المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرخاء قبل الشدة ( خطبة جمعة الغد 1436/1/20 هـ )



محمدالمهوس
13-11-2014, 23:55
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. ﴿ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ﴿ يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ ﴿ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾أما بعد: فإنّ خيرَ الكلامِ كلامُ اللهِ وخيرَ الهدي هديُ نبيِّنا محمدٍ صلّى الله ُعليْه وسلّم وشرَّ الأمورِ مُحْدثاتُها وكُلَّ مْحْدَثةٍ بدْعةٍ وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٍ وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّار .
عِبَادَ اللّهِ / روى الترمذي بسننه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَن سرَّه أنْ يَسْتجيبَ الله لهُ عنْد الشّدائدِ والكرْبِ، فَلْيُكْثِرَ الدعاء َفِي الرّخاء )) والحديث حسنه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((تعرَّفْ إلى اللهِ فِي الرّخاء يَعْرِفْكَ في الشِّدّة )) والحديث صححه الألباني رحمه الله من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه –
والمُرادُ بِمَعْرِفَةِ الله: العِلْمُ بِالتوحيد الذي هو حَقُّ الله على العبيد, والعِلْمُ بِحَقِّ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم, ومَعْرِفَةُ دينِ اللهِ وما يَجِبُ على العِبادِ مِنْ حق اللهِ عليهِم فيه, وَتَذَكُّرُ الموتِ ولقاءِ الله, والجزاءِ والحساب.
ومِنْ أَعْظَمِ علاماتِ مَعْرِفَةِ العبدِ لِرَبِّه: اللُّجُوءُ إِلَيْهِ في سرَّائه وضرَّائه، وشدَّته ورَخائِه، وصِحَّتِهِ وسَقَمِه، وفي أحوالِه كلِّها، وأَنْ لا يَقْتَصِرَ علَى ذلك في حالِ الشِّدَّةِ فقط, فَإِنَّ ذلكَ مِنْ أعظَمِ أَسْبابِ النجاةِ والسَّلامَةِ مِنَ الشُّرُورِ, واستِجابَةِ الدعاءِ عند الشدائِدِ والمصائبِ والكُرَب.
قالَ ابنُ رَجَبٍ رحمهُ اللهُ : المَعْنَى أنَّ العبدَ إذا اتقى اللهَ وحَفِظَ حُدُودَهُ وَرَاعَى حُقُوقَهُ في حالِ رَخَائِهِ وصِحَّتِهِ، فَقَدْ تَعرَّفَ بِذلك إلى الله، وكان بَيْنَه وبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ، فَعَرَفَهُ ربُّه في الشدَّة، وَعَرَفَ لهُ عَمَلَه في الرخاء، فَنَجَّاه مِن الشدائِدِ بِتِلكَ المعرفة. وهذا التعرُّفُ الخاصُّ هو المُشارُ إليهِ في الحديثِ الإلَهِي: ( وَلا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بَالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّه... إِلَى أَنْ قالَ: وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّه، وَلَئِنْ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّه ).
فإذا رَحِمْتَ الصغيرَ والضَّعيفَ, وَاتَّصَفْتَ بِخُلُقِ الرَّحْمَة, وأطْعَمْتَ الجائعَ والمسكينَ, ونَصَرْتَ المَظْلُومَ, وَوَقَفْتَ مع المُسْلِمِ في كُرْبَتِه, وَعَفَوتَ عَمّنْ أخْطأَ في حَقِّكَ, فلا تَظُنُّ أَنَّ اللهَ سَيَتَخَلَّى عَنكَ عِنْدما تَمُرُّ بِكَ الشّدائِدِ, ولا تَظُنُّ أَنَّ اللهَ سَيُسَلِطُ عَلَيْكَ مَنْ لا يَرْحَمْ.
وإذا اسْتَعْمَلْتَ جَوارِحَكَ في الطاعةِ والعِبادَة في الصِّغَرِ وَوَقْتَ الفُتُوَّةِ والشباب, وحَفِظْتَها عَنِ الحَرَامِ, حَفِظَكَ اللهُ وحَفِظَ لكَ جَوارِحَكَ وَقْتَ الشِّدَّة عِنْدَما تَحْتاجُ إلَيها فِي الكِبَرِ والضَّعْف.
وقد ذمَّ اللهُ في كِتابِهِ العزيز مَنْ لا يَلْجأونَ إِلَيْهِ ولا يُخْلِصُونَ لَهُ إلاَّ في حالِ شِدَّتِهِم، أَمَّا في حالِ رَخَائِهِم ويُسْرِهِم وسرَّائهم، فإنَّهم يُعْرِضُون وَيَنْسَونَ ما كانوا عَلَيه, قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ ﴾ ، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾ ولهذا فإنَّ الواجبَ على المسلم أن يُقبلَ على الله في أحوالِه كلِّها في اليُسرِ والعُسرِ، والرخاءِ والشدِّةِ، والغِنَى والفقرِ، والصحةِ والمَرَضِ، ومَن تعرَّف على اللهِ في الرَّخاءِ عَرَفَهُ الله في الشِّدَّة، فكان له مُعِيناً وحافِظاً ومُؤيِّداً وناصِراً. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ , وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ , وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ )) والحديث صححه الألباني رحمه الله من حديث أبي أمامةَ الباهليّ – رضي الله عنه –

عِبَادَ اللّهِ / مِنَ الشَّدائِدِ التي يَنْشُدُ المُسْلِمُ السلامَةَ مِنها: الفِتَنَ التي يَلْتَبِسُ فيها الحقُّ بالباطِل, وَيَخْفَى على كَثِيرٍ مِنَ الناسِ المَخْرَجُ مِنها, فلا ينْجو مِنها ويَثْبُتُ فيها إلا مَنْ رَحِمَ الله. فَمَنْ تَعَرَّفَ على اللهِ بِطاعَتِهِ, وَلَزِمَ القُرْآنَ والسُّنَّةَ وَمَنْهَجَ القُرونِ المُفَضَّلَةِ, وَصَدَرَ عَنْ رأيِ العُلماءِ وَتَجَرَّدَ عَن عاطِفَتِهِ وهواه, ثَبَتَهُ اللهُ, وأَنارَ طَريقَهُ, وحَماهُ مِنَ الفِتَنِ وَشُرُورِها.
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم، ونَفعنِي وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذكر الحكيم، أقولُ ما تسمعونَ واستغفرُ الله لي ولكُم ولِسائِرِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذنْبٍ إنّه هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً ..
عِبَادَ اللّهِ / اتقوا الله تعالى, وراقبوه, واعلموا أن أَعْظَمَ الشَّدائدِ والكُرُباتِ: لَحًظَةُ الموتِ, التي لا يَدْرِي الإنسانُ ما يُقالُ له عِندَ خُرُوجِ رُوحِه, أيُقالُ له: أيَّتُها الرُّوحُ الطَّيِّبَة, أمْ أيتُها الروحُ الخبيثة؟!! ثُمَّ بَعْدَ ذلك, فِتْنَةُ القَبرِ وسُؤالِ المَلَكين, فَمَنْ تَعَرَّفَ عَلَى اللهِ في الدنيا وأَطاعَ اللهَ ورسولَه, نَزَلَتْ عليهِ مَلائِكةٌ بِيضُ الوُجوهِ, كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمسُ, وقالَ مَلَكُ المَوْتِ عِندَ رأسِه: " أيتُها الرُّوحُ الطيبة أُخْرُجِي إلى رَوْحٍ وَرَيْحانٍ ورَبٍّ غَيْرِ غَضْبان ". وكذلك إذا وُضِعَ في قبرِه, ثَبَّتَهُ اللهُ عِنْدَ الجَوابِ وَفَتَحَ لهُ باباً إلى الجنة, يأتيهِ مِنْ طِيبِها ورِيحِها, وجاءَهُ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ, حَسَنُ المَنْظَرِ فيقول: " أنا عَمَلُكَ الصالح " ويُقالُ له: " نَمْ نَوْمَةَ العَرُوس ". ويُفْرَشُ قَبْرُهُ مِنَ الجنة, ويُفْسَحُ لهُ مَدَّ بَصَرِه. ومَنْ عَرَفَ اللهَ في الدنيا, وخافَ عِقابَه, أمَّنَهُ اللهُ يَوْمَ الفَزَعِ الأكْبَرِ, عِنْدما يُحْشَرُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً غَيْرَ مَخْتُونِين, يَمُوجُ بَعضُهُم في بَعْض, قَدْ أُدْنِيَتِ الشمسُ مِنْهُم قَدْرَ مِيل, والعَرَقُ يُلْجِمُهُم, بَيْنَما هُوَ في ظِلِّ اللهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه.
وَمَنْ لَزِمَ سُنَّةَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم, وشَرِبَ مِنْ مَعِينِها في الدنيا, شَرِبَ مِنْ حَوضِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ في الآخرة. ومَنْ ثَبَتَ على التوحيدِ والسُّنةِ في الدنيا, ثبَّت اللهُ قَدَمَهُ على الصِّراطِ الذي حَكَمَ اللهُ بِمُرورِ الناسِ عَلَيه, ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾.
هَذا وَصَلُّوا وسَلّمُوا على النّبي الْمُصْطَفى والرّسولِ الْمُجْتَبى، فَقد أمَرَكمُ بذلكَ الْمَولى جَلّ وعلا فقالَ في مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ ((إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا))