المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان ( خطورة ترك الجمعة )



الشيخ/عبدالله الواكد
27-12-2018, 21:41
خُطْبَةُ جُمُعَة
بِعِنْوان
خطورة ترك الجمعة
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
مصدر الخطبة
هدايات قرآنية
لفضيلة الشيخ
عبدالله بن صالح العبيلان

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ السَّمِيعِ البَصِيرِ ، غافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ
وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، جلَّ عن الشبيهِ والنظيرِ ، وتعالى عنِ الشريكِ والظهيرِ . وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ وملائكتُهُ وأنبياؤهُ عليهِ، كما وَحَّدَ اللهَ وعَرَّف بهِ ودعا إليهِ ، وسلم تسليمًا كثيرًا .
أَمَّا بَعدُ أَيُّها المُسْلِمُونَ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
أيُّهاَ الإِخْوَةُ فِي اللهِ : مِنْ نِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ هَذَا الدِّينَ دِيناً إِجْتِمَاعِياًّ يَحُوطُ الأُمَّةَ بِالمَوَدَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالوِئَامِ ، فَلَمْ تَكُنْ عِبَادَةُ النَّاسِ الظَّاهِرَةُ فِي بِيَعٍ وَلاَ صَوَامِعَ وَلَمْ تَكُنْ رَهْبَانِيَّةً تَعْزِلُ المُسْلِمَ عَنْ مُجْتَمَعِهِ المُحِيطِ بِهِ إِنَّماَ شُرِعَتْ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ لِتَكُونَ جَمَاعَةً يُصَلِّيهَا النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ فَتَقْوَى صِلَتُهُمْ وَيَتَرَابَطُ نَسِيجُهُمْ فَيَنْعَمُونَ جَرَّاءَ ذَلِكَ بِالخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ ، ثُمَّ شُرِعَتْ صَلَاةُ الجُمُعَةِ لِيَجْتَمِعَ فِيهَا أَهْلُ الأَحْيَاءِ القَرِيبَةِ فَتَكُونُ دَائِرَةُ التَّوَاصُلِ أَوْسَعَ وَأَشْمَلَ ثُمَّ شُرِعَتْ صَلَاةُ العِيدَيْنِ لِتَكُونَ أَكْثَرَ شُمُولاً وَسَعَةً ، فَتَعُمُّ البَهْجَةُ وَالسُّرُورُ وَالخَيْرُ وَالحُبُورُ ، وَالمُتَأَمِّلُ لِذَلِكَ كُلِّهِ يَجِدُ حِرْصَ الإِسْلاَمِ عَلَى الأُلْفَةِ وَالمَوَدَّةِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ فحَسْبُ إِنَّمَا هُوَ فِي جَوَانِبِ الشَّرِيعَةِ كُلِّها ، فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ وَغَيْرِهَا ، فَلِلهِ الحمَدُ وَالمِنَّةُ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَامِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حِرْصَ المُسْلِمِ عَلَى صَلَاَةِ الجُمُعَةِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ إِيمَانِهِ ، وَبُعْدِهِ عَنِ الغَفْلَةِ ، وَحِرْصِهِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَإِجَابَتِهِ لِنِدَاءِ الشَّرِيعَةِ قَالَ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) الجمعة ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَالتَّهَاوُنُ فِي تَرْكِ صَلَاةِ الجُمُعَةِ كبَيِرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ ، وَمُنْكَرٌ مِنْ أَعْظَمِ المُنْكَرَاتِ ، وَسَيِّئَةٌ مِنْ أَقْبَحِ السَّيِّئَاتِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجِدَ المُتَهَاوِنُ فِي تَرْكِ صَلاَةِ الجُمُعَةِ أَثَرًا سَيِّئًا سَلْبِيًّا عَلَى دِينِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ وَصَلاَحِهِ ، وَعَلَى مَنْ كَانَ مُتَهَاوِنًا فِي صَلاَةِ الجُمُعَةِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ وَيَتَجَنَّبَ ذَلِكَ وَيُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى المُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا ، وَعَدَمِ تَرْكِهَا مَهْمَا كَانَتْ الأَسْبَابُ ، إِلاَّ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ قَاهِرٍ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ ( حُضُورُ الجُمُعَةِ فَرْضٌ ، فَمَنْ تَرَكَ الفَرْضَ تَهَاوُنًا كَانَ قَدْ تَعَرَّضَ شَرًّا إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللهُ ) يُشِيرُ بِذَلِكَ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى قَولِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهُمُ الجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ ) وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّ الجُمُعَةَ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ ، ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الجُمُعَةَ وَيَرْجِعَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الجُمُعَةُ ، فَإِنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ يَأْتِي الجُمُعَةَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهَا عَلَى دَابَّةٍ مِنْ مَسِيرَةِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ العَوَالِي وَذِي الحُلَيْفَةَ ، أَيْ مَا يُقَارِبُ عَشَرَةَ أَكْيَالٍ .
وَقَالَ البَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ ( وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ أَذِنَ لِأَحَدٍ فِي ِإقَامَةِ الجُمُعَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِ المَدِينَةِ وَلاَ فِي القُرَى التِي بِقُرْبِهَا )
وَرَوَى عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مُعَمَّرٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ : كَانَ أَنَسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَكُونُ فِي أَرْضِهِ وَبَينَهُ وَبَينَ البَصْرَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَيَشْهَدُ الجُمُعَةَ بِالبَصْرَةِ ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الجُمُعَةِ بِحُجَّةِ النُّزْهَةِ فِي البَرِّ بَلْ يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ حُضُورُهَا فِي أَقْرَبِ مَكَانٍ تُصَلَّى فِيهِ .
قَالَ بْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَيْ صَلاَةِ الجُمُعَةِ فَيَحْرُمُ السَّفَرُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الجُمُعَةُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالى قَالَ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (9) الجمعة ، فَأَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالسَّعيِ لِلْجُمُعَةِ وَتَرْكِ البَيْعِ ، فَكَذَلِكَ يُتْرَكُ السَّفَرُ، لِأَنَّ السَّفَرَ مَانِعٌ مِنْ حُضُورِ الصَّلاَةِ ، كَمَا أَنَّ البَيْعَ مَانِعٌ مِنْ حُضُورِ الصَّلاَةِ ، لَكِنْ لَوْ خَافَ فَوَاتَ الرِّفْقَةِ وَفَوَاتَ غَرَضِهِ لَوْ تَأَخَّرَ فَلَهُ السَّفَرُ لِلضُّرُورَةِ .
فَلْنَحْرِصْ يَا عِبَادَ اللهِ عَلَى سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ وَحِرْصِهِمْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ الجُمُعَةِ وَلْنَحْذَرْ سَبِيلَ المُنَافِقِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَصْفِ المُنَافِقِينَ (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) التوبة(42)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ ...

الخطبةُ الثانيةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أنَّ المُسْلِمَ المُؤْمِنَ حَقَّ الإِيمَانِ يَحْرِصُ عَلَى صَلَاةِ الجُمُعَةِ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ قَالَ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الجمعة
نسألُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنَا وإياكُم وَجَمِيعَ المُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَالمُوَاظِبِينَ عَلَيْهَا ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلى مُحَمَّدٍ ؛ فَقَدْ أَمَرَكُم اللهُ بِذَلِكَ فَقَالَ ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسلموا تسليما )