المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : %%مجـــــــــــــــــموع الفتاوى%%



ابو ضاري
19-11-2010, 08:47
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاه والسلام على اشرف الانبياء نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

هذه مجموع من فتاوى للشيخ ابن عثيمين غفر الله له

في باب فتاوي العقيده

وفتاوي الطهاره

وفتاوي الصلاه

وفتاوي الزكاه

وفتاوي الصوم

وفتاوي الحج

سوف ناتي بااقسامها جميعادون التطرق الى وضع سؤال عن فتوى عن طريق الاعضاء ولهذا السببوضعنا هذه الفتاوي لكي تعم الفائده بيننا ونستفيد في امور ديننا وهذه الفتاوي ماخوذه من موقع الشيخ غفر الله له



فتاوى العقيدة




التوحيد والاعتقاد




الغاية مِن خلق البشر

السؤال (1) : فضيلة الشيخ، ما هي الغاية مِن خَلق البشر؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد : فإنه قبل أن أجيب على هذا السؤال ، أحب أن أنبه على قاعدة عامة فيما يخلقه الله عز وجل ، وفيما يشرعه ، وهذه القاعدة مأخوذة من قوله تباركوتعالى : ( وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(التحريم: 2)، وقوله : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(الأحزاب: 1)، وغيرهما من الآيات الكثيرة الدالة على إثبات الحكمة لله عز وجل ، فيما يخلقه ، وفيما يشرعه ، أي في أحكامه الكونية والشرعية ، فإنه ما من شيء يخلقه الله عز وجل إلا وله حكمة ، وسواء كان ذلك في إيجاده أو إعدامه ، وما من شيء يشرعه الله سبحانه وتعالى إلا لحكمة ، سواء كان ذلك في إيجابه ، أو تحريمه ، أو إباحته.
لكن هذه الحكم التي يتضمنها حكمه الكوني والشرعي ، قد تكون معلومة لنا ، وقد تكون مجهولة ، وقد تكون معلومة لبعض الناس دون بعض ، حسب ما يأتيهم الله سبحانه وتعالى من العلم والفهم إذا تقرر هذا فإننا نقول : إن الله سبحانه وتعالى خلق الجن والإنس لحكمة عظيمة ، وغاية حميدة، وهي عبادته تبارك وتعالى .
كما قال الله سبحانه وتعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، وقال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115) ، وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (القيامة:36)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن لله تعالى حكمة بالغة في خلق الجن والإنس ، وهي عبادته.
والعبادة هي التذلل لله عز وجل ، محبة ، وتعظيماً بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه ، على الوجه الذي جاءت به شرائعه ، قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )(البينة: 5) فهذه هي الحكمة من خلق الجن والإنس ، وعلى هذا فمن تمرد على ربه ، واستكبر عن عبادته ، فإنه يكون نابذاً لهذه الحكمة التي خلق العباد من أجلها ، وفعله يشهد بأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق عبثاً وسدى ، وهو وإن لم يصرح بذلك ، لكن هذا مقتضى تمرده واستكباره عن طاعة ربه.
السؤال(2): فضيلة الشيخ ، لكن هل للعبادة مفهوم يمكن أن نعرفه ، وهل لها مفهوم عام ، ومفهوم خاص ؟
الجواب : نعم مفهومها العام كما أشرت إليه آنفاً ، بأنها التذلل لله عز وجل محبة وتعظيماً ، بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، على الوجه الذي جاءت به شرائعه ، هذا المفهوم العام.
والمفهوم الخاص - أعني تفصيلها - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هي " اسم جامع لكل ما يجبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، كالخوف ، والخشية ، والتوكل ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، وغير ذلك من شرائع الإسلام".
ثم إن كنت تقصد بمعنى المفهوم الخاص والعام ما ذكره بعض العلماء من أن العبادة إما عبادة كونية ، أو عبادة شرعية ، بمعنى أن الإنسان قد يكون متذللاً لله سبحانه وتعالى تذللا كونيا وتذللاً شرعياً، فالعبادة الكونية عامة ، تشمل المؤمن والكافر ، والبر والفاجر، لقوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93) ، فكل ما في السموات والأرض فهو خاضع لله سبحانه وتعالى كوناً ، لا يمكن أبداً أن يضاد الله ، أو يعارضه فيما أراد - سبحانه وتعالى - بالإرادة الكونية.
وأما العبادة الخاصة : وهي العبادة الشرعية ، وهل التذلل لله تعالى شرعاً، فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى ، القائمين بأمره ثم إن منها ما هو خاص أخص ، وخاص فوق ذلك .
فالخاص الأخص كعبادة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، مثل قوله تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ )(الفرقان: 1)، وقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا)(البقرة: 23) ، وقوله : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) (ص:45)، وغير ذلك من وصف الرسل عليهم الصلاة والسلام بالعبودية.
السؤال (3): فضيلة الشيخ ، هل يثاب من اختصوا بالعبادة الكونية عن هذه العبادة الشرعية؟
الجواب : هؤلاء لا يثابون عليها ، لأنهم خاضعون لله تعالى شاؤوا أم أبوا فالإنسان يمرض ، ويفقر ، ويفقد محبوبه ، من غير أن يكون مريداً لذلك ، بل هو كاره لذلك ، لكن هذا خضوع لله عز وجل خضوعاً كونياً

أول واجب على العبيد

السؤال (4) : فضيلة الشيخ ، ما هو أول واجب على الخلق؟
الجواب: أول واجب على الخلق ، هو أول ما يدعى الخلق إليه ، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ، فقال "إنك تأتي قوماً أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله"(1)، فهذا أول وجب على العباد ، أن يوحدوا الله عز وجل ، وأن يشهدوا لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وبتوحيد الله سبحانه وتعالى ، والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، يتحقق الإخلاص والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة .
فهذا هو أول ما يجب على العباد ، أن يوحدوا الله ، ويشهدوا لرسله صلى الله عليهم وسلم بالرسالة ، فشهادة أن لا إله إلا الله تتضمن التوحيد كله.



علاقة الشهادة بأنواع التوحيد

السؤال (5) : فضيلة الشيخ ، لكن هل تشمل الشهادة أنواع التوحيد؟
الجواب : هي تشمل أنواع التوحيد كلها ، إما بالتضمن وإما بالالتزام ، وذلك أن قول القائل : أشهد أن لا إله إلا الله ، يتبادر إلى المفهوم ، أن المراد بها توحيد العبادة ، وتوحيد العبادة الذي يسمى توحيد الألوهية مستلزم بل متضمن لتوحيد الربوبية ، لأن كل من عبد لله وحده فإنه لن يعبده حتى يكون مقرا له بالربوبية ، وكذلك متضمن لتوحيد الأسماء والصفات ، لأن الإنسان لا يعبد إلا من علم أنه مستحق للعبادة ، لما له من الأسماء والصفات ، ولهذا قال إبراهيم لأبيه : ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)(مريم: 42)، فتوحيد العبادة ، وهو توحيد الألوهية ، متضمن لتوحيد الربوبية والأسماء والصفات .



معنى التوحيد

السؤال (6) : فضيلة الشيخ ، ما معنى التوحيد ؟
الجواب : التوحيد مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء وحداً ، وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات ، نفي الحكم عما سوى الموحد ، وإثباته له فمثلاً نقول : إنه لا يتم للإنسان التوحيد ، حتى يشهد أن لا إله إلا الله ، فينفي الألوهية عما سوى الله ، ويثبتها لله وحده ، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض ، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم ، فلو قلت مثلاً : فلان قائم ، فهنا أثبت له القيام ، لكنك لم توحده به لأنه من الجائز أن يشركه غيره في هذا القيام ، ولو قلت : لا قائم ، فقد نفيت نفياً محضا ، ولم تثبت القيام لأحد فإذا قلت : لا قائم إلا زيد أو : لا قائم إلا فلان ، فحينئذ تكون وحدت فلاناً بالقيام ، حيث نفيت القيام عمن سواه ، وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع ، أي أن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً .
السؤال (7) : فضيلة الشيخ ، ما هي أنواع التوحيد على سبيل الإجمال؟
الجواب : أنواع التوحيد حسب ما ذكره أهل العلم ثلاثة :
توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهيية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء ، والنظر في الآيات والأحاديث ، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة ، فنوعوا التوحيد إلى ثلاثة أنواع .



أنواع التوحيد

السؤال (8) : فضيلة الشيخ ، ما هي أنواع التوحيد مع التوضيح والأمثلة لذلك ؟
الجواب : أنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل ، تدخل كلها في تعريف عام ، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما يخص به ، وهي ثلاثة أنواع :
توحيد الربوبية : وهو إفراد الله تعالى بالخلق ، والملك ، والتدبير ، فالله تعالى وحده هو الخالق ، لا خالق سواه قال الله تعالى ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَه إلا هو)(فاطر: 3)، وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17)، فالله تعالى وحده هو الخالق ، خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وخلقه يشمل ما يقع من مفعولاته ، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً ، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالق لأفعال العباد ، كما قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96) .
ووجه ذلك : أن فعل العبد من صفاته ، والعبد مخلوق لله ، وخالق الشيء خالق لصفاته.
ووجه آخر : أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة ، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل ، وخالق السبب التام خالق للمسبب ، فإذا قلت : كيف نقول إنه تعالى منفرد بالخلق ، مع أن الخلق قد يثبت لغير الله ، كما يدل عليه قول الله تعالى : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: 14)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين : " يقال لهم أحيوا ما خلقتم (2) ، فالجواب على ذلك : أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله ، فلا يمكنه إيجاد معدوم ، ولا إحياء ميت ، وإنما خلق غير الله سبحانه وتعالى يكون بالتغيير ، وتحويل الشيء من صفة إلى أخرى ، وهو مخلوق لله عز وجل ، فالمصور مثلاً إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئاً ، غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء ، كما يحول الطين إلى صورة طير ، أو إلى صورة جمل ، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة ، والمداد كله من خلق الله عز وجل ، والورقة البيضاء أيضاً من خلق الله عز وجل ، فهذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة لله عز وجل ، وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق ، وعلى هذا فيكون الله تعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به .
ثانياً : من توحيد الربوبية : إفراد الله تعالى بالملك ، فالله تعالى وحده هو المالك ، كما قال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1) ، وقال تعالى : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ) (المؤمنون:88) ، فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده ، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية ، فقد أثبت الله تعالى لغيره الملك ، كما في قوله تعالى ( أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ)(النور: 61) ، وقوله تعالى : (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ )(المؤمنون: 6)، وما أشبه ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً ، لكن هذا الملك ليس كملك الله عز وجل ، فهو ملك قاصر ، وملك مقيد ، ملك قاصر لا يشمل ، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو ، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد ، ثم هذا الملك مقيد ، بحث لا يتصرف الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن الله فيه ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال(3). وقال الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً )(النساء:5)، وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملك قاصر ، وملك مقيد، بخلاف ملك الله سبحانه وتعالى فهو ملك عام شامل ، وملك مطلق ، يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
الركن الثالث من أركان توحيد الربوبية: أن الله تعالى منفرد بالتدبير ، فهو سبحانه وتعالى الذي يدبر الخلق ، يدبر أمر السموات والأرض كما قال الله تعالى : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الأعراف: 54)، وهذا التدبير تدبير شامل ، لا يحول دونه شيء ، ولا يعارضه شيء ، والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات ، كتدبير الإنسان أمواله ، وغلمانه ، وخدمه ، وما أشبه ذلك ، هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق ، فظهر بذلك صحة قولنا : إن توحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى بالخلق ، والملك، والتدبير ، فهذا هو توحيد الربوبية.
أما النوع الثاني : فهو توحيد الألوهية، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه ، كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه ، وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون ، الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ، واستباح نساءهم وذريتهم وأموالهم وأرضهم وديارهم ، وهو الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي الربوبية والأسماء والصفات ، لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد ، وهو توحيد الألوهية ، بحيث لا يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى ، لا لملك مقرب ، ولا لنبي مرسل ، ولا لولي صالح ، ولا لأي أحد من المخلوقين ، لأن العبادة لا تصح إلا لله عز وجل ، ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر ، وإن أقر بتوحيد الربوبية وبتوحيد الأسماء والصفات ، فلو أن رجلاً من الناس يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور ، وأنه سبحانه وتعالى المستحق لما يستحقه من الأسماء والصفات ، لكن يعبد مع الله غيره ، لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية وبتوحيد الأسماء والصفات ، لو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه ، أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه ، فإن هذا مشرك كافر ، خالد في النار ، قال الله تعالى ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: 72).
ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله عز وجل ، أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم ، وسبى ذريتهم ونساءهم ، وغنم أرضهم ، كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق ، لا يشكون في ذلك ، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره ، صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال.
أما النوع الثالث من أنواع التوحيد : فهو توحيد الأسماء والصفات ، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بإثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فلابد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ، ووصف به نفسه ، على وجه الحقيقة لا المجاز ، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل.
وهذا النوع من أنواع التوحيد ضلت فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة ، الذين ينتسبون إلى الإسلام على أوجه شتى ،منهم من غلا في النفي والتنزيه غلوا يخرج به من الإسلام ، ومنهم متوسط ، ومنهم قريب من أهل السنة ، ولكن طريق السلف في هذا النوع من التوحيد ، هو أن يسمى الله عز وجل ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة ، بلا تحريف ، ولا تعطيل ولا تكييف ، ولا تمثيل.
مثال ذلك : أن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالحي القيوم ، فيجب علينا أن نؤمن بالحي على أنه اسم من أسماء الله ، ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف ، وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ، ولا يلحقها فناء ، وسمى الله سبحانه وتعالى نفسه بالسميع العليم ، فيجب علينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله ، وبالسمع صفة من صفاته ، وبأنه يسمع ، وهو الحكم ، الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة ، فإن سميعاً بلا سمع ، أو سمعاً بلا إدراك مسموع ، هذا شيء محال ، وعلى هذا فقس.
مثال آخر : قال الله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64)، فهنا قال الله تعالى : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط ، وهو العطاء الواسع ، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم ، ولكن يجب علينا ألا نحاول ، لا بقلوبنا وتصوراتنا ولا بألسنتنا أن نكيف تلك اليدين ، ولا نمثلهما بأيدي المخلوقين ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) ويقول الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33)، ويقول الله عز وجل : (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36) .
فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله عز وجل: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) ، وقد عصى الله تعالى في قوله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل:74) ، ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أيا كانت هذه الكيفية فقد قال على الله ما لا يعلم ، وقفا ما ليس له به علم.

أهمية توحيد الأسماء والصفات

السؤال (9) : فضيلة الشيخ ، نريد زيادة تفصيل في القسم الأخيرة من أقسام التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات؟
الجواب : الحقيقة أن هذا النوع من التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات ، ينبغي أن يبسط فيه القول لأنه مهم ، ولأن الأمة الإسلامية تفرقت فيه تفرقاً كثيراً ، وهدى الله الذين آمنوا من السلف وأتباعهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
تقدم لنا قاعدة في هذا النوع ، وهو أنه يجب علينا أن نثبت ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات ، على وجه الحقيقة ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ، وذكرنا لهذا أمثلة في أسماء الله عز وجل ، ومثالاً في صفة من صفاته وهي صفة اليدين ، وذكرنا أنه يجب فيما يتعلق بالأسماء، أن نثبت ما سمى الله به نفسه اسماً لله ، وأن نثبت ما تضمنه من صفة وما تضمنه من حكم ، وهو الأثر الذي تقتضيه هذه الصفة ، وذكرنا أنه يجب علينا أن نؤمن بما وصف الله به نفسه من الصفات على وجه الحقيقة أيضاً ، وذكرناً مثالاً وهو اليدان ، حيث أثبت الله لنفسه يدين اثنتين ، وهما ثابتتان لله على وجه الحقيقة ، لكن لا يجوز لنا أن نمثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين ، ولا أن نتصور بقلوبنا أو ننطق بألسنتنا عن كيفية هاتين اليدين ، لأن التمثيل تكذيب لقول الله عز وجل : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى:11) ، وعصيان لله ، لقوله تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل:74) .
وأما التكييف فهو وقوع فيما حرم الله ونهى عنه ، لأن الله يقول : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33)، (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36) .
نزيد مثالاً ثانياً في الصفات ، وهو استواء الله على تعالى على عرشه ، فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على عرشه في سبعة مواضع من كتابه ، كلها أتت بلفظ " استوى"، وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) ، وأمثالها من الآيات ، معناها علا على عرشه عز وجل علوا خاصا غير العلو العام على جميع الأكوان وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة ، فهو عال على عرشه علوا يليق به عز وجل لا يشبه علو الإنسان على السرير ، ولا علوه على الأنعام ولا علوه على الفلك ، الذي ذكره الله في قوله : ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) (12) (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ5 الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (13) (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف 12-14)، فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء على عرشه ، لأنه الله ، ليس كمثله شيء في جميع نعوته.
وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال : إن معنى " استوى على العرش" استولى على العرش ، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، ومستلزم للوازم باطلة ، لا يمكن للمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة إلى الله عز جل ، فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك، كما قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3)، وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (193) (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (194) (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:193-195) ، ومقتضى هذه الصيغة " استوى على كذا" في اللغة العربية : العلو والاستقرار ، بل هو معناها المطابق للفظ.
فمعنى " استوى على العرش" أي علا عليه علو خاصا يليق بجلاله وعظمته ، فإذا فسرناه باستولى فقد حرفنا الكلم عن مواضعه ، حيث أخرجنا هذا المعنى الذي تدل عليه اللغة - لغة القرآن وهو العلو إلى معنى الاستيلاء ، ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى ، إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك . وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف ما يخالف ظاهره ، أو لم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره ، فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه ، ولهذا لو قال لنا قائل : هل عندكم لفظ صريح بأن السلف فسروا استوى بمنى علا ، قلنا : نعم ورد ذلك عن السلف، وعلى فرض أن لا يكون ورد عنهم صريحاً ، فإن الأصل فيما يدل عليه اللفظ في القرآن الكريم والسنة والنبوية ، أنه باق على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى.
أما اللوازم الباطلة التي تلزم على تفسيرنا الاستواء بمعنى الاستيلاء ، فإننا إذا تدبرنا قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف:54)، وقلنا "استوى" بمعنى "استولى" لزم من ذلك أن يكون العرش قبل خلق السموات والأرض ليس ملكاً لله عز وجل ، لأنه قال : خلق ثم استوى ، فإذا قلت : أي " ثم استولى" لزم من ذلك أن يكون العرش ليس ملكاً لله سبحانه وتعالى قبل خلق السموات والأرض ، ولا حين خلق السموات والأرض ، وأيضاً يلزم منه أن يصح التعبير بقولنا : "إن الله استوى على الأرض، واستوى على أي شيء من مخلوقاته - نقدره أو نقوله - وهذا لا شك أنه معنى باطل لا يليق بالله عز وجل ، فتبين بهذا أن تفسير الاستواء بالاستيلاء فيه محظوران:
أحدهما : تحريف الكلم عن مواضعه .
والثاني : أن يتصف الله عز وجل بما لا يليق به.


الواجب تجاه كل نوع من أنواع التوحيد

السؤال (10): فضيلة الشيخ ، ما هو الواجب علينا نحو كل نوع منها على حدة؟
الجواب: الواجب علينا أن نعتقد ما يتضمنه كل نوع ، وأن نوحد الله عز وجل بما يقتضيه هذا النوع من المعاني .


خطر عبادة غير الله

السؤال (11) : فضيلة الشيخ ، ما حكم صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله سبحانه؟
الجواب : هذه ربما يفهم الجواب مما سبق آنفاً حيث قلنا :إن توحيد العبادة إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ، بأن لا يتعبد أحد لغير الله تعالى بشيء من أنواع العبادة ، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب به الإنسان إلى ربه ، لأن الله تعالى أمر به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2)، وكل قربة فهي عبادة ، فإذا ذبح الإنسان شيئاً لغير الله تعظيماً له ، وتذللاً ، وتقرباً إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه عز وجل ، كان مشركاً بالله سبحانه وتعالى ، وإذا كان مشركاً فإن الله تعالى قد بين أن المشرك حرم الله عليه الجنة وأن مأواه النار.
وبناء على ذلك نقول : إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور - قبور الذين يزعمونهم أولياء - شرك مخرج عن الملة ، ونصيحتنا لهؤلاء : أن يتوبوا إلى الله عز وعجل مما صنعوا ، وإذا تابوا إلى الله ، وجعلوا الذبح لله وحده ، كما يجعلون الصلاة لله وحده ، والصيام لله وحده ، فإنهم يغفر لهم ما قد سبق ، كما قال الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (لأنفال:38)، بل إن الله سبحانه وتعالى يعطيهم فوق ذلك ، فيبدل الله سيئاتهم حسنات، كما قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:68-70). فنصيحتي لهؤلاء الذين يتقربون إلى أصحاب القبور بالذبح لهم ، أن يتوبوا إلى الله تعالى من ذلك ، وأن يرجعوا إليه ، وأن يبشروا إذا تابوا بالتوبة من الكريم المنان ، فإن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة التائبين .


معنى الشهادتين

السؤال (12) : فضيلة الشيخ ، ما معنى الشهادتين ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟
الجواب : الشهادتان : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، هما مفتاح الإسلام ، ولا يمكن الولوج إلى الإسلام إلا بهما ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله(4).
فإما الكلمة الأولى : وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، فأن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه ، بأنه لا معبود إلا الله عز وجل ، لأن إله بمعنى مألوه ، والتأله : التعبد والمعنى : أنه لا معبود إلا الله تعالى وحده.
وهذا الجملة تشتمل على نفي وإثبات ، فأما النفي ففي قوله "لا إله"، وأما الإثبات ففي قوله :"لا إله ، و"الله" بدل من الخبر المحذوف خبر "لا" لأن التقدير : "لا إله حق إلا الله". فهو إقرار باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل ، وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده ، ونفي العبادة عما سواه ، وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة "حق"، يتبين الجواب عن الإشكال الذي (يورده) كثير من الناس وهو كيف تقولون : "لا إله إلا الله" مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله . سماها الله آلهة ، وسماها عابدوها آلهة . فقال الله تبارك وتعالى : ( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ )(هود:101)، وقال تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)(الاسراء: 39)، وقال تعالى : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)(القصص: 88)، فكيف يمكن أن نقول "لا إله إلا الله"، مع ثبوت الألوهية لغير الله عز وجل ، وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله والرسل يقولون لأقوامهم : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )(الأعراف: من الآية59).
والجواب على هذا الإشكال : يتبين بتقدير الخبر في " لا إله إلا الله" فنقول : هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة ، لكنها آلهة باطلة ، ليست آلهة حقة ، وليس لها من حق الألوهية شيء ، ويدل لذلك قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (لقمان:30)، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (19) (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (20) (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى) (21) (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى) (22) (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ )(النجم: 19-23)، وقوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام : (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) (يوسف:40) ، إذن فمعنى لا إله إلا الله أي لا معبود حق إلا الله عز وجل ، فأما المعبودات سواه ، من الرسول ، أو الملائكة ، أو الأولياء ، أو الأحجار ، أو الأشجار ، أو الشمس ، أو القمر ، أو غير ذلك فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقة ، أي ألوهية باطلة . بل الألوهية الحق هي ألوهية الله عز وجل .



معنى شهادة أن محمداً رسول الله

السؤال (13): فضيلة الشيخ ، هذا معنى شهادة لا إله إلا الله ، فما معنى شهادة أن محمداً رسول الله ؟
الجواب : أما معنى شهادة أن محمداً رسول الله ، فهو الإقرار باللسان ، والإيمان بالقلب ، بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله عز وجل إلى جميع الخلق ، من الجن والإنس ، كما قال الله تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158) وقال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1)، ومقتضى هذه الشهادة: أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر ، وأن تمتثل أمره فيما أمر ، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر ، وألا تعبد الله إلا بما شرع ، ومقتضى هذه الشهادة أيضاً : ألا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقا من الربوبية وتصريف الكون ، أو حقا في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد ، ورسول لا يكذب ، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع والضر إلا ما شاء الله ، كما قال الله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأنعام:50).
فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به ، وقال الله تعالى (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (21) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (الجـن:21،22)، وقال الله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:188)، فهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، وبهذا المعنى نعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من دونه من المخلوقين ، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه أن ننزله المنزلة التي أنزله الله تعالى ، وهو أنه عبد الله ورسوله .



الفرق بين الاعتراف باللسان والقلب

السؤال (14) : فضيلة الشيخ ، لكن ما الفرق بين الاعتراف باللسان والقلب ، وهل يلزم الجمع بينهما ؟
الجواب : نعم ، الفرق بين الاعتراف بالقلب واللسان ظاهر ، فإن من الناس من يعترف بلسانه دون قلبه كالمنافقين ، فالمنافقون يقول الله عنهم : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) (المنافقون:1)، لكن قال الله تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)(المنافقون: 1)، هؤلاء اعترفوا بألسنتهم دون قلوبهم ، وقد يعترف الإنسان بقلبه، لكن لا ينطق به ، وهذا الاعتراف لا ينفعه بالنسبة لنا ظاهراً ، أما فيما بينه وبين الله فالعلم عند الله ، أو فحكمه إلى الله ، لكنه في الدنيا لا ينفعه ، ولا يحكم بإسلامه مادام لا ينطق بلسانه ، اللهم إلا أن يكون عاجزاً عن ذلك ، عجزاً حسيا أو حكميا ، فقد يعامل بما تقتضيه حاله ، فلابد من الاعتراف بالقلب واللسان .



شبهة وجوابها

السؤال (15): فضيلة الشيخ ، الذي جرنا إلى هذا السؤال أن هناك فريقاً من الناس الآن إذا دعي أحدهم إلى العبادة قال : إن الله رب قلوب ، وهذا أيضاً الذي نريد التعليق عليه؟
الجواب : نعم نحن نقول : إن الله رب القلوب والألسن وليس رب القلوب فقط ، والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب"(5)، وهذا الحديث يبطل كل دعوى يدعيها بعض الناس ، إذا نصحته في أمر من الأمور مما عصى الله به قال لك : "التقوى هاهنا"(6)ويشير إلى صدره ، وهي كلمة حق أريد بها باطل ، والكلمة قد تكون حقا في مدلولها العام ، لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنى باطلاً ، ألا ترى إلى قول الله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ )(الأنعام: 148)، فهم قالوا : لو شاء الله ما أشركنا، وصدقوا فيما قالوه ، فلو شاء الله ما أشركوا ولكنهم لا يريدون بهذه الكلمة حقا ، بل يريدون بها تبرير بقائهم على شركهم ، ورفع العقوبة عنهم ، ولهذا قال الله تعالى : ( كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا )(الأنعام: 148)، فلم ينفعهم الاحتجاج بالقدر حين أردوا به الاستمرار على شركهم ، ورفع اللوم عنهم والعقوبة أما الواقع فإنه كما قالوا : "لو شاء الله ما أشركوا" كما قال الله تعالى لنبيه : (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (106) (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) (الأنعام: 106-107) لكن هناك فرق بين الحالين ، فالله قال لنبيه: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) ليبين أن شركهم واقع بمشيئته ، وأن له حكمة - سبحانه وتعالى - في وقوع الشرك منهم ، وليسلي نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الأمر الواقع منهم بمشيئته تبارك وتعالى .
فالمهم أن هذا الذي قال حينما نصحته : " التقوى هاهنا"قال كلمة حق لكنه أراد بها باطلاً ، فالذي قال : " التقوى هاهنا" هو النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الذي قال "التقوى هاهنا" هو الذي قال : ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله" ، فإذا كان في القلب تقوى ، لزم إن يكون في الجوارح تقوى . والعمل الظاهر عنوان على العمل الباطن .



مفهوم الإيمان

السؤال(16): فضيلة الشيخ، ما هو مفهوم الإيمان وأركانه بصورة مختصرة؟
الجواب : الإيمان له مفهومان : مفهوم لغوي ، وهو الإقرار بالشيء والتصديق به ، ومفهوم شرعي ، وهو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، فلا يكفي في الشرع أن يقر الإنسان بما يجب الإيمان به حتى يكون قابلاً ومذعناً ، فمثلاً : لو أقر الإنسان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرف أنه رسول الله ، لكن لم يقبل ما جاء به ، ولم يذعن لأمره ، فإنه ليس بمؤمن . ولهذا يوجد من المشركين من اعترفوا ، وأقروا للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، لكنهم لم ينقادوا له ولم يذعنوا ، بل بقوا على دين قومهم ، فلم ينفعهم هذا الإقرار المجرد عن القبول والإذعان ، فالإيمان في الشرع أخص من الإيمان في اللغة ، وقد يكون الإيمان في الشرع أعم من الإيمان في اللغة ، فالصلاة مثلاً من الإيمان شرعاً ، كما قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)(البقرة: 143) أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، لكنها في اللغة لا تسمى إيماناً ، لأنها عمل ظاهر ، والإيمان في اللغة من الأمور الباطنة.
إذن فإذا أردنا أن نعرف الإيمان الشرعي نقول فيه : هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، فإن لم يكن مستلزماً لذلك فليس بإيمان شرعاً .



علاقة هذا المفهوم بحديث جبريل عليه السلام

السؤال (17): فضيلة الشيخ ، هل هذا المفهوم هو المفهوم الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حينما سأله عن الإيمان؟
الجواب : نعم لأن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله الحقيقي يستلزم القبول والإذعان، فمن قال : إنه مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ولكن لم يقبل ولم يذعن ، لم ينفعه هذا القول ، ولا الإيمان الذي في قلبه أيضاً ، فلابد أن يقبل ويذعن.
السؤال (18): فضيلة الشيخ ، لكن إذا سئل الإنسان عن الإيمان هل يقول هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، أو يقول : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب : نحن نقول إنها القبول والإذعان ، وإذا قلنا بهذا وأراد السائل أن نفصل نقول : تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ثم إن تفصيل الإيمان الذي أشرنا إليه يشمل الدين كله.



مفهوم الإيمان وأركانه

السؤال (19): فضيلة الشيخ ، نريد أن نتوسع في مفهوم الإيمان ، وكذلك نريد أن نعرف أركان الإيمان ؟
الجواب : كنا تكلمنا عن التعريف الذي أشرنا إليه والتعريف الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل ، التعريف الذي أشرنا إليه هو تعريف عام يشمل الدين كله ، وهو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان ، وهو الذي يتكلم عليه العلماء في الأصول ، في كتب العقائد ، أما ما جاء في حديث جبريل ، فإنه مفهوم خاص للإيمان ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله جبريل عليه السلام عن الإسلام وبينه له ثم سأله عن الإيمان الذي هو العقيدة الباطنة .
والإسلام هو الأعمال الظاهرة ، وإلا فلا يشك أحد أن اعتقاد الإنسان بأنه لا إله إلا الله هو من الإيمان بلا شك ، لكنه لما كان قولاً صار من الأعمال الظاهرة ، التي هي الصلاة والزكاة والصوم والحج. والأركان التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام ستة كما هي معلومة ، قال عليه الصلاة والسلام في جوابه لجبريل: "الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(7)، ونتكلم على هذه الأركان الستة لأهميتها :
أما الإيمان بالله : فإنه يتضمن أربعة أمور : الإيمان بوجوده ، والإيمان بربويته ، والإيمان بألوهيته ، والإيمان بأسمائه وصفاته .
أما الإيمان بوجوده : فهو الإقرار التام بأن الله سبحانه وتعالى موجود ، ولم يفه أحد بإنكار وجود الله عز وجل إلا على سبيل المكابرة ، وإلا فإن كل عاقل لا يمكنه أن يدعي بأن هذا الكون خلق أو جاء صدفة، أو جاء من غير موجد ، لأن هذا ممتنع باتفاق العقلاء ، فالإيمان بوجوده أو بعبارة أصح وجود الله عز وجل دلت عليه جميع الأدلة ، العقلية ، والفطرية ، والحسية ، والشرعية ، هذه الأشياء الأربعة كلها دلت على وجود الله عز وجل .
أما الدليل العقلي : فإننا نشاهد هذا الكون في وجوده ، وفيما يحدث فيه من أمور لا يمكن أن يقدر عليها أحد من المخلوقين ، وجود هذا الكون ، السموات والأرض وما فيهما، من النجوم ، والجبال ، والأنهار ، والأشجار ، والناطق ، والبهيم ، وغير ذلك ، من أين حصل هذا الوجود؟ هل حصل هذا صدفة؟ أو حصل بغير موجد؟ أو أن هذا الوجود أوجد نفسه؟ هذه ثلاثة احتمالات لا يقبل العقل شيئاً رابعاً، وكلها باطلة إلا الاحتمال الرابع ، الذي هو الحق .
فأما كونها وجدت صدفة فهذا أمر ينكره العقل وينكره الواقع ، لأن مثل هذه المخلوقات العظيمة لا يمكنك أنت أن توجدها هكذا صدفة ، كل أثر لابد له من مؤثر وكون هذه المخلوقات العظيمة بهذا النظام البديع المتناسق ، الذي لا يتعارض ، ولا يتصادم ، لا يمكن أن يكون صدفة ، لأن الغالب فيما وقع صدفة ، أن تكون تغيراته غير منتظمة ، لأنه كله صدفة.
وأما كون هذا الوجود أوجد نفسه ، فظاهر الاستحالة أيضاً ، لأن هذا الوجود قبل أن يوجد ليس بشيء ، بل هو عدم ، والعدم لا يمكن أن يوجد معدوماً .
وأما كونه وجد من غير موجد فهو بمعنى قولنا إنه وجد صدفة ، وهذا كما سبق مستحيل.
بقي أن نقول : إنه وجد بموجد وهو الله عز وجل ، كما قال الله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (35) (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور:35-36)، إذا فهذا الكون دل عقلاً على وجود الله عز وجل .
وأما دلالة الفطرة : على وجود الله فأظهر من أن تحتاج إلى دليل ، لأن الإنسان بفطرته يؤمن بربه، قال النبي عليه الصلاة والسلام : "كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"(8)، ولهذا لو وقع على أي إنسان في الدنيا شيء بغتة وهذا الشيء مهلك له ، لكان يقول بلسانه من غير أن يشعر : يا الله ، أو يا رب ، أو ما أشبه ذلك ، مما يدل على أن الغريزة الفطرية جبلت على الإيمان بوجود الله عز وجل .
وأما دلالة الحس على وجود الله ، فما أكثر ما نسمع من إجابة الله تعالى للدعاء ، ومن إجابة الدعاء للإنسان نفسه ، كم من إنسان دعا الله وقال : يا رب ، فرأى الإجابة نصب عينه ، ففي القرآن أمثلة كثيرة من هذا مثل قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (:83) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ )(الأنبياء: 83-84)، وفي السنة أمثلة كثيرة أيضاً ، ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : يا رسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله يغيثنا ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : "اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، الله أغثنا"، وكانت السماء صحوا ليس فيها شيء من السحاب ، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من على منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام ، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً حتى دخل رجل من الجمعة الثانية ،فقال : يا رسول الله تهدم البناء ، وغرق المال ، فادع الله أن يمسكها عنا . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ، وجعل يقول : "اللهم حوالينا ولا علينا"(9) ويشير بيده فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله ، فخرج الناس يمشون في الشمس . وكم من دعاء دعا به الإنسان ربه فوجد الإجابة ، وهذا دليل حسي على وجود الله عز وجل.
أما الدليل الشرعي : فأكثر من أن يحصر ، كل القرآن ، وكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الحكمية والخبرية ، فإنه دال على وجود الله عز وجل ، كما قال الله تعالى في القرآن العظيم : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) ، هذا أحد ما يتضمنه الإيمان بالله وهو الإيمان بوجوده .
أما الإيمان بربويته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته ، فقد سبق القول المفصل فيها ، حين تكلمنا على أنواع التوحيد الثلاثة .



كيف نرد على الدهريين

السؤال (20): لكن نجد الدهريين مثلاً وهم كثير الآن وهم من العقلاء ، لأنهم يفكرون وينتجون ، لكنهم يجمعون على عدم وجود الله عز وجل ، فكيف يرد على مثل هؤلاء؟
الجواب : أولاً : أريد أن أعلق على قولك أنهم عقلاء ، فإن أردت بالعقل عقل إدراك فنعم هم عقلاء يدركون ويفهمون ، وإن أردت بذلك عقل الرشد ، فليسوا بعقلاء ، ولهذا وصف الله الكفار بأهم صم بكم عمي فهم لا يعلقون ، لكنهم عقلاء عقل إدراك ، تقوم به الحجة عليهم ، وهم إذا قالوا ذلك ، فإنما يقولون هذا مكابرة في الواقع ، وإلا فهم يعلمون أن الباب المنصوب لا يمكن أن يصنع نفسه، ولا يمكن أن ينصب نفسه ، يعرفون أن هذا الباب لابد له من نجار، أو حداد أقامه ، ولابد له من بناء ركبه ، بل يعلمون أن الطعام الذي يأكلونه ، والماء الذي يشربونه ، لابد له من مستخرج ، ولابد له من زارع ، وهم يعلمون أيضاً أنه ليس بإمكان أي أحد من الناس أن يكون هذا الزرع ، أو ينبت هذه الحبة ، حتى تكون زرعاً له ساق وثمر .
فهم يعلمون ذلك ، ويعلمون أن هذا ليس مما يقدر عليه البشر ، ولكنهم يكابرون ، والمكابر لا فائدة من محاجته ، ولا يمكن أن يقبل أبداً مهما كان ، لو تقول له : هذه الشمس وهي أمامه ما قبل ، فمثل هؤلاء تكون المجادلة معهم مضيعة وقت ، وتكون دعوتهم كما قال بعض أهل العلم بالمجالدة لا بالمجادلة.



الإيمان وأركانه

السؤال (21): فضيلة الشيخ ، بقي معنا أن نحدد أركان الإيمان ؟
الجواب : الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤمن بالله ، وملائكته ،…" تكلمنا عن الإيمان بالله ، أما الإيمان بالملائكة وهم عالم الغيب خلقهم الله عز وجل من نور ، وجعلهم طوع أمره (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20) ، ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم:6)، وهم على أصناف متعددة ، في أعمالهم ، ووظائفهم ، ومراتبهم ، فجبريل عليه الصلاة والسلام موكل بالوحي ، ينزل بوحي الله تعالى على رسل الله ، كما قال الله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (193) (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (194) (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:193-195)، وقال تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ )(النحل: من الآية102)، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلق عليها مرتين ، رآه مرة على صورته له ستمائة جناح قد سد الأفق(10). وميكائيل أحد الملائكة العظام ، وقد وكله الله عز وجل بالقطر والنبات ، القطر : المطر ، والنبات : نبات الأرض من المطر . وإسرافيل من الملائكة العظام ، وقد وكله الله عز وجل بالنفخ في الصور ، وهو أيضاً أحد حملة العرش العظيم ، وهؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم في استفتاح صلاة الليل ، يقول صلى الله عليه وسلم في استفتاح صلاة الليل: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم(11).
وذكر هؤلاء الثلاثة لأن كل واحد منهم موكل بما يتضمن الحياة ، والبعث من النوم يعتبر حياة ، فهؤلاء الثلاثة هم أفضل الملائكة فيما نعلم ، ومنهم ملك الموت الموكل بقبض أرواح الأحياء ، ومنهم ملكان موكلان بالإنسان يحفظان أعماله ، عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ومنهم ملائكة موكلون بتتبع حلق الذكر ، ومن أراد المزيد من ذلك فليراجع ما كتبه أهل العلم في هذا.



الإيمان بالملائكة

السؤال (22): فضيلة الشيخ ، هل بقي شيء يتعلق بالإيمان بالملائكة تريدون أن تتحدثوا عنه أم ننتقل إلى بقية الأركان؟
الجواب : بقي من الركن الثاني وهو الإيمان بالملائكة أن الإيمان بالملائكة عليهم الصلاة والسلام يكون إجمالاً ويكون تفصيلاً ، فما علمناه بعينه وجب علينا أن نؤمن به بعينه ونفصل ، نقول : نؤمن بالله ، نؤمن بجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، ومالك خازن النار ، وما أشبه ذلك. وما لم نعلمه بعينه فإننا نؤمن به إجمالاً ، فنؤمن بالملائكة على سبيل العموم ، والملائكة عدد كبير لا يحصيهم إلا الله عز وجل ، قال النبي عليه الصلاة والسلام "البيت المعمور الذي في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم"(12) ، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه : " ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد"(13) ، ولكننا لا نعلم أعيانهم ووظائفهم وأعمالهم إلا ما جاء به الشرع ، فما جاء به الشرع على وجه التفصيل ، من أحوالهم وأعمالهم ووظائفهم ، وجب علينا أن نؤمن به على سبيل التفصيل ، وما لم يأت على سبيل التفصيل ، فإننا نؤمن به إجمالاً .
وهؤلاء الملائكة الذين لهم من القدرة والقوة ما ليس للبشر من آيات الله عز وجل ، فيكون في الإيمان بهم إيمان بالله سبحانه وتعالى وبقدرته العظيمة ، وعلينا أن نحب هؤلاء الملائكة ، لأنهم مؤمنون ، ولأنهم قائمون بأمر الله عز وجل ، ومن كان عدوا لأحد منهم ، فإنه كافر ، كما قال الله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة:98) ، وقال تعالى : (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) (البقرة:97)، فالمهم أن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام علينا أن نحبهم ، لأنهم عباد لله تعالى ، قائمون بأمره ، وأن لا نعادي أحداً منهم .



الإيمان بالكتب

السؤال (23): فضيلة الشيخ ، بقي الركن الثالث من أركان الإيمان ؟
الجواب : الركن الثالث هو الإيمان بكتب الله عز وجل ، كتب الله التي أنزلها على رسله عليهم الصلاة والسلام ، فإن ظاهر القرآن يدل على أنه ما من رسول إلا وأنزل الله معه كتاباً ، كما قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد:25)، وقال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ )(البقرة: 213) .
وهذه الكتب طريق الإيمان بها أن نؤمن بها إجمالاً ، وما علمناه بعينه نؤمن به بعينه ، فالتوارة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى والقرآن الكريم ، هذه معلومة لنا بعينها، فنؤمن بها بعينها وما عدا ذلك نؤمن به إجمالاً ، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ولكن كيف نؤمن بهذه الكتب ؟ نقول : ما صح نقله منها إلينا من الأخبار وجب علينا تصديقه بكل حال ، لأنه من عند الله ، وأما أحكامه ، أي ما تضمنته هذه الكتب من الأحكام ، فلا يلزمنا العمل إلا بما جاء في القرآن الكريم ، وأما ما نقل إلينا منها ولم نعلم صحته ، فإننا نتوقف فيه حتى يتبين لنا صحته ، لأن هذه الكتب دخلها التحريف ، والتبديل ، والتغير والزيادة والنقص .



الإيمان بالرسل

السؤال (24) : فضيلة الشيخ ، هذا بالنسبة للركن الثالث ، فما قولكم في الركن الرابع الذي هو الإيمان بالرسل ؟
الجواب : الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام يكون بأن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى البشر رسلاً منهم ، يتلون عليهم آيات الله ويزكونهم ، وأن هؤلاء الرسل أولهم نوح عليه الصلاة والسلام ، وأخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأما قبل نوح فلم يبعث رسول ، وبهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا : إن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)(النساء: 163)، وفي الحديث الصحيح في قصة الشفاعة : أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له : أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض(14)، فلا رسول قبل نوح ، ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، لقول الله تعالى : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(الأحزاب: 40).
فأما نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان فإنه لا ينزل على أنه رسول مجدد ، بل ينزل على أنه حاكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الواجب على عيسى وعلى غيره من الأنبياء الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81). وهذا الرسول المصدق لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم ، كما صح ذلك عن ابن عباس وغيره ، فالمهم أن نؤمن بالرسل على هذا الوجه ، بأن أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكيفية الإيمان بهم :أن ما جاء من أخبارهم وصح عنهم نؤمن به ونصدق ، لأنه من عند الله عز وجل ، وأما الأحكام فلا يلزمنا أتباع شيء منها ، إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وما اقتضته شريعته.
أما بالنسبة لأعيان هؤلاء الرسل ، فمن سماه الله لنا ، أو سماه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجب علينا الإيمان به بعينه ، وما لم يسم فإننا نؤمن به على سبيل الإجمال ، كما قلنا ذلك في الكتب وفي الملائكة.



