المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا إله إلا الله ( خطبة جمعة الغد 1434/6/30هـ )



محمدالمهوس
09-05-2013, 14:42
الخطبة الأولى
الحمد لله مدبّر الليل والنهار ، مقلب القلوب والأبصار ، ذي النعم والآلاء ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء . أحمده حمد الشاكرين لآلائه ، المقرّين بنعمائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عُدَّةً للقائه ، وأماناً من عذابه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم أنبيائه . صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وأهل بيته وأزواجه ، وسلم تسليماً كثيراً . أما بعـــــــد :
أيها الناس/ أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) فتقوى الله عونٌ ونُصرةٌ، وعلمٌ وحكمةٌ, وخروجٌ من الغم والمحنة، وتكفيرٌ للذنوب ونجاةٌ في الآخرة.
عباد الله/ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَارسُولَ اللهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ, لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ, أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ, مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ))
عباد الله / لقد منّ الله علينا بدين موافقٍ للفطر القويمة والعقول السليمة، صالحٍ لكل زمان ومكان، جامع بين العلم والعبادة، والقول والعمل والاعتقاد، لا يقبل الله من الخلائق دينًا سواه قال تعالى ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ))
وفي هذا الدين كلمةٌ من قالها صادقًا من قلبه وعمل بمقتضاها مبتغيًا بذلك وجه الله دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب ، وهذا من الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
"لا إله إلا الله" هي أطيب الكلام، وأفضل الأعمال، وأعلى شعب الإيمان، من قالها حقًا ارتقى إلى أرفع منازل الدين.
"لا إله إلا الله" كلمة خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، إذا أيقنت بمعناها الدقيق، وأنه لا معبود بحق إلا الله، ولا أحد يستحق العبودية إلا الله.
والنطقُ بها لا يكفي للدخول في الإسلام أو البقاء عليه، بل يجب مع ذلك أن يكون المسلم عالمًا بمعناها، عاملاً بمقتضاها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله، والمسلم صادق في إيمانه وعقيدته، مستسلم لله في الأحكام والأوامر، والشرع والقدر، لا يُنزل حوائجه إلا بالله، ولا يطلب تفريج كروبه إلا منه سبحانه وتعالى، قال تعالى (( وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ ))
عباد الله / العلم بلا إله إلا الله نفياً وإثباتاً شرط لتحقيقها والظفر بشفاعة نبي الهدى صلى الله عليه وسلم فلا يقبل الله من إنسان عقيدة بالتقليد، ولو كانت صحيحة،بحيث يعلم القلب ما ينطق به اللسان فإذا علم العبد أن الله عز وجل هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم فهو عالم بمعناها.
وضد العلم الجهل؛ وهو الذي أوقع الضلال من هذه الأمة في مخالفة معناها، حيث جهلوا معنى الإله وبالتالي أجازوا عبادة غير الله مع الله ، فمن جهل معنى لا إله إلا الله لابد أنه سينقضها إما باعتقاد أو قول أو عمل ، قال تعالى ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ )) فالأمر بيد الله وكلنا عباده فإذا توالت الخطوب وازدادت الكروب على المسلم ، فاليعلم وليوقن بأن الله معه وأنه ناصره إذا علم بلا إله إلا الله ولازم العمل والذي منه الاستغفار ، فما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ )) وفي صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
عباد الله / اليقين بلا إله إلا الله شرط لتحقيقها؛اليقين الذي لايخالطه أدنى شك أو ريب أوتردد ، ينطق بالشهادة عن يقين دون تسرب شيء من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس، بل يقولها موقناً بمدلولها يقيناً جازماً،ويوقن ويعتقد بقلبه أحقية إلهية الله تعالى ، وبطلان إلهية من عداه، وأنه لا يجوز أن يُصرف لغيره شيءٌ من أنواع التأله والتعبد. فإن شك في شهادته، أو توقف في بطلان عبادة غير الله؛ كأن يقول:أجزم بألوهية الله، ولكنني متردد ببطلان إلهية غيره بطلت شهادتُه ولم تنفعه. قال تعالى مثنياً على المؤمنين ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ, فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ, فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ, لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا, إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
عباد الله / ومن شروط تحقيق كلمة التوحيد لا إله إلا الله الإخلاص المنافي للشرك والنفاق والرياء والسمعة فمن قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك حظاً من حظوظ الدنيا كمغنم أو اتقاء السيف أو رياء وسمعة فإن هذه الشهادة لا تنجيه، بل يدخل في عداد المنافقين ومن الإخلاص في الشهادة أن يجعل العبادة لله وحده، دون أن يصرف منها شيء لغيره، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )) وقال ((وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء .. )) وقال صلى الله عليه وسلم ((فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ))
ومن شروط تحقيق لا إله إلا الله : محبتها ومحبة أهلها، وبغض أعدائها وما يضادها من الشرك والتنديد؛وصفة هذه المحبة أن يكون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما سواهما، وأن يكون الله تعالى وحده هو المحبوب لذاته، وما سواه فهو محبوب له وفيه قال تعالى ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ )) وقال صلى الله عليه وسلم ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) رواه مسلم .
ومن شروط تحقيق لا إله إلا الله : القبول المنافي للرد ،والقبول يعني أن يقبل كل ما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، فيصدق بالأخبار ، ويؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله يقبل ذلك كله، ولا يرد منه شيئاً، قال تعالى ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ))
ومن شروط تحقيق لا إله إلا الله : الانقياد لحقوقها ، وهي : الأعمال الواجبة ، إخلاصاً لله ، وطلباً لمرضاته فينقاد لما دلت عليه كلمة الإخلاص ، قال تعالى ((وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ))
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحْسانهِ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاعلموا ـ يا عباد الله ـ أنَّ لا إله إلا الله هي الكلمة التي من أجلها خلق الله الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب وجردت سيوف الجهاد وانقسم الناس إلى فريقين مؤمنين وكفار ولأجلها قام سوق الجنة والنار ووضع الميزان ونصب الصراط وهي حق الله على العباد ، فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون.
عباد الله / كثير من الناس يظنون أنهم سيدخلون الجنان ولا يعذبون في النيران بمجرد قولهم لا إله إلا الله ، ويحتجون بقول رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ ثُمَّ مَاتَ على ذَلكَ إِلا دَخَل الجَنَّةَ ) ولم يعلم هؤلاء أن شهادة التوحيد إن لم يحقق العبد شروطها ويستوفي أركانها فهي مجرد كلمة خرجت من اللسان ، أو نطق بها أعجمي لا يفهم القرآن،قالَ وَهْبَ بْنُ مُنَبِّهٍ لِمَنْ سَأَلَهُ : أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مِفْتَاحُ اَلْجَنَّةِ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ ، وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ .
نسأل الله أن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله من العاملين بأركانها المحققين لشروطها ،وأن يحيينا عليها ويميتنا عليها إنه سميع مجيب ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على النبي الكريم كما أمركم بذلك المولى العزيزُ الرحيم، فقال تعالى قولاً كريما: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا))