النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: ( خــــــــــــــــــــــــذوا ما آتيناكم بقوة )

  1. #1

    ( خــــــــــــــــــــــــذوا ما آتيناكم بقوة )



    الحمد لله الذي خلقنا لعبادته وشرع لنا دينه وشريعته وألزمنا بها وقَبل منا العذر في الخطأ والنسيان وما استُكْرهنا عليه .
    وأمر بأخذ الشرع بقوة ، فقال تعالى : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) ، والدّين قول فصل ، وليس بالهزل ، وكثير من الناس لا يأخذون أمور دينهم بجدٍّ وقوة ، ويعتذرون بأعذار واهية ، وهذه من صفات المنافقين الذين اتخذوا دينهم هزواً ولعباً ، وعند المعاتبة والنصيحة يعتذرون بأعذار هي في الحقيقة أقبح من الذنب الذي اعتذروا منه .
    إننا كثيرا ما نسمع من الأشخاص في مقام النّصح ومواقف المواجهة بمنكراتهم ومعاصيهم أقوالا عجيبة من أمثال ما يلي :
    لماذا لا تُقلع عن المعاصي
    - الوقت صعب ، كل الناس هكذا
    ما جاءت الهداية بعد
    المزحة التي قلتها خطيرة وفيها استهزاء بالدين
    - نيتي سليمة ، قصدي مجرّد الفرفشة
    كيف تعمل في هذا العمل المحرّم
    ما وجدت غيره تريدني أن أموت من الجوع
    كيف تصافح امرأة أجنبية عنك
    - قلبي نظيف
    لماذا لا توقظ الولد لصلاة الفجر
    - حرام ما أخذ كفايته من النوم ، لديه مدرسة
    ابنتك تخطّت العشر وتلبس القصير لماذا لا تأمُرْها بالحجاب
    - لا زالت صغيرة ، إذا بلغت أمرناها بالحجاب
    التزمي بالحجاب الشرعي
    - شكلي غير مقبول ، ماذا يقول عني الناس ، الغطاء يكتم النّفس
    اتقي الله ولا تلبسي العباءة الملوّنة والمنقوشة
    - هذا الموجود في السوق
    كيف تُدخل أجهزة اللهو المحرمة إلى بيتك
    - غلبنا النساء وضغط علينا الأولاد
    لماذا لا تُصلي في المسجد
    - صوت الإمام لا يُشجّع ، الروائح فظيعة
    لماذا تحلق لحيتك يا أخي
    شكلها ما هو مرّة ، ما تطلع كاملة ، فيها حبوب .
    وهكذا تتوالى أعذارهم في الكبائر والصغائر في عملية هروب فاشلة من تأنيب الضّمير ونُصح المخلصين ، وللوقوف على حكم وحقيقة هذه الظّاهرة الخطيرة نعود إلى كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم .
    ذكْر بعض ما قصّه الله في كتابه من أخبار أهل الأعذار الباطلة
    لقد ذكر الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز أمثلة من الأعذار الواهية وكان كثير منها من نصيب المنافقين كأعذارهم في التخلّف عن الواجبات وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله فمن ذلك .
    أولا :
    قال تعالى : ( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(94) التوبة
    قال ابن كثير رحمه الله : أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم " قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم " أي لن نصدقكم " قد نبأنا الله من أخباركم " أي قد أعلمنا الله أحوالكم " وسيرى الله عملكم ورسوله " أي سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا " ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " أي فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرها ويجزيكم عليها .
    ويوضّح كعب بن مالك رضي الله عنه ما حدث فيما قصّه من خبر تخلّفه عن غزوة تبوك فقال :
    فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً ( أي بلغه رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك ) حَضَرَنِي هَمِّي وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ فَقُلْتُ بَلَى إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ قَالُوا نَعَمْ رَجُلانِ قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُمَا قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي رواه البخاري ( 4066 )
    فَلَمَّا ذُكِرَ الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ ذُكِرُوا بِشَرِّ مَا ذُكِرَ بِهِ أَحَدٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ الآيَةَ رواه البخاري ( 4309 )
    ثانيا :
    قال تعالى : ( وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا(13) الأحزاب
    فهذا عذر المنافقين حين أرادوا التخلف عن غزوة الأحزاب والعودة إلى الديار بحجة أنها غير محصّنة ، وكان عذرهم غير مقبول فهم لا يريدون حفظ الديار وإنما في الحقيقة يريدون الفرار ، قال تعالى : ( وما هي بعورة أن يريدون إلا فراراً ) .
    "ويستأذن فريق منهم النبي" ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : قالوا بيوتنا نخاف عليها السُرّاق وكذا قال غير واحد .. اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عورة أي ليس دونها ما يحجبها من العدو فهم يخشون عليها منهم قال الله تعالى "وما هي بعورة " أي ليست كما يزعمون " إن يريدون إلا فرارا " أي هربا من الزحف . تفسير ابن كثير
    ثالثا
    قال تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ(49) التوبة
