صفحة 1 من 3 1 2 3 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 27

الموضوع: كيف أسلم هؤلاء [ سلسلة متجددة ]

  1. #1
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78

    Hasree كيف أسلم هؤلاء [ سلسلة متجددة ]






    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين
    والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
    نبينا وشفيعنا و معلمنا وهادينا وطبيب قلوبنا
    محمد صلى الله عليه وسلم

    كل يوم وخلال زيارة المواقع الدعوية على الشبكة لا بد أن نمر بمواقف
    وشخصيات كانت عاصية كان الكفر يملئ وجدانها

    شخصيات من مختلف أنحاء العالم لبت نداء النور الالهي في الاسلام
    فأصبحوا مسلمين ..

    و لأن الحدث هام و تسليط الضوء على من يخرج من الضلالة الى الهداية
    مطلب .. افرد صفحات حول كيف أسلم هؤلاء ..

    و لمن يشاركنا في هذه الحملة الأجر و الثواب ..

    وسنلتقي مع أول شخصية في هذه السلسلة ..
    ف/تابعونا...



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #2
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78




    الدكتور الفرنسي علي سلمان بنوا

    أنا دكتور في الطب وأنتمي إلى أسرة فرنسية كاثوليكية. وقد كان لاختياري لهذه المهنة أثره في انطباعي بطباع الثقافة العلمية البحتة وهي لا تؤهلني كثيرا للناحية الروحية.

    لا يعني هذا أنني لم أكن أعتقد في وجود اله، إلا أنني أقصد أن الطقوس الدينية النصرانية عموما والكاثوليكية بصفة خاصة، لم تكن لتبعث في نفسي الإحساس بوجوده، وعلى ذلك فقد كان شعوري الفطــري بوحدانية الله يحول بيني وبين الإيمان بعقيدة التثليث، وبالتالي بعقيدة تأليه عيسى المسيح.

    كنت قبل أن أعرف الإسلام مؤمنا بالقسم الأول من الشهادتين (لا اله إلا الله) وبهذه الآيات من القــرآن { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد } .

    لهذا فإنني أعتبر أن الإيمان بعالم الغيب وما وراء المادة هو الذي جعلني أدين بالإسلام. على أن هناك أسبابا أخرى حفزتني لذلك أيضا، منها مثلا، أنني لا أستسيغ دعوى الكاثوليك أن من سلطانهم مغفرة ذنوب البشر نيابة عن الله، ومنها أنني لا أصدق مطلقا ذلك الطقس الكاثوليكي عن العشــاء الرباني والخبز المقدس، الذي يمثل جسد المسيح عيسى، ذلك الطقس الطوطمي الذي يماثل ما كانت تؤمن به العصور الأولى البدائية، حيث كانوا يتخذون لهم شعارا مقدسا، يحرم عليهم الاقتراب منه، ثم يلتهمون جسد هذا المقدس بعد موته حتى تسري فيهم روحه!!!.

    ومما كان يباعد بيني وبين النصرانية، أنها لا تحوي في تعاليمها شيئا يتعلق بنظافة وطهارة البدن، لا سيما قبل الصلاة، فكان يخيل لي أن في ذلك انتهاكا لحرمة الرب، لأنه كما خلق لنا الروح فقد خلق لنا الجسد كذلك، وكان حقا علينا ألا نهمل أجسادنا.

    ونلاحظ كذلك أن النصرانية التزمت الصمت فيما يتعلق بغرائز الإنسان الفسيولوجية، بينما نرى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي ينفــرد بمراعاة الطبيعة البشرية.

    أما مركز الثقل والعامل الرئيسي في اعتناقي للإسلام، فهو القرآن. بدأت قبل أن أسلم، في دراســته .. وأني مدين بالشي الكثير للكتاب العظيم الذي ألفه مستر مالك بن نبي وأسمه "الظاهرة القرآنية" فاقتنعت بأن القرآن كتاب وحي منزل من عند الله.

    إن من بين آيات هذا القرآن الذي أوحى الله به منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ما يحمل نفس النظريات التي كشفت عنها أحدث الأبحاث العلمية.

    كان هذا كافيا لاقنا عي وإيماني بالقسم الثاني من الشهادتين (محمد رسول الله).

    وهكذا تقدمت يوم 20 فبراير سنة 1953 م إلى المسجد في باريس وأعلنت إيماني بالإسلام وسجلني مفتي مسجد باريس في سجلات المسلمين وحملت الاسم الجديد" علي سلمان".

    إنني أشعر بالغبطة الكاملة في ظل عقيدتي الجديدة وأعلنها مرة أخرى " أشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله".



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #3
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    إسلام بطل السنوكر العالمي السابق
    نشرت جريدة البيان الإماراتية في عددها الصادر في يوم الأثنين(( 7-10-2003 )) قصة إسلام بطل السنوكر العالمي السابق روني اوسوليفان، وأعجبني في السرد التالي كلام والدته عنه بعد إسلامه كما أعجبني دور الملاكم العالمي نسيم حميد في دعوته إلى الإسلام، أترككم مع القصة:
    روني اوسوليفان بطل لعبة السنوكر العالمي السابق والمعروف بتعاطيه المخدرات ومعاقرته الخمور واصابته بنوبات الاكتئاب في الماضي اصبح اخر نجم رياضي يتحول الى الاسلام.واوسوليفان الذي يعد اهم لاعب سنوكر بعد اليكس هيجنز الشهير بلقب الاعصار اكتشف الدين الاسلامي من خلال صداقته مع الملاكم المسلم يمني الاصل نسيم حميد. وقد نطق اللاعب البالغ من عمره 27 عاما والذي نشأ في لندن على الدين الكاثوليكي المسيحي بالشهادتين في المركز الثقافي الاسلامي الواقع بمنطقة ريجنت بارك في لندن في الشهر الماضي.

    ويعد هذا التحول تغييرا جذريا في طريق طفل السنوكر المرعب كما يلقب والذي أذهل الاوساط الرياضية بسرعته ودقته في اللعب.ويعتقد ان روني تمكن بفضل الاسلام من اكتساب القوة الداخلية التي ساعدته على التغلب على مشاكله الشخصية والعائلية بما في ذلك سجن والده عقب ارتكابه جريمة قتل.

    وروني اوسوليفان الملقب بالصاروخ يتبع مجموعة من الرياضيين الذين اعتنقوا الاسلام للتغلب على مشاكلهم الشخصية بما فيهم الملاكمون محمد علي كلاي ومايك تايسون وداني ويليامز الذي احتفظ في الاسبوع الماضي بلقب بطل الوزن الثقيل في بريطانيا ودول الكومنويلث.
    ومن العوامل الرئيسية في اعتناق روني الاسلام «البرنس» نسيم حميد بطل العالم السابق في الملاكمة لوزن الريشة والذي قام بتعريفه بالواعظ الاسلامي الشهير خالد ياسين. وقد اصبح «روني» اسيرا لرسالة ياسين بعد مشاهدته شريط فيديو يلقى رواجا شديدا بين الجالية الاسلامية في بريطانيا عنوانه «الهدف من الحياة» وفي الشريط يقوم الداعية اميركي الاصل والذي يزور بريطانيا بصفة متكررة باثبات وجود الله من خلال اثارة عدد من الاسئلة حول خلق العالم والبشرية.

    لسماع هذا الشريط باللغة الانجليزية: اضغط هنا
    لتحميله:الجزء الأول
    الجزء الثاني
    وياسين الذي يلعب دورا رئيسيا في مشروع يهدف لتأسيس محطة تلفزيون اسلامية فضائية في بريطانيا يتساءل في خطبته بالقول: «ماذا عن الجسم البشري وانظمة التحكم المعقدة والمتشابكة فيه. فكرو ا بالمخ وكيفية عمله ووظائفه. فخالق هذا الجسم البشري هو الوحيد الذي يستحق الشكر والحمد لله على ذلك».
    ووالدة روني اوسوليفان «ماريا» قالت ان ابنها ليس مستعدا بعد للتحدث عن اعتناقه الاسلام وانه يركز في الوقت الحالي على السنوكر. وأضافت ان نسيم حميد صديق جيد لروني وانه كان العامل الرئيسي في تحوله للاسلام كما اشارت والدته ايضا الى ان روني اصبح الان شخصا افضل منذ اهتدائه وانها تأمل ان يساعده ذلك على الاستقرار النفسي.
    ورغم عبقريته الرياضية الفذة كان روني يعاني من الكثير من المشاكل النفسية. فحينما كان طفلا في التاسعة من عمره قطع اول مرحلة في اللعبة بتحقيقه الهدف المئة وفي سن الخامسة عشرة اصبح روني اصغر لاعب يحقق 147 هدفا وهو ما يعد اقصى رقم يمكن للاعب سنوكر ان يحققه وأثناء تقدمه نحو القمة في لعبة السنوكر واجه روني الكثير من المشاكل العائلية فقد حكم على والده بالسجن مدى الحياة لارتكابه جريمة قتل في العام 1991.
    وعندما كان روني في السابعة عشرة من عمره سجنت والدته بتهمة التهرب الضريبي وما جعله المسئول الوحيد عن رعاية شقيقته الصغرى. وبعدما كبر فان حياة الصخب والسهر والافراط في استهلاك الكحوليات بلغت ذروتها وكان هناك قلق من ان يؤثر ذلك على مستقبله الرياضي.
    واكب ضربة موفقة وغير متوقعة في حياته حدثت في العام 2001 حينما فاز ببطولة العالم بالرغم من تعاطيه لعقار البروزاك المضاد للاكتئاب والذي كان يعاني منه وهي الفترة ذاتها التي كان مخطوباً فيها من بيانكا ويستوود. لكن العلاقة بعد ذلك انهارت.

    احمد فيرسي رئيس تحرير مجلة «اخبار المسلمين» علق بالقول بأن اعتناق روني للاسلام يمكن تفسيره بتوقه لملء الخواء الروحي المنتشر بين الناس في الغرب. واضاف بأنه مع التركيز في العالم الغربي على الجوانب المادية فان الاسلام يوفر الروحانية الغائبة عن هذه المجتمعات.

    ويشير فيرسي الى انه في الوقت الذي يبدو فيه الزعماء المسيحيون مستعدين للتنازل عن القيم الروحانية وتبني الدنيوية يبقى الاسلام ثابتاً ومخلصا لذلك.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  4. #4


    الزميلة كاتبة " الموضوع "

    شكرا لهذا الجهد , ولكن أعتقد أن هذا الموضوع موجود على العام , ولقد أفردت له كتابا كاملاً . على كل حال سأوقف المواضيع التي تخص هذا المجال كي لا يكون تكرار .



    الحــــــر الأشــــقـــر

  5. #5
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسير الليل مشاهدة المشاركة
    الزميلة كاتبة " الموضوع "

    شكرا لهذا الجهد , ولكن أعتقد أن هذا الموضوع موجود على العام , ولقد أفردت له كتابا كاملاً . على كل حال سأوقف المواضيع التي تخص هذا المجال كي لا يكون تكرار .
    شكراً للتنويه
    دمت بخير



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #6
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    سلطان تشادي كان نصرانياً متعصباً وصار من أبرز الدعاة
    قصة غريبة وجديرة بالقراءة ولذلك النصراني المتعصب فقد هداه الله لطريق الحق وصار من أبرز الدعاة في القارة الأفريقية عندما حاورناه انطلق في البداية ولم ينتظر سؤالنا وتحدث عن قصته الطويلة ، إنه السلطان التشادي في إحدى المناطق واسمه علي رمضان ناجيلي سلطان منطقة ( قندي ) في تشاد .

    لقد كان نصرانياً متعصباً كما يقول ويكره المسلمين ويود حرقهم لو استطاع يقول كنت تائهاً متخبطاً إلى أن أسلمت عام 1977 م على يد شيخ نيجيري يعمل في الدعوة استطاع بأسلوبه وقوة حجته أن يقنع أبناء المنطقة بالإسلام ويقول : كنت أرى الكثير من دعاة الصوفية في الماضي يأتون لمنطقتنا ويشترطون لمن يريد الإسلام أن يعطوهم الهدايا كالثمار والبقر والملابس لهم وهذا ما نفّر كثيراً من الناس من دخول الإسلام لأنهم رأوا فيه ديناً يستغل الناس كما صوّره هؤلاء الصوفية ، لكن بعد أن جاء هذا الشيخ النيجيري السلفي وعرض علينا الإسلام الصحيح وأثبت لنا أن الإسلام ليس ما يقوم به هؤلاء وعرض علينا كيف عرض المشركين على الرسول المُلك والمال فرفضه لأجل الدعوة وكيف جاهد المشركين سنين طويلة ولاقى الأذى والعذاب حتى نجحت دعوته وانتشرت وعم خيرها كل العالم ، بعد كل ما حدثنا به ، وبعد شهور من الدعوة استطاع إقناعنا بالإسلام فدخلناه عن قناعة واعتقاد ، أسلمنا مطمئنين لدين نخلص فيه لله وليس للعبيد وللأصنام القرابين لكي يقربونا من الله ويبعدونا عن السحر والشياطين .

    أسلمت مع من أسلم ومنهم والدي سلطان منطقة ( ماهيم توكي قندي ) في نيجيريا ، بعد أن أسلم والدي قال لي ستصبح من اليوم مِلكاً للإسلام ، وستصبح ملازماً وخادماً للشيخ الذي علمنا الإسلام ، وكان والدي قد قال له / وهبت ولدي هذا لك في الله لخدمة الإسلام ، ذهبت معه ومكثت 6 سنوات في خدمته ثم تخرجت من تحت يديه داعية بعد أن درست خلالها في نيجريا الإسلام ، وبعد انقضاء السنوات الست قال لي اعمل معي في نيجيريا فقلت له قد قرأت في القرآن الكريم قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين )

    سؤال : وكيف أصبحت سلطاناً لهذه المنطقة ؟

    أصبحت سلطاناً لها بعد وفاة والدي حيث دعيت خلال فترة سنتين في منطقته للإسلام وأسفر هذا عن إسلام 4722 شخصاً من قبيلة ( سارا قولاي ) منهم 14 قسيساً نصرانية ومن هنا بدأت المواجهات مع المنصرين في جنوب تشاد الذين حاولوا إفساد الدعوة الإسلامية هناك وتنصير من أسلم بشتى الطرق ووجدوا الدعوة الإسلامية هناك نداً يحاول مواجهة مدهم النصراني فحاولوا إغرائي بالمال والنساء وبإعطائي منزلاً ومزرعة لأتنصر وأعمل بنفس الأسلوب الذي دعوت به والذي أسفر عن إسلام هذا العدد وهذا ما أزعجهم لأنهم يعملون بإمكانات كبيرة ولا يحققون المكاسب التي حققتها في الدعوة في جنوب تشاد وهذا ما جعل الحكومة التشادية تعينني عضواً في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية تشاد ومع كل العروض ، رفضت ما قدم لي المنصرون فأخذوا بتأليب الوثنيين ضد المسلمين في الجنوب لكن محاولاتهم باءت بالفشل .

    سؤال : وكيف زرت مكة ؟.

    قدمت لي منظمة الدعوة الإسلامية منحة لأداء فريضة الحج ، فلما زرت مكة ورأيت المسلمين هناك الأبيض والأسود لا فرق بينهم كلهم في لباس واحد وفي منزلة واحدة لم أستطع إيقاف نفسي عن الإجهاش بالبكاء ، ولم يكن معي أحد من أهلي ولكني شعرت بمن حولي أنهم هم الأهل والأخوة وهذا ما زادني إصرار على العمل بجد أكثر في حقل الدعوة لأرشد الناس لهذا الدين العظيم وألا أستأثر بنفسي بهذه السعادة الروحية ولأنقذ أخوتي الباقين من الشقاء ومن نار جهنم فقررت البدء في الدعوة في بلدي تشاد .

    سؤال : وكيف هي علاقاتك بالمراكز الإسلامية وكيف تم إنشائها ؟.

    بعد عودتي من الحج قررت إنشاء مراكز تنويرية للمسلمين للمساجد والمدارس والحمد لله تمكنت من بناء 12 مسجداً وبناء مدرسة لأبناء المسلمين وتم حفر 12 بئراً للمسلمين في منطقة ( قندي ) وعملت على تأسيس جمعية لتدريب المهتدين على القيام بالدعوة الإسلامية كان هدفي منذ البداية نشر الدين الإسلامي وتعاليمه وأخلاقه وآدابه والتركيز على التعليم العربي والإسلامي وإنشاء حلقات لتعليم القرآن والسنة وتم إنجاز هذا ولله الحمد .

    سؤال : قلت إن النصارى أبرز العوائق أمامك ، هل هناك عوائق أخرى ؟.

    العوائق التي تعترض الدعوة متعددة في جنوب تشاد ومعظمها مادي فالناس هناك فقراء ولا يملكون قوت يومهم فالكثير ممن يسلمون لا يجدون ما يسترون به عوراتهم عند الصلاة ، كذلك فإن المنطقة تعاني من عدم وجود الطرق ولا توجد وسائل النقل اللازمة للذهاب للمناطق البدائية الوثنية لدعوة الناس في تلك القرى التي يقطنها أغلبية من النصارى ، وكذلك نحن نعاني من قلة الدعاة المدربين وكثيراً من المسلمين هناك لا يعرفون سوى الشهادتين وهذا يشعرنا بالأسف مقارنة مع جهود المنصرين التي يتوفر فيها العنصران المادي والبشري اللازمان لنجاح الدعوة ويبقى التنصير هو أكبر عائق لنا في تلك المنطقة ، وعندما زار باب الفاتيكان منطقة قندي في آخر زيارة له لأفريقيا التقى بالمنصرين هناك ووضعوا خططاً ضخمة لتنصير المنطقة ، حيث وفروا عدداً كبيراً من المنصرين من عدد من دول أوربا كما وفروا المال اللازم لهم وباشروا ببناء عدد من الكنائس في المنطقة ، وقال لي أحد المنصرين الإيطاليين سوف تكون هذه المنطقة نصرانية في عام 2002 م ، وفي كل شهر يقومون بعمل مهرجانات محلية يقدمون فيها الطعام والشراب والمساعدات للوثنين ويدعونهم للنصرانية وكذلك يزورون ملاجئ اليتامى والفقراء ويشرفون عليها مادياً لتنصير الأطفال النازلين بها ، هم خبيثون جداً فيعملون باسم الصليب الأحمر هناك حيث اكتشفت أنهم يقومون بتعقيم النساء بإعطائهن جرعة لا يحملن بعدها أبداً ، وهذا من أساليبهم للحد من النسل المسلم وللقضاء على الإسلام في تشاد .

    سؤال : ماذا وجدت في الإسلام ؟.

    الحمد لله

    وجدت حلاوة الإسلام ولا أحد يشك في أنه دين المساواة والعدالة ، لا فرق بين أحد وآخر ولا بين غني وفقير إلا بالتقوى كل يتوجه لله وكلهم عبيد لله .

    ونصيحتي لكل المسلمين إن أرادوا النجاح للإسلام أن يمثلوه قولاً وفعلاً وهذا بحد ذاته مدعاة لانتشار الإسلام لأن الآخرين لا يمتلكون ما في الإسلام من محاسن وأخلاقيات مدعاة لاعتناقها والإسلام يعلو ولا يعلى عليه لأنه يحتوي على كنوز عظيمة وتعاليم سامية ودروس للبشر ما زالت مخبأة ويجب الكشف عنه للناس أجمعين وهذا يكون بتمثلنا له والعمل بتعاليمه وآدابه التي زودنا بها عن طريق القرآن الكريم وأقوال الرسول الكريم وصحابته الكرام .



