صفحة 10 من 15 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 الأخيرةالأخيرة
النتائج 91 إلى 100 من 147

الموضوع: نور على نور ,,,

  1. #91
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    جزاك الله خير الجزاء مشرفنا الفاضل ابوضاري
    لنشر تلك المعلومات الهامة حول الرمان
    وبارك الله بك وحفظك ورعاك



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #92
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    تداعي الجسد لإصابة عضو معجزة نبوية




    صورة ليد تنزف

    دكتور/ ماهر محمد سالم
    طبيب جراح وكاتب إسلامي
    ظاهرة الشكوى والتداعي:
    لقد كشفت الأبحاث العلمية المكثفة والمتوالية حقائق مذهلة عن تفاعل الجسم البشري لموجهة المخاطر، حال الإصابة بالجرح أو بالمرض،كما تم اكتشاف الخطوط الدفاعية والاستجابات الوظيفية التي تحدث بالجسم حال إصابة عضو من أعضائه بالمرض أو بالجروح. تلك الاستجابات تتناسب مع درجة معاناة العضو تناسبا طرديا؛ فبقدر ما تكون شدة إصابة العضو يكون توجيه طاقات الجسم ووظائفه لمنع استفحال المرض أولا ولتحقيق الالتئام والشفاء التام ثانياً.
    فلو تصورنا إنسانا صحيح البدن يعيش في منطقة نائية حيث لا توجد إسعافات أولية أو رعاية طبية، لو تصورنا هذا الإنسان وقد سقط من مكان مرتفع أو تعرض لهجوم وحش كاسر فأصيب بتهتك في فخذه ونزف دموي مثلا ــ ترى كيف سيتفاعل جسمه تجاه هذا الجرح وتلك الإصابة البالغة لكي يحافظ على حياته وحياة العضو المصاب من خطر النزف والتلوث الذي حدث أولا ثم لتحقيق الالتئام وعودة الأنسجة المصابة لوظيفتها الطبيعية ثانياً؟
    أولا: سيبدأ الأمر من ذات الجرح حيث أدى تمزق العضلات والأوعية الدموية وتقطع نهايات وجذوع الأعصاب الطرفية إلى انبعاث إشارات ونبضات تمثل في حقيقتها استغاثات صادرة من مكان الإصابة إلى مختلف مراكز الجسم، وتنطلق هذه النبضات على عدة محاور تلتقي كلها عند نقاط رئيسة ومراكز عصبية وحسية من شأنها تحقيق استجابة عامة واستنفار لجميع أجهزة الجسم الحيوية، وهذا هو ما يعرف باسم: الاستجابة العصبية الغدي ـ صماوية.
    ثانياً: سيتبع ذلك تغيرات مهمة في تفاعلات الاستقلاب****bolic changes وفي وظائف الكليتين والرئتين والجهاز الدوري وأيضا الجهاز المناعي Immunity system لتكون المحصلة النهائية لهذه التداعيات هي توجيه طاقة الجسم البشري ووظائف أعضائه لخدمة العضو المصاب ولو أدى ذلك إلى بذل الأعضاء المختلفة لجزء كبير من مخزونها وحاجاتها الأساسية من طاقة وبروتين لتوفير ما يلزم ذلك العضو من إمدادات دفاعية وبنائية لتحقيق التئامه وعودته لحالته الطبيعية التي كان عليها.

    صورة تم مسحها بواسطة المجهر الإلكتروني تظهر لدم بشري يمكن رؤية خلايا الدم الحمراء، وعدة خلايا دم بيضاء عقدية التي تتضمن الخلايا اللمفاوية والعديد من صفيحات الدم على هيئة أقراص صغيرة
    وقد تبدو هذه المقدمة نوعا من الفلسفة أو الكتابة الأدبية ولكن الحقائق العلمية التي أثبتتها الأبحاث الدقيقة ابلغ بكثير من تلك المقدمة التي تحاول تصوير الواقع الذي يحدث كل يوم، بل كل لحظة في ملايين الأجسام البشرية التي تتعرض للمرض أو الإصابة بالجرح.

    ولنبدأ بتلخيص ما يحدث على النحو التالي:
    أولا- الإشارات المنبعثة من مكان الإصابة:
    أ- النزف الدموي:
    يؤدى ذلك النزق إلى هبوط مفاجئ في ضغط الدم وفي حجم الدم الوارد من القلب فتنبهت المستشعرات الضغطية baro receptors والحجمية mechanoreceptors الموجودة في جدران القلب والشريان الأبهر والشريانين السباتيين وبتنبيه تلك المستشعرات تبعث الإشارات والنبضات العصبية إلى مراكز ما تحت المهاد في المخ hypothalamic centers والتي تمثل محطة رئيسة لاستقبال واستشعار الإشارات المختلفة والتغيرات التي تحدث بالدم بعد حدوث الإصابة أو المرض. كذلك (وفي نفس اللحظة) تتنبه مستشعرات مماثلة بشرايين الكليتين فتنشط إفراز هرمون الرنين من الكليتين ليحول الانجيوتنسينوجين الموجودة في الدم إلى الانجيوتنسين"1" الذي يتحول إلى الانجيوتنسين"2" الذي ينبه بدوره مراكز ما تحت المهاد إلى جانب قيامه بتنبيهات أخرى مهمة سنعرض لها فيما بعد.
    وفي نفس اللحظة تنطلق مواد كيميائية من جدران الأوعية الدموية والأنسجة المتهتكة ــ هذه المواد تستدعي كرات الدم ( بخاصية الجذب الكيميائي) وتنشط تراكم الصفائح الدموية وعوامل التجلط في مكان الجرح لإحداث الجلطة التي تسد النزف أولا ثم تنشط تكوين النسيج الضام لالتئام الأنسجة المنجرحة بعد ذلك.(1)(2) كما أنها تجتذب الخلايا البلعمية التي تستدعي وتنشط الخلايا المناعية.
    ب- هرمون النور أدرينالين:
    ينطلق هرمون النور أدرينالين من النهايات العصبية المتمزقة إلى الدورة الدموية لتصل إلى مراكز ما تحت المهاد منشطة إياها لتلتقي في ذلك مع الإشارات السابق ذكرها في (أ).

    صورة توضح مراكز المهاد (hypothalamus) في الدماغ البشري
    ج- الإحساس بالألم:

    والذي يحدث بانبعاث النبضات من النهايات العصبية في موضع الجرح ليمر من المسارات العصبية عبر النخاع الشوكي إلى مراكز المهاد thalamus ومن ثم إلى مراكز الإحساس بالمخ ومنها تنطلق الانعكاسات والإشارات من مراكز الإحساس العليا إلى مراكز المهاد وإلى النطاق الساقي في المخ. Limbic system الذي يوزع الإشارات إلى مراكز التكوين الشبكي reticular formation وإلى مراكز المهاد hypothalamus.ب(2)(Wall, P.D and Mwlzook, 1989, Text Book of Pain, Churcill Livingstone, Edinburgh.)
    ويتضح مما سبق في،ب،ج أن الشكوى من العضو المصاب قد تمثلت في إشارات انطلقت على ثلاث محاور رئيسة تلاقت جميعها في الجهاز العصبي لتنبه ثلاث مراكز رئيسة هي:
    1- مراكز ما تحت المهاد hypothalamus.
    2- مراكز الإحساس العليا بقشرة المخ post central gyrus.
    3- مراكز التكوين الشبكي والنظام الساقي reticular formation and limbic system.

    صورة توضح الغدة النخامية (pituitary) على الدماغ
    الاستجابات التي تحدث في مراكز ما تحت المهاد:

    أولا - تنبعث المعززات المختلفة لهرمونات الفص الأمامي للغدة النخامية anterior pituitary hormone releasing factors فتسبب إطلاق العديد من هرمونات تلك الغدة والتي من أهمها هرمون تنشيط الفشرة الكظرية ACTH وهرمون النمو.G.H وهرمون تنشيط الدرقيةTSH.
    ثانيا- ينطلق هرمون مضاد الإدرار (ADH) من النهايات العصبية الموجودة في الفص الخلفي للغدة النخامية - رؤوس هذه النهايات موجودة في مراكز ما تحت المهاد - وبتنبيهها ينطلق الهرمون من نهاياتها الموجودة في الفص النخامي الخلفي.
    ثالثا- تنطلق النبضات المنبهة لمراكز الجهاز العصبي التعاطفيsympathetic N.S. (الموجودة في ساق المخ والنخاع المستطيل) والتي من أهمها:
    - مراكز تسارع نبضات القلبcardiac acceleratory centers.
    - مراكز التنفسrespiratory centers.
    - مراكز تنشيط نخاع الكظرية adrenal medulla لإفراز هرمون الأدرينالين والنورأدرينالين بكميات وافرة.
    رابعا- يتم إفراز مادتي " الاندورفين والانكافالين" في داخل الجهاز العصبي المركزي والنخاع الشوكي كاستجابة للإحساس بالألم والإصابة، وإن لهاتين المادتين فعلا مسكنا ومطمئنا يفوق ما تفعله مادة (المورفين) بحوالي من 18 إلى 30 مرة.
    ورغم أن دورها في حال المرض والإصابة لم يتضح بعد بدرجة قطعية كاملة ؛ إلا أن المشاهد والمستنتج أن لهما أثرا مسكنا للألم مما يساعد على تهدئة الذعر والاضطراب اللذين يحدثان للمصاب بسبب الألم الشديد الذي قد يسبب صدمة عصبية،ويفقد المصاب القدرة على حسن استجابة المراكز الحركية ومواجهة خطر الإصابة بالمقاومة أو الهرب. وهذا مشاهد وملاحظ في الحروب حينما ينتفي الإحساس بالألم عند محارب جريح رغم أن إصابته قد تكون بالغة.

    رسم يوضح بينة القلب البشري
    الاستجابات التي قد تحدث من تنبيه التكوين الشبكي ومراكز النظام الساقي:
    تعتبر الاستجابات الناتجة من تنبه تلك المراكز محوراً ضروريا ومهما لمواجهة الأحوال التوترية والضغوط التي يتعرض لها المصاب، ويمكن القول بان محصلتها هي إرسال وتأمين الأنشطة التي تحقق:
    أ - الانتباه العام واليقظة المستمرة لمراكز المخ العليا.
    ب -.تنبيه الجهاز العصبي التعاطفي Sympathetic Nervous System، ورفع درجة توتر العضلات وحساسيتها.
    وبذلك تكون المحصلة هي سهر الجسم والعقل واستنفارهما في حالة يقظة مستمرة أثناء المرض أو الإصابة.
    استجابات مراكز المخ العليا:
    بوصول الإحساس بالمرض أو الإصابة الحادثة لعضو ما إلى مراكز المخ العليا يحدث الآتي:
    أ - يتم تنبيه وتوجيه المراكز المختلفة السابق ذكرها بنفس القدر ولكن من مسارات مختلفة وبذلك يتحقق ضمان نشاط الجميع في آن واحد مع الاستمرارية (مثلا عندما تتنبه مراكز تحت المهاد فإنها تنبه مراكز المخ العليا وفي ذات الوقت تتلقى منه التنبيهات التي تضمن استمرارية وتحور نشاطها والعكس صحيح عند تنبه مراكز المخ العليا أولا).
    ب- ترسل إشارات من وإلى مراكز الذاكرة للاستعانة بالخبرة السابقة لتوجيه التصرف المناسب ( على مستوي الشعور واللاشعور) حيال المرض أو الإصابة بالجروح مسترشدا بسابق التعرض للظروف المشابهة، والدليل على ذلك تحسن استجابة وتصرف الجسم الذي سبق تعرضه عن الذي لم يسبق له التعرض، وفي الإنسان والحيوان وبعض الكائنات الأدنى أدلة علمية كثيرة على قيمة الذاكرة وسابق التعرض في توجيه تصرفات الجسم ومقاومته بصورة أفضل.
    التداعيات والتفاعلات الناتجة عن الاستجابات السابق ذكرها:
    إن ما سبق من وصف ما حدث في الجهاز العصبي بمحاوره الرئيسة ما هو إلا المرحلة الأولى من مراحل استجابة الجسم بأسره، فمن تنبه تلك المراكز تنبثق النبضات المختلفة عصبية وهرمونية إلى جميع أعضاء الجسم بحيث ينشط كل عضو بل وربما كل خلية سليمة في الجسم البشري ليأخذ دورا في مواجهة ما أصاب أحد أعضائه من مرض أو جرح كما ورد في الحديث.
    وسوف نعرض (مع التلخيص الشديد) لبعض هذه التداعيات:
    أولا: يقوم هرمون منشط قشرة الكظرية ACTH بتنشيط الغدة الكظرية لإنتاج كمية وافرة من هرمون الكورتيزول والادوستيرون من الجزء القشري ثم يقوم الكورتيزول بحفر النخاع لافراز الأدرينالين فتكون المحصلة هي زيادة هرمونات:
    1- الكورتيزول.
    2- الألدوستيرون.
    3- الأدرينالين.
    ولتلك الهرمونات تأثيرات أساسية في مواجهة الجسم للتوترات الناجمة عن الإصابة وتوجيه تفاعلات الاستقلاب ****BOLIC REACTIONS وتوجيه وظائف الكلى فيما يختص بتنظيم إدرار الملح وسنعرض لذلك فيما بعد.
    ثانيا: يقوم هرمون مضاد الإدرار ADH بتوجيه قنوات الكلى المجمعة لإعادة امتصاص قصوى للماء الراشح وإعادته إلى الدورة الدموية، وبذلك يتم الاحتفاظ بماء الجسم من أن يفقد مع البول.
    ثالثا: بتنبيه الجهاز العصبي التعاطفي SYMPATHETIC STIMULATION تنقبض الأوعية الدموية الطرفية ويتسارع نبض القلب، وتزداد قوة ضخه، وبذلك يرتفع ضغط الدم إلى المستوي اللازم لسريانه في الأعضاء الحيوية كالقلب والمخ والكليتين رغم ما قد يحدث من تناقص كبير في حجم الدم نتيجة النزف أو الارتشاح كما يتسارع معدل التنفس وعمقه لإحداث اكبر قدر ممكن من أكسجة الدم كما أن لتنبه الجهاز التعاطفي توجيها مباشرا لنخاع الغدة الكظرية لإفراز الأدرينالين وكميات اقل من النور أدرينالين ومشتقاتهما.
    دور الغدتين الكظريتين (غدتي فوق الكلية):
    تتكون كل غدة من قشرة ونخاع وقد سبق الإشارة إلى بعض الهرمونات التي تفرزها وسيأتي ذكر أهم التداعيات التي تحدثها تلك الهرمونات فيما بعد، ولكن الذي نريد ذكره هنا هو أن هاتين الغدتين رغم صغر حجمهما إلا انهما من أهم الأعضاء التي تتداعى وتتفاعل لإصابة عضو ما من أعضاء الجسم بل إن هرمونات القشرة الكظرية وبالذات هرمون الكرتيزول ومشتقاته لابد من وجودها للحياة وللتداعيات اللازمة لمواجهة المرض والإصابة.
    دور الكليتين في حال المرض:
    رسم يوضح شكل ومكان الكلى البشرية في جسم الإنسان
    أ- تقوم الكليتان بالاحتفاظ بالماء والصوديوم من أن يفقدا وذلك بإعادة امتصاصهما لأقصى قدر ممكن وهذا تحت تأثير هرمونين أساسيين هما مضاد الإدرارAnti Diuretic Hormonي (ADH) للاحتفاظ بالماء؛ وهرمون الألدوستيرون للاحتفاظ بالصوديوم وإخراج البوتاسيوم وهذا مهم لمواجهة تعويض ما قد فقده الجسم من سوائل ومواجهة ما قد يتبع ذلك من ظروف غير ملائمة لتعويض السوائل والأملاح بالتناول من طريق خارجي.
    ب- تساهم الكليتان في إنتاج هرمون الألدوستيرون بإفراز هرمون الرنين Renin H. (الذي يحول هرمونا أخر هو الأنجيوتنسينوجين إلى انجيوتنسين"1" ثم انجيوتنسين"2" (الذي يعد من أدوم منشطات قشرة الكظرية لإفراز الألدوستيرون) كذلك يقوم الانجيوتنسين"2" بتنبيه مراكز الإحساس بالعطش و مراكز إفراز مضاد الإدرار إلى جانب مساهمته في انقباض الأوعية الدموية لرفع ضغط الدم وكل هذا يتحقق عن طريق تبدؤه الكليتان ويختلف عن المسارات السابق ذكرها.
    ج- تقوم الكليتان بإخراج البوتاسيوم الزائد والمتصاعد من خلايا الجسم أثناء عملية الاستقلاب الهدمية cataboli & hypercatabolic states بالمبادلة مع الصوديوم المرتشح في القنوات الطرفية ولو تعطلت هذه الوظيفة المهمة كما قد يحدث في حالة الفشل الكلوي، لحدثت الوفاة بسبب ارتفاع نسبة البوتاسيوم بالدم إلى درجة تسبب توقف القلب.
    وهكذا نرى أن للكليتين دورا أساسيا في توازن الوسط المائي والاحتفاظ بالماء والملح (الصوديوم) والصوديوم أهم لأنه هو الذي يمسك بالماء في السائل البين خلوي؛ extra-cellular interstitial & plasma fluid ذلك السائل المهم الذي يتخلل خلايا الجسم ويشكل وسطا تبادليا مهما بين سائر الأعضاء بحيث يؤدي انكماشه أو تغير تركيبه إلى فقدان الحياة.
    الدور الذي يؤديه الدم والقلب والجهاز الدوري:
    غني عن القول إن الدم هو الوسط المهم الذي ينقل الأكسيجين والغذاء إلى العضو المصاب والى سائر الأعضاء النشيطة في خدمة العضو المصاب، وهو الذي ينقل الرسائل الهرمونية بين أعضاء الجسم وغدده التي تكون في حالة نشاط، وهو الذي ينقل مواد التجلط المختلفة إلى العضو المصاب لإيقاف النزيف كما أنة ينقل المواد المضادة للتجلط لمنع الإفراط في التجلط،وهو الذي ينقل الأجسام المضادة وخلايا الجهاز المناعي إلى حيث يجب مواجهة أي جسم غريب أو ميكروب ضار يغزو الجسم.
    ولكي يتم ذلك بصورة أسرع يتم تنشيط عضلة القلب عصبيا وهرمونيا ليتسارع نبضه ويقوى ضخه فيتضاعف معدل الضخ القلبي cardiac output أثناء المرض أو الإصابة كما يتم انقباض أوعية الجهاز الدوري من شرايين وأوردة طرفية وشرايين وأورد طرفية لرفع الدم الهابط ولسحب الدم من الأعضاء الطرفية والخاملة نسبيا لتوجيهه إلى الأعضاء الأكثر نشاطا ولتعويض ما يفقد تعويضا سريعا إلى حين التعويض بإعادة توزيع السوائل ثم بتكوين سوائل وخلايا دموية جديدة بدلا من التي فقدت.
    ونذكر هنا أن أهم مواجهات هذه التداعيات هي هرمونات الكورتيزول،والأدرينالين، والانجيوتنسين، والألدوستيرون ونشاط الجهاز العصبي التعاطفي(Guyton A. Textboock of Medical physiology 6th. Edition – Philadelphia, WB Saunders 1984.).
    رسم يوضح شكل ومكان الجهاز العصبي في جسم الإنسان
    تفاعلات الاستقلاب(مجلس وزراء الصحة العرب- منظمة الصحة العالمية – اتحاد الأطباء العرب – المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – المعجم الطبي الموحد – إنجليزي – عربي – فرنسي، طبعة 1983 م) التي تحدث عند المرض أو الإصابة بالجروح ****bolic Responses
    تحدث هذه التفاعلات بصورة متسارعة ونشطة وتكون مجندة في الأساس لمواجهة المرض الذي أصاب عضوا ما، وينظم ذلك التنبيهات العصبية والهرمونية التي سبق وصفها neuro-endocrinal stimuli وسنرى أنها تشمل جميع الأعضاء بل جميع خلايا الجسم السليمة تقريبا؛فإنه نظرا لاحتياج الجسم لكميات كبيرة من الطاقة في حال المرض أو الجراحة فإن تفاعلات الاستقلاب توجه لتوفير تلك الكميات اللازمة للانتفاع بها فيما يلي:
    1- المحافظة على سلامة الخلايا المحيطة بمنطقة الإصابة والخلايا التي أصيبت إصابة جزئية أدت إلى انتفاخها بالماء لخلل عارض في نفاذية غشائها داخل الصوديوم والماء إليها هذه الخلايا تحتاج لطاقة كبيرة لإصلاح ذلك الخلل ولطرح الصوديوم ومعه الماء الزائد إلى خارج الخلية مع الإبقاء على البوتاسيوم داخلها وهو ما يعرف بعملية المضخة المحلية sodium pump وهي عملية نشطة تحتاج إلى كميات من الطاقة الكيميائية المخزونة في جزئيات مثل أدينوسين الفوسفات الثلاثيATPب.(2)
    2- توفير الطاقة اللازمة لإتمام تفاعلات الهدم والبناء والالتئام التي تشتمل على تكوين بروتينيات جديدة وهذه لا تتم إلا بكميات كبيرة من الطاقة..
    3- نشاط الجهاز المناعي لمقاومة الميكروبات التي قامت بغزو العضو المصاب أو الجسم، وهذا يقتضي اندفاع الخلايا البلعمية وازدياد نشاطها للقيام بابتلاع الميكروبات والأجسام الدقيقة phagocytosis ثم القيام بتصنيع الأجسام المضادة.
    4- توفير الطاقة اللازمة للنشاط الزائد الذي يحدث في مختلف أعضاء الجسم التي تكون في حالة مواجهة للمرض مثل عضلة القلب ونشاط الكليتين وازدياد نشاط الكبد..الخ وهكذا تتضاعف أنشطة الجسم وعملياته الحيوية وهذا يتطلب إمداده بطاقة اكبر. ولتوفير هذه الطاقة يتضافر فعل الهرمونات المختلفة التي تم إفرازها ومن أهم تلك الهرمونات:
    - الكورتيزول-الأدرينالين-والنورأدرينالين-الجلوكاجون-هرمون النمو.