    قال ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى: ومن المنافقين من يقول لك يا محمد ائذن لي في القعود ولا تفتني بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم قال الله تعالى : ( ألا في الفتنة سقطوا ) أي قد سقطوا في الفتنة بقولهم هذا كما قال محمد بن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان و عبد الله بن أبي بكر وعاصم بن قتادة وغيرهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وهو في جهازه للجد بن قيس أخي بني سلمة هل لك يا جدُّ العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرفت قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد أذنت لك ففي الجدِّ بن قيس نزلت هذه ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني الآية ) أي إن كان إنما يخشى من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه أعظم .. وقوله تعالى "وإن جهنم لمحيطة بالكافرين" أي لا محيد لهم عنها ولا محيص ولا مهرب .
    رابعا
    وقال تعالى عن أعذار المنافقين أيضا : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) التوبة
    قال ابن القيم رحمه الله :
    المستهزئ والهازل يلزمه الطلاق والكفر وإن كان هازلا لأنه قاصد للتكلم باللفظ ، وهزله لا يكون عذرا له بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور مأمور بما يقوله أو مأذون له فيه ، والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود ، فهو متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل ، والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا بل صاحبه أحق بالعقوبة ، ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تكلُّمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ولم يعذر الهازل بل قال : " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " .
    إعلام الموقّعين 3/63
    ونحن نقول لكل زنديق ومنافق يروّج الكُفْر ويصرّح به في رواية قصصية أو مقالة صحفيّة أو أبيات أغنية ثمّ يعتذر بأنّه لا يقصد إهانة الشّعائر الدّينية أو المقدّسات الإسلامية أو شخصية النبي صلى الله عليه وسلم : نقول لهؤلاء لمنافقين في كل عصر ومكان : ( لا تعتذروا لن نؤمن لكم ) ، ونقول تربّصوا حتى يأتي اليوم الذي يُقال لكم فيه : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) سورة التحريم
    خامسا
    ومن الاعتذارات السخيفة أيضا - التي قصّها الله علينا في كتابه ما وقع لبني إسرائيل مع نبيهم موسى عليه السلام وهو يقودهم إلى فتح بيت المقدس .
    قال ابن القيم رحمه الله عن هؤلاء اليهود : ومن تلاعبه بهم أن الله سبحانه أنجاهم من فرعون وسلطانه وظلمه وفرق بهم البحر وأراهم الآيات والعجائب ونصرهم وآواهم وأعزهم وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين .
    ثم أمرهم أن يدخلوا القرية التي كتب الله لهم وفي ضمن هذا بشارتهم بأنهم منصورون ومفتوح لهم وأن تلك القرية لهم ، فأبوا طاعته وامتثال أمره وقابلوا هذا الأمر والبشارة بقولهم : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون .
    وتأمل : تلطف نبي الله تعالى موسى عليه السلام بهم وحسن خطابه لهم وتذكيرهم بنعم الله عليهم وبشارتهم بوعد الله لهم : بأن القرية مكتوبة لهم ونهيهم عن معصيته بارتدادهم على أدبارهم وأنهم إن عصوا أمره ولم يمتثلوا : انقلبوا خاسرين ، فجمع لهم بين الأمر والنهي والبشارة والنذارة والترغيب والترهيب والتذكير بالنعم السالفة فقابلوه أقبح المقابلة فعارضوا أمر الله تعالى بقولهم : " يا موسى إن فيها قوما جبارين " فلم يوقّروا رسول الله وكليمه حتى نادوه باسمه ولم يقولوا : يا نبي الله وقالوا : إن فيها قوما جبارين ونسوا قدرة جبار السموات والأرض الذي يُذلّ الجبابرة لأهل طاعته ، وكان خوفهم من أولئك الجبارين الذين نواصيهم بيد الله أعظم من خوفهم من الجبار الأعلى سبحانه وكانوا أشد رهبة في صدورهم منه .
    ثم صرحوا بالمعصية والامتناع من الطاعة فقالوا : " إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فأكدوا معصيتهم بأنواع من التأكيد
    أحدها : تمهيد عذر العصيان بقولهم : " إن فيها قوما جبارين " .
    والثاني : تصريحهم بأنهم غير مطيعين وصدروا الجملة بحرف التأكيد وهو " إنّ " ثم حققوا النفي بأداة " لن " الدالة على نفي المستقبل أي لا ندخلها الآن ولا في المستقبل .
    ثم علقوا دخولها بشرط خروج الجبارين منها ، " فقال لهم رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما " بطاعته والانقياد إلى أمره من الذين يخافون الله ، هذا قول الأكثرين وهو الصحيح .. " ادخلوا عليهم الباب " أي باب القرية فاهجموا عليهم فإنهم قد ملئوا منكم رعبا ، " فإذا دخلتموه فإنكم غالبون " ، ثم أرشداهم إلى ما يحقق النصر والغلبة لهم وهو التوكل ، فكان جواب القوم أن قالوا : " يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " فسبحان من عَظُم حلمه حيث يقابَل أمره بمثل هذه المقابلة ويواجَه رسوله بمثل هذا الخطاب وهو يحلم عنهم ولا يعاجلهم بالعقوبة بل وسِعَهم حلمه وكرمه وكان أقصى ما عاقبهم به : أن رددهم في برية التيه أربعين عاما يظلّل عليهم الغمام من الحرّ وينزل عليهم المن والسلوى .
    إغاثة اللهفان 2/313

    وبعد هذه الجولة في الآيات التي ذكر الله فيها الأعذار الباطلة والردّ عليها نعود إلى أنفسنا ونتفكّر في الواجب علينا والمطلوب منّا وفي تقصيرنا وفي أعذارنا التي تحيك في صدورنا أو نُبديها لغيرنا .
    نحن المسلمين قد أنزل الله علينا كتابه وألزمنا بطاعته واتّباع أمره لا عذر لنا في ترك التخلف عن الشريعة ولا خيار لنا في الأمر
    ولنتذكّر مقولة سعد بن الرّبيع لزيد بن ثابت وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة : قل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف ، وفاضت نفسه من وقته رضي الله عنه وأرضاه .
    أعذار الناس في عدم التمسك بالدين
    كثيرة هي تلك العبارات التي يُطلقها الكثيرون في تبرير تخلّفهم عن طاعة أمر الله ورسوله : الأحكام ثقيلة ، الوقت صعب ، ما جاءت الهداية بعد .. وغير ذلك من الأمثلة التي وردت في المقدّمة ومما يقولونه أيضا : نخشى النّاس !!
    يخشون الناس والله أحقّ أن يخشوه ، أليس هو الذي قال لنا : ( فلا تخشوهم واخشوني ) ، ( فلا تخشوا الناس واخشون ) المائدة 3 ، 44 أليس من الشّرك أن يخشى الإنسان الناس كخشية الله أو أشدّ خشية .
    كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلا تُكْثِرِي عَلَيَّ فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ سَلامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ .. رواه الترمذي 2414
    وأعذار النّاس في التخلّف عن تنفيذ أوامر الله ورسوله كثيرة سخيفة تدور على البحث عن مبرّرات لتبرئة النّفس وتسويغ ما يفعلون بالضّغوط والتأويلات الفاسدة ، قال ابن القيم رحمه الله في تفنيد هذا :
    لا عذر لأحد ألبته في معصية الله ومخالفة أمره مع علمه بذلك وتمكّنه من الفعل والترك ولو كان له عذر لما استحق العقوبة واللوم لا في الدنيا ولا في العقبى .
    مدارج السالكين 1/189
    فنفسك لُمْ ولا تَلُم المطايا * ومُت كمدا فليس لك اعتذار
    وبعض الناس يعتذر بالشيطان
    وبعضهم يعتذر بالقضاء والقدر
    وهذا من أقبح العذر
    " والله تعالى أضاف تزيين الدنيا والمعاصي إلى الشياطين كما قال تعالى : ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) وقال : ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم )
    ولا يناقض هذا قوله تعالى : ( كذلك زينا لكل أمة عملهم ) فإن إضافة التزيين إليه قضاء وقدرا وإلى الشيطان تسببا ، مع أن تزيينه تعالى عقوبة لهم على ركونهم إلى ما زيّنه الشيطان لهم فمن عقوبة السيئة السيئة بعدها ومن ثواب الحسنة الحسنة بعدها
    والمقصود أن الاحتجاج بالقدر مناف للتوبة وليس هو من الاعتذار في شيء وفي بعض الآثار إن العبد إذا أذنب فقال : يا رب هذا قضاؤك وأنت قدّرت عليّ وأنت حكمت عليّ وأنت كتبت عليّ يقول الله عز وجل : وأنت عملت وأنت كسبت وأنت أردت واجتهدت وأنا أعاقبك عليه ، وإذا قال : يا رب أنا ظلمت وأنا أخطأت وأنا اعتديت وأنا فعلت ، يقول الله عز وجل وأنا قدرت عليك وقضيت وكتبت وأنا أغفر لك ، وإذا عمل حسنة فقال يا رب أنا عملتها وأنا تصدقت وأنا صليت وأنا أطعمت يقول الله عز وجل وأنا أعنتك وأنا وفقتك ، وإذا قال يا رب : أنت أعنتني ووفقتني وأنت مننت علي ، يقول الله : وأنت عملتها وأنت أردتها وأنت كسبتها .
    فالاعتذار اعتذاران : اعتذار ينافي الاعتراف فذلك مناف للتوبة واعتذار يقرر الاعتراف فذلك من تمام التوبة
    مدارج السالكين 1/184
    وبعض الناس قد يكون لديهم شيء من عذر لكنه خفيف لا ينفعهم إذا أرادوا أن يحتجّوا به عند الله ، فإذا أردت تتبيّن حقيقة العذر فاسأل نفسك هل هذا ينفعني عند الله ؟ واحذر من " يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " .
    وكلّ واحد أعلم بنفسه وصدق عُذره من زيفه ، ويوم القيامة ستتضّح الأمور ، كما قال الله تعالى : ( بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15) سورة القيامة
    الأعذار المقبولة
    وعلى الجانب الآخر يوجد أناس صادقون علم الله أنّهم لم ينفّذوا بعض ما أمر لشيء غلب عليهم ولعذر قام بهم فمنعهم ، وهذه أمثلة :
    عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلاّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ . رواه البخاري 2627
    وقال تعالى : " وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(90) " التوبة
    قال ابن كثير رحمه الله : " بيّن تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة . قال الضحاك عن ابن عباس إنه كان يقرأ " وجاء المعذرون " بالتخفيف ويقول هم أهل العذر .. وهذا القول هو الأظهر في معنى الآية لأنه قال بعد هذا " وقعد الذين كذبوا الله ورسوله " .. أي : وقعد آخرون من الأعراب عن المجيء للاعتذار ثم أوعدهم بالعذاب الأليم فقال " سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ". تفسير ابن كثير
    وعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَلا " إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ " قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ .. رواه البخاري ( 4222 )
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعذر صاحب العذر الصحيح فعن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ أَكَلْتُ ثُومًا فَأَتَيْتُ مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُبِقْتُ بِرَكْعَةٍ فَلَمَّا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيحَ الثُّومِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلا يَقْرَبَنَّا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا أَوْ رِيحُهُ فَلَمَّا قُضِيَتْ الصَّلاةُ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنِّي يَدَكَ قَالَ فَأَدْخَلْتُ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصِي إِلَى صَدْرِي فَإِذَا أَنَا مَعْصُوبُ الصَّدْرِ قَالَ إِنَّ لَكَ عُذْرًا رواه أبو داود ( 3330 ) وصححه الألباني رحمه الله صحيح أبي داود 2/726
    ( كمِّ قميصي ) : الكم بالضم وتشديد الميم مدخل اليد ومخرجها من الثوب ( فإذا أنا معصوب الصدر ) : كان من عادتهم إذا جاع أحدهم أن يشد جوفه بعصابة , وربما جعل تحتها حجرا . عون المعبود : كتاب الأطعمة ونقله عن النهاية لابن الأثير .
    والأعذار لها أثر كبير في صحّة الأعمال وتطبيقات الأحكام ، وبعض النّصوص جاءت في أهل الأعذار وإذا لم تُربط بهم حصل انحراف في الفهم ، ومثال ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ . رواه الترمذي وقال حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ لِصَاحِبِ الْعُذْرِ مِثْلُ الرَّجُلِ الَّذِي يَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ أَوْ يَنْسَاهَا فَيَسْتَيْقِظُ وَيَذْكُرُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا رواه البخاري ( 545 ) والترمذي ( 171 ) واللفظ له .
    ومثال آخر على تأثير الأعذار في الأحكام مسألة :
    الأعذار المبيحة للتخلّف عن الجماعة
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي أَنْ يَجْمَعُوا حُزَمَ الْحَطَبِ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى أَقْوَامٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ رواه الترمذي ( 201 ) وصححه الألباني رحمه الله صحيح الترمذي 1/69
    قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلا صَلاةَ لَهُ ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ وَلا رُخْصَةَ لأَحَدٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ .
    فما هي الأعذار في التخلف عن صلاة الجماعة ؟
    الجواب : الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة متعددة ومنها :
    1- المرض :
    قال ابن المنذر رحمه الله : لا أعلم خلافاً بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض .
    وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر ، قالوا وما العذر يا رسول الله ؟ قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلّى . رواه أبو داود ( 464 ) وصححه الألباني رحمه الله دون جملة العذر صحيح أبي داود 1/110
    وعلى كل حال فإن المرض سبب شرعي تسقط أو تقضى فيه العبادة ، وفي البخاري أن رسول الله لما كان في مرض موته كان يأتيه بلال يؤْذِنه بالصلاة فكان يقول : مروا أبا بكر فليصل بالناس .
    ولكن ليس كل مرض يكون عذراً لترك الجمعة والجماعة ولكن المقصود به المرض المقعد ،
    قال الشيخ محمد الصالح العثيمين في الممتع 4/438-439 : والمرض المسقط للجمعة والجماعة هو الذي يلحق المريض منه مشقة لو ذهب يصلي .
    ودليل ذلك ما يلي :
    1- قوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .
    2- قوله تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .
    3- قوله تعالى : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) .
    العذر الثاني : المطر الشديد أو الريح الشديد :
    قال نافع أذّن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان ثم قال صلوا في رحالكم فأَخْبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذّن ثم يقول على إثره ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر. رواه البخاري ( 596 ) .
    وعن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا فقال ليصل من شاء منكم في رحله . رواه أحمد ( 13827 ) ومسلم ( 1127 ) وأبو داود ( 899 ) .
    وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لمؤذِّنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمد رسول الله فلا تقل حيّ على الصلاة ، قل : صلوا في بيوتكم ، قال فكأن الناس استنكروا ذلك ، فقال أتعجبون من ذا فقد فعل ذا من هو خير مني - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - إن الجمعة عزْمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض . متفق عليه البخاري ( 850 ) مسلم ( 1128 ) . وعند أبي عوانة من حديث ابن عمر : ليلة باردة أو ذات ريح .
    العذر الثالث : الخوف
    لحديث ابن عباس المتقدّم - إن صحّ - وفيه " العذر : الخوف أو مرض " .
    قال ابن قدامة في المغني ( 1/631 ) : -
    الخوف ثلاثة أنواع : خوف على النفس - خوف على المال - خوف على الأهل .
    1- فأما الخوف على النفس : - أن يخاف على نفسه سلطاناً يأخذه أو عدواً أو لصاً أو سَبْعاً أو نحو ذلك ، مما يؤذي نفسه .
    2- الخوف على المال : أن يخاف من سلطان أو لص وأشباههما أو يخاف أن يُسرق منزله أو يحترق أو شيء منه أو يكون له خبز في تنور أو طبيخ على النار ، ويخاف حريقه باشتغاله عنه ، أو يكون له بضاعة أو وديعة عند رجل ، وإن لم يدركه ذهب ، فهذا وأشباهه عذر في التخلف عن الجمعة والجماعة .
    3- الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا أو يكون ولده ضائعاً فيرجو وجوده في تلك الحال أو يكون له قريب مريض يحتاج إليه أو لابدّ أن يُراقب المريض .
