المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رمضان فضائل وثمرة



محمدالمهوس
01-05-2019, 17:33
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَسْتَقْبِلُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ شَهْرًا عَظِيمًا، وَمَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْخَيْرِ الْمُبَارَكَةِ؛ أَلاَ وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَالَّذِي اخْتَصَّهُ اللهُ تَعَالَى بِعِدَّةِ فَضَائِلَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَشْهُرِ، مِنْهَا: نُزُولُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِيهِ، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}، وَقَدْ فَرَضَ اللهُ فِيهِ الصِّيَامَ، وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وَفِي الْجَنَّةِ بَابٌ خَاصٌّ بِأَهْلِ الصِّيَامِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فِي رَمَضَانَ تُفَتَّحُ أَبْوَابُ الْجِنَانِ، وَتُغَلَّقُ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدتِ الشَّيَاطِينُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ لَيْلَةٌ مِنْ أَعْظَمِ لَيَالِي السَّنَةِ؛ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الْعِبَادَةَ فِيهَا خَيْرًا مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ شَهْرٍ؛ وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.
الْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ: «مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟» قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلاَّ نَاضِحَانِ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «حَجَّةً مَعِي». وَالنَّاضِحُ هُوَ بَعِيرٌ يَسْقُونَ عَلَيْهِ.
خَصَّ اللهُ تَعَالَى شَهْرَ رَمَضَانَ بِاسْتِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَقْتٍ خِلاَلَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
جَعَلَ اللهُ تَعَالَى عُتَقَاءَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ للَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
قِيَامُ لَيْلِهِ سَبَبٌ فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: شَهْرٌ بِهَذِهِ الْفَضَائِلِ الْمُبَارَكَةِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّقِيَ اللهَ فِيهِ، وَنَتَوَجَّهَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ لِبُلُوغِهِ وَالْفَرَحِ بِقُرْبِهِ، وَالْعَزْمِ عَلَى اسْتِغْلاَلِ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ.
اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ بُلُوغًا يُغَيِّرُ حَالَنَا إِلَى أَحْسَنِهِ، وَيُهَذِّبُ نُفُوسَنَا، وَيُطَهِّرُ دَوَاخِلَنَا، بُلُوغَ رَحْمَةٍ وَمَغْفِرَةٍ وَعِتْقٍ مِنَ النَّارِ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.



الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.. أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاسْتَمْسِكُوا بِدِينِكُمْ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاحْرِصُوا عَلَى اتِّبَاعِهِ وَالاِقْتِدَاءِ بِهِ، وَطَاعَتِهِ وَعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ لِشَهْرِ رَمَضَانَ ثَمَرَةً عُظْمَى لِتُجْنَى؛ ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فَالتَّقْوَى مِنْ أَهَمِّ الْمَقَاصِدِ وَالْحِكَمِ وَالثِّمَارِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا شُرِعَ الصِّيَامُ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تَتَّقُونَ فِي إِخْلاَصِكُمْ فِي صِيَامِكُمْ عِنْدَمَا تَدَعُونَ طَعَامَكُمْ وَشَرَابَكُمْ وَشَهْوَتَكُمْ للهِ تَعَالَى، تَتَّقُونَ فِي صَلاَتِكُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا لِتُحَقِّقُوا ثَنَاءَ اللهِ وَوَعْدَهُ لِلْمُحَافِظِينَ عَلَيْهَا، بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} تَتَّقُونَ فِي أَلْسِنَتِكُمْ فَلاَ رَفَثَ وَلَا صَخَبَ، وَذَلِكَ لِتَضْمَنُوا الْجَنَّةَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَتَبَ عُمَرُ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ أَقْرَضَهُ جَزَاهُ، وَمَنْ شَكَرَهُ زَادَهُ، وَلْتَكُنِ التَّقْوَى نُصْبَ عَيْنَيْكَ، وَعِمَادَ عَمَلِكَ، وَجَلاَءَ قَلْبِكَ.
اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِالْهُدَى، وَزَيِّنَّا بِالتَّقْوَى، وَاغْفِرْ لَنَا فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى، اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، وَاجْعَلْهُ شَهْرَ عِزٍّ وَنَصْرٍ وَتَمْكِينٍ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَمَا أَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُعِينَنَا فِيهِ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.
عَبَادَ اللهِ: صَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم.