بـسـمـ الله الرحمنـ الرحيمـ


كـيـف نـتـأدب مـع رسـول الله صلى الله عـلـيـه وسـلـمـ


الأدب مـع رسـول الله صلى الله عـلـيـه وسـلـم ، الـقـرآن دلـنـا عـلـيـه

وأمـرنـا بـه وإن كـان الأمـر نـزل فـي حـيـاتـه

فـالأمـر بـاقـي إلـى يـوم الـقـيـامـة ، فـالأدب مـعـه فـي حـيـاتـه هـو أيـضـا مـعـه بـعـد مـمـاتـه

وسـنـام الأدب مـعـه الـتـسـلـيـم الـكـامـل لـه ، وتـلـقـِّي خـبـر رسـالـتـه بـالـقـبـول والـتـصـديـق

دون أن يُـعـارَض ذلـك بـخـيـال بـاطـل ، فـيـقـال عـنـه كلام غيرمـعـقـول

أو شـك أو شـبـهـة اتـبـاعـا لآراء رجـال وفـسـاد أذهـانـهـم

فـكـمـا أن الـمـسـلـم يُـوحِّـد الـمُـرسِــل سـبـحـانـه وتـعـالـى بـالـعـبـادة والـخـضـوع والـذل والإنـابـة والـتـوكـل

عـلـيـه أن يُـوحِّـده صلى الله عـلـيـه وسـلـم بـالـتـحـكـيـم والـتـسـلـيـم والإنـقـيـاد والإذعـان

وهـمـا تـوحـيـدان مـقـتـرنـان ، لا نـجـاة لـلـعـبـد إلا بـهـمـا

ـــ تـوحـيـد الـمُـرسِــل ومـتـابـعـة الـرسـول ــ

فـلا يُـحـاكـم إلـى غـيـره ، ولا يـرضـى بـحـكـم غـيـره

ولا يـقـف تـنـفـيـذه لأمـر رسـول الله عـلـى مـوافـقـة شـيـخ أو إمـام مـذهـبـه وطـائـفـتـه

فـإن أذنـوا لـه نـفـذه وقـبـل بـحـكـمـه ، وإلا فـإن طـلـب الـسـلامـة أعـرض عـن أمـره

وفـوَّضـه إلـيـهـم بـالـتـحـريـف والـتـأويـل ، فـقـال :

نـؤوِّلـه ونـحـمـلـه عـلـى تـأويـل الـمـشـائـخ والأئـمـة وإن كـانـوا مـخـالـفـيـن

ومـن الأدب مـعـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم

عـدم رفـع الأصـوات وإزعـاج الأعـضـاء بـالـصـلاة والـتـسـلـيـم كـمـا يـفـعـل الـجـهـلـة

يـقـول أحـدهـم بـصـوت مـرتـفـع (( صـلــّـوا عـلـى الـنـبـي ))

فـيـردون عـلـيـه جـمـاعـة بـأصـوات مـرتـفـعـة (( الـلـهـم صـلــّي عـلـيـه ))

مـا هـكـذا عـلـّـمـنـا الـقـرآن ، ولا الـنـبـي صلى الله عـلـيـه وسـلـم

ومـن الأدب مـعـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم

أن لا يُـتـقـدم بـيـن يـديـه بـأمـر أو نـهـي ، ولا إذن ولا تـصـرف حـتـى يـأمـر هـو ، ويـنـهـى ويـأذن

قـال الله تـعـالـى

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ... الـحـجـرات : 1 }

وهـذا بـاق إلـى يـوم الـقـيـامـة ولـم يُـنـسـخ ، فـالـتـقـدم بـيـن يـدي سُـنـَّـتِـه بـعـد وفـاتـه ، كـالـتـقـدم بـيـن يـديـه فـي حـيـاتـه

ولا فـرق بـيـنـهـمـا عـنـد أهـل الـعـقـول الـسـلـيـمـة

قـال مـجـاهـد رحـمـه الله : لا تـفـتـاتـوا عـلـى رسـول الله صلى الله عـلـيـه وسـلـم بـشـيء حـتـى يـقـضـيـه الله عـلـى لـسـانـه

وقـال الـضـحـاك رحـمـه الله : لا تـقـضـوا أمـرا دون رسـول الله صلى الله عـلـيـه وسـلـم

ومـن الأدب مـعـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم

أن لا تــُـرفـع الأصـوات فـوق صـوتـه ، فـإنـه سـبـب لـحـبـوط الأعـمـال

فـمـا الـظـن بـمـن يـرفـع الآراء والأفـكـار عـلـى سُـنـَّـتِـه ومـا جـاء بـه ؟

قـال الله تـعـالـى

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ }

{ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ... الـحـجـرات : 2 }

ومـن الأدب مـعـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم

أن لا يـجـعـل دعـاءه كـدعـاء غـيـره ، فـلا نـقـول ( مـحـمـد فـقـط ) بـل نـقـول ( نـبـي الله مـحـمـد ) ( رسـول الله مـحـمـد )

قـال الله تـعـالـى

{ لَا تَجْعَـلُوا دُعَـاءَ الرَّسُولِ بَـيْـنَـكُـمْ كَـدُعَـاءِ بَـعْـضِـكُـمْ بَـعْـضًا ... الـنـور : 63 }

وقـال الـمـفـسـرون فـي هـذا قـولان :

الأول

أنـكـم لا تـدعـونـه بـإسـمـه ، كـمـا يـدعـو بـعـضـكـم بـعـضـا ، بـل قـولـوا يـا رسـول الله ، يـا نـبـي الله

الـثـانـي

لا تـجـعـلـوا دعـاءه لـكـم بـمـنـزلـة دعـاء بـعـضـكـم بـعـضـا ، إن شـاء أجـاب ، وإن شـاء تـرك

بـل إذا دعـاكـم لـم يـكـن لـكـم بُـدّ مـن إجـابـتـه ، ولـم يـسـعـكـم الـتـخـلـف عـنـه أبـدا

ومـن الأدب مـعـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم

أنـهـم إذا كـانـوا مـعـه عـلـى أمـر جـامـع ، مـن خـطـبـة أو جـهـاد أو ربـاط

لـم يـذهـب أحـد مـنـهـم لـيـقـضـي حـاجـة عـارضـة حـتـى يـسـتـأذنـه

قـال الله تـعـالـى

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ... الـنـور : 62 }

فـكـيـف بـمـن يـذهـب فـي تـفـاصـيـل الـديـن ، أصـولـه وفـروعـه دقـيـقـه وجـلـيـلـه

هـل يُـشـرع الـذهـاب إلـيـه بـدون اسـتـئـذانـه ؟

{ فَاسْأَلُوا أَهْـلَ الذِّكْـرِ إِنْ كُـنْـتُـمْ لَا تَـعْـلَـمُـونَ ... الـنـحـل : 43 }

ومـن الأدب مـعـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم

أن لا يُـسـتـشـكـل قـولـه عـلـى رأي عـقـل ، بـل تـسـتـشـكـل آراء الـعـقـول لـقـولـه ، ولا يـعـارض نَـص قـولـه بـقـيـاس

فـكـل قـيـاس يُـهـدر ويُـلـقـى لـنـصـوصـه ، ولا يُـحـرّف كـلامـه عـن حـقـيـقـتـه

ولا يُـوقـف قـبـول مـا جـاء بـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم عـلـى مـوافـقـة أحـد

فـكـل هـذا مـن قـلـة الأدب مـعـه صلى الله عـلـيـه وسـلـم

بـل هـو عـيـن الـجـرأة

قـال الله تـعـالـى

{ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَـذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ * ... الـمـؤمـنـون : 63 ـــ 74 }

إن الـنـاصـح لـنـفـسـه ، الـعـازم عـلـى نـجـاتـهـا يـتـدبـر هـذه الآيـات حـق الـتـدبـر

ويـتـأمـلـهـا حـق الـتـأمـل ، ويـنـظـر لـلـواقـع الـذي نـعـيـشـه فـي هـذا الـزمـان

فـيـرى الـعـجـب الـعـجـاب ، ولا يـظـن أن هـذه الآيـات تـخـص قـوم كـانـوا فـبـانـوا وانـدثـروا

فـالـحـديـث لـنـا أيـضـا ولـمـن بـعـدنـا ، إلـى قـيـام الـسـاعـة

والله الـمـسـتـعـان وعـلـيـه الـتـكـلان