    - الكورتيزول: كما سبق التنويه على أهمية هذا الهرمون فإن لهذا الهرمون تأثيرات عظيمة على جميع المحاور، فعلى محور الجهاز الدوري يدعم فعل الأدرينالين على القلب والأوعية الدموية واستجابات الشعيرات الدموية كما يدعم ثبات الأغشية الخلوية وفعل الكليتين في تنظيم وإدرار الماء والأملاح. كما يكيف تفاعل الجهاز المناعي بما يمنع الإفراط في التفاعلات المناعية. وفي الرئتين يدعم فعل الأدرينالين الباسط للشعبيات الهوائية.
    أما في مجال تفاعلات الاستقلاب (أو الأيض ****bolism) فللكورتيزول فعل هدمي بنائي مهم، ففي الأنسجة الضامة والعضلات والدهون يوجه هدم البروتينات والجلوكوز والدهون لتوفير أحماض أمينية ودهنية وجلوكوز تذهب كلها إلى الكبد وفي الكبد يكون للكورتيزول فعل بنائي يوجه خلايا الكبد لإنتاج الجلوكوز من مختلف مصادره وخاصة حمض اللبنيك lactic acid والألانين الذي يتحول في الكبد إلى جلوكوز وكذا لإنتاج الأجسام الكيتونية من الأحماض الدهنية والجليسرين، كما انه يضاد فعل الأنسولين على خلايا الجسم الخاملة ليمنع اختزانها للدهون والأحماض الأمينية والجلوكوز.
    - الأدرينالين والجلوكاجون: يقومان بهدم الجليكوجين المخزون في الكبد إلى جلوكوز والجليكوجين المخزون في العضل إلى حمض لبنيك glycogenolysis كما يسبب كل هرمون تكسير الدهون إلى أحماض دهنية وجليسرين lipolysis.
    وهكذا تتضافر الهرمونات السابق ذكرها لإحداث عملية هدم واسعة تشمل مخزون الكربوهيدرات والدهون والبروتينيات لتوفير كميات كبيرة من الجلوكوز، والأحماض الدهنية،والجليسرين والأحماض الأمينية.أما الجلوكوز فانه يهدم بعملية (الجليكوليزيس) ثم في دائرة الأكسدة الفوسفورية (دائرة كر يبس) ومنها إلى الأكسدة البيولوجية لإنتاج جزيئات الطاقة العالية كيميائيا ومعظمها الأدنيوسين الثلاثي الفوسفات ATP.
    أما الأحماض الدهنية والأمينية فإنها أيضا تكسر إلى أن تدخل في دائرة كر يبس لإنتاج جزئيات الأدينوسين الثلاثي فوسفات أو يتم تحويلها في الكبد إلى الجلوكوز عملية (الجلوكزنيوجنيزيس gluconeogenesis) الذي يصب في الدم إلى حيث ينتفع به في توفير الطاقة الكيماوية كما سبق توضيحه.وأيضا يتم الانتفاع بالأحماض الأمينية في بناء بروتينيات جديدة للجهاز المناعي من أجسام مضادة وخلايا دفاعية ولتصنيع جزئيات النسيج الضام اللازم لعملية الالتئام.
    -هرمون النمو (GH)ب Growth hormon:
    تفرزه الغدة النخامية من الفص الأمامي بتأثير هرمون: منشط هرمون النمو الذي تفرزه تحت المهاد استجابة للتوتر والمرض ولهذا الهرمون مفعول مهم في تنشيط العديد من"عوامل النمو" Growthfactors وأهمها مادة " السوماتومدين" Somatomedin في الكبد وأنسجة العضو المصاب، تلك العوامل البناءة تنشط تكون الأنسجة الضامة ونموها كما أنها تنشط إفراز هرمون "الاريثروبويتن" Erythropoitin Hormon الذي ينشط نخاع العظام لإنتاج كريات دم حمراء جديدة.
    وهكذا يؤدي هرمون النمو دورا مهما لتشجيع البناء والالتئام واستعادة ما فقده العضو المصاب أولا ثم ما فقده سائر الجسد بعد ذلك.
    وبذلك يتضح لنا تداعي الجسم البشري لمواجهة المرض أو الجرح الحادث لعضو من أعضائه، ولقد استخدمنا كلمة تداعي وتداعيات لأننا لم نجد لفظا في اللغة العربية اكثر تعبيرا لما يحدث في الجسم من ذلك اللفظ ولو أردنا الاستعاضة عنه لاحتجنا إلى أفعال عديدة لوصف ما يحدث.
    من الإعجاز العلمي والطبي في السنة المطهرة:
    ما روي عن النبي (صلى الله عليه و سلم) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى" (صحيح البخاري 4/93 رقم 6011 كتاب الأدب ط المكتبة السلفية. وصحيح مسلم 4/1999 رقم 2586 كتاب البر والصلة ط دار إحياء التراث العربي – بيروت، مسند الإمام احمد 4/270) رواه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده وهذا لفظ مسلم(صحيح مسلم – دار إحياء التراث العربي 1972م).
    ولفظ البخاري ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى(صحيح البخاري،دار القلم – بيروت – 1980م) ورواية احمد "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شئ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (مسند الإمام احمد بن حنبل – دار المعارف مصر 1980م)
    يخبر النبي (صلى الله عليه و سلم) بما يجب أن يكون عليه حال المسلمين وحال الأمة الإسلامية من تواد وتعاطف وتراحم؛ ولكي نفهم وندرك درجة هذا التراحم؛ ضرب لنا النبي (صلى الله عليه و سلم) مثالا من أنفسنا وهو مثال الجسد الواحد وما يحدث فيه عندما يشتكي عضو من أعضائه. واخبرنا بأن الجسد يتداعى كله بالسهر والحمى من أجل هذا العضو ؛ ولن يتوقف التداعي حتى تتوقف شكوى ذلك العضو.
    والنبي (صلى الله عليه و سلم) بما أوتى من جوامع الكلم، وصف لنا ما يحدث في جملة شرطية قصيرة فعل الشرط فيها:اشتكى، وجواب الشرط تداعى،فكان الإعجاز علميا ولغويا وبلاغيا.
    إعجاز علمي: في أخباره (صلى الله عليه و سلم) بحقيقة ما يحدث في الجسم البشري وما لم يكشف عنه العلم إلا حديثا ومنذ سنوات لا تتعدى العشرين.
    إعجاز لغوي: استخدامه (صلى الله عليه و سلم) كلمات تصف حقيقة ما يحدث بجميع معانيها الواردة في اللغة ولا توجد في لغة العرب كلمة واحدة تجمع حقيقة ما يحدث في الجسم البشري حال المرض إلا هذه الكلمات: اشتكى- تداعى. ولو بحثنا عن أفعال أخرى لتصف حقيقة ما يحدث لاحتجنا إلى عدة أفعال مكان الفعل الواحد"تداعى" مثلا(أبو الفضل جمال الدين محمد بن منظور الإفريقي المصري – كتاب لسان العرب دار صادر – بيروت)
    وإعجاز بلاغي: في اختيار أسلوب التشبيه الذي يراه كل مسلم ويحس به كل إنسان في حقيقة نفسه، وما من إنسان إلا وقد مرت به تجربة الشكوى والألم في عضو واحد من أعضائه ولو كانت شوكة شاكته في إصبعه فنتج عنها تورم والتهاب مثلا وصاحب ذلك إحساس عام ومعاناة شملت كل جسمه.
    إلا أن تخصصنا هنا ينحصر في وصف الإعجاز العلمي فهل وصف النبي (صلى الله عليه و سلم) أمرا لم يكن يعرفه أهل العلم في زمانه؟!
    نقول نعم، لا في زمانه ولا بعد زمانه (صلى الله عليه و سلم) بقرن أو عشرة قرون أو ثلاثة عشر قرنا، بل بعد اكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان؛ فالحديث يخبر بحدوث شكوى للعضو المصاب على الحقيقة لا المجاز فهل حقا يشتكى العضو على الحقيقة ؟ وكيف يشتكى العضو بلا لسان؟ وهل كان الناس يفهمون أن الشكوى على الحقيقة ؟؟
    إن من يقرأ حقيقة ما يكشفه العلم من انطلاق نبضات عصبية حسية من مكان الإصابة والعضو المريض إلى الدماغ والى مراكز الحس والتحكم غير الإرادي وانبعاث مواد كيماوية وهرمونات من العضو المريض وبمجرد حدوث ما يهدد أنسجته، ومع أول قطرة دم تنزف أو نسيج يتهتك أو ميكروب يرسل سمومه بين الأنسجة والخلايا. تذهب هذه المواد إلى مناطق مركزية في المخ والأعضاء المتحكمة في عمليات الجسم الحيوية.
    إن من يعرف هذه الحقائق لا يستطيع إلا أن يصفها بأنها شكوى على الحقيقة وليست على المجاز،وإلا فما هي الشكوى؟ الاشتكاء لغة: إظهار ما بك من مكروه أو مرض ونحوه، قال الشاعر:
    شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ولكن تفيض الكأس عند امتلائها
    أليست هي إخبار وإعلام واستغاثة من ضرر أو نازلة ألت بالشاكي، ولمن تكون الشكوى لغة؟ أليست توجه للجهة التي يظن أنها تتحكم في مجريات الأمور وتملك من الإمكانات ما تنقذ به الشاكي وترفع عنه ما ألم به وما نزل به من ضرر؟
    إن الساعد الأيمن مثلا إذا أصيب بالمرض فإنه لا يوجه شكواه إلى الساعد الأيسر أو إلى الرجل اليمنى لأنها لا تملك توجيه وظائف الجسم لمواجهة المرض، وإنما تنطلق النبضات والإشارات والهرمونات إلى المراكز الحيوية بالدماغ وهي التي توجه سائر الجسد لإغاثة العضو المشتكي.
    وإذا اشتكى العضو تداعى سائر الجسد لشكواه والتداعي يحدث بمجرد الشكوى فان لم توجد شكوى لم يوجد تداع (إذا اشتكى... تداعى).
    وهذا ما يحدث فعلا وبجميع معاني التداعي الواردة في اللغة العربية:
    1- فهو ما يدعو بعضه بعضا؛ مراكز الإحساس تدعو مراكز اليقظة والتحكم فيما تحت المهاد التي تدعو بدورها الغدة النخامية لإفراز الهرمونات التي تدعو باقي الغدد الصماء لإفراز الهرمونات التي تحفز وتدعو جميع أعضاء الجسم لتوجيه وظائفها لنجدة العضو المشتكي وعلى النحو الذي سبق وصفه في أول البحث.
    2- وهو يتداعى بمعنى يتوجه بطاقته لخدمة المشتكي، فالقلب مثلا يسرع بالنبضات لسرعة تدوير الدم في الوقت الذي تنقبض الأوعية الدموية بالأجزاء الخاملة من الجسم وتتسع الأوعية الدموية المحيطة بالعضو المصاب لكي تحمل له ما يحتاجه من طاقة، وأوكسجين، وأجسام مضادة، وهرمونات، وأحماض أمينية بناءة، هي خلاصة أعضاء الجسم المختلفة كالكبد، والغدد الصماء، والعضلات ومختزن الدهون أرسلت كلها لإمداد العضو المريض بما يحتاج لمقاومة المرض ومن ثم الالتئام.
    3- وهو يتداعى بمعنى يتهدم وينهار فيبدأ بهدم مخزون الدهن ولحم العضلات (البروتينيات) لكي يعطي من نفسه لمصلحة العضو المصاب ما يحتاجه وما ينقصه ويظل الجسم متوهجا بعملية الهدم هذه إلى أن تتم السيطرة على المرض ويتم التئام الأنسجة المريضة أو الجريحة، ثم بعد ذلك يعود الجسم لبناء نفسه.
    والهدم يستمر إلى درجة تتناسب مع قوة المرض لدرجة أن العلماء حسبوها وقدروها في كل حالة ووجدوا تناسبا بين مقدار ما يفقده الجسم من وزنه وشدة إصابة العضو،واكتشفوا أن عملية الهدم هذه ربما وصلت إلى درجة انهيار الجسم انهيارا تاما وتهدمه إلى اقل من نصف وزنه في حالات الإصابة الشديدة حتى لربما انتهى أمره بالوفاة في حالة تعرف بالحالة الانهدامية المفرطة
    ولم يكتشف العلم الحديث حقيقة واحدة تعارض ظاهر النص أو باطنه أو تسير في نسق بعيد عنه بل كان النص وصفا دقيقا جامعا شاملا لحقيقة ما يحدث، بل ما كان يجهل وضحه العلم الحديث على أنه حقيقة واقعة لا تحتاج إلى تأويل.

    وهكذا أثبت العلم الحديث ظاهرة التداعي والانهدام التي تحدث في الجسم البشري حال المرض والإصابة فعندما يصاب عضو من الأعضاء بجرح أو مرض فإن هذا العضو يشتكي ما ألم به، هذه الشكوى تتمثل في إشارات تنبعث منه إلى مراكز الجهاز العصبي الرئيسية التي تتحكم في وظائف الأعضاء، فتستجيب هذه المراكز بإرسال الأوامر إلى الغدد والأجهزة الحيوية فتحدث حالة عامة من الاستنفار الذي يكون من نتائجه توجيه جميع الطاقات والعمليات الحيوية لخدمة العضو المصاب وإمداده بما يحتاجه لمواجهة المرض بدءاً بمحاصرة مصدر الخطر وكفه عن الانتشار و من ثم القضاء علية إن أمكن ثم تحقيق الالتئام حتى يعود العضو إلى حالته المستقرة وهذا ما أخبرنا به الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم في حديث بليغ جامع هو: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
    وهكذا تأكد تداعي الجسد لإصابة عضو من أعضائه من واقع الكشوف العلمية وتبين أنه إذا أصيب عضو من الأعضاء اشتكى، فإذا اشتكى عضو استجاب سائر الجسد وتداعت كل أجزائه من أجل نجدة العضو المصاب، ويستمر ذلك التداعي إلى أن تنتهي شكاية العضو ويتحقق شفاؤه.
    وتوجه الشكاية بصور متعددة خاصة إلى مراكز الجهاز العصبي الرئيسية فتنبهها لكي تؤدي دورها المهم في دعوة سائر أعضاء الجسم لخدمة العضو المصاب.
    وتعتبر الاستجابات الناتجة من تنبيه تلك المراكز وعلى الأخص مركز التكوين الشبكي ومركز النظام الساقيReticular formation & limbic System محوراً ضرورياً ومهماً لمواجهة الأحوال التوترية والضغوط التي يتعرض لها المصاب ويمكن القول بأن محصلتها هي إرسال وتأمين الأنشطة التي تحقق:
    أ - الانتباه التام واليقظة المستمرة لمراكز المخ العليا.
    ب - تنبيه الجهاز العصبي التعاطفي Sympathetic Nervous System ورفع درجة توتر العضلات وحساسيتها.
    وبذلك تكون المحصلة هي سهر الجسم والعقل واستنفارهما في حالة يقظة مستمرة أثناء المرض أو الإصابة.(2)
    كذلك فإنه بمجرد وصول الإحساس بالمرض أو الإصابة الحادثة- لعضو ما- إلى مراكز المخ العليا يحدث الآتي:
    1- يتم تنبيه وتوجيه المراكز المختلفة السابق ذكرها بنفس القدر ولكن من مسارات مختلفة وبذلك يتحقق ضمان نشاط الجميع في آن واحد مع الاستمرارية ـ مثلاً عندما تتنبه مراكز ما تحت المهاد فإنها تنبه مراكز المخ العليا وفي ذات الوقت تتلقى منها التنبيهات التي تضمن استمرارية وتحور نشاطها والعكس صحيح عند تنبه مراكز المخ العليا أولاً).
    2- ترسل إشارات إلى مراكز الذاكرة كما تصدر منها إشارات مع الاستعانة بالخبرة السابقة لتوجيه التصرف المناسب ـ على مستوى الشعور واللاشعور ـ حيال المرض أو الجرح مسترشداً بسابق التعرض للظروف المشابهة، والدليل على ذلك تحسن استجابة وتصرف الجسم الذي سبق تعرضه عن الذي لم يسبق له التعرض، وفي الإنسان والحيوان وبعض الكائنات الأدنى أدلة علمية كثيرة على قيمة الذاكرة وسابق التعرض في توجيه تصرفات الجسم ومقاومته بصورة أفضل.
    أولاً : السهر وفائدته:
    السهر لغة هو الأرق(10) ولو عرّفناه علمياً من واقع دراسات علم وظائف الأعضاء لقلنا إنه حالة من النشاط في وظائف الجسم الحيوية على صورة أعلى من أحوال اليقظة العادية.
    ما هو السهر الذي يحدث في هذه الظاهرة- ظاهرة التداعي-؟
    إن ما يحدث في حال المرض أو الإصابة من تنبيهات متشابكة ومتبادلة بين مراكز ما تحت المهاد Hypothalamic centers .
    ومراكز النظام الشبكي المنشط reticular-Activation System والجهاز العصبي العاطفي Sympathetic N. Sysetm ليضمن بقاء الجسم كله في حالة من السهر الوظيفي بمعنى استمرار نشاط جميع الأعضاء في حالة استنفار وعمل دائبين، يحدث ذلك ولو بدا للمشاهد أن المريض نائم، ولو أغمض العينين أو تاه الوعي، وفي بعض إصابات الرأس الشديدة يظل المريض في غيبوبة عميقة لمدة طويلة، ومع ذلك يكون سائر الجسد في حالة قصوى من السهر، يشهد بذلك ما سبق ذكره في الجزء الأول من البحث عن التداعيات المختلفة وحالة النشاط المستمرة التي يكون القلب والجهاز الدوري والتنفسي وتفاعلات الاستقلاب النشطة من هدم وبناء ونشاط الكليتين والكبد والغدد الصماء، والنشاط الفائق في جهاز المناعة بل وحتى نخاع العظام.
    ولا ينام الجهاز العصبي اللاشعوري أبداً، بل تظل مراكز الجهاز العصبي المتحكمة في الوظائف الحيوية في حالة نشاط مستمرة وإن حدث النوم الذهني فإنه لا يكون نوماً على صورة النوم في الأحوال العادية بل إن العين تغمض لكن الجسم يقظان.

    صورة لمريض في أحد المشافي
    فليس السهر إذن بسبب الألم كما قد يظن العوام ولكنه- كما أوضحنا أعلاه- عملية مستقلة ومهمة ولابد منها لمواجهة المرض؟ وهو محصلة التنبيهات المتبادلة في الجهاز العصبي بين المراكز المختلفة، وللسهر مركز مستقل يشرف عليه ويضمن استمراره، موجود في التكوين الشبكي كما ذكرنا فما هي فائدته؟
    لو تصورنا حدوث النوم بمعناه الوظيفي في حالة المرض لعرفنا فائدة السهر.
    إن النوم هو حالة من الخمول والتباطؤ في وظائف الأعضاء يتم أثناءها خمول التفاعلات والتبادلات واختزان الطاقة وإحلال البناء في داخل الأعضاء أي أنه حالة من الراحة والتراخي داخل كل عضو، فالقلب مثلاً يتباطأ في معدل وقوة انقباضه، والعضلات تنبسط وترتخي ومعدلات التفاعلات الاستقلابية تهبط، بل وحتى حرارة الجسم تميل للانخفاض، وكذا كل وظائف الجسم. فهل يتناسب ذلك مع وجود عضو مصاب يحتاج لمواجهة سريعة لمنع استفحال الإصابة ولتحقيق الالتئام؟ بالطبع لا ولو حدث النوم في مثل ذلك لكان في ذلك فشل ذريع في مواجهة استفحال المرض وتهديد حياة العضو والجسم بأسره تماماً كما لو أغار الأعداء على بلدة بالليل فقال أهلها: إن هذا وقت النوم فلنرد عليهم في الصباح!!
    ولهذا يحدث النوم كركن أساسي ومهم لمواجهة المرض وهذا ما بينته الأبحاث في علم وظائف الأعضاء.
    ثانياً: الحمى:
    الحمى التي تحدث في حال المرض وتعرف بارتفاع درجة حرارة الدم عن المستوى الطبيعي (37 درجة مئوية تقريباً) كيف يضبط الجسم درجة حرارته؟
    جدير بالذكر أن ثبات درجة الحرارة يتم عن طريق مراكز خاصة في المخ في مراكز ما تحت المهاد حيث تحتوي هذه المراكز على خلايا عصبية خاصة تستشعر درجة حرارة الدم فإذا ارتفعت حرارة الدم عن المستوى الطبيعي تنبهت الخلايا الخاصة بإنقاص درجة الحرارة فترسل إشارات إلى الجهاز العصبي اللاإرادي مؤداها أن ترتخي العضلات وجدران الأوعية الدموية السطحية موجودة بالجلد والأغشية المخاطية وتنبه الغدد العرقية لإفراز كميات من العرق وعن طريق انتشار الحرارة وتبخر العرق تتناقص درجة حرارة الدم إلى المستوى المطلوب كما تقل الطاقة الحرارية المنبعثة من توتر العضلات حيث إنها ترتخي في حال الحمى، هذا إلى جانب الشعور بالحر الذي يدفع الشخص إلى التخفيف من ملابسه واللجوء إلى مكان بارد، كذلك يحدث العكس في حال انخفاض حرارة الدم عن معدلها الطبيعي حيث تتنبه مراكز اكتساب الحرارة التي ترسل إشارات تسبب زيادة توتر العضلات وارتعادها (رعدة البرد) وانقباض الأوعية الدموية الجلدية فلا يمر من خلالها الدم وينتصب شعر الجلد ليكون طبقة هوائية بينية عازلة فيقل فقدان الحرارة من سطح الجلد، وفي الوقت نفسه تتولد حرارة من انقباض العضلات أضف إلى ذلك الشعور بالبرد الذي يدفع صاحبه إلى الإكثار من الدثور واللجوء إلى الأماكن الأكثر دفئاً.
    تلك هي العمليات التي تحدث للمحافظة على درجة حرارة الدم والجسم رغم تغير الظروف والأحوال المناخية أو البدنية.

