فإما أن تكون أخي بحقٍ **فأعرفَ مِنكَ غَثِّي أو سَمِينِي
وإلا فاطرحني واتخذني**عدواً أتَّقيك وتتقيني
عندما تقرأ بعض ما تسمى بحوث في أنساب القبائل تصاب بالحيرة والإرباك الذهني للتناقض والتضارب بالأدلة تأكيداً لشيء ونفياً لآخر ثم العكس تبعاً للرأي المسبق "لمن أطلق على نفسه باحث أو أطلقها عليه محازبيه ممن يشاركونه نفس الرأي المسبق لمدار البحث" أو تبعاً لشح الأدلة نفسها وإمكانية ايرادها على الشيء ونقيضة ..
فترى تقريب أو ابعاد للفخذ هذا وذاك تبع للرأي المسبق فإن كان المطلوب تعميم مشيخة معينة استنطقت الأدلة لتصب في ساقية التقريب ، أما ان كان العكس وكان المطلوب الإستفراد بحدث معين أو لقب مشهور صارت الأدلة مبعدة ونافية للتقارب ان كان ثمة من يقول به ..
طبعاً وبما أن القبائل بغالبيتها بدوية متغيرة متنقلة متخالطة متفرقة والأنساب والألقاب مدار هذه البحوث للفترات الغير موثقة والمجهولة يصار الى تناتيف عبارة من هنا وعبارة من هناك أشبه ما تكون بالمكعبات القابلة للتشكل حسب مهارة الطفل ، فهذا يبني بيت وآخر سيارة وثالث غزال من نفس المكعبات ..
والأولى والأجمل بالعقلاء وذوي الحمية أن لا يميلون في بحوثهم الى ما يفت باللحمة القائمة ويثير الضغائن بين المتعايشين والمتساكنين والمتشاركين بنفس التراث انتماء واعتزاز !!
وحتى لا أذهب بكم بعيداً سأضرب المثل بلقب جميل كان محل اعتزاز وافتخار كل شمري ألا وهو لقب ((الضياغم))
فالضيغمية تكررت وارتبطت بغالبية أشعار بناة دولة شمر وراسمي مجدها وصانعي ملاحمها وكاتبي أروع فترات تاريخها ألا وهم ((ال رشيد))
فقل أن يقول أحد أمراءها قصيدة أو يقال فيه دون أن يمر ذكر "الضيغمي"
طبعاً كشمامرة لا يعنينا من المسمى شيء الا أنه فخر لهؤلاء الفرسان الممتزج فخرنا بفخرهم فهم غُزيتنا الذي لا نقبل بهم بديلاً عند الحديث عن المفاخر والتاريخ..
هذا اللقب نعرف أنه آتي من الانتماء فخراً أو نسباً مجملاً الى الضياغم الأوائل ((عرار وعمير)) ولكننا لا نذهب للتدقيق حوله مكتفين بأنه لنا من خلال شيوخنا وأمراءنا ((ال رشيد)) وهذا كافي ولا نريد عليه مزيد!!
ومع هذا فبعيداً (زماناً ومكاناً) عن فخر اللقب ((ال رشيد)) نجد هذا الاعتزاز باللقب مرة على لسان شاعر شمر التبيناوي عند فخره بفعل الفارس الشجاع هايس القعيط وغزوة المشاركين بقتل الفارس عقاب العواجي بقوله ((ضياغمٍ مع زوبعٍ خالطينه)) والمقصود بالضياغم هنا الفرسان الثلاثة من عبدة مفيز العفر المفضلي ومشاري الشقاق المفضلي ودوشق ابن سنيدان الجرواني ..
ونجد ذكرها على لسان الشاعر عتيق ابن شدوخ موجها قصيدته للشيخ فرحان الجربا بالجزيرة بالعراق عندما صار سوء فهم بينه وبين شيوخ عبده هناك
فرحان ما تجزى السناعيس بالخير**الي لكم عند اللوازم بريرة
تبونهم لا صار وردٍ وتصدير**وتنسونهم وقت الليال السريرة
ضياغمٍ ما سندوا بالبواكير**بحدبٍ يزوعن النميري ذخيرة
^
^
ساكتفي بهذين المثالين المختلفين زماناً ومكاناً وشخوصاً والمتفقين على اضفاء هذا اللقب بدون تحفظ ولا احتكار أيضاً!!
ففي هاذين المثالين وأشعار أمراء شمر "ال رشيد" وغيرهما كذلك من القدماء تظهر الضيغمية أشبه ما تكون بالعصابة الحمراء على رأس الفارس المتميز فهي علامة فخر وشجاعة !
وهذا سر انجذاب الجميع لها وانطناخهم عند ذكرها بينما للأسف عندما أستخدمت في وقتنا الأخير كعباءة تتجاذبها الأيدي تمزع أديمها فيضطر المتقاتلون عليها إما الى تصغيرها ليستتروا بها وحدهم أو استيراد الرقع "من الشرق والغرب" لرقعها واظهارها كعباءة قابلة للإستخدام في القرن الحادي والعشرين!! رغم أن العباءة الجميلة السمراء المزركشة "عبدة" تتسع لجميع ضياغم شمر وتجملهم بأعين أبناء عمومتهم والمنطوين معهم تحت العباءة الأكبر والأمتن ((شمر العز))
فالضيغمية تبدو بمنتهى الجمال كرمز وكرأية
فهي عصابة جميلة تزين رؤوس معتصبيها أو المنتسبين لها ، بنفس الوقت وعند استخدامها كـ "عباءة" تبدو بشكل مزري بأطرافها المقطعة وجوانبها المرقعة برقع مخالفة لغةً وحميةً ومكاناً وسحنتاً لأصل العباة أو العصابة كما يجب أن تكون ، لأنها على حالتها العبائية المرقعة والمقطعة تفرض استحضار بيتي مقدمة الموضوع والتي سيذهب اليها البعض مكرهاً !!!
تحياتي
المفضلات