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  7. #7
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    محمّد أسد (ليوبولد فايس).. التحوّل الشامل الى الاسلام
    قصة اسلامه كما كتبها بنفسه في كتابه "الطريق إلي مكة":

    أفغانستان شتاء 1926
    كنت فى طريقى راكباً من هرات لكابول بصحبة إبراهيم ، ودليل أفغانى الجنسية ، نسير خلال جبال مدفونة مغطاة بالجليد ، ووديان وطرق فى " هندو- كش " فى وسط أفغانستان . كان الطقس باردا والجليد يتألق ، وتقف على كل الجوانب جبال بيضاء ، وأخرى سوداء .
    كنت حزينا ، وفى نفس الوقت بشكل غريب كنت سعيدا هذا اليوم ! أما حزنى ، فقد كان لأن من كنت أعيش معهم فى الشهور السابقة ، كانوا محجوبون ببلادة ، عن حقيقة النور ، والقوة ، والتقدم ، الذى يعطيه لهم إيمانهم ، وفى نفس الوقت كانت سعادتى ، بأن هذه الحقيقة والنور ، والقوة والتقدم ، فى متناول يدى تقريبا الآن ، وأمام عينى ، كهذه الجبال الشامخة البضاء والسوداء التى أمامى .
    بدأ حصانى يعرج وكأن شيئا فى حافره ، ووجدت أن الحدوة الحديدية أصبحت معلقة فقط بمسمارين .
    سألت رفيقنا الأفغانى ، هل هناك قرية قريبة نجد فيها حداد ؟
    نعم ، قرية " ديهزانجى " تقع على بعد أقل من ثلاثة أميال ، يوجد بها حداد هناك ، وبها قصر حاكم " هزرجات " .
    وهكذا اتجهنا إلى هذه القرية ، وتمهلنا فى المسير حتى لا نرهق الحصان .
    حاكم المنطقة ، كان قصير القامة ، وكان مرحا الطلعة ، وودود ، وكان سعيدا أن يستضيف أجنبيا عنده فى قصره البعيد عن العمران ، والمتواضع . وقد كان هذا الحاكم قريب للملك " أمان الله " ، ومن المقربين له ... وقد كان من أكثر من قابلت تواضعا فى أفغانستان . وقد أصر على بقائى فى ضيافته ليومين .
    وفى مساء اليوم الثانى ، جلسنا كالعادة لعشاء دسم ، وبعد العشاء حضر رجل من القرية ليطربنا بأغانى شعبية ، مصطحبا قيثارة بثلاث أوتار ، وكان يغنى بلغة الباشتو التى لم أفهمها ، ولكن بعض الكلمات الفارسية كانت تخللها بوضوح ، فى الغرفة الدافئة المغطاة بالسجاجيد ، بينما وميض الثلج البارد يظهر من خلال النوافذ . أتذكر أنه كان يغنى عن المعركة بين داوود وجالوت ، وبدأها بنغمة متواضعة ، ثم تدرجت إلى بعض العنف ، وأنتهت بروح الإنتصار .
    وبعد أن انتهت ، قال الحاكم أن داوود كان شابا ، ولكن إيمانه كان قويا ....
    ولم أتمالك من التعليق ، فقلت " كذلك أنتم كثيرون ولكن إيمانكم ضعيف " .
    نظر إلى المضيف بدهشة ، وارتباك لما تطوعت وذكرته ، فأسرعت لأوضح قولى . وأخذ توضيحى شكل سيل من الأسئلة :::
    لماذا فقدتم أنتم المسلمون ثقتكم بأنفسكم ، التى فى القديم ساعدت على نشر الإيمان بالإسلام فى أقل من مائة عام ، من الجزيرة العربية غربا إلى المحيط الأطلسى ، وشرقا فى العمق إلى الصين - والآن تستسلمون بضعف ، إلى الأفكار والعادات الغربية ؟ لماذا لا تستطيعون أنتم يا من كان أباؤكم الأوائل أناروا العالم بعلمهم وفنهم ، بينما كانت أوروبا تغض فى بربرية وجهل مدقع ، فلتعملوا من الآن على أن تعودوا لإيمانكم الخلاق ؟ كيف أن هذا الأتاتورك التافه ، الذى ينكر كل قيم الإسلام ، قد أصبح عندكم رمزا لإحياء الإسلام ؟
    استمر مضيفى فى صمته . وبدأ الجليد ينهمر فى الخارج . ومرة ثانية غمرنى الشعور المزدوج ، بالحزن والسعادة ، الذى انتابنى حينما اقتربت من " ديهزانجى " . أحسست بالفخار لما قد كان ، وبالخجل لما عليه أبناء حضارة عظيمة .
    هل لك أن تدلنى - كيف أن الإيمان الذى دلكم عليه نبيكم ، وكل هذا الوضوح والبساطة ، قد دفنت تحت أنقاض الثرثرة المتحزلقة ، والشجار بين علمائكم ؟ كيف أن أمراءكم والإقطاعيين يعيشون فى رفاهية ، بينما إخوانهم من المسلمين ، يذوقون الفاقة والفقر المدقع ، فى حين أن نبيكم يقول أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع ؟ هل لك أن تشرح لى كيف نبذتم النساء خلفكم ، بينما نساء الرسول " صلى الله عليه وسلم " ، وصحابته كن يشاركن الرجال فى أمورهم الهامة ؟ كيف وصل الحال بكم أنتم المسلمين إلى الجهل والأمية ، فى حين يقول نبيكم أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وفضل العالم على العابد كفضل البدر على سائر النجوم ؟
    ظل مضيفى يحملق فى دون كلام ، وابتدأت أشعر أن ملحوظاتى قد أحبطته . أما الرجل ذو القيثارة كان لا يعرف الفارسية بدرجة تجعله يتتبع كلامى ، وأخذ يتعجب من هذا الغريب الذى يتكلم بهذه النغمة مع الحاكم . وفى النهاية ، أخذ الحاكم رداءه المصنوع من جلد الغنم وتدثر به ، كما يكون قد أحس بالبرد ! وهمس لى :::
    " لكنك أنت مسلم .... " .
    أخذنى الضحك وأجبت : " لا ، أنا لست مسلما ، ولكنى ألممت ببعض القيم فى الإسلام التى تجعلنى أغضب فى بعض الأحيان ، كيف أنكم أنتم أيها المسلمون تضيعونها ... أعذرنى إذا كنت قد أسأت فى الكلام ، أنا لا أتكلم معك كعدو " .
    ولكن مضيفى هز رأسه قائلا " لا فكما قلت لك ، أنت مسلم ، ولكنك لا تعرف نفسك ... لماذا لا تنطق الآن وهنا بالشهادتين " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، وتصبح مسلما فى حقيقة الأمر ، فإنك مسلم قلبيا ! قلها يا أخى ، قلها الآن ، وسأصطحبك غدا لكابول لملاقاة الأمير ، الذى سيستقبلك بذراعين مفتوحتين كشخص مثلنا . سيمنحك منازل وحدائق وأغنام ، وسيحبك ، قلها يا أخى ... " .
    " إذا قلت ذلك ، سيكون نتيجة لأن عقلى قد استراح ، وليس نتيجة لأن الأمير منحنى المنازل والحدائق " .
    " ولكن " أصر مضيفى " أنت تعرف كثيرا عن الإسلام ربما أكثر من بعض المسلمين ، ما هو الذى ما زلت تريد أن تعرفه ؟ " .
    " المسألة ليست مسألة فهم ، إنها مسألة إقتناع ، الإقتناع بأن القرآن الكريم هو فعلاً كلمة الله ، وليس مجرد كلمات من شخص نابه ذكى ذو عقلية متفوقة ... " .
    ولكن كلمات صديقى الأفغانى أخذت تراودنى ولم تتركنى لشهور عدة !!!
    *** أكملت رحلتى عبر أفغانستان عائدا مرة ثانية إلى هرات التى كنت قد ابتدات منها ، وكنا نقترب من الشتاء عام 1926 ، وهكذا تركت هرات فى المرحلة الأولى لطريق العودة للوطن ، مستقلا القطار من الحدود الأفغانية إلى " ماف " فى التركستان الروسية ، ثم إلى سمرقند ، بخارى إلى طشقند ومن ثم مارا بسهول التركمان إلى جبال الأورال ، ثم موسكو .
    وهالنى الدعاية والمعلقات التى تهاجم الدين والألوهية أينما أحل أو أرتحل " وسأتوقف عن ذكرها لأنها مقززة " .
    وبشعور بالراحة عبرت الحدود البولندية ، بعد أسابيع أمضيتها فى آسيا ، وروسيا الأوروبية . واتجهت مباشرة لفرانكوفرت حيث الجريدة التى أعمل بها حيث استلمت عملى . ولم يمض وقت طويل حتى اكتشفت أنه أثناء غيابى ، قد أصبح اسمى مشهورا ، وأنى الآن أعتبر من المراسلين المرموقين فى وسط أوروبا . فبعض مقالاتى ... خصوصا تلك التى تناولت النفسية الدينية المعقدة للإيرانيين - والتى قد جاءت نتيجة لملاحظات علماء شرقيين بارزين ، واستقبلت أكثر من أنها معارف عابرة . ونتيجة لأهمية هذا الإنجاز ، فقد دعيت لإلقاء مجموعة من المحاضرات فى أكادمية الجغرافيا السياسية ببرلين - حيث قيل لى أنه لم يسبق أن حدث من قبل أن شخصا فى حداثة السن مثلى " حيث كنت حينئذ فى السادسة والعشرين " ، قد منح هذا الإمتياز . كما قمت بتدبيج مقالات أخرى عامة بتصريح من مجلة " فرانكفورت زيتنج " ، فى صحف أخرى ؛ وقد أعيد طبع إحدى المقالات كما أعلم ثلاثون مرة تقريبا . وبمعنى آخر ، فإن رحلاتى الإيرانية ، قد أثمرت ....
    وفى هذا الوقت تزوجت : إلسا " . السنتان اللتان أمضيتهما فى الخارج ، لم يضعفا من حبنا البعض ، بل زادته قوة ، وبسعادة غامرة لم أشعر بها من قبل ، استقبلت تعليقاتها على الفرق الكبير فى السن بيننا .
    " ولكن كيف تتزوجنى ؟ " ، بدأت فى النقاش معى . " أنت لم تصل بعد للست والعشرون عاما ، وأنا فوق الأربعين ، ألا تفكر فى ذلك ، حينما تصل للثلاثون ، سأكون أنا فى الخامسة والأربعون ، وحينما تصل أنت للأربعون ، سأكون إمرأة عجوز ... " .
    أخذت فى الضحك ! " وما فى ذلك ؟ " ، إننى لا أرى مستقبلا بدونك .
    وأخيرا سلمت للأمر .
    لم أبالغ حينما قلت لها إننى لا أرى مستقبلا بدونك . جمالها ، ورقتها الفطرية ، جذبتنى إليها بحيث لا أرى أى امرأة أخرى ؛ وحساسيتها فى فهم ماذا أريد من الحياة ، أضاء أمالى ، ورغباتى ، وأصبحت من الصلابة بمكان وأكثر إدراكا ، وطغت على تفكيرى فى ماذا أعمل ؟
    فى أحد المناسبات - بعد حوالى أسبوع من زواجنا ، أبدت لى هذه الملاحظة ّ : " كم أنت غريب الأطوار عن كل الناس ؟ يجب عليك أن تخفض من روحانيات فى الدين ... أنت صوفى النزعة ! - حساس فى صوفيتك ، تشير بأصابعك إلى ما حولك فى الحياة ، ولك رؤية متعمقة روحانية فيما يدور حولك يوميا من أشياء - بينما تمر مثل هذه الأشياء على الآخرين بلا إكتراث ... ولكنك حينما تتجه إلى الدين ، فكلك تركيز ... مع الناس الآخرين فالوضع بالعكس تماما ...
    ولكن إلسا لم تكن فى حيرة ، فهى تعلم عن ماذا أبحث حينما أتكلم معها عن الإسلام ؛ وبالرغم من أنها لم تكن فى نفس درجتى من الإضطرار ، إلا أن حبها لى جعلها تشاركنى تساؤلاتى .
    كثيرا ما كنا نقرأ القرآن سويا ، ونتناقش فى أفكاره ؛ وكانت إلسا كما كنت أنا ، معجبين بالتمساك الداخلى بين تعاليمه الأخلاقية ، وإرشاداته العملية . فاستنادا إلى القرآن " الكريم " ، فالله لم يدع الإنسان إلى أن يتضرع إليه مغصوب العينين ، بل لابد له أن يعمل عقله ؛ لم يتنح الله بعيدا عن الإنسان ، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد ؛ لم يخط الله خطا فاصلا بين الإيمان والسلوك الإجتماعى ؛ والشئ الذى يعتبر فى غاية الأهمية ، أن الإسلام لم يبدأ من بديهية أن الحياة محملة بالصراع بين الروح والجسد ، وأن النجاة هى فى تحرير الإنسان من قيود الجسد . كل مظهر من مظاهر أنكار الحياة ، وتحقير الإنسان لنفسه ، أدانها الإسلام فى أحاديث لرسول الله " صلى الله عليه وسلم " ... مثل " لاحظ " .. " أعتقد أنه أراد أن يشير هنا إلى حديث الثلاثة الذين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رغب عن سنتى فليس منى " . فالإنسان مطالب بأن يعيش حياته كاملة وبشكل إيجابى ، فما منحت غرائزه إلا لتؤدى ثمرتها ، ولكن ليستخدمها بطهر وأخلاق وفى محلها الصحيح . ومن التعاليم للإنسان : أنه ليس لك فقط أن تعيش حياتك ، بل المفروض عليك أن تعيشها بكل أبعادها .
    صورة متكاملة للإسلام تنبثق فى ذهنى وبشكلها النهائى وبتحديد ، مما أدهشنى أحيانا ! كانت تتشكل فى عملية من الممكن أن أسميها تفاعلات ذهنية - وبدون وعى منى ، فقد بدأت تتجمع من أجزاء متفرقة ومنتظمة ، فإذا وضعت هذه المتناثرات بعضها إلى بعض ، رأيت نظاما هندسيا دقيقا ، أخذ ذهنى يجمعه فى السنوات الأربع الماضية ، لأرى بناء كل عناصره متناسقة منسجمة ، تتجمع لتتمم وتعاضد بعضها البعض ، لا شئ فيه ينقصه ، ولا شئ يزيد عن متطلباته - متزن وهادئ ، يعطى الإنطباع بأن مسلمات الإسلام كلها فى وضعها الصحيح .
    منذ ثلاثة عشر قرنا مضت ، " يلاحظ أن الكتاب قديم " وقف رجل وهو يقول : " ما أنا إلا رجل هالك ، ولكن الذى خلق الكون أوحى إلى أن أحمل رسالته لكم ، حتى تعيشوا منسجمين مع كل خلقه ، وقد أمرنى بأن أذكركم بوجوده إلاها له كل القدرة وكل العلم ، وقد وضع لكم منهاجا للسلوك الصحيح ، إذا قبلتموه فلتتبعونى ... هذا كان هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه كانت رسالته .
    النظام الإجتماعى الذى أعلنه ، كان من البساطة التى تربط مفرداته بالعظمة الحقيقية . بدأ بالتسليم بأن الإنسان كائن حى له متطلبات حيوية ، وهذه المتطلبات تخضع للحل والحرمة اللذان يقرهما الله سبحانه وتعالى ، وأن الإنسان اجتماعى بطبعه يجتاج إلى مجتمع يحيط به ، ولكى يحقق إحتياجاته الثقافية والأخلاقية والطبيعية ، فلابد أن يعتمد كل على الآخر . إن ازدهار القوام الروحى للإنسان ( وهو هدف كل الأديان ) ، يعتمد عما إذا كان يتلقى دعما ، وتشجيعا ، وحماية له ممن حوله . هذا التكافل الإجتماعى ، يظهر السبب لماذا يهتم الإسلام بالنواحى العامة الإقتصادية والسياسية ، ولا ينفصل عنها . ولتنظيم علاقات إنسانية بطريقة عملية بحيث لو قابل أى فرد بعض العقبات ، يجد التشجيع اللازم لتنمية شخصيته : هذا ، ولا شئ آخر ، يبدو أنه هو مفهوم الإسلام للوظيفة الحقيقة للمجتمع . وهكذا كان من الطبيعى أن التشريع الذى أتى به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام خلال ثلاثة وعشرون عاما من مبعثه ، لا يرتبط فقط بالنواحى الروحية ، بل يمتد ليشمل الإطار لكل الأفراد وللمجتمع أيضا . يشمل ليس فقط مفهوم النقاء الفردى ، ولكن يتضمن المجتمع العادل الذى يؤدى هذا النقاء إليه . كذلك يتضمن الخطوط العريضة للمجتمع السايسى ... أما التفاصيل فمتروكة للتطورات التى تحدث مع الزمن المتغير ... كما يحدد حقوق الأفراد وواجباتهم نحو المجتمع اذى يعيشون فيه ، آخذا بعين الإعتبار حقيقة ما يجد من أمور . الشريعة الإسلامية تتضمن كل مناحى الحياة ، أخلاقية ، طبيعية ، فردية ، إجتماعية ، العلاقة بين الجسد والروح والعقل ، الجنس ، الإقتصاد ، كل ذلك جنبا إلى جنب ، مع اللاهوت والعبادة ، كل أمر من الأمور له وضعه فى تعليمات النبى عليه السلام ، ولا شئ يخص الحياة ينظر إليه على أنه تافه ليخرج من دائرة التصور الدينى ... ليس حتى مثل هذه القضايا الدنيوية ، كالتجارة ، والميراث ، وحق الملكية ، وإمتلاك الأراضى .
    *** كل مفردات الشريعة ، وضعت للإنتفاع المتساوى بين أفراد المجتمع ، بدون تمييز بين مكان المولد ، الأعراق ، الجنس ، أو ولاء إجتماعى سابق . لا منافع خاصة حجزت لمؤسس المجتمع أو أحفاده . " مداخلة : لذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام ما معناه ( نحن معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة ) " . لا توجد طبقات عليا وطبقات دنيا فى المفهوم الإجتماعى ، ليست من مفردات القاموس الإسلامى ؛ ولا أثر لها فى الشريعة الغراء . كل الحقوق والواجبات والفرص ، موزعة بين أفراد المجتمع المؤمن بالتساوى .
    لا يوجد كهنة بين الله والإنسان ، لأن الله يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم . لا ولاء ، إلا لله ورسوله ، وبأمر من الله للوالدين ، وللمجتمع المسلم المنوط بتحقيق مملكة الله على الأرض ؛ وبذلك فلا يجوز الذى يعلى كلمة " بلادى أو أمتى " ، ولتوضيح هذا المفهوم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أكثر من مناسبة ، قال بوضوح : " ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية " .
    كل المنظمات قبل الإسلام ... حتى الدينية أو شبه الدينية ... كانت تنهج المفهوم الضيق ، للعصبية القبلية والعشائرية . فمثلا الملوك المتألهين ، الفراعنة فى مصر ، لا يفكرون إلا فى أضيق الحدود التى يعيش فيها المصريون ؛ وحتى إله بنى إسرائيل فهو إله فقط للشعب المختار . بالعكس فالمفاهيم المستقاة من القرآن الكريم ترفض رفضا باتا التمسك بالعشيرة أو القبيلة . الإسلام افترض مجتمعا سياسيا بعيدا عن الإنقسامات العرقية والقبلية . وفى هذا المجال فإن الإسلام والنصرانية يتفقان فى الدعوة العالمية بعيدا عن القبلية ، وفى حين أن النصرانية قد حددت نفسها فى مفهوم " أعطى ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله " ، إلا أن مفهوم الإسلام أوسع من ذلك ، فقد دعى كل الأمم أن يكون الولاء لله فقط . وبذلك ... لتحقيق ما لم تحققه النصرانية ... فقد أضاف الإسلام منظورا آخر فى تطوير الإنسان : دعى إلى مجتمع مفتوح عقائديا ، بالمقارنة مع المجتمعات المغلقة التى نشأت فى الماضى ، عرقيا ، وجغرافيا .