    كيف تحدث الحمى؟
    هذه الدرجة (37م) هي أنسب درجة لوظائف الجسم وعملياته الحيوية في معدلها الطبيعي وتحت الظروف العادية، وقد تأهلت مستشعرات الخلايا الموجودة في مراكز تنظيم الحرارة لضبط حرارة الجسم عند ذلك المعدل، فإذا حدث تغير في درجة استشعار تلك المراكز بحيث لا تنتبه إلا عند درجة حرارة أعلى (مثلاً39م) فإنها تتعامل مع درجة (37م) على أنها درجة برودة ـ أي منخفضة ـ فتتنبه مراكز اكتساب الحرارة لرفع درجة حرارة الدم وهذا يفسر الرعدة والشعور بالبرد اللذين يحدثان قبيل ارتفاع الحرارة في حال الحمى، واللذان يستمران حتى تصل الحرارة إلى المعدل الجديد الذي انضبطت عنده مراكز استشعار الحرارة مؤقتاً بسبب المرض وهي تختلف باختلاف نوع المرض وشدته.
    والحمى تحدث في حال المرض سواء كان جرحاً أو غزواً ميكروبياً أو مرضاً داخلياً كالسرطان مثلاً، أما سبب الحمى فإنه نابع من مكان المرض حيث أدى التفاف الخلايا البلعومية والخلايا المناعية الأخرى حول العضو المصاب أو المريض وتفاعلها ضد الميكروبات والأجسام الغريبة إلى تصاعد مواد تعرف باسم "البيروجينات" من الكريات البيضاء ومن أنسجة العضو المصاب أهمها يعرف باسم "إنترليوكين1"
    ما الذي تفعلة البيروجينات؟
    تسري البيروجينات في الدم وتصل إلى مراكز ضبط الحرارة في المخ (مراكز خاصة تحت المهاد) لتؤثر في خلاياها تأثيراً يغير استشعارها لحرارة الدم بحيث تتنبه مراكز فقدان الحرارة عند درجة أعلى من الطبيعي فتأخذ حرارة الجسم في الارتفاع إلى أن تصل درجة الحمى (38،39أو 40م) تبعاً لدرجة تأثير البيروجينات والتي يختلف تأثيرها باختلاف المرض وإلى درجة مقاومة الجهاز المناعي له.
    أى أن الحمى أساساً تحدث كجزء من تفاعل الجسم البشري لمواجهة المرض أو الإصابة، وهذا ما اثبته العلم أخيراً، وقد كان المعتقد أن الحمى تحدث بتأثير المرض الداخل إلى الجسم وبسبب مواد متصاعدة من ميكروباته (بيروجينات خارجية).(1، 2)
    فعل هرمون الغدة الدرقية:
    ذكرنا في أول البحث أن الغدة النخامية تفرز هرموناً (منشط الدرقية) ضمن ما تفرزه من هرمونات بتأثير الاستجابة الغدي صماوية للمرض أو الجرح وهذا الهرمون ينشط الغدة الدرقية لإفراز هرمون الدراق (الثيبوكسين وثلاثي أيود الثيرونين)، ولهذا الهرمون دور مهم في رفع معدل الاستقلاب الأساسي (Basal ****bolic rate) وزيادة نشاط التفاعلات الاستقلابية ورفع درجة حرارة الجسم ودعم فعل (الأدرينالين) على الأنسجة الطرفية والجهاز الدوري.
    فوائد الحمى:
    إلى الآن لم يحط بها العلم إحاطة كاملة، وما زال الدور الكامل الذي تؤديه الحمى سراً لم يتم الكشف إلا عن بعض جوانبه، فما هي الفوائد التي تم الكشف عنها ؟ وهل للحمى تأثير متناسق مع تداعيات الجسم المختلفة ؟
    أولاً : من الحقائق الكيميائية الثابتة أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة المحيطة بتفاعل ما، كلما تسارعت معدلات ذلك التفاعل ونشطت وتضاعفت، وتناقص الزمن اللازم لإتمامها، وإذا انخفضت درجة الحرارة خملت التفاعلات وصارت بطيئة متكاسلة واحتاجت زمناً أطول لإتمامها، ولقد رأينا أنه في حال المرض يحتاج الجسم لتسارع التفاعلات الاستقلابية المختلفة، فيكون ارتفاع الحرارة عاملاً مساعداً ومهماً لتنشيط هذه التفاعلات وزيادة سرعتها ؟ ولقد حسبت معدلات الاستقلاب في حال الحمى، ووجد أن هذه التفاعلات تزداد 10% كلما ارتفعت درجة حرارة الجسم درجة مئوية واحدة عن الطبيعي.(15)
    ثانياً: قد علمنا أن الجسم يتعرض في حال المرض أو الجرح لغزو ميكروبي تشكل البكتيريا النسبة العظمى منه، وتنقسم البكتيريا وتتزايد في أنسجة العضو المصاب مستغلة الهبوط الاضطراري والمؤقت في جهاز المناعة والذي يحدث في أول المرض وتقوم البكتيريا بإفراز السموم، وإذا وصلت إلى الدورة الدموية انتشرت في الجسم واستقرت في أماكن أخرى عديدة، وهي في كل الأحوال تنقسم وتتكاثر وقد تفرز سمومها- هذا التكاثر يبلغ أعلى مداه عند درجة حرارة أقل بقليل من حرارة جسم الإنسان (25-37م)- فإذا حدثت الحمى وارتفعت حرارة الجسم بسبب تفاعل الخلايا المناعية مع هذه البكتيريا فوصلت إلى 38، 39أو 40م مثلاً فإن هذه الحرارة العالية تعتبر عاملاً مدمراً ومحاصراً للبكتريا التي يقل معدل تكاثرها وانقسامها وتصاب أنشطتها بالخلل، وربما اضمحلت وماتت.
    ثالثاً: تحتاج أنسجة الجسم لأكبر قدر ممكن من جزيئات الأكسجين لإتمام تفاعلاتها في حال المرض ، هذا الأكسجين يصل إلى الأنسجة محمولاً على الهيموجلبين الموجود في كريات الدم الحمراء، ولايفارق الأكسجين الهيموجلبين إلا عند ضغط غازي معين وظروف أخرى، وارتفاع الحرارة يعدل من معدل افتراق الأكسجين عن الهيموجلبين بحيث يتركه إلى الأنسجة عند الضغط أقل وبنسبة أكبر.
    إلا أننا لا نستطيع القول بأن جميع درجات الحمى مفيدة، ذلك أن خلايا المخ تتأثر بدرجات الحرارة العالية (أكثر من 40م) وتتعطل وظائفها عند أكثر من 42م، وتستحيل حياة الجسم البشري عند درجة أعلى من 44 درجة مئوية.
    الإعجاز العلمي الوارد في حديث السهر والحمى:
    " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه البخاري ومسلم.
    قد شرحنا في أول البحث أوجه الإعجاز التي أثبتها العلم لهذا الحديث الشريف الذي جمع أبواباً واسعة من علم وظائف الأعضاء وأشار في دقة متناهية إلى ظاهرة الشكوى والتداعي والآن نلقي الضوء على جانب الإعجاز في ذكر ظاهرة السهر والحمى:
    لو تأملنا قوله صلى الله عليه وسلم " تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " لفهمنا- من الحديث فقط- أن التداعي إنما يحدث بواسطة حدوث السهر والحمى كما يبينه استخدام حرف الجر "ب" فالسهر والحمى هما الوسيلتان اللتان يحدث بهما التداعي ، وأن السهر يحدث قبل الحمى وإن كانت الحمى تتبعه فوراً وبمصاحبته كما يبينه استخدام حرف العطف "و" وكما يقال : جاء محمد وعلي.
    فمن هذه الصياغة اللغوية نفهم أن حدوث التداعي، بالسهر والحمى يأتي بدون السهر بصورة متلازمة ومتزامنة وأن كلاً منهما لا ينفك عن الآخر ولا يحدث وحده، فالتداعي لا يكون بدون السهر ولا حمى.
    وهذا ما أوضحناه علمياً وما أكده وأثبته أهل العلوم الطبية من دون سابق علم لهم أو اطلاع على الحديث الذي قاله محمد صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة.
    ولربما تسائل إنسان: ألم يكن معلوماً من قديم ومما هو مشاهد في كل حين أن المرض يسبب السهر والحمى؟
    والإجابة: نـــعـم!
    كل الناس من قديم كانوا يعرفون أنه إذا أصُيب عضو، أصيب سائر الجسد بالحمى، نعم هذا معروف ، والسهر كان أيضا معروفاً في بعض الأحوال، وإن كان الظاهر في أحوال أخرى أن المريض يرقد وينام أحياناً حتى يتماثل للشفاء.
    ولكن الحديث يخبر بحدوث شكوى للعضو المصاب على الحقيقة لا على المجاز.
    وبحدوث السهر أولاً أيضاً على الحقيقة وبكل ما يحمله معنى السهر الحقيقي سهر الجسد كله كما ورد في النص " تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
    والحمى تأتي مع السهر وبعد أن يبدأ السهر، والسهر يحدث حتى ولو كان المريض نائماً، حتى ولو كان في غيبوبة؟! هذا ما نفهمه من ظاهر الحديث.
    والجسم يتداعى والتداعي يحدث بمجرد الشكوى فإن لم توجد شكوى لم يوجد تداع " إذا اشتكى... تداعى "
    والتداعي لغة يعني:
    1- دعى بعضه بعضاً من الدعوة أي النداء.
    2- ويعني: تجمع وأقبل من جهات شتى كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم " يوشك أن تتداعى عليكم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها" .
    3- ويعني: تهدم وانهار وهزل- يقال : تداعت الحيطان للخرب- أي تهدمت، وتداعت أبل فلان أي اشتد هزالها (10)0
    4- ويعني: استعد وتجهز يقال تداعوا للحرب أي اعتدوا.
    فالتداعي بمعنى دعا بعضه بعضاً يصف حقيقة ما يحدث في أول المرض أو الإصابة، والتداعي بمعنى التجمع والمسارعة هو: حقيقة ما يحدث من جميع أجهزة الجسم من توجه بكل أنشطتها وعملياتها الحيوية لخدمة العضو المصاب ومساعدته، وما يحدث في النظام المناعي لا يمكن إلا أن نسميه تداعياً، فإن خلية بلعمية واحدة تقوم بدعوة كل خلايا الجهاز المناعي الأخرى بمجرد مقابلتها لجسم غريب بل وتدعوها إلى التكاثر والانقسام وتصنيع الأجسام المضادة.
    والتداعي بمعنى التهدم والانهيار يصف فعلاً ما يحدث في سائر أجهزة الجسم، فهي تقوم بهدم بروتيناتها ومخزونها من المواد الدهنية والنشوية- بل وحتى بنيتها الأساسية- لكي تعطي العضو المصاب ما يحتاج إليه من طاقة ومواد يحتاجها لمواجهة المرض الحادث له، ولقد ثبت ذلك علمياً بتناقص وزن المريض وهزاله على الرغم من استمرار التئام العضو المصاب، ويستمر ذلك إلى أن يتم الشفاء، وبعدها يبدأ بناء ما تهدم من سائر أعضاء الجسد فيما يعرف بطور إعادة البناء (Anabolic Phase) بل إن طور الهدم والتداعي لابد من حدوثه حتى ولو قمنا بإعطاء المريض ما يحتاجه من عناصر غذائية سهلة الهضم أو مهضمومة، وسواء اعطيناه بالفم أو بالحقن بالوريدان وكل ما استطاعه الأطباء هو التقليل من حدة الهدم وشدته حتى لا يدخل المريض في حالة فرط الانهدام، والتي قد تصل إلى أنهيار في جميع وظائف الجسم والوفاة، وهذا التداعي يتحقق في السهر والحمى، والسهر لا يعني يقظة العين والذهن فحسب ، ولكن يقظة جميع أجهزة الجسم وأعضائه وعملياته الحيوية حتى إنها لتكون في حالة نشاط دائم وسهر مستمر، والسهر بمعناه الوظيفي يعني نشاط الأعضاء في وقت المفترض فيه أنها تنام، وهذا هو عين ما يحدث في حال المرض والجراحة بصورة مستديمة طوال ساعات الليل والنهار، حتى لو أغمضت العينان وشرد الذهن أو نام إلا أن الجسم لا يكون أبداً في حالة نوم حقيقي لأن جميع أجهزته وعملياته الحيوية تكون في نشاطها الذي كانت عليه حال اليقظة فلا يحدث لها الخمول والتباطوء الذي يحدث أثناء النوم في حال الصحة والعافية.
    والسهر موجود بمعناه، حتى لو نامت عين المريض أو تاه عن وعيه فإن جميع أجهزة الجسم ودوراته الدموية وتفاعلاته الاستقلابية، وجهازه التنفسي، والكلى والقلب تكون في حالة السهر الدائم أثناء المرض، ونعني بذلك أنها تكون في حالة نشاط مساوية لحالة اليقظة ومستمرة عليها طوال الليل والنهار إلى أن تزول شكوى العضو المريض.
    والحمى تحدث وقد رأينا في الجانب العلمي من البحث منشأها وانبعاثها وبعض فوائدها وأنها صورة من صور تداعي الجسم لشكوى المريض (بالسهر والحمي). وتأمل الدقة العلمية في الحديث بترتيب "السهر والحمى" لأن السهر يحدث أولاً وتتبعه الحمى هذا ما كشف عنه العلم الحديث.
    ولم يكتشف العلم الحديث حقيقة واحدة تعارض ظاهر النص أو باطنه أو تسير في نسق بعيد عنه، بل كان النص وصفاً دقيقاً جامعاً شاملاً في حقيقة ما يحدث، بل أن ما قد يفهمه الجاهل لحقيقة الأمر مجازاً أو كناية، وضحه العلم الحديث على أنه حقيقة واقعة لا تحتاج إلى تأويل.
    وفي الحديث إعجاز فقهي:
    فهو يخبرنا بالكيفية التي ينبغي أن يكون عليها المسلمون في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم فمن أراد أن يفقه إلى أي مدى يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يتوادوا ويتعاطفوا ويتراحموا فعليه أن يسأل علماء الطب والجسم البشري وأن يبحث وينظر كيف يفعل الجسد الواحد، وكيف يعتريه السهر والحمى والتداعي، وبمقدار ما يعلم من حقيقية تفاعل الجسم البشري ويتأمل فيها بمقدار ما يفقه مقصد الشريعة وأمرها ومقدار التعاطف والتراحم المطلوب من المؤمنين، وصدق الله تعالى إذ يقول: " وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ". ( الذاريات:21)
    ومن العجيب الآن يستخدم العلماء الغربيون للجهاز العصبي الذي يتفاعل في حال تعرض الجسم للخطر والمرض اسما بلغتهم وصفوا به حقيقة ما يفعله هذا النظام والجهاز وهو (Sympathetic) ترجمته الحرفية المتراحم المتواد المتعاطف، وهو عين ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث " تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم ".
    فسبحان الله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وأيده صلى الله عليه وسلم بالآيات البينات وجوامع الكلمات والعلم المعجز إلى قيام الساعة.
    (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً). النساء:113

    إن أحوال الأمة المسلمة تدمي القلوب وفجيعة المسلمين في أنفسهم عظيمة، والمسلمون في البوسنة والهرسك والقدس وفلسطين وغزة والشيشان وكشمير وبلاد كثيرة يجأرون إلى الله بالشكوى من تخلي المسلمين عن نجدتهم وإنقاذهم من مذابح النصارى الصليبيين واليهود الحاقدين والمشركين الظالمين، وأصبح الجسد الذي كان جسدا واحداً في خدمة أعضائه- اصبح في خدمة أعدائه- وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.










  3. #93
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    جزاك الله خيراً أبوضاري
    لنشر هذه المعلومات القيمة
    ونفع الله بما تحمله من علوم ومعارف العباد
    يعطيك العافية ..
    دمت بحفظ الرحمن



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  4. #94
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    بارك الله فيك اختنا الفاضله شمس المضايف










  5. #95
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
    كان رجلا شديد القلق، كثير التوتر، سحائب الهمّ قد غطت وجهه،
    رياح الكآبة قد رسمت صوراً بالغة القبح والدمامة على محياه!.
    عدم التوفيق يرافقه أينما حَلّ وارتحل، والخسائر المالية خِلٌّ وفيٌّ له!.
    صباحه ليل.. وليله نهار أسير لهواه وعون عند شيطانه!.


    لا عجب فصاحبنا لا يصلي!!

    الصلاة تراح بها النفوس المتعبة.. بها تعود أسراب الأرواح المنهكة إلى أعشاشها..
    يا لهفة المشتاق، ويا رحمة البائس الكئيب، ويا قبلة اليائس المهموم..
    الصلاة شفاء القلوب التي نالت منها متاعب الحياة.. الصلاة دواء لمرضى النفوس والأجساد!.

    إذا مرضنا تداوينا بالذكر
    ونترك الذكر أحيانا فننتكس

    قلوب جائعة لا تشبعها إلا الصلاة!، ونفوس عطشى لا ترويها إلا الصلاة،
    وأرواح حائرة لا يهديها للخير إلا الصلاة..
    أرحنا بالصلاة يا داعي الخير لا قطع الله لك صوتا!.
    كثير منا يحتاج إلى مراجعة أحواله وإعادة ترتيب سلم القيم لديه ومحاولة بناء ذاته من جديد!.


    وكيف تحلو الحياة وتستقيم الأحوال بلا صلاة؟
    فهل سمعتم بتارك للصلاة سعيد؟!
    وهل يجني من الشوك العنب
    وهل للشخص قيمة وهو لا يصلي؟!
    بل هل يؤمَن جانبه؟
    إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا..
    وأنت أخي المؤمن المصلي..
    هل جربت أن تلزم مصلاك بعد كل فريضة مدة خمس دقائق؟
    (ألا يكفي الساعات الطوال التي نقضيها فيما لا يفيد)..

    خمس دقائق بعد كل صلاة تناجي فيها ربك وترتقي بروحك بحديث خافت ذليل إلى العزيز الجبار تدعوه وتستغفره.

    حديث الروح للأرواح يسري.. وتدركه القلوب بلا عناء
    هتفت به وطار بلا جناح.. وشق أنينه صدر السماء

    خمس دقائق تملأ كيانك أنسا بالله، وتضفي على حياتك أجواء من السكينة والسعادة التي لا مثيل لها..
    ستحضر لك الدنيا بأسرها في حلل الربيع و سيبدو الكون بمن فيه في عرس بهيج.
    ولو داومنا جميعا على تلك العادة الجميلة لخرجنا بفيض عظيم من المشاعر المحلقة الدافعة لكل خير والمحفزة لكل فضيلة..
    في تلك اللحظات الجميلة سنصغي إلى ما حولنا ويقينا سنسمع الكثير من الأصوات المسبحة المهللة،
    وآيات عظاما لن نستجلي مكنوناتها إلا بالإصغاء التام لهمساتها

    {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}
    لا تنسى ذكر الله





    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #96
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    شام


    بارك الله فيك










  7. #97
    مشرف مضيف الطب و الطب البديل الصورة الرمزية صلفيق


    تاريخ التسجيل
    05 2004
    الدولة
    السعودي
    المشاركات
    10,405
    المشاركات
    10,405




    If you can't say anything nice,

    don't say anything at all

  8. #98
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    ابو ضاري
    د.صلفيق
    جزاكما الله خيراً و حفظكما
    شكراً للتشجيع و المتابعة
    احترامي وتقديري



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  9. #99
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [align=CENTER][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]

    سبعة وسبعة وشتان مابين الاثنان
    [/align][align=center]


    عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه]


    اللهم اجعلنا ممن تظلهم بظلك يوم لاظل إلا ظلك ..........اللهم آمين


    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصِنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ]



    حمانا الله وإياكم منها , ومن كل معصية صغيرة وكبيرة.
    [/align][/cell][/table1][/align]
    [align=CENTER][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]
    [/align][/cell][/table1][/align]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #100
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
    فائدة مهمّة لآية الكرسي .. ذكرها الإمام محمد بن صالح العثيمين
    قال تعالى :

    ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255)

    قال الإمام محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في فوائد هذه الآية العظيمة ما نصّه :

    الفوائد:

    1 - من فوائد الآية: إثبات هذه الأسماء الخمسة؛ وهي { الله }؛ { الحي }؛ { القيوم }؛ { العلي }؛ { العظيم }؛ وما تضمنته من الصفات.

    2 - ومنها: إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية في قوله تعالى: { لا إله إلا هو }.

    3 - ومنها: إبطال طريق المشركين الذين أشركوا بالله، وجعلوا معه آلهة.

    4 - ومنها: إثبات صفة الحياة لله عز وجل؛ وهي حياة كاملة: لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا توصف بنقص، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} [الحديد: 3] ، وقال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58] ، وقال تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 27] .

    5 - ومنها: إثبات القيومية لله عز وجل؛ لقوله تعالى: { القيوم }؛ وهذا الوصف لا يكون لمخلوق؛ لأنه ما من مخلوق إلا وهو محتاج إلى غيره: فنحن محتاجون إلى العمال، والعمال محتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى النساء، والنساء محتاجة إلينا؛ ونحن محتاجون إلى الأولاد، والأولاد يحتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى المال، والمال محتاج إلينا من جهة حفظه، وتنميته؛ والكل محتاج إلى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر: 15] ؛ وما من أحد يكون قائماً على غيره في جميع الأحوال؛ بل في دائرة ضيقة؛ ولهذا قال الله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} [الرعد: 33] ؛ يعني الله؛ فلا أحد سواه قائم على كل نفس بما كسبت.

    6 - ومن فوائد الآية: أن الله تعالى غني عما سواه؛ وأن كل شيء مفتقر إليه تعالى؛ فإن قلت: كيف تجمع بين هذا، وبين قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7] ، وقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40] ؛ فأثبت أنه يُنصر؟

    فالجواب: أن المراد بنصره تعالى نصر دينه.

    7 - ومنها: تضمن الآية لاسم الله الأعظم الثابت في قوله تعالى: { الحي القيوم }؛ وقد ذكر هذان الاسمان الكريمان في ثلاثة مواضع من القرآن: في «البقرة»؛ و«آل عمران»؛ و«طه»؛ في «البقرة»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] ؛ وفي «آل عمران»: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم }؛ وفي «طه»: {وعنت الوجوه للحي القيوم} [طه: 111] ؛ قال أهل العلم: وإنما كان الاسم الأعظم في اجتماع هذين الاسمين؛ لأنهما تضمنا جميع الأسماء الحسنى؛ فصفة الكمال في { الحي }؛ وصفة الإحسان، والسلطان في { القيوم }.

    8 - ومن فوائد الآية: امتناع السِّنَة والنوم لله عز وجل؛ وذلك لكمال حياته، وقيوميته، بحيث لا يعتريهما أدنى نقص؛ لقوله تعالى: { لا تأخذه سنة ولا نوم }؛ وهذه من الصفات المنفية؛ والإيمان بالصفات المنفية يتضمن شيئين؛ أحدهما: الإيمان بانتفاء الصفة المذكورة؛ والثاني: إثبات كمال ضدها؛ لأن الكمال قد يطلق باعتبار الأغلب الأكثر، وإن كان يرد عليه النقص من بعض الوجوه؛ لكن إذا نفي النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق لا يرد عليه نقصٌ أبداً بوجه من الوجوه؛ مثال ذلك: إذا قيل: «فلان كريم» فقد يراد به أنه كريم في الأغلب الأكثر؛ فإذا قيل: «فلان كريم لا يبخل» عُلم أن المراد كمال كرمه، بحيث لا يحصل منه بخل؛ وهنا النفي حصل بقوله تعالى: { لا تأخذه سنة ولا نوم }؛ فدل على كمال حياته، وقيوميته.

    9 - ومن فوائد الآية: إثبات الصفات المنفية؛ لقوله تعالى: { لا تأخذه سنة ولا نوم }، وقوله تعالى: { ولا يؤوده حفظهما }؛ و«الصفات المنفية» ما نفاه الله عن نفسه؛ وهي متضمنة لثبوت كمال ضدها.

    10 - ومنها: عموم ملك الله؛ لقوله تعالى: { له ما في السموات وما في الأرض }.

    ويتفرع على كون الملك لله ألا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه.

    11 - ومنها: أن الحكم الشرعي بين الناس، والفصل بينهم يجب أن يكون مستنداً على حكم الله؛ وأن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين، والقوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل؛ لأن الملك لله عز وجل.

    12 - ومنها: تسلية الإنسان على المصائب، ورضاه بقضاء الله عز وجل، وقدره؛ لأنه متى علم أن الملك لله وحده رضي بقضائه، وسلّم؛ ولهذا كان في تعزية النبي صلى الله عليه وسلم لابنته أنه قال: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»(124).

    13 - ومنها: عدم إعجاب الإنسان بما حصل بفعله؛ لأن هذا من الله؛ والملك له.

    14 - ومنها: اختصاص الله تعالى بهذا الملك؛ يؤخذ من تقديم الخبر: { له ما في السموات }؛ لأن الخبر حقه التأخير؛ فإذا قُدِّم أفاد الحصر.

    15 - ومنها: إثبات أن السموات عدد؛ لقوله تعالى: { السموات }؛ وأما كونها سبعاً، أو أقل، أو أكثر، فمن دليل آخر.

    16 - ومنها: كمال سلطان الله لقوله تعالى: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }؛ وهذا غير عموم الملك؛ لكن إذا انضمت قوة السلطان إلى عموم الملك صار ذلك أكمل، وأعلى.

    17 - ومنها: إثبات الشفاعة بإذن الله؛ لقوله تعالى: { إلا بإذنه }؛ وإلا لما صح الاستثناء.

    18 - ومنها: إثبات الإذن - وهو الأمر -؛ لقوله تعالى: { إلا بإذنه }؛ وشروط إذن الله في الشفاعة: رضى الله عن الشافع؛ وعن المشفوع له؛ لقوله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} [النجم: 26] ، وقوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] .

    19 - ومنها: إثبات علم الله، وأنه عام في الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم }.

    20 - ومنها: الرد على القدرية الغلاة؛ لقوله تعالى: { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم }؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.

    21 - ومنها: الرد على الخوارج والمعتزلة في إثبات الشفاعة؛ لأن الخوارج، والمعتزلة ينكرون الشفاعة في أهل الكبائر؛ لأن مذهبهما أن فاعل الكبيرة مخلد في النار لا تنفع فيه الشفاعة.

    22 - ومنها: أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً؛ قال تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103] ، وقال تعالى: {ولا يحيطون به علماً} [طه: 110] .

    23 - ومنها: أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به؛ لقوله تعالى: { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } على أحد الوجهين في تفسيرها.

    24 - ومنها: تحريم تكييف صفات الله؛ لأن الله ما أعلمنا بكيفية صفاته؛ فإذا ادعينا علمه فقد قلنا على الله بلا علم.

    25 - ومنها: الرد على الممثلة؛ لأن ذلك قول على الله بلا علم؛ بل بما يعلم خلافه؛ لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] .

    26 - ومنها: إثبات مشيئة الله؛ لقوله: { إلا بما شاء }.

    27 - ومنها: عظم الكرسي؛ لقوله تعالى: { وسع كرسيه السموات والأرض }.

    28 - ومنها: عظمة خالق الكرسي؛ لأن عظم المخلوق يدل على عظمة الخالق.

    29 - ومنها: كفر من أنكر السموات، والأرض؛ لأنه يستلزم تكذيب خبر الله؛ أما الأرض فلا أظن أحداً ينكرها؛ لكن السماء أنكرها من أنكرها، وقالوا: ما فوقنا فضاء لا نهاية له، ولا حدود؛ وإنما هي سدوم، ونجوم، وما أشبه ذلك؛ وهذا لا شك أنه كفر بالله العظيم سواء اعتقده الإنسان بنفسه، ووهمه؛ أو صدَّق من قال به ممن يعظمهم إذا كان عالماً بما دل عليه الكتاب والسنّة.

    30 - ومنها: إثبات قوة الله؛ لقوله تعالى: { ولا يؤوده حفظهما }.

    31 - ومنها: أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض؛ لقوله تعالى: { ولا يؤوده حفظهما}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ فهي كقوله تعالى: {وما مسنا من لغوب} [ق~: 38] .

    32 - ومنها: إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: { ولا يؤوده حفظهما }؛ وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة.

    33 - ومنها: أن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: { ولا يؤوده حفظهما }؛ ولولا حفظ الله لفسدتا؛ لقوله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً} [فاطر: 41] .

    34 - ومنها: إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً؛ لقوله تعالى: { وهو العلي }؛ و{ العلي } صفة مشبهة تدل على الثبوت، والاستمرار؛ وعلوّ الله عند أهل السنة، والجماعة ينقسم إلى قسمين؛ الأول: علو الذات؛ بمعنى أنه سبحانه نفسه فوق كل شيء؛ وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة؛ وتفصيل هذه الأدلة في كتب العقائد؛ وخالفهم في ذلك طائفتان؛ الأولى: من قالوا: إنه نفسه في كل مكان في السماء، والأرض؛ وهؤلاء حلولية الجهمية، ومن وافقهم؛ وقولهم باطل بالكتاب، والسنّة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة؛ الطائفة الثانية: قالوا: إنه لا يوصف بعلوّ، ولا غيره؛ فهو ليس فوق العالم، ولا تحته، ولا عن يمين، ولا عن شمال، ولا متصل، ولا منفصل؛ وهذا قول يكفي تصوره في رده؛ لأنه يَؤول إلى القول بالعدم المحض؛ إذ ما من موجود إلا وهو فوق، أو تحت، أو عن يمين، أو شمال، أو متصل، أو منفصل؛ فالحمد لله الذي هدانا للحق؛ ونسأل الله أن يثبتنا عليه؛ والقسم الثاني: علو الصفة: وهو أنه كامل الصفات من كل وجه لا يساميه أحد في ذلك؛ وهذا متفق عليه بين فرق الأمة، وإن اختلفوا في تفسير الكمال.

    35 - ومن فوائد الآية: الرد على الحلولية، وعلى المعطلة النفاة؛ فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.

    36 - ومنها: التحذير من الطغيان على الغير؛ لقوله تعالى: { وهو العلي العظيم }؛ ولهذا قال الله في سورة النساء: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً} [النساء: 34] ؛ فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو الله عز وجل؛ وإذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة الله؛ وإذا كنت كبيراً في نفسك فاذكر كبرياء الله.

    37 - ومنها: إثبات العظمة لله؛ لقوله تعالى: { العظيم }.

    38 - ومنها: إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين؛ وهما العلوّ، والعظمة.


    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 10 من 15 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

     

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته