشرَع ورأس مكشوف وعينين تنظران إلى الحقّ ولسان يلهج بعبارة : اللهمّ أرني الحقّ حقّاً وارزقني اتّباعه وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه ، ثم تنتظر حتى ينجلي الغبار لتعرف هل فرس تحتك أم حمار ؟! وترى النّاس حينها على ثلاثة أضرب : ناجٍ مسلّم أو مكلومٌ مرسل أو مكردس على قفاه يُلقم من أحجار الحجّة .

من جهتي ولأسبابي الخاصّة أشتري راحة بالي غالباً لأنني على يقين بأنني لو نجوت فلن تنجو ثيابي من قليل وسخ ، ولن ينجو عرضي من كثير شتم .. والله المستعان ، لكنني أخشى أن ألاقي أمير الشعراء يوماً فيعاتبني لأنني لم أستمع لنصيحته المشهورة : قف دون رأيك في الحياة مجاهداً / إن الحياة عقيدة وجهادُ ، فأسوق نفسي بسيف الحياء إلى معارك الفكر من جديد .. واللي فيها فيها !

لو لمّ يسمّ النّاس "الغول" غولاً لما خاف منه الصّغار ، ولو سمّى النّاس الياسمين "فجلاً" لما اشتهى أحدٌ شمّه ، هكذا هي المسمّيات تؤثر في النّفوس ، قيل لأعرابي ما بال أسماء خدمكم أجمل من أسمائكم ؟! فقال : أسماء خدمنا لنا وأسماؤنا نرهب بها أعداءنا ! ، ولا يهون "تأبّط شرّاً" ! .

منذ القدم درج المخالفون لأهل الحق في كل مكان على إطلاق الأسماء عليهم لتنفير النّاس عنهم ، فسمّي النبي صلى الله عليه وسلّم كاهناً وساحراً وشاعراً ومفرّقا ، وسُمّي أهل الحق بعده بأسماء عديدة منها الحشوية والمجسّمة والمشبّهة والوهّابيّة وأخيراً وليس آخراً الجاميّة والمدخليّة وما ذاك إلا لتنفير النّاس عنهم وإيهامهم بأنّهم ليسوا على الحقّ ، ولو أطلقوا عليهم من الأسماء ما يليق بهم كأهل الحديث وأهل السنّة وأهل الأثر والسلفيين لانكبّ النّاس عليهم ينهلون منهم ولعلموا بأن ما سمّي فجلاً هو في الحقيقة ليس إلا ياسميناً تشتاق لشمّه الأنوف ، لكنّني هنا سأسلّم لكم جدلاً بمسمى الجاميّة وسأستعمله تجوّزاً حتى لا يتشتت ذهن القاريء الكريم وليعلم المقصود من غير المقصود .

هو محمد بن أمان الجامي قال عنه علامة زمانه وفريد عصره وأوانه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : (معروفٌ لديَّ بالعلم والفضل حسن العقيدة ، و النشاط في الدعوة إلى الله سبحانه و التحذير من البدع و الخرافات غفر الله له و أسكنه فسيح جناته و أصلح ذريته وجمعنا و إياكم و إياه في دار كرامته إنه سميع قريب) وهو من بسببه أطلق مسمّى الجامية على السلفيين أتباع الكتاب والسنّة ، ولو عدنا قليلاً لسبب إطلاق هذه التسمية لوجدناها على خلاف ما يستعمله كثير من النّاس اليوم لأن سبب إطلاقها كان بمقابل تحذير الشيخ محمد أمان الجامي من أخطاء وانحرافات وضلالات بعض رموز الجماعات الإسلامية والتي كشفت عن رأسها مع غزو الكويت وعبّرت عن نكيرها لجلب قوات أجنبيّة إلى الجزيرة العربية لتساهم في تحرير بلادنا ، فانبرى لهم الشيخ محمد أمان رحمه الله وإخوانه العلماء فردوا شبههم وعروهم أمام العامّة وبيّنوا سوء مقصدهم فنفع الله بهم وهدى بهم ولاة الأمر للأخذ بقولهم وإغلاق أفواه مثيري الفتن في حينه ، وبهذا يُعلم فضل الشيخ محمد أمان على هذه البلاد والتي يتعرض فيها الآن وبعد موته بسنين لهجمة تشويه شرسة ، بينما يستقبل من كان يعارض إحضار قوّات أجنبية لتحرير بلادنا من الغزو البعثي ، ومن كان يطعن بشرعية ولاة أمورنا في هذا البلد ، استقبال الأبطال ، مالكم كيف تحكمون ؟! .

محزن جدّا أن يصبح شباب الحراك السياسي سيفاً في يد بعض الجماعات الإسلامية المنحرفة عن جادّة الصواب ، والذين لا زالوا يعانون من آثار سياط الجاميّة في التحذير منهم وبيان ضلالاتهم ، رغم أن الخلاف بينهم أكبر من أن يحصره شباب الحراك السياسي تحت مسمّى "مشايخ البلاط" بل هو خلاف عقدي منهجي لايقبل القسمة على اثنين ، وأراهم اليوم – أقصد الجماعات الإسلامية المنحرفة – الأكثر فرحاً حين كُفوا المؤونة بغيرهم من شباب يشتعل حماساً ويحترق حزناً على ما يصيب البلد لكنه يجهل طرق الإصلاح الشرعية ليصبّ جام غضبه على مشايخ السّلطة والذي غرس في رأسه أنهم "الجاميّة" .

يحصل الخلط عند البعض حين يطلق كلمة جامي على كل من يداهن السلطان ويسوّغ له ظلم النّاس ويفتي له بما أراد ، وهذا والله خلط عجيب ، والواقع يكذّبه ، فكراسي الإفتاء في العالم الإسلامي أجمع لا يجلس عليها سلفي واحد على حدّ علمي باستثناء المملكة العربية السعودية ، فمن الذي يفتي للسلطان إذن ؟! وهل البوطي وحسّون وغيرهم ممن أحلّوا دماء المسلمين للحكام جاميّة ؟! وكيف ذلك وكتب الجاميّة مليئة بالتحذير منهم قبل هذه الفتن ، في حين أنّهم كانوا يتلقّون الثناء ممن ينتقدهم اليوم فقط لأنهم مع السّلطة ؟! وهل الإخواني "وجدي" جامي حين يأمر "مرسي" بضرب أعناق خصومه ؟! وكيف يستقيم والجاميّة أشدّ أعداء الإخوان وأشباههم المتسترين بالسلفية المكذوبة ؟! ، لو كان كلام البعض عن مشايخ السلطة الذين باعوا دينهم بدنياهم لما عارضهم أحد لأنهم موجودون بيننا أحياء نعرفهم بسيماهم ، ولكن حين تنزّل هذه التهمة وتنسب إلى الجاميّة وهم منها براء فهذا ما لايرتضيه منصف ، ثم إنني أقف مستغرباً عند لفظة "مشايخ السّلطة" والتي يطلقها البعض ثمّ لا يدلل عليها بأسماء ليغالط العامّة ، وكأن "مشايخ السلطة" هم رابع الغول والعنقاء والخلّ الوفي!، ثمّ إنني أعجب كيف يرمى الجاميّة بلعق أحذية الحكّام أجلكم الله وهم الأبعد عن مجالسهم وقصورهم ، وفقرهم وعوزهم وقلة ذات اليد في البلدان الإسلامية مشهود لهم بها ، ومحدودية دخلهم في بلادنا معروفة لمن قاربهم وعرف أحوالهم ، وأنا هنا أتحدّث عن المشايخ الذين أعلم بأن البعض يقصدهم ولو لم يسمّهم لأنهم هم الذين كان لهم تدخّل في الأوضاع الأخيرة التي عصفت بالبلد ، لكن البعض ربّما يجبن عن تسميتهم .

نتساهل في قذف التهم يمنة ويسرة و حين نطالب بالدليل نستدل بالعمومات ونجعل ممن كان عندنا "مسيلمة" أشدّ صدقاً من "حذامِ" لنثبت بأن الأمر برمّته اتباع للأهواء ليس إلا ، ومحاولة إيجاد شمّاعة نعلّق عليها أسباب فشلنا في الوصول لما نريد ، وكأن فتاوى الجاميّة هي التي عطّلت التنمية والإصلاح في هذا البلد منذ سنوات ، وكأن فتاوى الجاميّة تجرّ النّاس من تلابيبهم لاجبارهم على فعل ما لايريدون ، وما هي إلا فتوى يراها صاحبها أنها الحق الذي يدين الله تعالى به ، فإن أعجبكم فخذوا به ، وإلا .. فعند الله تجتمع الخصومُ .

كفوا عنهم رحمكم الله فهم عن سياستكم في شغل ، فقد أشغلتهم حلقات الذكر في رياض الجنان ينهلون من قال الله وقال الرّسول حين أشغلتكم مواد الدستور حفظاً وتفسيراً ، وانشغلوا بإصلاح قلوب النّاس حين انشغلتم أنتم بانتخاباتكم النيابيّة ، مبادئهم واحدة لا تتبدل حين يبدّل السياسي جلده في العام مائة مرة ، أقوالهم واحدة وكأنها تصدر من رجل واحد لأنها خرجت من مشكاة واحدة هي مشكاة النّبوة ، تبغضهم السلاطين لأنهم لا يُشترون بالمال ولا يجاملون في دين الله أحداً فيهمشونهم دهراً ثمّ إذا احتاجوا إليهم أكرموهم وما ضرّهم أن يتلقف الظالمون ما عندهم من حقّ وافق أهواءهم لينشروه ، وما ضرّهم موافقة السفهاء لهم لحاجة في صدورهم فهم على الحق منذ القدم سائرون لا يضرّهم من خالفهم أو خذلهم ولا يغريهم من وافقهم ، فهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفّوا ، طرحوا العاطفة وراء ظهورهم حين حكّمتم أنتم عاطفتكم ، وتوقفوا عند نصوص كتاب الله حين حكّمتم أنتم عقولكم ، وعلموا أن الدين ليس بالرأي كما قال علي رضي الله تعالى عنه : "لوكان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخفّ أولى من مسح ظاهره" لكنّه التعبّد لله عزّ وجل حتى لو أكرهت الأنفس ، قال تعالى : (وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) قال العلاّمة السعدي في تفسيره لهذه الآية : "فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة ( إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ) من الأمور، وحتَّما به وألزاما به ( أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) أي: الخيار، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة، أن الرسول أولى به من نفسه، فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجابًا بينه وبين أمر اللّه ورسوله" ، فماذا تنقمون عليهم بعد هذا ؟! ولمثل هذا قد ولدتهم أمّهاتهم ، وشعارهم إما أن نكون على الحقّ وإلا عسانا ما نكون ! .

وبعد هذا كلّه .. لن يضرّ سلفياً متّبعاً للحق آخذا به لو قيل عنه بأنه جاميّ ، نعم هو جاميّ لأن رسوله صلى الله عليه وسلّم قال : "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" ، نعم هو جاميّ لأن رسوله صلى الله عليه وسلّم قال "اسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك" ، نعم هو جاميّ لأنه اتبع سبيل سلفه الصالح من القرون الثلاثة المفضّلة والذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلّم في قوله : "خير النّاس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" ، نعم هو جاميّ لأنه يعرف الفتنة حين تقبل ولا ينتظر إدبارها ليعرفها .

قبل الختام .. لا يخفى على منصف بأنّ الله عزّ وجلّ قد قسّم على خلقه الأخلاق كما قسّم الأرزاق ، وفي ذلك قال حافظ إبراهيم :

فإذا رُزقت خليقة محمودةً

فقد اصطفاك مقسّم الأرزاقِ

فالنّاس هذا حظّه مالٌ وذا

علمٌ وذاك مكارم الأخلاق

وأنّ الكثير ممن يعتنقون رأياً قد يسيؤون لهذا الرأي ولمن يحمله بسبب سوء طرحهم وقلّة أدبهم مع من خالفهم وهذا ينسحب على الجميع فمن الظّلم إنزاله على الجاميّة وحدهم بل هو مما ابتليت به ساحات معارك الفكر اليوم والله المستعان فكونوا أكثر إنصافاً ، ثم أبيّن أنني بهذه الأسطر أحاول الدفاع عن الحقّ وأهل الحقّ رغم وقوعي في بعض ما يحذّرون منه حين يغيب عقلي وتغلبني عاطفتي وأسأل الله العفو والغفران ، ثمّ إنني أعتذر عن الإطالة وما ذاك إلا لقلة حيلتي وكساد بضاعتي في سوق الإطناب وصلّى الله وسلّم على من أوتي جوامع الكلم .



جواب الأسئلة الثلاثة التي طرحها الأستاذ محمد الوشيحي – وفقه الله – منوّها بأن الأستاذ محمّد ألزم الرادّين عليه بما لا يلزمهم عقلاً حين طلب منهم الإجابة على أسئلته ، ولكن لأنه عندي ذو قدر فسأجيب بما قاله العلماء الأكارم حفظهم الله ورحم من مات منهم :

السؤال الأول : من هم ولاة الأمر ؟

قال العلامة ابن باز رحمه الله "المراد بولاة الأمر هم العلماء والأمراء والحكام ذوو السلطان وطاعتهم تكون في المعروف وليس في معصيه الله عز وجل"

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله "ولاة الأمور، ذكر أهل العلم أنهم قسمان : العلماء والأمراء ، أما العلماء فهم ولاة أمور المسلمين في بيان الشرع ، وتعليم الشرع، وهداية الخلق إلى الحق، فهم ولاة أمور في هذا الجانب، وأما الأمراء فهم ولاة الأمور في ضبط الأمن وحماية الشريعة وإلزام الناس بها" .

السؤال الثاني : هل يمكن أن تأتونا بدليل قطعي واضح على وجوب الخضوع والخنوع لولاة الأمر مهما فعلوا؟

بداية اسمحلي بأن أقول لك بأن ما سمّيته بالخضوع والخنوع سمّاه الشرع طاعة ، وكم من أشياء تبدو في أعين النّاس على غير حقيقتها وهي في حقيقتها عزة ورفعة ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلّم : "مازاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً" مع أنّ العفو في ظاهره ذل وعجز عن القصاص ، وأن المرء حين تكون الجنّة غايته يسهل في عينه كل صعب ، وأن المرء حين يكون تابعاً في خير خير له ألف مرّة من أن يكون متبوعاً في شرّ ، ومعروف يبدو في عينك ذلاّ في الدنيا خير من غمسة واحدة في نار جهنّم .

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين : "كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم تعظيمهم وطاعتهم ، حسب ما جاءت به الشريعة ؛ لأنهم إذا احتقروا أمام الناس ، وأذلوا ، وهون أمرهم ؛ ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى ، ولم يكن للسلطان قوة ولانفوذ .

فهذان الصنفان من الناس : العلماء والأمراء ، إذا احتقروا أمام أعين الناس فسدت الشريعة ، وفسد الأمن ، وضاعت الأمور ، وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم ، وكل إنسان يرى لأنه هو الأمير ، فضاعت الشريعة وضاعت البلاد ، ولهذا أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمور من العلماء والأمراء فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ونضرب لكم مثلاً : إذا لم يعظم العلماء والأمراء ، فإن الناس إذا سمعوا من العالم شيئاً قالوا : هذا هين ، قال فلان خلاف ذلك
أو قالوا : هذا هين هو يعرف ونحن نعرف ، كما سمعنا عن بعض السفهاء الجهال ، أنهم إذا جودلوا في مسألة من مسائل العلم ، وقيل لهم : هذا قول الإمام أحمد بن حنبل ، أو هذا قول الشافعي ، أو قول مالك ، أو قول أبي حنيفة ، أو قول سفيان ، أو ما أشبه ذلك قال : نعم ، هم رجال ونحن رجال ، لكن فرق بين رجولة هؤلاء ورجولة هؤلاء ، من أنت حتى تصادم بقولك وسوء فهمك وقصور علمك وتقصيرك في الاجتهاد وحتى تجعل نفسك نداً لهؤلاء الأئمة رحمهم الله ؟ فإذا استهان الناس بالعلماء كل واحد يقول : أنا العالم ، أنا النحرير ، أنا الفهامة ، أنا العلامة ، أنا البحر الذي لا ساحل له وصار كل يتكلم بما شاء ، ويفتي بما شاء ، ولتمزقت الشريعة بسبب هذا الذي يحصل من بعض السفهاء .

وكذلك الأمراء ، إذا قيل لواحد مثلاً : أمر الولي بكذا وكذا ، قال : لا طاعة له ؛ لأنه مخل بكذا ومخل بكذا ، وأقول : إنه إذا أخل بكذا وكذا ، فذنبه عليه ، وأنت مأمور بالسمع والطاعة ، حتى وإن شربوا الخمور وغير ذلك ما لم نر كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان ، وإلا فطاعتهم واجبة ؛ ولو فسقوا ، ولو عتو ، ولو ظلموا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك )) وقال لأصحابه فيما إذا أخل الأمراء بواجبهم ، قال : (( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا )) أما أن نريد أن تكون أمراؤنا كأبي بكر وعمر ، وعثمان وعلى ، فهذا لا يمكن ، لنكن نحن صحابة أو مثل الصحابة حتى يكون ولاتنا مثل خلفاء الصحابة .

أما والشعب كما نعلم الآن ؛ أكثرهم مفرط في الواجبات ، وكثير منتهك للحرمات ، ثم يريدون أن يولي الله عليهم خلفاء راشدين ، فهذا بعيد ، لكن نحن علينا أن نسمع ونطيع ، وإن كانوا هم أنفسهم مقصرين فتقصيرهم هذا عليهم . عليهم ما حملوا ، وعلينا ما حملنا .

فإذا لم يوقر العلماء ولم يوقر الأمراء ؛ ضاع الدين والدنيا . نسأل الله العافية ." انتهى كلام العلامة العثيمين رحمه الله .

السؤال الثالث: عندما تتهمون المعارضة بالبحث عن زخرف الدنيا.. هل تقصدون البحث عن الأموال والقصور والممتلكات أم تقصدون البهرجة والرياء؟

حقيقة لا أعلم من قال هذا الكلام لكنّي أوجهه إلى أن القصد ليس دينياً وكل ما لم يكن لدين فهو لدنيا بغضّ النظر عن نيّة صاحبه فقد يكون لحميّة قبليّة أو شجاعة أو لمال أو لشهرة ، والقاعدة أنّ ما كان لله يبقى ويدوم وما كان لغير الله ينقطع حتماً مع تأكيدي بأن البعض مقصده نبيل وكريم لكنّه أساء الطريق فأسأل الله أن يجازيه على نيّته خيراً .



وفّق الله الجميع .

[/align]