    رسالة الإسلام أعطت تصورا ، ومنحت البشرية حضارة لا مكان فيها للقومية ، لا مصالح شخصية ، لا طبقية ، لا كنيسة ، لا كهنة ، لا طبقة نبلاء متوارثة ، فى الحقيقة ، لا شئ متوارث على الإطلاق . ومن أهم الميزات فى هذه الحضارة ... ميزة لم توجد فى أى تحركات للإنسان عبر التاريخ ... أنها نشأت عن قناعة وإتفاق تطوعى بين معتنقيها والله . هنا ، التقدم الإجتماعى ... مخالف عما حدث فى المجتماعات الأخرى ... لم يحدث نتيجة لضغوط ، ومقاومة لهذه الضغوط ، نتيجة للمصالح المتعارضة ، ولكن كجزء لا يتجزأ من تعليمات أصيلة . وبكلمات أخرى ، هناك عقد إجتماعى متأصل فى النفوس ، يسيطر على جذور الأعمال ... ليس نتيجة أوامر صاغها من بيدهم الأمر دفاعا عن مكتسباتهم ... بل حقيقة متأصل جذورها فى الحضارة الإسلامية . فقد ذكر القرآن الكريم " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ......... فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " .
    عرفت ( من تتبعى لقراءة الحضارة الإسلامية ) ... أن هذا العقد الذى سجله التاريخ ... قد تحقق لفترة وجيزة جدا ، أو بالأحرى فخلال فترة وجيزة جدا كانت هناك محاولات جادة لتحقيقه . فيما أقل من قرن بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم ، النظام النقى للإسلام بدأ فى الفساد السياسى ، ودفع فى القرون التالية إلى الخلف . ظهرت التطلعات العشائرية لإمتلاك القوة ، بديلا عن الرأى الحر للرجال والنساء ، الملكية الوراثية بديلا عن المفهوم السياسى فى الإسلام كنوع من الشرك فى المفهوم الإسلامى " مداخلة : أعتقد أنه يشير هنا إلى حديث ليس منا من دعى إلى عصبية " - ومع هذا أيضا ظهرت الدسائس والصراعات القبلية والظلم ، وإضمحلال الوازع الدينى ، والمهانة فى خدمة من بيده السلطة : باختصار حلت المصالح الشخصية التى عرفت فى التاريخ . ولوقت من الزمن ، حاول علماء ومفكرين عظام ، أن يعيدوا للإسلام رونقه ويذكروا الناس بمفاهيمه النقية ، ولكن جاء من بعدهم أقوام دأبوا على تقليد الأجيل السابقة ، وانتكسوا بعد قرنين أو ثلاثة قرون ، وتوقفوا عن التفكير لأنفسهم ... متانسين أن كل عصر يختلف عن سابقه ، وكل عصر له احتياجاته الخاصة التى تحتاج إلى التجديد . لقد كان الدفع الأصلى للإسلام فى بدايته عظيما ، ورفع الأمة الإسلامية إلى مستويات عالية من الثقافة والحضارة العظيمة ... حتى أن المؤرخين يسمون ذلك العصر الذى تحقق ، بالعصر الذهبى للإسلام ، من الناحية الأدبية ، والفنية ، والعلمية ، والثقافية ، ولكن بعد ذلك العصر بقرون بسيطة خمد الحافز الإيمانى الذى كان يغذى هذا التقدم ، وأصبحت الحضارة الإسلامية راكدة ، ومجردة من قوتها المبدعة .
    ...................................................
    لم أتأثر بالوضع الحالى للعالم الإسلامى . السنوات الأربع التى قضيتها فى البلدان الإسلامية ، أوضحت لى ، بأنه بالرغم من أن الإسلام ما زال حيا ، كما هو فى عيون العالم ، يؤثر من الناحية الأخلاقية فى أتباعه ، غير أنهم قد أصابهم الشلل ، بحيث لم يترجموا مبادئه إلى عمل مثمر . ولكن ما شد انتباهى ، بعيدا عن حالة المسلمين فى عهدنا هذا ، هو القوة الكامنة فى تعاليم الإسلام نفسه . كان كافيا لى أن أعلم أنه فى مدة قصيرة فى بداية التاريخ الإسلامى ، محاولة ناجحة قد تمت لتطبيق هذا النظام إلى عمل ؛ وبالتالى ، ما كان ممكنا فى وقت من الأوقات ، يظل ممكنا فى غيره من الأوقات . ماذا يهم ... قلت لنفسى ... إن كان المسلمين قد انحرفوا عن تعاليم دينهم الأصلية ، وركنوا إلى الكسل والجهل ؟ ... ماذا يهم إذا كانوا لا يأخذون بالتعاليم المثالية النى أمامهم ، والتى جاءت على لسان النبى العربى منذ ثلاثة عشر قرنا مضت ... إذا كانت هذه التعاليم ما زالت متاحة للجميع ولكل من يرغب ليستمع إليها ؟
    وربما نكون ... أخذت أفكر ... نحن المتأخرين أشد حاجة لهذه الرسالة من المسلمين فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . لقد عاشوا هم فى مناخ أبسط بكثير من المناخ الذى نعيش نحن فيه ، وكانت مشاكلهم والصعوبات التى يواجهونها أبسط من تلك التى نواجهها ، وتحتاج إلى حلول غير معقدة كما نواجه . العالم الذى أعيش فيه ... كل العالم الآن ... يتململ لعدم وجود أية قواعد روحانية تفصل بين الخير والشر ، وبالتالى ، اقتصاديا واجتماعيا . لا أعتقد أن الإنسان الفرد فى حاجة إلى خلاص ، بل المجتمع هو الذى فى حاجة إلى مخلص ! أكثر من أى وقت مضى ، أخذت أشعر بيقين متزايد ، أن وقتنا هذا فى أشد الحاجة إلى قاعدة أيدلوجية ، وإلى عقد إجتماعى جديد : فى حاجة إلى الإيمان بالله ، وتفهم مدى الفراغ الذى يحدثه التقدم المادى فقط ... ومن ثم نعطى الحياة حقها ؛ كيف نوازن بين احتياجات الروح والجسد ، ويكون فى ذلك الإنقاذ من كارثة محققة نسرع إليها متهورون .
    ....................................................
    غنى عن القول أن مشكلة الإسلام فى هذه الفترة ... فقد كانت مشكلة بالنسبة لى ... شغلت تفكيرى أكثر من أى شئ آخر . فى هذه اللحظات ، تعدى استيعابى للموضوع مراحله الأولية ، حينما كان الموضوع بالنسبة لى ليس أكثر من أبحاث ثقافية ، وأيدلوجية جذابة : أصبح الوضع الآن هو بحث مركز عن الحقيقة . مقارنة هذا البحث ، بسفريات السنتين الماضيتين ، والتى أسفرت عن لا شئ : أصبح التركيز على إكمال الكتاب الذى عهدت لى به جريدتى " فرانكفورتر زيتنج " من المستحيل .
    فى البداية كانت نظرة دكتور سيمون متساهلة ، لترددى فى الإستمرار فى إنهاء الكتاب . فقد عدت من رحلة طويلة تستحق نوعا من الأجازة ، وزواجى الحديث يعطينى بعض الحق فى التراخى فى الكتابة الروتينة . ولكن حينما تماديت فى التراخى ، ونظرا لأن دكتور سيمون يتحمل المسئولية عن الكتاب ، فقد طلب منى أنه قد حان الوقت لأنزل إلى الأرض .
    فى الماضى ، كنت أرى أنه متفهم للوضع ، ولكنى الآن أرى غير ذلك . ملاحظاته المستمرة ، وتساؤلاته اللحوحة عن تقدمى فى تحرير الكتاب ، أدت أثرها المعاكس لما كان ينشده ، فقد شعرت بأن الأمر مفروض على مما جعلنى أمقت فكرة الكتاب نفسها . كنت مهتم أكثر بما كنت ما أزال أريد أن أكتشفه عن ذلك الذى أريد أن أسجله من أحداث مرت بى فى رحلتى .
    فى نهاية الأمر أثار دكتور سيمون هذه الملاحظة " أعتقد أنك لن تنتهى من الكتاب البتة ، أنت تعيش فى داخلك فى رعب ما " .
    وكالملدوغ رددت عليه : " ربما المرض الذى أعانيه أكثر من الرعب " .
    " إذا فما دمت فى هذا العناء " قال ذلك بحدة " فهل تعتقد أن الصحيفة هى المكان المناسب لك " .
    كلمة منه وكلمة منى ، تحول الأمر إلى شجار ، وفى نفس اليوم قدمت استقالتى من الصحيفة ، وبعد أسبوع سافرت أنا وإلسا إلى برلين .
    لم أكن بالطبع أنوى ترك الصحافة ، فقد كانت جزءا من راحتى النفسية وسعادتى فيها وفى الكتابة ... بعدت عنهما مؤقتا ننيجة للكتاب ... وكيف لا ؟ وهى التى أعادتنى للعالم الإسلامى ، وهذه العودة كنت حريصا عليها بأى ثمن . ولكن بالنسبة للشهرة التى اكتسبتها فى الأعوام الأربعة الماضية ، لم يكن من الصعب علىالعودة إلى الصحافة ثانيا . فبسرعة جدا حصلت على عقد مجز ومريح مع ثلاثة صحف بزيورخ ، وبالرغم من أنها لم تكن فى مستوى الصحيفة السابقة إلا أنها كانت من الصحف الشهيرة بأوروبا .
    ومنذ ذلك الحين ، بقيت أنا وإلسا فى برلين ، لأكمل محاضراتى عن الإسلام فى أكاديمية الجغرافية السياسية . أصدقائى الأدباء السابقين فرحوا بعودتى لهم ، ولكن لم تكن العلاقة الجديدة فى نفس المتانة التى تركتهم بها قبل سفرى للشرق الأوسط . صارت لغتنا الثقافية مختلفة عما سبق . وبالتحديد ، لم أكن أستطع استخراج أية معلومات من مناقشاتى معهم عن الإسلام . كانوا يهزون رؤوسهم ، بحيرة حينما كنت أقول لهم أن الثقافة الإسلامية يمكنها أن تنافس أيدلوجيات أخرى . وبالرغم أنه فى بعض الحالات ، كانوا يوافقون على رأى من هنا أو هناك من مفاهيم الإسلام ، إلا أنهم فى العموم يقولون أن الأديان الماضية هى جزء من الماضى ، وأننا فى حاجة إلى تجديد فى المفاهيم ، ونظرة " إنسانية " جديدة . وحتى أولئكم الذين لا ينكرون أهمية المؤسسات الدينية ، لم يكونوا مستعدين للتخلى عن النظرة الأوربية للإسلام ، بأنه يفتقد إلى الوضوح الذى يتوقع من الأديان .
    وقد أدهشنى أن سمة الإسلام التى اكتشفتها من أول لحظة ... وهى عدم وجود فصل بين الروح والجسد ، وأن التأكيد على أن العقل هو الطريق للإيمان ... لم تكن واضحة عند المثقفين ، الذين ما فتئوا يقولون بأن العقل هو المهيمن على كل شئ فى الحياة : " فالعقلانية " و " الواقعية " ، ليس لهما مكان فى مجال الدين عندهم . وفى هذا الخصوص لم أجد فرقا بين هؤلاء المتدينين ، وهؤلاء الذين طرحوا الدين وراءهم .
    مع الوقت ، فهمت أين تكمن فيهم هذه الصعوبة . بدأت أدرك أنه فى عيون أولئكم الذين يدورون فى مدار النصرانية ... بضغوطها على عالم " ما وراء الطبيعة " المتأصلة زعما فى كل تجربة دينية حقيقية ... فإنه من الدرجةالأولى فكل نظرة عقلانية ، تكون سببا فى الإنتقاص من القيمة الروحية ، وذلك ليس خاصا بمؤمنى النصارى فقط . وذلك لطول العهد بالأوروبيين فى ظل النصرانية ، فمن حيث لا يدرون وبلا شعور ، تعلموا أن ينظروا للدين من خلا المنظار النصرانى ، ومفاهيم النصرانية ، ويعتبرون فقط أنها " صحيحة " ، إذا كانت مصحوبة بآثار الرهبنة والخشوع ، بعيدا عن الفهم الثقافى . الإسلام لا يحقق هذه الفرضية : الإسلام يصر على التعاون بين السمات الروحانية والمادية للحياة ، وذلك على قاعدة متينة طبيعية من المنهاج . فى الحقيقة فنظرته للحياة ، تختلف جذريا من مفاهيم النصرانية ، وهذه المفاهيم هى التى اعتمدها الغرب كأساس للحياة ، وبذلك يقيسيون صلاحية الآخر بهذه المقاييس .
    أما بالنسبة لى ، فقد كنت أعرف أننى منجذب إلى الإسلام لا محالة ، ولكن التردد جعلنى أؤجل القرار الأخير ، القرار الذى لا رجعة فيه . فكرة إعتناق الإسلام ، هى كرحلة على جسر طويل جدا بين عالمين مختلفين : جسر إذا وصلت لنهايته ، فلن ترى بدايته . كنت على بينة ، بأننى لو أسلمت ، فسأفصل نفسى عن العالم الذى نشأت فيه . لا دخل آخر سأعيش به . لا يمكن لمن يجيب حقيقة دعوة الرسول " عليه الصلاة والسلام " ، أن يبقى صلة داخلية مع المجتمع الذى يعيش على مفاهيم مغايرة ... هل الإسلام حقيقة رسالة من الله " سبحانه وتعالى " ، أم هو مجرد حكمة من رجل عظيم ، ولكنه غير معصوم ؟؟؟
    * فى أحد الأيام -- كان ذلك فى سبتمبر 1926 -- كنت أنا وإلسا نستقل مترو الأنفاق فى برلين ، كنا فى الدرجة الأولى . وقعت عينى بالصدفة على رجل أنيق ، يظهر أنه من رجال الأعمال ، ويحمل حقيبة جميلة على رجليه ، وبيده خاتم كبير الحجم من الماس !!! ولم يكن هذا المنظر للرجل غريبا فى هذه الأيام ، وهو يعكس الرخاء الذى حل بوسط أوروبا ، بعد سنوات التضخم التى قلبن الموازين رأسا على عقب . معظم الناس الآن يلبسون ثيابا جيدة ، ويأكلون الطيب من الطعام ، ولذلك فالرجل الجالس قبالتى ليسا بدعا فى ذلك . ولكنى عندما تحققت فى وجهه ، وجدت الكآبة عليه ! كان يظهر عليه القلق : وليس فقط القلق ، بل التعاسة أيضا ، عيونه تحملق إلى أعلى ، وزوايا فمه تتحرك كأن به ألم ... ليس ألما جسمانى . وحتى لا أتهم بالوقاحة فقد صرفت عينى عنه ، لتقع على سيدة أنيقة . فوجدت أيضا التعاسة على وجهها ، وكأنها عانت من شئ ما ، ولكن الإبتسامة على وجهها كانت ابتسامة متكلفة . وهكذا بلا وعى أصبحت أتلفت حولى فى الوجوه التى بالمقصورة ، لأرى أن الغالبية من الوجوه ، تعكس عن معاناة مخبوءة فى العقل الباطن لهم ، وهم لا يشعرون بذلك .
    فى الحقيقة كان شيئا غريبا بالنسبة لى ! لم أر من قبل مثل هذا العدد من التعساء ، وربما لأنه لم يسبق لى أن تفحصت مثل هذه الوجوه ، لأجد هذه الظاهرة تصرخ بأعلى الصوت فى وجوههم . الإنطباع كان قويا داخلى ، حنى أننى ذكرته لإلسا ، والتى بدأت هى الأخرى تجول فى الوجوه التعسة بعناية ، وهى الرسامة المتعودة على كشف تعبيرات الوجوه البشرية . التفتت نحوى مستغربة قائلة " أنت على حق ، كلهم يظهر عليهم كأنهم يعانون من عذاب الجحيم ... أتساءل هل ياترى هل يدرون ما يدور فى أنفسهم ؟
    أنا أعرف أنهم بالطبع لا يعلمون شيئا عن ذلك ، وإلا لأنقذوا أنفسهم من تضييع حياتهم فيما يتعسها ، بلا إيمان ، وبعيدا عن الحقيقة ، بلا هدف غير جمع الأموال ، والثروة والجاه ، ورفع مستوى معيشتهم ، بلا أمل غير امتلاك وسائل للراحة أكثر ، وأمور مادية أكثر ، وإمتلاك للقوة أكثر ...
    حينما عدنا للمنزل ، ألقيت نظرة على مكتبى ، وعليه نسخة من القرآن الكريم ، فأردت أن أضعها فى المكتبة ، ولكنى بطريقة تلقائية فتحته لأقرأ فيه ، فوقت عيني على سورة التكاثر ، فأخذت أقرأها :::
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}
    فى لحظة انعقد لسانى عن الكلام . واهتز الكتاب فى يديى ، وناولته لإلسا ، إقرئى هذا ! أليست هذه هى الإجابة على ما شاهدناه فى مترو الأنفاق ؟؟؟
    نعم إنها الإجابة ... نعم إنها الإجابة القاطعة والتى أزالت أى شك عندى أن هذا الكتاب الذى بين يدى الآن ، هو وحى من عند الله العليم بالنفوس : فمنذ ثلاثة عشر قرنا أنزل على رجل لا يعلم دخائل النفوس ، ولا يتوقع هذه الصورة التى رأيناها اليوم فى مترو الأنفاق ، والوضع المعقد الذى نعيشه الآن .
    فى كل الأوقات كان الجشع موجودا ، ولكنه لم يكن فى وقت من الأقات من قبل بمثل هذه البشاعة ... كان مجرد رغبة فى امتلاك الأشياء ... ولكن أن يصبح ذلك هوسا يغطى على كل شئ آخر : شهوة لا تقاوم ، لتعمل ولتدبر أكثر فأكثر ، اليوم أكثر من أمس ، والغد أكثر من اليوم ... شيطان يلوى أعناق الرجال ويلهب قلوبهم بالسياط لينفذوا مأربهم التى تبرق أمامهم ، ولكن حين يصلوا إليها لا يجدوها إلا شيئا حقيرا ، وما أن تقع فى أيديهم حتى يتطلعوا إلى مآرب جديدة أخرى براقة ، ذات إغراء أكثر ، سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ... هذا الجوع ، والجوع النهم سيظل دائما موجود ، لن يصلوا إلى الشبع مطلقا : كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}
    الآن رأيت أن هذه ليست حكمة رجل فى التاريخ الغابر فى الجزيرة العربية . مهما كان من الحكمة ، فهو لن يتنبأ بالجحيم الذى نعايشه فى القرن العشرين . القرآن يتكلم بصوت أكبر من صوت محمد " عليه الصلاة والسلام " .
    ************
    لقد انقشع الظلام ... وها أنا هنا فى ساحة المسجد النبوى ، والمضاء بمصابيح بالغاز المعلقة على الأعمدة بالأروقة . يجلس الشيخ " عبد الله بن بلهيد " ورأسه محنية على صدره ، وعيناه مغمضتين . من لا يعرفه يظن أنه نائم ، ولكنى أعرفه ، وأعلم أنه يستمع إلى بكل حواسه وخبرته فى الرجال ، ويحاول أن يزن كلامى ويضعه موضعه . وبعد فترة طويلة فتح عينيه ورفع رأسه : وحينئذ ، ماذا فعلت ؟؟؟
    من الواضح ياشيخ بحثت عن صديق لى مسلم ، كان هنديا ، رئيسا لمجموعة مسلمة فى برلين ، وقلت له أننى أريد اعتناق الإسلام . مد يديه فى اتجاهى ، فوضعت يديى فيهما ونطقت بالشهادتين " أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ، وبعد بضعة أسابيع أعلنت زوجتى إسلامها وفعلت ما فعلت .

    محمد أسد
    من كتاب الطريق إلى مكة ... من صفحة 295 إلى 311


    وهذا ماكتبه حسن السعيد عنه في كتاب الإسلام والغرب الوجه الآخر:

    في صيف عام 1900م، ولد "ليوبولد فايس" في مدينة "لوو" البولونيّة، التي كانت تابعة يومئذ للنمسا. كان ثاني ثلاثة أخوة لأبويه. وعن أجواء الطفولة وانعكاساتها يقول "فايس": "لقد كانت طفولة سعيدة مرضية حتّى في ذكراها، لقد كان والداي يعيشان في ظروف مريحة، وكانا يعيشان لأولادهم أكثر من أي شيء آخر. ولعلّه كان لوداعة اُمّي وهدوئها علاقة أو تأثير، بالسهولة التي تمكّنتُ بها، في السنين التالية، من أن اُكيّف نفسي للأحوال والظروف الجديدة، والمشؤومة الى أبعد الحدود. أمّا تبرّم أبي الداخليّ، فلعلّه منعكس فيما أنا عليه اليوم".
    ورغم أنّ أباه كان من اُولئك الذين يعتبرون الدّين خرافة عتيقة، يمكن للمرء، في بعض المناسبات، أن يمتثل لها خارجياً، ولكنّه يخجل منها في سرّه.. غير أنّه مراعاة لأبيه (الذي كان حاخاماً) وحميّه _والد زوجته _ ألحّ على "فايس" أن يقضي الساعات الطوّال في درس الكتب المقدّسة. وهكذا لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره حتّى أصبح في إمكانه قراءة العبرانيّة بسهولة، والتكلّم بها بطلاقة؛ وذلك بمقتضى متطلّبات تقاليد عائلته اليهوديّة. بيد أنّه سرعان ما اُصيب بخيبة أمل باليهوديّة أودت به الى نبذ كلّ دين نظاميّ دستوريّ، حسب تعبيره.
    في أواخر عام 1914م، وبعد اشتعال نيران الحرب العالميّة الأولى، بدا له أنّ الفرصة الكبرى لتحقيق أحلامه الصبيانيّة على قاب قوسين أو أدنى. كان إذ ذاك في الرابعة عشرة من عمره، فهرب من المدرسة والتحق بالجيش النمساويّ، بعد أن اتّخذ له اسماً مزوّراً، وبعد أسبوع أو نحو ذلك نجح والده في أن يتعقّب آثاره بواسطة البوليس، فيعيده مخفوراً الى فينّا، حيث كانت عائلته قد استقرّت قبل ذلك بزمن قليل، وحينما استدعي الى الخدمة العسكرية، بعد أربع سنوات كانت أحلامه حول "المجد العسكريّ" قد تبدّدت، وليتطلّع الى سُبل أخرى لتحقيق ذاتيّته.
    انصرف طيلة عامين تقريباً بعد انتهاء الحرب، وبصورة متقطّعة نوعاً ما، الى دراسة تاريخ الفنون والفلسفة في جامعة "فينّا".. لكنّ المسلك العلميّ الهادىء لم يكن يجذبه.. ليقرّر ترك الدراسة نهائيّاً، ومن ثمّ يجرّب حظّه في الصحافة. دشّن حياة المهنة بالتطواف في أنحاء العالم الاسلامي، كمراسل صحافيّ. والوطن الإٍسلامي آنذاك كان يعيش حالة الانهيار والهزيمة، وإذا كانت المفارقات تنبّه النفوس وتحرّك العقول، فلا شكّ أنّ "فايس" بعقله النيّر قد لاحظ هذه المفارقة التي تزامنت آنذاك بين الأيّام القريبة لصولة الدولة الاسلاميّة، واتّساعها شرقاً وغرباً لتحتلّ حتى جزءاً من وطنه النمساويّ، وبين حالها بعد الحرب العالميّة الأولى..
    وهكذا بينما كان صاحبنا منبهراً بالقوّة الكامنة في الاسلام، كان في الوقت نفسه، يحسّ بالاشفاق والعطف على هذه الأمة التي غدت حائرة تنشد طريقاً للخلاص ونهاية للمحنة.. كل ذلك تحوّل الى اهتمام جارف لدى "فايس" بوضع المسلمين ليجد لنفسه، في النهاية، أزاء خيار وحيد، وهو أن يعتنق الاسلام، وليقضي بقيّة حياته الفكرية في خدمة الاسلام والنّصح للأُمة حتّى وفاته في شباط (فبراير) 1992م.
    كيف إعتنق الاسلام ولماذا؟
    وعن كيفية اعتناقه الاسلام، ولماذا اعتنقه.. يحدِّثنا "محمّد أسد" فيقول:
    "في عام 1922م تركتُ النمسا بلادي لأتجوّل في أفريقيا وآسيا بصفتي مراسلاً لبعض اُمّهات الصحف الأوروبيّة. ومنذ ذلك الحين قضيت كلّ أوقاتي تقريباً في الشرق الاسلاميّ.. ولقد كان اهتمامي بالشعوب التي احتككتُ بها في أوّل أمري اهتمام رجل غريب. لقد رأيتُ نظاماً اجتماعيّاً ونظرة الى الحياة تختلف اختلافاً أساسيّاً عما هي الحال في أوروبا. ومنذ البداءة الأولى نشأ في نفسي ميل الى ادراك للحياة أكثر هدوءاً _أو إذا شئت _ أكثر انسانيّة، إذا قيست تلك الحياة بطريقة الحياة الآليّة العجلى في أوروبا، ثمّ قادني هذا الميل الى النظر في أسباب هذا الاختلاف.
    وهكذا أصبحتُ شديد الاهتمام بتعاليم الاسلام الدينيّة. إلاّ أنّ هذا الميل لم يكن في الزمن الذي نتكلّم عنه، كافياً لجذبي الى حظيرة الاسلام، ولكنّه كان كافياً لأن يعرض أمامي رأياً جديداً في إمكان تنظيم الحياة الانسانيّة مع أقل قدر ممكن من النزاع الداخليّ وأكبر قدر ممكن من الشعور الأخويّ الحقيقيّ.
    .. لقد شجّعني هذا الاكتشاف، لكن الذي حيّرني كان ذلك التباعد البيّن بين الماضي والحاضر، من أجل ذلك حاولتُ الاقتراب من هذه المشكلة البادية أمامي من ناحية أشدّ صلة، لقد تخيّلت نفسي واحداً من الذين يضمّهم الاسلام. على أنّ ذلك كان تجربة عقليّة بحتة، ولكنّه كشف لي في وقت قصير عن الحلّ الصحيح..
    وكنتُ كلّما زدتُ فهماً لتعاليم الاسلام من ناحيتها الذاتيّة، وعظم ناحيتها العلميّة ازددتُ رغبة في التساؤل عمّا دفع المسلمين الى هجر تطبيقها تطبيقاً تامّاً على الحياة الحقيقيّة. لقد ناقشتُ هذه المشكلة مع كثير من المسلمين المفكّرين في جميع البلاد ما بين طرابلس الغرب الى هضبة البامير (في الهند)، ومن البوسفور الى بحر العرب، فأصبح ذلك تقريباً شجىً في نفسي طغى في النهاية على سائر أوجه اهتمامي بالعالم الاسلاميّ من الناحية الثقافية. ثمّ زادت رغبتي في ذلك شدّة، حتّى أنّي _وأنا غير المسلم _ أصبحتُ أتكلّم الى المسلمين أنفسهم مشفقاً على الاسلام من إهمال المسلمين وتراخيهم. لم يكن هذا التطوّر بيّناً في نفسي، إلى أن كان يوم _وذلك في خريف عام 1925م _ وأنا يومذاك في جبال الأفغان، فقد تلقّاني حاكم اداري شاب بقوله: "ولكنّك مسلم، غير أنّك لا تعرف ذلك من نفسك". لقد أثّرت فيّ هذه الكلمات، غير أنّي بقيت صامتاً. ولكن لمّا عدتُ الى أوروبا مرّة ثانية في عام 1926م، وجدتُ أنّ النتيجة المنطقيّة الوحيدة لميلي هذا أن أعتنق الاسلام".
    وحال اعتناقه الاسلام تسمّى بـ "محمّد أسد". ومنذ ذلك الحين وهذا السؤال يُلقى عليه مرّة بعد مرّة: لماذا اعتنقتُ الاسلام؟ وما الذي جذبك منه خاصّة؟ فيأتي جوابه: "هنا يجب أن أعترف بأنّني لا أعرف جواباً شافياً. لم يكن الذي جذبني تعليماً خاصّاً من التعاليم، بل ذلك البناء المجموع العجيب المتراصّ بما لا نستطيع له تفسيراً من تلك التعاليم الأخلاقيّة بالإضافة الى منهاج الحياة العمليّة. ولا أستطيع اليوم أن أقول أي النواحي قد استهوتني أكثر من غيرها، فانّ الاسلام على ما يبدو لي، بناء تام الصّنعة، وكلّ أجزائه قد صيغت ليتمّم بعضها بعضاً ويشدّ بعضها بعضاً. فليس هناك شيء لا حاجة إليه، وليس هنالك نقص في شيء، فنتج عن ذلك كلّه ائتلاف متّزن مرصوص. ولعلّ هذا الشعور من أنّ جميع ما في الاسلام من تعاليم وفرائص "قد وُضعت مواضعها" هو الذي كان له أقوى الأثر في نفسي، وربّما كانت مع هذا كلّه أيضاً مؤثّرات أخرى يصعب عليَّ الآن أن أحلّلها...".
    ومنذ ذلك الحين سعى الى أن يتعلّم من الاسلام كلّ ما يقدر عليه: لقد درس القرآن الكريم وحديث الرسول (ص). لقد درس لغة الاسلام، وتاريخ الاسلام وكثيراً ممّا كُتِبَ عنه أو كُتِبَ في الردّ عليه. وقد قضى أكثر من خمس سنوات في الحجاز، ونجد _وأكثر ذلك في المدينة _ ليطمئنّ قلبه بشيء من البيئة الأصليّة للدّين الذي قام النبيّ العربيّ بالدعوة اليه فيها. وبما أنّ الحجاز ملتقى المسلمين من جميع الأقطار، فقد تمكّن من المقارنة بين أكثر من وجهات النظر الدينيّة والاجتماعيّة التي تسود العالم الاسلاميّ.
    بعد سنوات من الانقطاع لدراسة الاسلام، صار علماً من أعلام الاسلام في العصر الحديث. وبعد قيام باكستان اشتغل مديراً لدائرة "إحياء النظم الاسلامية" في البنجاب الغربيّة، ثمّ صار فيما بعد مندوباً مناوباً لباكستان في الأُمم المتّحدة، وفي عام 1953م استقال من منصبه، لينكبّ على الكتابة والتأليف. ومنذ عام 1964 حتّى عام 1980 يكون قد أنجز "مشروع العمر" وهو ترجمة معاني القرآن، باسلوب عصريّ خاطب فيه العقل الأوروبي مباشرة بلغة يفهمها.
    أنشأ بمعاونة "وليم بكتول" (الذي أسلم هو الآخر) مجلّة الثقافة الاسلامية في حيدر آباد الدكن (1927)، وكتب فيها دراسات وافرة في تصحيح أخطاء المستشرقين عن الاسلام. كما ترجم صحيح البخاري (1935)، وألّف أصول الفقه الاسلاميّ، والطريق الى مكّة، والاسلام على مفترق الطّرق، ومنهاج الاسلام في الحكم، وشريعتنا هذه ، وعودة القلب الى وطنه (مذكّرات)...
    مع ضرورة التذكير بأنّ "محمّد أسد" لم يرجع الى أوروبا منذ أن غادرها بعد اعتناقه الاسلام أواسط العشرينات.. فقد كان عاشقاً للاسلام وحسب.
    المصدر : الاسلام والغرب، الوجه الآخر
    حسن السعيد
    وهذا ماكتبه د.عبدالمعطي الدالاتي عنه في كتاب ربحت محمداً ولم أخسر المسيح:
    نمساوي ينحدر من سلالة يهودية ، أسلم ووضع كتابيه الشهيرين (الإسلام على مفترق الطرق) و (الطريق إلى مكة) ولقد جاء إسلامه ردا حاسما على اليأس والضياع ، وإعلانا مقنعا على قدرة الإسلام على استقطاب الحائرين الذين يبحثون بجد عن أرواحهم ومصيرهم

    قصته مع الإسلام:

    في حوار مع بعض المسلمين ، كان (ليوبولد فايس) ينافح عن الإسلام ، ويحمل المسلمين تبعة تخلفهم عن الشهود الحضاري ، لأنهم قصروا في تطبيق الإسلام ، ففاجأه أحد المسلمين الطيبين بهذا التعليق: (فأنت مسلم ... ولكن لا تدري).

    هزت هذه الكلمة أعماقه ، ووضعته أمام نفسه التي يهرب منها ، وظلت تلاحقه من بعد حتى أثبت القدر صدق قائلها الطيب حين نطق (محمد أسد) بالشهادتين.

    هذه الحادثة تعلمنا ألا نستهين بخيرية وطاقات أي إنسان! فنحن لا ندري من هو الإنسان الذي سيخاطبنا القدر به ، ومن منا لم يحدث انعطافا في حياته كلمة أو موقف أو لقاء؟! من منا يستطيع أن يقاوم في نفسه شجاعة الأخذ من الكرماء؟!

    يقول محمد أسد:

    · في يوم ذهبت مع صديق إلى الجامع الأموي ، في صفوف طويلة مستقيمة كان يقف مئات من الرجال وراء الإمام ، كانوا يركعون ويسجدون فيلمسون الأرض بجباههم ثم ينهضون ثانية ، في وحدة منظمة كالجنود سواء سواء.

    · في تلك اللحظة أدركت مبلغ قرب هؤلاء القوم من ربهم ، إن صلاتهم لم تكن منفصلة عن يوم عملهم! قلت لصاحبي: (ما أقرب وأدهش أن تشعروا أن الله قريب منكم إلى هذا الحد! آه لو أستطيع أن أشعر نفسي هذا الشعور)

    · ما أجمل أن ينزل الإنسان ضيفا على العربي! أن تكون ضيفا على عربي إنما يعني نفاذك إلى صميم الحياة.

    · في دمشق ما أكثر ما رأيت زبونا يقف أمام دكان غاب صاحبه عنه ، فيتقدم التاجر المجاور –مزاحم!- ويبيع الزبون من بضاعة جاره لا بضاعته هو! ويترك له الثمن ، أين في أوربا يستطيع المرء أن يشاهد مثل هذه الصفقة؟!

    · في الإسلام لا يحق لك فحسب بل يجب عليك أيضا أن تفيد من حياتك إلى أقصى حدود الإفادة.

    · يهتم الإسلام اهتماما واحدا بالدنيا والآخرة ، وبالنفس والجسد ، وبالفرد والمجتمع ، ويهدينا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة مما فينا من استعداد إنه ليس سبيلا من السبل ، ولكنه السبيل الوحيد ، وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هاديا من الهداة ، ولكنه (الهادي).

    · جاءني الإسلام متسللا كالنور إلى قلب مظلم ، ولكن ليبقى فيه إلى الأبد والذي جذبني إلى الإسلام هو ذلك البناء العظيم المتكامل المتناسق الذي لا يمكن وصفه ولست أدري حتى الآن أي جانب من الإسلام يستميلني أكثر من غيره.

    · من بين سائر الأديان نرى الإسلام وحده يعلن أن الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا ولا يؤجل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات الجسدية ، ومن بين سائر الأديان نجد الإسلام وحده يتيح للإنسان أن يتمتع بحياته إلى أقصى حد من غير أن يضيع اتجاهه الروحي دقيقة واحدة...

    · يصف (محمد أسد) إفاضته مع الحجيج من عرفات: ها نحن أولاء نمضي عجلين مستسلمين لغبطة لا حد لها والريح تعصف في أذني صيحة الفرح: لن تعود بعد غريبا لن تعود... إخواني عن اليمين وإخواني عن الشمال ليس بينهم من أعرفه وليس فيهم من غريب فنحن في التيار المصطحب جسد واحد يسير إلى غاية واحدة وفي قلوبنا جذوة من النار التي وقدت في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يعلم إخواني أنهم قصروا ولكنهم لا يزالون على العهد سينجزون الوعد.

    · (لبيك الله لبيك) لم أعد أسمع شيئا سوى صوت لبيك في عقلي ودوي الدم وهديره في أذني.

    · ويممت وجه الله والقلب ذاكر وكان صدى لبيك يغلي بمسمعي.

    · إن الكعبة ترمز إلى الوحدانية والوحدة أما الطواف حولها فيرمز إلى جهود الحياة الإنسانية...

    · وتقدمت أطوف أصبحت جزء من سيل دائري! ... لقد أصبحت جزء من حركة في مدار! .... وتلاشت الدقائق ... وهدأ الزمن نفسه وكان هذا المكان محور العالم ..

    · إن الإسلام يؤكد في إعلانه أن الإنسان يستطيع بلوغ الكمال في حياته الدنيا بمفرده وذلك بأن يستفيد استفادة تامة من وجوه الإمكان الدنيوي في حياته هو.

    · لم يكن الذي جذبني إلى الإسلام تعليما خاصا بل ذلك البناء المجموع العجيب فالإسلام بناء تام الصنعة وكل أجزائه قد سيقت ليتم بعضها بعضا... ولا يزال الإسلام من وجهتيه الروحية والاجتماعية بالرغم من جميع العقبات التي خلفها تأخر المسلمين أعظم قوة ناهضة للهمم عرفها البشر لذلك تجمعت

    · رغباتي كلها حول مسألة بعثه من جديد.

    · الإسلام ليس فلسفة ، ولكنه منهج الحياة حسب القوانين التي سنها الله لخلقه ، وما عمله الأسمى سوى التوفيق التام بين الوجهتين الروحية والمادية في الحياة الإنسانية.

    · الخطأ الأساسي في التفكير الأوربي الحديث ، حينما يعتبر التزيد من المعرفة المادية من الرفاهية مرادفا للترقي الإنساني الروحي والأدبي.

    · إن الإسلام لم يقف يوما ما سدا في وجه التقدم والعلم ، إنه يقدر الجهود الفكرية في الإنسان إلى درجة يرفعه فيها فوق الملائكة.

    وهذا ماكتبه الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين في موقع الإسلام اليوم
    الطريق الروحي إلى مكة


    كان الصبي (ليوبولدفايس) تحت إصرار والده يواظب على دراسة النصوص الدينية ساعات طويلة كل يوم، وهكذا وجد نفسه وهو في سن الثالثة عشرة يقرأ العبرية ويتحدثها بإتقان، درس التوراة في نصوصها الأصلية وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى (ترجوم) فدرسه وكأنما يهيئ نفسه لمنصب ديني.

    كان إنجازه المدهش يعد بتحقيق حلم جده الحاخام الأرثوذكسي النمساوي بأن تتصل بحفيده سلسلة من أجداده الحاخامات، ولكن هذا الحلم لم يتحقق، فبالرغم من نبوغه في دراسة الدين أو ربما بسببه نمت لديه مشاعر سلبية تجاه جوانب كثيرة من العقيدة اليهودية، لقد رفض عقله ما بدا من أن الرب في النصوص التوراتية والتلمودية مشغول فوق العادة بمصير أمة معينة ، وهم اليهود بالطبع. لقد أبرزت النصوص الرب لا كخالق وحافظ لكل خلقه من البشر؛ بل كرب قبلي يسخر كل المخلوقات لخدمة الشعب المختار.

    لم يؤد إحباطه من الديانة اليهودية في ذلك الوقت إلى البحث عن معتقدات روحية أخرى، فتحت تأثير البيئة اللا أدرية التي يعيش فيها وجد نفسه يندفع ككثير من أقرانه إلى رفض الواقع الديني وكل مؤسساته، وما كان يتطلع إليه لم يكن يختلف كثيراً عما يتطلع إليه باقي أبناء جيله، وهو خوض المغامرات المثيرة.

    في تلك المرحلة من عمر (ليوبولدفايس) اشتعلت الحرب العالميــة الأولى (1914- 1918) وبعد انتهاء الحرب -وعلى مدى عامين- درس بلا نظام تاريخ الفن والفلسفة في (جامعة فينا) ولكن ما كان مشغوفاً بالتوصل إليه هو جوانب محببة إلى نفسه من الحياة، كان مشغوفاً أن يصل بنفسه إلى مثل روحية حقيقية كان يوقن أنها موجودة؛ لكنه لم يصل إليها بعد!.

    كانت العقود الأولى للقرن العشرين تتسم بالخواء الروحي للأجيال الأوروبية، أصبحت كل القيم الأخلاقية متداعية تحت وطأة التداعيات المرعبة للسنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي لم تبد فيه أي روحية جديدة في أي أفق، كانت مشاعر عدم الإحساس بالأمن متفشية بين الجميع، إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية أصاب الجميع بالشك في استمرارية أفكار البشر وفي كل مساعيهم وأهدافهم، كان القلق الروحي لدى الشباب لا يجد مستقراً لإقدامه الوجلة، ومع غياب أي مقاييس يقينية أخلاقية لم يكن ممكناً لأي فرد إعطاء إجابات مقنعة عن أسئلة كثيرة كانت تؤرق وتحير كل جيل الشباب.

    كانت علوم التحليل النفسي (وهي جانب من دراسات الشاب ليوبولدفايس) تشكل في ذلك الوقت ثورة فكرية عظمى، وقد أحس فعلاً أن تلك العلوم فتحت مزاليج أبواب معرفة الإنسان بذاته، كان اكتشاف الدوافع الكامنة في اللاوعي قد فتح أبواباً واسعة تتيح فهماً أوسع للذات، وما أكثر الليالي التي قضاها في مقاهي (فينا) يستمع إلى مناقشات ساخنة ومثيرة بين رواد التحليل النفسي المبكرين من أمثال (الفريد ادلر) و (هرمان سيتكل).

    إلا أن الحيرة والقلق والتشويش حلت عليه من جديد، بسبب عجرفة العلم الجديد وتعاليه ومحاولته أن يحل ألغاز الذات البشرية عن طريق تحويلها إلى سلاسل من ردود الأفعال العصبية.

    لقد نما قلقه وتزايد وجعل إتمام دراسته الجامعية يبدو مستحيلاً؛ فقرر أن يترك الدراسة، ويجرب نفسه في الصحافة.

    كان أول طريق النجاح في هذه التجربة تعيينه في وظيفة محرر في وكالة الأنباء (يونايتد تلجرام)، وبفضل تمكنه من عدة لغات لم يكن صعباً عليه أن يصبح بعد وقت قصير نائباً لرئيس تحرير قطاع أخبار الصحافة الاسكندنافية بالرغم من أن سنه كانت دون الثانية والعشرين، فانفتح له الطريق في برلين إلى عالم أرحب (مقهى دين فيستن) و(رومانشية) ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين ومشاهير الصحفيين والفنانين، فكانوا يمثلون له (البيت الفكري) وربطته بهم علاقات صداقة توافرت فيها الندية.

    كان في ذلك الوقت سعيداً بما هو أكثر من النجاح في حياته العملية، ولكنه لم يكن يشعر بالرضا والإشباع ولم يكن يدري بالتحديد ما الذي يسعى إليه وما الذي يتوق إلى تحقيقه.

    كان مثله مثل كثير من شباب جيله، فمع أن أياً منهم لم يكن تعساً إلا أن قليلاً منهم كان سعيداً بوعي وإدراك.

    (1)

    لو قال له أحد في ذلك الوقت: إن أول معرفة له مباشرة الإسلام ستصبح نقطة تحول عظمى في حياته؛ لعد ذلك القول مزحة، ليس بالطبع لأنه محصن ضد إغراءات الشرق التي تربط ذهن الأوربي برومانتيكية ألف ليلة وليلة، ولكنه كان أبعد ما يكون عن أن يتوقع أن تؤدي تلك الرحلة إلى أي مغامرات روحية.

    كل ما كان يدور في ذهنه عن تلك الرحلة كان يتعامل معه برؤية غربية، فقد كان رهانه محصوراً في تحقيق أعمق في المشاعر والإدراك من خلال البيئة الثقافية الوحيدة التي نشأ فيها، وهي البيئة الأوروبية، لم يكن إلا شاباً أوربياً نشأ على الاعتقاد بأن الإسلام وكل رموزه ليس إلا محاولة التفافية حول التاريخ الإنساني، محاولة لا تحظى حتى بالاحترام من الناحية الروحية والأخلاقية، ومن ثم لا يستحق الذكر، فضلاً عن أن يوازن بالدينين الوحيدين اللذين يرى الغرب أنهما يستحقان الاهتمام والبحث (اليهودية والمسيحية)، كان يلف تفكيره الفكر الضبابي القاتم والانحياز الغربي ضد كل ما هو إسلامي، أو كما يعبر عن نفسه:"لو تعاملت بعدل مع ذاتي لأقررت أني أيضاً كنت غارقاً حتى أذني في تلك الرؤية الذاتية الأوروبية والعقلية المتعالية التي اتسم بها الغرب على مدى تاريخه". [ 104].

    ولكن بعد أربع سنوات كان ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ويتسمى باسم (محمد أسد).

    بالرغم من أن حياته تفيض بالمغامرات والمفاجاءات والمصادفات فلم يكن إسلامه نتيجة لأي من ذلك بل كان نتيجة لسنوات عدة من التجول في العالم الإسلامي، والاختلاط بشعوبه، والتعمق في ثقافته، وإطلاعه الواسع على تراثه بعد إجادته للغة العربية والفارسية.

    كان في الأعوام المبكرة من شبابه بعد ما أصابه الإحباط وخيبة الأمل في العقيدة اليهودية التي ينتمي إليها قد اتجه تفكيره إلى المسيحية بعد أن وجد أن المفهوم المسيحي للإله يتميز عن المفهوم التوراتي؛ لأنه لم يقصر اهتمام الإله على مجموعة معينة من البشر ترى أنها وحدها شعب الله المختار، وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب من الفكر المسيحي قلل في رأيه إمكانية تعميمه وصلاحيته لكل البشر، ألا وهو التمييز بين الروح والبدن. أي بين عالم الروح وعالم الشؤون الدنيوية، وبسبب تنائي المسيحية المبكر عن كل المحاولات التي تهدف إلى تأكيد أهمية المقاصد الدنيوية، كفت من قرون طويلة في أن تكون دافعاً أخلاقياً للحضارة الغربية، إن رسوخ الموقف التاريخي العتيق للكنيسة في التفريق بين ما للرب وما لقيصر؛ نتج عنه ترك الجانب الاجتماعي والاقتصادي يعاني فراغاً دينياً، وترتب على ذلك غياب الأخلاق في الممارسات الغربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم، ومثل ذلك إخفاقاً لتحقيق ما هدفت إليه رسالة المسيح أو أي دين آخر.

    فالهدف الجوهري لأي دين هو تعليم البشر كيف يدركون ويشعرون، بل كيف يعيشون معيشة صحيحة وينظمون العلاقات المتبادلة بطريقة سوية عادلة، وإن إحساس الرجل الغربي أن الدين قد خذله جعله يفقد إيمانه الحقيقي بالمسيحية خلال قرون، وبفقدانه لإيمانه فَقَدَ اقتناعه بأن الكون والوجود تعبير عن قوة خلق واحدة، وبفقدان تلك القناعة عاش في خواء روحي وأخلاقي.

    كان اقتناعه في شبابه المبكر أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده قد تبلور إلى اقتناع فكري بأن عبادة التقدم المادي ليست إلا بديلاً وهمياً للإيمان السابق بالقيم المجردة، وأن الإيمان الزائف بالمادة جعل الغربيين يعتقدون بأنهم سيقهرون المصاعب التي تواجههم حالياً، كانت جميع النظم الاقتصادية التي خرجت من معطف المادة علاجاً مزيفاً وخادعاً ولا تصلح لعلاج البؤس الروحي للغرب، كان التقدم المادي بإمكانه في أفضل الحالات شفاء بعض أعراض المرض إلا أن من المستحيل أن يعالج سبب المرض.

    كانت أول علاقة له بفكرة الإسلام وهو يقضي أيام رحلته الأولى في القدس عندما رأى مجموعة من الناس يصلون صلاة الجماعة يقول: "أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمن حركات آلية، فسألت الإمام هل تعتقد حقاً أن الله ينتظر منك أن تظهر له إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟ ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك وتصلي إلى ربك بقلبك وأنت ساكن؟ أجاب: بأي وسيلة أخرى تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معاً؟ وبما أنه خلقنا جسداً وروحاً ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟ ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة، أيقنت بعد ذلك بسنوات أن ذلك الشرح البسيط قد فتح لي أول باب للإسلام" [120].

    بعد هذه الحادثة بشهور كان يدخل الجامع الأموي في دمشق ويرى الناس يصلون، ويصف هذا المشهد "اصطف مئات المصلين في صفوف طويلة منتظمة خلف الإمام، ركعوا وسجدوا كلهم في توحد مثل الجنود، كان المكان يسوده الصمت يسمع المرء صوت الإمام من أعماق المسجد الجامع يتلو آيات القرآن الكريم، وحين يركع أو يسجد يتبعه كل المصلين كرجل واحد، أدركت في تلك اللحظة مدى قرب الله منهم وقربهم منه بدا لي أن صلاتهم لا تنفصل عن حياتهم اليومية بل كانت جزءاً منها، لا تعينهم صلاتهم على نسيان الحياة بل تعمقها أكثر بذكرهم لله، قلت لصديقي ومضيفي ونحن ننصرف من الجامع: ما أغرب ذلك وأعظمه! إنكم تشعرون أن الله قريب منكم، أتمنى أن يملأني أنا أيضاً ذلك الشعور، رد صاحبي: ما الذي يمكن أن نحسه غير ذلك والله يقول في كتابه العزيز: )ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )" [166].

    ويقول بعد ذلك:"تركت تلك الشهور الأولى التي عشتها في بلد عربي قطاراً طويلاً من الانعكاسات والانطباعات، لقد واجهت مغزى الحياة وجهاً لوجه وكان ذلك جديداً تماماً على حياتي، الأنفاس البشرية الدافئة تتدفق من مجرى دم أولئك الناس إلى أفكارهم بلا تمزقات روحية مؤلمة من عدم الاطمئنان والخوف والطمع والإحباط الذي جعل من الحياة الأوروبية حياة قبيحة وسيئة لا تعد بأي شيء " [131].

    "أحسست بضرورة فهم روح تلك الشعوب المسلمة لأني وجدت لديهم تلاحماً عضوياً بين الفكر والحواس، ذلك التلاحم الذي فقدناه نحن الأوربيين، واعتقدت أنه من خلال فهم أقرب وأفضل لحياتهم يمكن أن أكتشف الحلقة المفقودة التي تسبب معاناة الغربيين وهي تأكل التكامل الداخلي للشخصية الأوروبية، لقد اكتشفت كنه ذلك الشيء الذي جعلنا نحن أهل الغرب ننأى عن الحرية الحقة بشروطها الموضوعية التي يتمتع بها المسلمون حتى في عصور انهيارهم الاجتماعي والسياسي" [132].

    "ما كنت أشعر به في البداية لا يعدو أكثر من تعاطف مع شكل الحياة العربية والأمان المعنوي الذي أحسبه فيما بينهم تحوّل بطريقة لا أدركها إلى ما يشبه المسألة الذاتية، زاد وعيي برغبة طاغية في معرفة كنه ذلك الشيء الذي يكمن في أسس الأمن المعنوي، والنفسي وجعل حياة العرب تختلف كلياً عن حياة الأوربيين، ارتبطت تلك الرغبة بشكل غامض بمشكلاتي الشخصية الدفينة، بدأت أبحث عن مداخل تتيح لي فهماً أفضل للشخصية العربية والأفكار التي شكلتهم وصاغتهم وجعلتهم يختلفون روحياً عن الأوروبيين، بدأت أقرأ كثيراً بتركيز في تاريخهم وثقافتهم ودينهم، وفي غمرة اهتمامي أحسست بأني قد توصلت إلى اكتشاف ما يحرك قلوبهم ويشغل فكرهم ويحدد لهم اتجاههم، أحسست أيضاً بضرورة اكتشاف القوى الخفية التي تحركني أنا ذاتي وتشكل دوافعي وتشغل فكري وتعدني أن تهديني السبيل" [132]".

    "قضيت كل وقتي في دمشق أقرأ من الكتب كل ما له علاقة بالإسلام، كانت لغتي العربية تسعفني في تبادل الحديث؛ إلا أنها كانت أضعف من أن تمكنني من قراءة القرآن الكريم، لذا لجأت إلى ترجمة لمعاني القرآن الكريم، أما ما عدا القرآن الكريم فقد اعتمدت فيه على أعمال المستشرقين الأوروبيين.

    ومهما كانت ضآلة ما عرفت إلا أنه كان أشبه برفع ستار، بدأت في معرفة عالم من الأفكار كنت غافلاً عنه وجاهلاً به حتى ذلك الوقت، لم يبدُ لي الإسلام ديناً بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكلمة دين؛ بل بدا لي أسلوباً للحياة، ليس نظاماً لاهوتياً بقدر ما هو سلوك فرد، ومجتمع يرتكز على الوعي بوجود إله واحد، لم أجد في أي آية من آيات القرآن الكريم أي إشارة إلى احتياج البشر إلى الخلاص الروحي ولا يوجد ذكر لخطيئة أولى موروثة تقف حائلاً بين المرء وقدره الذي قدره الله له، ولا يبقى لابن آدم إلا عمله الذي سعى إليه، ولا يوجد حاجة إلى الترهب والزهد لفتح أبواب خفية لتحقيق الخلاص، الخلاص حق مكفول للبشر بالولادة، والخطيئة لا تعني إلا ابتعاد الناس عن الفطرة التي خلقهم الله عليها، لم أجد أي أثر على الثنائية في الطبيعة البشرية فالبدن والروح يعملان في المنظور الإسلامي كوحدة واحدة لا ينفصل أحدهما عن الآخر.

    أدهشني في البداية اهتمام القرآن الكريم ليس بالجوانب الروحية فقط بل بجوانب أخرى غير مهمة من الأمور الدنيوية، ولكن مع مرور الوقت بدأت أدرك أن البشر وحدة متكاملة من بدن وروح، وقد أكد الإسلام ذلك، لا يوجد وجه من وجوه الحياة يمكن أن نعده مهمشاً؛ بل إن كل جوانب حياة البشر تأتي في صلب اهتمامات الدين، لم يدع القرآن الكريم المسلمين ينسون أن الحياة الدنيا ليست إلا مرحلة في طريق البشر نحو تحقيق وجود أسمى وأبقى وأن الهدف النهائي ذو سمة روحية، ويرى أن الرخاء المادي لا ضرر منه إلا أنه ليس غاية في حد ذاته، لذلك لا بد أن تُقنن شهية الإنسان وشهواته وتتم السيطرة عليها بوعي أخلاقي من الفرد، هذا الوعي لا يوجه إلى الله فقط؛ بل يوجه أيضاً إلى البشر فيما بينهم، لا من أجل الكمال الديني وحده بل من أجل خلق حالة اجتماعية تؤدي إلى تطور وعي للمجتمع بأكمله حتى يتمكن من أن يحيا حياة كاملة.

    نظرت إلى كل تلك الجوانب الفكرية والأخلاقية بتقدير وإجلال، كان منهجه في تناول مشكلات الروح أعمق كثيراً من تلك التي وجدتها في التوراة، هذا عدا أنه لم يأت لبشر دون بشر ولا لأمة بذاتها دون غيرها، كما أن منهجه في مسألة البدن بعكس منهج الإنجيل منهج إيجابي لا يتجاهل البدن، البدن والروح معاً يكونان البشر كتوأمين متلازمين، سألت: ألا يمكن أن يكون ذلك المنهج هو السبب الكامن وراء الإحساس بالأمن والتوازن الفكري والنفسي الذي يميز العرب والمسلمين" [166-168].

    (2)

    بعد أن غادر سوريا بقي شهوراً في تركيا في طريق عودته إلى أوربا لتنتهي رحلته الأولى إلى العالم الإسلامي.

    "بدأت انطباعاتي عن تركيا تفقد حيويتها وأنا في القطار المتوجه إلى فينا وما ظل راسخاً هو الثمانية عشر شهراً التي قضيتها في البلاد العربية، صدمني إدراكي أني أتطلع إلى المشاهد الأوروبية التي اعتدتها بعيني من هو غريب عنها، بدا الناس في نظري في غاية القبح وحركاتهم خالية من الرقة، ولا علاقة مباشرة بين حركاتهم وما يدرونه ويشعرون به، أدركت فجأة أنه على الرغم من المظاهر التي تنبئ بأنهم يعرفون ما يريدون إلا أنهم لا يعرفون أنهم يحيون في عالم الإدعاء والتظاهر، اتضح لي أن حياتي بين العرب غيرت منهجي ورؤيتي لما كنت أعده مهماً وضرورياً للحياة، تذكرت بشيء من الدهشة أن أوربيين آخرين قد مروا بتجارب حياتية مع العرب وعايشوهم أزماناً طويلة فكيف لم تعترهم دهشة الاكتشاف كما اعترتني، أم أن ذلك قد وقع لهم أيضاً؟ هل اهتز أحدهم من أعماقه كما حدث لي " [178-179].

    "توقفت بضعة أسابيع في فينا واحتفلت بتصالحي مع أبي الذي سامحني على ترك دراستي الجامعية ومغادرتي منـزل الأسرة بتلك الطريقة الفجة، على أي حال كنت مراسلاً لجريدة (فرانكفوتر ذيتونج) وهو اسم يلقى التقدير والتبجيل في وسط أوربا في ذلك الوقت، وهكذا حققت في نظره مصداقية ما زعمت له قبل ذلك من أني سأحقق ما أصبو إليه وأصـل إلى القمة" [179].

    "رحلت بعد ذلك من فينا مباشرة إلى فرانكفورت لأقدم نفسي شخصياً إلى الصحفية التي كنت أمثلها في الخارج على مدى عام، كنت في طريقي إليها وأنا أشد ثقة بنفسي فالرسائل التي كنت أتلقاها من فرانكفورت أظهرت لي أن مقالاتي كانت تلقى كل التقدير والترحيب" [180].

    "أن أكون عضواً عاملاً في مثل تلك الصحيفة كان مصدر فخر واعتزاز لشاب في مثل سني، وعلى الرغم من أن مقالاتي عن الشرق الأوسط قوبلت باهتمام شديد من قبل جميع المحررين إلا أن نصري الكامل تحقق في اليوم الذي كلفت فيه أن أكتب مقالاً افتتاحياً بالصحيفة عن مشكلة الشـرق الأوسط" [182].

    "كان من نتائج عملي في جريدة (فرانكفوتر ذيتونج) النضج المبكر لتفكيري الواعي، كما نتجت عنه رؤية ذهنية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فبدأت في مزج خبرتي بالشرق بعالم الغرب الذي أصبحت جزءاً منه من جديد، منذ عدة شهور مضت اكتشفت العلاقة بين الاطمئنان النفسي والعاطفي السائد في نفوس العرب وعقيدة الإسلام التي يؤمنون بها، كما بدأ يتبلور في ذهني أن نقص التكامل النفسي الداخلي للأوروبيين وحالة الفوضى اللاأخلاقية التي تسيطر عليهم قد تكون ناتجة من عدم وجود إيمان ديني قد تكونت الحضارة الغربية في غيابه، لم ينكر المجتمع الغربي الإله إلا أنه لم يترك له مكاناً في أنساقه الفكرية" [182].

    بعد عودته إلى أوروبا من رحلته كان يحس بالملل إحساس من أجبر على التوقف قبل التوصل إلى كشف عظيم سيميط عن نفسه الحجب لو أتيح له مزيد من الوقت.

    كان يتوق إلى العودة إلى الشرق مرة أخرى، وقد تحقق له ما أراد إذ إن رئيس تحرير الجريدة الدكتور هنري سيمون –الذي كان في ذلك الوقت مشهوراً في أرجاء العالم- قد رأى فيه مراسلاً صحفياً واعداً فوافق بحماس على عودته إلى الشرق الأوسط بسرعة.

    (3)

    عاد إلى الشرق ليقضي عامين آخرين بين مصر وبلاد الشام والعراق وإيران وأفغانستان، عاد من أوروبا وفي ذهنه صورة عن عالم الغرب ظلت تزداد في ذهنه مع الأيام رسوخاً وثباتاً، عبّر عن هذه الصورة فيما يأتي: "لاحقاً إن الإنسان الغربي قد أسلم نفسه لعبادة الدجال، لقد فقد منذ وقت طويل براءته، وفقد كل تماسك داخلي مع الطبيعة، لقد أصبحت الحياة في نظره لغزاً، إنه مرتاب شكوك ولذا فهو منفصل عن أخيه، ينفرد بنفسه، ولكي لا يهلك في وحدته هذه فإن عليه أن يسيطر على الحياة بالوسائل الخارجية، وحقيقة كونه على قيد الحياة لم تعد وحدها قادرة على أن تشعره بالأمن الداخلي، ولذا فإن عليه أن يكافح دائماً وبألم في سبيل هذا الأمن من لحظة إلى أخرى، وبسبب من أنه فقد كل توجيه ديني وقرر الاستغناء عنه فإن عليه أن يخترع لنفسه باستمرار حلفاء ميكانيكيين، من هنا نما عنده الميل المحموم إلى التقنية والتمكن من قوانينها ووسائلها، إنه يخترع كل يوم آلات جديدة ويعطي كلاً منها بعض روحه كيما تنافح في سبيل وجوده، وهي تفعل ذلك حقاً، ولكنها في الوقت نفسه تخلق له حاجات جديدة، ومخاوف جديدة وظمأ لا يُروى إلى حلفاء جدد آخرين أكثر اصطناعية، وتضيع روحه في ضوضاء الآلة الخانقة التي تزداد مع الأيام قوة وغرابة، وتفقد الآلة غرضها الأصلي – أي أن تصون وتغني الحياة الإنسانية- وتتطور إلى صنم بذاته، صنم فولاذ، ويبدو أن كهنة هذا المعبود والمبشرين به غير مدركين أن سرعة التقدم التقني الحديث ليست نتيجة لنمو المعرفة الإيجابي فحسب؛ بل لليأس الروحي أيضاً. وأن الانتصارات المادية العظمى التي يعلن الإنسان الغربي أنه بها يستحق السيادة على الطبيعة هي في صميمها ذات صفة دفاعية؛ فخلف واجهتها البراقة يكمن الخوف من الغيب، إن الحضارة الغربية لم تستطع حتى الآن أن تقيم توازناً بين حاجات الإنسان الجسيمة والاجتماعية وبين أشواقه الروحية، لقد تخلت عن آداب دياناتها السابقة دون أن تتمكن أن تخرج من نفسها أي نظام أخلاقي آخر – مهما كان نظرياً- يخضع نفسه للعقل، بالرغم من كل ما حققته من تقدم ثقافي؛ فإنها لم تستطع حتى الآن التغلب على استعداد الإنسان الأحمق للسقوط فريسة لأي هتاف عدائي أو نداء للحرب مهما كان سخيفاً باطلاً يخترعه الحاذقون من الزعماء.. الأمم الغربية وصلت إلى درجة أصبحت معها الإمكانات العلمية غير المحدودة تصاحب الفوضى العملية، وإذا كان الغربي يفتقر إلى توجيه ديني حاذق فإنه لا يستطيع أن يفيد أخلاقياً من ضياء المعرفة الذي تسكبه علومه وهي لا شك عظيمة، إن الغربيين – في عمى وعجرفة- يعتقدون عن اقتناع أن حضارتهم هي التي ستنير العالم وتحقق السعادة، وأن كل المشاكل البشرية يمكن حلها في المصانع والمعامل وعلى مكاتب المحللين الاقتصاديين والإحصائيين، إنهم بحق يعبدون الدجال" [373].

    في هذه الرحلة الثانية أمكنة أن يتقن اللغة العربية ولذلك فبدل أن ينظر إلى الإسلام بعين غيره من المستشرقين ومترجمي القرآن غير المسلمين صار في إمكانه أن ينظر إلى الإسلام في تراثه الثقافي كما هو، لم يعد على اعتقاده السابق استحالة أن يتفهم الأوروبي بوعي العقلية الإسلامية، أيقن أنه لو تحرر المرء تماماً من عاداته التي نشأ عليها ومناهجها الفكرية وتقبل مفهوم أنها ليست بالضرورة الأساليب الصحيحة في الحياة لأمكن أن يفهم ما يبدو غريباً في نظرة عن الإسلام، كانت فكرته عن الإسلام تتطور وتنمو طوال هذه الرحلة الثانية التي أمكنه فيها أن يختلط بالشعوب ويناقش العلماء، يتصل بالزعماء.

    "كان التفكير في الإسلام يشغل ذهني إن الأمر بدا لي في ذلك الوقت رحلة لاستكشاف ما أجهله من تلك المناطق، كان كل يوم يمر يضيف إلى معارف جديدة، ويطرح أسئلة جديدة لأجد إجاباتها تأتي من الخارج جميعها أيقظت شيئاً ما كان نائماً في أعماقي، وكلما نمت معارفي عن الإسلام كنت أشعر مرة بعد أخرى أن الحقائق الجوهرية التي كانت كامنة في أعماقي من دون أن أعي وجودها بدأت تنكشف تدريجياً ويتأكد تطابقها مع الإسلام" [255].

    كان اليقين ينمو في داخلة بأنه يقترب من إجابة نهائية عن أسئلته، بتفهمه لحياة المسلمين كان يقترب يومياً من فهم أفضل للإسلام؛ وكان الإسلام دائماً مسيطراً على ذهنه " لا يوجد في العالم بأجمعه ما يبعث في نفسي مثل تلك الراحة التي شعرت بها والتي أصبحت غير موجودة في الغرب ومهددة الآن بالضياع والاختفاء من الشرق، تلك الراحة وذلك الرضا اللذان يعبران عن التوافق الساحـر بين الذات الإنسانية والعالم الذي يحيط بها" [238].

    بهذه الروح من التسامح تجاه الآخر استطاع بسهولة أن يتخلص من انخداع الرجل الغربي وإساءته فهم الإسلام بسبب ما يراه من تخلف وانحطاط في العالم الإسلامي.

    "الآراء الشائعة في الغرب عن الإسلام [تتلخص] فيما يأتي: (انحطاط المسلمين ناتج عن الإسلام، وأنه بمجرد تحررهم من العقيدة الإسلامية وتبني مفاهيم الغرب وأساليب حياتهم وفكرهم؛ فإن ذلك سيكون أفضل لهم وللعالم)، إلا أن ما وجدته من مفاهيم وما توصلت إلى فهمه من مبادئ الإسلام وقيمه أقنعني أن ما يردده الغرب ليس إلا مفهوماً مشوهاً للإسلام... اتضح لي أن تخلف المسلمين لم يكن ناتجاً عن الإسلام، ولكن لإخفاقهم في أن يحيوا كما أمرهم الإسلام.. لقد كان الإسلام هو ما حمل المسلمين الأوائل إلى ذراً فكرية وثقافية سامية" [243-244].

    "وفر الإسلام باختصار حافزاً قوياً إلى التقدم المعرفي والثقافي والحضاري الذي أبدع واحدة من أروع صفحات التاريخ الإنساني، وقد وفر ذلك الحافز مواقف إيجابية عندما حدد في وضوح: "نعم للعقل ولا لظلام الجهل، نعم للعمل والسعي ولا للتقاعد والنكوص. نعم للحياة ولا للزهد والرهبنة". ولذلك لم يكن عجباً أن يكتسب الإسلام أتباعاً في طفرات هائلة بمجرد أن جاوز حدود بلاد العرب، فقد وجدت الشعوب التي نشأت في أحضان مسيحية القديس بولس والقديس أوجستين... ديناً لا يقر عقيدة ومفهوم الخطيئة الأولى .. ويؤكد كرامة الحياة البشرية، ولذلك دخلوا في دين الله أفواجاً، جميع ذلك يفسر كيفية انتصار الإسلام وانتشاره الواسع والسريع في بداياته التاريخية ويفند مزاعم من روجوا أنه انتشر بحد السيف[246].

    وكان ذكاؤه الحاد ونفاذ بصيرته، ونهمه إلى الاطلاع على التراث الفكري للمسلمين، يعمق معرفته بالإسلام فيبصره على حقيقته " كانت صرة نهائية متكاملة عن الإسلام تتبلور في ذهني ، كان يدهشني في أوقات كثيرة أنها تتكون داخلي بما يشبه الارتشاح العقلي والفكري، أي أنها تتم من دون وعي وإرادة مني، كانت الأفكار تتجمع ويضمها ذهني بعضها إلى بعض في عملية تنظيم ومنهجة لكل الشذرات من المعلومات التي عرفتها عن الإسلام . رأيت في ذهني عملاً عمرانياً متكاملاً تتضح معالمه رويداً رويداً بكل ما تحتويه من عناصر الاكتمال، وتناغم الأجزاء والمكونات مع الكل المتكامل في توازن لا يخل جزء من بآخر، توازن مقتصد بلا خلل، ويشعر المرء أن منظور الإسلام ومسلماته كلها في موضعها الملائم الصحيح من الوجود" [381].

    "كانت أهم صفة بارزة لحضارة الإسلام وهي الصفة التي انفردت بها عن الحضارات البشرية السابقة أو اللاحقة أنها منبثقة من إرادة حرة لشعوبها، لم تكن مثل حضارات سابقة وليدة قهر وضغط وإكراه وتصارع إرادات وصراع مصالح، ولكنها كانت جزءاً وكلاً من رغبة حقيقية أصيلة لدى جميع المسلمين مستمدة من إيمانهم بالله وما حثهم عليه من إعمال فكر وعمل، لقد كانت تعاقداً اجتماعياً أصيلاً لا مجرد كلام أجوف يدافع به جيل تالٍ عن امتيازات خاصة بهم... لقد تحققت أن ذلك العقد الاجتماعي الوحيد المسجل تاريخياً تحقق فقط على مدى زمني قصير جداً، أو على الأصح أنه على مدى زمني قصير تحقق العقد على نطاق واسع، ولكن بعد أقل من مائة سنة من وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- بدأ الشكل النقي الأصيل للإسلام يدب فيه الفساد، وفي القرون التالية بدأ المنهج القويم يزاح إلى الخلفية .. لقد حاول المفكرون الإسلاميون أن يحفظوا نقاء العقيدة؛ إلا أن من أتوا بعدهم كانوا أقل قدرة من سابقيهم، وتقاعسوا عن الاجتهاد... وتوقفوا عن التفكير المبدع والاجتهاد الخلاق... كانت القوة الدافعة الأولى للإسلام كافية لوضعه في قمة سامية من الرقي الحضاري والفكري.. وهذا ما دفع المؤرخين إلى وصف تلك المرحلة بالعصر الذهبي للإسلام، إلا أن القوة الدافعة قد ماتت لنقص الغذاء الروحي الدافع لها وركدت الحضارة الإسلامية عصراً بعد عصر لافتقاد القوة الخلاقة المبدعة، لم يكن لدي أوهام عن الحالة المعاصرة للعالم الإسلامي، بينتْ الأعوام الأربعة التي قضيتها في مجتمعات إسلامية أن الإسلام مازال حياً وأن الأمة الإسلامية متمسكة به بقبول صامت لمنهجه وتعاليمه؛ إلا أن المسلمين كانوا مشلولين غير قادرين على تحويل إيمانهم إلى أفعال مثمرة، إلا أن ما شغلني أكثر من إخفاق المسلمين المعاصرين في تحقيق منهج الإسلام الإمكانيات المتضمنة في المنهج ذاته، كـان يكفيني أن أعـرف أنه خلال مدى زمني قصير .. كانت هناك محاولة ناجحة لتطبيق هذا المنهج، وما أمكن تحقيقه في وقت ما؛ يمكن تحقيقه لاحقاً، ما كان يهمني- كما فكرت في داخلي- أن المسلمين شردوا عن التعليمات الأصلية للدين... ما الذي حدث وجعلهم يبتعدون عن المثاليات التي علمهم إياها الرسول – صلى الله عليه وسلم- منذ ثلاثة عشر قرناً مضت ما دامت تلك التعليمات لا تزال متاحة لهم إن أرادوا الاستماع إلى ما تحمله من رسالة سامية؟ بدا لي كلما فكرت أننا نحن في عصرنا الحالي نحتاج إلى تعاليم تلك الرسالة أكثر من هؤلاء الذين عاشوا في عصر محمد – صلى الله عليه وسلم-، لقد عاشوا في بيئات وظروف أبسط كثيراً مما نعيش فيه الآن، ولذلك كانت مشكلاتهم أقل بكثير من مشكلاتنا... العالم الذي كنت أحيا فيه – كله- كان يتخبط لغياب أي رؤية عامة لما هو خير وما هو شر... لقد أحسست بيقين تام.. أن مجتمعنا المعاصر يحتاج إلى أسس فكرية عقائدية توفر شكلاً من أشكال التعاقد بين أفراده، وأنه يحتاج إلى إيمان يجعله يدرك خواء التقدم المادي من أجل التقدم ذاته، وفي الوقت نفسه يعطي للحياة نصيبها. إن ذلك سيدلنا ويرشدنا إلى كيفية تحقيق التوازن بين احتياجاتنا الروحية والبدنية، وإن ذلك سينقذنا من كارثة محققة نتجه إليها بأقصى سرعة... في تلك الفترة من حياتي شغلت فكري مشكلة الإسلام كما لم يشغل ذهني شيء آخر من قبل، قد تجاوزت مرحلة الاستغراق الفكري والاهتمام العقلي بدين وثقافة غربيين، لقد تحول اهتمامي إلى بحث محموم عن الحقيقة" [380-386].

    لقد صار في إمكانه أن يميز بين ما هو الإسلام وما هو غريب عنه في تصورات المسلمين وسلوكهم في رحلته الأولى رأى حلقة ذكر يقيمها الصوفية في أحد مساجد " سكوتاري" في تركيا ويصفها بهذه العبارات " كانوا يقفون في محيط واحد فاستداروا في نصف دورة ليقابل كل واحد منهم الآخر أزواجاً، كانوا يعقدون أذرعهم على صدورهم وينحنون انحناءة شديدة وهم يستديرون بجذوعهم في نصف دائرة .. في اللحظة التالية[كانوا] يقذفون أذرعهم في الاتجاه المعاكس الكف اليمنى ترتفع والكف اليسرى تنزل إلى الجانب، وتخرج من حلوقهم مع كل نصف انحناءه واستدارة أصوات مثل غناء هامس "هو" ثم يطرحون رؤوسهم للخلف مغمضين أعينهم ويجتاح ملامحهم تقلص ناعم، ثم تتصاعد وتتسارع إيقاعات الحركة وترتفع الجلاليب لتكون دائرة متسعة حول كل درويش مثل دوامات البحار... تحولت الدائرة إلى دوامات، اجتاحهم الانهماك، وشفاههم تكرز بلا نهاية(هو، هو)" [251].

    وفي الرحلة الثانية يتذكر حلقة الذكر هذه ويعلق عليها "اتضحت في ذهني معاني لم تبد لي عندما شاهدت حلقة الذكـر [في سكوتاري]، كان ذلك الطقس الديني لتلك الجماعة- وهي واحدة من جماعات كثيرة شاهدتها في مختلف البلاد الإسلامية – لا يتفق مع صورة الإسلام التي كانت تتبلور في ذهني.. تبين لي أن تلك الممارسات والطقوس دخيلة على الإسلام من جهات ومصادر غير إسلامية، لقد شابت تأملات المتصوفة وأفكارهم أفكار روحية هندية ومسيحية، مما أضفى على بعض ذلك التصوف مفاهيم غربية عن الرسالة التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، أكدت رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم- أن السببية العقلية هي السبيل للإيمان الصحيح بينما تبتعد التأملات الصوفية وما يترتب عليها [من سلوك] عن ذلك المضمون، والإسلام قبل أي شيء مفهوم عقلاني لا عاطفي ولا انفعالي، الانفعالات مهما تكن جياشة معرضة للاختلاف والتباين باختلاف رغبات الأفراد وتباين مخاوفهم بعكس السببية العقلية، كما أن الانفعالية غير معصومة بأي حال" [253].

    كتب بعد ذلك بسنوات " (لقد بدا لي الإسلام مثل تكوين هندسي محكم البناء) كل أجزائه قد صيغت ليكمل بعضها البعض وليدعم بعضها بعضاً، ليس فيها شيء زائد عن الحاجة وليس فيها ما ينقص عنها، وناتج ذلك كله توازن مطلق وبناء محكم، ربما كان شعوري بأن كل ما في الإسلام من تعاليم وضع موضعه الصحيح هو ما كان له أعظم الأثر علي، لقد سعيت بجد إلى أن أتعلم عن الإسلام كل ما أستطيع أن أتعلمه، درست القرآن وأحاديث النبي، درست لغة الإسلام وتاريخه وقدراً كبيراً مما كتب عن الإسلام، وما كتب ضده، أقمت ست سنوات تقريباً في نجد والحجاز ومعظمها في مكة والمدينة بغرض أن اتصل مباشرة بيئة الإسلام الأصلية، وبما أن المدينتين كانتا مكان اجتماع المسلمين من مختلف الأقطار فقد تمكنت من الاطلاع على مختلف الآراء الدينية والاجتماعية السائدة حالياً في العالم الإسلامي، وكل هذه الدراسات والمقارنات خلقت لدي اعتقاداً راسخاً أن الإسلام كظاهرة روحية واجتماعية لا يزال أقوى قوة دافعة عرفها البشر رغم كل مظاهر التخلف التي خلفها ابتعاد السلمين عن الإسلام.
    Islam At The Crossroads ED.1982-12

    (4)

    طوال العامين اللذين قضاهما في رحلته الثانية في العالم الإسلامي كان بعقله ومعلوماته يتقدم بسرعة في الطريق إلى الإسلام، لقد وعى ذلك وهو يعدو بجواده فوق جبال إيرانية مغطاة بالثلج الأبيض"بدا العالم كله مبسوطاً أمامي في رحابية لا تنتهي، بدا شفافاً في عيني كما لم يبد من قبل، رأيت نمطه الداخلي الخفي، وأحسست بنبضه الدفين في تلك الأصقاع البيضاء الخالية، واندهشت من خفاء ذلك عليّ منذ دقيقة مضت، وأيقنت أن كل الأسئلة التي تبدو بلا إجابة ماثلة أمامنا في انتظار أن ندركها، بينما نحن – الحمقى المساكين- نطرح الأسئلة وننتظر أن تفتح الأسرار الإلهية نفسها لنا بينما تنتظر تلك الأسرار أن نفتح نحن أنفسنا لها.
    مر أكثر من عام بين انطلاقي المجنون على جوادي فوق الجليد والبرد قبل أن اعتنق الإسلام، ولكن حتى في ذلك الوقت قبل إسلامي كنت أنطلق- دون أن أعي ذلك- في خط مستقيم كمسار السهم المنطلق باتجاه مكة المكرمة" [274-275].
    "كنت في طريقي من مدينة هراة إلى مدينة كابل... توجهنا إلى قرية ده زانجي، جلسنا في اليوم التالي حول غداء وافـر كالمعتاد [ في بيت الحاكم] بعد الغداء قام رجل من القرية بالترفيه عنا...
    غنى على ما أذكر عن معركة داود وجالوت، عن الإيمان عندما يواجه قوة غاشمة ... علق الحاكم في نهاية الأغنية قائلاً: " كان داود صغيراً إلا أن كان إيمانه كان كبيراً" فلم أتمالك نفسي وقلت باندفاع : " وأنتم كثيرون وإيمانكم قليل"، نظر إليّ مضيفي متعجبًا؛ فخجلت مما قلت من دون أن أتمالك نفسي، وبدأت بسرعة في توضيح ما قلت واتخذ تفسيري شكل أسئلة متعاقبة كسيل جارف، قلت:" كيف حدث أنكم معشر المسلمين فقدتم الثقة بأنفسكم تلك الثقة التي مكنتكم من نشر عقيدتكم في أقل من مئة عام حتى المحيط الأطلسي.. وحتى أعماق الصين، والآن تستسلمون بسهولة وضعف إلى أفكار الغرب وعاداته؟ لماذا لا تستجمعون قوتكم وشجاعتكم لاستعادة إيمانكم الفعلي، كيف يصبح أتاتورك ذلك المتنكر التافه الذي ينكر كل قيمة للإسلام، رمزاً لكم في الإحياء والنهوض والإصلاح؟".
    ظل مضيفي صامتاً.. كان الثلج قد بدأ في التساقط خارجاً، وشعرت مرة أخرى بموجة من الأسى مختلطة مع تلك السعادة الداخلية التي شعرت بها ونحن نقترب من ده زانجي أحسست بالعظمة التي كانت عليها تلك الأمة، وبالخزي الذي يغلف ورثتها المعاصرين.
    أردفت مكملاً أسئلتي " قل لي كيف دفن علماؤكم الإيمان الذي أتي به نبيكم بصفائه ونقائه؟ كيف حدث أن نبلاءكم وكبار ملاك أراضيكم يغرقون في ملذات بينما يغرق أغلب المسلمين في الفقر.. مع أن نبيكم علمكم أنه لا يؤمن أحدكم أن يشبع وجاره جائع؟.
    هل يمكن أن تفسر لي كيف دفعتم النساء إلى هامش الحياة مع أن النساء في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم- والصحابة ساهمن في شؤون حياة أزواجهن؟ كان مضيفي مازال يحملق فيّ دون كلمة، وبدأت أعتقد أن انفجاري ربما سبب له ضيقاً، في النهاية جذب الحاكم ثوبه الأصفر الواسع وأحكمه حول جسمه.. ثم همس " ولكن أنت مسلم" ضحكت وأجبته" كلا لست مسلماً ولكني رأيت الجوانب العظيمة في رسالة الإسلام مما يجعلني أشعر بالغضب وأنا أراكم تضيعونه، سامحني إن تحدثت بحدة، أنا لست عدواً على أي حال " إلا أن مضيفي هز رأسه قائلاً : " كلا أنت كما قلت لك مسلم إلا أنك لا تعلم ذلك، لماذا لا تعلن الآن هنا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتصبح مسلماً بالفعل بدلاً من أن تكون مسلماً بقلبك فقط " قلت له: " لو قلتها في أي وقت فسأقولها عندما يستقر فكري عليها ويستريح لها " استمر إصرار الحاكم: ولكنك تعرف عن الإسلام أكثر مما يعرفه أي واحد منا، ما الذي لم تعرفه أو تفهمه بعد؟ " قلت له: " الأمر ليس مسألة فهم بل أن أكون مقتنعاً، أن أقتنع أن القرآن الكريم هو كلمة الله، وليس ابتداعاً ذكياً لعقلية بشرية عظيمة" ولم تمح كلمات صديقي الأفغاني من ذهني على مدى شهور طويلة" [375-376].

    (5)

    بعد شهور من هذه الحادثة كان ينطق بالشهادة أمام رئيس رابطة المسلمين في برلين كان قد رجع إلى أوروبا من رحلته الثانية التي استغرقت عامين من التجوال في العالم الإسلامي فعرف أن اسمه أصبح من الأسماء المعروفة.. وأنه أصبح واحداً من أشهر مراسلي الصحف وسط أوروبا، بعض مقالاته لقيت ما يفوق الاعتراف بأهميتها، وتلقى دعوة لإلقاء سلسلة من المحاضرات في أكاديمية الجغرافيا السياسية في برلين، ولم يحدث كما قيل أن رجلاً في مثل سنه (السادسة والعشرين) قد حقق ذلك التميز، وأعيد نشر مقالاته الأخرى في صحف كثيرة حتى إن واحدة من تلك المقالات نشرت في ثلاثين مطبوعة مختلفة.
    ولكن بعد عودته واتصاله من جديد بأصدقاء الفكر والثقافة في برلين، ومناقشته معهم قضية الإسلام، أحس أنه وإياهم لم يعودوا يتحدثون من المنطلقات الفكرية نفسها، شعر بأن من يرون منهم أن الأديان القديمة أصبحت شيئاً من الماضي وهم الأغلبية ومن كانوا لا يرفضون الأديان رفضاً كلياً، كانوا كلهم يميلون بلا سبب إلى تبني المفهوم الغربي الشائع الذي يرى أن الإسلام يهتم بالشؤون الدينية وتنقصه الروحانيات التي يتوقع المرء أن يجدها في أي دين "ما أدهشني بالفعل أن اكتشف أن ذلك الجانب من الإسلام هو ما جذبني إليه من أول لحظة وهو عدم الفصل بين الوجود المادي والوجود الروحي للبشر، وتأكيد السببية العقلية سبيلاً للإيمان، وهو الجانب ذاته الذي يعترض عليه مفكروا أوروبا الذين يتبنون السببية العقلية منهجاً للحياة، ولا يتخلون عن ذلك المنهج العقلاني إلا عندما يرد ذكر الإسلام، لم أجد أي فرق بين الأقلية المهتمة بالأديان والأغلبية التي ترى أن الدين أصبح من المفاهيم البالية التي عفا عليها الزمن، أدركت مع الوقت مكمن الخطأ في منهج كل منهما ، أدركت أن مفاهيم من تربوا في أحضان الأفكار المسيحية في أوروبا ... تبنوا مفهوماً يسود بينهم جميعاً، فمع طول تعود أوروبا نسق التفكير المسيحي تعلّم حتى اللادينيين أن ينظروا إلى أي دين آخر من خلال عدسات مسيحية فيرون أي فكر ديني صالحاً لأن يكون ديناً إذا غلفته مسحة غامضة خارقة للطبيعة تبدو خافية وفوق قدرة العقل البشري على استيعابها، ومن منظورهم لم يف الإسلام بتلك المتطلبات.. كنت أوقن بأني في طريقي إلى الإسلام وجعلني تردد اللحظة الأخيرة أؤجل الخطوة النهائية التي لا مفر منها، كانت فكرة اعتناق الإسلام تمثل لي عبور قنطرة فوق هاوية تفصل بين عالمين مختلفين تماماً قنطرة طويلة حتى إن المرء عليه أن يصل إلى نقطة اللاعودة أولاً قبل أن يتبين الطرف الآخر للقنطرة، كنت أعي أني لو اعتنقت الإسلام لاضطررت إلى خلع نفسي نهائياً من العالم الذي ولدت ونشأت فيه، لم تكن هناك حلول أخرى، فلم يكن ممكناً لامرئ مثلي أن يتبع دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم- ويظل بعدها محتفظاً بروابطه مع مجتمع يتصف بثنائية المفاهيم المتعارضة والمتناقضة، كان سؤالي الأخير الذي كنت متردداً أمامه هو : هل الإسلام رسالة من عند الله أم أنه حصيلة حكمة رجل عظيم؟" [287-289].
    ولم يمكث غير بعيد حتى جاءت الإجابة، لقد اتصل من جديد بحياة الغرب مباشرة، ورأى مبلغ التعاسة والشقاء الذي يعانيه الغربيون ولكنهم لا يعونه أو لا يعون سببه، كان في القطار مع زوجته، وشغل نفسه بالتطلع إلى وجوه الناس "بدأت أتطلع حولي إلى الوجوه.. كانت جميعاً وجوهاً تنتمي إلى طبقة تنعم بلبس ومأكل جيدين ولكنها كانت تشي بتعاسة داخلية عميقة ومعاناة واضحة على الملامح تعاسة عميقة حتى إن أصحابها لم يدركوا ذلك.. كنت أوقن بأنهم غير واعين وإلا لما استمروا في إهدار حياتهم على هذا المنوال من دون أي تماسك داخلي ومن دون هدف أسمى من مجرد تحسين معيشتهم ومن دون أمل يزيد على الاستحواذ المادي الذي من الممكن أن يحقق لهم مزيداً من السيطرة" [290].
    جاءت الإجابة حين قرأ القرآن فور عودته إلى بيته – وكانت تلك التجربة التي مر بها في القطار لا تزال حية في تفكيره.
    "وقفت لحظات مشدوها وأنا أحبس أنفاسي، وأحسست أن يدي ترتجفان، فقد كان القرآن يتضمن الإجابة.. إجابة حاسمة قضت على شكوكي كلها وأطاحت بها بلا رجعة، أيقنت يقيناً تاماً أن القرآن .. من عند الله" [291].

    (6)

    بعد إسلامه بست سنوات كان يقطع الصحراء الكبرى قادماً من " قصر عثيمين" على الحدود السعودية العراقية وقاصداً مكة، كانت رحلة مليئة بالمفاجأة والمغامرة لقد أشرف فيها على الموت.
    وكتب كتابه " الطريق إلى مكة " يقص فيه التفاصيل المثيرة لهذه الرحلة، ويقص معها تفاصيل رحلة أخرى رحلة روحه إلى مكة، رحلتها إلى الإسلام.

    كل ما سبق من معلومات واقتباسات أخذ من هذه القصة الرائعة.

    المصدر : الاسلام اليوم



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #8
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    من التحامل علي نبي الإسلام إلي البكاء عند قبره
    جاء إلى مصر بعد أن استقال من منصبه كأسقف في إحدى الولايات الأمريكية ليدرس الإسلام على يد شيوخ الأزهر وعلمائه.
    كان يشعر بالشك في عقيدته بعد أن درس الفلسفة واللاهوت.. وبعد أن كان يقوم بتدريس المواد الدينية في إحدى المدارس الثانوية الكاثوليكية.. فقد كان مشغوفاً بالبحث والدراسة حتى يستطيع أن يقوم بعمله خير قيام. ولكن دراساته وبحوثه لم تزده إلا شكاً في عقيدته وطبيعة عمله.
    وقبل أن يسرد في حكايته قصة اتجاهه للإسلام واعتناقه يتناول بالحديث طبيعة نشأته ومراحل دراسته وتطورها التي أوصلته للعمل كأسقف بولاية "نيو جيرسى".... فيقول:
    "أنا شاب إيرلندي الأصل، نشأتُ في بيئة كاثوليكية متمسكة بعقيدتها.. وكل الأباء هناك يتمنون أن يكون من أبنائهم قسيس يخدم الدين المسيحي، لأن هذا شرف كبير للعائلة، لذلك درست في مدرسة ثانوية دينية، ثم إلتحقت بكلية خاصة بالقسس بجامعة "سانت باتريك" لدراسة الفلسفة واللهوت لمدة ست سنوات.. وخلال فترة دراستي لم أسمع كلمة واحدة عن الإسلام.
    وبعد تخرجي بشهرين فقط عام 1971 ذهبت إلى أمريكا للتبشير، حيث تُخرج الكلية مائتي قسيس كل عام.. ويأتي الأساقفة الأمريكيون فيأخذون أغلبهم إلى أمريكا للعمل بالتبشير في مناطق مختلفة.. وعملت أسقفاً بولاية "نيو جيرسي".. وأصبحت مسئولاً عن إعداد برامج التوجيه الديني لكل المستويات وتدريب القائمين بهذا العمل، وإلى جانب ذلك عملت مدرساً للمواد الدينية بالمدرسة الثانوية الكاثوليكية.. وكنت مشغوفاً بالبحث والدراسة حتى أستطيع أن أؤدي واجبي تجاه إرشاد الناس.
    .... وكنت كلما تعمقت في البحث والدراسة انتابني شعور غريب بالشك في عقيدتي.. ولم أستطع أن أكتم شكوكي، فقررت مفاتحة رئيس الأساقفة وقلت له: لدي شك في عملي، بل وفي إيماني بالله حسب عقيدتنا. فنصحني بالتريّث والتفكير، وأعطاني مهلة لمدة عام ريثما أفكر في الموضوع بهدوء".
    ويتنهد ويزفر بزفرات حارة وهو يهز رأسه قائلاً:
    "... وخلال هذا العام عكفتُ على البحث والدراسة، وتوجت بحثي بالحصول على درجتين للماجستير، إحداهما في التربية الدينية، والأخرى في اللاهوت والكتاب.. ولكن هذه الدراسات والبحوث لم تزدني إلا شكاً في عقيدتي وعملي.. وعدت إلى رئيس الأساقفة ومعي استقالتي من عملي فوافق..".
    ثم يلتقط أنفاسه ليعود مستدركاً ما بدا له أنه قد فاته توضيحه فيقول:
    "ولكن حتى هذه اللحظة لم أكن قد عرفت أي شيء عن الإسلام".
    ويبدو أن هناك أسباباً وراء شكوكه في عقيدته كانت وراء استقالته من عمله دون أن يكون واقعاً تحت تأثير أي عقيدة أخرى.. فيحدثنا عنها قائلاً:
    "هناك اسباب كثيرة، فقد كان انتقالي من "إيرلندا" حيث المجتمع الريفي المتماسك، إلى "أمريكا" حيث المجتمع الصناعي المادي، وما يتميز به من أمور غريبة من ذلك مثلاً عدد المذاهب المسيحية الذي يربو على ثلثمائة مذهب... كل واحد منها يزعم أنه على الحق دون غيره، مما جعلني أشك في صدق هؤلاء.
    كما أن هناك اشياء أخرى لم أكن مقتنعاً بها، مثل السلطة البابوية المطلقة على الناس.. والتعسف، في معالجة الأمور، مثلما حدث من جدال طويل قد ثار حول موقف البابا من تنظيم النسل.. فهم يرفضون التنظيم مع أنه لا يوجد في الأناجيل ما يمنع ذلك.
    كما أنني لم أكن مقتنعاً بفكرة الرهبنة، حيث كثير من رجال الدين في المسيحية ممنوعون من الزواج بأمر البابا... وهذا شيء ضد طبيعة الإنسان وفطرته.
    هذه هي بعض الأسباب التي ضاعفت شكوكي، وجعلتني أعيش في حيرة.. كيف أعظ الناس وأنا غير مقتنع بما أقول.. لذلك قررتُ الإستقالة دون أن أعرف شيئاً عن الإسلام".
    وبعد أن استقال قرر أن يستأنف دراسته للحصول على الدكتوراه من جامعة "هارفارد"، وذلك بعد أن اشتغل في الكنيسة تسع سنوات.
    وفي فترة دراسته تلك كانت توافيه معلومات وبيانات عن الإسلام، فأراد أن يستزيد منها.. فماذا يفعل؟ ... يجيب عن ذلك بقوله:
    "أَردت أن أعرف المزيد عن الإسلام، فدرست تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية.. كما حرصت على حضور بعض المحاضرات لعدد من علماء المسلمين الذين يحاضرون في القرآن والحديث وأركان الإسلام، وكل ما يتصل به. وذلك من باب حب الاستطلاع.
    ويصمت برهة ليسترجع ذكريات حبيسة في نفسه فيقول:
    "أذكر في ذلك الوقت أنني قد سمعتُ عن مصر والأزهر ودوره الإسلامي الكبير.. والغريب الذي أعجب منه كلما استرجعه أن بداية معرفتي بالأزهر جاءت بعد رؤيتي لعرض تقدّمه شيخان من الأزهر بزيهما الديني المميز إعترافاً وتقديراً لدور الأزهر كأقدم جامعة في العالم، وذلك في أثناء الإحتفال بمرور ثلاثمائة عام على إنشاء جامعة "هارفارد"، حضره مندوبون من جامعات العالم العريقة..
    وهذه الصورة محفوظة في سجل الجامعة هناك... ولذلك قررت أن أكون موضوع رسالتي للدكتوراه عن علماء الدين الإسلامي.. أهميتهم ودورهم في المجتمع المصري من أيام الشيخ عبد المجيد سليم وحتى الآن".
    وحتى ذلك الوقت لم يكن قد قرر إعتناق الإسلام، وإنما كان اهتمامه بالدراسة فقط، والتي كانت تستدعي منه مجيئه إلى مصر ليقوم بدراسة الإسلام من كليات الأزهر المتخصصة، مثل كلية أصول الدين، والتقائه بأساتذتها، وعلماء الإسلام، فضلاً عن قراءاته المستفيضة لعدد كبير من الكتب الإسلامية.
    وعندما حضر إلى مصر وشاء قَدَرُ الله أن يكون ذلك في شهر رمضان، استرعى انتباهه ظاهرة غريبة بالنسبة له كأجنبي... عنها يقول:
    "حين جئت إلى مصر في شهر رمضان.. شاهدت المجتمع المصري منتظماً في أسلوب حياته القائم على أساس من الدين.. فالناس يذهبون إلى المسجد عند سماع الأذان، ويتطهرون بماء الوضوء، ثم يقفون في صفوف منتظمة.. وعند الإفطار تخلو الشوارع من المارة".
    عندئذ يضحك ساخراً من نفسه عندما فسر في البداية خلو الشوارع من المارة بوجود تعليمات بحظر التجوال في ذلك الوقت.. فيعبر عن ذلك بقوله:
    "ظننت في بداية الأمر أن هناك قانوناً يقضي بحظر التجوال بعد الغروب.. ولكنني عرفت السبب بعد ذلك".
    ثم يعود ليستكمل روايته عن تلك الظاهرة التي استرعت انتباهه في شهر رمضان فيقول:
    "ورأيت أيضاً المسلمين يُصلُّون العشاء والتراويح.. ويذهب بعضهم إلى أعمالهم ومتاجرهم حتى ساعة متأخرة، يقال عنها "السحور".. ثم يصلون الفجر وينامون".
    ثم يندفع في كلامه ليؤكد حكماً استخلصه من مشاهداته في المجتمع المصري كمجتمع مسلم فيقول:
    "فالمجتمع إذن منظم على أساس من الدين.. يكفي أنه قد شد انتباهي أن الأمن والأمان سائدان - في شوارع القاهرة - بشكل لم أرهما من قبل في أي مكان.. فالناس يسيرون في الشوارع ليلاً في أمنٍ واطمئنان بدون أن يتعرضوا للاعتداء عليهم بالقتل أو غيره.. في حين أنّ عندنا في نيويورك مثلاً يوجد كل يوم ثمانية قتلى في الشوارع، مع أن الأمريكيين لا يسيرون في الشوارع والطرقات ليلاً خوفاً على حياتهم ليس ذلك في نيويورك وحدها، بل في باقي الولايات الأمريكية.. فبرغم القوانين والعقوبات تنتشر الجرائم والانحرافات انتشاراً مخيفاً، ولكن الأمر يختلف في المجتمع المسلم، كما هو الحال في مصر، فإيمان الناس بدينهم يجعلهم يطبقون تعاليمه بدون خوف من عقوبة أو قانون، بل إحتراماً لمبادئهم وعقيدتهم. وهذا هو الفرق بين المجتمع هنا والمجتمع في الغرب حيث لا أمن ولا أمان".
    وبرغم اقتناعه بالإسلام كمنهج حياة ينظم للبشر أسلوب معيشتهم وسلوكياتهم - كما رأى بعينه من انتظام الناس في العبادة في شهر رمضان.. وبرغم قراءاته في الكتب الإسلامية المترجمة، ولا سيما ترجمة معاني القرآن الكريم وغيرها من كتب، ككتاب "حياة محمد" للدكتور محمد حسين هيكل، الذي استخدم فيه الأسلوب العلمي الدقيق في الرد على شبهات المستشرقين حول الرسول وزوجاته الطاهرات.. وبرغم مقابلاته مع شيوخ وعلماء الأزهر.. برغم ذلك كله لم يعلن إسلامه على الفور.. ليس عن عناد فكرٍ وغشاوة قلب.. وإنما لسبب آخر... عن ذلك يقول موضحاً:
    "إنه برغم اقتناعي الكامل بالإسلام كدين خاتم يجب أن يؤمن به الناس جميعاً فإنني ترددت أربعة أشهر قبل أن أعلن إسلامي، لأدرس القرار في تأنٍّ من جميع جوانبه.. لأنه من الصعب على الإنسان أن يغير دينه...
    بعدها شرح الله صدري للإسلام، فدخلت في دين الله الحق.. وسميت نفسي "مصطفى مولاني" تيمناً باسم الرسول محمد(ص)".
    وفي نبرة سعادة خفية كشفتها عيناه وهي تلمع كوميض الضوء وهو يصرخ قائلاً:
    "في لحظة اعتناقي للإسلام شعرتُ أنني أدخل عالماً نورانياً يسمو بالروح والنفس.. وذلك حينما تسلمت شهادة إشهاري الإسلام.. قد شعرت بأنني حصلت على أعلى شهادة في الدنيا.. وأحسست في الوقت ذاته أنني ألقيتُ عن كاهلي عبئاً ثقيلاً من الهموم والقلق والشكوك والشقاء.. نعم شعرت بسعادة غامرة لم أشعر بها من قبل".
    وعن الرسول محمد (ص) الذي هاجمه عندما كان قسيساً قال:
    "لقد اقتنعتُ تماماً بأن محمداً (ص) هو خاتم الأنبياء والمرسلين.. واقتنعت بسنته وتشريعاته التي اتخذها الغرب مدخلاً للطعن في رسالته مثل تعدد الزوجات التي اقتنعت تماماً بحكمتها".
    ثم أضاف قائلاً:
    "لقد قمت بعمل عُمرة، وزُرتُ البيت الحرام، والروضة الشريفة، وفاضت عيناي بالدموع أمام قبر المصطفى (ص) وقلت لنفسي حينئذ: من أنا حتى أقف أمام قبر أعظم إنسان عرفته البشرية.. وشكرت الله تعالى أن هداني للإسلام".
    إن قصة اعتناق الأسقف الأمريكي للإسلام تبين إلى أي مدى ينتشر دين الله.. في قلعة الكفر التي لا تعترف بالإسلام ولا برسوله وتناصبهما العداء.. ولكن عندما تشاء إرادة الله في هداية أحد من عباده فلا رادَّ لمشيئته.


    المصدر : الإسلام اليوم



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  9. #9
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    جولينا بعد إسلامها:فروق عظيمة بين ماكنت عليه وماصرت اليه
    في الحفل الذي أقامه لي أهلي في الذكرى السنوية العاشرة ليوم ميلادي ، ضمتني أمي بحنان ، وألبستني صليباً ، وهي تدعو لي أن يحفظني الرب ، وقالت لي : يا جوليتا ، إنه الصليب ، إنك تعرفين ما يعنيه في ديننا ، فاحتفظي به حول جيدك واحفظي معناه في قلبك .

    كنت من أسرة متمسكة بدينها ، وعمى كان قسيساً ، كانت الكنيسة تمثل لنا الحياة ، والمبدأ والقيمة .

    وتوالت السنون وأنا أنتقل من صف إلى صف متفوقة في دراستي حتى تخرجت في الجامعة من كلية التجارة .

    حملت شهادتي مزهوة أبحث عن عمل ، وكانت فرص العمل في بلدي قليلة ، فكان أن سافرت إلى الكويت حيث عملت لدى أسرة كويتية خمسة عشر عاماً ، حافظت خلالها على وصية أمي بعدم التخلي عن الصليب .

    كان لدى الأسرة التي عملت عندها أطفال في المرحلة الابتدائية ، وكان والداهم شديدي الحرص على تذكيرهم بالصلاة وحثهم عليها ، وكنت بدوري أذكرهم بها وأحثهم عليها كلما سمعت صوت المؤذن ، خاصة حينما يكون والداهم خارج المنزل .

    لا أدري لماذا كنت حريصة على أن يؤدوا صلواتهم .. هل لأنني إنسانة متدينة وأدرك ما تعنيه الصلاة ؟ لا أدري **!

    كان لي صديقة حميمة من بلدي كثيراً ما كانت تزورني ، زارتني يوماً وحينما سمعت آذان المغرب طلبت من سيدتي سجادة الصلاة فظهرت الدهشة علي وعلى سيدتي .

    سألتها : ماذا تفعلين يا ماري ؟ قالت : لقد أسلمت يا جوليتا ، مفاجأة ؟ أليس كذلك ؟ قلت : ولكنك لم تذكري شيئا عن هذا من قبل ، قالت : أرجو أن تسمحي لي الآن بالصلاة وسنكمل حديثنا بعدها .

    بدأت صديقتي في صلاتها وأنا أنظر إليها وأتساءل : ما الذي غير صديقتي الشديدة التمسك بدينها ؟ كنت أنتظر انتهاءها من صلاتها على أحر من الجمر .

    سألتها بعد أن فرغت من صلاتها : الآن أخبريني يا ماري ما الذي غيرك ؟ فقالت : إنه الإسلام ، دين عظيم ، تكونين فيه قريبة من خالقك ويكون أقرب إليك من حبل الوريد .

    كان حديثها عن الإسلام يغوص في أعماقي ويسكب في قلبي الراحة والسكينة .

    بعد أن خرجت ماري طلبت من سيدتي أن تساعدني في تعلم الإسلام في لجنة التعريف بالإسلام ، التي حدثتني عنها ماري ، ففرحت سيدتي بطلبي ، وكانت تصحبني على مدى ستة أشهر إلى اللجنة حتى أسلمت .

    أدركت الفروق العظيمة بين ما كنت عليه ، وما صرت إليه ، إني الآن على صلة بالله خمس مرات في اليوم ، بل في كل لحظة من لحظات اليوم ، بالاستغفار والتسبيح والدعاء والتفكير والتأمل .. بينما كان كل ما أقوم به الذهاب إلى الكنيسة مرة في الأسبوع .. وما علي شئ في سائر الأيام .

    بعد إسلامي تزوجت من مسلم عربي ، وتركت العمل لدى الأسرة الكويتية طاعة لزوجي الذي أمرني بذلك .

    المصدر : الإسلام اليوم



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #10
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    الشماس المصري الدكتور وديع أحمد
    * الحمد الله على نعمة الاسلام نعمة كبيرة لا تدانيها نعمة لأنه لم يعد على الأرض من يعبد الله وحده الا المسلمين.

    * ولقد مررت برحلة طويلة قاربت 40 عاما الى أن هدانى الله وسوف أصف لكم مراحل هذه الرحلة من عمرى مرحلة مرحلة:-

    مرحلة الطفولة:- ( زرع ثمار سوداء )

    * كان أبى واعظا فى الاسكندرية فى جمعية أصدقاء الكتاب المقدس وكانت مهنته التبشير فى القرى المحيطة والمناطق الفقيرة لمحاولة جذب فقراء المسلمين الى المسيحية.

    * وأصر أبى أن أنضم الى الشمامسة منذ أن كان عمرى ست سنوات وأن أنتظم فى دروس مدارس الأحد وهناك يزرعون بذور الحقد السوداء فى عقول الأطفال ومنها: -

    1- المسلمون اغتصبوا مصر من المسيحين وعذبوا المسيحين.

    2- المسلم أشد كفرا من البوذى وعابد البقر.

    3- القرآن ليس كتاب الله ولكن محمد اخترعه.

    4- المسلمين يضطهدون النصارى لكى يتركوا مصر ويهاجروا..... وغير ذلك من البذور التى تزرع الحقد الأسود ضد المسلمين فى قلوب الأطفال.

    * وفى هذه الفترة المحرجة كان أبى يتكلم معنا سرا عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التى تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك والاعتراف للقساوسة.

    مرحلة الشباب ( نضوج ثمار الحقد الأسود )

    أصبحت استاذاً في مدارس الأحد و معلما للشمامسة وكان عمري 18 سنة وكان علي أن أحضر دروس الوعظ بالكنيسة والزيارة الدورية للأديرة ( خاصة في الصيف ) حيث يتم استدعاء متخصصين في مهاجمة الإسلام والنقد اللازع للقرآن ومحمد ( صلي الله علية وسلم ) .

    * وما يقال في هذه الإجتماعات :

    1- القرآن مليء بالمتناقضات ( ثم يذكروا نصف آية ) مثل ( ولا تقربوا الصلاة ...)

    2- القرآن مليء بالألفاظ الجنسية ويفسرون كلمة ( نكاح ) علي أنها الزنا أو اللواط .

    3- يقولون أن النبي ومحمد ( صلي الله عليه وسلم ) قد أخذ تعاليم النصرانية من ( بحيره ) الراهب ثم حورها و إخترع بها دين الإسلام ثم قتل بحيره حتي لا يفتضح أمره ........ ومن هذا الإستهزاء بالقرآن الكريم و محمد ( صلي الله عليه وسلم ) الكثير والكثير ...

    أسئلة محيرة :

    الشباب في هذه الفترة و أنا منهم نسأل القساوسة أسئلة كانت تحيرنا :

    شاب مسيحي يسأل :

    س : ما رأيك بمحمد ( صلي الله عليه وسلم ) ؟

    القسيس يجاوب : هو إنسان عبقري و ذكي .

    س : هناك الكثير من العباقرة مثل ( أفلاطون ، سقراط , حامورابي .....) ولكن لم نجد لهم أتباعا و دين ينتشر بهذه السرعة الي يومنا هذا ؟ لماذا ؟

    ج : يحتار القسيس في الإجابة

    شاب أخر يسأل :

    س : ما رأيك في القرآن ؟

    ج : كتاب يحتوي علي قصص للأنبياء ويحض الناس علي الفضائل ولكنه مليء بالأخطاء .

    س : لماذا تخافون أن نقرأه و تكفرون من يلمسه أو يقرأه ؟

    ج : يصر القسيس أن من يقرأه كافر دون توضيح السبب !!

    يسأل أخر:

    س : إذا كان محمد ( صلي الله عليه وسلم ) كاذبا فلماذا تركه الله ينشر دعوته 23 سنه ؟ بل ومازال دينه ينتشر الي الأن ؟ مع انه مكتوب في كتاب موسي ( كتاب ارميا ) ان الله وعد بإهلاك كل إنسان يدعي النبوة هو و أسرته في خلال عام ؟

    ج : يجيب القسيس ( لعل الله يريد أن يختبر المسيحيين به ).

    مواقف محيرة :

    1- في عام 1971 أصدر البطرك ( شنودة ) قرار بحرمان الراهب روفائيل ( راهب دير مينا ) من الصلاة لأنه لم يذكر أسمه في الصلاة وقد حاول اقناعه الراهب ( صموائيل ) بالصلاة فانه يصلي لله وليس للبطرك ولكنه خاف ان يحرمه البطرك من الجنه ايضا !!

    وتسائل الراهب صموائيل هل يجرؤ شيخ الأزهر ان يحرم مسلم من الصلاة ؟ مستحيل

    2- أشد ما كان يحيرني هو معرفتي بتكفير كل طائفة مسيحية للأخري فسالت القمص ( ميتاس روفائيل ) أب اعترافي فأكد هذا وان هذا التكفير نافذ في الارض والسماء .

    فسألته متعجبا : معني هذا اننا كفار لتكفير بابا روما لنا ؟

    أجاب : للأسف نعم

    سألته : وباقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك الإسكندرية لهم ؟

    أجاب : للأسف نعم

    سألته : وما موقفنا إذا يوم القيامة ؟

    أجاب : الله يرحمنا !!!



    بداية الإتجاة نحو الإسلام

    * وعندما دخلت الكنيسة ووجدت صورة المسيح وتمثاله يعلو هيكلها فسألت نفسي كيف يكون هذا الضعيف المهان الذي استهزأ به و عذب ربا و إلها ؟؟

    * المفروض أن أعبد رب هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود . وتعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنت الصليب والمصلوب عليه وانه نجس وينجس الأرض التي يصلب عليها !! ( تثنية 21 : 22 – 23 ) .

    * وفي عام 1981 : كنت كثير الجدل مع جاري المسلم ( أحمد محمد الدمرداش حجازي ) و ذات يوم كلمني عن العدل في الإسلام ( في الميراث ، في الطلاق ، القصاص ...... ) ثم سألني هل عندكم مثل ذلك ؟ أجبت لا.. لايوجد

    * وبدأت أسأل نفسي كيف أتي رجل واحد بكل هذه التشريعات المحكمة والكاملة في العبادات والمعاملات بدون اختلافات ؟ وكيف عجزت مليارات اليهود والنصاري عن إثبات انه مخترع ؟

    * من عام 1982 و حتي 1990 : وكنت طبيبا في مستشفي ( صدر كوم الشقافة ) وكان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزملاء عن أحاديث محمد ( صلي الله عليه وسلم ) وكنت في بداية الأمر اشعر بنار الغيرة ولكن بعد مرور الوقت أحببت سماع هذه الأحاديث ( قليلة الكلام كثيرة المعاني جميلة الألفاظ والسياق ) و شعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم .

    هل كان أبي مسلما

    * من العوامل الخفية التي أثرت علي هدايتي هي الصدمات التي كنت أكتشفها في أبي ومنها :

    1- هجر الكنائس والوعظ والجمعيات التبشيرية تماما .

    2- كان يرفض تقبيل أيدي الكهنة ( وهذا أمر عظيم عند النصاري )

    3- كان لايؤمن بالجسد والدم ( الخبز والخمر ) أي لا يؤمن بتجسيد الإله .

    4- بدلاً من نزوله صباح يوم الجمعة للصلاة أصبح ينام ثم يغتسل وينزل وقت الظهر ؟!

    5- ينتحل الأعذار للنزول وقت العصر والعودة متأخرا وقت العشاء .

    6- أصبح يرفض ذهاب البنات للكوافير .

    7- ألفاظ جديدة أصبح يقولها ( أعوذ بالله من الشيطان ) (لا حول ولا قوة الا بالله )...

    8- وبعد موت أبي 1988 وجدت بالإنجيل الخاص به قصاصات ورق صغيرة يوضح فيها أخطاء موجودة بالأناجيل وتصحيحها .

    9- وعثرت علي إنجيل جدي ( والد أبي ) طبعة 1930 وفيها توضيح كامل عن التغيرات التي أحدثها النصاري فيه منها تحويل كلمة ( يا معلم ) و ( يا سيد ) الي ( يا رب ) !!!ليوهموا القاريْ ان عبادة المسيح كانت منذ ولادته .

    الطريق إلي المسجد

    * وبالقرب من عيادتى يوجد مسجد ( هدى الاسلام ) اقترب منه وأخذت أنظر بداخله فوجدته لا يشبه الكنيسة مطلقا ( لا مقاعد – لا رسومات – لا ثريات ضخمة – لا سجاد فخم – لا أدوات موسيقى وايقاع – لا غناء لا تصفيق ) ووجدت أن العبادة فى هذه المساجد هى الركوع والسجود لله فقط ، لا فرق بين غنى وفقير يقفون جميعا فى صفوف منتظمة وقارنت بين ذلك وعكسه الذى يحدث فى الكنائس فكانت المقارنة دائما لصالح المساجد.

    فى رحاب القرآن

    * وددت أن أقرأ القرآن واشتريت مصحفا وتذكرت أن صديقى أحمد الدمرداش قال ان القرآن ( لا يمسه الا المطهرون ) واغتسلت ولم أجد غير ماء بارد وقتها ثم قرأت القرآن وكنت أخشى أن أجد فيه اختلافات ( بعد ما ضاعت ثقتى فى التوراة والانجيل ) وقرأت القرآن فى يومين ولكنى لم أجد ما كانوا يعلمونا اياه فى الكنيسة عن القرآن .

    * الأعجب من هذا أن من يكلم محمد صلى الله عليه وسلم يخبره أنه سوف يموت ؟!! من يجرؤ أن يتكلم هكذا الا الله ؟؟!! ودعوت الله أن يهدين ويرشدني .

    الرؤيا :

    وذات يوم غلبني النوم فوضعت المصحف بجوارى وقرب الفجر رأيت نورا فى جدار الحجرة وظهر رجلاً وجهه مضىء اقترب منى وأشار الى المصحف فمددت يدى لأسلم عليه لكنه اختفى ووقع فى قلبى أإن هذا الرجل هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم يشير الى أن القرآن هو طريق النور والهداية .

    أخيرا – أسلمت وجهى لله

    * وسألت أحد المحامين فدلني علي أن أتوجه لمديرية الأمن – قسم الشئون الدينية – ولم أنم تلك الليلة وراودني الشيطان كثيرا ( كيف تترك دين أبائك بهذه السهولة ) ؟

    * وخرجت في السادسة صباحا ودخلت كنيسة ( جرجس وأنطونيوس ) وكانت الصلاة قائمة ، وكانت الصالة مليئة بالصور والتماثيل للمسيح و مريم و الحواريين وأخرين إلي البطرك السابق ( كيرلس ) فكلمتهم : ( لو أنكم علي حق وتفعلون المعجزات كما كانوا يعلمونا فافعلوا أي شيء ... أي علامة أو إشارة لأعلم انني اسير في الطريق الخطأ ) و بالطبع لا إجابة .

    * وبكيت كثيرا علي عمر كبير ضاع في عبادة هذه الصور والتماثيل . وبعد البكاء شعرت أنني تطهرت من الوثنية وأنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة الله حقا .

    * وذهبت الي المديرية و بدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين ومع معاناة مع البيروقراطية و ظنون الناس وبعد عشرة شهور تم اشهار اسلامي من الشهر العقاري في أغسطس 1992 .

    اللهم أحيني علي الإسلام وتوفني علي الإيمان

    اللهم إحفظ ذريتي من بعدي خاشعين ،عابدين ، يخافون معصيتك ويتقربون بطاعتك

    و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    للدكتور وديع أحمد موقع علي شبكة الإنترنت



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 1 من 3 1 2 3 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. من هو ؟؟ مسابقة متجددة ..
    بواسطة شام في المنتدى مضيف الإهداءات
    مشاركات: 30
    آخر مشاركة: 01-02-2008, 19:31
  2. كيف أسلم رئيس الحزب الإسلامي البريطاني
    بواسطة أديب في المنتدى مضيف المشاركات المنقولة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 14-11-2007, 03:05
  3. ما عندك الا هؤلاء ؟!!
    بواسطة الشاهري العبيدي في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 26-01-2007, 21:37
  4. 2006 وامنبات ...متجددة!!
    بواسطة ام الوغدان في المنتدى مضيف آدم وحواء
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-01-2006, 18:53
  5. رجل مسلم أسلم على يديه كل من كان في الكنيسة
    بواسطة رغد المحبه في المنتدى المنتدى الاسلامي
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 21-11-2005, 22:47

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته