المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إكرام الطعــــــــــــــام



الشيخ/عبدالله السالم
03-04-2014, 14:34
الحمدُ للهِ ( الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) واشهدُ ألا الهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ يعلمُ ما كانَ وما يكونُ وما تسرونَ وما تعلنونَ. واشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الصادقَ المأمون، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الذين كانوا يهدونَ بالحقِّ وبهِ يعدلونَ. وسلم تسليما كثيرا إلى يومِ يبعثونَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)أَمَّا بَعْدُ: أيُّها الأحبةُ في الله ، فَإنَّ بقَاءَ النِّعَمِ وَنَمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا ، مُرْتَهَنٌ بِالشُّكْرِ،يقولُ تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وَفِي سُورَةِ النَّحْلِ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ كَانَ (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ) [النحل: 121]، فَوَصَفَهُ سُبْحَانَهُ بِالشُّكْرِ، وَالخَلِيلُ كَانَ يُكْرِمُ الضِّيفَانَ بِالعُجُولِ السِّمَانِ ، حَتَّى كُنِّيَ مِنْ كَرَمِهِ: بِأَبَي الضِّيفَانِ، وَلَمْ يَجِدْ قِلَّةً رَغْمَ كَرَمِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالشُّكْرِ . وَزَوَالُ النِّعَمِ مُرْتَهَنٌ بِالكُفْرِ، وَقَدْ عَالَجَتْ سُورَةُ الأَنْعَامِ هَذِهِ القَضِيَّةَ مَعَ ذِكْرِ الطَّعَامِ، فَفِيهَا قولُ اللهِ تعالى (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) لأنَّ الشَّيْطَانَ يَدْعُو لِكُلِّ سُوءٍ، وَيُزَيِّنُ لِلْعَبْدِ كُلَّ مَعْصِيَةٍ، فَيُزَيِّنُ الكُفَرَ وَالجُحُودَ وَالنِّفَاقَ وَالعِصْيَانَ، وَيُزَيِّنُ الإِسْرَافَ فِي المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ وَالحَفَلاَتِ وَالوَلاَئِمِ، واللهُ عزَّ وجلَّ يقول(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)ويقولُ جلَّ في عُلاه (كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) إِنَّ حِفْظَ النِّعَمِ مِنَ الزَّوَالِ مُرْتَهَنٌ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى فِيهَا ، كَسْبًا وَإِنْفَاقًا، وَشُكْرِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا. إِنَّ بَقَاءَ النِّعَمِ مُرْتَهَنٌ بِإِكْرَامِهَا، وَعَدَمِ الاسْتِهَانَةِ بِقَلِيلِهَا وَلَوْ كَانَ حَبَّاتِ أَرُزٍّ، أَوْ كِسْرَةَ خُبْزٍ، أَوْ قَلِيلَ حِسَاءٍ، أَوْ حَبَّةَ تَمْرٍ... فَمَنِ اسْتَهَانَ بِقَلِيلِ النِّعْمَةِ ، اسْتَهَانَ بِكَثِيرِهَا، وَمَنْ أَلْقَى كِسْرَةَ خُبْزٍ، وَأَهَانَ حُبَيْبَاتِ أَرُزٍّ، هَانَتِ النِّعْمَةُ فِي نَفْسِهِ ؛ فَأَلْقَى الكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ ، وفي الغالِبِ أيُّها الأحبة ، إِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي أَطْعِمَتِنَا اليَوْمِيَّةِ، وَوَلاَئِمِنَا المَوْسِمِيَّةِ، وَاحْتِفَالاَتِنَا العَرَضِيَّةِ، ثُمَّ قَارَنَ ذَلِكَ بِمَفْهُومِ السَّلَفِ لِلنِّعْمَةِ وَإِكْرَامِهَا ، عَلِمَ أَنَّنَا نُهِينُ النِّعَمَ وَلاَ نُكْرِمُهَا، وَنَكْفُرُهَا وَلاَ نَشْكُرُهَا، وَنَتَسَبَّبُ فِي زَوَالِهَا لاَ اسْتِدَامَتِهَا. فَلْنَنْظُرْ فِي مَوَائِدِنَا اليَوْمِيَّةِ ، وَوَلاَئِمِنَا المَوْسِمِيَّةِ، وَاحْتِفَالاَتِنَا العَرَضِيَّةِ ، ولنُقَارَنِهَا بِمَوْرُوثِنَا الشَّرْعِيِّ ، مِنَ السُّنَّةِ وَالأَثَرِ ، لِنعَلِمَ مدى إسْرِافِنَا ، وإفسادنا وفسادِنا !فَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ اعْتِبَارٌ لِلتَّمْرَةِ الوَاحِدَةِ، وَاللُّقْمَةِ الوَاحِدَةِ، وَلِذَا اسْتَخْدَمَهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مَرَّاتٍ عِدَّةً فِي حَدِيثِهِ ؛ فَأَخْبَرَ أَنَّ الرَّجُلَ حِينَ يُطْعِمُ زَوْجَتَهُ لُقْمَةً ، فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ ، وقَالَ e { لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ} الحديث ، فَاعْتَبَرَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ، وَلَمْ يَحْتَقِرْهَا، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ:{اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ} فَمَنْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ ، أَنْ يُكْرِمَ بَعْضَ تَمْرَةٍ ، فَيَرْفَعَهَا إِنْ كَانَتْ سَاقِطَةً ، وَيَأْكُلَهَا أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ؛ فَإِنَّ شِقَّ التَّمْرَةِ قَدْ يَقِيكَ مِنَ النَّارِ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ : جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ ، تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ e، فَقَالَ: {إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ} أَوْ: {أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ}رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ يَدْخُلُ النَّارَ عَبْدٌ فِي تَمْرَةٍ ، أَوْ خُبْزَةٍ أَلْقَاهَا وَلَمْ يَأْبَهْ بِهَا، أَوْ يُسْلَبُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ النِّعَمِ بِسَبَبِهَا . وَتَأَمَّلُوا إِكْرَامَ النِّعْمَةِ فِي الحَدِيثِ الآتِي، وَعَدَم الاسْتِهَانَةِ بِقَلِيلِ الطَّعَامِ ، وَلَوْ كَانَ لُقْمَةً وَاحِدَةً ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا؛ قَالَ e:{إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ}رَوَاهُ مُسْلِم، وَبَقَايَا الطَّعَامِ فِي الصِّحَافِ ، وَالقُدُورِ وَالأَوَانِي ، لاَ تُحْتَقَرُ وَلاَ يُسْتَهَانُ بِهَا، بَلْ تُكْرَمُ وَتُصَانُ وَتُسْلَتُ فَتُؤْكَلُ، قَالَ أَنَسٌ file:///C:\DOCUME~1\ADMINI~1\LOCALS~1\Temp\msohtml1\01\clip_image001.gif: (وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، أَخَذُوا إِكْرَامَ النِّعْمَةِ وَاحْتِرَامَهَا، وَعَدَمَ الاسْتِهَانَةِ بِقَلِيلِهَا، مِنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ؛ فَعَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا أَبْصَرَتْ حَبَّةَ رُمَّانٍ فِي الأَرْضِ ، فَأَخَذَتْهَا وقَالَتْ: (إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، وَتَصَدَّقَ عُمَرُ وَعَائِشَةُ رضي اللهُ عنهُما ، بِحَبَّةِ عِنَبٍ وَقَالَا: (فِيهَا مَثَاقِيلُ كَثِيرَةٌ)، ورُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِتَمْرَتَيْنِ ، فَقَبَضَ السَّائِلُ يَدَهُ ، فَقَالَ لِلسَّائِلِ: (وَيَقْبَلُ اللهُ مِنَّا مَثَاقِيلَ الذَّرِّ، وَفِي التَّمْرَتَيْنِ مَثَاقِيلُ ذَرٍّ كَثِيرَةٌ).فَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، يَحْتَقِرُونَ قَلِيلَ الطَّعَامِ ، أَنْ يَرْفَعُوهُ أَوْ يُقَدِّمُوهُ صَدَقَةً، لاَ يَحْتَقِرُونَ تَمْرَةً ، وَلاَ عِنَبَةً وَلاَ حَبَّةَ رُمَّانٍ ؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ بِمَثَاقِيلِ الذَّرِّ؛ وَلِعِلْمِهِمْ أَنَّ إِهَانَةَ الطَّعَامِ كُفْرٌ لِلنَّعْمَةِ، وَأَنَّ كُفْرَ النِّعْمَةِ يُزِيلُهَا وَلاَ يُبْقِيهَا.يقولُ الْمُنعِمُ سُبحَانه (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى *وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 81، 82].
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ،
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم






الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَاحْذَرُوا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ؛لِنَحْذَرْ جَميعاً مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ الطَّعَامِ، وَلْنَقْتَصِدْ فِي أَفْرَاحِنَا وَوَلاَئِمِنَا وَاحْتِفَالاَتِنَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ المُبَاهَاةَ الَّتِي نَعِيشُهَا ، تُنْذِرُ بَخَطَرٍ عَظِيمٍ ، وَهِيَ إِثْمٌ كَبِيرٌ، حِينَ نُتْلِفُ الكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ وَفِي الأَرْضِ جِيَاعٌ، وَاللهُ تَعَالَى يُبَدِّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَلاَ نَغْتَرُّ بِمَا نَرَى ، مِنْ كَثْرَةِ الأَطْعِمَةِ فِي أَسْوَاقِنَا وَبُيُوتِنَا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِنْ قَدَّرَ عُقُوبَتَنَا ، سَلَبَهَا مِنَّا فِي لَمْحِ البَصَرِ، فَصِرْنَا بَعْدَ الشِّبَعِ جِيَاعًا.وَإِخْوَانُنَا المُحَاصَرُونَ فِي الشَّامِ ، الَّذِينِ ضَرَبَهُمُ الجُوعُ حَتَّى هَلَكُوا، لاَ أَقُولُ: إِنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ فَائِضَ أَطْعِمَتِنَا، وَلاَ بَارِدَهَا وَبَائِتَهَا، وَلَا مَا يَسْقُطُ عَلَى سُفَرِنَا أَثْنَاءَ أَكْلِنَا، بَلْ يَتَمَنَّوْنَ مَا نُقَدِّمُهُ نَحْنُ لِلْبَهَائِمِ ، مِنْ خُبْزٍ مَكَثَ شَهْرًا وَشَهْرَيْنِ ، حَتَّى يَبِسَ وَاشْتَدَّ، وَمَا نُقَدِّمُهُ لِلطُّيُورِ مِنْ حَبٍّ بَارِدٍ بَائِتٍ ، قَدْ تَرَاكَمَ مَعَ الأَيَّامِ، وَخُلِطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ حَتَّى عَافَتِ النَّفْسُ رُؤْيَتَهُ وَرَيحَهُ وَمَنْظَرَهُ... إِنَّ إِخْوَانَكُمْ فِي الشَّامِ لَيَتَمَنَّوْنَهُ، وَيَبْذُلُونَ فِيهِ أَنْفَسَ مَا يَمْلِكُونَ، فَالجُوعُ لاَ يَرْحَمُ، وَأَلَمُهُ لاَ يَسْكُنُ، وَالبَطْنُ يَطْلُبُ المَزِيدَ،وَفِي تَارِيخِ المَجَاعَاتِ عِبَرٌ وَعِظَاتٌ،ويا أيُّها الأحبةُ الكرِام إِنَّ جَمْعِيَّاتِ حِفْظِ النِّعَمِ بَادِرَةٌ طَيِّبَةٌ، حِينَ يُجْمَعُ فِيهَا فَائِضُ الوَلاَئِمِ وَالحَفَلاَتِ ، وَيُوَزَّعُ عَلَى الفُقَرَاءِ، وَالأَفْكَارُ الَّتِي تُقْتَرَحُ لِحِفْظِ فَائِضِ الطَّعَامِ ، فِي المَطَاعِمِ وَالوَلاَئِمِ ، أَفْكَارٌ طَيِّبَةٌ، وَلَكِنَّ الأَهَمَّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، أَنْ يُحَاسِبَ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ يُغَيِّرُوا سُلُوكَهُمْ فِي اسْتِهْلَاكِ الأَطْعِمَةِ، وَأنْ يُرَسَّخَ فِيهِمُ ، الاقْتِصَادُ فِي المَآكِلِ وَالوَلاَئِمِ وَالحَفَلاَتِ، وَأَنْ يُرَبَّى فِي الأُسْرَةِ ، تَقْلِيلُ مَا يُطْبَخُ يَوْمِيًّا مِنْ طَعَامٍ، وَأَنْ يُنَشَّأَ النَّشْءُ عَلَى أَلاَّ يَأْخُذَ مِنَ الطَّعَامِ فَوْقَ حَاجَتِهِ، وَعَلَى احْتِرَامِ مَا يَتَسَاقَطُ مِنَ النِّعْمَةِ تَحْتَ صَحْنِهِ، فَلاَ يَتْرُكُهُ فِي السُّفْرَةِ، بَلْ يَجْمَعُهُ وَيَأْكُلُهُ، وَأَوَّلُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ رَبُّ الأُسْرَةِ ، حَتَّى يَكُونَ قُدْوَةً لِزَوْجِهِ وَوَلَدِهِ، وَأَنْ يُقْتَصَدَ فِي الوَلاَئِمِ وَالأَعْرَاسِ وَالاحْتِفَالاَتِ، فَلاَ يُوضَعُ مِنَ الطَّعَامِ فِيهَا ، إِلاَّ بِقَدْرِ حَاجَةِ المَدْعُوِّينَ ، وَأَنْ تُتْرَكَ المُبَاهَاةُ وَالمُفَاخَرَةُ فِي ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَإِنَّ كُفْرَ النِّعْمَةِ، وَإِهَانَةَ الأَطْعِمَةِ؛ سَبَبٌ لِلنَّقْصِ وَالقِلَّةِ وَالجُوعِ، عَافَانَا اللهُ تَعَالَى والمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ. عبادَ الله صلُّوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقالَ بأبي هُوَ وأُمي{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ . اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ،والشيعةَ والشيوعيين ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رِضَاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا ، وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا ، وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)