المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : همة تنـــاطح الجبـــــــال ( خطبة جمعة الغد 1433/10/27 )



محمدالمهوس
13-09-2012, 15:07
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه، وعلى إخوانه من الأنبياء، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله فتقوى الله عز وجل وصية الله لعباده الأولين والآخرين(( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ))
عباد الله / همةٌ فوق السحاب لأحد الأبطال ذلك الرجل البسيط ، الذي كان يرعى الغنم في بادئ أمره ، همته وأعلى طموحاته شاة يقودها,ومرعى خصبا ترعى فيه ،كان يقيم في بني أسلم بالقرب من المدينة النبوية مع والديه سمع هذا الرجل بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة ، وسمع عن صدقه وأمانته ، وحب أصحابه له ، فما كان منه إلا أن ترك غنيماته وذهب ليرى هذا الرجل الذي سمع عنه ، وهناك في المدينة النبوية كانت النقلةُ الكبرى التي قدرها الله تعالى لهذا الرجل ،كانت النقلة التي غيرت هذا الرجل ، قدم المدينة ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم وآمن به وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , ثم عاد راعي الغنم بعد ذلك إلى أهله ، عاد ولكنه لم يعد ، نعم لقد عاد بجسده , ولم يعد بفكره ومشاعره لقد كان جسدُه بين أهله , وقلبُه في المدينة النبوية ،هذه المشاعر الإيمانية قادته للعودة للمدينة ، فبعد وقت غير طويل من اللقاء الأول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن والديه ليسكن المدينة قرب الرسول صلى الله عليه وسلم , فوصل المدينة ، وقابله النبي صلى الله عليه وسلم بالبشر الذي قابله به أول مرة ، وعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فزاد فرحا ولكن فقره وقلة ما في يده جعله مع أهل الصفة.
وحبه للنبي صلى الله عليه وسلم قاده لطلب عظيم وهو أن يكون خادما للنبي صلى الله عليه وسلم ، نعم – عباد الله – خادماً لأعظم من وطأت رجله الثرى ، لأعظم البشر ، إنه ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه : والذي يقول: كنت فتى حديث السن لما أشرقت نفسي بالإيمان ، وامتلأ فؤادي بمعاني الإسلام ، ولما اكتحلت عيناي بمرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مرة أحببته حبا ملأ علي كل جارحة من جوارحي ، وأولعت به ولعا صرفني عن كل ما عداه ، فقلت في نفسي ذات يوم : ويحك يا ربيعة لم لا تجرد نفسك لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ اعرض نفسك عليه فإن رضي بك سعدت بقربه وفزت بحبه وحظيت بخيري الدنيا والآخرة .ثم ما لبثت أن عرضت نفسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجوت أن يقبلني في خدمته فلم يخيب رجائي ، ورضي بي أن أكون خادما له ، فصرت منذ ذلك اليوم ألزم للنبي الكريم من ظله ، أسير معه أينما سار ، وأدور في فَلكه كيفما دار ، فما رام بطرفه مرة نحوي إلا مثلت واقفا بين يديه ، وما تشوف النبي عليه الصلاة والسلام لحاجة من حاجاته إلا وجدني مسرعا في قضائها ، وكنت أخدمه نهاره كله ، فإذا انقضى النهار وصلى العشاء الآخرة ، وأوى إلى بيته ،أهم بالانصراف ، لكني ما ألبث أن أقول في نفسي :إلى أين تمضي يا ربيعة ؟ هل لك مكان أجمل من هذا المكان ؟ أو موقف أشرف من هذا الموقف ؟ إلى أين تمضي ؟ فلعلها تعرض للنبي عليه الصلاة والسلام حاجة في الليل فأجلس على بابه ،ولا أتحول عن عتبة بيته ، يقول ربيعة : أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يجازيني على خدمتي له ، فأقبل علي ذات يوم، وقال : يا ربيعة بن كعب "قلت : لبيك يا رسول الله ، وسعديك قال : " سلني شيئا أعطِه لك أنت خدمتنا ، اطلب مني حاجة "فترويت قليلا ، ثم قلت : أمهلني يا رسول الله لأنظر فيما أطلبه منك ، ثم أعلمك فقال عليه الصلاة والسلام : " لا بأس عليك "وكنت يومئذ شابا فقيرا لا أهل لي ولا مال ولا سكن ، وإنما كنت آوي إلى صفة المسجد ، وكان الناس يدعوننا بضيوف الإسلام ، فإذا أتى أحد المسلمين بصدقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها كلها إلينا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة أبدا ،أما الهدية فيأكل منها ، ويهدي بعضها ، فحدثتني نفسي أن أطلب من النبي صلى الله عليه وسلم من خير الدنيا ، يزوجني ، وأطلب بيتا ، وأغتني به من فقر ، وأغدو كالآخرين ذا مال وزوج وولد ، لكني ما لبثت أن قلت :تبا لك يا ربيعة بن كعب ، إن الدنيا زائلة فانية ، وإن لك فيها رزقا كفله الله عزوجل ،فلا بد أن يأتيك ، والنبي صلى الله عليه وسلم له منزلة عند ربه ، فلا يرد معها طلب ،فاطلب منه أن يسأل الله لك من فضل الآخرة ، الدنيا لا قيمة لها ، فطابت نفسي بذلك ،واستراحت له ، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي "ما تقول يا ربيعة ؟ "قلت : يا رسول الله أسألك أن تدعو لي الله سبحانه وتعالى:أن يجعلني رفيقا لك في الجنة فقال صلى الله عليه وسلم : " من أوصاك بذلك ؟ "قلت : لا ، والله ما أوصاني به أحد ، ولكنك حينما قلت لي : سلني أعطك ، حدثتني نفسي أن أسألك شيئا من خير الدنيا ، ثم ما لبثت أن هُديت إلى إيثار الباقية على الفانية ، فسألتك أن تدعو الله لي أن أكون رفيقك في الجنة ، فصمتَ النبي صلى الله عليه وسلم طويلا ، ثم قال " أَو غير ذلك يا ربيعة ؟ "قلت : لا يا رسول الله ، فصمت رسول الله طويلا ثم قال لي )) إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود((الله أكبر .. إن الهمم لتصغر أمام هذه الهمة الرفيعة , والأماني تتلاشى عند هذه الأمنية – نعم عباد الله – أمنية وهمة فوق السحاب لأحد الأبطال نعم همة تناطح الجبال وأمنية تريد أن تصل إلى المنال.
لم يرد ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه الجنة فحسب ..بل أراد أعلى منزلة فيها لقد أراد رضي الله عنه مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم .
بقي ربيعة رضي الله عنه ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم لايريد أن يشغله أحد عن هذا الشرف العظيم ، حتى أنه رضي الله عنه لم يفكر أن يتزوج لنفس
هذا السبب ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة فطن لهذا الأمر واهتم له ، يقول ربيعة رضي الله عنه كما يرويها : لم يمض على ذلك وقت طويل حتى ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال : )) يا ربيعة ، ألا تتزوج ؟ ((قلت : لا أحب أن يشغلني شيء عن خدمتك يا رسول الله ، ثم إنه ليس لي ما أمهربه الزوجة .فسكت صلى الله عليه وسلم ثم رآني ثانية ، فقال)) :يا ربيعة ألا تتزوج ((فأجبته بمثل ما قلت له في المرة السابقة – الله أكبر عباد الله – كم كان الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم حريصا على أصحابه متلمسا لحتياجاتهم ، ومامنعته مكانته عند ربه اهتمامه بخدمة الفقراء من أصحابه رضي الله عنهم وفي هذا ضرب من التواضع بديع ، وتعليم للأمة على اهتمام المسؤول برعيته.
يقول ربيعة : لكني ما إن خلوت إلى نفسي حتى ندمت على ما كان مني ، وقلت :ويحك يا ربيعة ، فو الله إن النبي لأعلم منك يا ربيعة بما هو أصلح لك في دينك ودنياك ، وأَعرف منك بما عندك ، والله لأن دعاني النبي صلى الله عليه وسلم بعدهذه المرة للزواج لأجبته ، ثم لم يمض على ذلك طويل وقت حتى قال لي النبي
صلى الله عليه وسلم : (( يا ربيعة ، ألا تتزوج)) للمرة الثالثة ، قلت :بلى يا رسول الله ، أريد أن أتزوج ، ولكن من يزوجني وأنا كما تعلم ؟ فقال: ((انطلق إلى آل فلان ، وقل لهم : إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة)) فأتيتهم على استحياء ، لا أملك من الصداق شيئا ؟وقلت لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة . قالوا : مرحبا برسول الله ، ومرحبا برسول رسول الله ، والله لا يرجع رسولُ رسول الله إلا بحاجته ، وعقدوا لي عليها ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ،قلت له : يا رسول الله ، لقد جئت من عند خير بيت ، وزوجوني ، وعقدوا لي على ابنتهم ، فمِن أين آتيهم بالمهر يا رسول الله ؟فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب – رضي الله عنه - وكان سيدا من سادات بني أسلم ، وقال له : )) يا بريدة اجمع لربيعة وزن نواة ذهبا((فجمعوها لي ، فقال لي صلى الله عليه وسلم (( اذهب بهذا إليهم ، وقل لهم : هذا صداق ابنتكم)) ،فأتيتهم ودفعته لهم ، فقبلوه ، ورضوا به ، وقالوا : كثير طيب فتزوج ربيعة بعدما جمع له المهر والوليمة والمسكن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم ، وتمثلوا البنيان المرصوص الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم ، فوالله ياعباد الله لو استشعرنا تلك المعاني في حياتنا ومعاملاتنا أوجدنا مجتمعا مثاليا متماسكا متعاونا .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
عباد الله / تحتاج الأمة دائماً إلى تدبر سير العظام منها ، وهل أعظم قدراً وأعلى مكاناً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – نعم عباد الله - لقد سطرت كتب التاريخ والسنة صفحات خالدة لأولئك الرجال رضي الله عنهم وأرضاهم (( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))
لقد أثنى الله عليهم في كتابه وعدلهم ووثقهم وبين شرفهم وسابقتهم، وأخبر تعالى عن رضاه عنهم ورضاهم عنه أثنى عليهم ثناء عطراً ليس في القرآن فقط؛ بل أثنى عليهم جلّ وعلا في القرآن والإنجيل والتوراة؛ فقال الله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً))
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال: ((إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ : أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وَعَلي ، وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة ، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .

سالم الظفيري
13-09-2012, 22:22
بارك الله فيك وجزاك الله خير


الله يحفظك

هند القاضي
14-09-2012, 07:04
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك