المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عثمان بن عفان رضي الله عنه وبئر رومة ( خطبة الجمعة القادمة 1434/5/23 هـ )



محمدالمهوس
02-04-2013, 23:57
الخطبة الأولى
الحمد لله جعل المال الطيب سببًا لدخول الجنة، أحمده سبحانه مقرًا بألوهيته وربوبيته ووحدانيته، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة صادقة أرجو ثوابها يوم لقاء الله، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه ما خفق الجَنان، واهتزت الأغصان، ودنت ثمرات الجِنان، وتعاقبت لحظات الزمان، وأقام في مكانه المكان.
أما بعد : أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
يا رب قد أسرفت نفسي و قد علمت
علما يقينا لقد أحصيت آثاري
يا مخرج الروح من نفسي إذا احتضرت
و فارج الكرب زحزحني عن النار
عباد الله / لما استقرّ الرسولُ المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وسلم وأصحابُه في المدينة المنوّرة نالهم العناءُ من قلة الماء، وكانت هناك عينُ ماءٍ عذْبةٍ حُلوةِ المذاق يملكها يهودي تُدعَى بِئْرُ رُومة، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُربّي أصحابَه دائما على التَّعلق بالآخرة وما فيها، ويُزَهِّدهم في الدنيا وحُطامها، فما كان منه إلا أنْ قال ((مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ )) رواه البخاري ، وفي رواية أخرى للبخاري (( مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومةَ فَلَهُ الجَنّة ))
وبئرُ رومةَ بئرٌ قديمةٌ جاهلية وقد ذكر بعضُ العلماء أن المالك لها رجل من بني مُزينة ، وذكر ابن عبد البر أنها كانت ليهودي يبيع ماءها للمسلمين ، فقام عَلم من أعلام التاريخ، ومصباحٌ من مصابيحَ الدُّجى عثمان الخير، عثمان الحياء، عثمان الصدق والإيمان، عثمان البذل والتضحية بالنفس والنفيس، عثمان بن عفان أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وعنهم أجمعين ؛ فقال (( أنا يارسولَ الله )) نعم عباد الله لقد تسلّل الشوقُ في قلب عثمانَ إلى الجنة، فليس له طلب سواها، ورشّح نفسه لنيل هذا الكسْب العظيم، وساوم صاحبَ البئر أن يبيعها له فأبى، فطلب منه بيعَ نصفها، واشترى النصف باثني عشر ألف درهم، ثم اشترى النصف الآخر، وفاض الماء لأهل المدينة دونَ ثمنٍ يُطال ويُنال، واحتسب أجرها على الله، وفاز عثمان رضي الله عنه، واطمأنت نفسه التي لا يرى لها مِنّةً على مسلم، فليس له من البئر إلا ما لأقصى المسلمين ، وهاهي بئر رومةَ من العهد النبوي إلى زمننا الحاضر في حيٍّ من أرقى الأحياء بالمدينة المنورة وسط مزرعة كبيرة أوقفت حكومة هذه البلاد أصلَ هذا البئر وسمته بئرَ عثمان تُحيط به المخططات السكنية ويرتوي من ماءه العذب أهلُ طيبة الطيبة ويصل أجرُه إلى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه .
عباد الله / مال العبد في الحقيقة هو ما قدم لنفسه ليكون له ذخراً بعد موته، وليس ماله ما جمع فاقتسمه الورثة بعده، قال صلى الله عليه وسلم: (( أيكُم مالُ وارثِهِ أحبُّ إليهِ من مالِه، قالوا يا رسولَ الله: مَا مِنّا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه، قال: فإنّ مالَه ما قدّم، ومالَ وارثِهِ ما أخّر )) رواه البخاري
ولاشك ياعباد الله أنّ الصدقة الجارية يتعاقب الناس على الانتفاع بها ويرثها جيلٌ بعد جيل إلى ماشاء الله ، قال صلى الله عليه وسلم ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ : مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)) رواه مسلم
فالأعمارُ قصيرةٌ ، والأعمال قليلة ، والأماني عريضة ، والنُّقلةُ من هذه الدنيا قريبةٌ ، والله قد لطف بعباده فَسَدّ نقصَهم ، وقوّى ضعفهم ، ومنّ عليهم بوصْلٍ في أعمالهم بعد انقطاع آجالهم فما أعظمُ الرّبحُ وأكرم التجارة قال الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ))
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفَعَني الله وإيَّاكم بما فيهِ منَ الآيات والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفِرُ الله لي ولكُم ولجميع المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد: فيا إخوة الإيمان، ها هو عثمان رضي الله عنه كما في الموقف السابق يعلن للدنيا وظيفةَ المال الحقيقية ودورَه الأكرم، فسابق به تجارةً رابحةً مع الله، وذلكم العطاءُ العثمانيُ المنقطعُ النظير يُلغي من حسابنا اللّهثَ وراء ماديات الحياة، وجمع المال كذبًا أو زورًا أو اختلاسًا أو غشًّا أو سرقة أو خداعًا أو رِبا، نعم يذكرنا بأن المال مالُ الله ولو احتوته منا الخزائن.
نعم – عباد الله - إننا في حاجةٍ إلى أموالنا في الآخرة أشدّ من حاجتنا إليها في الدنيا، وغدًا تتوزّعنا نحن وأسرنا زوايا وحفر الأرض، كل سَيُرتَهَن في حفرته، وعثمان رضي الله عنه اشترى الجنّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، فكم مرة شريت؟! لا تنس أن لديك مالاً، فانفق منه وتاجر مع الله بكفالةٍ ليتيم أو مواساة لمسكين أو كسوة لعارٍ أو إطعامًا لجائع أو برًا بأقارب أو إجابةً لسائل، وإخوانكم في بلاد الشام ينتظرون جودكم وكرمكم ،ثم اعلموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّهِ، فقال في محكم التنزيل: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))

راعي الوقيد
26-04-2013, 13:47
نعم ؛ هذا ماسمعناه من خطيبنا اليوم في خطبته
جزاكم الله خير