View RSS Feed

رسائل من الأعماق

المعذبون في الأرض . .

Rate this Entry




أقسى ما سمعت به مسامعي من أحوال حياة غيري..

هو ذلك الموقف الذي كبّل لساني وأعجزه دون أن يتفوه بكلمةٍ أو حرفٍ في وقتها..

وأخذ حالتي بحالٍ غير الحال التي أعتدت عليها في حياتي..

موقف رأيت فيه موت الضمائر وانعدام الشيّم والقيّم وتحجر القلوب..

موقف رأيت فيه موت الإنسانية وذهابها عن أنفس أصحابها..

امرأة حكمت عليها ظروفها لتموت مع أطفالها..

دون أن تجد من يأخذ بيدها أو يمد لها يد المساعدة..

ماتت لأنها تبحث عن لقمة عيشها وما يكفي أطفالها

ولكنها لم تجد سبيلاً لذلك غير سبيلها لتحتضن أبنائها وترقد معهم للأبد..

ويكون هذا خيراً لهم من معاناتهم في هذه الحياة القاسية..

رحلت ولم تترك بجوارها غير أجساد أطفالها و ورقةٍ كتبت فيها كلمات لها..

علها تجد في نفس قارئها الأثر الذي يأخذ بنفسه وتدعوا لها بالمغفرة في أمرها..

كلمات كتبت فيها :

مات زوجي ولم يترك لي غير طفلين في بداية عمرهم..

فبدأت أخشى عليهم كثيراً بعد رحيله عنا..

وقد أحتل شأنهم كل تفكيري وانشغالي..

فوجدت في نفسي الفزع والهلع لأمرهم دون أن أفعل لهم شيئاً..

فليس باستطاعتي أن أقدم لهم ما يكفيهم من مآكل ومشرب وملّبس..

حتى نفذت مني جميع السبل فنفضت يدي منها وقلة حيلتي في يومي وغدي..

لهذا أني راحلة معهم إلى السماء إلى الأعلى الذي خلقني وخلقهم

وهو أرحم علينا من أنفسنا وأرحم من هذه الحياة الفانية..

لقد فارقتها لأنني لم أستطع تحمل أنينهم وتوجعهم

دون أن أجد من يعينني على أمرهم وأمري..

تمرّ الأيام وكأنها أكثر قسوة من قساة من بها..

ونحن نتنقل من هنا إلى هناك.. باحثين عن لقمة عيشنا

وتمرّ الليلة أحياناً وتتلوها الأخرى دون أن نضع في أفواهنا

شيئاً يسدَّ ألم جوعنا.. غير أن جارة لنا تزورنا بين حين وأحيان

لترمي لنا ما أنعم لها ربها من طعام أو بعض قطع القماش التي لا تريدها..

فكانت زياراتها وانتظارنا لها تهدي من ريبة الجوع فينا وتخفف من ألم أوجاعه علينا..

ولكنها غابت كثيراً وانقطعت أخبارها ولا نعلم عن أيَّ أمرٍ وصلت إليه لتنقطع معونتها عنا..

بقينا نتجول وندور في الطرقات ولم نرى في طريقنا من يحمل إلينا رحمته وعطفه..

وأن بكاء أطفالي يطرق قلبي كطرق المطرقة على ذلك الحديد..

ولا حيلة لي في أمرهم غير بكائي معهم..

وفي هذه الليلة المظلمة والسكون يعم أرجائها

لا أملك فيها غير ضعفي وحزني..

حضنت أطفالي بشوق هائج.. وقلت في نفسي :

أن رحيلنا من هذه الدار أسلم وألطف لنا

من البقاء فيها دون معين يعيننا.. أو راحم يرحمنا..

فليغفر لي ربي على أخطائي وليغفروا لي أبنائي على رحيلهم معي

ولعلي في هذا أكون قد رحمتهم وحميتهم من ظلم غيرهم..

"المعذبون في الأرض"


ماتت تلك الأرواح البريئة مسمومة.. فوجدوا في ذلك السم لذةً

ألذّ من العيش في هذه الحياة..

فاستراحوا في مرقدهم وطاب لهم سكونه..

فوجدوا أن في الموت صمتاً جميلاً..

فأثبتوا أن في رحيلهم خيراً لهم من معاناتهم القاسية والمؤلمة..

فليرحمهم خالقهم ويسكنهم فسيح جناته.. أنهم ما هم إلا أبرياء جار عليهم زمانهم

وحملهم من معاناتهم إلى حتفهم ليكونوا مع الراقدين لا ألم ولا أنين ولا بكاء..


تلك الحكاية هو حال بعض الناس الذين يعانون معانات قاسيه في حياتهم..

ولكن أكثر البشر لا يعلمون...

هي حال واقعية عاشها الكثير.. ولكن نسجها أقرب للخيال..


Submit "المعذبون في الأرض . ." to Facebook Submit "المعذبون في الأرض . ." to Google Submit "المعذبون في الأرض . ." to StumbleUpon Submit "المعذبون في الأرض . ." to del.icio.us Submit "المعذبون في الأرض . ." to Digg

الكلمات الدلالية (Tags): 1'", 1????%2527%2522 إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
Uncategorized

Comments

  1. الصورة الرمزية شام
    مقال ميلو درامي .. يئن من قسوة العذاب والشقاء الإنساني
    فكان للصراع بين الحياة والموت اصداء ترددت على محتوى المقال
    والفكرة والنهاية التي انتصر فيها الموت وتغلب على ارادة الحياة ..
    لا يمكننا الهرب من الواقع و لا يمكن عكس الأحداث فالمشهد الحياتي يحتوي هذا الصراع ..
    بكافة أشكاله ونتائجه ..ولا يزال خلف الأبواب الموصدة حكايات لاتصدق من القهر الإنساني
    الذي وصل اليه الانسان بسهولة نتيجة لمجموعة عوامل لا يمكن ايرادها هنا .. لكنها بيّنة
    رغم محاولة القاء ظلال رمادية عليها والتكريس للمعاناة الانسانية المتجسدة بام وأطفالها..
    وهذه نقطة تحسب للكاتب فأحسن الحبكة و تسليط دائرة الضوء على صورة من صور الشقاء
    الإنساني فالأم تتألم في أعماقها النفسية فذهب بها ألمها وبؤسها الى نقطة اللانهاية
    الى حيث لاشيء بعده سوى انتصار الموت ..

    مع أني اتحفظ لجهة الاختيار بازهاق الروح عمداً واختيار الموت كحل نهائي لظاهرة لايخلو
    منها بلد ولا مجتمع وخاصة في ظلال عودة الاقتصاد الرأسمالي للبروز والتفاوت بين الطبقات
    فهذا التحول أدى لعودة الذاكرة إلى أزمنة مضت بشخوصها وأحداثها لم ندركها معايشة بل
    عرفناها في الأدب العربي والعالمي ..

    كما جاء المقال معبراً عن المشاعر الانسانية الشقية مع تلميح مبسط نحو إدانة الفساد
    في العالم حيث انسحب المقال بأبعاده على جميع الشعوب التي تعاني من الشقاء .
    ومع ذلك عزيزي الكاتب المعذبين في الأرض كثر بل هم السواد الأعظم في كل بلاد العالم
    لكن مع حبكة المقال قد أضفت للعذاب عذاباً آخر سوف أدعه بين قوسين (...)

    وقبل الختام بعد جولتي في اعماق ( المعذبون في الأرض ) كان يجب أن تنتصر إرادة الخياة
    وهذا رأيي الخاص والشخصي .. مع موافقتي التامة لأهداف المقال والغاية منه ومع اعجابي
    لحسن تصوير المشاعر الإنسانية التي تتنفس في ارجاء المقال..
    فرغم الصورة المؤلمة الا أن اسلوبك المميز والجميل جاء واضحاً فاكتمل المقال شكلاً ومضموناً ..
    فرب هذا المقال يتحول مستقبلاً لرواية كالبؤساء وغيرها ..
    ومع أمنياتي الصادقة بدوام الألق والاشراق في عالم الفكر والأدب ..
    وتقبل فائق الاحترام والتقدير..
  2. الصورة الرمزية الآخــــــــــر
    الشقاء يتنفس بين الجميع.. وله طرقه وأحواله ونهاياته..

    وعذاب المرء قد يدفعه إلى عذاب آخر يراه غيره..

    ولكن في النهاية هو عذاب واحد يختص بإصحابه..

    وحينما تسود الأمور وتظلم وجوه من حولها وتقلَّ السبل والأبواب منها مغلقة

    والأحوال فيها قابعة في الظلام.. تستوي حياة المرء في داخله..

    ويجد أنه يجب أن يصل إلى نهاية لظلامه وعذابه..

    والكل يختار نهايته كما يريدها.. أو كما يراها تفكيره..

    والنتيجة أمامه لا يعلم عن مصيرها شيئاً..

    فإذا وجدت للعذاب عذاباً آخر..

    فأنتِ أيضاً وجدتي لهذه المقالة رونقاً آخر جميلاً

    لكي تعوم فيه وتنعم في ذلك الجمال..

    شكراً شام
  3. الصورة الرمزية شام

    كل ماينبع من النفس والقلب والداخل لابد له حسن وجمال
    يلمسه الباحث عن الجمال و من كان بداخله الجمال
    فلا يمكن اقتصار اي شيء على القبح ..
    حتى النساء كلهن جميلات ..
    ولكل امرأة ميزة في جمالها ..
    ليس من الضروري أن يكون صارخاً كممثلات السينما
    يكفي أن يكون مترونق بالانوثة..
    سأخرج عن صلب الموضوع..
    والحق عليك كاتبي القدير لا تقول شام تشتت المقال
    ونقطة اختلافي معك بالنسبة للمقال تعلمها
    لذلك بانتظار القادم ..
    ولك احترامي وتقديري..