    قال ابن المنذر : ثبت أن ابن عمر استُصرخ على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى فأتاه بالعقيق وترك الجمعة ، وهذا مذهب عطاء الحسن والأوزاعي والشافعي .
    العذر الرابع : حضور الطعام
    لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة ) رواه البخاري ( 633 ) .
    قال ابن قدامة في المغني ( 1/629 ) ما نصه :
    إذا حضر العشاء في وقت الصلاة فالمستحب أن يبدأ بالعشاء قبل الصلاة ليكون أفرغ للقلب وأحضر للبال ، وتعشّى ابن عمر وهو يسمع قراءة الإمام ..
    ثم قال - رحمه الله - :
    قال أصحابنا إنما يقدم العشاء على الجماعة إذا كانت نفسه تتوق إلى الطعام كثيراً ، ونحوه قال الشافعي . أ.هـ
    ولا يُقبل عذر من تعمّد الإتيان بالطّعام في وقت صلاة الجماعة لأنّها حيلة .
    العذر الخامس : - مدافعة الأخبثين ( البول - الغائط ) ، لحديث عائشة عند مسلم ( 869 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافع الأخبثين ) .
    قال ابن قدامة (المغني 1/630 ) يعني إذا كان حاقناً كرهت الصلاة حتى يقضي حاجته وسواء خاف فوت الجماعة أو لم يخف .
    والمعنى في ذلك : أن يقوم إلى الصلاة وبه ما يشغله عن خشوعها وحضور قلبه فيها ، فإن خالف وفعل صحت صلاته في هذه المسألة وفي التي قبلها .
    العذر السادس : عند غلبة النعاس
    قال الشيخ محمد ابن عثيمين ( الممتع 4/447 ) : إذا غلبه النعاس فإنه يعذر بترك الجمعة والجماعة ، مثال ذلك رجل متعب بسبب عمل أو سفر فأخذه النعاس فهو بين أمرين إما أن يذهب ويصلي مع الجماعة وهو في غلبة النعاس لا يدري ما يقول ، وإما أن ينام حتى يأخذ ما يزول به النعاس ثم يصلي براحة فنقول افعل الثاني لأنك معذور . انتهى
    وبعض الناس إذا توضأ ذهب نعاسه ونشط فهذا لا يترك الجماعة وإنما الحديث عن غلبة النّعاس المُطْبق .
    العذر السابع : الريح الباردة الشديدة في ليلة مظلمة : ولهذا العذر شروط :
    1- أن تكون الريح باردة برودة يشقّ معها الذّهاب .
    2- كونها شديدة لأن الريح الخفيفة لا مشقة فيها .
    العذر بالجهل
    الشريعة تعذر الجاهل كما تعذر الناسي أو أعظم وقد عَذَر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته بجهله بوجوب الطمأنينة فلم يأمره بإعادة ما مضى ، وعَذَر الحامل المستحاضة بجهلها بوجوب الصلاة والصوم عليها مع الاستحاضة ولم يأمرها بإعادة ما مضى ، وعذر عدي بن حاتم بأكله في رمضان حين تبين له الخيطان اللذان جعلهما تحت وسادته ولم يأمره بالإعادة ، وعذر أبا ذر بجهله بوجوب الصلاة إذا عدم الماء فأمره بالتيمم ولم يأمره بالإعادة ، وعذر الذين تمعكوا في التراب كتمعك الدابة لما سمعوا فرض التيمم ولم يأمرهم بالإعادة ، وعذر معاوية بن الحكم بكلامه في الصلاة عامدا لجهله بالتحريم ، وعذر أهل قباء بصلاتهم إلى بيت المقدس بعد نسخ استقباله بجهلهم بالناسخ ولم يأمرهم بالإعادة ، وعذر الصحابة والأئمة بعدهم من ارتكب محرما جاهلا بتحريمه فلم يحدّوه .
    إعلام الموقّعين 1/273
    وقد عذر الله سبحانه من اشتد به الفرح بوجود راحلته في الأرض المهلكة بعدما يأس منها فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك ولم يجعله بذلك كافرا لأنه أخطأ بهذا القول من شدة الفرح .
    شفاء العليل 1/138
    ولكن يجب أن نعلم هنا بأنّ الجاهل ليس معذورا دائما ، فمن قَدِر على التعلّم فلم يتعلّم أو قَدِر على السؤال والاستفتاء فتعمّد تركه فإنّه غير معذور .
    بعد هذا الاستعراض لمسألة الأعذار في حال العصاة والمنافقين رأيت إتماما للفائدة ذكْر طرف مما يعتذر به بعضٌ من أهل الخير عن المشاركة والحضور في أمور من المستحبّات بل وحتى الواجبات ومن ذلك
    مجال الدّعوة وطلب العلم
    يعتذر البعض عن حضور مجالس الخير ومنتديات الأخيار ودروسهم بأعذار مختلفة ومن ذلك :
    1- المذاكرة والواجبات المدرسية
    2- الملل
    3- عدم الارتياح للمشاركين
    4- السفر
    5- الخوف من الارتباط المستمر
    6- اعتبار هذه المجالس والأنشطة الخيرية مشابهة للدوام المدرسي
    7- تعارض موعد النشاط الخيري مع ما يحبه الشخص
    8- قلة البرامج الترفيهية
    9- وجود ملهيات في المنزل
    10- عدم تنوع البرامج داخل النشاط
    11- كثرة العدد داخل النشاط
    12- وجود طلاب جدد لا يعرفهم
    13- عدم إذن الوالدين للطالب بالخروج
    14- تلبية احتياجات الأهل
    15- لا يوجد من يرعى إخوانه الصغار
    16- الزيارات العائلية واللقاءات الأسرية .
    17- حضور الدّورات الداخلية والخارجية في الوظيفة والعمل
    18- الارتباط بدوام أو عمل إضافي
    19- عدم الرغبة في المبيت خارج البيت
    20- المرض
    21- الأعذار المبهمة كأن يقول عندي ظروف
    22- عدم توفّر وسائل النّقل أو المواصلات
    23- الحالات الطارئة
    24- عدم الاقتناع بالنشاط أو الدّرس
    25- الانشغال بالمدرّس الخصوصي
    26- النوم
    27- مشاهدة المباريات
    28- موعد مع صديق
    29- عدم الشعور بالفائدة من الدرس
    30- أصدقاء خارج النشاط لا يُريد تركهم
    31- مطالب الزوجة وأغراض الأبناء
    32- الزّعم بأنّ الدرس مكرر
    33- البرنامج الرياضي محدود ولا يكفي
    34- المسابقات قليلة والجوائز رخيصة
    35- عدم الرغبة والصّدود النّفسي
    وهذه الأعذار تتفاوت في قوّتها وضعفها ، ووهائها ووجاهتها ، فبينما توجد أعذار قوية مثل رقم 14 ، 20 و 22 فهناك أعذار واهية ومتهافتة كرقم 9 ، 27 و 32
    والمصيبة أنّ كثيرا من المتخلّفين والمتغيّبين لا يقْدرون ما فاتهم من الخير بتخلّفهم ولا يتصورون الأجر الذي فقدوه بتغيّبهم ولو عقلوا ذلك ما تغيّبوا ، بل اجتهدوا في معالجة أوضاعهم والسعي في إزالة الموانع والعوائق .
    والمعالجة تكون لكلّ بحسب عُذره :
    1- أما أصحاب الأعذار الواهية :
    فلا بدّ من مواجهتهم ونصحهم ومعاملتهم بحسب مستوى العذر فالبعض يقبل منه العذر مباشرة مع إشعاره بالفائدة التي ستضيع عليه . والبعض الآخر يُدقَّق معه لإفهامه بأنّ عذره ليس بقويّ وقد يكون مقابلته بالسكوت أحيانا عند إبداء عذره ردّا بليغا ، ومن المفيد المُزاوجة في المواجهة بين التصريح والتلميح .
    ولا بدّ أن يوعظ الكبار من أرباب الأعمال والموظّفين الذين يتغيبون ويتخلّفون عن الدروس والملتقيات الخيّرة الطيّبة لأجل حطام الدّنيا بأنّ ما عند الله خير وأبقى ويُنصحون بقوله عزّ وجلّ : ( بل تُؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) ، وأن تٌبيّن لهم خطورة الانشغال بالدنيا : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(14) آل عمران ، ( قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)
    وأن يُذكّروا بأنّ الانشغال بالأهل والأولاد عن تعلّم دين الله والدّعوة إليه خسارة وقد حذّر الله من ذلك بقوله : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(14) سورة التغابن
    ولنصارح بأدب ونقول لو أردتم الحضور لأعددتم له عدة وذلّلتم الصّعاب وأخذتم بالأسباب فاسألوا الله أن لا تكونوا ممن ثبّطهم وخذلهم وقيل لهم اقعدوا مع القاعدين .
    2- وأمّا أصحاب الأعذار الحقيقية :
    فلا بد من التعاون بين الدّعاة والمدعوين والمعلّمين والمتعلّمين في إزالة المعوّقات والتغلّب عليها وأن تُسلك السّبُل المختلفة لحلّ المشكلات ومن ذلك :
    1- تبيين خطورة الوقت وكيفية اغتنامه والاستفادة منه ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا .
    2- اعتماد خطّة التوفيق المستمر بين المصالح الشّرعية ما أمكن لأنّ الشريعة بُنيت على تحصيل المصالح والجمع بينها ما أمكن .
    3- مراعاة الأولويات وتقديم فرض العين على فرض الكفاية وفرض الكفاية على المستحبّ العام ثمّ معرفة فقه تفاضل الأعمال لتقديم ما هو أكثر فضلا وأجرا عند التّزاحم .
    4- إقناع الوالدين بأن النشاط الخيري لا يتعارض مع الدّراسة ويكون ذلك بالسعي العملي لتحقيق مستوى دراسي جيد .
    5- مساعدة الطالب في التغلّب على تقصيره الدراسي حتى يتسنى له حضور النشاط .
    6- محاولة تقديم أو تأخير بعض الارتباطات العائلية أو في المُقابل مواعيد الأنشطة الخيرية .
    7- التدخّل المباشر بالشّكل المناسب من المعلّم أو الداعية لدى والد الطالب ووليّ أمره ، والشّفاعة لديه بالسماح لابنه بالحضور .
    8- التنسيق الزمني والتوفيق بين الارتباطات العائلية والنّشاط الخيري كأخْذ الطالب بعد الارتباط أو إرجاعه قبل موعد الارتباط ، وما يُدرك بعضه لا يُترك كله .
    9- إقناع الطّالب بأن الوقت أغلى من أن يبدّد في اجتماعات لا فائدة منها وأن يُعوِّد من حوله على أهميّة الوقت لديه بحيث لا يُشغلونه فيما لا ينفع .
    10- بيان أن الحضور للنشاط فيه ترويح وإبعاد للملل بالإضافة إلى الفوائد والثّمار الإيمانية والعلمية .
    11- إجادة تحضير البرامج وشحنها بالدّروس المفيدة والمواعظ المؤثّرة بحيث يحسّ الحاضرون بفائدة حقيقية .
    12- استخدام أسلوب التشويق في برامج النشاط كعرض القصص والأمثال ومراعاة وجود جانب الإثارة المُباحة .
    13- الحرص على تنظيم الجدول بحيث يخفّف من الأعذار المتوقعة كتقليل أيام النشاط بجعلها ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع بدلا من أن تكون يومية .
    14- عدم التشديد بإيجاب ما لا يجب شرعا ، وقبول عذر المعذور .
    15- العمل على إزالة الحساسيات بين الأقران وإشاعة أجواء الألفة وتربية المجتمعين على الأخوّة الإيمانية وعظا وتطبيقا .
    16- اللجوء إلى الله تعالى والدعاء بالتيسير والتوفيق .
    اللهم إنا نعوذ بك أن نكون يوم القيامة ممن لا يُؤذن لهم فيعتذرون ، ونسألك الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد والغنيمة من كلّ برّ والسلامة من كلّ إثم والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا .


    كتبه
    محمد صالح المنجد




  2. #2
    خاطر توّه واصل الصورة الرمزية ولدالسيافا


    تاريخ التسجيل
    11 2005
    المشاركات
    50
    المشاركات
    50


    اللــــــــــــــــــــــــــــه يجزاك الف خير



    مقاس التوقيع 500 بيكسل عرض وطول200 كحد اقصى وكذلك حجم التوقيع لا يتجاوز50ك ب نرجوا من الجميع التقيد بذلك من اجل تصفح افضل

  3. #3


    شكرا لمرورك الكريم




  4. #4


    جزااااااااااااااااااااااااك الله خير




معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. هزة أرضية بقوة ٣.١ درجات تضرب حرة الشاقة
    بواسطة فهد الجنيدي في المنتدى المضيف الإعلامي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-06-2009, 11:40
  2. هزة أرضية بقوة خمس درجات تضرب جنوب لبنان
    بواسطة شام في المنتدى مضيف المشاركات المنقولة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 17-02-2008, 14:39
  3. هذى سامريه وانا داش بقوة هل من متحدى؟
    بواسطة عاشق السامرى في المنتدى الموروثات السمعية والمقروءة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 24-01-2007, 23:58

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته