[align=justify]المتخاذلون عن نصرة قضية ما ، أي قضية ، لا يكفون عن اختلاق الأعذار التي يحاولون من خلالها تبرئة ساحتهم ، فهم يمتلكون مصنعاً لصناعة الأعذار الهشّة التي سريعاً ما تتكسر أمام الحجج القوية التي تدينهم من أفواههم ، والمخطئون والمقصرون يسارعون دائماً إلى اختلاق عذرٍ يشعرهم براحة ضمير مؤقتة ، كأن يرموا غيرهم بذات التهمة حتى يشعروا بأنهم لا يختلفون كثيراً عن الآخرين ، فلا يكيلوا اللوم والتأنيب لأنفسهم ، لسان حالهم كما قالت الخنساء حين رثت صخراً :
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
ومثلهم في ذلك كمثل الطالب الذي يغش وعندما يضبط بالجرم المشهود يقول : "العالم كلها تغش مو بس أنا !" ، لذلك تأتي بعض أعذارهم مضحكة في كثير من الأحيان كـ "عذر ملّوح" .
ما أجمل أن يكون المرء واضحاً صريحاً في مواقفه تجاه القضايا المطروحة ، فلا يلبس ثوب المناصرة الذي لا يستر جسد الخذلان ، ولا يكيل التهم لأصحاب القضايا الحقة من أجل أن يقنع نفسه بأنه يقف مع الحق دائماً وفق قناعاته .
يُسأل أحد نوّاب الأمة ذات "خطاب" عن سبب خذلانه وعدم مناصرته لقضية البدون ، فيجيب بجواب مفحم : "وهل قضية البدون أهم من قضية فلسطين حتى أقف معها ؟! " ، عيني باردة على هيك جواب يلقم السائل الحجر ، ويستحق أن تكتب في شرحه المجلدات وتنظم فيه القاصئد ! ، وكيف لا وهو قد اعتذر بعذر يجعل من "عذر ملوح" عذراً سميناً ؟! ، فعذره أقبح من ذنبه ومن "عذر ملّوح" في آن واحدٍ معاً .
من خلال جواب النائب الفاضل أفهم أنه – إن صحّت الحادثة – لا يهتم إلا بقضية فلسطين أو بقضية مساوية لها أو تفوقها أهمية ، وأنا هنا أسأل النائب الفاضل هل مامرّت به البلاد من قضايا حظيت بتأييدك ووقوفك معها ودعمك الدائم لها – وهي قضايا حقّة بلا شك – بدءاً من ضرب النواب في ديوان الحربش والوقوف في ساحة الإرادة للمطالبة برحيل رئيس الحكومة السابق وانتهاءً بقضايا إضرابات الموظفين في دوائر الدولة وقضية الثورة السورية كلها أهم من قضية فلسطين أو مساوية لها في الأهمية لذلك تدخلت وناصرت مشكوراً ؟! ، لاأعتقد أنك يمكنك الإجابة بنعم، فقضية فلسطين هي القضية الأهم في قلب كل مسلم ونسأل الله العلي القدير أن يردّها إلى المسلمين ردّا جميلاً ، لذلك فالأجدر بك أن تعلن عن صريح موقفك تجاه قضية البدون بدلاً من إيهام الآخرين بعدم أهمية هذه القضية وأنك لا تقف إلا مع القضايا المصيرية كقضية فلسطين ، أو ابحث لك عن عذرٍ آخر تبرر به تخاذلك عن الوقوف مع قضية أناس مظلومين مضطهدين هم كالغريق يتشبث بقشّة ، تفرحهم كلمة تأييد ، ويشد من أزرهم مقال يعكس بعض همومهم ، ويرفع من معنوياتهم وقوف بعض إخوانهم معهم جنباً إلى جنب ، لكنهم سيبقون عن أهل الخذلان في غنية ، وسامح الله البعض منهم ممن لا زالوا يستجدون التعاطف ، متناسين أن بيدي لا بيد عمرو يكون الحل .
[/align]