الإيمان باليوم الآخر

السؤال (25): فضيلة الشيخ ، كيف يكون الإيمان بالركن الخامس وهو اليوم الآخر؟
الجواب : الإيمان باليوم الآخر يعني الإيمان بقيام الساعة ، وسمي يوماً آخر ، لأنه ليس بعده يوم ، فإن الإنسان كان عدماً ، ثم وجد في بطن أمه ، ثم وجد في الدنيا ، ثم ينتقل إلى البرزخ، ثم يوم القيامة ، فهذه أحوال خمس للإنسان ، (هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الإنسان:1)، هذه الحال الأولى أنه ليس شيئاً مذكوراً ، ثم وجد في بطن أمه ،ثم خرج(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئا)(النحل: 78)، ثم يكدح في هذه الدنيا ويعمل ، ثم ينتقل إلى الآخرة في برزخ بين الدنيا وقيام الساعة ، فالإيمان باليوم الآخر يدخل فيه- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية - الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، فيؤمن الإنسان بفتنة القبر ، ونعيم القبر وعذابه، ويؤمن بقيام الساعة ، بالنفخ في الصور ، بالحساب ، بالميزان ، بالحوض المورود ، بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إما في كتاب الله ، أو في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، مما يكون بعد الموت.
ويحسن أن نتكلم عن فتنة القبر ، وهي أن الميت إذا دفن أتاه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه ، فأما المؤمن فيثبته الله تعالى بالقول الثابت ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبي محمد ، وأما غير المؤمن فإنه يقول : هاه هاه، لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى يوم القيامة ، فمن كان من غير المسلمين ، فهو في عذاب إلى يوم القيامة ، ومن كان من عصاة المؤمنين ، فإنه قد يعذب في قبره لمدة يعلمها الله عز وجل ، ثم يرفع عنه العذاب ، وهذا العذاب أو النعيم يكون في الأصل على الروح ، ولكن قد يتألم البدن به ، كما أن العذاب في الدنيا يكون على البدن ، وقد تتألم النفس فيه ففي الدنيا مثلاً الضرب يقع على البدن ، والألم يقع على البدن ، والنفس قد تتأثر بذلك ، فتحزن وتغتم ، أما في القبر فالأمر بالعكس ، العذاب أو النعيم يكون على الروح ، لكن البدن لا شك أنه يحصل له شيء من هذا العذاب أو النعيم ، إما بالفرح بالنعيم ، وإما بالألم بالحزن بسبب العذاب.
أما إذا قامت الساعة ، وهي القيامة الكبرى فإن الناس يقومون من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً ، حفاة : ليس عليهم ما يقي أقدامهم من نعال أو خفاف أو غيرها . عراة : ليس على أبدانهم ما يكسوها . غرلاً : أي غير مختونين ، فتعود الجلدة التي قطعت في الختان في الدنيا ، ليخرج الإنسان من قبره تاماً لا نقص فيه ، كما قال الله تعالى : ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )(الأنبياء: 104)، ثم يكون الحساب على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم النهاية إما إلى جنة وإما إلى نار ، فمن دخل الجنة فهو مخلد فيها أبد الآبدين، ومن دخل النار فإن كان من العصاة ، فإنه يخرج منها بعد أن يعذب بما يستحق، إن لم تنله الشفاعة أو رحمة الله عز وجل ، ولكنه لا يخلد فيها ، وأما الكافر فإنه يخلد فيها أبد الآبدين.



الإيمان بالقدر

السؤال (26): فضيلة الشيخ ، بقي الإيمان بالقدر نريد أن تحدثنا عنه أثابكم الله؟
الجواب : الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإيمان ، والإيمان بالقدر أمر هام جداً ، وقد تنازع الناس في القدر من زمن بعيد ، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كان الناس يتنازعون فيه ويتمارون فيه ، وإلى يومنا هذا والناس كذلك يتنازعون فيه ، ولكن الحق فيه ولله الحمد واضح بين ، لا يحتاج إلى نزاع ومراء، فالإيمان بالقدر : أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد قدر كل شيء ، كما قال الله تعالى : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: 2)، وهذا التقدير الذي قدره الله عز وجل تابع لحكمته ، وما تقتضيه هذه الحكمة من غايات حميدة ، وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم.
ويدور الإيمان بالقدر على الإيمان بأمور أربعة:
أحدها : العلم ، وذلك أن تؤمن إيماناً كاملاً بأن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء علماً ، أحاط بكل شيء مما مضى ، ومما هو حاضر ، ومما هو مستقبل ، سواء كان لك مما يتعلق بأفعاله عز وجل ، أو بأفعال عباده ، فهو محيط بها جملة وتفصيلا ، بعلمه الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً ، وأدلة هذه المرتبة كثيرة في القرآن والسنة ، قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) ، وقال الله تعالى :(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59)، وقال تعالى :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) (ق:16)، وقال تعالى : ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(البقرة: 283) ،إلى غير ذلك من الآيات الدالة على علم الله سبحانه وتعالى في كل شيء جملة وتفصيلاً.
وهذه المرتبة من الإيمان بالقدر ، من أنكرها فهو كافر ، لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين ، وطاعن في كمال الله عز وجل ، لأن ضد العلم إما الجهل وإما النسيان ، وكلاهما عيب ، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام حين سأله فرعون : (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) (51) (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طـه:51-52)،فهو لا يضل ، أي لا يجهل شيئاً مستقبلاً ، ولا ينسى شيئاً ماضياً سبحانه وتعالى.
أما المرتبة الثانية : فهي الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة ، فإن الله عز وجل لما خلق القلم قال له : اكتب ، قال : ربي ، وماذا أكتب؟ قال : أكتب ما هو كائن(15). فجرى في تلك الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة ، جملة وتفصيلا، فكتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء.
وقد دل على هذه المرتبة والتي قبلها قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج:70)، فقال:( إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ )، أي : معلومة عند الله عز وجل (فِي كِتَابٍ) وهو اللوح المحفوظ (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ثم هذه الكتابة تكون أيضاً مفصلة أحياناً فإن الجنين في بكن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر ، يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات ، بكتب رزقه ، وأجله، وعمله ، وشقي أم سعيد ، كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم(16).
ويكتب أيضاً في ليلة القدر ما يكون في تلك السنة ، كما قال الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (3) (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (4) (أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (الدخان:3-5) .
أما المرتبة الثالثة : فالإيمان بأن كل ما في الكون ، فإنه بمشيئة الله ، فكل ما في الكون فهو حادث بمشيئة الله عز وجل ، سواء كان ذلك مما يفعله هو عز وجل ، أو مما يفعله الناس ، أو بعبارة أعم مما يفعله المخلوق ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)(إبراهيم: 27) وقال تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)(النحل: 9) ، وقال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة)(هود:118)، وقال تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (فاطر:16) ، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على أن فعله عز وجل واقع بمشيئته وكذلك أفعال الخلق واقعة بمشيئته ، كما قال الله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة:253) ، وهذا النص صريح بأن أفعال العبد قد شاءها الله عز وجل، ولو شاء الله أن لا يفعل لم يفعل .
أما المرتبة الرابعة في الإيمان بالقدر، فهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء ، فالله عز وجل هو الخالق ، وما سواه مخلوق ، فكل شيء الله تعالى خالقه ، فالمخلوقات مخلوقة لله عز وجل ، وما يصدر منها من أفعال وأقوال ، مخلوق لله عز وجل أيضاً ، لأن أفعال الإنسان وأقواله من صفاته ، فإذا كان الإنسان مخلوقاً، كانت الصفات أيضاً مخلوقة لله عز وجل ، ويدل لذلك قوله تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96)، فنص الله تعالى على خلق الإنسان ، وعلى خلق عمله ، قال (وَمَا تَعْمَلُونَ) وقد اختلف الناس في "ما" هنا : هل هي مصدرية أو موصولة؟ وعلى كل تقدير فإنها تدل على أن عمل الإنسان مخلوق لله عز وجل.
هذه أربع مراتب لا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بها ، ونعيدها فنقول : أن تؤمن بأن الله تعالى عليم بكل شيء جملة وتفصيلاً. ثانياً: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء . ثالثاً : أن تؤمن بأن كل حادث ، فهو بمشيئة الله عز وجل . رابعاً: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء.
ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب ، بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع ، وهو حاصل بالقدر ، لأن الأسباب تنتج عنها مسبباتها ، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، ذكر له في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون ، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم ، هل يستمر ويمضي في سيره، أو يرجع إلى المدينة ؟ فاختلف الناس عليه ، ثم استقر رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة ، ولما عزم على ذلك ، جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح ، وكان عمر رضي الله عنه يجله ويقدره ، فقال : يا أمير المؤمنين ، كيف ترجع إلى المدينة ، أفراراً من قدر الله؟ قال رضي الله عنه : نفر من قدر الله إلى قدر الله .
وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان غائباً في حاجة له ، فحدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الطاعون : " إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه"(17) .
الحاصل قول عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله ، فهذا يدل على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله عز وجل ، ونحن نعلم أن الرجل لو قال : أنا سأؤمن بقدر الله ، وسيرزقني الله ولداً بدون زوجة ، ولو قال هذا لعد من المجانين ، كما لو قال : أنا أؤمن بقدر الله ولن أسعى في طلب الرزق ، ولم يتخذ أي سبب للرزق ، لعد ذلك من السفه.
فالإيمان بالقدر إذن لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة ، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك ، فهذه لا عبرة بها ، ولا يلتفت إليها.
ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكال وليس بإشكال في الواقع ، وهو أن يقول قائل: إذا كان فعلي من قدر الله عز وجل فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله عز وجل ؟
والجواب على ذلك أن يقال : لا حجة لك على المعصية بقدر الله ، لأن الله عز وجل لم يجبرك على هذه المعصية ، وأنت حين تقدم عليها لم يكن لديك العلم بأنها مقدرة عليك ، لأن الإنسان لا يعلم بالمقدور إلا بعد وقوع الشيء ، فلماذا لم تقدر قبل أن تفعل المعصية، أن الله قدر لك الطاعة ، فتقوم بطاعته ، وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أنه خير ، وتهرب مما ترى أنه شر، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة ، أنا لا أعتقد أن أحداً يقال له : إن لمكة طريقين : أحدهما : طريق مأمون ميسر ، والثاني : طريق مخوف صعب ، لا أعتقد أن أحداً يسلك الطريق المخوف الصعب ، ويقول : إن هذا قد قدر لي ، بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر ، ولا فرق بين هذا وبين أن يقال لك : إن للجنة طريقاً وللنار طريقاً ، فإنك إذا سلكت طريق النار ، فأنت كالذي سلك طريق مكة المخوف الوعر ، وأنت بنفسك تنتقد هذا الرجل الذي سلك الطريق المخوف الوعر ، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم ، وتدع طريق النعيم ، ولو كان للإنسان حجة بالقدر على فعل المعصية ، لم تنتف هذه الحجة بإرسال الرسل وقد قال الله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل) (النساء:165).



زيادة الإيمان ونقصانه

السؤال (27): فضيلة الشيخ ، هل الإيمان يزيد وينقص ؟ ونود أن نعرف بأي شيء تحصل الزيادة ، وبأي شيء يحصل النقصان؟
الجواب : هناك كلمة بقيت في الإيمان بالقدر يسيرة، وهي أن الإيمان بالقدر له ثمرات جليلة على سير الإنسان وعلى قلبه ، لأنك إذا آمنت بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، فإنك عند السراء تشكر الله عز وجل ، ولا تعجب بنفسك ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك ، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك ، وأن الفضل كله بيد الله عز وجل ، فتزداد بذلك شكراً لنعمة الله سبحانه وتعالى ، ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك به ، وألا ترى لنفسك فضلاً على ربك ، بل ترى المنة لله سبحانه وتعلى عليك ، قال الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17)، كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله عز وجل وتستسلم ، ولا تندم على ذلك ، ولا يلحقك الحسرة ، ألم تر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان"(18).
فالإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب ، وعدم الحزن على ما فات ، وعدم الغم والهم لما يستقبل ، قال الله تعالى : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (22) (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد22-23) ، والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم، ويفتح له الشيطان كل باب ، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر فيما إذا أصابته السراء، ولكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله.
أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه ، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب ، والنطق باللسان ، والعمل بالجوارح ، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة، إقرار بالقلب ، ونطق باللسان ، وعمل بالجوارح ، وإذا كان كذلك ، فإنه سوف يزيد وينقص ، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل ، فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة ، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين ، وهكذا.
ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة: 260)، فالإيمان يزيد من حيث الإقرار إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه ، فعندما يحضر مجلس ذكر ، فيه موعظة وذكر للجنة والنار ، يزداد إيماناً حتى كأنه يشاهد ذلك رأي عين ، وعندما تكون الغفلة ، ويقوم من هذا المجلس ، يخف هذا اليقين في قلبه.
كذلك يزداد الإيمان من حيث القول ، فإن من ذكر الله عز وجل عشر مرات ، ليس كمن ذكر الله مائة مرة ، فالثاني أزيد بكثير.
وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل ، يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص ، وكذلك العمل ، فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر، صار الثاني أزيد إيماناً من الناقص ، وقد جاء ذلك في الكتاب والسنة ، أعني إثبات الزيادة والنقصان جاء في الكتاب والسنة ، قال الله تبارك وتعالى : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) (المدثر:31)، وقال الله تعالى : (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (124) (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:124-125)، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن"(19)، فالإيمان إذن يزيد وينقص ، لكن ما سبب زيادة الإيمان ونقصانه؟
أما أسباب زيادة الإيمان فمنها :
السبب الأول : معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته ، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته أزداد إيماناً بلا شك ، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه.
السبب الثاني : النظر في آيات الله الكونية والشرعية ، فإن الإنسان كلما نظر إلى الآيات الكونية التي هي المخلوقات- السموات والأرض والإنسان والبهيمة وغير ذلك - ازداد إيماناً ، قال الله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (:20) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذريات20-21) ، والآيات الدالة على هذا كثيرة ، أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيماناً .
السبب الثالث : كثرة الطاعات ، فالإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً ، سواء كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية أو الفعلية ، فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية ، والصلاة والصوم والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية.
أما أسباب النقصان فإنها على العكس من ذلك : فالجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان ، لأن الإنسان إذا لم يعرف أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه الأسماء والصفات التي تزيد في الإيمان.
السبب الثاني : الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية ، فإن هذا يسبب نقص الإيمان ، أو على الأقل ركوده وعدم نموه.
الثالث : فعل المعصية ، فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب ، وعلى الإيمان ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"(20).
الرابع : ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان ، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر ، فهو نقص يلام عليه ويعاقب ، وإن كانت الطاعة غير واجبة ، أو واجبة لكن تركها لعذر ، فإنه نقص لا يلام عليه ، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقل ودين ، وعلل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم ، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض ، بل هي مأمورة بذلك ، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل ، صارت ناقصة عن الرجل من هذا الوجه.

السؤال (28): فضيلة الشيخ ، بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه هناك من يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وأن المعصية تذهب الإيمان كله ويكفر الإنسان ، كيف يرد على هؤلاء؟
الجواب : نرد على هؤلاء بما أشرنا إليه من قبل بالنصوص من الكتاب والسنة ، وكذلك بالواقع ، فإننا نقول لهم : أنتم الآن لو أتاكم مخبر وقال : إن فلاناً قدم البلد اليوم ، وهذا المخبر عندكم ثقة ، يكون لديكم الإيمان بأنه قدم ، فإذا جاء رجل آخر وأخبركم بذلك ، أفلا يزداد إيمانكم به؟ سيقولون : بلى يزداد إيماننا بذلك ، فإذا رأيتم هذا الرجل القادم رأي العين ، ازددتم يقيناً أكثر ، وهذا أمر لا يمتري فيه أحد ، ثم نقول : مادمنا أدخلنا الأقوال والأعمال في مسمى الإيمان ، فإن اختلاف الأقوال والأعمال بالزيادة والنقص أمر معلوم لا ينكر ، فيكون في هذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص.



إنكار أن الإيمان يزيد وينقص

السؤال (29) : فضيلة الشيخ ، لكن ما حكم عدم الإقرار بزيادة الإيمان ونقصانه؟
الجواب : هذا يرجع إلى حال المنكر ، إن كان أنكر ذلك تكذيباً وجحداً، فهو كافر لتكذيبه وجحده لما جاء به القرآن ، وإن كان تأويلاً فإن التأويل له درجات ، قد يصل إلى الكفر وقد لا يصل، فالإنسان الذي يقول : أنا لا أقول : إن الإيمان يزيد وينقص متأولاً ، فإنه على حسب تأويله.



صفة الحكم بغير ما أنزل الله

السؤال (30) : فضيلة الشيخ ، ما هي صفة الحكم بغير ما أنزل الله؟
الجواب : الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يبطل حكم الله ليحل محله حكم آخر طاغوتي ، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس ، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر، كالذين ينحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس ، ويحلون محلها القوانين الوضعية ، فهذا لا شك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها ، وهو كفر مخرج عن الملة، لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق ، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله ، بل ما خالف حكم الله عز وجل ، وجعله هو الحكم الفاصل بين الخلق ، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )(الشورى: 21) .
القسم الثاني : أن تبقى أحكام الله عز جل على ما هي عليه ، وتكون السلطة لها ، ويكون الحكم منوطاً بها ، ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام ، يحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا له ثلاث حالات:
الحال الأولى : أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقداً أن ذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله ، أو معتقداً أنه مماثل لحكم الله عز وجل ، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا كفر ، يخرج به الحاكم من الملة، لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل ، ولم يجعل الله حكماً بين عباده.
الحال الثانية: أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده ، لكنه خرج عنه ، وهو يشعر بأنه عاص لله عز وجل إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه ، لما بينه وبينه من عداوة ، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله ولا استبدلاً به ، ولا اعتقاداً بأنه - أي الحكم الذي حكم به - أفضل من حكم الله أو مساو له ، أو أنه يجوز الحكم به ، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله ، ففي هذه الحال لا نقول : إن هذا الحاكم كافر ، بل نقول : إنه ظالم معتد جائر.
الحال الثالثة : أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله ، وأنه بحكمه هذا عاص لله عز وجل ، لكنه حكم لهوى في نفسه ، لمصلحة تعود له أو للمحكوم له ، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل ، وعلى هذه الأحوال الثلاث يتنزل قول الله تعالى في ثلاث آيات ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة:44) وهذا ينزل على الحال الأولى ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(المائدة: 45) ينزل على الحال الثانية، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(المائدة: 47) ينزل على الحال الثالثة.
وهذه المسألة من أخطر ما يكون في عصرنا هذا ، فإن من الناس من أولع وأعجب بأنظمة غير المسلمين ، حتى شغف بها ، وربما قدمها على حكم الله ورسوله ، ولم يعلم أن حكم الله ورسوله ماض إلى يوم القيامة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق عامة إلى يوم القيامة، والذي بعثه سبحانه وتعالى عالم بأحوال العباد إلى يوم القيامة ، فلا يمكن أن يشرع لعباده إلا ما هو نافع لهم في أمور دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة ، فمن زعم أو توهم أن غير حكم الله تعالى في عصرنا أنفع لعباد الله من الأحكام التي ظهر شرعها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ضل ضلالاً مبيناً ، فعليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى رشده ، وأن يفكر في أمره .



الفرق بين الظالم والفاسق

السؤال (31) : فضيلة الشيخ ، ذكرتم في الظالم والفاسق أشياء متقاربة أو يمكن أن تكون متداخلة ، وهي أن الظالم يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أن حكم الله أفضل لكنه يريد أن يتشفى من أحد فيطبق حكماً على شخص ما جاء عن الله ، والفاسق يحكم وهو يعلم بحكم الله ، ويعلم أنه هو الحكم السديد ، لكنه لمصلحته أو هوى في نفسه، أو ليوافق هوى لغيره يحكم بغير ما أنزل الله ، فما الفرق بينهما؟
الجواب : الفرق بينهما أن الذي نصفه بأنه ظالم حكم لطلب العدوان على المحكوم عليه ، وإن لم يكن له فيه مصلحة ، ولم ينظر إطلاقاً إلى مصلحة المحكوم له ، لكن أهم شيء عنده هو الجور والظلم بالنسبة لهذا المحكوم عليه ،أما الآخر فهو نظر لمصلحة المحكوم له ، ولم يكن يشعر في نفسه أن يظلم ذلك الرجل المحكوم عليه ، ولهذا لا يفرق في المحكوم عليه بأن يكون فلاناً أو فلاناً ، لأنه إنما يريد مصلحة المحكوم له، أو يريد أن يجر إلى نفسه هو منفعة أو ما أشبه ذلك ، فهذا هو الفرق بينهما.



حقيقة الكهانة

السؤال (32): فضيلة الشيخ ، ما هي الكهانة؟
الجواب : الكهانة فعالة مأخوذة من الكهن ، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها ، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصل بهم الشياطين وتسترق السمع من السماء ، وتحدثهم به . ثم يأخذون الكلمة التي سمعوها بل الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين ، ويضيفون إليها ما يضيفون من القول ، ثم يحدثون بها الناس ، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا ، اغتر بهم الناس ، واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم ، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل.
ولهذا نقول : الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل ، والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين يوماً ، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أو أربعين ليلة"(21) .
القسم : الثاني : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به ، فهذا كفر بالله عز وجل ، لأنه صدقة في دعوى علم الغيب ، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل:65)، وتكذيب خبر الله ورسوله كفر ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح : " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"(22).
القسم الثالث : أن يأتي للكاهن فيسأله ، ليبين حاله للناس وأن ما يفعله كهانة وتمويه وتضليل ، فهذا لا بأس به ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بابن صياد أو أتاه ابن صياد فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه ، فسأله - أي النبي صلى الله عليه وسلم - ماذا خبأ له ، فقال : الدخ ، يريد الدخان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اخسا ، فلن تعدو قدرك" (23) .
هذه أحوال من يأتي إلى الكهان ، وهي ثلاثة ، أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه ، وبدون أن، يقصد امتحانه وبيان حاله ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين ليلة. الثانية : أن يسأله فيصدقه ، وهذا كفر بالله عز وجل ، يجب على الإنسان أن يتوب منه ، ويرجع إلى الله عز وجل ، وإلا مات على الكفر ، والحالة الثالثة : أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ، ويبين حاله للناس ، فهذا لا بأس به.



حكم مرتادي الكهان

السؤال (33) : فضيلة الشيخ ، حبذا أيضاً لو عرفنا أحوال الناس الذين يرتادون الكهنة والكهان ؟
الجواب : أحوالهم ثلاثة :
الحال الأولى : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله بدون أن يصدقه ، ولا يقصد بذلك بيان حاله فهذا آثم ، وعقوبته ألا تقبل له صلاة أربعين يوماً.
الحال الثانية : أن يأتيه فيسأله ويصدقه وهذا كافر ، لأن مكذب لقول الله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)(النمل:65).
الحال الثالثة : أن يأتي إليه فيسأله ليمتحنه ، ويبين حاله للناس ودجله وافتراءه ، وقلنا : إن هذا لا بأس به ، ومن المعلوم أن الشيء الذي يكون مباحاً إذا أفضى إلى محظور فإنه يكون محظوراً ، فلو قدر أنه في هذه الحال الثالثة التي أتى إليه فيها ليمتحنه ويبين حاله أن يغتر به من يغتر من الناس ، فإنه في هذه الحال لا يفعل ولا يأتي إليه ولو لهذا القصد الصحيح ، لأن القاعدة أن ما أفضى إلى محظور فهو محظور.

ابو ضاري
19-11-2010, 08:49
التنجيم وحكمه

السؤال (34) : فضيلة الشيخ ، نريد أن نعرف التنجيم وحكمه؟
الجواب : التنجيم مأخوذ من النجم، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية ، بمعنى أن يربط المنجم ما يقع في الأرض أو ما سيقع في الأرض بالنجوم ، بحركتها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها وما أشبه ذلك ، والتنجيم نوع من السحر وهو محرم ، لأنه مبني على أوهام لا حقيقة لها ، فلا علاقة لما يحدث بالأرض بما يحدث في السماء ، ولهذا لما كان من عقيدة أهل الجاهلية أن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت أحد ، أي لموت عظيم ، فكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم رضي الله عنه ، فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس حين صلى للكسوف ، وقال : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"(24) ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ارتباط الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، وهو كذلك ، وكما أنه - أي التنجيم - بهذا المعنى نوع من السحر ، فهو أيضاً سبب للأوهام والانفعالات النفسية التي ليس لها حقيقة ولا أصل ، فيوقع الإنسان في أوهام وتشاؤمات ومتاهات لا نهاية لها.
هناك نوع آخر من التنجيم : وهو أن الإنسان يستدل بطلوع النجوم على الأوقات والأزمنة والفصول ، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه ، مثل أن يقول : إنه إذا دخل النجم الفلاني فإنه يكون قد دخل موسوم الأمطار، أو قد دخل وقت نضوج الثمار ، أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه.

السؤال (35) : فضيلة الشيخ يعني أن هذا يكون من باب استقراء السنن الكونية؟
الجواب : نعم هذا كما نقول إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ، وإذا غربت دخل وقت المغرب ، وما أشبه ذلك .



علاقة التنجيم بالكهانة

السؤال (36): فضيلة الشيخ ، لكن هل هناك علاقة بين التنجيم والكهانة؟
الجواب : نعم ، العلاقة بينهما هي أن الكل مبني على الوهم والدجل ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وإدخال الهموم والغموم عليهم، وما أشبه ذلك.



أيهما أخطر؟

السؤال (37): فضيلة الشيخ ، لكن أيهما أخطر على المسلمين؟
الجواب : هذا ينبني على شيوع هذا الأمر بين الناس، فقد يكون في بعض البلاد لا أثر للتنجيم عندهم إطلاقاً ، ولا يهتمون به ، ولا يصدقون به ، ولكن الكهانة منتشرة عندهم فتكون أخطر.
وقد يكون الأمر بالعكس ، لكن من حيث واقع الكهانة والتنجيم فإن الكهانة أخطر وأعظم.



حقيقة السحر

السؤال (38): فضيلة الشيخ ، ذكرتم في حديثكم عن التنجيم أنه نوع من السحر فما هو السحر؟
الجواب : السحر كما قال العلماء : هو عبارة عن كل ما لطف وخفي سببه ، بحيث يكون له تأثير خفي لا يطلع عليه الناس ، وهو بهذا المعنى يشمل التنجيم والكهانة ، بل إنه يشمل التأثير بالبيان والفصاحة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : "إن من البيان لسحرا"(25)، فكل شيء يكون له أثر لكنه ليس شيئاً معلوماً - أي ذلك المؤثر فإنه نوع من السحر.
السؤال (39): فضيلة الشيخ ، لكن ما المقصود باللطافة في قولكم: السحر كل ما لطف وخفي سببه؟
الجواب : اللطافة معناها الشيء الخفي اللطيف ، وضده الشيء الجليل الكبير البين فمثلاً هذا الساحر يعمل عملاً يستجلب ود المسحور ، حتى يتعلق بع تعلقاً عظيماً، أو يستجلب نفرته منه ، حتى يبغضه بغضاً عظيماً . مع أن هذا الذي سحر وحصلت له المحبة العظيمة أو النفرة العظمة لا يعرف هذا الشيء ويخفي عليه سببه.



حكم السحر وتعلمه

السؤال (40): فضيلة الشيخ ، ما حكم السحر وما حكم تعلمه؟
الجواب : تعلم السحر محرم ، بل هو كفر إذا كانت وسيلته الاستعانة بالشياطين، قال الله تبارك وتعالى : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) (البقرة:102)، فتعلم هذا النوع من السحر، وهو الذي يكون بواسطة الاستعانة بالشياطين كفر ، واستعماله أيضاً كفر وظلم وعدوان على الخلق ، ولهذا يقتل الساحر ، إما ردة، وإما حداً ، فإن كان سحره على وجه يكفر به ، فإنه يقتل قتل ردة وكفر، وإن كان سحره لا يصل إلى درجة الكفر فإنه يقتل حداً ، دفعاً لشره وأذاه عن المسلمين.



هل السحر حقيقة؟

السؤال (41): فضيلة الشيخ ، هل السحر حقيقة أم أنه تخيل أو تخيلات على الناس؟
الجواب : السحر حقيقة ولا شك، وهو مؤثر حقيقة. لكن كونه يقلب الشيء أو يحرك الساكن، أو يسكن المتحرك، هذا خيال وليس حقيقة. وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى في قصة السحرة في آل فرعون ، يقول الله عز وجل: ( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)(الأعراف: 116)، كيف سحروا أعين الناس ؟ سحروا أعين الناس حتى صار الناس ينظرون إلى هذه الحبال والعصي كأنها ثعابين تمشي، كما قال الله تعالى في سورة طه: ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)(طـه: 66)، فالسحر باعتبار تأثيره في قلب الأشياء ، وتحريك الساكن ، أو تسكين متحرك ، هذا ليس له أثر ، لكن في كونه يسحر أو يؤثر على المسحور ، حتى يرى الساكن متحركاً والمتحرك ساكناً ، هذا أثره ظاهر جداً ، إذا فله حقيقة ، ولهذا يؤثر على بدن المسحور وعقله وحواسه ، وربما يهلكه.



علاقة الكهانة بالسحر

السؤال (42): فضيلة الشيخ، تحدثتم عن الكهانة وعرفتم الكاهن ، وعرفتم أيضاً السحر، لكن هل هناك علاقة بين الكهانة والسحر؟
الجواب : كما قلنا من قبل : إن الكاهن يؤثر في الناس بما يدجل به عليهم من الإخبارات عن الأشياء المستقبلية ، وكذلك الساحر يؤثر في عقول الناس وتفكيرهم وأبدانهم ، حتى يتوهم المسحور أشياء ليس لها حقيقة.



هل سحر النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال (43): فضيلة الشيخ ، جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سحر، فنريد أن تتحدثوا لنا عما سحر به النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأيضاً هل حصول السحر للنبي صلى الله عليه وسلم ينافي مقام النبوة؟
الجواب : ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر(26)، لكن هذا السحر لم يؤثر عليه من الناحية التشريعية أو الوحي، إنما غاية ما هنالك أنه وصل إلى درجة يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله في أهله ، وهذا السحر الذي وضع له كان من يهودي يقال له لبيد بن الأعصم ، وضعه له ولكن الله سبحانه وتعالى أنجاه منه ، حتى جاءه الوحي بذلك . وعوذ بالمعوذتين عليه الصلاة والسلام (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) .
ولا يؤثر هذا السحر على مقام النبوة ، لأنه لم يؤثر في تصرف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالوحي والعبادات كما أسلفنا ، وقد أنكر بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، بحجة أن هذا القول يستلزم تصديق الكافرين ، بل تصديق الظالمين الذين قالوا : ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(الإسراء: 47)، ولكن هذا لا شك أنه لا يستلزم موافقة هؤلاء الظالمين بما وصفوا به النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن أولئك يدعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسحور فيما يتكلم به من الوحي ، وأن ما جاء به هذيان كهذيان المسحور، وأما السحر الذي وقع للرسول عليه الصلاة والسلام فلم يؤثر عليه في شيء من الوحي، ولا في شيء من العبادات ، ولا يجوز لنا أن نكذب الأخبار الصحيحة بسوء فهمنا للنصوص.



حقيقة الإلحاد

السؤال (44): فضيلة الشيخ ، ما هو الإلحاد في أسماء الله وصفاته؟
الجواب : الإلحاد في الأصل أي في اللغة العربية : هو الميل ، ومنه قوله تعالى : ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)(النحل: 103)، ومنه اللحد في القبر ، فإنه سمي لحداً لميله إلى جانب منه . ولا يعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة، لأنه كما قيل : بضدها تتبين الأشياء، فالاستقامة في باب أسماء الله وصفاته: أن نجري هذه الأسماء والصفات على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل ، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كما مر علينا في القاعدة التي يمشي عليها أهل السنة والجماعة في هذا الباب ، فإذا عرفنا الاستقامة في هذا الباب فإن خلاف الاستقامة هو الإلحاد، وقد ذكر أهل العلم للإلحاد في أسماء الله تعالى أنواعاً يجمعها أن نقول : هو الميل بها عما يجب اعتقاده فيها.
فالنوع الأول : أن ينكر شيء منها أو مما دلت عليه من الصفات ، مثل أن ينكر اسم الرحمن من أسماء الله كما فعل أهل الجاهلية ، أو تثبت الأسماء ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات ، كما يقول بعض المبتدعة: " إن الله تعالى رحيم بلا رحمة ، وسميع بلا سمع ، وبصير بلا بصر" وهكذا.
النوع الثاني : أن يسمي الله تعالى بما لم يسم به نفسه ، ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، فلا يحل لأحد أن يسمي الله تعالى باسم لم يسم به نفسه ، لأن هذا من القول على الله بلا علم ، ومن العدوان على الله عز وجل أيضاً ، ومن العدوان في حق الله عز وجل ، وذلك كما صنع الفلاسفة فسموا الإله بالعلة الفاعلة ، وكما صنع النصارى فسموا الله تعالى باسم الأب ونحو ذلك .
النوع الثالث: أن يعتقد أن هذه الأسماء دالة على أوصاف تماثل أوصاف المخلوقين ، فيجعلها دالة على التمثيل. ووجه كونه إلحاداً : أن من اعتقد بأن أسماء الله سبحانه وتعالى دالة على تمثيل الله بخلقه فقد جعل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم دالاً على الكفر ، لأن تمثيل الله بخلقه كفر، لكونه تكذيباً لقوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11)، ولقوله : ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(مريم: 65) ، قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري - رحمهم الله " من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما سمى الله ووصف به نفسه تشبيه".
النوع الرابع: أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماء للأصنام ، كاشتقاق اللات من الإله، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله عز وجل خاصة به ، فلا يجوز أن تنقل المعاني الدالة عليها هذه الأسماء إلى أحد المخلوقين ، ليعطى من العبادة ما لا يستحقه إلا الله عز وجل ، هذه أنواع الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى .



أنواع الشرك

السؤال (45): فضيلة الشيخ ، ما هي أنواع الشرك؟
الجواب : سبق لنا فيما تقدم أن التوحيد يتضمن إثباتاً ونفياً ، وأن الاقتصار فيه على النفي تعطيل ، والاقتصار فيه على الإثبات لا يمنع المشاركة ، فلهذا لابد من التوحيد من نفي وإثبات ، فمن لم يثبت الحق لله عز وجل على هذا الوجه، فقد أشرك به.
والشرك نوعان: شرك أكبر مخرج عن الملة ، وشرك دون ذلك ، فالشرك الأكبر: كل شرك أطلقه الشارع ، وهو متضمن لخروج الإنسان من دينه، مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، كأن يصلي لغير الله ، أو يصوم لغير الله ، أو يذبح لغير الله ، وكذلك من الشرك الأكبر أن يدعو غير الله عز وجل ، مثل أن يدعو صاحب القبر ، أو يدعو غائباً ليغيثه من أمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم.
وأما النوع الثاني: فهو الشرك الأصغر ، وهو كل عمل قولي أو فعلي أطلق الشارع عليه وصف الشرك ولكنه لا يخرج من الملة مثل الحلف بغير الله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حلف بغير الله كفر أو أشرك"(27)، فالحالف بغير الله الذي لا يعتقد أن لغير الله تعالى من العظمة ما يماثل عظمة الله ، نقول : إنه مشرك شركاً أصغر ، سواء كان هذا المحلوف به معظماً من البشر أم غير معظم فلا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا برئيس أو وزير ولا يجوز الحلف بالكعبة ، ولا يجوز الحلف بجبريل وميكائيل وما أشبه ذلك ، لأن هذا شرك ، لكنه شرك أصغر ، لا يخرج من الملة .
ومن أنواع الشرك الأصغر : الرياء اليسير ، مثل أن يقوم الإنسان يصلي لله عز وجل ، ولكنه يزين صلاته لأنه يعلم أن أحداً من الناس يراه فيزين صلاته من أجل مراءاة الناس ، فهذا مشرك شركاً أصغر ، لأنه فعل العبادة لله لكن أدخل عليها هذا التزيين مراءاة للخلق. وكذلك لو أنفق ماله في شيء يتقرب به إلى الله، لكنه أراد أن يمدحه الناس بذلك ، فإن هذا مشرك شركاً أصغر. وأنواع الشرك الأصغر أيضاً كثيرة معلومة في كتب أهل العلم.


تعريف أنواع الشرك

السؤال (46): فضيلة الشيخ ، عرفنا أنواع الشرك لكن هل هناك تعريف محدد لكل نوع منها؟
الجواب : نعم، ذكرنا أن الشرك الأصغر كل ما أطلق عليه الشارع اسم الشرك، أو وصف الشرك ، ولكنه لا يخرج من الملة ، وأن الشرك الأكبر كل ما أطلق الشارع عليه اسم الشرك أو وصف الشرك وهو مخرج من الملة.



هل يسمى ترك العبادة شركاً؟

السؤال (47): فضيلة الشيخ ، ورد فيما رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إن بين الرجل وبين الشرك الكفر ترك الصلاة"(28) هل ترك العبادة يكون شركاً؟
الجواب : نعم هو شرك من حيث المعنى العام، لأن تارك الصلاة تهاوناً إنما تركها لهواه، فقدم هواه على طاعة الله عز وجل ، فكان مشركاً بهذا الاعتبار ، كما قال الله عز وجل : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ )(الجاثـية: 23)، فكل من اتبع هواه مقدماً له على طاعة الله عز وجل ، فإن فعله هذا نوع من الشرك ، وإن كان الشرك بالمعنى الأخص لا يشمل الترك.



حقيقة دين الإسلام

السؤال (48): فضيلة الشيخ ، ما هو دين الإسلام؟
الجواب : الإسلام بالمعنى العام : هو التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادات التي جاءت بها رسله ، منذ أن تعبد الله تعالى عباده بشرعه إلى أن تقوم الساعة، فيشمل ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام من الهدى والحق ، ويشمل ما جاء به إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام الحنفاء ، وما جاء به موسى وعيسى ، كما قال الله تبارك وتعالى ، أو كما ذكر الله تعالى ذلك في آيات كثيرة ، تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل .
ولكنه بالمعنى الخاص : يختص بما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم نسخ جميع الأديان السابقة ، فصار من اتبعه مسلماً ، ومن خالفه ليس بمسلم ، لأنه لم يستسلم لله ، بل استسلم لهواه . فاليهود مسلمون في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ، والنصارى مسلمون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام ، وأما بعد أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا بمسلمين ، ولهذا لا يجوز لأحد أن يعتقد أن دين اليهود والنصارى الذي يدينون به اليوم دين صحيح مقبول عند الله ، مساو لدين الإسلام ، بل من اعتقد ذلك فهو كافر خارج عن دين الإسلام ، لأن الله عز وجل يقول :(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام)(آل عمران: 19)، ويقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران:85).
وهذا الإسلام الذي أشار الله إليه هو الإسلام الذي امتن الله به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً )(المائدة: 3) ، وهذا نص صريح في أن من سوى هذه الأمة بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا على الإسلام ، وعلى هذا فما يدينون الله به لا يقبل منهم ، ولا ينفعهم يوم القيامة ، ولا يحل لنا أن نعتبره ديناً قائماً قويماً ، ولهذا يخطئ خطأ كبيرا من يصف اليهود والنصارى بأنهم إخوة لنا أو يقول : إن أديانهم اليوم قائمة ، لما أسلفناه آنفاً.
وإذا قلنا : إن الإسلام هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع ، شمل ذلك الاستسلام له ظاهراً وباطناً، فيشمل الدين كله عقيدة وعملاً وقولاً ، أما إذا قرن الإسلام بالإيمان ، فإن الإسلام يكون بمعنى الأعمال الظاهرة ، من نطق اللسان وعمل الجوارح ، والإيمان الأعمال الباطنة ، من العقيدة وأعمال القلوب ، ويدل على هذا التفريق قوله تبارك وتعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ )(الحجرات: 14)، وقوله تعالى في قصة لوط : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (35) (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الذاريات:35-36).
فإنه فرق هنا بين المؤمنين والمسلمين ، لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره ، إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته وهي كافرة. وأما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقا، الذين دخل الإيمان في قلوبهم ، ويدل لذلك أي للفرق بين الإيمان والإسلام عند اجتماعهما ، حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وفيه أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت"، وقال في الإيمان : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره"(29)، فالحاصل أن الإسلام عند الإطلاق يشمل الدين كله ، ويدخل فيه الإيمان ، وأنه إذا قرن مع الإيمان فسر بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وأعمال الجوارح ، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.
السؤال (49): فضيلة الشيخ ، إذن هل نفهم من ذلك أن لدينا تعريفاً للإسلام بالمعنى العام وتعريفاً له بالمعنى الخاص ؟
الجواب : نعم لدينا تعريف للإسلام بالمعنى العام ، وتعريف له بالمعنى الخاص إذا اقترن بالإيمان وهو ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الآتين اللتين ذكرتا آنفاً.



الطاغوت وأنواعه

السؤال (50) : فضيلة الشيخ ، ما هو الطاغوت،وما هي اشتقاقاته؟
الجواب : الطاغوت مشتق من الطغيان ، والطغيان مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) (الحاقة:11) ، يعني لما زاد عن الحد المعتاد حملناكم في الجارية ، يعني في السفينة ، وأحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره ابن القيم رحمه الله "أنه- أي الطاغوت- كل ما تجاوز به العبد حده ، من معبود أو متبوع أو مطاع".
فالأصنام التي تعبد من دون الله طواغيت، والعلماء - علماء السوء- الذين يدعون إلى الضلال من الطواغيت أيضاً ، الذي يدعون إلى البدع ، وإلى تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله ، أو يزينون لولاة الأمور الخروج عن شريعة الإسلام بنظم يستوردونها مخالفة لنظام الدين الإسلامي لأن هؤلاء تجاوزوا حدهم، فإن حد العالم أن يكون متبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن العلماء حقيقة هم ورثة الأنبياء، يرثونهم في أمتهم علماً وعملاً وأخلاقاً ودعوة وتعليماً ، فإذا تجاوزوا هذا الحد ، وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام بمثل هذه النظم فهم طواغيت ، لأنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن يكونوا عليه من متابعة الشريعة.
وأما المطاع في قوله رحمه الله" أو مطاع"، فيريد بهم الأمراء الذين يطاعون شرعاً أو قدراً، فالأمراء يطاعون شرعاً إذا أمروا بما لا يخالف أمر الله ورسوله، فهم يطاعون هنا شرعاً ، كما يطاعون قدراً، فإن الواجب على الرعية إذا أمر ولي الأمر بأمر لا يخالف أمر الله الواجب عليهم السمع والطاعة ، وطاعتهم لولاة الأمور في هذه الحال ، وبهذا القيد طاعة لله عز وجل ، ولهذا ينبغي أن نلاحظ حين ننفذ ما أمرت به الدولة مما تجب طاعتها فيه ، أن نلاحظ أننا بذلك نتعبد لله تعالى ونتقرب إليه حتى يكون تنفيذنا لهذا الأمر قربة إلى الله عز وجل ، وإنما ينبغي لنا أن نلاحظ ذلك ، لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: 59).
وأما طاعة الأمراء قدراً فإن الأمراء إذا كانوا أقوياء في سلطتهم، إن الناس يطيعونهم بقوة السلطان، وإن لم يكن بوازع الإيمان لأن طاعة ولي الأمر قد تكون بوازع الإيمان، وهذه هي الطاعة النافعة لهم أي لولاة الأمور ، والنافعة للناس أيضاً، وقد تكون طاعة ولاة الأمور برادع السلطان، بحيث يكون السلطان قويا يخشى الناس منه ويهابونه، لأنه ينكل بمن خالف أمره، ولهذا نقول : إن الناس مع حكامهم في هذه المسألة ينقسمون إلى أقسام :
فتارة : يقوى الوازع الإيماني والرادع السلطاني ، وهذه أكمل المراتب وأعلاها ، وتارة يضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني ، وهذه أدنى المراتب وأخطرها على المجتمع ، على حكامه وعلى محكوميه، لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني ، صارت الفوضى الفكرية والخلقية والعملية. المرتبة الثالثة: أن يقوى الوازع الإيماني ويضعف الرادع السلطاني، وهذه مرتبة وسطى ، ينظر فيها أيها أكمل مما إذا قوي الرادع السلطاني وضعف الوازع الإيماني، فإنه في المظهر إذا قوي الرادع السلطاني يكون أصلح للأمة، لكن الأمة إذا اختفت قوة السلطان فلا تسأل عن حالها ، وسوء عملها ، لأن الوازع الإيماني ضعيف، أما إذا قوي الوازع الإيماني وضعف السلطاني فقد يكون المظهر أدنى من المظهر في المرتبة الأخرى، لكنه فيما بين الإنسان وبين ربه إذا اختفى الرادع السلطاني يكون أصلح.
على كل حال هذه مراتب أربع : قوة الإيمان والسلطان وضعف الإيمان والسلطان ، وقوة الإيمان وضعف السلطان وضعف الإيمان وقوة السلطان.
فالمهم أننا نقول : أنه ينبغي لنا عند تنفيذ أوامر السلطان أن نعتقد أننا بذلك نقترب به إلى الله عز وجل ، وإنما قال ابن القيم : " إن الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، لأن الأمير أو ولي الأمر الذي يطاع قد يأمر بما يخالف أمر الله ورسوله، فإذا أمر بما يخالف أمر الله ورسوله فإنه لا سمع له ولا طاعة ، ولا يجوز لنا أن نطيعه في معصية الله سبحانه وتعالى ، لأن الله تعالى جعل طاعتهم تابعة أو جعل طاعتهم تابعة لطاعة الله ورسوله كما يفهم من سياق الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: 59)، ولم يقل : وأطيعوا أولى الأمر، فدل هذا على أن طاعتهم غير مستقلة، بل هي تابعة لطاعة الله ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الطاعة بالمعروف أو في المعروف ، أي فيما أقره الشرع ، وأما ما أنكره فلا يجوز أن يطاع فيه أي مخلوق ، حتى لو كان الوالد أو الوالدة يأمرانك بمعصية الله ، فإنه لا يحل لك أن تطيعهما ، لأن طاعة الله مقدمة على كل طاعة، فإذا أطاع الإنسان أميره أو ولي أمره في معصية الله فقد تجاوز به حده.



عقيدة المسلمين في عيسى

السؤال (51): فضيلة الشيخ، ما هي عقيدة المسلمين في عيسى ابن مريم عليه السلام؟ وما حكم القول بقتله وصلبه.
الجواب : عقيدة المسلمين في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أنه أحد الرسل الكرام، بل أحد الخمسة الذين هم أولو العزم ، وهم : محمد ، وإبراهيم ، وموسى، وعيسى ، ونوح عليهم الصلاة والسلام ، ذكرهم الله تعالى في موضعين من كتابه فقال في سورة الأحزاب : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (الأحزاب:7)، وقال في سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى:13).
وأن عيسى عليه الصلاة والسلام بشر من بني آدم مخلوق من أم بلا أب ، وأنه عبد الله ورسوله ، فهو عبد لا يعبد ، ورسول لا يكذب ، وأنه ليس له من خصائص الربوبية شيء، بل هو كما قال الله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ) (الزخرف:59).
وأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر قومه بأن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله ، وإنما قال لهم ما أمره الله به ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)(المائدة: 117)، وأنه أي عيسى عليه الصلاة والسلام خلق بكلمة الله عز وجل ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:59) ، وأنه ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم رسول ، كما قال الله تعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف:6).
ولا يتم إيمان أحد حتى يؤمن بأن عيسى عبد الله ورسوله وأنه مبرأ ومنزه عما وصفه به اليهود ، الذين قالوا: إنه ابن بغي ، وأنه نشأ من زنا والعياذ بالله، وقد برأه الله تعالى من ذلك ، كما أنهم أي المسلمين يتبرؤون من طريق النصارى، الذين ضلوا في فهم الحقيقة بالنسبة إلى عيسى ابن مريم، حيث اتخذوه وأمه إلهين من دون الله ، وقال بعضهم: "إنه ابن الله"، وقال بعضهم : "إن الله ثالث ثلاثة".
أما فيما يتعلق بقتله وصلبه فإن الله سبحانه وتعالى قد نفى أن يكون قتل أو صلب نفياً صريحاً قاطعاً، فقال عز وجل : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (157) (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (158) (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (النساء:157-159).
فمن اعتقد أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قتل وصلب فقد كذب القرآن، ومن كذب القرآن فقد كفر ، فنحن نؤمن بأن عيسى عليه الصلاة والسلام لم يقتل ولم يصلب، ولكننا نقول : إن اليهود باؤوا بإثم القتل والصلب ، حيث زعموا أنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وهم لم يقتلوه حقيقة، بل قتلوا من شبه لهم ، حيث ألقى الله شبهه على واحد منهم فقتلوه وصلبوه، وقالوا: إنا قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله ، فاليهود باؤوا بإثم القتل بإقرارهم على أنفسهم، وإثم الصلب، والمسيح عيسى ابن مريم برأه الله تعالى من ذلك وحفظه ورفعه سبحانه وتعالى عنده إلى السماء، وسوف ينزل في آخر الزمان إلى الأرض، فيحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يموت في الأرض ، ويدفن فيها ، ويخرج منها كما يخرج منها سائر بني آدم ، لقول الله تعالى : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طـه:55) وقوله: (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) (الأعراف:25) .



افتراق الأمة

السؤال (52): فضيلة الشيخ ، إلى كم افترقت الأمة الإسلامية بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم؟
الجواب : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة ، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهذه الفرق كلها في النار إلا واحدة، وهي من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه(30)، وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية ، التي نجت في الدنيا من البدع ، وتنجو في الآخرة من النار ، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة ، التي لا تزال ظاهرة قائمة بأمر الله عز وجل .
وهذه الفرق الثلاث والسبعون ، التي واحدة منها على الحق ، والباقي على الباطل، حاول بعض الناس أن يعددها ، وشعب أهل البدع إلى خمس شعب، وجعل من كل شعبة فروعاً، ليصلوا إلى هذا الحد، وإلى هذا العدد الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى بعض الناس أن الأولى الكف عن التعداد، لأن هذه الفرق ليست وحدها هي التي ضلت ، بل قد ضل أناس ضلالاً أكثر مما كانت عليه من قبل، وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين وسبعين فرقة ، وقالوا : إن هذا العدد لا ينتهي ولا يمكن العلم بانتهائه إلا في آخر الوقت ، في آخر الزمان عند قيام الساعة.
فالأولى أن نجمل ما أجمله النبي صلى الله عليه وسلم ونقول إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ، ثم نقول : كل من خالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو داخل في هذه الفرق ، وقد يكون الرسول عليه الصلاة والسلام قد أشار إلى أصول لم نعلم منها الآن إلا ما يبلغ العشرة ، وقد يكون أشار إلى أصول تتضمن فروعاً، كما ذهب إليه بعض الناس، فالعلم عند الله عز وجل .



خصائص الفرقة الناجية

السؤال (53): فضيلة الشيخ، ما هي أبرز خصائص الفرقة الناجية؟
الجواب : أبرز خصائص الفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام في العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق، والمعاملة ، هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها .
ففي العقيدة: تجدها متمسكة بما دل عليه الكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من التوحيد الخالص في ربوبية الله وألوهيته، وأسمائه وصفاته.
وفي العبادات : تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان النبي عليه الصلاة السلام عليه في العبادات ، في أجناسها ، وصفاتها ، وأقدارها ، وأزمنتها ، وأمكنتها ، وأسبابها ، فلا تجد عندهم ابتداعاً في دين الله ، بل هم متأدبون غاية التأدب مع الله ورسوله ، لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله ، في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله عز وجل.
تجدهم أيضاً في الأخلاق متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق ، بمحبة الخير للمسلمين، بانشراح الصدر ، بطلاقة الوجه، بحسن المنطق، إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها.
وفي المعاملات تجدهم يعاملو الناس بالصدق والبيان اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا، بورك لهما في بيعهما ، وإذا كذبا وكتما ، محقت بركة بيعهما"(31)، فهذه الميزة والعلامة لأهل السنة والجماعة ، للفرقة الناجية التي كانت على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.



تأثير نقص بعض الخصائص

السؤال (54) : فضيلة الشيخ، لكن هل يلزم توافر أو تكامل هذه الخصائص في الأمور الأربعة وهي : العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق، والمعاملات ، دون نقص؟ وهل إذا نقص منها شيء يخرج الإنسان بذلك من الفرقة الناجية أم أن النقص لا يخرجه من ذلك؟
الجواب : النقص من هذه لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية، لكن كما قال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )(الأنعام: 132) ، ربما الإخلال في جانب التوحيد، أو جانب البدع، يخرج الإنسان عن هذه الفرقة الناجية ، مثل أن يدخل في عباداته أو يكون الإخلال بالإخلاص، وكذلك في البدع، لكن في مسألة الأخلاق والمعاملات، فالإخلال بها لا يخرج الإنسان من هذه الفرقة الناجية وإن كان آثماً على إخلاله بذلك.
السؤال (55): فضيلة الشيخ ، هل هناك إضافة حول خصائص هذه الفرقة الناجية؟
الجواب : الحقيقة أنه ليس هناك من إضافة ، لأن الأصول الأربعة التي ذكرناها واضحة وكافية ، لكن قد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق ، فإن من أهم ما يكون من الأخلاق : اجتماع الكلمة ، والاتفاق على الحق الذي أوصانا الله به سبحانه وتعالى في قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )(الشورى: 13).
وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم بريء منهم ، فقال الله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )(الأنعام: 159) ،فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة ، فهم أعني الفرقة الناجية إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن اجتهاد في الأمور الاجتهادية ، لا يحمل بعضهم على بعض حقداً ولا عداوة ولا بغضاء ، بل يعتقدون أنهم إخوة ، حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف ، حتى إن يصلى الواحد منهم خلف الشخص، يعتقد المأموم أنه ليس على وضوء، ويعتقد الإمام أنه على وضوء ، مثل أن يصلي الواحد منهم خلف شخص أكل لحم إبل، وهذا الإمام يعتقد أنه لا ينقض الوضوء ، والمأموم يعتقد أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة، وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة،كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف، لأن كلا من المختلفين قد تبع ما يجب عليهما إتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه، فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما إتباعاً للدليل ، هو في الحقيقة قد وافقهم ، لأنهم هم يدعون إلى إتباع الدليل أينما كان ، فإذا خالفهم موافقة للدليل عنده، فهو في الحقيقة قد وافقهم،لأنه تمشى على ما يدعون إليه ، ويهدفون إليه، من تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يخفى على كثير من أهل العلم ، ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور ، حتى في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب، وجاءه جبريل ، وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد، ندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة"(32). فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة، وأرهقتهم صلاة العصر ، فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت، ولم يصل إلا بعد غروب الشمس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"ومنهم من صلى الصلاة لوقتها ، وقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة للخروج ، ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها ، وهؤلاء هم المصيبون، لكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتين ، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص.
لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وألا يحصل بينهم تحزب ، هذا ينتمي إلى طائفة ما ، والآخر ينتمي إلى طائفة أخرى ، والثالث إلى طائفة ثالثة وهكذا، بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد ، ولا حاجة إلى أن أنص على طائفة بعينها، ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر ، فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه مما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم، فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم ائتلاف القلوب ، واتحاد الكلمة ، ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا ، سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين أو للإسلام ، وهم ليسوا كذلك ، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة الطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة.



التوسل الصحيح والتوسل الباطل

السؤال (56): فضيلة الشيخ ، ما هو التوسل الصحيح والتوسل الباطل؟
الجواب : التوسل : مصدر توسل يتوسل ، إذا اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده ، فأصله: طلب الوصول إلى الغاية المقصودة، وينقسم إلى قسمين:
قسم صحيح : وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب.
وقسم غير صحيح : وهو التوسل بوسيلة لا توصل إلى المقصود.
فأما الأول : وهو التوسل بالوسيلة الموصلة إلى المقصود:
فإنه أنواع: منها : التوسل بأسماء الله وصفاته ، سواء كان ذلك على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص ، مثاله على سبيل العموم : ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم : قال " اللهم إني عبدك، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي.."(33) ، إلى آخره، فهنا توسل بأسماء الله على سبيل العموم ، وذلك في قوله : " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك".
أما الخصوص : فأن يتوسل باسم خاص ، لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم ، مثل ما جاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه ، حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به في صلاته ، فقال : " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم"(34)، فطلب المغفرة والرحمة ، وتوسل إلى الله تعالى باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب ، فقال "إنك أنت الغفور الرحيم" وهذا النوع من التوسل داخل في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(الأعراف: 180)، فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ، ودعاء العبادة.
أما التوسل إلى الله تعالى بصفاته ، فهو أيضاً كالتوسل بأسمائه ، يكون عاماً وخاصا ، أما العام فأن تقول : اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا ، ثم تذكر مطلوبك ، وإما الخاص فأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص ، مثل ما جاء في الحديث: " اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي"(35)، فهنا توسل إلى الله تعالى بصفة العلم والقدرة " بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق".. هذا نوع.
النوع الثاني: أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل ، بالإيمان به وبرسوله فيقول :اللهم إني آمنت بك وبرسولك ، فاغفر لي أو فوقفني أو يقول " اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (:190) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )(آل عمران191) إلى قوله : (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (آل عمران:190-193) ، فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به ، أن يغفر لهم الذنوب ، ويكفر عنهم السيئات ويتوفاهم مع الأبرار.
النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح ، ومنه قصة النفر الثلاثة الذين آووا إلى غار ليبيتوا فيه ، فانطبق عليهم الغار، انطبق عليهم بصخرة لا يستطيعون زحزحتها ، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله، أحدهم توسل إلى الله تعالى ببره بوالديه، والثاني بعفته التامة، والثالث بوفائه لأجيره، قال :كل منهم اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة(36)، فهذا توسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح .
النوع الرابع : أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله ، يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة ، ومنه قول موسى عليه الصلاة والسلام: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(القصص: 24) ، فهو بذلك يتوسل إلى الله بذكر حاله أن ينزل إليه الخير ، ويقرب من ذلك قول زكريا عليه الصلاة والسلام : (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم:4)، فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة ، لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها.



نوع خامس من التوسل

السؤال (57): فضيلة الشيخ، هل هناك أنواع أخرى من التوسل غير أنواع التوسل الأربعة التي ذكرتموها؟
الجواب : نعم ، هناك توسل زائد عن الأربعة السابقة ، وهو التوسل إلى الله عز وجل بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم بدعاء عام وبدعاء خاص ، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم أغثنا" ثلاث مرات، فما نزل صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ، وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال : يا رسول الله ، غرق المال ، وتهدم البناء ، فادع الله تعالى أن يمسكها عنا ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال " اللهم حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت ، حتى خرج الناس يمشون في الشمس(37)، وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم على وجه الخصوص .
فمن ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وهم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ، قام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ، أدع الله أن يجعلني منهم ، فقال : "أنت منهم"(38).
فهذا أيضاً من التوسل الجائز ، أن يطلب الإنسان من شخص أن يدعو الله تعالى له ، إذا كان هذا الشخص مرجو الإجابة ، إلا أن الذي ينبغي على هذا السائل الذي سأل الشخص أن يدعو له أن يريد بذلك منفعة نفسه ومنفعة أخيه الذي طلب منه الدعاء، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة ، لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك ، صار في هذا إحسان له ، فإن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك : آمين ولك بمثله ، وكذلك إذا دعا له أخوه ، فإنه يكون من المحسنين بهذا الدعاء ، والله يحب المحسنين.



التوسل الباطل وأقسامه

السؤال (58): فضيلة الشيخ ، بعد أن عرفنا التوسل الصحيح وأقسامه ، لابد لنا من معرفة التوسل الباطل ، وهل له أقسام أيضاً؟
الجواب : التوسل الباطل أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بما لم يكن وسيلة ، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة ، لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل والمخالف للمعقول والمنقول ، ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل بدعاء ميت ، يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ، فإن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة ، بل هو سفه من الإنسان أن يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ، لأن الميت إذا مات انقطع عمله ، ولا يمكن أن يدعو لأحد ، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته عليه الصلاة والسلام ، ولهذا لم يتوسل الصحابة رضي الله عنهم إلى الله بطلب الدعاء من رسوله صلى الله عليه وسلم بعد موته ، فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : اللهم إن كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فقام العباس رضي الله عنه فدعا الله عز وجل(39) ، ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً ووسيلة صحيحة ، لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن إجابة دعائه أقرب من إجابة دعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من الميت توسل باطل لا يحل ولا يجوز.
ومن التوسل الذي ليس بصحيح : أن يتوسل الإنسان إلى الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : اللهم إني أسألك بجاه نبيك كذا وكذا ، وذلك أن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس مفيداً بالنسبة إليك ، لأنه لا يفيد إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ، أما بالنسبة لك فليس بمفيد حتى تتوسل إلى الله تعالى به ، والتوسل كما قلنا اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر ، فما فائدتك أنت من كون الرسول عليه الصلاة والسلام له جاه عند الله؟ وإذا أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح ، فقل : اللهم إني أسألك بإيماني برسولك ، أو بالمحبة لرسولك أو ما أشبه ذلك ، فإن هذا من الوسيلة الصحيحة النافعة.



الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية

السؤال (59): فضيلة الشيخ ، ما هي الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية؟
الجواب : الشفاعة مأخوذة من الشفع ، وهو ضد الوتر ، وهو جعل الوتر شفعاً، مثل أن نجعل الواحد اثنين ، والثلاثة أربعة وما أشبهها ، هذا من حيث اشتقاقها في اللغة.
أما معناها فهي : التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة ، يعني أن يقوم الشافع بين المشفوع إليه والمشفوع له واسطة ، ليجلب منفعة إلى المشفوع له ، أو يدفع عنه مضرة.
والشفاعة نوعان : شفاعة ثابتة وصحيحة ، وشفاعة باطلة لا تنفع أصحابها .
أما الشفاعة الثابتة الصحيحة : فهي التي أثبتها الله تعالى في كتابه ، وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص ، لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال :" من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه"(40)
وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة : الشرط الأول : رضا الله عن الشافع . والشرط الثاني : رضا الله عن المشفوع له . والشرط الثالث : إذن الله تعالى للشافع أن يشفع . وهذه الشروط مجموعة في قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (لنجم:26)، ومفصلة في قوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(البقرة: من الآية255)، وفي قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طـه:109) ، وقوله : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)(الأنبياء: 28)، فلابد من هذه الشروط حتى تتحقق الشفاعة.
وبناء على ذلك نعرف النوع الثاني، وهي الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله عز وجل ، فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى : (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48)، وذلك لأن الله تعالى لا يرضي لهؤلاء المشركين شركهم ، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم ، لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله عز وجل ، والله عز وجل لا يرضى لعباده الكفر ، ولا يحب الفساد، فتعلق المشركين بآلهتهم التي يعبدونها ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، تعلق باطل غير نافع ، بل هذا لا يزيدهم من الله تعالى إلا بعداً.
ثم إن الشفاعة الثابتة النافعة، ذكر العلماء رحمهم الله أنها تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة ، ومعنى العموم : أن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم . والخاصة : التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمها : الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة ، حين يلحق الناس من الغم والكرب مالا يطيقون، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا الموقف العظيم، فيذهبون إلى آدم، ثم إلى نوح ، ثم إلى إبراهيم ، ثم إلى موسى ، ثم إلى عيسى، وكلهم لا يشفع ، حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقوم ويشفع عند الله عز وجل أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم ، فيجيب الله دعاءه ويقبل شفاعته ، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الاسراء:79) .
ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم : شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فتمحص قلوبهم بعضهم من بعض ، حتى يهذبوا وينقوا ، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة ، ولكن لا يدخلونها إلا بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل أن يدخلوا الجنة ، فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الشفاعة العامة له ولغيره من عباد الله الصالحين ، فهي أن يشفع في أهل النار من المؤمنين - أي من عصاة المؤمنين - الذين لا يستحقون الخلود في النار يشفع فيهم أن يخرجوا من النار ، وهذه الشفاعة ثابتة له ولغيره من النبيين والشهداء والصالحين . والله أعلم.



عقيدة السلف في القرآن الكريم

السؤال (60): فضيلة الشيخ ، ما هي عقيد السلف في القرآن الكريم؟
الجواب : عقيدة السلف في القرآن الكريم كعقيدتهم في سائر صفات الله تعالى وأسمائه ، وهي عقيدة مبنية على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه كلامه ، وأنه منزل من عنده ، فقال جل وعلا: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة:6)، والمراد بلا ريب بكلام الله هنا : القرآن الكريم، وقال تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (النمل:76)، فالقرآن كلام الله تعالى لفظاً ومعنى ، تكلم به حقيقة، وألقاه إلى جبريل الأمين ، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين ، ويعتقد السلف أن القرآن منزل نزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم منجماً في ثلاث وعشرين سنة ، حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل .
ثم إن نزوله يكون ابتدائياً ويكون سببياً، بمعنى أن بعضه ينزل لسبب معين اقتضى نزوله ، وبعضه ينزل بغير سبب ، وبعضه ينزل في حكاية حال مضت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وبعضه ينزل في أحكام شرعية ابتدائية، على حسب ما ذكره أهل العلم في هذا الباب ، ثم إن السلف يقولون : إن القرآن من عند الله عز وجل ابتداءً، وإليه يعود في آخر الزمان ، هذا هو قول السلف في القرآن الكريم.
ولا يخفى علينا جميعاً أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأوصاف عظيمة ، وصفه بأنه حكيم ، وبأنه كريم ، وبأنه عظيم ، وبأنه مجيد ، وهذه الأوصاف التي وصف الله بها كلامه ، تكون لمن تمسك بهذا الكتاب، وعمل به ظاهراً وباطناً ، فإن الله تعالى يجعل له من المجد ، والعظمة، والحكمة ، والعزة ، والسلطان ، ما لا يكون لم يتمسك بكتاب الله عز وجل، ولهذا أدعو من هذا المنبر جميع المسلمين، حكاماً ومحكومين، علماء وعامة، أدعوهم إلى التمسك بكتاب الله عز وجل ظاهراً وباطناً ، حتى ينالوا رضا الله، وتكون لهم العزة، والسعادة، والمجد، والظهور في مشارق الأرض ومغاربها.



أبرز أحكام التلاوة

السؤال (61): فضيلة الشيخ، ما هي أبرز أحكام التلاوة؟
الجواب : الذي ينبغي لتالي القرآن أن يكون على طهر من الحدثين الأصغر والأكبر، ولا يجوز له أن يقرأن القرآن وعليه حدث أكبر، فالجنب مثلاُ لا يقرأ القرآن حتى يغتسل، لأن السنة وردت بالمنع منه في حال الجنابة ، أما الحائض فقد اختلف أهل العلم هل يجوز لها أن تقرأ القرآن؟
اختلفوا في ذلك على قولين : فمنهم من قال : إنه يجوز أن تقرأ القرآن ، لأنه ليس في منعها من القرآن سنة صريحة ، والأصل براءة الذمة وعدم الإلزام ، كما أن الأصل أيضاً عدم المنع ، ويرى بعض أهل العلم أنه لا يجوز لها أن تقرأ القرآن وهي حائض ، لأنها ممن يلزمها الغسل، فهي كالجنب ، ولأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث تدل على المنع، والذي أرى في هذه المسألة أنها لا تقرأ القرآن إذا كان غرضها بذلك مجرد التلاوة ، أما إذا كانت تريد أن تقرأ القرآن لحاجة ، تخشى نسيانه مثلاُ ، أو تقرئه أبناءها أو بناتها أو الطالبات إن كانت مدرسة ، أو تكون طالبة تريد أن تقرأه لإسماع المدرسة ، فإن هذا لا بأس به للحاجة ، وكذلك لا بأس أن تقرأ الآيات التي تكون ورداً كآية الكرسي، لأن هذا حاجة ، فيكون هذا القول الذي أراه أقرب إلى الصواب مبنيا على حاجة المرأة الحائض، إن احتاجت للتلاوة فلها أن تقرأ القرآن ، وإن لم تحتج فلا تقرأ القرآن.
كذلك ينبغي لقارئ القرآن أن يكون مستحضراً في قلبه ما تدل عليه كلمات القرآن العظيم من المعاني الجليلة ، سواء كانت هذه الآيات تتضمن الأخبار والقصص أو الأحكام، لأن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن لهذه الحكمة(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29) .
والإنسان يجد الفرق العظيم إذا تلا القرآن وقلبه غافل، وإذا تلا القرآن وقلبه حاضر يتدبر ما يقول ، يجد الفرق العظيم بين هذه الحال والحال الأخرى، ويجد أنه ينتفع أكثر إذا قرأ القرآن بتدبر وتفكر، فإن ذلك يؤثر في قلبه قوة الإيمان والتصديق، وقوة الانقياد والإذعان للأحكام التي يتضمنها كتاب الله عز وجل .
وأما ما ينبغي أن تكون التلاوة عليه : فينبغي أن تكون التلاوة تلاوة هادئة ، ليس فيها سرعة تسقط بعض الحروف، أو تخفى بها الكلمات ، بل يقرأ القرآن بتمهل وترسل، ولا بأس بالعجلة أحياناً ، بشرط ألا يسقط الحروف أو شيئاً منها، أو يدغم مالا يجوز إدغامه أو ما أشبه ذلك.
السؤال (62): فضيلة الشيخ ، ما حكم التلاوة لروح الميت؟
الجواب : التلاوة لروح الميت ، يعني أن يقرأ القارئ القرآن وهو يريد أن يكون ثوابه لميت من المسلمين، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فمنهم من يرى أن ذلك غير مشروع، وأن الميت لا ينتفع به، أي لا ينتفع بالقرآن في هذه الحال، ومنهم من يرى أنه ينتفع بذلك ، وأنه يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن بنية أنه لفلان أو لفلانة من المسلمين، سواء كان قريباً له أم غير قريب له ، وهذا هو الأرجح، لأنه ورد في جنس العبادات جواز صرفها للميت ، كما في حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه ، حين تصدق بمخرافه - أي ببستانه -لأمه(41)، وكما في قصة الرجل الذي قال للنبي عليه الصلاة والسلام : إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال : "نعم"(42).
وهذه قضايا أعيان، تدل على أن صرف جنس العبادات لأحد من المسلمين جائز ، وهو كذلك ، ولكن أفضل من هذا أن يدعو للميت، وأن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له"(43)، ولم يقل : أو ولد صالح يتلو له ، أو يصلي له ، أو يصوم له ، أو يتصدق عنه ، بل قال : أو ولد صالح يدعو له ، والسياق في سياق العمل فدل ذلك على أن الأفضل أن يدعو الإنسان للميت. لا أن يجعل له شيئاً من الأعمال الصالحة ، والإنسان محتاج إلى العمل الصالح ، أن يجد ثوابه مدخراً له عند الله عز وجل.
أما ما يفعل بعض الناس من التلاوة للميت بعد موته بأجرة ، مثل أن يحضر قارئاً يقرأ القرآن بأجرة، ليكون ثوابه للميت، فإن هذا بدعة، ولا يصل إلى الميت ثوابه، لأن هذا القارئ إنما قرأ من أجل الدنيا ، ومن أتى بعبادة من أجل الدنيا ، فإنه لا حظ له منها في الآخرة ، كما قال الله تبارك وتعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (15) (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:15-16) وإني بهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى إخواني الذين يعتادون مثل هذا العمل ، أن يحفظوا أموالهم لأنفسهم أو لورثة الميت ، وأن يعلموا أن هذا العمل بدعة في ذاته، وأن الميت لا يصل إليه ثوابه، لأن القارئ الذي ليس له نية في قراءته إلا أخذ الأجرة، ليس له ثواب عند الله عز وجل ، وحينئذ يكون أخذ الأموال ولم ينتفع الميت بذلك.



قراءة الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال (63): فضيلة الشيخ، بالنسبة للذين يوصون أن تقرأ الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم أو له عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب : هذه الوصية لا يلزم تنفيذها ، لأنها وصية بأمر غير مشروع ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يشرع لأحد أن يعبد الله ، ثم يجعل ثواب العبادة للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن هذا لو كان مشروعاً لكان أسبق الناس إليه الصحابة رضي الله عنهم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتاج لمثل هذا ، فإنه ما من إنسان يعمل عملاً صالحاً إلا كان للنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجره، لأنه هو الذي دل عليه ، " والدال على الخير كفاعله"(44)، فهذا يكون من العبث ، ومن البدعة التي لم ترد عن السلف الصالح رضي الله عنهم، وكذلك لو قال : تقرأ الفاتحة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لي، فإنه لا يلزم الوفاء بهذه الوصية، لأن تخصيص مكان بعبادة معينة لم يرد بها الشرع من البدع ، كما هو معلوم في البحث عن ذكر المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام ، وأنه لا تحقق المتابعة حتى توافق العبادة الشريعة في أمور ستة : في سببها ، وجنسها ، وقدرها ، وكيفيتها، وزمانها ، ومكانها.

----------------------------

(1) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب أخذ الصدقة من الأغنياء ، رقم (1496)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله، رقم (19).
(2)أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء ، رقم (2105) ، ومسلم ، كتاب اللباس ، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة رقم (2107).
(3) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب قول الله : ( لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً) رقم (1477)، ومسلم ، كتاب الأقضية ، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة رقم (1715).
(4) تقدم تخريجه صفحة (14)
(5) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه ، رقم (52)، ومسلم كتاب المساقاة ، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم (1599).
(6) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تحريم ظلم المسلم وخذله ، رقم (2564).
(7) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ، رقم (8).
(8) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبي فمات ، رقم (1358)، ومسلم ، كتاب القدر ، باب معنى : كل مولود يولد على الفطرة ، رقم (2658).
(9) أخرجه البخاري ، رقم (1014)، ومسلم ، كتاب صلاة الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء ، رقم (897).
(10) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء ، رقم (3232، 3234)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب في ذكر سدرة المنتهى ، رقم (173).
(11) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه ، رقم (770).
(12) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم ، رقم (3207)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقم (164).
(13) أخرجه الترمذي ، كتاب الزهد ، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو تعلمون ما أعلم .." ، رقم (2312)، وأحمد في المسند (5/173) ، وابن ماجه ، كتاب الزهد ، باب الحزن والبكاء ، رقم (4190)، وقال الترمذي : حديث حسن غريب.
(14) أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِه)، رقم (3340)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها رقم (194).
(15) أخرجه أحمد في المسند (5/317)، والترمذي ، كتاب القدر، رقم (2155)، وقال : غريب . وأبو داود ، كتاب السنة ، باب في القدر، رقم (4700).
(16) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم ، رقم (3208)، ومسلم ، كتاب القدر ، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه ، رقم (2643).

(17) أخرجه البخاري ، كتاب الطب ، باب ما يذكر في الطاعون ، رقم (5729). ومسلم ، كتاب الطب ، باب الطاعون والطيرة...، رقم (2219).
(18) أخرجه مسلم ، كتاب القدر ، باب الأمر بالقوة وترك العجز ، رقم (2664).
(19) أخرجه البخاري ، كتاب الحيض ، باب ترك الحائض الصوم ، رقم (304) ، ومسلم كتاب الإيمان ، باب نقصان الإيمان بنقصان الطاعات ، رقم (79، 80).
(20) أخرجه البخاري ، كتاب الأشربة ، باب قول الله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ )(5578)، ومسلم كتاب الإيمان ، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون رقم (57).
(21) أخرجه مسلم ، كتاب الطب ، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان ، رقم (2230).
(22) أخرجه الترمذي ، كتاب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض ، رقم (135)، وابن ماجه ، كتاب الطهارة ، باب النهي عن إتيان الحائض ، رقم (639)، وصححه العلامة أحمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي (1/244).
(23) أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب قول الرجل للرجل اخسا ، رقم (6173)، ومسلم ، كتاب الفتن ، باب ذكر ابن صياد ، رقم (2925)
(24) أخرجه البخاري ، كتاب الكسوف ، باب الصلاة في كسوف الشمس ، رقم (1040، 1041، 1042، 1043)، ومسلم ، كتاب الكسوف ، باب صلاة الكسوف ، رقم (901م).
(25) أخرجه البخاري كتاب النكاح ، باب الخطبة، رقم (5146)، ومسلم ، كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ، رقم(869).
(26) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده ، رقم (3268)، ومسلم كتاب الطب ، باب السحر ، رقم (2189).
(27) أخرجه الترمذي كتاب النذور والأيمان ، باب ما جاء أن من حلف بغير الله فقد أشرك ، رقم (1535)، وأحمد في المسند(2/69).
(28) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم (82).
(29) تقدم تخريجه ص (36).
(30) أخرجه أبو داود، كتاب السنة ، باب شرح السنة ، رقم (4596)، والترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة رقم (2640، 2641)، وابن ماجه، كتاب الفتن ، باب افتراق الأمم ، رقم (3991، 3992)، وأحمد في المسند (2/332) وهو في صحيح الجامع رقم (1083).
(31) أخرجه البخاري ، كتاب البيوع، باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، رقم (2110)، ومسلم ، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان، رقم (1532).
(32) أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، رقم (4119)، ومسلم ، كتاب الجهاد، باب من لزمه أمر فدخل عليه أمر آخر ، رقم (1770)، والذي في مسلم "الظهر" بدل "العصر".
(33) أخرجه أحمد في المسند (1/391)
(34) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب الدعاء قبل السلام ، رقم (834)، ومسلم كتاب الذكر والدعاء ، باب استحباب خفض الصوت بالذكر ، رقم (2705).
(35) أخرجه البخاري ، كتاب المرضى ، باب تمني المريض الموت ، رقم (5671)، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به ، رقم (2680) بدون ذكر أوله وأخرجه كاملاً النسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر، رقم (1305)، وأحمد (4/264)
(36) أخرجه البخاري ، كتاب الإجارة ، باب من استأجر أجيراً فترك أجره ، رقم (2272)، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة ، رقم (2743).
(37) أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب الدعاء إذا كثر المطر ، رقم (1021)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء، رقم (897).
(38) أخرجه البخاري ، كتاب الطب ، باب من اكتوى أو كوى غيره ، رقم (5705)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ، رقم (220).
(39) أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا رقم (1010).
(40) أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، باب الحرص على الحديث ، رقم (99).
(41) أخرجه مالك في الموطأ (2/760) كتاب الأقضية، والنسائي ، كتاب الوصايا ، باب فضل الصدقة عن الميت ، رقم (3655).
(42) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغتة ، رقم (1388)، ومسلم كتاب الزكاة ، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، رقم (1004).
(43) أخرجه مسلم ، كتاب الوصية ، باب ما يحلق الإنسان من الثواب بعد وفاته ، رقم (1631).
(44) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي ، كتاب العلم، باب ما جاء الدال على الخير كفاعله، رقم (2670)، وفي مسلم : "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"، كتاب الإمارة ، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، رقم (1893)

ابو ضاري
21-11-2010, 08:36
فتـاوى الطهارة



حقيقة الطهارة
السؤال(64): فضيلة الشيخ ، ما هي الطهارة؟
الجواب : الطهارة معناها: النظافة والنزاهة ، وهي في الشرع على نوعين : طهارة معنوية، وطهارة حسية، أما الطهارة المعنوية: فهي طهارة القلوب من الشرك والبدع في عبادة الله ، ومن الغل، والحقد، والحسد، والبغضاء ، والكراهة ، وما أشبه ذلك في معاملة عباد الله الذين لا يستحقون هذا .
أما الطهارة الحسية: فهي طهارة البدن ، وهي أيضاً نوعان: إزالة وصف يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة وإزالة الخبث.
نتكلم أولاً عن الطهارة المعنوية : وهي طهارة القلب من الشرك والبدع فيما يتعلق بحقوق الله عز وجل ، وهذا هو أعظم الطهارتين ، ولهذا تنبني عليه جميع العبادات ، فلا تصح أي عبادة من شخص ملوث قلبه بالشرك ، ولا تصح أي بدعة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل ، وهي مما لم يشرعه الله عز وجل ، قال الله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ )(التوبة: 54)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(45).
وعلى هذا ، فالمشرك بالله شركاً أكبر لا تقبل عبادته وإن صلى وإن صام وزكى وحج ، فمن كان يدعو غير الله عز وجل، أو يعبد غير الله فإن عبادته لله عز وجل غير مقبولة ، حتى وإن كان يتعبد لله تعالى عبادة يخلص فيها لله ، ما دام قد أشرك بالله شركاً أكبر من جهة أخرى.
ولهذا وصف الله عز وجل المشركين بأنهم نجس ، فقال تعالى : ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )(التوبة: 28)، ونفى النبي صلى الله عليه وسلم النجاسة عن المؤمن ، فقال صلى الله عليه وسلم "إن لمؤمن لا ينجس"(46)، وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن أن يعتني به عناية كبيرة ليطهر قلبه منه.
كذلك أيضاً يطهر قلبه من الغل والحقد والحسد والبغضاء والكراهة للمؤمنين، لأن هذه كلها صفات ذميمة ليست من خلق المؤمن، فالمؤمن أخو المؤمن ، لا يكرهه ولا يعتدي عليه ، ولا يحسده، بل يتمنى الخير لأخيه كما يتمنى الخير لنفسه ، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(47)، ونرى كثيراً من الناس أهل خير وعبادة وتقوى وزهد ، ويكثرون التردد إلى المساجد ، ليعمروها بالقراءة والذكر والصلاة ، لكن يكون لديهم حقد على بعض إخوانهم المسلمين ، أو حسد لمن أنعم الله عليه بنعمة، وهذا يخل كثيراً فيما يسلكونه من عبادة الله سبحانه وتعالى ، فعلى كل منا أن يطهر قلبه من هذه الأدناس بالنسبة لإخوانه المسلمين.
أما الطهارة الحسية: فهي كما قلت نوعان : إزالة وصف يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة، وإزالة خبث.
فأما إزالة الوصف : فهي رفع الحدث الأصغر والأكبر، بغسل الأعضاء الأربعة في الحدث الأصغر ، وغسل جميع البدن في الحدث الأكبر، إما بالماء لمن قدر عليه ، وإما بالتيمم لمن لم يقدر على الماء ، وفي هذا أنزل الله تعالى قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:6).
أما النوع الثاني : فهو الطهارة من الخبث ، أي من النجاسة ، وهي كل عين أوجب الشرع على العباد أن يتنزهوا منها ويتطهروا منها، كالبول والغائط ونحوهما مما دلت السنة بل مما دلت الشريعة على نجاسته ، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله : الطهارة إما عن حدث وإما عن خبث، ويدل لهذا النوع أعني الطهارة من الخبث ما رواه أهل السنن أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم فخلع نعليه ، فخلع الناس نعالهم ، فلما أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألهم أي سأل الصحابة-: لماذا خلعوا نعالهم؟ فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، فقال صلى الله عليه وسلم : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذى"(48)، يعني قذراً ، فهذا هو الكلام على لفظ الطهارة .



الأصل في التطهير
السؤال (65): فضيلة الشيخ ، ما هو الأصل في التطهير؟
الجواب : أما الطهارة من الحدث فالأصل فيها الماء ، ولا طهارة إلا بالماء، سواء كان الماء نقياً أم متغيراً بشيء طاهر ، لأن القول الراجح أن الماء إذا تغير بشيء طاهر وهو باق على أسم الماء، أنه لا تزول طهوريته ، بل هو طهور ، طاهر في نفسه ، مطهر لغيره.
فإن لم يوجد الماء، أو خيف الضرر باستعماله ، فإنه يعدل عنه إلى التيمم بضرب الأرض بالكفين ، ثم مسح الوجه بهما، ومسح بعضهما ببعض ، هذا بالنسبة للطهارة من الحدث ، أما الطهارة من الخبث فإن أي مزيل يزيل ذلك الخبث من ماء أو غيره، تحصل به الطهارة ، وذلك لأن الطهارة من الخبث يقصد بها إزالة تلك العين الخبيثة بأي مزيل ، فإذا زالت هذه العين الخبيثة بماء أو بنزين أو غيره من السائلات أو الجامدات على وجه تمام، فإن هذا يكون تطهيراً لها، وبهذا نعرف الفرق بين ما يحصل به التطهير في باب الخبث ، وبين ما يحصل به التطهير في باب الحدث.



البدل عن الأصل في التطهير
السؤال (66): فضيلة الشيخ ، ما هو البدل عن هذا الأصل الذي هو الماء؟
الجواب : البدل عن هذا الأصل هو التراب ، إذا تعذر استعمال الماء لعدمه أو التضرر باستعماله ، فإنه يعدل عن ذلك إلى التراب ، أي إلى التيمم، بأن يضرب الإنسان يديه على الأرض ، ثم يمسح بهما وجهه ، ويمسح بعضهما ببعض ، لكن هذا خاص في الطهارة من الحدث ، أما طهارة الخبث فليس فيها تيمم ، سواء كان على البدن، أو على الثوب ، أو على البقعة، لأن المقصود من التطهر من الخبث إزالة هذه العين الخبيثة ، وليس التعبد فيها شرطاً ، ولهذا لو زالت هذه العين الخبيثة بغير قصد من الإنسان طهر المحل. فلو نزل المطر على مكان نجس، أو على ثوب نجس ، وزالت النجاسة بما نزل من المطر ، فإن المحل يطهر بذلك ، وإن كان الإنسان ليس عنده علم بهذا ، بخلاف طهارة الحدث، فإنها عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل ، فلابد فيها من النية والقصد.
السؤال (67): فضيلة الشيخ ، إذن لو كان على الإنسان نجاسة ، ولا يستطيع إزالتها ، فإنه لا يتيمم عنها؟
الجواب : نعم ، إذا كان على الإنسان نجاسة وهو لا يستطيع إزالتها فإنه يصلي بحسب حاله لكن يخففها ما أمكن بالحك وما أشبه ذلك ، وإذا كانت مثلاُ في ثوب يمكنه خلعه ويستتر بغيره ، وجب عليه أن يخلعه ويستتر بغيره.



صفة الوضوء
السؤال (68): فضيلة الشيخ ، ما هي صفة الوضوء ؟
الجواب : صفة الوضوء الشرعي على وجهين:
الوجه الأول: صفة واجبة لا يصح الوضوء إلا بها ، وهي المذكورة في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )(المائدة: 6)، فهي غسل الوجه مرة واحدة ، ومنه أي غسل الوجه المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرافق من أطراف الأصابع إلى المرافق مرة واحدة، ومسح الرأس مرة واحدة ، ومنه أي من الرأس الأذنان وغسل الرجلين إلى الكعبين مرة واحدة ، هذه هي الصفة الواجبة التي لابد منها.
أما الوجه الثاني من صفة الوضوء: فهي الصفة المستحبة ونسوقها الآن بمعونة الله ، فهي أن يسمي الإنسان عند وضوئه ، ويغسل كفيه ثلاث مرات ، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات بثلاث غرفات ، ثم يغسل وجهه ثلاثاً ، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً ، يبدأ باليمنى ثم باليسرى ، ثم يمسح رأسه مرة واحدة ، يبدأ بمقدمه حتى يصل إلى مؤخره ، ثم يرجع حتى يصل إلى مقدمه، ثم يمسح أذنيه، فيدخل سبابته في صماخيهما، ويمسح بإبهامه ظاهرهما ، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ثلاثاً ، يبدأ باليمنى ثم باليسرى، ثم يقول بعد ذلك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فإنه إذا فعل ذلك فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء . هكذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله عمر رضي الله عنه(49).
السؤال (69): فضيلة الشيخ ، لكن بالنسبة للأذنين ، هل يلزم أخذ ماء خاص لهما أم مع الرأس ؟
الجواب : لا يلزم أخذ ماء جديد للأذنين، بل ولا يستحب ، لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يأخذ ماء جديداً لأذنيه ، فالأفضل أن يمسح أذنيه ببقية البلل الذي بقي بعد مسح رأسه.



نواقض الوضوء
السؤالان (70-71 ): فضيلة الشيخ ، ما هي نواقض الوضوء ؟
الجواب : قبل أن نذكر نواقض الوضوء ، أحب أن أنبه إلى مسألة تخفى على كثير من الناس ، وهي أن بعض الناس يظنون أن الاستنجاء أو الاستجمار من فروض الوضوء، فتجدهم يسألون كثيراً عن الرجل ينقض الوضوء في أول النهار ، ثم يؤذن أذان الظهر وهو لم ينقض وضوءه بعد ، وهو لم يتوضأ حين نقض وضوءه أولاً ، فيقول : إذا أذن الظهر هل أغسل فرجي مرة ثانية أو لا فنقول : لا تغسل فرجك، لأن غسل الفرج إنما هو لتطهيره من النجاسة عند البول أو الغائط، فإذا لم يحصل ذلك بعد التطهير الأول ، فإنه لا يطهر ، وحينئذ نعرف أنه لا علاقة بين الاستنجاء الذي هو غسل الفرج مما تلوث به من النجاسة ، وبين الوضوء، وهذه مسألة أحب أن يتنبه لها .
أما ما يتعلق بنواقض الوضوء : وهي مفسداته ومبطلاته، فنذكر منها : الغائط ، والبول ، والريح ، والنوم ، وأكل لحم الجزور .
فأما الغائط والبول والنوم فقد دل عليها حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم"(50)، وهذا تؤيده الآية الكريمة في الغائط حيث قال الله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) (النساء:43).
وأما الريح : فلما جاء في حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة رضي الله عنهما ، فيمن أشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينصرف أولا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً"(51)، وهذا دليل على أن الريح ناقض للوضوء فهذه أربعة أشياء : البول، والغائط ، والريح ، والنوم.
ولكن النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا كان عميقاً ، بحيث يستغرق النائم فيه، فلا يعلم عن نفسه لو خرج منه شيء ، لأن النوم مظنة الحدث، وليس حدثاً في نفسه، فإذا نعس الإنسان في صلاته أو خارج صلاته ، ولكنه يعي نفسه لو أحدث لأحس بذلك ، فإنه لا ينتقض وضوءه ولو طال نعاسه ، ولو كان متكئاً أو مستنداً أو مضطجعاً، لأن المدار ليس على الهيئة، ولكن المدار على الإحساس واليقظة ، فإذا كان هذا الناعس يحس بنفسه لو أحدث ، فإن وضوءه باق ولو كان متكئا أو مستنداً أو مضطجعاً ، وما أشبه ذلك.
وأما الخامس من نواقض الوضوء : فهو أكل لحم الإبل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه سئل : نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال : نعم ، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم ؟ قال " إن شئت"(52) ، فإجابته بنعم في لحم الإبل ، وبأن شئت في لحم الغنم ، دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعاً إلى مشيئته، بل هو أمر مفروض عليه ، ولو لم يكن مفروضاً لكان راجعاً إلى المشيئة ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم "إنه أمره بالوضوء من لحم الإبل"(53)، وعلى هذا فإذا أكل الإنسان لحم إبل انتقض وضوءه ، سواء كان الأكل كثيراً أم قليلاً ، وسواء كان اللحم نيئاً أو مطبوخاً ، وسواء كان اللحم من اللحم الأحمر الهبر أو من الأمعاء ، أو من الكرش ، أو من الكبد ، أو من القلب ، أو من أي شيء كان من أجزاء البدن، لأن الحديث عام لم يفرق بين لحم وآخر، والعموم في لحم الإبل كالعموم في لحم الخنزير، حين قال الله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ )(المائدة: 3)، فإن لحم الخنزير هنا يشمل كل أجزاء بدنه ، وهكذا لحم الإبل الذي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء منه ، يشمل جميع أجزاء البدن ، وليس في الشريعة الإسلامية جسد واحد تختلف أحكامه، فيكون جزء منه له حكم وجزء منه له حكم آخر ، بل الجسم كله تتفق أجزاؤه في الحكم ، ولا سيما على القول بأن نقض الوضوء بلحم الإبل علته معلومة لنا ، وليس تعبداً محضاً.
وعلى هذا فمن أكل لحم إبل من أي جزء من أجزاء البدن وهو على وضوء ، وجب عليه أن يجدد وضوءه ، ثم اعلم أن الإنسان إذا كان على وضوء ، ثم شك في وجود الناقض ، بأن شك هل خرج منه بول أو ريح ، أو شك في اللحم الذي أكله ، هل هو لحم إبل أو لحم غنم ، فإنه لا وضوء عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل، يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً"(54)، يعني حتى يتيقن ذلك ، ويدركه بحواسه إدراكاً معلوماً لا شبهة فيه ، ولأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه حتى نعلم زواله ، فالأصل أن الوضوء باق حتى نعلم زواله وانتقاضه.
السؤال (72): فضيلة الشيخ ، ولكن بالنسبة للنوم هل هناك فرق بين نوم الليل ونوم النهار؟
الجواب : ليس هناك فرق بين نوم الليل والنهار ، لأن العلة واحدة وهي زوال الإحساس ، وكون الإنسان لا يحس بنفسه لو خرج منه شيء .



موجبات الغسل
السؤال (73): فضيلة الشيخ ، ما هي موجبات الغسل ؟ وما صفته ؟
الجواب : أما صفة الغسل فعلى وجهين : صفة واجبة وهي أن يعم بدنه كله بالماء ، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه بالماء على أي وجه كان ، فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر ، والوجه الثاني : صفة كاملة ، وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اغتسل من الجنابة ، فإنه يغسل كفيه ، ثم يغسل فرجه، وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، على صفة ما ذكرنا في الوضوء ، ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثاً تروية، ثم يغسل بقية بدنه، هذه صفة الغسل.
أما موجبات الغسل فمنها : إنزال المني بشهوة يقظة أو مناماً لكنه في المنام يجب عليه الغسل وإن لم يحس بالشهوة ، لأن النائم قد يحتلم ولا يحس بنفسه ، فإذا خرج منه المني بشهوة وجب عليه الغسل بكل حال.
الثاني : الجماع ، فإذا جامع الرجل زوجته وجب عليه الغسل، والجماع يكون بأن يولج الحشفة في فرجها ، فإذا أولج الحشفة في فرجها فعليه الغسل، لقول النبي صلى عليه وسلم عن الأول : " الماء من الماء"(55) ، يعني أن الغسل يجب من الإنزال ، وقوله عن الثاني : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها ، فقد وجب الغسل وإن لم ينزل"(56) .
وهذه المسألة أعني الجماع بدون إنزال يخفى حكمها على كثير من الناس، حتى إن بعض الناس تمضي عليه الأسابيع أو الشهور ، وهو يجامع زوجته بدون إنزال ولا يغتسل جهلاً منه، وهذا أمر له خطورته ، فالواجب على الإنسان أن يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، فإن الإنسان إذا جامع زوجته وإن لم ينزل ، وجب الغسل عليه وعليها ، للحديث الذي أشرنا إليه آنفاً.
ومن موجبات الغسل: خروج دم الحيض والنفاس ، فإن المرأة إذا حاضت ثم طهرت ، وجب عليها الغسل ، لقول الله تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ )(البقرة: 222).
ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة إذا جلست قدر حيضها أن تغتسل (57)والنفساء مثلها ، فيجب عليها أن تغتسل.
وصفة الغسل من الحيض والنفاس كصفة الغسل من الجنابة، إلا أن بعض أهل العلم استحب في غسل الحائض ، أن تغتسل بالسدر، لأن ذلك أبلغ في نظافتها وتطهيرها.
وذكر بعض العلماء أيضاً من موجبات الغسل : الموت، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي كن يغسلن ابنته: " اغسلنها ثلاثاً ، أو خمساً ، أو سبعاً ، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك"(58) ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته بعرفة وهو محرم : "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين"(59)، فقالوا : إن الموت موجب للغسل ، ولكن الوجوب هنا يتعلق بالحي ، لأن الميت انقطع تكليفه بموته.
ومعنى يتعلق بالحي ، أن الحي هو الذي يوجه إليه الأمر بأن يغسل الميت، فالميت هو الذي يغسل، والحي هو الذي يغسله، فعلى الأحياء أن يقوموا بما وجب عليهم من تغسيل موتاهم ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.



حكم المسح على الخفين وشروطه
السؤال (74): فضيلة الشيخ ، ما هو حكم المسح على الخفين وشروط ذلك؟
الجواب : المسح على الخفين مما تواترت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قيل :
مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب
ورؤية شفاعة والحـوض ومسح خفين وهذي بعض
بل دل عليه القرآن في قوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )(المائدة: 6)، على قراءة الجر، وهي قراءة صحيحة سبعية ، ووجه ذلك أن قوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) ، بالجر ، معطوف على قوله( بِرُؤُوسِكُمْ) والعامل في قوله ( بِرُؤُوسِكُمْ) قوله (امْسَحُوا) وعلى هذا فيكون المعنى: " امسحوا برؤوسكم وامسحوا بأرجلكم"، ومن المعلوم أن المسح مناقض للغسل، فلا يمكن أن نقول : إن الآية دالة على وجوب الغسل الدال عليه قراءة النصب (وَأَرْجُلَكُمْ) ، ووجوب المسح في حال واحدة، بل تتنزل الآية على حالين ، والسنة بينت هاتين الحالين ، فبينت أن الغسل يكون للرجلين إذا كانتا مكشوفتين ، وأن المسح يكون لهما إذا كانتا مستورتين بالجوارب والخفين ، وهذا الاستدلال ظاهر لمن تأمله.
على كل حال ، المسح على الخفين وعلى الجوارب وهي ما يسمى بالشراب ثابت ثبوتاً لا مجال للشك فيه ، ولهذا قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء ، يعني ليس عندي فيه شك بوجه من الوجوه ، ولكن لابد من شروط لهذا المسح:
الشرط الأول : أن يلبسهما على طهارة ، ودليله : حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتوضأ ، فأهويت لأنزع خفيه، فقال : "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين"(60) ومسح عليها، فإن لبسهما على غير طهارة وجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ليغسل قدميه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل عدم خلعهما عند الوضوء ومسح عليهما ، علله بأنه لبسهما على طهارة : "أدخلتهما طاهرتين".
الشرط الثاني : أن يكون ذلك في المدة المحددة شرعاً ، وهي يوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر ، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث إلى آخر المدة فكل مدة مضت قبل المسح فهي غير محسوبة على الإنسان ، حتى لو بقي يومين أو ثلاثة على الطهارة التي لبس فيها الخفين أو الجوارب، فإن هذه المدة لا تحسب، لا يحسب له إلا من ابتداء المسح أول مرة إلى أن تنتهي المدة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر ، كما ذكرناها آنفاً.
مثال ذلك : رجل لبس الخفين أو الجوارب حين توضأ لصلاة الفجر من يوم الأحد ، وبقي على طهارته إلى أن صلى العشاء ، ثم نام، ولما استيقظ لصلاة الفجر يوم الاثنين مسح عليهما ، فتبتدئ المدة من مسحه لصلاة الفجر يوم الاثنين ، لأن هذا أول مرة مسح بعد حدثه ، وتنتهي بانتهاء المدة التي ذكرناها آنفاً.
الشرط الثالث : أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة ، فإن كان في الجنابة فإنه لا مسح ، بل يجب عليه أن يخلع الخفين ويغسل جميع بدنه، لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم"(61)، وثبت في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المسح " يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر"(62).
فهذه الشروط الثلاثة لابد منها لجواز المسح على الخفين ، وهناك شروط أخرى اختلف فيها أهل العلم ، ولكن القاعدة التي تبنى عليها الأحكام : أن الأصل براءة الذمة من كل ما يقال من شرط أو موجب أو مانع، حتى يقوم عليه الدليل.

ابو ضاري
21-11-2010, 08:37
شروط الممسوح عليه
السؤال (75): فضيلة الشيخ ، لكن هل هناك شروط تتعلق بالممسوح عليه من خف وجورب؟
الجواب : ليس فيه شروط ، اللهم إلا أن يكون طاهراً ، فإنه إذا كان نجساً لا يمسح عليه ، فلو اتخذ الإنسان خفا من جلد نجس ، كجلد الكلاب والسباع ، فإنه لا يجوز المسح عليه ، لأنه نجس ، والنجاسة لا يجوز حملها في الصلاة ، ولأن النجس لا يزد مسحه إلا تلويثاً.



حكم المسح على الجوارب
السؤال (76): فضيلة الشيخ ، ما حكم المسح على الجورب أو الخف المخروق أو الجورب الخفيف؟
الجواب : القول الراجح أنه يجوز المسح على ذلك ، أي على الجورب المخرق ، والجورب الخفيف الذي ترى من ورائه البشرة ، لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساتراً ، فإن الرجل ليست عورة يجب سترها ، وإنما المقصود الرخصة على المكلف ، والتسهيل عليه ، بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء ، بل نقول : يكفيك أن تمسح عليه ، هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين ، وهذه العلة كما ترى يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق ، والسليم، والخفيف ، والثقيل.



هل موجبات الغسل من نواقض الوضوء؟
السؤال (77): فضيلة الشيخ ، هل موجبات الغسل تعد من نواقض الوضوء أم لا؟
الجواب : المشهور عند فقهائنا رحمهم الله : أن كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً إلا الموت ، وبناء على ذلك فإنه لابد لمن اغتسل من موجبات الغسل أن ينوي الوضوء، فإما أن يتوضأ وإما أن يكفي الغسل بالنيتين، وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن نية الاغتسال من الحدث الأكبر تغني عن نية الوضوء لأن الله عز وجل قال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى…..) إلى آخره (المائدة:6) ، فلم يذكر الله تعالى في حال الجنابة إلا الإطهار يعني التطهر ، ولم يذكر الوضوء ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل حين أعطاه الماء ليغتسل قال : " أذهب فافرغه عليك"(63)، ولم يذكر له الوضوء أخرجه البخاري من حديث عمران بن حصين في حديث طويل.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية أقرب إلى الصواب ، وهي أن من عليه حدث أكبر إذا نوى الأكبر ، فإنه يجزئ عن الأصغر.
وبناء على هذا فإن موجبات الغسل منفردة عن نواقض الوضوء .



الأحكام المتعلقة بالجنابة
السؤال (78): فضيلة الشيخ ، ذكرتم من موجبات الغسل الجنابة ، فما هي الأحكام المتعلقة بالجنابة؟
الجواب : الأحكام المتعلقة بالجنابة هي :
أولاً : أن الجنب تحرم عليه الصلاة ، فرضها ، ونفلها ، حتى صلاة الجنازة .
ثانياً : يحرم عليه الطواف بالبيت
ثالثاً : يحرم عليه مس المصحف
رابعاً : يحرم عليه المكث في المسجد إلا بوضوء
خامساً: يحرم عليه قراءة القرآن حتى يغتسل
هذه هي أحكام خمسة تتعلق بمن عليه جنابة .



تأثير الشك في الطهارة
السؤال (79): فضيلة الشيخ ، أيضاً مما يتعلق بالطهارة الشك فيها ، فما هو الشك في الطهارة ، ومتى يكون مؤثراً؟
الجواب : الشك في الطهارة نوعان :
أحدهما : شك في وجودها بعد تحقق الحدث.
والثاني : شك في زوالها بعد تحقق الطهارة
أما الأول : وهو الشك في وجودها بعد تحقق الحدث، فأن يشك الإنسان هل توضأ أم لم يتوضأ، وهو يعتقد أنه أحدث لكن يشك هل توضأ أم لا ، ففي هذه الحال نقول : ابن على الأصل ، وهو أنك لم تتوضأ، ويجب عليك الوضوء .
مثال ذلك : رجل شك عند أذان الظهر هل توضأ بعد نقض وضوئه في الضحى أم لم يتوضأ، يعني أنه نقض الوضوء في الساعة العاشرة مثلاً ، ثم عند أذان الظهر شك ، هل توضأ حين نقض وضوءه أم لا ، فنقول له : ابن على الأصل ، وهو أنك لم تتوضأ ، ويجب عليك أن تتوضأ.
أما النوع الثاني : وهو الشك في انتقاض الطهارة بعد وجودها ، فإننا نقول أيضاً: ابن على الأصل ، ولا تعتبر نفسك ناقضاً للوضوء.
مثاله: رجل توضأ في الساعة العاشرة ، فلما حان وقت الظهر شك ، هل انقض وضوءه أم لا ، فنقول له : إنك على وضوئك، ولا يلزمك الوضوء حينئذ، وذلك لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه ، ويشهد لهذا الأصل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وجد في بطنه شيئاً فأشكل عليه : أخرج منه شيء أم لا ؟ " لا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً"(64).
وأما الشك في فعل أو الشك في أجزاء الطهارة ، مثل أن يشك الإنسان هل غسل وجهه في وضوئه أم لا ، وهل غسل يديه أم لا ، وما أشبه ذلك ، فهذا لا يخلو من أحوال أربعة :
الحال الأولى : أن يكون مجرد وهم طرأ على قلبه أنه : هل غسل يديه أم لم يغسلهما ، وهماً ليس له مرجح ، ولا تساوى عنده الأمران ، بل هو مجرد شيء خطر في قلبه ، لهذا لا يهتم به ، ولا يلتفت إليه.
الحال الثانية : أن يكون كثير الشكوك ، كلما توضأ شك ، إذا كان الآن يغسل قدميه شك هل مسح رأسه أم لا؟ هل مسح أذنيه أم لا؟ هل غسل يديه أم لا؟ فهو كثير الشكوك ، هذا أيضاً لا يلتفت إلى الشك ولا يهتم به.
أما الحال الثالثة : أن يقع الشك بعد فراغه من الوضوء فإذا فرغ من وضوئه شك ، هل غسل يديه أم لا ؟ أو هل مسح رأسه، أو هل مسح أذنيه ، فهذا أيضاً لا يلتفت إليه ، إلا إذا تيقن أنه لم يغسل ذلك العضو المشكوك فيه ، فيبني على يقينه.
هذه ثلاث حالات لا يلتفت إليها في الشك. الحال الأولى : الوهم . الحال الثانية : أن يكون كثير الشكوك، الحال الثالثة: أن يكون الشك بعد الفراغ من العبادة، أي بعد فراغ الوضوء.
أما الحال الرابعة : فهي أن يكون الشك شكا حقيقياً، وليس كثير الشكوك ، وحصل قبل أن يفرغ من العبادة ، ففي هذه الحال يجب عليه أن يبني على اليقين وهو العدم ، أي أنه لم يغسل ذلك العضو الذي شك فيه ، فيرجع إليه ويغسله وما بعده، مثاله : لو شك وهو يمسح رأسه ، هل تمضمض واستنشق أم لا ، وهو ليس كثير الشكوك ، وهو شك حقيقي ليس وهماً ، نقول له الآن : ارجع فتمضمض واستنشق، ثم اغسل يديك، ثم امسح رأسك وإنما أوجبنا عليه غسل اليدين مع أنه غسلهما من أجل الترتيب لأن الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب ، كما ذكر الله تعالى ذلك مرتباً ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام حين أقبل على الصفا : " ابدأ بما بدأ الله به"(65)، هذا هو حال الشك في الطهارة .




أنواع النجاسات الحكمية ومفهومها
السؤال (80): فضيلة الشيخ ، ما هي النجاسات الحكمية من حيث المفهوم والأنواع؟
الجواب : النجاسات الحكمية هي النجاسة الواردة على محل طاهر ، فهذه يجب علينا أن نغسلها ، وأن ننظف المحل الطاهر منها ، فيما إذا كان الأمر يقتضي الطهارة ، وكيفية تطهيرها، أو تطهير ما أصابته النجاسة تختلف بحسب الموضع، فإذا كانت النجاسة على الأرض ، فإنه يكتفي بصب الماء عليها بعد إزالة عينها إن كانت ذات جرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة حين بال الرجل في طائفة المسجد- أي في جانب منه قال لهم "دعوه ، وهريقوا على بوله سجلاً من ماء"(66)، فإذا كانت النجاسة على الأرض، فإن كانت ذات جرم أزلنا جرمها أولاً، ثم صببنا الماء عليها مرة واحدة ويكفي.
ثانياً: إذا كانت النجاسة على غير الأرض ، وهي نجاسة كلب ، فإنه لابد لتطهيرها من سبع غسلات، إحداها بالتراب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب"(67).
ثالثاً : إذا كانت النجاسة على غير الأرض ، وليست نجاسة كلب، فإن القول الراجح أنها تطهر بزوالها على أي حال كان سواء زالت بأول غسلة ، أو بالغسلة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة ، أو الخامسة ، المهم متى زالت عين النجاسة فإنها تطهر ، لكن إذا كانت النجاسة بول غلام صغير لم يأكل الطعام، فإنه يكفي أن تغمر بالماء الذي يستوعب المحل النجس، وهو ما يعرف عند العلماء بالنضح، ولا يحتاج إلى غسل ودلك ، لأن نجاسة بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام نجاسة مخففة.



الأحكام المتعلقة بالحيض والنفاس
السؤال (81): فضيلة الشيخ ، ما هي الأحكام المتعلقة بالحيض والنفاس؟
الجواب : الحيض قال أهل العلم : إنه دم طبيعة وجبلة يعتاد الأنثى إذا صلحت للحمل في أيام معلومة. وقالوا : إن الله عز وجل خلقه لغذاء الولد في بطن الأم، ولهذا إذا حملت المرأة انقطع عنها الحيض غالباً، ثم إن هذا الحيض الطبيعي إذا أصاب المرأة تعلق به أحكام كثيرة، منها: تحريم الصلاة والصيام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"(68) ، فلا يحل للمرأة أن تصوم ولا أن تصلي وهي حائض ، فإن فعلت فهي آثمة، وصومها وصلاتها مردودان عليها.
ثانياً : يحرم عليها الطواف بالبيت ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين حاضت: " افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت"(69) ، ولما ذكر له أن صفية بنت حيي قد حاضت، قال : " أحابستنا هي؟" لأنه ظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، فقالوا: إنها قد أفاضت ، فقال : "اخرجوا"(70)، ومن هذا الحديث نستفيد أن المرأة إذا طافت طواف الإفاضة وهو طواف الحج ، ثم أتاها الحيض بعد ذلك، فإن نسكها يتم ، حتى لو حاضت بعد طواف الإفاضة وقبل السعي ، فإن نسكها يتم، لأن السعي يصح من المرأة الحائض.
ونستفيد أيضاً من هذا الحديث أن طواف الوداع يسقط عن المرأة الحائض ، كما جاء ذلك صريحاً في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض"(71).
يحرم على الحائض أيضاً الجماع، فلا يحل للرجل أن يجامع زوجته وهي حائض، لقول الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) (البقرة:222)، والآية الكريمة تفيد أنه يحرم على الإنسان أن يطأ زوجته وهي حائض ، وأنها إذا طهرت لا يطأها أيضاً حتى تغتسل لقوله : (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يعني اغتسلن ، فإن الإطهار بمعنى الاغتسال ، لقوله تعالى: ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )(المائدة: 6) .
ولكن يجوز للإنسان أن يباشر زوجته وهي حائض ، وأن يستمتع منها بما دون الفرج ، وهذا يخفف من حدة الشهوة بالنسبة للإنسان الذي لا يستطيع الصبر عن أهله مدة أيام الحيض ، فإنه يتمكن من الاستمتاع بها فيما عدا الوطء في الفرج، أما الوطء في الدبر فهو حرام بكل حال، سواء كانت امرأته حائضاً أم غير حائض.
ومن الأحكام التي تترب على الحيض : أن المرأة إذا طهرت في وقت الصلاة فإنه يجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتصلي الصلاة قبل خروج وقتها، فإذا طهرت مثلاً بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، وجب عليها أن تغتسل ، حتى تصلي صلاة الفجر في وقتها، وبعض الناس يتهاون في هذا الأمر ، فتجدها تطهر في الوقت ، ولكن تسوف ولا سيما في أيام الشتاء ، تسوف وتتهاون حتى يخرج الوقت ، وهذا حرام عليها و يحل لها ، بل الواجب : أن تغتسل لتصلي الصلاة في وقتها.
وأوقات الصلوات معلومة لعامة الناس : وهي في الفجر من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس ، وفي وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله يعني طوله وفي العصر من هذا الوقت إلى أن تصفر الشمس ، وهذا وقت الاختيار، وإلى أن تغرب وهذا وقت الضرورة، وفي المغرب من غروب الشمس إلى مغرب الشمس الأحمر ، وفي العشاء من مغرب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، وما بعد منتصف الليل فهو وقت لا تصلى فيه العشاء لأن وقتها قد خرج، إلا إذا كان الإنسان قد نام أو نسي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"(72).
وليعلم أن الأصل في الدم الذي يصيب المرأة إذا كانت في سن الحيض أن يكون حيضاً ، حتى يأتي ما يخرجه عن هذا الأصل ، والذي يخرجه عن هذا الأصل، أن نعلم أن هذا الدم خرج من عرق وليس دم الطبيعة، مثل أن يكون ذلك إثر عملية أجرتها المرأة، أو يكون هذا الشيء لروعة أصابتها، أو نحو هذا من الأسباب التي توجب خروج الدم غير الطبيعي ، فإنها في هذه الحال لا تعتبر هذا الدم دم حيض ، وكذلك إذا أطبق عليها الدم وكثر حتى استغرق أكثر المدة من الشهر، فإنها في هذه الحال تكون مستحاضة ، وترجع إلى عادتها التي كانت عليها قبل حصول هذه الاستحاضة ، فتجلس مدة عادتها ثم تغتسل وتصلي ، ولو كان الدم يجري.
ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس : أنه لا يجوز للرجل أن يطلق المرأة وهي حائض ، فإن فعل فهو آثم وعليه أن يردها إلى عصمته ، حتى يطلقها وهي طاهر طهراً لم يجامعها فيه ، لأنه ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض ، فذكر عمر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً"(73).
وكثير من الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يتسرعون في هذا الأمر، فيطلق زوجته وهي حائض ، أو يطلقها في طهر جامعها فيه ، قبل أن يتبين حملها ، وكل هذا حرام يجب على المرء أن يتوب إلى الله منه ، وأن يعيد امرأته التي طلقها على هذه الحال.
ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس: أن المرأة النفساء إذا طهرت قبل أربعين يوماً، فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم إذا كان ذلك في رمضان ، لأنها إذا طهرت ولو في أثناء الأربعين صار لها حكم الطاهرات ، حتى بالنسبة للجماع، فإنه يجوز لزوجها أن يجامعها وإن لم تتم أربعين ، لأنه إذا جازت لها الصلاة جاز الوطء من باب أولى .
ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس : كما أشرنا إليه سابقاً وجوب الغسل على الحائض والنفساء إذا طهرتا من الحيض والنفاس ، وأحكام الحيض والنفاس كثيرة جداً ، ونقتصر منها على هذا القدر ولعل فيه كفاية إن شاء الله تعالى.




المرأة إذا لم ينزل منها دم
السؤال (82): فضيلة الشيخ، بالنسبة للمرأة إذا طهرت من النفاس أو إذا لم ينزل منها الدم فهل تعتبر نفساء؟
الجواب : إذا لم ينزل منها دم في حال النفاس ، فإنها ليست نفساء ، ولا يلزمها شيء، لا يلزمها غسل ، ولا يحرم عليها صلاة ولا صيام.



حكم أخذ حبوب منع الحيض أثناء الحج
السؤال (83): فضيلة الشيخ ، هل يجوز للمرأة أن تأخذ ما يمنع عنها الحيض أثناء حجها حتى تتمكن من أداء الحج ، كالحبوب المانعة للحمل أو أي نوع من أنواع ما يتطبب به؟
الجواب : الأصل في هذا الجواز ، وأنه يجوز للمرأة أن تأخذ ما يمنع الحيض إذا كان ذلك بإذن زوجها ، ولكن بلغني عن بعض الأطباء أن هذه الحبوب المانعة من نزل الحيض ضارة جداً على المرأة ،ضارة للرحم والأعصاب والدم وغير ذلك، حتى قال لي بعضهم : إنه إذا استعملتها امرأة بكر فإنه يكون موجباً للعقم ، فتكون هذه المرأة عقيمة، وهذا خطر عظيم ، وما قاله بعض الأطباء ليس ببعيد ، لأن الدم أعني دم الحيض دم طبيعة ، فإذا حاول الإنسان أن يمنعه بهذه العقاقير ، فقد حاول مخالفة الطبيعة ، ولا شك أن مخالفة الطبيعة مضر على البدن ، لأنه يقتضي أن ينحبس هذا الدم عن وقت خروجه الذي كان من طبيعة المرأة، لهذا أنصح جميع نسائنا في هذه المسألة بأن يدعن هذه الحبوب في رمضان وفي غير رمضان.
لكن في مسألة الحج والعمرة، ربما تدعو الحاجة أو الضرورة إلى استعمال هذه الحبوب وهو استعمال مؤقت ، وربما لا تعود المرأة إليه مدى عمرها، فمثل هذا أرجو ألا يكون فيه بأس ولا ضرر.



إذا ثبت ضرر الحبوب فما حكمها؟
السؤال (84): فضيلة الشيخ ، لكن إذا ثبت ضررها فما حكمها؟
الجواب : إذا ثبت ضررها فمعلوم أن كل ما تحقق ضرره فإنه لا يجوز للإنسان أن يتناوله، لأن الله عز وجل يقول ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)(النساء:29) ، وقد استدل عمرو بن العاص بهذه الآية ، حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "أصليت بأصحابك وأنت جنب" وكان رضي الله عنه قد أجنب في ليلة باردة ، فتيمم وصلى بأصحابه ، فلما قال له النبي عليه الصلاة والسلام : "أصليت بأصحابك وأنت جنب" قال: يا رسول الله، ذكرت قول الله تعالى : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم أو ضحك ، وأقره على هذا(74) . وهذا يدل على أن كل ما يكون فيه ضرر على بدن الإنسان ، فإنه لا يجوز له أن يتناوله.

---------------------------

(45) أخرجه مسلم ، كتاب الأقضية ، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور ، رقم (1718).
(46) أخرجه البخاري ، كتاب الغسل ، باب عرق الجنب وأن المؤمن لا ينجس ، رقم (283)، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس ، رقم (371).
(47) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، رقم (13)، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب نفي الإيمان عمن لا يحب لأخيه وجاره ما يحب لنفسه، رقم (45).
(48) أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة في النعل، رقم (650)، وأحمد في المسند(3/411).
(49) حديث: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل أيها شاء".
(50) أخرجه الترمذي ، كتاب الطهارة، باب في المسح على الخفين ، رقم (96)، والنسائي ، كتاب الطهارة ، باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر ، رقم (127)، وابن ماجه ، كتاب الطهارة ، باب الوضوء من النوم ، رقم (478)، وأحمد في "المسند" (4/239، 240) وقال الترمذي : حسن صحيح.
(1)أخرجه الترمذي كتاب الطهارة ، باب فبما بقال بعد الوضوء، رقم (55)، وقال الترمذي : وهذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم .
في هذا الباب كبير شيء .اهـ.وانظر بحث الشيخ أحمد شاكر حول هذا الحديث في الحاشية (1/78-83).
(51) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن ، رقم (137)، ومسلم ، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ، ثم شك في الحدث، رقم (361).
(52) أخرجه مسلم ، كتاب الحيض ، باب الوضوء من لحوم الإبل ، رقم (360).
(53) أخرجه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب الوضوء من لحوم الإبل ، رقم (184)، والترمذي ، كتاب الطهارة ، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل ، رقم (81)، وأحمد في المسند (4/288) وصححه الألباني في الإرواء (1/152).
(54) تقدم تخريجه ص (58).
(55) أخرجه مسلم ، كتاب الحيض ، باب إنما الماء من الماء رقم (343).
(56) أخرجه البخاري ، كتاب الغسل ، باب إذا التقى الختانان ، رقم (291) ومسلم ، كتاب الحيض ، باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين ، رقم (348).
(57) أخرجه مسلم ، كتاب الحيض ، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، رقم (334).
(58) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب غسل الميت ووضوئه بالماء ، رقم 1253)، ومسلم ، كتاب الجنائز ، باب في غسل الميت ، رقم (939).
(59) أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب الكفن في ثوبين ، رقم (1265)، ومسلم ، كتاب الحج ، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات ، رقم (1206).
(60) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء ، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان ، رقم (206)، ومسلم ، كتاب الطهارة ، باب المسح على الخفين، رقم (274).
(61) تقدم تخريجه ص(57).
(62) أخرجه مسلم ، كتاب الطهارة ، باب التوقيت في المسح على الخفين ، رقم (276).
(63) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري ، كتاب التيمم ، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم ، رقم (344).
(64) تقدم تخريجه ص(58)
(65) أخرجه مسلم ، كتاب الحج ، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (1218)، وهو جزء من حديث جابر العظيم في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(66) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد، رقم (220).
(67) الحديث متفق عليه بدون قوله: "إحداهن بالتراب". أخرجه البخاري رقم (172) كتاب الوضوء، باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، رقم (172). ولفظه " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً". ومسلم، كتاب الطهارة ، باب حكم ولوغ الكلب ، رقم )279)، وفيه "أولاهن بالتراب".أما رواية إحداهن بالتراب فأخرجها النسائي في السنن الكبرى (1/78).
(68) أخرجه البخاري ، كتاب الحيض ، باب ترك الحائض الصوم ، رقم (304).
(69) أخرجه البخاري ، كتاب الحيض ، بلب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ، رقم (305)، ومسلم ، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام ، رقم (1211).
(70) أخرجه البخاري ، كتاب الحج ، باب الزيارة يوم النحر ، رقم (1733)، ومسلم ، كتاب الحج ، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض ، رقم (1211م).
(71) أخرجه البخاري ، كتاب الحج ، باب طواف الوداع ، رقم (1755)، ومسلم ، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض ، رقم (1328).
(72) أخرجه البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ، رقم (597)، ومسلم ، كتاب المساجد ، باب قضاء الصلاة الفائتة ، رقم (684)، واللفظ له
(73) أخرجه مسلم ، كتاب الطلاق ، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ، رقم (1471).
(74) أخرجه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم ، رقم (334).

الحور العين
21-11-2010, 21:43
جـــــــــــــــزاك الله كل الخير على هذا العمل الطيب...

اتمنــــــــــى من كل قلبي ان يقرا باقي الاعضاء هذا الموضوع ، انا في السنة الثانية من كلية الدراسات الاسلامية ولكن استفدت كثيرا من قرائتي فالدين كلما خاض فيه الانسان ماوصل الا لقليله.

سبحانه كيف اتاح لنا سبل العبادة والله يخجل المرء مما يسهله لنا ديننا وما يقابله من بني ادم سبحانه .

انواع التوسل:

اقرا اخي المسلم واختي المسلمة هذا الجانب يخونني التعبير والله مما احاول ان ابينه من عظمة الاله.


والتنجيم ومايتعلق بالسحر فقد شاع في مجتمعنا والعياذ بالله حتى قنوات التلفاز بدات تنشره بصورة مباشرة.

اخيرا جعله الله في ميزان حسناتك.

اتمنى من باقي الاعضاء ان يضع تعليق بسيط بعد قراءة اي موضوع حتى ياخذه حقه ويستفيد ويفيد ايضا.

ابو ضاري
22-11-2010, 08:13
بارك الله فيك

والله يوفقك في دراستك

وبيض الله وجهتس على هذه الرد الجميل

ابو ضاري
22-11-2010, 08:15
فتاوى الصلاة



حكم الصلاة وأهميتها
السؤال (85): فضيلة الشيخ ، ما حكم الصلاة؟ وما أهميتها؟
الجواب : الصلاة من آكد أركان الإسلام بل هي الركن الثاني بعد الشهادتين ، وهي آكد أعمال الجوارح ، وهي عمود الإسلام ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "عموده الصلاة"(75) ، يعني الإسلام ، وقد فرضها الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان وصل إليه البشر، وفي أفضل ليلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبدون واسطة أحد، وفرضها الله عز وجل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم خمسين مرة في اليوم والليلة، ولكن الله سبحانه وتعالى خفف على عباده، حتى صارت خمساً بالفعل وخمسين في الميزان، وهذا يدل على أهميتها، ومحبة الله لها ، وأنها جديرة بأن يصرف الإنسان شيئاً كثيراً من وقته فيها، ولهذا دل على فرضيتها: الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
ففي الكتاب: يقول الله عز وجل (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103)، معنى كتاباً: أي مكتوباً ، أي مفروضاً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : "أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة"(76) ، وأجمع المسلمون على فرضيتها ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن الإنسان إذا جحد فرض الصلوات الخمس ، أو فرض واحدة منها فهو كافر مرتد عن الإسلام ، يباح دمه وماله ،إلا أن يتوب إلى الله عز وجل، ما لم يكن حديث عهد بإسلام ، لا يعرف عن شعائر الإسلام شيئاً ، فإنه يعذر بجهله في هذه الحال ، ثم يعرف فإن أصر بعد علمه بوجوبها على إنكار فرضيتها فهو كافر.
إذا فالصلاة من أفرض الفرائض في دين الإسلام.



على من تجب الصلاة
السؤال (86): فضيلة الشيخ ، على من تجب الصلاة؟
الجواب : تجب على كل مسلم بالغ عاقل ، من ذكر أو أنثى .
فالمسلم : ضده الكافر، فإن الكافر لا تجب عليه الصلاة ، بمعنى أنه لا يلزم بأدائها حال كفره، ولا بقضائها إذا أسلم ، لكنه يعاقب عليها يوم القيامة ، كما قال الله تعالى : (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) (39) (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ) (40) (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) (41) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (42) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (43) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (44) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (45) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (المدثر:39-46) ،فقولهم : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) يدل على أنهم عوقبوا على ترك الصلاة.
وأما البالغ: فهو الذي حصل له واحدة من علامات البلوغ ، وهي ثلاث بالنسبة للرجل، وأربع بالنسبة للمرأة. إحداها : تمام خمس عشرة سنة . والثانية : إنزال المني بلذة يقظة كان أم مناماً. والثالثة : إنبات العانة ، وهي الشعر الخشن حول القبل. هذه الثلاث العلامات تكون للرجال والنساء، وتزيد المرأة علامة رابعة : وهي الحيض، فإن الحيض من علامات البلوغ.
وأما العاقل: فضده المجنون الذي لا عقل له ، ومنه الرجل الكبير أو المرأة الكبيرة إذا بلغ به الكبر إلى حد فقد التمييز، فإنه لا تجب عليه الصلاة حينئذ لعدم وجود العقل في حقه.
وأما الحيض والنفاس : فهو مانع من وجوب الصلاة ، فإذا وجد الحيض والنفاس فإن الصلاة لا تجب.



حكم تارك الصلاة
السؤال (87): فضيلة الشيخ ، عرفنا حكم الصلاة وعلى من تجب ، فما حكم ترك الصلاة ؟
الجواب : حكم ترك الصلاة ، أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، وذلك بدلالة الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة ، والنظر الصحيح.
أما الكتاب: ففي قوله تعالى عن المشركين : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (التوبة:11) ، وجه الدلالة من هذه الآية الكريمة ، أن الله اشترط لثبوت الأخوة بين هؤلاء المشركين ، وبين المؤمنين ثلاثة شروط : التوبة من الشرك ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فإذا تخلف أحد هذه الثلاثة لم يكونوا إخوة لنا في الدين ، ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا بالكفر المخرج عن الملة، فإن المعاصي مهما عظمت إذا لم تصل إلى حد الكفر لا تخرج عن الأخوة في الدين ، ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القصاص، فيمن قتل أخاه عمداً ، قال عز وجل : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ )(البقرة: 178)، فجعل الله تعالى القاتل أخاً للمقتول ، مع أن قتل المؤمن عمداً من أعظم الكبائر، ثم ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (9) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )(الحجرات: 9-10)، فجعل الله الطائفة الثالثة المصلحة اخوة للطائفتين المقتتلتين ، مع أن قتال المؤمن من أعظم الذنوب ، وهذا يدل على أن الأخوة في الدين لا تنتفي بالمعاصي أبداً إلا ما كان كفراً.
وشرح الآية المذكورة : أنهم إن بقوا على الشرك فكفرهم ظاهر ، وإن آمنوا ولم يصلوا فكفرهم أيضاً ظاهر معلوم من الجملة الشرطية( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ )أي تابوا من الشرك ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة، إلا أن مسألة الزكاة فيها خلاف بين أهل العلم، هل يكفر الإنسان إذا تركها أو لا يكفر ، وفيه عن أحمد روايتان.
لكن الذي تقتضيه وتدل عليه السنة : أن تارك الزكاة لا يكفر، ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة ، صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم ، فيكوى به جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"(77) ، فإن هذا الحديث يدل على أنه لا يكفر بمنع الزكاة إذ لو كفر لم يكن له سبيل إلى الجنة، وعلى هذا فتكون الزكاة خارجة من هذا الحكم بمقتضى دلالة السنة.
أما الدليل من السنة على كفر تارك الصلاة ، فقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"(78)، ووجه الدلالة من الحديث : أنه جعل هناك فاصلاً بين الإيمان والكفر وهو الصلاة ، وهو واضح في أنه لا إيمان لمن لم يصل، لأن هذا هو مقتضى الحد، إذ إن الحد يفصل بين المحدودين. وقوله "بين الرجل وبين الشرك والكفر"ولم يقل بين الرجل وبين كفر منكراً ، والكفر إذا دخلت عليه"أل" كان المراد به الكفر الحقيقي، بخلاف ما إذا كان منكراً ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب ، والنياحة على الميت"(79)، فإن هذا لا يقتضي الخروج من الإسلام ، لأنه قال : "هما بهم كفر" يعني هاتين الخصلتين.
أما أقوال الصحابة رضي الله عنهم ، فقد قال عبد الله بن شقيق رحمه الله " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"(80) ، وقد نقل إجماعهم إسحاق بن راهويه رحمه الله على أن تارك الصلاة كافر.
وأما المعنى فنقول : كل إنسان عرف الصلاة وقدرها وعناية الشريعة بها ، ثم يدعها بدون عذر، وليس له حجة أمام الله عز جل ، فإن ذلك دليل واضح على أنه ليس في قلبه من الإيمان شيء ، إذ لو كان في قلبه من الإيمان شيء ما ترك هذه الصلاة العظيمة ، التي دلت النصوص على العناية بها وأهميتها، والأشياء تعرف بآثارها ، فلو كان في قلبه أدنى مثقال من إيمان لم يحافظ على ترك هذه الصلاة مع أهميتها وعظمها.
وبهذا تكون الأدلة السمعية والنظرية دالة على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، وتكون مقتضية للحذر من هذا العمل الشنيع ، الذي تهاون به اليوم كثير من الناس . ولكن باب التوبة مفتوح ولله الحمد كما قال تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) (59) (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) (60)(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً) (61) (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) (مريم:59-62) .
فنسأل الله أن يهدينا وإخواننا المسلمين للقيام بطاعته على الوجه الذي يرضيه عنا.



الأحكام المترتبة على ترك الصلاة
السؤال (88) : فضيلة الشيخ ، ما الذي يترتب على الحكم بالكفر على تارك الصلاة؟
الجواب : يترتب على ترك الصلاة المؤدي إلى الكفر ، يترتب عليه ما يترتب على أي مرتد آخر بسبب يقتضي الردة ، والذي يترتب على ذلك أحكام دنيوية وأحكام أخروية .
فمن الأحكام الدنيوية: أنه لا يحل أن يزوج لأن الكافر لا يحل أن يزوج بمسلمة، لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (الممتحنة:10) ، ولقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ )(البقرة: 221) ، ومن عقد لشخص على ابنته المسلمة ، وهذا الشخص لا يصلي فإن النكاح باطل، ولا تحل به المرأة لهذا الرجل ، ولا يستبيح منها ما يستبيح الرجل من امرأته ، لأنها محرمة عليه ، فإن هداه الله ومنَّ عليه بالتوبة فلابد من إعادة العقد.
الحكم الثاني : سقوط ولايته ، فلا يكون وليا على بناته ، وعلى قريباته ، فلا يزوج أحداً منهن لأنه لا ولاية لكافر على مسلم .
الحكم الثالث : سقوط حقه من الحضانة ، فلا يكون له حق في حضانة أولاده، لأنه لا حضانة لكافر على مسلم ، فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.
الحكم الرابع : تحريم ما ذكّاه من الحيوان ، فذبيحته التي يذبحها حرام، لأن من شرط حل الذبيحة، أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً وهو اليهودي والنصراني، والمرتد ليس من هؤلاء، فذبيحته حرام .
الحكم الخامس : أنه لا يحل له دخول مكة وحرمها، لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) (التوبة:28)، وعليه فلا يحل لأحد أن يمكِّن من لا يصلي من دخول مكة وحرمها لهذه الآية التي ذكرناها.
وأما الأحكام الأخروية فمنها: أنه إذا مات لا يغَّسل، ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، لأنه ليس منهم ، وإنما يخرج به إلى مكان منفرد فيدفن لئلا يتأذى الناس برائحته، أو يتأذى أهله بمشاهدته، ولا يحل لأحد أن يدعو بالرحمة لمن مات من أقاربه وهو يعلم أنه لا يصلي ، لقوله تعالى : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة:113) ، ولا يقولن قائل: إن الله عز جل يقول : "أن يستغفروا للمشركين" وتارك الصلاة ليس بمشرك، لأننا نقول : إن ظاهر حديث جابر : " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"(81) أن ترك الصلاة نوع من الشرك، ثم ،نقول : إن الله تعالى علل ذلك بقوله : (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) ، وتارك الصلاة قد تبين بمقتضى الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، والمعنى الصحيح، قد تبين لنا أنه من أصحاب الجحيم.
فالعلة هي هي ، والحكم إذا ثبت بعلة شمل كل ما تؤثر فيه هذه العلة.
ومن الأحكام الأخروية التي تترب على ترك الصلاة : أنه إذا كان يوم القيامة حُشر مع فرعون ، وهامان ، وقارون ، وأبيّ بن خلف - أئمة الكفر - والمحشور مع هؤلاء مآله مآلهم وهو النار والعياذ بالله.
فليحذر الإنسان من ترك الصلاة ، وليخف ربّه ، وليؤد الأمانة التي حمّله الله إياها في نفسه ، فإن لنفسه عليه حقا.
قد يقول قائل : إن قولكم بأنه يكفر كفراً مخرجاً عن الملة، معارض بقول من قال من أهل العلم: إنه كفر دون كفر ، وإنه لا يخرج به من الإسلام ، ويحمل الأحاديث الواردة في ذلك على من تركها جحوداً ، لا من تركها تهاوناً.
وجوابنا عن ذلك أن نقول : إن المسألة لا شك مسألة خلافية ، ولكن الله عز وجل يقول: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)(الشورى: 10)، ويقول عز وجل : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: 59).
وإذا رددنا هذه المسألة إلى الله ورسوله ، تبين لنا أن الحكم مرتب على الترك لا على الجحود، وقد ذكرنا ذلك في سؤال سابق.
ثم إننا نقول : هل أحد من الناس يزعم أنه أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الله عز وجل؟ وهل أحد يدعي أنه أنصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلق؟ وهل أحد يزعم أنه أفصح من الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ينطق به؟ وهل أحد يزعم أنه أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم فيما يريده؟ كل هذه الأوصاف أو كل هذه الأمور الأربعة لا يمكن لأحد أن يدعيها، فإذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بشريعة الله ، وأنصح الخلق لعباد الله ، وأفصح الخلق فيما ينطق به ، وأعلم الخلق بما يقول ، يقول: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"(82)، ويقول : " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"(83) ، فأي بيان أوضح من هذا في أن الحكم معلّق بالترك ، ثم نقول لمن زعم أن المراد من تركها جاحداً لها : إنك حرفت النص من وجهين :
الوجه الأول : أنك ألغيت الوصف الذي رتب عليه الحكم وهو الترك.
الوجه الثاني : أنك جعلت وصفاً يتعلق به الحكم لا يدل عليه اللفظ وهو الجحد، فأين الجحد في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : " فمن تركها فقد كفر"؟
ثم إننا نقول : إذا جحد الإنسان فرض الصلاة فهو كافر وإن صلى ، فهل تقول أنت : إنه إذا جحدها وصلى لم يكن كافراً؟ سيقول : لا ، إذا جحدها - أي جحد وجوبها فهو كافر وإن صلى ، فنقول: إذاً خالفت الحديث ، فالحديث يقول : "فمن تركها"، وأنت قلت : إن الحديث المراد به من تركها جاحداً لها ، والكفر مرتب على زعمك على من تركها جاحداً ، لا من جحدها بدون ترك ، وأنت لا تقول بهذا ، فعلى قولك يكون من جحدها بدون ترك يكون مسلماً!! فتبين بهذا واتّضح، أن القول الصواب أن من تركها متهاوناً متكاسلاً فهو كافر، أما من جحدها فهو كافر سواء صلى أم لم يصل.
وما أشبه هذه الدعوى - أعني دعوى أن المراد من تركها جحداً لوجوبها ما أشبهها بما نقل عن الإمام أحمد في قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93)، روي عن الإمام أحمد أن بعض الناس يقول : إن المراد من قتل مؤمناً مستحلاً لقتله، فتعجب الإمام أحمد من هذا ، وقال :إنه إذا استحل قتله فإنه كافر سواء قتله أم لم يقتله ، والآية علقت الحكم بالقتل ، وهذا نظير مسألتنا فيمن ترك الصلاة ، ونحن إذا قلنا بكفر تارك الصلاة ، فإننا نبرأ إلى الله عز وجل ، أن نقول عليه ما لا يدل عليه كلامه ، أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونرى أن القول بالتكفير كالقول بالإيجاب والتحريم، لا يتلقى إلا من جهة الشرع ، وإن الجرأة على القول بالتكفير كالجرأة على القول بالإيجاب فيما لم يجب، وبالتحريم فيما لم يحرم ، لأن الكل أمره إلى الله عز وجل ، التحليل والتحريم والإيجاب والبراءة والتكفير وعدم التكفير ، كلها أمرها إلى الله عز وجل ، فعلى المرء أن يقول بما يقتضيه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلاحظ أي اعتبار يخالف ذلك.



شروط الصلاة
السؤال (89): فضيلة الشيخ ، ما هي شروط الصلاة ؟ وماذا يترتب عليها؟
الجواب : شروط الصلاة : ما يتوقف عليه صحة الصلاة ، لأن الشرط في اللغة: العلامة، كما قال الله تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) (محمد:18)، أي علاماتها ، والشرط في الشرع ، في اصطلاح أهل الأصول: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.
وشروط الصلاة عدة، أهمها : الوقت ، كما قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: 103)، ولهذا يسقط كثير من الواجبات مراعاة للوقت ، وينبغي بل يجب على الإنسان أن يحافظ على أن تكون الصلاة في وقتها ، وأوقات الصلاة ذكرها الله تعالى مجملة في كتابه ، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة في سنته.
أما في الكتاب العزيز ، فقال الله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (الاسراء:78) فقوله تعالى (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي زوالها. وقوله (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي انتصاف الليل ، لأن أقوى غسق في الليل نصفه، وهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل يشتمل على أوقات أربع صلوات: الظهر، والعصر ، والمغرب، والعشاء.
وهذه الأوقات كلها متتالية، ليس بينها فاصل ، فوقت الظهر : من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء كطوله، ووقت العصر: من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس: الوقت الاختياري، وإلى غروب الشمس : الوقت الاضطراري ، ووقت المغرب: من غروب الشمس إلى مغرب الشفق، وهو الحمرة التي تكون في الأفق بعد غروب الشمس ، ووقت العشاء : من هذا الوقت إلى منتصف الليل.هذه هي الأوقات الأربعة المتصلة بعضها ببعض . وأما من نصف الليل إلى طلوع الفجر، فليس وقتاً لصلاة فريضة . ووقت صلاة الفجر: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ولهذا فصله الله تعالى عما قبله فقال(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) ثم قال : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) ، والسنة جاءت مبينة لهذا على ما وصفته آنفاً.
هذه الأوقات التي فرضها الله على عباده ، لا يجوز للإنسان أن يقدم الصلاة عن وقتها، ولا يجوز أن يؤخرها عن وقتها، فإن قدمها عن وقتها ، ولو بقدر تكبيرة الإحرام لم تصح، لأنه يجب أن تكون الصلاة في نفس الوقت ، لأن الوقت ظرف ، فلابد أن يكون المظروف داخله.
ومن أخر الصلاة عن وقتها ، فإن كان لعذر من نوم أو نسيان أو نحوه ، فإنه يصليها إذا زال ذلك العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك"(84) ، ثم تلى قول الله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(طـه: 14) ، وإن لم يكن له عذر فإن صلاته لا تصح ، ولو صلى ألف مرة، فإذا ترك الإنسان الصلاة فلم يصلها في وقتها ، فإنها لا تنفعه ، ولا تبرأ بها ذمته إذا كان تركه إياها لغير عذر، ولو صلاها آلاف المرات، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(85).
ومن ترك الصلاة حتى خرج وقتها لغير عذر ، فقد صلاها على غير أمر الله ورسوله ، فتكون مردودة عليه.
لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ، أن وسع لهم فيما إذا كان لهم عذر يشق عليهم أن يصلوا الصلاة في وقتها، رخص لهم في الجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، فإذا شق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها من الصلاتين المجموعتين ، فإنه يجوز أن يجمع بينهما، إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير، على حسب ما يتيسر له ، لقول الله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(البقرة: 185)، وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، من غير خوف ولا مطر، فسئل ابن عباس عن ذلك ، يعني لم صنع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا؟ قال : أراد ألا يحرج أمته(86)، ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا لحقته مشقة في ترك الجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، فإنه يجوز له أن يجمع بينها.
والوقت أهم الشروط ، ولهذا كان الوقت شرطاً وسبباً.
من الشروط أيضاً : ستر العورة ، لقوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف:31) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله في الثوب : " فإن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به"(87). وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة : " لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء"(88)، وهذا يدل على أنه يجب على الإنسان أن يكون مستتراً في حال الصلاة ، وقد نقل ابن عبد البر رحمه الله إجماع العلماء على ذلك ، وأن من صلى عرياناً مع قدرته على السترة ، فإن صلاته لا تصح.
وفي هذا المجال قسم العلماء رحمهم الله العورة إلى ثلاثة أقسام : مخففة، ومغلظة، ومتوسطة، فالمغلظة: عورة المرأة الحرة البالغة، قالوا : إن جميع بدنها عورة في الصلاة ، إلا وجهها، واختلفوا في الكفين والقدمين . والمخففة: عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين فإن عورته الفرجان القبل والدبر فلا يجب عليه أن يستر فخذه، لأنه صغير. والمتوسطة: ما عدا ذلك ، قالوا : فالواجب فيها : ستر ما بين السرة والركبة ، فيدخل في ذلك : الرجل البالغ عشراً فما فوق ، ويدخل في ذلك المرأة التي لم تبلغ ، ويدخل في ذلك الأم المملوكة، ومع هذا فإننا نقول : المشروع في حق كل إنسان ، أن يأخذ زينته عند كل صلاة، وأن يلبس اللباس الكامل، لكن لو فرض أنه كان هناك خرق في ثوبه على ما يكون داخلاً ضمن العورة، فإنه حينئذ يناقش فيه: هل تصح صلاته أو لا تصح؟ ، ثم إن المرأة إذا كان حولها رجال غير محارم، فإنه يجب عليها أن تستر وجهها ولو في الصلاة ، لأن المرأة لا يجوز لها كشف وجهها عند غير محارمها.



توضيح
السؤال (90) :فضيلة الشيخ ، قبل أن نخرج من الشرط الثاني ، قلتم إذا كان فيه خرق يناقش فيه ، كيف يناقش فيه؟
الجواب : إذا كان فيه خرق فإنه يناقش فيه، إذ إنه يفرق بين اليسير والكثير ، ويفرق بين ما كان على حذاء العورة المغلظة كالفرجين ، وما كان متطرفاً ، كالذي يكون في طرف الفخذ وما أشبه ذلك ، أو يكون في الظهر من فوق الإليتين أو في البطن من دون السرة وفوق السوأة، المهم أن كل مكان له حظّه من تغليظ العورة.
ولعل هذا السؤال أيضاً يجرنا إلى التنبيه على مسألة يفعلها بعض الناس في أيام الصيف، حيث يلبس سراويل قصيرة، ثم يلبس فوقها ثوباً شفافاً يصف البشرة ويصلي، فهذا لا تصح صلاته لأن السراويل القصيرة التي لا تصل إلى الركبة أو بعبارة أصح التي لا تستر ما بين السرة والركبة ، إذا لبس فوقها ثوباً خفيفاً يصف البشرة، فإنه لم يكن ساتراً لعورته التي يجب عليه أن يسترها في الصلاة . ومعنى قولنا " يصف البشرة": أي يبين من ورائه لون الجلد، هل هو أحمر أو أسود أو بين ذلك ، وليس المعنى أن يبين حجم الجلد، فإن هذا لا يضر ، وإن كان كلما كان أثخن فهو أفضل ، لكنه لا يضر ، لأنه ليس بشفاف ترى من ورائه البشرة.
فمثلاً يوجد ثياب إذا كان تحتها سراويل تعرف الفرق بين حد السروال من بقية الجلد لكن لا يتبين لك لون الجلد، فهذا تصح الصلاة معه، لكن كما قلنا كلما كان أثخن فهو أفضل.
ومن شروط الصلاة أيضاً : الطهارة ، وهي نوعان : طهارة من الحدث ، وطهارة من النجس.
أولاً: الطهارة من الحدث:
والحدث نوعان : حدث أكبر ، وهو ما يوجب الغسل ، وحدث أصغر ، وهو ما يوجب الوضوء .وقد سبق لنا ذكر الغسل والوضوء وأسبابهما، وهي نواقض الوضوء، وموجبات الغسل، فلا حاجة إلى إعادة ذلك مرة أخرى .
لكن الذي يهمنا هنا، أن نبين أن الطهارة من الحدث شرط ، وهو من باب الأوامر التي يطلب فعلها لا التي يطلب اجتنابها ، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم : أن ترك المأمور لا يعذر فيه بالنسيان والجهل، وبناء على ذلك : فلو أن أحداً من الناس صلى بغير وضوء ناسياً ، فإنه يجب عليه أن يعيد صلاته بعد أن يتوضأ، لأنه أخل بشرط إيجابي مأمور بفعله، وصلاته بغير وضوء ناسياً ليس فيها إثم لقوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286)، لكنها صلاة غير صحيحة، فلا تبرأ بها الذمة، فيكون مطالباً بها.
ولا فرق في هذا بين أن يكون الإنسان منفرداً ، أو مأموماً ، أو إماماً ، فكل من صلى بغير وضوء ، أو بغير غسل من حدث أكبر ناسياً ، فإنه يجب عليه إعادة الصلاة متى ذكر، حتى وإن كان إماماً ، إلا أنه إذا كان إماماً ، وذكر في أثناء الصلاة فإنه ينصرف ، ويأمر من خلفه أن يتم الصلاة ، فيقول لأحدهم : تقدم أتم الصلاة بهم ، فإن لم يفعل أي لم يعين من يتم الصلاة بهم قدموا واحداً منهم فأتم، فإن لم يفعلوا أتم كل واحد على نفسه، ولا يلزمهم أن يستأنفوا الصلاة من جديد، ولا أن يعيدوا الصلاة لو لم يعلموا إلا بعد ذلك ، لأنه معذورون حيث إنهم لا يعلمون حال إمامهم ، وكذلك لو صلى بغير وضوء جاهلاً ، فلو قدم إليه طعام وفيه لحم إبل، وأكل من لحم الإبل ، وهو لا يدري أنه لحم إبل ، ثم قام فصلى ، ثم علم بعد ذلك ، فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد صلاته ولا إثم عليه حين صلى ، وقد انتقض وضوءه وهو لا يدري بانتقاضه، لقوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286).



حكم صلاة الإمام بغير وضوء ناسياً
السؤال (91): فضيلة الشيخ ، نحب أن نسأل إذا لم يعلم الإمام أن وضوءه منتقض إلا بعد انتهاء الصلاة ، فهل يلزمه الإعادة هو والمأمومون أم لا؟
الجواب : حكم ذلك أن الإمام يجب عليه إعادة الصلاة ، وأما المأمومون فلا تجب عليهم إعادة الصلاة ، وهم في الأجر قد نالوا أجر الجماعة، لأنهم صلوا جماعة ، فيكبت لهم الأجر، ولا يخفى أيضاً أننا إذا قلنا : إنه إذا صلى بغير وضوء أو بغير غسل من الجنابة ، أنه إذا كان معذوراً لا يتمكن من استعمال الماء ، فإنه يتيمم بدلاً عنه ، فالتيمم عند تعذر استعمال الماء يقوم مقام الماء ، فإذا قدر أن هذا الرجل لم يجد الماء ، وتيمم وصلى ، فصلاته صحيحة، ولو بقي أشهراً ليس عنده ماء أو لو بقي أشهراً مريضاً لا يستطيع أن يستعمل الماء، فإن صلاته بالتيمم صحيحة، فالتيمم يقوم مقام الماء عند تعذر استعماله ، وإذا قلنا : إنه يقوم مقامه عند تعذر استعماله ، فإنه إذا تطهر بالتيمم ، بقي على طهارته حتى تنتقض الطهارة ، حتى لو خرج الوقت ، وهو على تيممه، فإنه لا يلزمه إعادة التيمم للصلاة الثانية، لأن التيمم مطهر ، كما قال الله تعالى في آية المائدة لما ذكر التيمم قال : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ)(المائدة: 6) ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام :" جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"(89) .



حكم ائتمام المتوضئ بالمتيمم
السؤال (92): فضيلة الشيخ ، أيضاً ربما يستفسر: هل يجوز أن يؤم متيمم متوضئاً؟
الجواب : نقول : نعم ، يجوز أن يكون المتيمم إماماً للمتوضئ ، لأن كلا منهما قد صلى بطهارة مأذون فيها .
ثانياً الطهارة من النجاسة:
أما الشق الثاني: الطهارة من النجاسة ومواضعها ثلاثة : البدن ، والثوب، والبقعة ، فلابد أن يتنزه الإنسان عن النجاسة في بدنه ، وثوبه، وبقعته، ودليل ذلك في البدن: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول"(90).
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة الحائض إذا أصاب الحيض ثوبها ، أن تغسله ثم تصلي فيه"(91) . ففيه دليل على وجوب تطهير الثوب من النجاسة، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أتي بصبي لم يأكل الطعام ، فوضعه في حجره فبال عليه ، فدعا بإناء من ماء فأتبعه إياه(92) .
وأما البقعة : ففي حديث أنس رضي الله عنه أن رجلاً أعرابياً جاء فبال في طائفة المسجد أي في جانب منه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يراق على بوله ذنوب من ماء(93) .
إذن : فلابد أن يتجنب الإنسان النجاسة ، في بدنه وثوبه وبقعته التي يصلي عليها.
فإن صلى وبدنه نجس أي قد أصابته نجاسة لم يغسلها أو ثوبه نجس ، أو بقعته نجسة ، ولكنه لم يعلم بهذه النجاسة ، أو علم بها ثم نسي أن يغسلها، حتى تمت صلاته ، فإن صلاته صحيحة، ولا يلزمه أن يعيد ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم ، فخلع نعليه ، فخلع الناس نعالهم ، فلما أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن سبب خلع نعالهم فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: " إن جبريل أتاني ، فأخبرني أن فيهما قذراً"(94) .
ولو كانت الصلاة تبطل لاستصحاب النجاسة حال الجهل لأستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، فإن الإنسان لو ذكر أنه لم يتوضأ في أثناء صلاته ، وجب عليه أن ينصرف ويتوضأ ، إذن اجتناب النجاسة في البدن ، والثوب ، والبقعة شرط لصحة الصلاة ، لكن إذا لم يتجنب الإنسان النجاسة جاهلاً أو ناسياً وصلى ، فإن صلاته صحيحة، سواء علم بها قبل الصلاة ثم نسي أن يغسلها ، أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة .
فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين ما إذا صلى بغير وضوء ناسياً أو جاهلاً ، حيث أمرنا من صلى بغير وضوء جاهلاً أو ناسياً بالإعادة ، ولم نأمر هذا الذي صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً بالإعادة؟
قلنا : الفرق بينهما أن الوضوء أو الغسل من باب فعل المأمور ، وأما اجتناب النجاسة فهو من باب ترك المحظور ، وفعل المأمور لا يعذر فيه بالجهل والنسيان ، بخلاف ترك المحظور.
ومن شروط الصلاة : استقبال القبلة ، لقول الله تعالى : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة:144)، فاستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ، فمن صلى إلى غير القبلة ، فصلاته باطلة غير صحيحة ، لا مبرئة لذمته إلا في أحوال أربعة:
الحال الأولى : إذا كان عاجزاً عن استقبال القبلة، مثل أن يكون مريضاً ، وجهه إلى غير القبلة ، ولا يتمكن من الانصراف إلى القبلة، فإن صلاته تصح على أي جهة كان ، لقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: 16) ،وهذا الرجل لا يستطيع أن يتحول إلي القبلة ، لا بنفسه ولا بغيره.
الحال الثانية:- إذا كان خائفاً من عدو أو كان هارباً واتجاهه إلى غير القبلة، ففي هذه الحال يسقط عنه استقبال القبلة، لقول الله تعالي: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً )(البقرة: 239) ومعلوم أن الخائف قد يكون اتجاهه إلى القبلة ، وقد يكون اتجاهه إلى غير القبلة، فإذا رخص الله له في الصلاة راجلاً أو راكباً، فمقتضى ذلك أن يرخص له في الاتجاه إلى غير القبلة، إذا كان يخاف على نفسه إذا اتجه إلى القبلة.
الحال الثالثة : إذا كان في سفر وأراد أن يصلي النافلة ، فإنه يصلي حيث كان اتجاه سيره ، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في السفر حيث كان وجهه، إلا أنه لا يصلي المكتوبة ، ففي النافلة يصلي المسافر حيث كان وجهه ، بخلاف الفريضة ، فإن الفريضة يجب عليه أن يستقبل القبلة فيها في السفر.
الحال الرابعة : إذا كان قد اشتبهت عليه القبلة ، فلا يدري أي الجهات تكون القبلة، ففي هذه الحال يتحرى بقدر ما يستطيع ويتجه حيث غلب على ظنه أن تلك الجهة هي القبلة ، ولا إعادة عليه لو تبين له فيما بعد أنه صلى إلى غير القبلة.
وقد يقول قائل : إن هذه الحالة لا وجه لاستثنائها، لأننا نلزمه أن يصلي إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها القبلة ، ولا يضره إذا لم يوافق القبلة، لأن هذا منتهى قدرته واستطاعته، وقد قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )(البقرة: 286) ، وقال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: 16) .



بقية شروط الصلاة
السؤال (93): فضيلة الشيخ ، نريد أن نستكمل معكم بقية شروط الصلاة ، وقد ذكرتم منها : الوقت، وستر العورة ، والطهارة ، واستقبال القبلة؟
الجواب : سبق أن تكلمنا على شرط استقبال القبلة لصحة الصلاة ، وذكرنا أنه يستثنى من ذلك أحوال أربع ، وأن الحالة الرابعة وهي ما إذا اشتبهت القبلة على الإنسان قد يناقش فيها . وعلى كل حال فإننا نقول : سواء جعلناها مما يستثنى ، أو مما لا يستثنى ، فإن الإنسان فيها يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع ، وأن يتحرى الصواب فيعمل به ولكن هاهنا مسألة وهي أنه يجب أن نعرف ، أن استقبال القبلة يكون إما إلى عين القبلة وهي الكعبة ، وإما إلى جهتها ، فإن كان الإنسان قريباً من الكعبة يمكنه مشاهدتها ، ففرض أن يستقبل عين الكعبة ، لأنها هي الأصل ، وأما إذا كان بعيداً لا يمكنه مشاهدة الكعبة، فإن الواجب عليه أن يستقبل الجهة ، وكلما بعد الإنسان عن مكة ، كانت الجهة في حقه أوسع لأن الدائرة كلما تباعدت اتسعت ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما بين المشرق والمغرب قبلة"(95)، هذا بالنسبة لأهل المدينة ، وذكر أهل العلم رحمهم الله أن الانحراف اليسير في الجهة لا يضر ، والجهات معروف أنها أربع : الشمال ، والجنوب ، والشرق ، والغرب ، فإذا كان الإنسان عن الكعبة شرقاً أو غرباً ، كانت القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب ، وإذا كان عن الكعبة شمالاً أو جنوباً ، صارت القبلة في حقه ما بين الشرق والغرب ، لأن الواجب استقبال الجهة.
نعم لو فرض أن الإنسان كان شرقاً عن مكة واستقبل الشمال، فإن ذلك لا يصح ، لأنه جعل الجهة على يساره ، وكذلك لو استقبل الجنوب ، فإن ذلك لا يصح لأنه جعل القبلة عن يمينه، وكذلك لو كان من أهل الشمال واستقبل الغرب، فإن صلاته لا تصح ، لأنه جعل القبلة عن يساره ، ولو استقبل الشرق ، فإن ذلك لا يصح أيضاً، لأنه جعل القبلة عن يمينه.
وقد يسر الله سبحانه وتعالى لعباده في هذا الوقت وسائل تبين القبلة بدقة وهي مجربة ، فينبغي للإنسان أن يصطحب هذه الوسائل معه في السفر، لأنها تدله على القبلة إذا كان في حال لا يتمكن معها من معرفة القبلة . وكذلك ينبغي لمن أراد إنشاء مسجد ، أن يتبع ما تقتضيه هذه الوسائل المجربة والتي عرف صوابها.
من شروط الصلاة أيضاً : " النية" ، والنية محلها القلب ، واشتراط النية إنما يذكر من أجل التعيين أو التخصيص ، أما من حيث الإطلاق، فإنه لا يمكن لأحد عاقل مختار، أن يقوم فيتوضأ ، ثم يذهب ويصلي، لا يمكن أن يفعل ذلك وقد نوى للصلاة ، لكن الكلام على التعين فالتعيين لابد منه في النية، فينوي الظهر ظهراً، والعصر عصراً ، والمغرب مغرباً ، والعشاء عشاء، والفجر فجراً ، لابد من ذلك ، ولا يكفي نية الصلاة المطلقة ، لأن نية الصلاة المطلقة أعم من نية الصلاة المعينة ، والأعم لا يقضي على الأخص ، فمن نوى الأعم لم يكن ناوياً للأخص ومن نوى الأخص كان ناوياً للأعم لدخوله به.
ولهذا نقول : إذا انتقل الإنسان من مطلق إلى معين ، أو من معين إلى معين لم يصح ما انتقل إليه ، وأما ما انتقل منه فإن كان من مطلق إلى معين تبطل نية الإطلاق، وإن كان من معين إلى معين بطل الأول والثاني ، وهذا القول المجمل أبينه في الأمثلة :
رجل أخذ يصلي ناوياً نفلاً مطلقاً، ثم أراد أن يقلب النية في أثناء الصلاة إلى نفل معين ، أراد أن يجعل هذا النفل المطلق راتبة، فهنا نقول : لا ينفع ذلك ، لأن الراتبة لابد أن تكون منوية من قبل تكبيرة الإحرام ، وإلا لم تكن راتبة ، لأن الجزء الأول الذي خلا من نية الراتبة ، صار بغير نية الراتبة، لكن لو كان يصلي راتبة ، ثم نواها نفلاً مطلقاً ، وألغى نية التعيين صح ذلك ، وذلك لأن الصلاة المعينة تضمين نية التعيين ونية الإطلاق، فإذا ألغى نية التعيين بقيت نية الإطلاق.
مثال آخر : رجل دخل يصلي بنية العصر ، ثم ذكر في أثناء الصلاة ، أنه لم يصل الظهر، فحول نية العصر إلى الظهر، فهنا لا تصح ، لا صلاة الظهر ، ولا صلاة العصر ، أما صلاة العصر فلا تصح ، لأنه قطعها ، وأما صلاة الظهر فلا تصح ، لأنه لم ينوها من أولها، لكن إذا كان جاهلاً ، صارت هذه الصلاة في حقه نفلاً ، لأنه لما ألغى التعيين ، بقي الإطلاق.
والخلاصة: أني أقول : إن النية المطلقة في العبادات لا أظن أحداً لا ينويها أبداً ، إذ ما من شخص يقول فيفعل إلا وقد نوى ، لكن الذي لابد منه هو نية التعيين والتخصيص.
كذلك أيضاً مما يدخل في النية: نية الإمامة بعد أن كان منفرداً ، أو الائتمام بعد أن كان منفرداً ، وهذا فيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه لا بأس به ، فنية الإمامة بعد أن كان منفرداً ، مثل أن يشرع الإنسان في الصلاة وهو منفرد ، ثم يأتي رجل آخر يدخل معه، ليصيرا جماعة فلا بأس بذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي من الليل، وكان ابن عباس رضي الله عنهما نائماً ، ثم قام ابن عباس فتوضأ ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم (96)، والأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل.
فلو شرع الإنسان يصلي وحده ، ثم جاء آخر فدخل معه فجعله إماماً له فلا بأس، ويكون الأول إماماً والثاني مأموماً، وكذلك بالعكس، لو أن أحداً شرع في الصلاة منفرداً ، ثم جاء جماعة ، فصلوا جماعة ، فانضم إليهم ، فقد انتقل من انفراد إلى ائتمام ، وهذا أيضاً لا بأس به، لأن الانتقال هنا ليس إبطالاً للنية الأولى، ولكنه انتقال من وصف إلى وصف فلا حرج فيه.
هذه من أهم الشروط التي ينبغي الكلام عليها ، وهناك شروط أخر كالإسلام ، والتمييز ، والعقل ، لكن هذه شروط في كل عبادة .



صفة الصلاة
السؤال (94): فضيلة الشيخ ، ما هي صفة الصلاة المفروضة؟
الجواب : إن معرفة صفة الصلاة كمعرفة صفة غيرها من العبادات من أهم ما يكون ، وذلك لأن العبادة لا تتم إلا بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا بمعرفة طريقة عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يتبعه الإنسان فيها، فمعرفة صفة الصلاة مهمة جداً ، وإني أحث نفسي وإخواني المسلمين على أن يتلقوا صفة النبي من الكتب الصحيحة، من كتب الحديث المعتبرة ، حتى يقيموها على حسب ما أقامها النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوتنا وإمامنا وأسوتنا صلوات الله وسلامه عليه، وجعلنا من أتباعه بإخلاص ، وها نحن نذكرها ، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للصواب، فنقول :
فصفة الصلاة أن يقوم الإنسان بشروطها السابقة التي تسبق عليها كالطهارة من الحدث والخبث، واستقبال القبلة وغيرها من الشروط، لأن شروط الصلاة تتقدم عليها ، ثم يكبر ، فقول : الله أكبر ، رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، ثم يضع يديه اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره، ثم يستفتح بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح، يستفتح بأي نوع ورد ، إما بقول " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد(97) أو بقول " سبحانك اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك"(98)، أو بغيرهما مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم يقول :أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ الفاتحة ، ويقف على كل آية منها فيقول :(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (2) (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (3) (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (:4) (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (5) (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (6) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (7) ثم يقرأ ما تيسر من القرآن ، والأفضل أن يقرأ سورة تامة تكون في الفجر من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره غالباً، وفي الباقي من أوساطه.
ثم يرفع يديه مكبراً في الركوع فيقول : الله أكبر ، ويضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ، ويمد ظهره متسوياً مع رأسه، لا يرفع رأسه ولا يصوبه ويقول : سبحان ربي العظيم ، يكررها ثلاثاً وهو أدنى الكمال ، وإن زاد فلا بأس .
ثم يرفع رأسه قائلاً : سمع الله لمن حمده ، ويرفع يديه كذلك كما رفعهما عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع، ثم يقول بعد قيامه : ربنا ولك الحمد ، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ، ثم يسجد مكبراً ، ولا يرفع يديه حال السجود ، ولا يرفع يديه إذا هوى إلى السجود. قال ابن عمر رضي الله عنهما : وكان لا يفعل ذلك - يعني الرفع - في السجود ويسجد على ركبتيه ، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، يسجد على أعضاء سبعة : الجبهة والأنف ، وهما عضو واحد، والكفين ، والركبتين، وأطراف القدمين ، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويرفع ظهره ولا يمده ، ويجعل يديه حذاء وجهه ، أو حذاء منكبيه، مضمومتي الأصابع ، مبسوطة ، ورؤوس الأصابع نحو القبلة ، فيقول : سبحان ربي الأعلى ، أدنى الكمال ثلاث ، ويزيد ما شاء ، ولكن يغلب في السجود جانب الدعاء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا من الدعاء ، فقمن أن يستجاب لكم(99).
ثم يرفع من السجود مكبراً ، ولا يرفع يديه، ويجلس مفترشاً رجله اليسرى ، ناصباً رجله اليمنى ، ويضع يديه على فخذيه أو على أعلى ركبتيه ، وتكون اليمنى مضمومة الأصابع الثلاثة : الخنصر ، والبنصر، والإبهام ، وإن شاء حلق الإبهام مع الوسطى، وأما السبابة فتبقى مفتوحة، ويحركها عند الدعاء ، ويقول : رب اغفر لي ، وارحمني ، وأجبرني ، وعافني وارزقني. وكلما دعا حرك أصبعه نحو السماء، إشارة إلى علو المدعو، أما اليد اليسرى ، فإنها تبقى على الرجل اليسرى ، على الفخذ ، أو على طرف الركبة ، مبسوطة ، مضمومة أصابعها ، متجهاً بها إلى القبلة ، ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى فيما يقال وما يفعل.
ثم يرفع من السجود إلى القيام مكبراً، ولا يرفع يديه عند هذا القيام ، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر لكن تكون قراءته دون القراءة في الركعة الأولى ، ويصلي الركعة الثانية كما صلاها في الركعة الأولى .
ثم يجلس للتشهد ، وجلوسه للتشهد كجلوسه للدعاء بين السجدتين ، أي يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى ، ويضع يده اليمنى على رجله اليمنى ، ويده اليسرى على رجله اليسرى ، على صفة ما سبق في الجلوس بين السجدتين ، ويقرأ التشهد: " التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"
ثم إن كان ي ثنائية كالفجر والنوافل ، فإنه يكمل التشهد ، فيستمر فيه "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال"، ثم إن أحب أطال في الدعاء ، ما شاء ، ثم يسلم عن يمينه : " السلام عليكم ورحمة الله " وعن يساره : "السلام عليكم ورحمة الله".
أما إذا كان في ثلاثة أو رباعية ، فإنه بعد أن يقول في التشهد:"أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" يقوم ، فيصلي ما بقي من صلاته مقتصراً على قراءة الفاتحة ، أما عن الركوع والسجود ، فكما سبق في الركعتين الأوليين ، ثم يجلس للتشهد الثاني ، وهو التشهد الأخير ، لكن يكون جلوسه توركاً.
والتورك له ثلاث صفات : إما أن ينصب رجله اليمنى ، ويخرج اليسرى من تحت ساقها ، وإما أن يفرش الرجل اليمنى والرجل اليسرى من تحت ساقها ، أي من تحت ساق اليمنى ، وإما أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين ساق اليمنى وفخذها، كل ذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا أكمل التشهد سلم عن يمينه وعن يساره كما سبق.
هذه هي صفة الصلاة والواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فليجتهد الإنسان باتباعها ما استطاع ، لأن ذلك أكمل في عبادته ، وأقوى في إيمانه وأشد في اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

ابو ضاري
22-11-2010, 08:16
وضع الرجلين أثناء القيام في الصلاة
السؤال : (95): فضيلة الشيخ ، ذكرتم- جزاكم الله خيراً - بالتفصيل وضع الأيدي في القيام وفي الركوع ، وكذلك في السجود، وكذلك في الجلسة بين السجدتين، لكننا لم نسمع شيئاً عن وضع الرجلين ، ونحن نشاهد الآن كثيراً من الناس يفرج ما بين رجليه، فيتسع ما بين مناكب المصلين. فما الصحيح في ذلك؟
الجواب : وضع الرجلين في حال القيام طبيعي ، بمعنى أنه لا يدني بعضهما من بعض ، ولا يباعد ما بينهما ، كما روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما ، ذكره في شرح السنة أنه كان رضي الله عنهما لا يباعد بين رجليه ولا يقارب بينهما، هذا في حال القيام وفي حال الركوع .
أما في حال الجلوس فقد عرفناه فيما سبق ، وأما في حال السجود فالأفضل أن يلصق إحدى القدمين بالأخرى ، وألا يفرق بينهما ، كما يدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها ، حين وقعت يدها على قدمي النبي صلى الله عليه وسلم منصوبتين وهو ساجد(100)، ومعلوم أن اليد الواحدة لا تقع على قدمين منصوبتين إلا وبعضها قد ضم إلى بعض ، وكذلك جاء صريحاً في صحيح ابن خزيمة رحمه الله أنه يلصق إحدى القدمين بالأخرى في حال السجود(101).
وقبل أن ننتهي من صفة الصلاة نود أن نبين أنه ينبغي للإنسان إذا فرغ من صلاته أن يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الله تعالى أمر بذلك في قوله : (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ )(النساء: 103) ، ومن ذلك : أن يستغفر الإنسان ثلاث مرات : أستغفر الله ، أستغفر الله ، أستغفر الله ، ويقول : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، ثم يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يسبح الله ثلاثاً وثلاثين ، ويكبر ثلاثاً وثلاثين ، ويحمد ثلاثاً وثلاثين ، إن شاء قالها كل واحدة على حدة، وإن شاء قالها جميعاً ، أي أنه إن شاء قال : سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين ، وإن شاء قال : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله ، ثلاثاً وثلاثين ، ثم : الحمد لله ، ثلاثاً وثلاثين، ثم : الله أكبر ثلاثاً وثلاثاً ، كل ذلك جائز، بل وتجوز أيضاً صفة أخرى : أن يسبح عشراً ، ويكبر عشراً ، ويحمد عشراً ، وتجوز صفة رابعة: أن يقول : سبحان الله ،والحمد لله ، ولا إله إلا الله ،والله أكبر خمساً وعشرين مرة ، فتتم مائة .
والمهم أن كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار بعد الصلاة فليقله، إما على سبيل البدل ، أو على سبيل الجمع ، لأن بعض الأذكار يذكر بعضها بدلاً عن بعض ، وبعض الأذكار يذكر بعضها مع بعض فتكون مجموعة ، فليحرص الإنسان على ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى في قوله : ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ )(البقرة: 198) ، وأتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان في المسجد فإن الأفضل أن يجهر بهذا الذكر، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم(102) . فيسن للمصلين أن يرفعوا أصواتهم بهذا الذكر اقتداء بالصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان يرفع صوته بذلك، كما قال ابن عباس : ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير(103)، وقول بعض أهل العلم : أنه يسن الإسرار بهذا الذكر ، وأن جهر النبي صلى الله عليه وسلم كان للتعليم ، فيه نظر ، فإن الأصل فيما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون مشروعاً في أصله ووصفه ، ومن المعلوم أنه لو لم يكن وصفه وهو رفع الصوت به مشروعاً ، لكان يكفي ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته فإنه قد علمهم هذا الذكر بقوله ، فلا حاجة إلى أن يعلمهم برفع الصوت ، ثم إنه لو كان المقصود التعليم لكان التعليم يحصل بمرة أو مرتين ، ولا يحافظ عليه الرسول عليه الصلاة والسلام ، كلما سلم رفع صوته بالذكر.



أركان الصلاة
السؤال (96): فضيلة الشيخ ، ما هي أركان الصلاة ؟
الجواب : صفة الصلاة التي ذكرناها آنفاً تشتمل على أركان الصلاة وواجباتها وسننها ، وأهل العلم رحمهم الله ذكروا أن ما يقع في هذه الصلاة ، أو أن ما يكون من هذه الصفة ينقسم إلى أركان وواجبات وسنن ، على اتفاق فيما بينهم في بعض الأركان والواجبات ، وخلاف فيما بينهم في بعضها ، فنذكر مثلاً من الأركان:
الأول : القيام مع القدرة : وهذا ركن في الفرض خاصة ، لقوله تعالى : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين : " صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب"(104).
الثاني من الأركان : تكبيرة الإحرام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة فكبر"(105). ولابد أن يقول : الله أكبر ، فلا يجزئ أن يقول : الله أجل ، أو الله أعظم ، وما أشبه ذلك. وينبغي أن يعلم أنه لا يصح أن يقول : الله أكبر بمد الهمزة، لأنها تنقلب حينئذ استفهاماً، ولا أن يقول : الله أكبار بمد الباء ، لأنها حينئذ تكون جمعاً للكبر، والكَبَر هو الطبل، فأكبار كأسباب جمع سبب، وأكبار جمع كبر ، هكذا قال أهل العلم فلا يجوز أن يمد الإنسان الباء ، لأنها تنقلب بلفظها إلى جمع كبر ، وأما ما يقوله بعض الناس : الله وكبر فيجعل الهمزة واواً، فهذا له مساغ في اللغة العربية ، فلا تبطل به الصلاة .
الركن الثالث : قراءة الفاتحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(106)، ولكن إذا كان لا يعرفها فإنه يلزمه أن يتعلمها ، فإن لم يتمكن من تعلمها ، قرأ ما يقوم مقامها من القرآن إن كان يعلمه ، وإلا سبح وحمد الله وهلّل.
الركن الرابع : الركوع : لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا )(الحج: 77)، ولقول البني صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أساء في صلاته ولم يصلها على وجه التمام: " ثم اركع حتى تطمئن راكعاً" *.
الركن الخامس : الرفع من الركوع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً"(107) .
الركن السادس : السجود ، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا )(الحج: من الآية77) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً(108) .
الركن السابع: الجلوس بين السجدتين، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : " ثم ارفع حتى تطمئن جالساً(109).
الركن الثامن : السجود الثاني ، لأنه لابد في كل ركعة من سجودين لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : " ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً"(110) بعد أن ذكر قوله : " ثم ارفع حتى تطمئن جالساً".
أما الركن التاسع : فهو التشهد الأخير ، لقول ابن مسعود رضي الله عنه : كنا نقوم قبل أن يفرض علينا التشهد ،فدل هذا على أن التشهد فرض.
الركن العاشر : وهو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد.
الركن الحادي عشر : الترتيب بين الأركان : القيام ، ثم الركوع ، ثم الرفع منه، ثم السجود ، ثم الجلوس بين السجدتين ، ثم السجود ، فلو بدأ بالسجود قبل الركوع لم تصح صلاته، لأنه أخل بالترتيب.
الثالث عشر : الطمأنينة في الأركان ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته : "ثم اركع حتى تطمئن"، ثم ارفع حتى تطمئن "، "ثم اسجد حتى تطمئن".
والطمأنينة: أن يسكن الإنسان في الركن حتى يرجع كل فقال إلى موضعه ، قال العلماء : وهي السكون وإن قل ، فمن لم يطمئن في صلاته فلا صلاة له ولو صلى ألف مرة.
وبهذا نعرف خطأ ما نشاهده من كثير من المصلين من كونهم لا يطمئنون ولا سيما في القيام بعد الركوع ، والجلوس بين السجدتين ، فإنك تراهم قبل أن يعتدل الإنسان قائماً إذا هو ساجد وقبل أن يعتدل جالساً إذا هو ساجد ، وهذا خطأ عظيم ، فلو صلى الإنسان على هذا الوصف ألف صلاة لم تقبل منه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي كان يخل بالطمأنينة، فجاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ارجع فصل فإن لم تصل"(111) ، وهذا يدل على أن من صلى صلاة أخل فيها بشيء من أركانها أو واجباتها على وجه أعم ، فإنه لا صلاة له ، بل ولو كان جاهلاً في مسألة الأركان ، فإنه لا صلاة له .
والركن الأخير وهو الرابع عشر: التسليم ، بأن يقول في منتهى صلاته : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، والصحيح أن التسليمتين كلتاهما ركن ، وأنه لا يجوز أن يخل بواحدة منهما ، لا في الفرض ولا في النفل ، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في الفرض والنافلة ، وذهب آخرون إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في النافلة دون الفريضة ، فلابد فيها من التسليمتين ، لكن الأحوط أن يسلم الإنسان التسليمتين كلتيهما ، هذه هي الأركان.



حكم من ترك ركنا من أركان الصلاة
السؤال (97): فضيلة الشيخ ، ما حكم من ترك ركناً من هذه الأركان؟
الجواب : إذا ترك ركناً من هذه الأركان متعمداً فصلاته باطلة ، تبطل بمجرد تركه ، أما إذا كان ناسياً فإنه يعود إليه ، فلو نسي أن يركع ، ثم سجد حين أكمل قراءته ، ثم ذكر وهو ساجد أنه لم يركع ، فإنه يجب عليه أن يقوم فيركع ثم يكمل صلاته ، ويجب عليه أن يرجع للركن الذي تركه ما لم يصل إلى مكانه من الركعة الثانية، فإن وصل إلى مكانه من الركعة الثانية قامت الركعة الثانية مقام الركعة التي تركه منها.
فلو أنه لم يركع ، ثم سجد ، جلس بين السجدتين ، وسجد الثانية ، ثم ذكر ، فإنه يجب عليه أن يقوم فيركع ، ثم يستمر فيكمل صلاته ، أما لو لم يذكر أنه ركع إلا بعد أن وصل إلى موضع الركوع من الركعة التالية، فإن هذه الركعة الثانية تقوم مقام الركعة التي ترك ركوعها.
وهكذا لو نسي الإنسان السجدة الثانية ، ثم قام من السجدة الأولى ، ولما قرأ ذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية ، ولم يجلس أيضاً بين السجدتين فيجب عليه حينئذ أن يرجع ويجلس بين السجدتين ، ثم يسجد السجدة الثانية ، ثم يكمل صلاته ، بل لو لم يذكر أنه ترك السجدة الثانية والجلوس بين السجدتين إلا بعد أن ركع ، فإنه يجب عليه أن ينزل ، ويجلس ، ويسجد ، ثم يستمر في صلاته ، أما لو لم يذكر أنه ترك السجود الثاني من الركعة الأولى إلا بعد أن جلس بين السجدتين في الركعة الثانية ، فإن الركعة الثانية تقوم مقام الأولى ، وتكون هي ركعته الأولى.
وفي كل هذه الأحوال ، أو في كل هذه الصور التي ذكرناها ، يجب عليه أن يسجد سجود السهو ، لما حصل من الزيادة في الصلاة بهذه الأفعال ، ويكون سجوده بعد السلام ، لأن سجود السهو إذا كان سببه الزيادة فإن محله بعد السلام ، كما تدل على ذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .



إذا شك المصلي في أنه ترك ركناً
السؤال (98): فضيلة الشيخ ، هذا بالنسبة لمن تأكد لديه أنه ترك ركناً من الأركان، لكن لو شك في تركه ماذا يفعل؟
الجواب : إذا شك في تركه ، فهو لا يخلو من ثلاث حالات :
إما أن يكون هذا الشك وهماً لا حقيقة له ، فهذا لا يؤثر عليه ، يستمر في صلاته ولا كأنه حصل له هذا الشك ، وإما أن يكون هذا الشك كثيراً معه، كما يوجد في كثير من الموسوسين ، نسأل الله لنا ولهم العافية ، فلا يلتفت إليه أيضاً ، بل يستمر في صلاته حتى لو خرج من صلاته وهو يرى أنه مقصر فيها فليفعل ولا يهمنه ذلك ، وإما أن يكون شكه بعد الفراغ من الصلاة ، فكذلك أيضاً لا يتلفت إليه ولا يهتم به ، ما لم يتيقن أنه ترك.
أما إذا كان الشك في أثناء الصلاة ، فإن العلماء يقولون : من شك في ترك ركن فكتركه، فإذا كان الشك في أثناء الصلاة ، وكان شكاً حقيقياً، ليس وهماً ولا وسواساً فلو أنه سجد وفي أثناء سجوده شك هل ركع أو لم يركع ، فإنا نقول له : قم فاركع ، لأن الأصل عدم الركوع ، إلا إذا غلب على ظنه أنه ركع ، فإن الصحيح أنه إذا غلب على ظنه أنه ركع ، فإنه يعتد بهذا الظن الغالب ، ولكن يسجد للسهو بعد السلام.
وسجود السهو في الحقيقة أم مهم ، ينبغي للإنسان أن يعرفه، ولا سيما الأئمة ، وقد كان كثير منهم يجهل ذلك ، وهو أمر لا ينبغي من مثلهم ، بل الواجب على المؤمن أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.



مأموم يدخل مع الإمام وينسى كم صلى
السؤال (99): فضيلة الشيخ، بعض الناس يأتي بعد إقامة الصلاة ، ويدخل مع الإمام ، وينسى عدد الركعات التي فاتته ، ثم يقتدي بمن في جانبه ممن دخل الصلاة معه فما حكم ذلك؟
الجواب : هذا يقع كثيراً كما قلت ، يدخل اثنان مع الإمام ، ثم ينسى أحدهما كم صلى ، أو كم أدرك مع إمامه ، فيقتدي بالشخص الذي إلى جنبه ، فنقول: لا بأس أن يقتدي بالشخص الذي إلى جنبه ، إذا لم يكن عنده ظن يخالفه أو يقين يخالفه، لأن هذا رجوع إلى ما يغلب على ظنه ، والرجوع إلى ما يغلب على ظنه في باب العبادات لا بأس به على القول الراجح.



واجبات الصلاة
السؤال (100): فضيلة الشيخ ، عرفنا صفة الصلاة وأركانها، ونود أن نعرف ما هي واجبات الصلاة؟
الجواب : واجبات الصلاة : هي الأقوال أو الأفعال التي إذا تركها الإنسان عمداً بطلت صلاته، وإن تركها سهواً فإنه يجبرها بسجود السهو ، فمنها التكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، فإنها من واجبات الصلاة ، أما تكبيرة الإحرام فإنها ركن من أركان الصلاة ، لا تنعقد الصلاة إلا بها ، ويستثنى من هذه التكبيرات : تكبيرة الركوع ، إذا أتى المأموم والإمام راكع، فإنه يكبر تكبيرة الإحرام قائماً منتصباً ، فإذا أهوى إلى الركوع ، فإن التكبير في حقه سنة ، هكذا قرره الفقهاء رحمهم الله.
ومن الواجبات : التسبيح في الركوع والسجود، ففي الركوع : سبحان الله ربي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى .
ومن الواجبات : التشهد الأول وجلسته.
ومن الواجبات أيضاً: التسميع والتحميد ، أي قول : سمع الله لمن حمده عند الرفع من الركوع ، وقول : ربنا ولك الحمد بعد القيام من الركوع للإمام والمنفرد.
أما المأموم فإنه يقول : ربنا ولك الحمد ، حين رفعه من الركوع .
هذه الواجبات إذا تركها الإنسان متعمداً بطلت صلاته ، وإن تركها سهواً فصلاته صحيحة ، ويجبرها سجود السهو، لحديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الركعتين فلم يجلس في صلاة الظهر ، فلما قضى الصلاة وانتظر الناس التسليمة ، سجد سجدتين ثم سلم(112) .



سنن الصلاة
لسؤال (101): فضيلة الشيخ ، مادمنا عرفنا واجبات الصلاة ، نود أن نعرف أيضاً شيئاً من سنن الصلاة؟
الجواب : إذا عرف الإنسان أركان الصلاة وواجباتها ، فكل ما عداها فهو سنن ، فمن ذلك : الزيادة على الواحدة في تسبيح الركوع والسجود.
ومن ذلك : صفة الجلوس في الصلاة ، فإنه يجلس مفترشاً في جميع جلسات الصلاة ، والافتراش: أن يجلس على رجله اليسرى ، وينصب رجله اليمنى - أي القدم - إلا في الجلسة الثانية في الصلاة ذات التشهدين ، فإنه يجلس متوركاً ، والتورك : أن ينصب قدمه اليمنى ، ويخرج رجله اليسرى من تحت الساق من يمينه.
ومن السنن في الصلاة : أن يرفع الإنسان يديه إلى حذو منكبيه، أول إلى فروع أذنيه عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع ، وعند الرفع منه ، وعند القيام من التشهد الأول ، والسنن كثيرة يعرفها من تتبع كتب الفقهاء في هذا.



سجود السهو موجباته ومواضعه
السؤال (102): فضيلة الشيخ ، نود أن نعرف أيضاً سجود السهو في الصلاة من حيث موجباته ومواضعه؟
الجواب : سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة : الزيادة ، والنقص ، والشك.
فالزيادة : مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً ، أو سجوداً ، أو قياماً ، أو قعوداً .
والنقص : مثل أن ينقص الإنسان ركناً ، أو ينقص واجباً من وجبات الصلاة.
والشك : أن يتردد كم صلى ثلاثاً أم أربعاً مثلاً .
أما الزيادة : فإن الإنسان إذا زاد في الصلاة ركوعاً ، أو سجوداً ، أو قياماً ، أو قعوداً متعمداً بطلت صلاته ، لأنه إذا زاد متعمداً فقد أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمر به الله ورسوله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(113) .
أما إذا زاد ذلك ناسياً ، فإن صلاته لا تبطل ، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام ، ودليل ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتين في إحدى صلاته ، إما الظهر وإما العصر، فلما ذكروه ، أتى صلى الله عليه وسلم بما بقي من صلاته وسلم ، ثم سجد سجدتين بعدما سلم(114)، ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بهم الظهر خمساً، فلما انصرف قيل له : أزيد في الصلاة؟ قال : "وما ذاك؟" قالوا : صليت خمساً ، فثنى رجليه ، واستقبل القبلة ، وسجد سجدتين(115).
أما النقص : فإن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة ، فلا يخلو، إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية ، فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده ، وإما ألا يذكره حتى يصل إلى موضعه من الركعة الثانية ، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن الذي تركه منها، فيأتي بدلها ، أي بدل الذي تركها منها بركعة ، وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلام.
مثال ذلك : رجل قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى، ولم يجلس ، ولم يسجد للسجدة الثانية، ولما شرع في القراءة، ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين ، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد ، ثم يقوم فيأتي بما بقي من صلاته ، ويسجد للسهو بعد السلام.
ومثال من لم يذكره إلا بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية ، أنه قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى ، ولم يسجد السجدة الثانية ، ولم يجلس بينها وبين الأولى ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين من الركعة الثانية ، ففي هذه الحال تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى ، ويزيد ركعة في صلاته ، ويسلم ثم يسجد للسهو.
أما نقص الواجب : فإذا أنقص واجباً وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه، مثل أن لو نسي قول " سبحان ربي الأعلى" ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود ، فهذا قد ترك واجباً من واجبات الصلاة سهواً، فيمضي في صلاته ويسجد للسهو قبل السلام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول ، مضى في صلاته ، ولم يرجع ، وسجد للسهو قبل السلام(116) .
أما الشك : فإن الشك هو التردد بين الزيادة والنقص، بأن يتردد المصلي هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، وهذا لا يخلو من حالين : إما أن يترجح عنده أحد الطرفين الزيادة أو النقص ، فيبني على ما ترجح عنده ، ويتم عليه ، ويسجد للسهو بعد السلام ، وإما ألا يترجح عنده أحد الأمرين ، فيبني على اليقين وهو الأقل ، فيتم عليه ، ويسجد للسهو قبل السلام.
مثال ذلك: رجل صلى الظهر، ثم شك هل هو الآن في الركعة الثالثة أو الرابعة، وترجح عنده أنها الثالثة، فيأتي بركعة ، ثم يسلم ، ثم يسجد للسهو ، ومثال ما يستوي فيه الأمران : رجل يصلي الظهر ، فشك هل هذه الركعة الثالثة أو الرابعة ، ولم يترجح عنده أنها الثالثة أو الرابعة، فيبني على اليقين وهو الأقل ، فيجعلها الثالثة، ثم يأتي بركعة ، ويسجد للسهو قبل أن يسلم .
وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلام ، فيما إذا ترك واجباً من الواجبات، أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده أحد الطرفين ، وأنه يكون بعد السلام ، فيما إذا زاد في صلاته أو شك وترجح عنده أحد الطرفين.



حكم السلام بعد سجود السهو
السؤال (103): فضيلة الشيخ ، لكن إذا كان سجود السهو بعد الصلاة هل يلزم أيضاً سلام؟
الجواب : إذا كان السجود بعد السلام ، فإنه يجب له السلام فيسجد سجدتين ثم يسلم.
السؤال (104): فضيلة الشيخ ، وهل يجب له التشهد.
الجواب : في هذا خلاف بين العلماء ، والراجح أنه لا يجب له التشهد.



مبطلات الصلاة
السؤال (105): فضيلة الشيخ ، ما هي مبطلات الصلاة ولو على سبيل الإجمال؟
الجواب : مبطلات الصلاة تدور على شيئين : إما ترك ما يجب فيها ، أو فعل ما يحرم فيها.
فأما ترك ما يجب : فمثل أن يترك الإنسان ركناً من أركان الصلاة متعمداً ، أو شرطاً من شروطها متعمداً ، أو واجباً من واجباتها متعمداً .
مثال ترك الركن : أن يترك الركوع متعمداً .
ومثال ترك الشرط : أن ينحرف عن القبلة في أثناء الصلاة متعمداً.
ومثال ترك الواجب : أن يترك التشهد الأول متعمداً ، فإذا ترك أي واجب من واجبات الصلاة متعمداً فصلاته بطالة، سواء سمي ذلك الواجب شرطاً أم ركناً أم واجباً.
الشيء الثاني مما يدور عليه بطلان الصلاة : فعل المحرم فيها ، كأن يحدث في صلاته ، أو يتكلم بكلام الآدميين ، أو يضحك ، أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي هي حرام في أثناء الصلاة ، يفعلها متعمداً ، فإن صلاته تبطل في هذه الحال.



حكم صلاة الجماعة
السؤال (106): فضيلة الشيخ ، تحدثنا عن الصلاة ، وحكمها ، وشروطها ، وكذلك الأركان ، والواجبات ، وأيضاً عن السجود للسهو لها ، ونود أن نسأل ونركز على حكم صلاة الجماعة؟
الجواب : صلاة الجماعة اتفق العلماء على أنها من أجل الطاعات وأوكدها وأفضلها ، وقد أشار الله تعالى إليها في كتابه وأمر بها حتى في صلاة الخوف ، فقال الله تعالى : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (النساء:102) .
وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث العدد الكثير الدال على وجوب الصلاة مع الجماعة ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار"(117) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم : " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر"(118) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الأعمى الذي طلب منه أن يرخص له في الصلاة في بيته : "أتسمع النداء ؟" فقال : نعم قال : " فأجب"(119). وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد رأيتنا وما يتخلف عنها - أي عن صلاة الجماعة - إلا منافق معلوم النفاق ، أو مريض ، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف(120). والنظر الصحيح يقتضي وجوبها ، فإن الأمة الإسلامية أمة واحدة ، ولا يتحقق كمال الوحدة إلا بكونها تجتمع على عباداتها ، وأجل العبادات وأفضلها وأوكدها : الصلاة ، فكان من الواجب على الأمة الإسلامية أن تجتمع على هذه الصلاة.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله بعد اتفاقهم على أنها من أوكد العبادات وأجل الطاعات ، اختلفوا : هل هي شرط لصحة الصلاة ، أو أن الصلاة تصح بدونها مع الإثم ، مع خلافات أخرى ، والصحيح أنها واجب للصلاة ، وليست شرطاً في صحتها، لكن من تركها فهو آثم ، إلا أن يكون له عذر شرعي ، ودليل كونها ليست شرطاً لصحة الصلاة هو أن الرسول عليه الصلاة والسلام فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وتفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ يدل على أن في صلاة الفذ فضلاً ، وذلك لا يكون إلا إذا كانت صحيحة.
وعلى كل حال فيجب على كل مسلم ذكر بالغ أن يشهد صلاة الجماعة ، سواء كان ذلك في السفر أم في الحضر.



علاقة المأموم بإمامه
السؤال (107): فضيلة الشيخ ، مادمنا عرفنا حكم صلاة الجماعة، فما هي علاقة المأموم بإمامه
الجواب : أما علاقة المأموم بإمامه، فإنها علاقة متابعة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، ولا تكبروا حتى يكبر ، وإذا ركع فاركعوا ، ولا تركعوا حتى يركع ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، ولا تسجدوا حتى يسجد ، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً ، وإذا صلى قاعداً ، فصلوا قعوداً أجمعون"(121).
ومقام المأموم مع إمامه في هذه الناحية يتنوع إلى أربع مقامات : متابعة ، وموافقة، مسابقة ، وتأخر.
فأما المتابعة: فأن يأتي الإنسان بأفعال الصلاة بعد إمامه مباشرة، إذا ركع ركع بدون تأخر ، وإذا سجد سجد بدون تأخر، وهكذا في بقية أفعال الصلاة.
وأما الموافقة : فأن يفعل هذه الأفعال مع إمامه، يركع مع ركوعه، ويسجد مع سجوده ، ويقوم مع قيامه ، ويقعد مع قعوده.
وأما المسابقة : فأن يتقدم إمامه في هذه الأفعال ، فيركع قبله، ويسجد قبله، ويقوم قبله ، ويقعد قبله.
وأما التأخر : فأن يتوانى في متابعة الإمام، فإذا ركع الإمام ، بقي واقفاً يقرأ الفاتحة، وإذا سجد بقي قائماً يحمد وهكذا ، وكل هذه المقامات مذمومة إلا مقام المتابعة.
فالموافق لإمامه مخالف لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : " لا تكبروا حتى يكبر الإمام ، ولا تركعوا حتى يركع"(122).
والسابق له واقع في التحذير الشديد الذي حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله : " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار"(123).
والمتخلف : لم يحقق المتابعة ، لأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام : " إذا كبر الإمام فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا" جملة شرطية تقتضي أن يقع المشروط فور وجود الشرط ، وألا يتأخر عنه ، فهو منهي عنه.
فالمسابقة : حرام. والموافقة : قيل : إنها مكروهة، وقيل : إنها حرام . والتأخر : أقل أحواله الكراهة. أما المتابعة فهي الأمر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.



أشد حالات مخالفة الإمام
السؤال (108): فضيلة الشيخ ، لكن أي الحالات الثلاث أشد: المسابقة ، أم الموافقة أم التخلف عنه؟
الجواب : المسابقة أشدها ، لأنه ورد فيها الوعيد الذي سمعت، ولأن القول الراجح أن الإنسان إذا سبق إمامه، بطلت صلاته ، سواء سبقه إلى الركن أو بالركن، لأنه إذا سبق إمامه فقد فعل فعلاً محرماً في الصلاة.
والقاعدة الشرعية : أن من فعل فعلاً محرماً في العبادة، فإن العبادة تبطل به.



صلاة التطوع ( فضلها - أنواعها)
السؤال (109): فضيلة الشيخ ، نود أن تحدثونا عن صلاة التطوع من حيث الفضل والأنواع؟
الجواب : من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، أن جعل لكل نوع من أنواع الفريضة تطوعاً يشبهه ، فالصلاة لها تطوع يشبهها من الصلوات ، والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات ، والصيام له تطوع يشبهه من الصيام ، وكذلك الحج، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ليزدادوا ثواباً وقرباً من الله تعالى ، وليرقعوا الخلل الحاصل في الفرائض ، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة. فمن التطوع في الصلاة : الرواتب التابعة للصلوات المفروضة ، وهي أربع ركعات قبل الظهر بسلامين ، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر ، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة ، وركعتان بعدها ، فهذه ست ركعات ، كلها راتبة للظهر، أما العصر فليس لها راتبة ، أما المغرب فلها راتبة ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء ، وركعتان قبل الفجر ، وتختص الركعتان قبل الفجر ، بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين، وأن يقرأ فيهما بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (الكافرون:1) في الركعة الأولى ، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص:1) في الركعة الثانية ، أو بقوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) الآية ، في سورة البقرة في الركعة الأولى ، و (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ )(آل عمران: 64) الآية في سورة آل عمران في الركعة الثانية ، وبأنها - أي راتبة الفجر -تصلى في الحضر والسفر ، وبأن فيها فضلاً عظيماً ، قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"(124) .
ومن النوافل في الصلوات : الوتر ، وهو من آكد النوافل ، حتى قال بعض العلماء بوجوبه ، وقال فيه الإمام أحمد رحمه الله : من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة . وتختم به صلاة الليل ، فمن خاف ألا يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام ، ومن طمع أن يقوم آخر الليل ، فليوتر آخر الليل بعد إنهاء تطوعه، قال النبي عليه الصلاة والسلام : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(125) ، وأقله ركعة واحدة ، وأكثره إحدى عشر ركعة ، وأدنى الكمال : ثلاث ركعات ، فإن أوتر بثلاث فهو بالخيار ، إن شاء سردها سرداً بتشهد واحد ، وإن شاء سلم من ركعتين ، ثم أوتر بواحدة ثم صلى واحدة، وإن أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد ، وإن أوتر بسبع فكذلك، يسردها جميعاً بتشهد وحد وسلام واحد ، وإن أوتر بتسع فإنه يسردها ، ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويسلم ، فيكون فيها تشهدان وسلام واحد، وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة ، فإنه يسلم من ركعتين ويأتي بالحادية عشرة وحدها.
وإذا نسى الوتر ، أو نام عنه ، فإنه يقضيه من النهار، لكن مشفوعاً ، لا وتراً ، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث ، صلى أربعاً ، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس ، صلى ستاً وهكذا ، لأنه ثبت في الصحيح ، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة"(126).



الفرق في الأحكام بين الفرض والنافلة
السؤال (110): فضيلة الشيخ ، هل هناك فرق بين صلاة الفرض والنافلة؟
الجواب : نعم هناك فوارق بين صلاتي الفرض والنافلة ، من أوضحها : أن النافلة تصح في السفر على الراحلة، ولو بدون ضرورة ، فإذا كان الإنسان في سفر ، وأحب أن يتنفل وهو على راحلته ، سواء كانت الراحلة السيارة، أم طيارة ، أم بعيراً، أم غير ذلك ، فإنه يصلي النافلة على راحلته متجهاً حيث يكون وجهه، يومئ بالركوع والسجود، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك(127).
ومن الفروق بين الفريضة والنافلة : أن الإنسان إذا شرع في الفريضة حرم أن يخرج منها إلا لضرورة قصوى، وأما النافلة فيجوز أن يخرج منها لغرض صحيح، وإن كان بغير غرض فإنه لا يأثم إذا خرج منها ولكنه يكره كما ذكر ذلك أهل العلم.
ومن الفروق : أن الفريضة يأثم الإنسان بتركها ، وأما النافلة فلا.
ومن الفروق : أن الفريضة تشرع لها صلاة الجماعة ، وأما النافلة فلا تشرع ، إلا في صلوات معينة ، كالاستسقاء، وصلاة الكسوف على القول بأنها سنة، ولا بأس أن يصليها الإنسان - أي النافلة - أحياناً جماعة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ببعض أصحابه جماعة في بعض الليالي، فقد صلى معه مرة ابن عباس ، ومرة حذيفة ، ومرة ابن مسعود.
وأما في رمضان ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام بهم ثلاث ليال ثم تأخر خوفاً من أن تفرض على الناس(128) ، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة في قيام رمضان سنة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ، ولكن تركها خوفاً من أن تفرض، وهذا مأمون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

----------------------------------------------

(75) أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في حرمة الصلاة ، رقم (2616)، وقال : حسن صحيح.
(76) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب وجوب الزكاة ، رقم (1395)، ومسلم، كتاب الإيمان ، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، رقم (19).
(77) أخرجه مسلم ، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة ، رقم (987).
(78) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ، رقم (82).
(79) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة على الميت ، رقم (67).
(80) أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة ، رقم (2622)، قال الألباني: وإسناده صحيح . ووصله الحاكم(1/8)، عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال : فذكره . وقال صحيح على شرطهما ، وقال الذهبي : إسناده صحيح. اهـ . انظر : "المشكاة" (1/183).
(81) تقدم تخريجه ص (147).
(82) أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة ، رقم (2621)، والنسائي ، كتاب الصلاة ، باب الحكم في تارك الصلاة ، رقم (463)، وأحمد في " المسند" (5/546)، والحاكم في " المستدرك" (1/7) وقال : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب.
(83) تقدم تخريجه ص (147).
(84) تقدم تخريجه ص (137).
(85) تقدم تخريجه ص (111).
(86) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، رقم (705م).
(87) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب إذا كان الثوب ضيقاً، رقم (361).
(88) أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب إذا صلى في الثوب الواحد ، رقم (359)، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة في ثوب واحد، رقم (516).
(89) أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" رقم (438)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، رقم (521).
(90) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب من الكبائر ألا يستتر من بوله ، رقم (216، 218)، ومسلم ، كتاب الطهارة ، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، رقم (292).
(91) أخرجه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها ، رقم (365).
(92) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب بول الصبيان ، رقم (222)، ومسلم ، كتاب الطهارة ، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، رقم (286، 287).
(93) تقدم تخرجيه ص (133).
(94) تقدم تخريجه ص (114).
(95) أخرجه الترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة ، رقم (344)، وابن ماجه ، كتاب إقامة الصلاة ، باب القبلة ، رقم (1011)، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/205) وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي
(96) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب التخفيف في الوضوء ، رقم (138)ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (763).
(97) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب ما يقول بعد التكبير ، رقم (744)، ومسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بعد تكبيرة الإحرام ، رقم (598).
(98) أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب حجة من قال : لا يجهر بالبسملة، رقم (399).
(99 أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ، رقم (479).
(100) أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم (486).
(101) صحيح ابن خزيمة 1/328) رقم (654) كتاب الصلاة ، ولفظه: قالت عائشة رضي الله عنها : "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان معي على فراشي ، فوجدته ساجداً راصاً عقبيه ، مستقبلاً بأطراف أصابعه القبلة .." الحديث
(102) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب الذكر بعد الصلاة ، رقم (841)، ومسلم كتاب المساجد ، باب الذكر بعد الصلاة ، رقم (583)
(103) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب الذكر بعد الصلاة ، رقم (842)، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الذكر بعد الصلاة ، رقم (583).
(104) أخرجه البخاري ، كتاب تقصير الصلاة ، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب ، رقم (1117).
(105) أخرجه البخاري ، كتاب الأيمان والنذور ، باب إذا حنث ناسياً في الأيمان رقم (6667)، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ، رقم (397).
(106) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب وجوب قراءة الفاتحة للإمام والمأموم ، رقم (756)، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ، رقم (394).
* أخرجه البخاري ، كتاب الآذان، باب وجوب قراءة الفاتحة للإمام والمأموم رقم (757) ومسلم كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، رقم (397).
(107) الحديث السابق نفسه.
(108) الحديث السابق نفسه.
(109) الحديث السابق نفسه.
(110) الحديث السابق نفسه.
(111) الحديث السابق نفسه.
(112) أخرجه البخاري ، كتاب السهو ، باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة ، رقم (1224، 1225)،ومسلم ، كتاب المساجد ، باب السهو في الصلاة والسجود له ، رقم (570).
(113) تقدم تخريجه ص (111).
(114) أخرجه البخاري ، كتاب السهو ، باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث سجد سجدتين ، رقم (1227)، ومسلم ، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له ، رقم (573).
(115) أخرجه البخاري ، كتاب السهو ، باب إذا صلى خمساً ، رقم (1226)، ومسلم ، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له ، رقم (572).
(116) أخرجه الترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسياً ، رقم (364)، وصححه العلامة أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي (1/199).
(117) أخرجه البخاري، كتاب الأذان ، باب وجوب صلاة الجماعة ، رقم (644)، ومسلم ، كتاب المساجد ، باب فضل صلاة الجماعة ، رقم (651),
(118) أخرجه ابن ماجه، كتاب الصلاة ، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، رقم (793)، وهو في صحيح الجامع رقم (6300).
(119 أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء ، رقم (653).
(120) أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى ، رقم (654).
(121) أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة رقم (603).
(122) تقدم تخريجه ص (96).
(123) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام، رقم (691)، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب النهي عن سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما ، رقم (427).
(124) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب استحباب ركعتي سنة الفجر، رقم (725).
(125) أخرجه البخاري ، كتاب الوتر ، باب ليجعل آخر صلاته وتراً ، رقم (998)، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل مثنى مثنى، رقم (751).
(126) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض ، رقم (746).
(127) أخرجه البخاري ، كتاب الوتر ، باب الوتر في السفر، رقم (1000)، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب جواز صلاة النافلة على الداب في السفر حيث توجهت ، رقم (700).
(128) أخرجه البخاري، كاب صلاة التراويح ، باب فضل من قام رمضان ، رقم (2012)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين ، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم (761).

ابو ضاري
23-11-2010, 07:45
فتاوى الزكاة



المقصود بالزكاة لغة وشرعاً
السؤال (111): فضيلة الشيخ ، ما المقصود بالزكاة في اللغة، وفي الشرع؟ وما العلاقة بين المفهومين؟
الجواب : الزكاة في اللغة : الزيادة والنماء، فكل شيء زاد عدداً ، أو نما حجماً فإنه يقال : زكا. فيقال : زكا الزرع ، إذا نما وطال.
وأما في الشرع : فهي التعبد لله تعالى بإخراج قدر واجب شرعاً في أموال مخصومة لطائفة أو جهة مخصوصة.
والعلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، أن الزكاة وإن كان ظاهرها النقص، نقص كمية المال ، لكن آثارها زيادة المال، زيادة المال بركة ، وزيادة المال كمية، فإن الإنسان قد يفتح الله له من أبواب الرزق ما لا يخطر على باله إذا قام بما أوجب الله عليه في ماله ، قال الله تعالى : (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم:39)، وقال تعالى : ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(سـبأ: 39) ، يخلفه : أي يأتي بخلفه وبدله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما نقصت صدقة من مال"(129). وهذا أمر مشاهد ، فإن الموفقين لأداء ما يجب عليهم في أموالهم يجدون بركة فيما ينفقونه، وبركة فيما يبقى عندهم ، وربما يفتح الله لهم أبواب رزق يشاهدونها رأي العين ، بسبب إنفاقهم أموالهم في سبيل الله .
ولهذا كانت الزكاة في الشرع ملاقية للزكاة في اللغة من حيث النماء والزيادة.
ثم إن في الزكاة أيضاً زيادة أخرى ، وهي زيادة الإيمان في قلب صاحبها، فإن الزكاة من الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة تزيد في إيمان الرجل ، لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن الأعمال الصالحة من الإيمان ، وأن الإيمان يزداد بزيادتها ، وينقص بنقصها، وهي أيضاً تزيد الإنسان في خلقه ، فإنها بذل وعطاء، والبذل والعطاء يدل على الكرم والسخاء، والكرم والسخاء لا شك أنه خلق فاضل كريم ، بل إن له آثاراً بالغة في انشراح الصدر، ونور القلب ، وراحته، ومن أراد أن يطلع على ذلك فليجرب الإنفاق ، يجد الآثار الحميدة التي تحصل له بهذا الإنفاق، ولا سيما فيما إذا كان الإنفاق واجباً مؤكداً كالزكاة، فإن الزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهي التي تأتي كثيراً مقرونة بالصلاة التي هي عمود الإسلام ، وهي في الحقيقة محك تبين كون الإنسان محبا لما عند الله عز وجل ، لأن المال محبوب إلى النفوس ، وبذل المحبوب لا يمكن أن يكون إلا من أجل محبوب يؤمن به الإنسان وبحصوله، ويكون هذا المحبوب أيضاً أحب مما بذله.
ومصالح الزكاة، وزيادة الإيمان بها ، وزيادة الأعمال ، وغير ذلك أمر معلوم ، يحصل بالتأمل فيه أكثر مما ذكرنا الآن.



آثار الزكاة على المجتمع والاقتصاد
السؤال (112): فضيلة الشيخ، ذكرتم تعريف الزكاة أو مفهوم الزكاة اللغوي والشرعي، والعلاقة بينهما ، ثم تحدثتم أيضاً عن الآثار التي تنعكس على الفرد، لكن أيضاً مادمنا عرفنا الآثار التي تنعكس على الفرد، فما هي الآثار التي تنعكس على المجتمع، وعلى الاقتصاد الإسلامي أيضاً؟
الجواب: آثار الزكاة على المجتمع وعلى الاقتصاد الإسلامي ظاهرة أيضاً، فإن فيها من مواساة الفقراء والقيام بمصالح العامة ما هو معلوم ظاهر من مصارف هذه الزكاة ، فإن الله سبحانه وتعالى قال في مصارف هذه الزكاة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (التوبة:60) .
وهؤلاء الأصناف الثمانية منهم من يأخذها لدفع حاجته ، ومنهم من يأخذها لحاجة المسلمين إليه، فالفقراء والمساكين والغارمون لأنفسهم، هؤلاء يأخذون لحاجتهم، وكذلك ابن السبيل والرقاب، ومنهم من يأخذ لحاجة الناس إليه، كالغارم لإصلاح ذات البين ، والعاملين عليها والمجاهدين في سبيل الله.
فإذا عرفنا أن توزيع الزكاة على هذه الأصناف يحصل بها دفع الحاجة الخاصة لمن يعطاها ، ويحصل بها دفع الحاجة العامة للمسلمين، عرفنا مدى نفعها للمجتمع.
وفي الاقتصاد تتوزع الثروات بين الأغنياء والفقراء ، بحيث يؤخذ من أموال الأغنياء هذا القدر ليصرف إلى الفقراء، ففيه توزيع للثروة حتى لا يحدث التضخم من جانب والبؤس والفقر من جانب آخر.
وفيها أيضاً من صلاح المجتمع : ائتلاف القلوب ، فإن الفقراء إذا رأوا من الأغنياء أنهم يمدونهم بالمال، ويتصدقون عليهم بهذه الزكاة التي لا يجدون فيها منة عليهم ، لأنها مفروضة عليهم من قبل الله ، فإنهم بلا شك يحبون الأغنياء ويألفونهم ويرجون ما أمرهم الله به من الإنفاق والبذل، بخلاف ما إذا شح الأغنياء بالزكاة وبخلوا بها واستأثروا بالمال ، فإن ذلك قد يولد العداوة والضغينة في قلوب الفقراء ، ويشير إلى هذا ختم الآيات الكريمة التي فيها بيان مصارف الزكاة بقوله تعالى : ( فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(التوبة: 60).



شروط وجوب الزكاة
السؤال (113): فضيلة الشيخ ، حبذا لو عرفنا شروط وجوب الزكاة ؟
الجواب : شروط وجوب الزكاة : الإسلام، والحرية ، وملك النصاب ، واستقراره، ومضي الحول ، إلا في المعشرات .
فأما الإسلام : فإن الكافر لا تجب عليه الزكاة ، ولا تقبل منه لو دفعها باسم الزكاة، لقول الله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:54)الآية .
ولكن ليس معنى قولنا إنها لا تجب على الكافر ولا تصح منه ولا تقبل منه، أنه معفى عنها في الآخرة ، بل إنه يعاقب عليها ، لقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (38) (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) (39) (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ) (40) (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) (41) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (42) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (43) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (44) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (45) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (46) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (المدثر38-47) ، وهذا يدل على أن الكفار يعذبون على إخلالهم بفروع الإسلام ، وهو كذلك.
وأما الحرية : فلأن المملوك لا مال له ، إذ إن ماله لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من باع عبداً له مال ، فماله لبائعه إلا أن يشترط المبتاع"(130). فهو إذن غير مالك للمال حتى تجب عليه الزكاة، وإذا قدر أنه أي العبد ملك بالتمليك، فإن ملكه في النهاية يعود إلى سيده، لأن سيده له أن يأخذ ما بيده، وعلى هذا ففي ملكه نقص ، ليس مستقراً استقرار أملاك الأحرار.
وأما ملك النصاب: فمعناه أن يكون عند الإنسان مال يبلغ النصاب الذي قدره الشرع ، وهو يختلف باختلاف الأموال ، فإذا لم يكن عند الإنسان نصاب فإنه لا زكاة عليه ، لأن ماله قليل لا يحتمل المواساة ، والنصاب يختلف باختلاف الأموال، ففي المواشي الأنصبة فيها مقدرة ابتداء وانتهاء ، وفي غيرها الأنصبة مقدرة فيها ابتداء وما زاد فبحسابه.
وأما مضي الحول : فلأن إيجاب الزكاة في أقل من الحول يستلزم الإجحاف بالأغنياء ، وإيجابها فيما فوق الحول يستلزم الضرر في حق الفقراء، فكان من حكمة الشرع أن يقدر لها زمناً معيناً تجب فيه وهو الحول ، وفي ربط ذلك بالحول توازن بين حق الأغنياء وحق أهل الزكاة ، وعلى هذا فلو مات الإنسان مثلاً أو تلف المال قبل تمام الحول سقطت الزكاة، إلا أنه يستثنى من تمام الحول ثلاثة أشياء : ربح التجارة ، ونتاج السائمة ، والمعشرات.
أما ربح التجارة : فإن حوله حول أصله ، وأما نتاج السائمة : فحول النتاج حول الأمهات، وأما المعشرات فحولها تحصيلها أي وقت تحصيلها مثال ذلك في الربح : أن يشتري الإنسان سلعة بعشرة آلاف ريال، ثم قبل تمام حول الزكاة بشهر تزيد هذه السلعة أو تربح نصف الثمن الذي اشتراها به ، فيجب عليه زكاة رأس مال وزكاة ربح وإن لم يتم للربح حول ، لأنه فرع ، والفرع يتبع الأصل .
وأما النتاج : فمثل أن يكون عند الإنسان من البهائم نصاب ، ثم في أثناء الحول يتوالد هذا النصاب حتى يبلغ نصابين ، فيجب عليه الزكاة للنصاب الذي حصل بالنتاج وإن لم يتم عليه الحول ، لأن النتاج فرع فيتبع الأصل.
وأما المعشرات : فحولها حين أخذها مثل الحبوب والثمار، فإن الثمار في النخل مثلاً لا يتم عليه الحول حتى يجذّ ، فتجب الزكاة عند جذه، وكذلك الزرع يزرع ويحصد قبل أن يتم عليه الحول ، فتجب عليه الزكاة عند حصاده، لقول الله تعالى : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ )(الأنعام: 141).
فهذه الأشياء الثلاثة تستثنى من قولنا إنه يشترط لوجوب الزكاة تمام الحول.



مال المملوك هل يعفى من الزكاة
السؤال (114): فضيلة الشيخ، ذكرتم من شروط وجوب الزكاة وعددتم منها أن يكون مالك المال حراً ، وتحدثتم عن مال المملوك وأن المملوك لا يؤدي أو لا يجب عليه زكاة ، لأن المال مال مالكه ، لكن : هل يعفى المال من التزكية أم يدفع المالك من المال؟
الجواب : زكاة المال الذي عند المملوك على مالكه، لأنه هو مالك المال كما أسلفنا من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : "من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع"(131) ، وعلى هذا فتكون الزكاة على مالك المال، وليس على المملوك منها شيء ، ولا يمكن أن تسقط الزكاة عن هذا المال.



الأصناف التي تجب فيها الزكاة ومقدار كل نوع
السؤال (115): فضيلة الشيخ ، ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة ، ومقدار الزكاة في كل نوع منها؟
الجواب : الأموال التي تجب فيها الزكاة هي :
أولاً : الذهب والفضة ، والزكاة فيهما واجبة بالإجماع من حيث الجملة ، لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (34) (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34-35) .
وكنز الذهب والفضة هو ألا يخرج الإنسان ما أوجب الله عليه فيه من زكاة أو غيرها، وإن كان ظاهراً على سطح الأرض، وإذا أخذ الإنسان ما يجب لله فيه من الزكاة وغيرها فهو غير كنز وإن دفن في الأرض ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث أبي هريرة : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم ، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار(132).
والزكاة في الذهب والفضة واجبة على أي حال كان ، سواء كانت دراهم من الفضة ودنانير من الذهب ، أو كانت تبراً أي قطعاً من الذهب أو كانت قطعاً من الفضة، أو كانت حلياً يستعمل أو لا يستعمل، لعموم الأدلة الواردة في ذلك ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص الحلي حين أتته امرأة معها ابنة لها ، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتؤدين زكاة هذا ؟" قالت : لا . قال : " أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار". فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت : هما لله ورسوله(133). وهذا نص صريح في وجوب الزكاة في الحلي ولو كان ملبوساً . وإنما وجه النبي صلى الله عليه وسلم الخطاب إلى أم البنت لأنها هي ولية أمرها.
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء أعني مسألة الحلي ولكن الراجح ما قلناه، لأن الأحاديث عامة ، والأحاديث الخاصة فيها جيدة ، بل صححها بعضهم ، ولا شك أنها تقوم بها الحجة، لأنه يشهد بعضها لبعض، والأصل وجوب الزكاة في الذهب والفضة حتى يقوم دليل على التخصيص.
والواجب في الذهب والفضة ربع العشر، أي واحد من أربعين، وطريقة استخراج ذلك أن تقسم ما عندك على أربعين ، فما خرج من القسمة فهو الزكاة ، فإذا كان عند الإنسان أربعون ألفاً من الفضة ، أي أربعون ألف درهم ، فليقسم الأربعين على أربعين ، يخرج واحد فهو الزكاة.
وكذلك لو كان عنده أربعون ديناراً ، أن يقسم الأربعين على أربعين يخرج واحد أي دينار واحد فهو الواجب ، وعلى هذا فقس، قل المال أو كثر ، بشرط أن يبلغ النصاب.
نصاب الذهب خمسة وثمانون جراماً (85) وتساوي عشرة جنيهات سعودية ونصف وزيادة قليلة ، يعني خمسة من ثمانية ، فإذا كان الذهب تبلغ زنته هذا وجبت فيه الزكاة ، وإن كان دون ذلك لم تجب فيه الزكاة .
أما الفضة فنصابها مائة وأربعون مثقالاً ، وهي أيضاً خمسمائة وخمسة وتسعون جراماً (595)، وتساوي بالدراهم دراهم الفضة السعودية ستة وخمسين ريالاً ، أي ما يزن ستة وخمسين ريالاً من ريال الفضة السعودية ، فإذا بلغ عند الإنسان من الفضة ما يزن ذلك، فقد وجبت فيه الزكاة ، ومادون هذا لا زكاة فيه.
وليعلم أن القول الراجح من أقوال أهل العلم ، أن الذهب لا يضم إلى الفضة في تكميل النصاب، لأنهما جنسان مختلفان ، وهما وإن اتفقا في المنفعة والغرض ، فإن ذلك لا يقتضي ضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، لأن الشارع قدر لكل واحد منهما نصاباً معيناً يقتضي ألا تجب الزكاة فيما دونه ، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم نص بضم أحدهما إلى الآخر ، وكما أن البر لا يضم إلى الشعير في تكميل النصاب مع أن مقصودهما واحد، فكذلك الذهب والفضة.
وبناء على ذلك : لو كان عند الإنسان نصف نصاب من الذهب ، ونصف نصاب من الفضة ، لم تجب عليه الزكاة في واحد منهما، لما ذكرنا من أنه لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب .
ويلحق بالذهب والفضة ما جعل بدلاً عنهما في كونه نقداً يتعامل به ، كالأوراق النقدية المعروفة بين الناس اليوم ، فإذا كان عند الإنسان من هذه الأوراق ما تساوي قيمتيه نصاباً من الذهب أو الفضة، فإن الزكاة تجب عليه فيها، لأنها نقود وليست عروض تجارة، إذ إنها هي قيم الأشياء التي تقدر بها ، وهي وسيلة التبادل بين الناس ، فكانت كالدنانير والدراهم وليست كعروض التجارة كما زعمه بعضهم.
وليعلم أن الزكاة في الذهب والفضة واجبة وإن كان الإنسان قد ادخرهما لنفقاته وحاجاته ، فإذا كان عند الإنسان عشرة آلاف درهم ، أعدها لشراء بيت يسكنه، فإن الزكاة واجبة فيها ولو بقيت سنوات ، وكذلك لو كان قد أعدها ليتزوج بها فإن الزكاة واجبة فيها ولو بقيت سنة أو أكثر.
المهم أن الزكاة واجبة في عين الذهب والفضة ، فتجب فيهما بكل حال ، وما يظنه بعض الناس من أن الدراهم إذا أعدت للنفقة ، أو لحاجة الزواج ونحوه لا زكاة فيها ، فإنه ظن خاطئ لا أصل له ، لا في الكتاب ، ولا في السنة ، ولا في أقوال أهل العلم ، وهذا بخلاف العروض ، فإن العروض هي التي يشترط فيها نية التجارة ، أما الذهب والفضة فالزكاة في أعيانهما فتجب فيهما بكل حال.
هذا أحد الأموال التي تجب فيها الزكاة ، وهو الذهب والفضة .
الثاني : الخارج من الأرض من الحبوب والثمار ، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )(البقرة:267) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : " فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر"(134)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"(135) ، فتجب الزكاة في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار ، من الحبوب : كالبر والذرة ، والأرز وغيرها.
ومن الثمار : كالنخيل والأعناب التي تزبب ويحصل منها الزبيب ، وأما الأعناب التي لا تزبب ففيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال : إنه لا زكاة فيها ، لأنها ملحقة بالفواكه، في كالبرتقال والتفاح ، ومنهم من قال : إنها تجب فيها الزكاة اعتباراً بأصل العنب، لأن أصل العنب أن يزبب ، فهو شبيه بثمار النخيل، أي شبيه بالتمر، والاحتياط أن يخرج الإنسان الزكاة منه ، وأما ما ليس بحبوب ولا ثمار ، يكال ويدخر ، مثل الفواكه على اختلاف أنواعها ، والخضروات على اختلاف أنواعها، فإنه لا زكاة فيها ولو كثرت.
ومقدار الزكاة في الحبوب والثمار العشر، أي : عشرة في المائة إذا كانت تسقى بلا مؤونة، كالذي يشرب بعروقه، لكون الأرض رطبة ، أو الذي يشرب بالطل ، أو الذي يشرب بالأنهار ، أو الذي يشرب بالقنوات التي تضرب في الأرض ثم ينبع منها الماء، هذا كله يجب فيه العشر، لأنه لا مؤونة في استخراج الماء الذي يسقى به، وأما إذا كان يسقى بمؤونة ، كالذي يسقى بالسواني أو بالمكائن أو بالغرافات ، أو ما أشبهها ، فإن الواجب فيه نصف العشر ، فأسقط الشارع عنه نصف العشر مراعاة لحاله، ونصف العشر خمسة في المائة ، فإذا قدرنا أن هذه المزرعة أنتجت خمسة آلاف صاع ، كان الواجب فيها إذا كان الزرع يسقى بلا مؤونة خمسمائة صاع ، وإذا كان يسقى بمؤونة كان الواجب مائتين وخمسين صاعاً ، وعلى هذا فقس.
ولكن لا تجب الزكاة في الحبوب والثمار حتى تبلغ نصاباً، والنصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون مجموع الآصع ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فما دون ذلك فلا زكاة فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"(136).
هذان مالان مما تجب فيهما الزكاة.



زكاة الفواكه والخضروات إذا بيعت
السؤال (116): فضيلة الشيخ، بالنسبة للفواكه التي لا زكاة فيها ، هل إذا باعها الإنسان وجب عليه الزكاة في قيمتها"؟.
الجواب : هذه الفواكه والخضروات لا زكاة فيها ، ولكن الإنسان إذا باعها ، فإن في ثمنها الزكاة إن بقي حتى تم عليه الحول وكان من النقدين، الذهب والفضة أو ما جرى مجراهما، أما لو باعها بعروض ، مثل أن باعها بسيارات أو بأقمشة أو بأواني ، فإنه لا زكاة فيها أيضاً ما لم ينو التجارة بما جعله بدلاً ، فإن نوى التجارة كانت الزكاة واجبة وجوب زكاة العروض التي سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى فيما بعد.



تابع الأصناف التي تجب فيها الزكاة
ومن الأموال الزكوية التي تجب فيها الزكاة : بهيمة الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم، ولكن يشترط لوجوب الزكاة فيها شرطان : الشرط الأول : أن تكون معدة للدر والنسل والتسمين، لا للبيع والشراء .
والشرط الثاني : أن تكون سائمة الحول أو أكثره، يعني أن تتغذى على السوم- وهو الرعي - الحول أو أكثره.
فإن كانت غير معدة للدر والتسمين ، وإنما هي معدة للاتجار والتكسب، فهي عروض التجارة ، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى ، وإن كانت معدة للدر والتسمين، ولكنها تعلف فإنها لا زكاة فيها ، فلو كان عند الفلاح عشرون بعيراً أبقاها للتناسل وللدر والتسمين وللقنية، فإنها لا زكاة عليها في ذلك مادام يعلفها أكثر الحول لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، فيما كتبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم قال : "في الغنم في سائمتها"(137). وفي حديث بهز بن حيكم عن أبيه عن جده : " في الإبل في سائمتها"(138). وهذا يدل على أن غير السائمة ليس فيها زكاة وهو كذلك .
وأما مقدار الزكاة في البهائم - أي بهيمة الأنعام - فإنه يختلف ، وذلك لأن الأنصبة في بهيمة الأنعام مقدرة ابتداء وانتهاء ، ولكل قدر منها واجب خاص به ، فمثلاً في الغنم في كل أربعين شاة شاة واحدة ، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان ، فما بين الأربعين إلى مائة وعشرين ليس فيها إلا شاة واحدة ، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، فما بين مائة وإحدى وعشرين إلى مائتين ليس فيه إلا شاتان ، ثم في كل مائة شاة ، ففي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وفي ثلاثمائة وواحدة ثلاث شياه، وفي أربعمائة أربع شياه، وهلم جرا ، ولهذا لا يمكن أن نحدد الواجب في بهيمة الأنعام ، وذلك لاختلاف الأنصبة ابتداء وانتهاء ، ومرجع ذلك إلى كتب الحديث وأهل الفقه.
أما غير السائمة ، كالخيل والحمير والبغال ، فهذه لا زكاة فيها ولو كثرت ، ولو سامت، إذا لم تكن للتجارة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة"(139).
فلو كان عند الإنسان مائة فرس يعدها للركوب والجهاد وغير ذلك من المصالح ، فإنه لا زكاة عليه فيها ولو كانت تساوي دراهم كثيرة. إلا إن كان يتّجر في الخيل، يبيع ويشتري، ويتكسب ، فعليه فيها زكاة العروض. هذه ثلاثة أموال تجب فيها الزكاة ، النقدان وهما الذهب والفضة ، والخارج من الأرض ، والثالث بهيمة الأنعام.
الرابع : عروض التجارة ، وعروض التجارة هي الأموال التي عند الإنسان يريد بها التكسب، ولا تختص بنوع معين من المال، بل كل ما أراد به الإنسان التكسب من أي نوع كان من المال ففيه الزكاة ، سواء كان المال عقاراً ، أو حيواناً ، أو مملوكاً من الآدميين ، أو سيارات أو أقمشة ، أو أواني ، أو أطياب ، أو غير ذلك ، المهم كل ما أعده الإنسان للتجارة والتكسب ففيه الزكاة ، ودليل ذلك عموم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) (24) (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج:24-25) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم(140) ، فالأصل في الأموال وجوب الزكاة إلا ما دل عليه الدليل، والقول ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(141).
وصاحب العروض إنما نوى قيمة العروض ، ليس له حاجة أو غرض في نفس العروض بدليل أنه يشتري السلعة في أول النهار ، فإذا ربحت في آخر النهار باعها ، وليس كالإنسان المقتني للسلع الذي يبقيها عنده سواء زادت أم نقصت، فإذن يكون مراد هذا المالك هو القيمة ، وهي الذهب والفضة أو ما جرى مجراهما ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
ولأننا لو قلنا بعدم وجوب الزكاة في العروض لسقطت الزكاة عن كثير من أموال التجار، لأن غالب أموال التجار التي يتجرون بها إنما هي عروض التجارة.
هذه أربعة أنواع من المال تجب فيها الزكاة ، واختلف العلماء في العسل، هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب ؟ فمنهم من قال لا تجب الزكاة فيه ، ومنهم من قال : إنها تجب ، واستدلوا بأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والمسألة عندي محل توقف ، والعلم عند الله.
وبناء على ذلك : فإنه لا زكاة على الإنسان فيما يقتنيه من الأواني والفرش ، والمعدات ، والسيارات ، والعقارات ، وغيرها ، حتى وإن أعده للإجارة ، فلو كان عند الإنسان عقارات كثيرة تساوي قيمتها الملايين ، ولكنه لا يتجر بها ، أي لا يبيعها ويشتري بدلها للتجارة مثلاُ ، وإنما أعدها للاستغلال ، فإنه لا زكاة في هذه العقارات ولو كثرت، وإنما الزكاة فيما يحصل منها من أجرة أو نماء ، فتجب الزكاة في أجرتها إذا تم عليها الحول من العقد، فإن لم يتم عليها الحول فلا زكاة فيها ، لأن هذه الأشياء - ما عدا الأصناف الأربعة السابقة - الأصل فيها براءة الذمة حتى يقوم دليل على الوجوب ، بل قد دل الدليل على أن الزكاة لا تجب فيها ، في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقة"(142). فإنه يدل على أن ما اختصه الإنسان لنفسه من الأموال غير الزكوية ليس فيه صدقة ، أي ليس فيه زكاة ، والأموال التي أعدها الإنسان للاستغلال من العقارات وغيرها لا شك أن الإنسان قد أرادها لنفسه ولم يردها لغيره ، لأنه لا يبيعها بل يستبقيها للاستغلال والنماء.



تقدير قيمة الأراضي لإخراج زكاتها
السؤال (117): فضيلة الشيخ، لكن بالنسبة للأراضي التي اشتراها أصحابها، وكسدت في أيديهم نظراً لقلة قيمتها ، فهم يقدرونها بتقديرات عالية ، مع أنها لا تساوي إلا القليل في السوق ، فكيف تزكى هذه الأراضي؟
الجواب : الأراضي التي اشتراها أهلها للتجارة كما هو الغالب ينتظرون بها الزيادة هذه عروض تجارة ، وعروض التجارة تقوّم عند حول الزكاة بما تساوي ، ثم يخرج ربع الشعر منها ، لأن العبرة بقيمتها ، وقيمتها من الذهب والفضة، والذهب والفضة زكاتهما ربع العشر، ولا فرق بين أن تكون قيمة هذه الأراضي تساوي قيمة ما اشتريت به أو لا ، فإذا قدرنا أن رجلاً اشترى أرضاً بمائة ألف وكانت عند الحول تساوي مائتي ألف، فإنه يجب عليه أن يزكي عن المائتين جميعاً ، وإذا كان الأمر بالعكس ، اشترها بمائة ألف وكانت عند تمام الحول تساوي خمسين ألفاً فقط ، فإنه لا يجب عليه أن يزكي إلا عن خمسين ألفاً ، لأن العبرة بقيمتها عند وجوب الزكاة.
فإن شك الإنسان لا يدري: هل تزيد قيمتها عما اشتراها به أو تنقص ، أو هي هي ، فالأصل عدم الزيادة وعدم النقص ، فيقومها بثمنها الذي اشتراها به ، فإذا قدرنا أن هذه الأرض التي اشتراها بمائة ألف تساوي عند تمام الحول إن طلبت مائة وعشرين ، وتساوي إن جلبت ثمانين ألفاً ، وهو متردد ، نقول : قومها بما اشتريتها به ، لأن الأصل عدم الزيادة والنقص، ولكن يشكل على كثير من الناس اليوم أن عندهم أراضي كسدت في أيديهم ، ولا تساوي شيئاً ، بل إنهم يعرضونها للبيع ولا يجدون من يشتريها ، فكيف تزكى هذه الأراضي؟ نقول : إن كان عند الإنسان أموال يمكن أن يزكى منها - من الأموال التي عنده - أدى زكاتها من أمواله التي عنده ، وإن لم يكن عنده إلا هذه الأراضي الكاسدة، فإن له أن يأخذ ربع عشرها ويوزعها على الفقراء إن كانت في مكان يمكن أن ينتفع بها الفقير ويعمرها، وإلا فليقيد قيمتها وقت وجوب الزكاة ليخرج زكاتها فيما بعد إذا باعها.
وتكون هذه الأراضي مثل الدين الذي عند شخص فقير لا يستطيع الوفاء ، فالزكاة لا تجب عليه إلا إذا قبضها ، أي إلا إذا قبض الدين ، والصحيح أنه إذا قبض الدين من مدين معسر، فإنه يزكيه سنة واحدة فقط ولو كان قد بقي سنين كثيرة عند الفقير. ويمكن أن يقال في هذه الأراضي التي كسدت ولم يجد من يشتريها ، يمكن أن يقال : إنه لا يزكيها إلا سنة واحدة ، سنة البيع ، ولكن الأحوط إذا باعها أن يزكيها لكل ما مضى من السنوات، لأن الفرق بينها وبين الدين أن هذه ملكه بيده ، والدين في ذمة فقير خربت لكونه أعسر.



تزكية الديون التي في ذمم الناس
السؤال (118): فضيلة الشيخ ، كيف تزكى الديون التي في ذمم الناس؟
الجواب : الديون التي في ذمم الناس ، سواء كانت ثمن مبيع ، أو أجرة ، أو قرضاً ، أو قيمة متلف ، أو أرش جناية، أو غير ذلك مما يثبت في الذمة ، تنقسم إلى قسمين :
الأول : أن تكون مما لا تجب الزكاة في عينه ، كالعروض ، بأن يكون عند الإنسان لشخص ما مائة صاع من البر أو أكثر ، فهذا الدين لا زكاة فيه ، وذلك لأن الزروع أو -الحبوب -لا تجب الزكاة في عينها إلا لمن زرعها.
وأما الثاني: فهي الديون التي تجب الزكاة في عينها كالذهب والفضة ، وهذا فيه الزكاة على الدائن ، لأنه صاحبه ويملك أخذه والإبراء منه ، فيزكيه كل سنة ، إن شاء زكاه مع ماله ، وإن شاء قيد زكاته وأخرجها إذا قبضه ، فإذا كان عند شخص لآخر مائة ألف فإن من له المائة يزكيها كل عام ، أو فإن الزكاة تجب على من هي له كل عام . لكن هو بالخيار، إما أن يخرج زكاتها مع ماله ، وإما أن ينتظر حتى يقبضها ثم يزكيها لما مضى ، هذا إذا كان الدين على موسر باذل ، فإن كان الدين على معسر ، فإن الصحيح أن الزكاة لا تجب فيه ، لأن صاحبه لا يملك المطالبة به شرعاً ، فإن الله تعالى يقول : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )(البقرة: 280) ، فهو في الحقيقة عاجز شرعاً عن ماله ، فلا تجب عليه الزكاة فيه ، لكن إذا قبضه فإنه يزكيه سنة واحدة فقط وإن بقي في ذمة المدين عشر سنوات، لأن قبضه إياه يشبه تحصيل ما خرج من الأرض ، يزكى عند الحصول عليه .
وقال بعض أهل العلم: لا يزكيه لما مضى ، وإنما يبتدئ به حولاً من جديد. وما ذكرناه أحوط وأبرأ للذمة ، أنه يزكيه سنة واحدة لما مضى ثم يستأنف به حولاً ، والأمر في هذا سهل ، وليس من الصعب على الإنسان أن يؤدي ربع العشر من دينه الذي قبضه بعد أن أيس منه ، فإن هذا من شكر نعمة الله عليه بتحصيله .
هذا هو القول في زكاة الديون وخلاصته : أنها ثلاثة أقسام : قسم لا زكاة فيه ، وهو ما إذا كان الدين مما لا تجب الزكاة في عينه، مثل أن يكون في ذمة شخص لآخر أصواع من البر، أو كيلوات من السكر أو الشاي أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا زكاة فيه ، فما دام الدين مما لا تجب الزكاة في عينه ، فلا زكاة فيه ولو كان عنده مئات الأصواع.
والقسم الثاني : الدين الذي تجب الزكاة في عينه ، كالذهب والفضة ولكنه على معسر، فهذا لا زكاة فيه إلا إذا قبضه ، فإنه يزكيه لسنة واحدة ثم يستأنف فيه حولاً ، وقيل : إنه يستأنف فيه حولاً على كل حال ، ولكن ما قلناه أولى لما ذكرنا من التعليل.
القسم الثالث : ما تجب فيه الزكاة كل عام ، وهو الدين الذي تجب فيه الزكاة في عينه ، وهو على موسر باذل ، فهذا فيه الزكاة كل عام ، لكن إن شاء صاحب الدين أن يخرج زكاته مع ماله ، وإن شاء أخرها حتى يقبضه من المدين .



خرص عروض التجارة
السؤال (119) : فضيلة الشيخ ، هل يجوز خرص التجارة أو عروض التجارة إذا تعذر إحصاؤها أو شق على التجار؟
الجواب : لا يجوز خرصها ، لأن الخرص إنما ورد في الثمار، وألحق به بعض العلماء الزروع ، وأما الأموال فلا يمن خرصها ، لأنها أنواع متعددة، لكن على الإنسان أن يتحرى ما استطاع ، وأن يحتاط لنفسه ، فإذا قدر أن هذه البضاعة تبلغ قيمتها مائة ويحتمل أن تكون مائة وعشرين ، فليخرج عن مائة وعشرين إبراء لذمته.

ابو ضاري
23-11-2010, 07:47
الزكاة في مال الصغير والمجنون
السؤال (120): فضيلة الشيخ ، هل تجب الزكاة في مال غير المكلف ، كالصغير والمجنون؟
الجواب : هذا فيه خلاف بين العلماء ، فمنهم من قال : إن الزكاة في مال الصغير والمجنون غير واجبة نظراً إلى تغليب التكليف بها ، ومعلوم أن الصغير والمجنون ليسا من أهل التكليف فلا تجب الزكاة في مالهما.
ومنهم من قال : بل الزكاة واجبة في مالهما، وهو الصحيح نظراً لأن الزكاة من حقوق المال، لا ينظر فيها إلى المالك ، لقول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ )(التوبة: 103) ، فقال (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) - فجعل مناط الحكم أو موضع الوجوب : المال.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : " أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"(143). وعلى هذا فتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ، ويتولى إخراجها وليهما.



مصارف الزكاة
السؤال (121): فضيلة الشيخ ، ما هي المصارف التي يجب أن تصرف فيها الزكاة؟
الجواب : المصارف التي يجب أن تصرف فيها الزكاة ثمانية بينها الله تعالى بياناً شافياً كافياً ، وأخبر عز وجل أن ذلك فريضة ، وأنه مبنى على العلم والحكمة، فقال جل ذكره: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (التوبة:60) ، قال الله تعالى بعد ( فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(التوبة:60) .
فهؤلاء أصناف أهل الزكاة الذين تدفع إليهم ، وهم ثمانية كالتالي:
الفقراء والمساكين: وهؤلاء يعطون من الزكاة لدفع ضرورتهم وحاجتهم.
والفرق بين الفقراء والمساكين : أن الفقراء أشد حاجة ، لا يحد الواحد منهم ما يكفيه وعائلته لنصف سنة ، والمساكين أعلى حالاً من الفقراء ، لأنهم يجدون نصف الكفاية فأكثر دون كمال الكفاية . هؤلاء يعطون لحاجتهم ، ولكن كيف نقدر الحاجة؟ قال العلماء : يعطون لحاجتهم ما يكفيهم وعائلتهم لمدة سنة ، ويحتمل أن يعطون ما يكونون به أغنياء، لكن الذين قدروا ذلك بسنة قالوا: لأن السنة إذا دارت وجبت الزكاة في الأموال ، فكما أن الحول هو تقدير الزمن الذي تجب فيه الزكاة ، فكذلك ينبغي أن يكون الحول هو تقدير الزمن الذي تدفع فيه حاجة الفقراء والمساكين الذين هم أهل الزكاة . وهذا قول حسن جيد ، أي أننا نعطي الفقير والمسكين ما يكفيه وعائلته لمدة عام كامل ، سواء أعطيناه أعياناً من أطعمة وألبسة ، أو أعطيناه نقوداً يشتري بها هو ما يناسبه ، أو أعطيناه صنعة إذا كان يحسن الصنعة ، يعني آلة يصنع بها إذا كان يحسن الصنعة ، كخياط ونجار ، وحداد ونحوه ، المهم أن نعطيه ما يكفيه وعائلته لمدة سنة.
الثالث : العاملون عليها : أي الذين لهم ولاية عليها من قبل ولي الأمر ، ولهذا قال : " والعاملين عليها" ولم يقل : العاملون فيها ، إشارة إلى أن لهم نوع ولاية ، وهم جباتها الذين يجبونها من أهلها ، وقسامها الذين يقسمونها في أهلها ، وكتابها ونحوهم، فهؤلاء عاملون عليها يعطون من الزكاة، ولكن : كم يعطون؟ ننظر : هم عاملون عليها ، فهم مستحقون بوصف العمالة ، ومن استحق بوصف أعطي بقدر ذلك الوصف ، وعليه فيعطون من الزكاة بقدر عمالتهم فيها ، سواء كانوا أغنياء أم فقراء ، لأنهم يأخذون الزكاة لعملهم لا لحاجتهم ، وعلى هذا فيعطون ما يقتضيه العمل من الزكاة ، فإن قدر أن العاملين عليها فقراء، فإنهم يعطون بالعمالة ويعطون بالفقر كذلك ، فيعطون ما يكفيهم لمدة سنة لفقرهم .
فهؤلاء يأخذون لعمالتهم أيضاً ، لأنهم استحقوا الصدقة أو الزكاة بوصفين : العمالة عليها ، والفقر ، فيعطون بكلا الوصفين ، ولكن إذا أعطيناهم للعمالة فيبقون أغنياء بقدر ما أخذوا من العمالة، فنكمل لهم المؤونة لمدة سنة ، مثال ذلك : إذا قدرنا أنه يكفيهم لمدة سنة عشرة آلاف ريال ، وأننا إذا أعطيناهم لفقرهم أخذوا عشرة آلاف ريال ، وأن نصيبهم من العمالة ألفا ريال، فعلى هذا نعطيهم ألفي ريال للعمالة ، ونعطيهم ثمانية آلاف ريال للفقر، هذا وجه قولنا : يعطون كفايتهم لمدة سنة ، لأنهم إذا أخذوا بالعمالة صاروا لا يحتاجون إلا ما زاد على استحقاقهم العمالة لمدة سنة .
الرابع : المؤلفة قلوبهم: وهم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام ، إما كافر يرجى إسلامه ، وإما مسلم نعطيه لتقوية الإيمان في قلبه، وإما شرير نعطيه لدفع شره عن المسلمين ، أو نحو ذلك ممن يكون في تأليفه مصلحة للمسلمين، ولكن هل يشترط في ذلك أن يكون سيداً مطاعاً في قومه حتى يكون في تأليفه مصلحة عامة؟ أو يجوز أن يعطى لتأليفه ولو لمصلحة شخصية كرجل دخل في الإسلام حديثاً يحتاج إلى تأليفه وتقوية إيمانه بإعطائه؟
هذا محل خلاف بين العلماء ، والراجح عندي أنه لا بأس أن يعطى لتأليفه على الإسلام بتقوية إيمانه ، وإن كان يعطى بصفة شخصية وليس سيداً في قومه لعموم قوله تعالى: (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ولأنه إذا جاز أن نعطي الفقير لحاجته البدنية الجسمية ، فإعطاؤنا هذا الضعيف الإيمان لتقويه إيمانه من باب أولى ، لأن تقوية الإيمان بالنسبة لشخص أهم من غذاء الجسد.
هؤلاء الأربعة يعطون الزكاة على سبيل التمليك ، ويملكونها ملكاً تاماً ، حتى لو زال الوصف منهم في أثناء الحول لم يلزمهم رد الزكاة بل تبقى حلالاً لهم ، لأن الله عبر عن استحقاقهم باللام، فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) (التوبة:60) ، فأتى باللام ، وفائدة ذلك أن الفقير لو استغنى في أثناء الحول فإنه لا يلزمه رد الزكاة ، مثل : لو أعطيناه عشرة آلاف لفقره وهي تكفيه لمدة سنة ، ثم إن الله تعالى أغناه في أثناء الحول باكتساب مال أو موت قريب له يرثه ، أو ما أشبه ذلك ، فإنه لا يلزمه رد ما بقي من المال الذي أخذه من الزكاة لأنه ملكه.
أما الخامس من أهل الزكاة : فهم الرقاب ، لقوله تعالى: (وَفِي الرِّقَابِ) . والرقاب فسرها العلماء بثلاثة أشياء : الأول : مكاتب اشترى نفسه من سيده بدراهم مؤجلة في ذمته ، فيعطى ما يوفي به سيده ، والثاني : رقيق مملوك اشتري من الزكاة ليعتق ، والثالث : أسير مسلم أسره الكفار، فيعطى الكفار من الزكاة لفكهم هذا الأسير ، ومثله أيضاً الاختطاف ، فلو اختطف المسلمَ أحد من المسلمين أو الكفار فلا بأس أن يفدى هذا المختطِف بشيء من الزكاة، لأن العلة واحدة وهي فكاك المسلم من الأسر ، وهذا إذا لم يمكننا أن نرغم المختطف على فكاكه بدون بذل المال، إذا كان المختطِف من المسلمين.
والصنف السادس من أهل الزكاة : الغارمين : الغارم هو المدين ، وقسم العلماء -رحمهم الله - الغرم إلى قسمين : الأول : غرم لإصلاح ذات البين ، وغرم لسداد الحاجة، أما الغرم لإصلاح ذات البين فمثلوا له بأن يقع بين قبيلتين تشاحن وتشاجر أو حروب ، فيأتي رجل من أهل الخير والجاه واشرف والسؤدد ويصلح بين هاتين القبيلتين بدراهم يتحملها في ذمته، فإننا نعطي هذا الرجل المصلح الدراهم التي تحملها من الزكاة ، جزاء له على هذا العمل الجليل الذي قام به ، والذي فيه إزالة الشحناء والعداوة بين المؤمنين وحقن دماء الناس ، وهذا يعطى سواء كان غنياً أم فقيراً ، لأننا لسنا نعطيه لسد حاجته ، ولكننا نعطيه لما قام به من المصلحة العامة.
أما الثاني فهو الغارم لنفسه ، الذي استدان لنفسه باستقراض شيء ليدفعه في حاجته ، أو بشراء شيء يحتاجه ، يشتريه في ذمته وليس عنه مال ، فهذا نوفي دينه من الزكاة بشرط أن يكون فقيراً ولو لم يعلم بذلك ، وعليه فهل الأفضل أن نعطي هذا المدين من الزكاة ليوفي دينه ؟ أو أن نذهب نحن إلى دائنه ونوفي عنه؟ هذا يختلف، فإن كان هذا الرجل المدين حريصاً على وفاء دينه وإبراء ذمته ، وهو أمين فيما يعطى لوفاء الدين ، فإننا نعطيه هو بنفسه يقضي دينه ، لأن هذا استر له وأبعد عن تخجيله أمام الناس الذين يطلبونه.
أما إذا كان المدين رجلاً مبذراً يفسد الأموال ، ولو أعطيناه مالاً ليقضي دينه ذهب يشتري به أشياء لا ضرورة لها ، فإننا لا نعطيه وإنما نذهب نحن إلى دائنه ونقول له : ما دين فلان لك ؟ ثم نعطيه هذا الدين أو بعضه ، حسب ما يتيسر .
وهل يقضى منها -أي من الزكاة -دين على ميت لم يخلف تركة؟ ذكر ابن عبد البر وأبو عبيدة أنه لا يقضى منها دين على الميت بالإجماع ، ولكن الواقع أن المسألة فيها خلاف ولكن أكثر العلماء يقولون : إنه لا يقضى منها دين على ميت، وأن الميت انتقل إلى الآخرة ولا يلحقه من الذل والهوان بالدين الذي عليه ما يلحق الأحياء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي ديون الأموات من الزكاة، بل كان يقضيها عليه الصلاة والسلام من أموال الفيء حين فتح الله عليه ، وهذا يدل على أنه لا يصح قضاء دين الميت من الزكاة ، ويقال : الميت إن كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله تعالى يؤدي عنه بفضله وكرمه ، وإن كان قد أخذها يريد إتلافها فهو الذي جنى على نفسه ، ويبقى الدين في ذمته يستوفى يوم القيامة ، وعندي أن هذا أقرب من القول بأنه يقضى منها الدين على الميت.
وقد يقال : يفرق بين ما إذا كان الأحياء يحتاجون إلى الزكاة، لفقر أو غرم أو جهاد أو غير ذلك ، وما إذا كان الأحياء لا يحتاجون إليها، ففي الحال لا التي يحتاج إليها الأحياء يقدم الأحياء على الأموات ، وفي الحال التي لا يحتاج إليها الأحياء لا حرج أن نقضي ديون الأموات الذين ماتوا ولم يخلفوا مالاً ، ولعل هذا قول يكون وسطاً بين القولين.
ثم الصنف السابع: في سبيل الله ، وسبيل الله هنا المراد بها الجهاد في سبيل الله لا غير، ولا يصح أن يراد بها جميع سبل الخير، لأنه لو كان المراد بها جميع سبل الخير لم يكن للحصر فائدة في قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية. إذ يكون الحصر عديم التأثير، فالمراد بسبيل الله هو الجهاد في سبيل الله، فيعطى المقاتلون في سبيل الله الذين يظهر من حالهم أنهم يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا ، يعطون من الزكاة ما يحتاجون إليه من النفقات والأسلحة وغير ذلك . ويجوز أن تشترى الأسلحة لهم من الزكاة ليقاتلوا بها ، ولكن لابد أن يكون القتال في سبيل الله.
والقتال في سبيل الله بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بميزان عدل من قسط حين سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة ، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"(144)، فالرجل المقاتل حمية لوطنه أو قوميته أو غير ذلك من أنواع الحميات ليس يقاتل في سبيل الله ، فلا يستحق ما يستحقه المقاتل في سبيل الله ، لا من الأمور المادية الدنيوية ولا من أمور الآخرة، والرجل الذي يقاتل شجاعة أي أنه يحب القتال لكونه شجاعاً ، والمتصف بصفة غالباً يحب أن يقوم بها على أي حال كانت ، هو أيضاً ليس يقاتل في سبيل الله ، والمقاتل ليرى مكانه، يقاتل رياء وسمعة، ليس من المقاتلين في سبيل الله ، وكل من لا يقاتل في سبيل الله فإنه لا يستحق من الزكاة، لأن الله تعالى يقول: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
والذي يقاتل في سبيل الله هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، قال أهل العلم: ومن سبيل الله : الرجل يتفرغ لطلب العلم الشرعي ، فيعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقة ، من كسوة وطعام وشراب ومسكن وكتب علم يحتاجها، لأن العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله ، بل قال الإمام أحمد رحمه الله: " العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته". فالعلم هو أصل الشرع كله، ولا شرع إلا بعلم، والله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط ويتعلموا أحكام شريعته وما يلزم من عقيدة وقول وفعل ، أما الجهاد في سبيل الله فنعم ، هو من أشرف الأعمال، بل هو ذروة سنام الإسلام ، ولا شك في فضله، لكن العلم له شأن كبير في الإسلام، فدخوله في الجهاد في سبيل الله دخول واضح لا إشكال فيه، فإذا جاءنا رجل أهل للعلم، وقال : أنا إن ذهبت اكتسب لنفسي وأهلي لم أتمكن من طلب العلم، وإن تفرغت لطلب العلم فإنني أحصل فيه ، ولكن لا أجد ما يدفع حاجتي ، فإننا نقول له : تفرغ لطلب العلم ونعطيه ما يدفع به حاجته من الزكاة.
الثامن : بقي من أصناف أهل الزكاة صنف واحد وهو ابن السبيل ، وابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت نفقته ، فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بدله وإن كان في بلده غنياً ، لأنه محتاج ، ولا نقول له في هذه الحال: يلزمك أن تستقرض وتوفي ، لأننا في هذه الحال نلزم ذمته ديناً ، ولكن لو اختار هو أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة فالأمر إليه ، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً من مكة إلى المدينة ، وفي أثناء السفر ضاعت نفقته ولم يبق معه شيء ، وهو غني في المدينة، فإننا نعطيه ما يوصله إلى المدينة فقط، لأن هذه هي حاجته ، ولا نعطيه أكثر.
وإذا كنا قد عرفنا أصناف أهل الزكاة الذين تدفع إليهم، فإن ما سوى ذلك من المصالح العامة أو الخاصة لا تدفع فيه الزكاة ، وعلى هذا فلا تدفع الزكاة في بناء المساجد، ولا في إصلاح الطرق، ولا في بناء المكاتب وشبه ذلك ، لأن الله عز وجل لما ذكر أصناف أهل الزكاة قال : ( فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) . يعني أن هذا التقسيم جاء فريضة من الله عز وجل : (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .
نقول : هل هؤلاء المستحقون يجب أن يعطى كل واحد منها، أي كل صنف، لأن الواو تقتضي الجمع؟
فالجواب : أن ذلك لا يجب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"(145) . فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صنفاً واحداً ، وهذا يدل على أن الآية يبين الله تعالى فيها جهة الاستحقاق ، وليس المراد أنه يجب أن تعمم هذه الأصناف.
ولكن إذا قيل : أيها أولى أن يصرف فيه الزكاة ؟
قلنا : إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد، لأن كل هؤلاء استحقوا بوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى ، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين ، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) .



حكم صرف الزكاة للأقارب الفقراء
السؤال (122): فضيلة الشيخ ، ما حكم جعل الزكاة في الأقارب المحتاجين؟
الجواب : الزكاة في الأقارب الذين لهم من أهلها أولى من أن تكون في غير الأقارب ، لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة، فإذا كان أخوك ، أو عمك ، أو أبوك، أو أمك من أهل الزكاة، فهم أولى بها من غيرهم، لكن إذا كانوا يأخذون الزكاة لحاجتهم، وأنت تجب عليك نفقتهم، فإنه لا يجوز أن تعطيهم من الزكاة في هذه الحال، لأنك إذا أعطيتهم من الزكاة رفدت مالك ووقيته بما تعطيه من الزكاة ، فإذا قدرنا أن لك أخاً فقيراً وأنت عندك زكاة ونفقته تجب عليك ، فإنه لا يجوز أن تعطيه لفقره، لأنك إذا أعطيته لفقره رفدت مالك ووقيته بما تعطيه ، إذ لو لم تعطه من الزكاة لوجب عليك الإنفاق عليه، أما لو كان على أخيك هذا دين لا يستطيع وفاءه، مثل أن يحصل منه إتلاف شيء أو جناية على أحد ، ويلزمه مال، ففي هذه الحال يجوز أن تقضي دينه من زكاتك ، لأنه لا يجب عليك قضاء دينه، وإنما الواجب عليك نفقته.
وقاعدة ذلك : أن الأقارب إذا أعطاهم الإنسان زكاة ماله لدفع حاجتهم وهم ممن تجب عليه نفقتهم ، فإن ذلك لا يصح ، وإن أعطاهم لدفع أمر لا يلزمه القيام به ، فإن ذلك جائز ، بل هم أحق بذلك من غيرهم.
فإن قال قائل : ما دليلك على هذا ؟ قلنا : الدليل عموم الأدلة ، بل عموم آية الصدقة التي أشرنا إليها فيما سبق: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) .
وإنما منعنا إعطائهم فيما إذا كان إعطاؤهم لدفع حاجتهم التي يجب عليك دفعها، لأن هذا من باب إسقاط الواجب عن الإنسان بالحيلة، والواجب لا يمكن إسقاطه بالحيل.



توضيح
السؤال (123): فضيلة الشيخ ، نريد التمثيل أيضاً لدفع المال للوالد أو الوالدة، فيما لا يجب على الإنسان ؟
الجواب : مثال ذلك : اشترى أبوك سيارة بخمسة آلاف ريال مثلاً ، واحترقت السيارة فلزمه خمسة آلاف ريال ، وأنت لا يلزمك أن تدفعها له، لأن هذا ليس من النفقة ، فيجوز لك أن تقضي دينه هذا من زكاتك ، وكذلك لو لزم أحداً من أقاربك الآخرين شيء من أجل جناية أو إتلاف. فإنه يجوز لك أن تدفع زكاتك في قضاء هذا الشيء.



حكم إسقاط الدين عن المدين واعتبار ذلك من الزكاة
السؤال (124): فضيلة الشيخ ، هل يجوز إسقاط الدين عن المدين ويكون ذلك من الزكاة؟
الجواب : لا يجوز ذلك ، لأن الله تعالى يقول : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ )(التوبة: 103) ، فقال تعالى (خُذْ) ، والأخذ لابد أن يكون ببذل من المأخوذ منه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد"(146) ، فقال "تؤخذ من أغنيائهم فترد"،فلابد من أخذ ورد ، والإسقاط لا يوجد فيه ذلك ، ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده، فكأنما أخرج الرديء عن الطيب، لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين، لأن العين ملكه وفي يده، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي ، فصار الدين دون العين ، وإذا كان دونها فلا يصح أن يخرج أي الدين زكاة عنها لنقصه ، وقد قال الله تعالى : ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ )(البقرة: 267) .
ومثال ما سألت عنه : لو كان على الإنسان عشرة آلاف ريال زكاة ، وهو يطلب رجلاً فقيراً عشرة آلاف ريال ، فذهب إلى الرجل الفقير، وقال : قد أسقطت عنك عشرة آلاف ريال وهي زكاتي لهذا العام ، قلنا : هذا لا يصح ، لأنه لا يصح إسقاط الدين وجعله عن زكاة عين ، لما أشرنا إليه آنفاً . وهذه مسألة يخطئ فيها بعض الناس ويتجاوزها جهلاً منهم، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : إنه لا يجزئ إسقاط الدين عن زكاة العين بلا نزاع.



دفع الزكاة للفقير المدين بشرط أن يردها للدافع
السؤال (125): فضيلة الشيخ ، هل يجوز دفعها للفقير المدين بشرط أن يردها للدافع؟
الجواب : لا ، لا يجوز ، يعني لو كان عندك مدين فقير ، ودفعت إليه زكاتك فلا بأس ، ولا حرج ، حتى لو ردها عليك من بعد فلا حرج ، لكن إذا اشترطت عليه ذلك ، فلا يجوز ، لأنك إذا فعلت هذا فقد علمنا أنك إنما تريد بهذا العمل أن تسترد مالك الذي في ذمة الفقير، والزكاة لا يجوز أن يحابي الإنسان فيها أحداً لا نفسه ولا غيره.



حكم الزكاة في الإسلام
السؤال (126): فضيلة الشيخ ، ما حكم الزكاة في الإسلام؟
الجواب : الزكاة في الإسلام أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام"(147)، وهي فرض بإجماع المسلمين ، فمن أنكر وجوبها فقد كفر ، إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو ناشئاً في بادية بعيدة عن العلم وأهله، فيعذر ولكنه يعلم، فإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتداً.
وأما من منعها بخلاً وتهاوناً ففيه خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال : إنه يكفر ، وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ومنهم من قال: إنه لا يكفر ، وهذا هو الصحيح ، لكنه قد أتى كبيرة، عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة ثم قال : " حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار"(148). وإذا كان يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة فإنه ليس بكفار ، لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة.
ولكن على مانعها بخلاً وتهاوناً من الإثم العظيم ما ذكره الله في قوله: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (آل عمران:180) ، وفي قوله : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(34) (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34-35) . فعلى المرء المسلم أن يشكر الله على نعمته عليه بالمال، وأن يؤدي زكاته ، حتى يزيد الله له في ماله بركة ونماء ، والله الموفق.

------------------------

(129) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب استحباب العفو والتواضع، رقم (2588).
(130) أخرجه أبو داود ، كتاب الإجارة ، باب في العبد يباع وله مال ، رقم (3435)وفي إسناده مجهول وهو الراوي عن جابر رضي الله عنه ، ويشهد له بالصحة حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: ".. ومن ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع". أخرجه البخاري ، كتاب المساقاة ، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل ، رقم (2379)، ومسلم ، كتاب البيوع ، باب من باع نخلاً عليها ثمر ، رقم (1543).
(131) تقدم تخريجه ص (207).
(132) تقدم تخريجه ص (147).
(133) أخرجه أبو داود ، كتاب الزكاة ، باب الكنز ما هو وزكاة الحلي ، رقم (1563)، والترمذي ، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الحلي، رقم (637)، والنسائي كتاب الزكاة ، باب زكاة الحلي ، رقم (2479)، والحاكم في المستدرك" (1/390) وقال : حديث صحيح.
(134) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب العشر فيما يسقى من ماء السماء ، رقم (1483).
(135) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب زكاة الورق ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب ما ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، رقم(979).
(136) تقدم تخريجه ص (214).
(137) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب زكاة الغنم ، رقم (1454).
(138) أخرجه أبو داود ، كتاب الزكاة ، باب زكاة السائمة ، رقم (1575)، والنسائي، كتاب الزكاة ، باب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلاً لأهلها ولحمولتهم ، رقم (2449).
(139) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب ليس على المسلم في عبده صدقة ، رقم (1464)، وسلم ، كتاب الزكاة ، باب لا زكاة على المسلم في عبده ولا فرسه ، رقم (982).
(140) تقدم تخريجه ص (144).
(141) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم (1)، ومسلم ، كتاب الإمارة ، باب قوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالنيات" ، رقم (1907).
(142) تقدم تخريجه ص (108).
(143) تقدم تخريجه ص (108)
(144) أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، باب من سأل وهو قائم عالماً جالساً ، رقم (123)، ومسلم، كتاب الجهاد ، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ، رقم (1904).
(145) تقدم تخريجه ص (108).
(146) تقدم تخريجه ص (108).
(147) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب دعاؤهم إيمانكم ، رقم (8) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، كتاب بني الإسلام على خمس، رقم(16).
(148) تقدم تخريجه ص (147).

ابو ضاري
23-11-2010, 07:59
فتاوى الصيام



المقصود بالصيام لغة وشرعاً
السؤال (127): فضيلة الشيخ ، ما المقصود بالصيام لغة وشرعاً؟
الجواب : الصيام في اللغة: معناه الإمساك ، ومنه قوله تعالى : ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً)(مريم: 26) أي نذرت إمساكاً للكلام فلن أكلم اليوم إنسياً .
ومنه قول الشاعر :
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أما في الشرع : فهو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس .



أقسام الصيام
السؤال (128): فضيلة الشيخ ، ما هي أقسام الصيام ؟
الجواب : ينقسم الصيام إلى قسمين:
قسم مفروض: والمفروض قد يكون بسبب كصيام الكفارات ، والنذور ، وقد يكون بغير سبب كصيام رمضان، فإنه واجب بأصل الشرع، أي : بغير سبب من المكلف.
وأما غير المفروض : فقد يكون معيناً ، وقد يكون مطلقاً .
فمثال المعين : صوم يوم الاثنين والخميس .
ومثال المطلق : صيام أي يوم من أيام السنة، إلا أنه قد ورد النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم، فلا يصام يوم الجمعة إلا أن يصام يوم قبله أو يوم بعده. كما ورد في النهي عن صيام يومي العيدين الفطر والنحر، وكذلك عن صيام أيام التشريق ، إلا لمن لم يجد الهدي للقارن والمتمتع ، فإنه يصوم أيام التشريق عن الأيام الثلاثة التي في الحج.



حكم صيام رمضان
السؤال (129): فضيلة الشيخ ، ما حكم صيام شهر رمضان؟
الجواب : صيام شهر رمضان فرض بنص الكتاب والسنة ، وإجماع المسلمين ، قال الله تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183) إلى قوله : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة:183-185) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام"(149). وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا رأيتموه فصوموا"(150).
وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض ، وأنه أحد أركان الإسلام ، فمن أنكر فرضيته كفر ، إلا أن يكون ناشئاً في بلاد بعيدة لا تعرف فيها أحكام الإسلام ، فيعذر بذلك ، ثم إن أصر بعد إقامة الحجة عليه كفر.
ومن تركه تهاوناً مع الإقرار بفرضيته فهو على خطر ، فإن بعض أهل العلم يرى أنه كافر مرتد ، ولكن الراجح أنه ليس بكفار مرتد ، بل هو فاسق من الفساق لكنه على خطر عظيم.



مكانة الصيام وفضله
السؤال (130): فضيلة الشيخ ، ما هي مكانة الصيام في الدين ، وفضله في العبادة وخاصة في شهر رمضان ؟
الجواب : مكانة الصيام في الإسلام أنه أحد أركانه العظيمة التي لا يقوم إلا بها ، ولا يتم إلا بها ، وأما فضله في الإسلام فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(151).



حكم الفطر في رمضان بدون عذر
السؤال (131): فضيلة الشيخ ، ما حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟
الجواب : الفطر في نهار رمضان دون عذر من أكبر الكبائر ، ويكون به الإنسان فاسقاً ، ويجب عليه أن يتوب إلى الله ، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره ، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر، فعليه أن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض ، فيلزمه قضاؤه كاملاً ، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر الراجح أنه لا يلزمه القضاء، لأنه لن يستفيد منه شيئاً ، لأنه لن يقبل منه ، فإن القاعدة: أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين، فإنها إذا أخرت عن ذلك اليوم المعين بلا عذر لن تقبل من صاحبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(152) ، ولأنه من تعدي حدود الله عز وجل ، وتعدي حدود الله تعالى ظلم ، والظالم لا يقبل منه ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: 229) ، ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها أي : فعلها قبل دخول الوقت لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لن تقبل منه إلا أن يكون معذوراً .



بم يثبت شهر رمضان
السؤال (132): فضيلة الشيخ، بماذا يثبت شهر رمضان؟
الجواب : يثبت دخول شهر رمضان إما برؤية هلاله ، وإما بإكمال شعبان ثلاثين يوماً ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين "(153) .



حكم رؤية من رأى الهلال وحده
السؤال (133): فضيلة الشيخ ، ما حكم من رأى الهلال وحده ولم يصم معه الناس؟
الجواب : من رأى الهلال وحده يجب عليه أن يبلغ به المحكمة الشرعية ويشهد به ، ويثبت دخول شهر رمضان بشهادة الواحد إذا ارتضاه القاضي وحكم بشهادته، فإن ردت شهادته فقد قال بعض العلماء : إنه يلزمه أن يصوم ، لأنه تيقن أنه رأى الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته"(154) وهذا قد رآه.
وقال بعض أهل العلم: لا يلزم أن يصوم ، لأن الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس ، وموافقته للجماعة خير من انفراده وشذوذه ، وفصل آخرون فقالوا : يلزمه الصوم سرا ، فيلزمه الصوم ، لأنه رأى الهلال ، ويكون سراً لئلا يظهر مخالفة الجماعة.



أركان الصيام
السؤال (134): فضيلة الشيخ ، ما هي أركان الصيام؟
الجواب : الصيام له ركن واحد ، فهو التعبد لله عز وجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والمراد بالفجر هنا الفجر الثاني دون الفجر الأول ، فيتميز الفجر الثاني عن الفجر الأول بثلاث ميزات:
الأولى : أن الفجر الثاني يكون معترضاً في الأفق ، والفجر الأول يكون مستطيلاً ، أي ممتداً من المشرق إلى المغرب ، أما الفجر الثاني فهو من الشمال إلى الجنوب.
الميزة الثانية : أن الفجر الثاني لا ظلمة بعده ، بل يستمر النور في ازدياد حتى تطلع الشمس ، وأما الفجر الأول فيظلم بعد أن يكون له شعاع.
الميزة الثالثة: أن الفجر الثاني متصل غيابه بالأفق ، وأما الفجر الأول فبينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول ليس له حكم في الشرع ، فلا تحل به صلاة الفجر ولا يحل به الطعام على الصائم بخلاف الفجر الثاني.



على من يجب الصيام؟
السؤال (135): فضيلة الشيخ ، على من يجب الصيام؟
الجواب : الصيام يجب أداءً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع ، فهذه ستة أوصاف ، مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع ، فأما الكافر فلا يجب عليه الصوم ولا غيره من العبادات ، ومعنى قولنا : لا يجب عليه الصوم أنه لا يلزم به حال كفره، ولا يلزمه قضاؤه بعد إسلامه ، لأن الكافر لا تقبل منه العبادة حال كفره ، لقوله تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ )(التوبة: 54) .
ولا يلزمه قضاء العبادة إذا أسلم، لقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ )(الأنفال: 38) ، لكنه يعاقب على ما تركه من واجبات حال كفره ، لقوله تعالى عن أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (42) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (43) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (44) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (45) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (46) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (المدثر:42-47) .
فذكره ترك الصلاة وإطعام المسكين من أسباب دخولهم النار، يدل على أن لذلك تأثيراً في دخولهم النار ، بل إن الكافر يعاقب على كل ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس ، لقول الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:39) ، فنفي الجناح عن المؤمنين فيما طعموا يدل على ثبوت الجناح على غير المؤمنين فيما طعموا ، ولقوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (الأعراف:32) .
فقوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يدل على أن الحكم في غير المؤمنين يختلف عن الحكم في المؤمنين ، ولكن إذا أسلم الكافر في أثناء رمضان لم يلزمه القضاء فيما سبق إسلامه، فإذا أسلم ليلة الخامس عشر مثلاً ، فالأيام الأربعة عشر لا يلزمه قضاؤها ، وإذا أسلم في أثناء اليوم لزمه الإمساك دون القضاء ، فإذا أسلم عند زوال الشمس مثلاً قلنا له : أمسك بقية يومك ولا يلزمك القضاء، فنأمره بالإمساك ، لأنه صار من أهل الوجوب ، ولا نأمره بالقضاء ، لأنه قام بما وجب عليه وهو الإمساك من حين أسلم ، ومن قام بما يجب عليه لم يكلف بإعادة العبادة مرة ثانية .
أما العقل فهو الوصف الثاني للوجوب ، العقل هو ما يحصل به الميز أي : التمييز بين الأشياء ، فإذا لم يكن الإنسان عاقلاً فإنه لا صوم عليه ، كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات سوى الزكاة ، ومن هذا النوع - أي ممن ليس له عقل - أن يبلغ الإنسان سناً يسقط معه التمييز ، وهو ما يعرف عند العامة بالهذرات ، فلا يلزم المهذري صوم ، ولا يلزم عنه إطعام ، لأنه ليس من أهل الوجوب.
أما الوصف الثالث فهو البلوغ، ويحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة : إما أن يتم للإنسان خمس عشرة سنة، أو أن ينبت العانة ، وهي الشعر الخشن الذي يكون عند القبل، أو ينزل المني بلذة سواء كان ذلك باحتلام أو بيقظة ، وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض، فإذا حاضت المرأة بلغت ، وعلى هذا فمن تم له خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ، ومن نبتت عانته ولو قبل خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ ، ومن أنزل منياً بلذة من ذكر أو أنثى ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغ، ومن حاضت ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغت ، وربما تحيض المرأة وهي بنت عشر سنين ، وهنا يجب التنبه لهذه المسألة التي يغفل عنها كثير من الناس ، فإن بعض النساء تحيض مبكراً ولا تدري أنه يلزمها الصوم وغيره ومن العبادات التي تتوقف أو التي يتوقف وجوبها على البلوغ، لأن كثيراً من الناس يظنون أن البلوغ إنما يكون بتمام خمس عشرة سنة ، وهذا ظن لا أصل له ، فإذا لم يكن الإنسان بالغاً فإن الصوم لا يجب عليه.
ولكن ذكر أهل العلم أن الولي مأمور بأن يأمر موليه الصغير من ذكر أو أنثى بالصوم ليعتاده حتى يتمرن عليه ويسهل عليه إذا بلغ، وهذا ما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه ، فإنهم كانوا يصومون أولادهم الصغار حتى إن الواحد منهم ليبكي فيعطى لعبة من العهن يتلهى بها حتى تغرب الشمس(155) .
وأما الوصف الرابع فهو أن يكون الإنسان قادراً على الصوم ، أي يستطيع أن يصوم بلا مشقة ، فإن كان غير قادر فلا صوم عليه.
ولكن غير القادر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول : أن يكون عجزه عن الصوم مستمراً دائماً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه ، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً ، فإذا كان الشهر ثلاثين يوماً أطعم ثلاثين مسكيناً ، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً ، وللإطعام كيفيتان:
الكيفية الأولى : أن يخرج حباً من أرز أو بر ، وقدره ربع صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، أي خمس صاع بالصاع المعروف هنا، ويساوي كيلوين وأربعين جراماً من بر جيد رزين ، يعني أنك إذا وزنت من البر الرزين الدجن ما يبلغ كيلوين وأربعين جراماً فإن هذا صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، والصاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد ،فيكفي لأربعة مساكين ، ويحسن في هذه الحال أن تجعل معه إذا دفعته للفقير شيئاً يؤدمه من لحم أو غيره حسب ما تقتضي به الحال والعرف.
وأما الكيفية الثانية للإطعام : فأن يصنع طعاماً يكفي لثلاثين فقيراً أو تسعة وعشرين فقيراً حسب الشهر ويدعوهم إليه كما ذكر ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر ، ولا يجوز أن يطعم شخصاً واحداً مقدار ما يكفي الثلاثين أو التسعة وعشرين ، يعني لابد أن يكون عن كل يوم مسكين.
أما القسم الثاني من الوصف الرابع فهو العجز الذي يرجى زواله ، فهو العجز الطارئ كمرض حدث على الإنسان في أيام الصوم ، وكان يشق عليه أن يصوم ، فنقول له : أفطر وأقض يوماً مكانه، لقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )(البقرة: 185) .
أما الوصف الخامس : أن يكون مقيماً ، وضده المسافر، فالمسافر وهو الذي فارق وطنه لا يلزمه الصوم ، لقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ولكن الأفضل أن يصوم إلا أن يشق عليه ، فالأفضل الفطر، لقول أبي الدرداء رضي الله عنه : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله بن رواحه(156) . أما إذا شق عليه الصوم فإنه يفطر ولابد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصيام فأفطر ، ثم قيل له : إن بعض الناس قد صام فقال " أولئك العصاة ، أولئك العصاة"(157).
أما الوصف السادس: أن يكون خالياً من الموانع أي من موانع الوجوب، وهذا يختص بالمرأة ، فيشترط في وجوب الصوم عليها أداء ألا تكون حائضاً ولا نفساء ، فإن كانت حائضاً أو نفساء فإنه لا يجب الصوم ، وإنما تقتضي بدل الأيام التي أفطرت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم(158) فإذا حاضت المرأة فلا صوم عليها ، بل تقضي في أيام أخر ، وهنا مسألتنا ينبغي التفطن لهما:
المسألة الأولى : أن بعض النساء تطهر في آخر الليل وتعلم أنها طهرت ، ولكنها لا تصوم ذلك اليوم ظناً منها أنها إذا لم تغتسل فإنه لا يصح صومها ، وليس الأمر كذلك ، بل صومها يصح وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
وأما المسألة الثانية: فهي أن بعض النساء تكون صائمة فإذا غربت الشمس وأفطرت جاءها الحيض قبل أن تصلي المغرب ، فبعض النساء يقول : إنه إذا أتاها الحيض بعد الفطر وقبل صلاة المغرب فإن صومها ذاك النهار يفسد، وكذلك بعض النساء يبالغ أيضاً ويقول : إذا جاءها الحيض قبل صلاة العشاء فإن صومها ذلك اليوم يفسد، وكل هذا ليس بصحيح . المرأة إذا غابت الشمس وهي لم تر الحيض خارجاً فصومها صحيح ، حتى لو خرج بعد غروب الشمس بلحظة واحدة، فصومها صحيح.
هذه ست أوصاف إذا اجتمعت في الإنسان وجب عليه صوم رمضان أداء، ولا يحل له أن يفطر ، فإن تخلف واحد منها فعلى ما سمعت.



حكم صيام تارك الصلاة
السؤال (136): فضيلة الشيخ، ما حكم صيام تارك الصلاة ؟
الجواب : تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا يقبل منه، لأن تارك الصلاة كافر مرتد، لقوله تعالى : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) (التوبة:11) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر؟(159)، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"(160) ، ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعاً منهم.
قال عبد الله بن شقيق رحمه الله - وهو من التابعين المشهورين كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة . وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول ولا نافع له عند الله يوم القيامة ، ونحن نقول له : صل ثم صم ، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك ، لأن الكافر لا تقبل منه العبادة.



حكم من يصلي ويصوم في رمضان فقط؟
السؤال (137): فضيلة الشيخ، ما حكم من يصوم ويصلي إذا جاء رمضان لكن إذا انسلخ رمضان انسلخ من الصلاة الصيام؟
الجواب : الذي يتبين لي من الأدلة أن ترك الصلاة لا يكون كفراً إلا إذا كان تركاً مطلقاً ، وأما من يصلي ويخلي ، فيصلي بعض الأحيان ويترك بعض الأحيان ، الذي يبدو لي من الأدلة أنه لا يكفر بذلك ، لقوله : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها - أي الصلاة - فقد كفر"، ولقوله: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" ولكن هذا الرجل الذي لا يصلي ولا يصوم إلا في رمضان أنا في شك من إيمانه لأنه لو كان مؤمناً حقا لكان يصلي في رمضان وفي غيره أما كونه لا يعرف ربه إلا في رمضان فأنا أشك في إيمانه لكني لا أحكم بكفره بل أتوقف فيه وأمره إلى الله عز وجل.



حكم من يصوم أياماً ويفطر أياماً
السؤال (138): فضيلة الشيخ ، ما حكم من يصوم أياماً ويفطر أخرى؟
الجواب : جواب هذا السؤال يمكن أن يفهم مما سبق ، وهو أن هذا الذي يصوم يوماً ويدع يوماً لا يخرج من الإسلام ، بل يكون فاسقاً لتركه هذه الفريضة العظيمة التي هي أحد أركان الإسلام، ولا يقضي الأيام التي أفطرها ، لأن قضاءه إياها لا يفيد شيئاً، فإنه لا يصلي بناء على ما أشرنا إليه سابقاً من أن العبادة الموقتة إذا أخرها الإنسان عن وقتها المحدد بلا عذر فإنها لا تقبل منه.



قضاء الأشهر الفائتة
السؤال (139): فضيلة الشيخ ، إذا كان الإنسان قد ترك أشهراً من رمضان بعد بلوغه ثم التزم الآن ، فهل يلزمه قضاء هذه الأشهر؟
الجواب : القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يلزمه قضاء هذه الأشهر التي تكرها بلا عذر ، بناء على ما سبق أن العبادة الموقتة إذا أخرها الإنسان عن وقتها المحدد لها شرعاً فإنها لا تقبل منه، فقضاؤه إياها لا يفيده شيئاً ، وقد ذكرنا فيما سبق دليل ذلك من الكتاب والسنة والقياس، وعلى هذا فإذا كان الإنسان في أول شبابه لا يصلي ولا يصوم ثم من الله عليه بالهداية وصلى وصام ، فإنه لا يلزمه قضاء ما فاته من صلاة وصيام ، وكذلك لو كان يصلي ويزكي ولكنه لا يصوم فمن الله عليه بالهداية وصار يصوم ، فإنه لا يلزمه قضاء ذلك الصوم بناء على ما سبق تقريره ، وهو أن العبادة الموقتة بوقت إذا أخرها الإنسان عن وقتها بلا عذر لم تقبل منه، وإذا لم تقبل منه لم يفده قضاؤه إياها شيئاً.



الأعذار المبيحة للفطر
السؤال (140): فضيلة الشيخ ، ما هي الأعذار المبيحة للفطر في شهر رمضان المبارك ؟
الجواب : الأعذار المبيحة للفطر سبق الإشارة إلى بعضها وهو : المرض، والسفر ، ومن الأعذار أن تكون المرأة حاملاً تخاف على نفسها أو على جنينها، ومن الأعذار أيضاً أن تكون المرأة مرضعاً تخاف إذا صامت على نفسها أو على رضيعها، ومن الأعذار أيضاً أن يحتاج الإنسان إلى الفطر لإنقاذ معصوم من هلكلة مثل أن يجد غريقاً في البحر أو شخصاً بين أماكن محيطة به فيها نار، فيحتاج في إنقاذه إلى الفطر ، فله حينئذ أن يفطر ويمتدح ، ومن ذلك أيضاً إذا احتاج الإنسان إلى الفطر للتقوي على الجهاد في سبيل الله ، فإن ذلك من أسباب إباحة الفطر له ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة الفتح : " إنكم مصبحوا عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا"(161) ، فإذا وجد السبب المبيح للفطر وأفطر الإنسان به ، فإنه لا يلزمه الإمساك بقية ذلك اليوم.
فإذا قدر أن شخصاً أفطر لإنقاذ معصوم من هلكة فإنه يستمر مفطراً ، لأنه أفطر بسبب يبيح له الفطر ، فلا يلزمه الإمساك حينئذ ، لكون حرمة ذلك اليوم قد زالت بالسبب المبيح للفطر.
ولهذا نقول : القول الراجح في هذه المسألة أن المريض لو برئ في أثناء النهار وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك، ولو قدم المسافر أثناء النهار إلى بلده وكان مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك ، ولو طهرت الحائض في أثناء النهار فإنه لا يلزمها الإمساك ، لأن هؤلاء كلهم أفطروا بسبب مبيح للفطر ، فكان ذلك اليوم في حقهم لا حرمة له بإباحة الشرع الإفطار فيه ، فلا يلزمه الإمساك إذا زال السبب المبيح للفطر.
السؤال (141): فضيلة الشيخ ، لكن ما الفرق بين هذه الحالة لو جاء العلم بدخول رمضان في أثناء النهار؟
الجواب : الفرق بينهما ظاهر ، لأنه إذا قامت البينة في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك، لأنه في أول النهار ، إنما أفطروا بالعذر، عذر الجهل ، ولهذا لو كان عالمين بأن هذا اليوم من رمضان لزمهم الإمساك، أما أولئك القوم الآخرون الذين أشرنا إليهم فهم يعلمون أنه من رمضان ، لكن الفطر مباح لهم ، بينهما فرق ظاهر.



مفسدات الصوم
السؤال (142): فضيلة الشيخ ، ما هي مفسدات الصوم؟ وهل لها شروط؟
الجواب : نعم مفسدات الصوم هي المفطرات ، وهي : الجماع ، والأكل والشرب، وإنزال المني بشهوة ، وما بمعنى الأكل والشرب، والقيء عمداً ، والحجامة ، وخروج دم الحيض والنفاس ، هذه ثمانية مفطرات.
أما الأكل والشرب والجماع: فدليلها قوله تعالى ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)(البقرة: 187) .
وأما إنزال المني بشهوة : فدليله قوله تعالى في الحديث القدسي: " يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"(162).وإنزال المني شهوة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر"(163) والذي يوضع إنما هو المني الدافق ، ولهذا كان القول الراجح أن المذي لا يفسد الصوم حتى وإن كان بشهوة.
الخامس : ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهي الإبر المغذية التي يستغني بها عن الأكل والشرب ، لأن هذه وإن كانت ليست أكلاً ولا شرباً لكنها بمعنى الأكل والشرب حيث يستغنى بها عنه، وما كان بمعنى الشيء فله حكمه، ولذلك يتوقف بقاء الجسم على تناول هذه الإبر، بمعنى أن الجسم يبقى على هذه الإبر وإن كان لا يتغذى بغيرها ، أما الإبر التي لا تغذي ولا تقوم مقام الأكل والشرب ، فهذه لا تفطر سواء تناولها الإنسان في الوريد أو في العضلات أو في أي مكان في بدنه.
والسادس: القيء عمداً ، أي : أن يتقيأ الإنسان ما في بطنه حتى يخرج من فمه ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن الني صلى الله عليه وسلم قال : " من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه"(164). والحكمة في ذلك أنه إذا تقيأ فرغ بطنه من الطعام ، واحتاج البدن إلى ما يرد عليه هذا الخلو ، ولهذا نقول : إذا كان الصوم فرضاً فإنه لا يجوز للإنسان أن يتقيأ، لأنه إذا تقيأ ضر نفسه وأفسد صومه الواجب.
وأما السابع : وهو خروج دم الحجامة ، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم"(165).
وأما خروج دم الحيض والنفاس ، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"(166)، وقد أجمع أهل العلم على أن الصوم لا يصح من الحائض ومثلها النفساء.
وهذه المفطرات وهي مفسدات الصوم لا تفسده إلا بشروط ثلاثة وهي : العلم ، والذكر ، والقصد، أي أن الصائم لا يفسد صومه بهذه المفسدات إلا بشروط ثلاثة:
أن يكون عالماً بالحكم الشرعي ، وعالماً بالوقت أي بالحال ، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح ، لقول الله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286)، فقال الله تعالى : " لقد فعلت"(167)، ولقوله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: 5)، ولثبوت السنة في ذلك ، ففي الصحيح من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه(168)أنه صام فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد بهما يد الجمل ، أحدهما أسود والثاني أبيض ، وجعل يأكل ويشرب حتى تبين له الأبيض من الأسود ثم أمسك ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، فبين له النبي صلى الله عليه أنه ليس المراد بالخيط الأبيض والأسود في الآية الخيطين المعروفين ، وإنما المراد بالخيط الأبيض بياض النهار، وبالخيط الأسود الليل أي : سواده ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم ، لأنه كان جاهلاً بالحكم يظن أن هذا هو معنى الآية الكريمة.
وأما الجهل بالوقت فلحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ، وهو في البخاري(169)، قالت : أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ، ولو أمرهم به لنقل إلى الأمة ، لقول الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ، فلما لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله ، علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم به ، ولما لم يأمرهم به - أي بالقضاء - علم أنه ليس بواجب ، وعلى هذا فلو قام الإنسان يظن أنه في الليل فأكل أو شرب ، ثم تبين له أن أكله وشربه كان بعد طلوع الفجر ، فإنه ليس عليه قضاء ، لأنه كان جاهلاً .
وأما الشرط الثاني : فهو أن يكون ذاكراً ، وضد الذكر النسيان ، فلو أكل أو شرب ناسياً فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقول الله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة:286) ، فقال الله تعالى : "قد فعلت"(170) ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"(171).
وأما الشرط الثالث وهو القصد ، فهو أن يكون الإنسان مختاراً لفعل هذا المفطر ، فإن كان غير مختار فإن صومه صحيح ، سواء كان مكرهاً أم غير مكره، لقول الله تعالى في المكره على الكفر: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106) ، فإذا كان الحكم - حكم الكفر - يرتفع بالإكراه فما دونه من باب أولى ، وللحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(172)، وعلى هذا فلو طار إلى أنف الصائم غبار ووجد طعمه في حلقه ونزل إلى معدته فإنه لا يفطر بذلك ، لأنه لم يتقصده، وكذلك لو أكره على الفطر فأفطر دفعاً للإكراه فإن صومه صحيح، لأنه غير مختار ، كذلك لو احتلم وهو نائم ، فإن صومه صحيح ، لأن النائم لا قصد له ، وكذلك لو أكره الرجل زوجته وهي صائمة فجامعها فإن صومها صحيح ، لأنها غير مختارة، وهاهنا مسألة يجب التفطن لها ، وهي أن الرجل إذا أفطر بالجماع في نهار رمضان ، والصوم واجب عليه ، فإنه يلزم حقه أو يترتب على جماعة أمور:
الأول : إثم .
والثاني : القضاء.
والثالث : الكفارة.
ويلزمه الإمساك بقية يومه، ولا فرق بين أن يكون عالماً بما يجب عليه في هذا الجماع أو جاهلاً ، يعني أن الرجل إذا جامع في صيام رمضان والصوم واجب عليه ولكنه لا يدري أن الكفارة تجب عليه فإن الكفارة واجبة، لأنه تعمد المفسد ، وتعمده مفسد تستلزم ترتب الأحكام عليه ، بل في حديث أبي هريرة(173) أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت ، قال : " ما أهلكك؟" قال : وقعت على امرأتي في رمضان وأنام صائم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع أن الرجل لا يعلم عنها.
وفي قولنا : فالصوم واجب عليه ، احتراز مما إذا جامع الصائم في رمضان وهو مسافر مثلاً ، فإنه لا تلزمه الكفارة ، مثل أن يكون الرجل مسافراً بأهله في رمضان وهما صائمان ، ثم يجامع أهله ، فإنه ليس عليه كفارة ، وذلك لأن المسافر إذا شرع في الصيام لا يلزمه إتمامه ، إن شاء أفطر وقضى ، وإن شاء استمر.



صيام الصبي
السؤال (143): فضيلة الشيخ ، ما هو حكم صيام الصبي الذي لم يبلغ ؟
الجواب : صيام الصبي كما أسلفنا ليس بواجب عليه ، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده ، وهو - أي الصيام - في حق الصبي الذي لم يبلغ سُنة ، له أجر بالصوم، وليس عليه وزر إذا تركه.



صيام المجنون
السؤال (144): فضيلة الشيخ ، ما حكم صيام من يعقل زمناً ويجن زمناً آخر ، أو يعقل زمناً ويخرف ويهذري زمناً آخر؟
الجواب :الحكم يدور مع علته، ففي الأوقات التي يكون فيها صاحياً عاقلاً يجب عليه الصوم ، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً مهذرياً لا صوم عليه ، فلو فرض أنه يجن يوماً ويفيق يوماً ، أو يهذري يوماً ويصحو يوماً ، ففي اليوم الذي يصحو فيه يلزمه الصوم ، وفي الذي لا يصحو فيه لا يلزمه الصوم.
السؤال (145): فضيلة الشيخ ، لكن لو حدث له أثناء النهار أن كان عاقلاً ثم ذهب عقله؟
الجواب: إذا جن في أثناء النهار بطل صومه، لأنه صار من غير أهل العبادة، وكذلك إذا هذرى في أثناء اليوم فإنه لا يلزمه إمساكه، ولكنه يلزمه القضاء، وكذلك الذي جن في أثناء النهار يلزمه القضاء، لأنه في أول النهار كان من أهل الوجوب.



صيام يوم الشك
السؤال (146): فضيلة الشيخ ، ما حكم صيام يوم الشك خشية أنه من رمضان؟
الجواب : صيام يوم الشك أقرب الأقوال فيه أنه حرام ، لقول عمار بن ياسر : " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، ولأن الصائم في يوم الشك متعد لحدود الله عز وجل ، لأن حدود الله أن لا يصام رمضان إلا برؤيته أي برؤية هلاله ، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه"(174).
ثم إن الإنسان الذي تحت ولاية مسلمة يتبع ولايته ، فإذا ثبت عند ولي الأمر دخول الشهر فليصم تبعاً للمسلمين ، وإذا لم يثبت فلا يصم ، وقد سبق لنا في أول كتاب الصيام ما إذا رأى الإنسان وحده هلال رمضان هل يصوم أو لا يصوم؟



صام في بلد ثم انتقل إلى بلد آخر
السؤال (147): فضيلة الشيخ ، ما حكم من صام في بلد مسلم ثم انتقل إلى بلد آخر تأخر أهله عن البلد الأول ولزم من متابعتهم صيام أكثر من ثلاثين يوم أو العكس؟
الجواب : إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه ، فإنه يبقى معهم حتى يفطروا ، لأن الصوم يوم يصوم الناس ، والفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ، فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر فيه غروب الشمس ، فإنه قد يزيد عن اليوم المعتاد ساعتين أو ثلاثاً أو أكثر ، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه ، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم إلا لرؤيته، وكذلك قال : "أفطروا لرؤيته"(175)، وأما العكس مثل أن ينتقل من بلد تأخر ثبوت الشهر عنده، إلى بلد تقدم فيه ثبوت الشهر فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان ، إن فاته يوم قضي يوماً ، وإن فاته يومان قضي يومين.
السؤال (148): فضيلة الشيخ ، لكن قد يقول قائل : لماذا يؤمر بصيام أكثر من ثلاثين يوماً في الأولى ويقضي في الثانية ؟
الجواب : يقضي في الثانية لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً ، ويزيد على الثلاثين يوماً ، لأنه لم ير الهلال ، وفي الأول قلنا له أفطر وإن تم تتم تسعة وعشرين يوماً ، لأن الهلال رؤي فإذا رؤي لابد من الفطر، يعني يمكن أن تصوم يوماً من شوال ، ولما كنت ناقصاً عن تسعة وعشرين لزمك أن تتم تسعة وعشرين، بخلاف الثاني فإنه لا يزال في رمضان ، إذا قدمت إلى بلد لم يروا الهلال فأنت في رمضان فكيف تفطر فيلزمك البقاء وإذا زاد عليك الشهر فهو كزيادة الساعات في اليوم.



آداب الصيام
السؤال (149): فضيلة الشيخ ، ما هي آداب الصيام؟
الجواب : من آداب الصيام لزوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه، لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :"من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"(176) .
ومن آداب الصيام : أن يكثر من الصدقة والبر والإحسان إلى الناس ، لا سيما في رمضان ، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن(177) .
ومنها : أن يتجنب ما حرم الله عليه من الكذب والسب والشتم والغش والخيانة، والنظر المحرم ، والاستماع للشيء المحرم، إلى غير ذلك من المحرمات التي يجب على الصائم وغيره أن يتجنبها، ولكنها للصائم أوكد.
ومن آداب الصيام : أن يتسحر ، وأن يؤخر السحور ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" تسحروا فإن في السحور بركة"(178) .
ومن آدابه أيضاً : أن يفطر على رطب ، فإن لم يجد فتمر ، فإن لم يجد فعلى ماء ، وأن يبادر بالفطر من حين أن يتحقق غروب الشمس أو يغلب على ظنه أنها غربت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر(179).



حكم أكل وشرب من شك في طلوع الفجر
السؤال (150): فضيلة الشيخ ، ما حكم أكل وشرب من شك في طلوع الفجر؟
الجواب : يجوز للإنسان أن يأكل ويشرب حتى يتبين له الفجر، لقول الله تعالى : ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)(البقرة: 187) ، فما دام لم يتيقن أن الفجر قد طلع فله الأكل ولو كان شاكاً حتى يتقين ، بخلاف من شكل في غروب الشمس ، فإنه لا يأكل حتى يتيقن غروب الشمس أو يغلب على ظنه غروب الشمس.



حكم من يأكل أثناء الأذان
السؤال (151): فضيلة الشيخ ، أيضاً كثير من الناس يأكل أثناء أذان الفجر حتى يكتمل الأذان ، فما حكم هذا الأكل الذي يكون في أثناء الأذان؟
الجواب : حكم هذا الأكل الذي يكون في أثناء الأذان حسب أذان المؤذن ، فإن كان لا يؤذن إلا بعد أن يتيقن طلوع الفجر ، فإن الواجب الإمساك من حين أن يؤذن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"(180) ، وإن كان لا يتيقن طلوع الفجر ، فالأولى أن يمسك إذا أذن ، وله أن يأكل حتى يفرغ المؤذن ما دام لم يتيقن ، لأن الأصل بقاء الليل ، لكن الأفضل الاحتياط ، وأن لا يأكل بعد أذان الفجر.



العموم والغوص في الماء للصائم
السؤال (152): فضيلة الشيخ، ما حكم العوم للصائم أو الغوص في الماء؟
الجواب : لا بأس أن يغوص الصائم في الماء أو يعوم فيه يسبح، لأن ذلك ليس بالمفطرات ، والأصل الحل حتى يقوم دليل على الكراهة أو على التحريم ، وليس هناك دليل على التحريم ولا على الكراهة ، وإنما كرهه بعض أهل العلم خوفاً من أن يدخل إلى حلقه شيء وهو لا يشعر به.



القطرة والمرهم للصائم
السؤال (153): فضيلة الشيخ ، ما حكم القطرة والمرهم في العين؟
الجواب: لا باس للصائم أن يكتحل وأن يقطر في عينه، وأن يقطر كذلك في أذنه، حتى وإن وجد طعمه في حلقه، فإنه لا يفطر بهذا؛ لأنه ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعني الأكل والشرب، والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب، فلا يلحق بهما ما ليس في معناهما.
وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو الصواب.



استعمال فرشة الأسنان أثناء الأذان أو بعده
السؤال (154) : فضيلة الشيخ، ما حكم ضرب الأسنان بالفرشاة والمعجون بعد أذان الفجر أو أثناء الأذان؟
الجواب : أثناء الأذان سبق في الأكل والشرب، وهو أعظم من ضرب الفرشاة، أما بعد الأذان، والأصلح أن تقول بعد طلوع الفجر سواء مباشرة أو في أثناء النهار، فلا باس أن ينظف الإنسان أسنانه بالفرشاة والمعجون، لكن نظراً لقوة نفوذ المعجون ينبغي ألا يستعمله الإنسان في حال الصيام، لأنه ينفذ إلى الحلق والمعدة من غير أن يشعر به الإنسان، وليس هناك ضرورة تدعو إليه، فليمسك حتى يفطر، ويكون عمله بهذا في الليل لا في النهار، لكنه في الأصل جائز ولا بأس به.

ابو ضاري
23-11-2010, 08:00
حكم التحليل والتبرع بالدم للصائم
السؤال (155): فضيلة الشيخ ، ما حكم التحليل والتبرع بالدم للصائم؟
الجواب: التحليل للصائم لا بأس به يعني أخذ عينة من دمه لأجل الكشف عنها والاختبار لها جائز ولا بأس به، وأما التبرع بالدم فالذي يظهر أن التبرع بالدم يكون كثيراً فيعطي حكم الحجامة، ويقال للصائم : لا تتبرع بدمك إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، فلا بأس بهذا، مثل لو قال الأطباء: إن هذا الرجل الذي أصابه النزيف إن لم نحقنه بالدم الآن مات، ووجدوا صائماً يتبرع بدمه، وقال الأطباء : لابد من التبرع الآن فحينئذ لا بأس للصائم أن يتبرع بدمه ويفطر بعد هذا، ويأكل ويشرب بقية يومه؛ لأنه أفطر للضرورة كإنقاذ الحريق والغريق.



استعمال المراهم والمرطبات أثناء الصيام
السؤال ( 156): فضيلة الشيخ، هناك بعض الناس من الصوام يجد نشوفة في أنفه أو في شفاهه ، فيستعمل بعض المراهم أو المرطبات لذلك فما حكمه؟
الجواب : يجد بعض الصوام نشوفه في أنفه ونشوفه في شفتيه، فلا بأس أن يستعمل الإنسان ما يندي الشفتين والأنف من مرهم، أو يبله بالماء بخرقة أو شبه ذلك، ولكن يحترز من أن يصل شيء إلى جوفه من هذا الشيء الذي أزال به النشوفة.
السؤال (157): فضيلة الشيخ، لكن لو وصل شيء من غير قصد؟
الجواب: إذا وصل شيء من غير قصد فلا شيء عليه كما لو تمضمض ووصل شيء إلى جوفه؛ فإنه لا يفطر بها.


حقن الإبر في العضل والوريد للصائم
السؤال (158) : فضيلة الشيخ، ما حكم حقن الإبر في العضل وفي الوريد؟
الجواب: حقن الإبر في الوريد والعضل والورك ليس فيه بأس، ولا يفطر به الصائم؛ لأن هذا ليس من المفطرات ولا بمعني المفطرات، فهو ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعني الأكل والشرب، وقد سبق أن قلنا أن ذلك لا يؤثر، وإنما المؤثر حقن المريض بما يغني عن الأكل والشرب.



المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم
السؤال (159) : فضيلة الشيخ، ما حكم المبالغة في المضمضة والاستنشاق في نهار رمضان للصائم؟
الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (( أسبغ الوضوء ، وخلل بين الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً(187)، وهذا يدل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق ، وكذلك لا يبالغ في المضمضة ؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى نزول الماء إلى جوفه، فيفسد به صومه، لكن لو فرض أنه بالغ ودخل جوفه دون قصد، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأن من شروط الفطر كما سبق أن يكون الصائم قاصداً لفعل ما يحصل به الفطر.



شم الطيب للصائم
السؤال (160) : فضيلة الشيخ، ما حكم شم الطيب سواء كان من الرذاذ ( البخاخ) أو شم الطيب الذي هو البخور؟
الجواب: شم الطيب لا بأس به سواء كان دهناً أم بخوراً، لكن إذا كان بخوراً فإنه لا يستنشق دخانه؛ لأن الدخان له جرم ينفذ إلى الجوف، فهو جسم يدخل إلى الجوف فيكون مفطراً كالماء وشبهه، وأما مجرد شمه بدون أن يستنشقه حتى يصل إلى جوفه فلا بأس به.



الفرق بين البخور والقطرة
السؤال (161) : فضيلة الشيخ، ربما يقال: ما الفرق بين البخور والقطرة التي تنزل إلى الحلق ويطعم بها؟
الجواب: الفرق بينهما أن الذي يستنشقه قد تعمد أن يدخله إلي جوفه، وأما القطرة فلم يقصد أن تصل إلى جوفه، وإنما قصد أن يقطر في أنفه فقط.



الأكل والشرب ناسياً
السؤال (162): فضيلة الشيخ، ما حكم من أكل أو شرب ناسياً؟ وكيف يصنع إذا ذكر أثناء ذلك؟
الجواب: سبق الكلام أن الناسي لا يفسد صومه ولو أكل كثيراً وشرب كثيراً ما دام على نسيانه، فصومه صحيح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه))(188) ولكن يجب من حين أن يذكر أن يمتنع عن الأكل والشرب حتى لو فرضنا أن الأكلة أو الشربة في فمه وجب عليه لفظها، لأن العذر الذي جعله الشارع مانعاً من التفطير قد زال.



ماذا يفعل من رأى صائماً يأكل؟
السؤال( 163): فصيلة الشيخ، ينتشر عند كثير من الناس أن الإنسان إذا رأى صائماً يأكل ألا يذكره، فما مدى صحة هذا الكلام، وكيف يصنع من يرى صائماً يأكل؟
الجواب: من رأى صائماً يأكل فليذكره؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، كما لو رأى الإنسان شخصاً مصلياً إلى غير القبلة، أو رأى شخصاً يريد أن يتوضأ بماء نجس وما أشبه ذلك، فإنه يجب عليه تبيين الأمر له، والصائم وإن كان معذوراً لنسيانه لكن أخوه الذي يعلم بالحال يجب عليه أن يذكره، ولعل هذا يؤخذ أيضاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني))(189) فإنه إذا كان يذكر الناسي في الصلاة، فكذلك الناسي في الصوم يذكر.



خروج الدم من الصائم
السؤال (164): فضيلة الشيخ، ما حكم خروج الدم من الصائم من فمه أو أنفه أو بقية جسمه؟
الجواب: لا يضره خروج ذلك، يعني بغير قصد منه، فلو أرعف أنفه وخرج منه دم كثير، فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه.
السؤال (165): فضيلة الشيخ، فإن تسبب في خروج الدم كأن يخلع ضرسه مثلاً؟
الجواب: لا حرج عليه أيضاً، لأنه لم يخلع ضرسه ليخرج الدم، وإنما خلع ضرسه لألم فيه، فهو إنما يريد إزالة هذا الضرس، والغالب أن الدم الذي يخرج من خلع الضرس دم يسير لا يكون له معنى الحجامة .
السؤال (166): فضيلة الشيخ، إذا أفطر في الأرض مثلاً ثم أقعلت الطائرة وبانت له الشمس فما الحكم؟
الجواب: الحكم أنه لا يلزمه الإمساك يعني أنه لما غربت الشمس تم يومه وأفطر بمقتضى الدليل الشرعي، وما عمله الإنسان بمقتضى الدليل الشرعي فإنه لا يؤمر بإعادته.



الجماع في نهار رمضان.
السؤال (167): فضيلة الشيخ، ما حكم الجماع في نهار رمضان ذاكراً أو ناسياً؟ وما الذي يلزمه؟
الجواب: الجماع في نهار رمضان كغيره من المفطرات ، إن كان الإنسان في سفر ليس عليه في ذلك بأس سواء كان صائماً أم مفطراً، لكن إذا كان صائماً وجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأما إن كان ممن يلزمه الصوم، فإنه إن كان ناسياً فلا شيء عليه أيضاً، لأن جميع المفطرات إذا نسي الإنسان فأصابها فصومه صحيح، وإن كان ذاكراً ترتب على ذلك خمسة أمور: الإثم ، وفساد صوم ذلك اليوم،ولزوم الإمساك، ولزوم القضاء والكفارة، والكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، هلكت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أهلكك؟)) قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة عتق رقبة،فقال إنه لا يجد ، فقال: صيام شهرين متتابعين، فقال: إنه لا يستطيع، فقال: إطعام ستين مسكيناً، فقال: إنه لا يجد، ثم جلس الرجل وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( خذ هذا فتصدق به)) فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه أو نواجذه ثم قال: (( أطعمه أهلك))(190).
السؤال (168): فضيلة الشيخ، إذا تعدد الجماع في اليوم أو في شهر رمضان، فهل تتعدد هذه الكفارة؟
الجواب: المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه إذا تعدد في يوم ولم يكفر عن الجماع الأول لزمه كفارة واحدة، وإن تعدد في يومين لزمه لكل يوم كفارة، لأن كل يوم عبادة مستقلة.



صيام المسافر
السؤال( 169): فضيلة الشيخ، ما حكم صيام المسافر إذا شق عليه؟
الجواب: إذا شق عليه الصوم مشقة محتملة فهو مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غلب عليه، والناس حوله زحام فقال: (( ما هذا؟)) قالوا: صائم، قال: (( ليس من البر الصيام في السفر))(191) ، وأما إذا شق عليه مشقة شديدة فإن الواجب عليه الفطر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه الناس أنهم قد شق عليهم الصيام أفطر ثم قيل له: إن بعض الناس قد صام، فقال: (( أولئك العصاة، أولئك العصاة))(192).
وأما من لا يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث كان كما قال أبوالدراء رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر شديد وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة (193)
السؤال (170): فضيلة الشيخ، هل للفطر في السفر أيام معدودة؟
الجواب: ليس له أيام معدودة.
السؤال (171): فضيلة الشيخ، يعني لو كان الإنسان يريد أن يسافر مثلاً أو يبقى في مدينة غير مدينته أكثر من خمسة أيام أو ستة أيام؟
الجواب: نعم له أن يفطر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة دخلها في رمضان في العشرين منه، ولم يصم بقية الشهر كما صح ذلك من حديث ابن عباس رضي الله عنه فيما أخرجه البخاري عنه، وبقي بعد ذلك تسعة أيام أو عشرة فبقي عليه الصلاة والسلام في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة ويفطر في رمضان.



حكم صيام المعتمر
السؤال(172): فضيلة الشيخ، كثير من المسلمين يعتمر في شهر رمضان المبارك، لكنه يتحرج عن الإفطار؛ لأنه ذهب لعبادة، فما حكم صيام المعتمر في رمضان أثناء بقائه في مكة؟
الجواب: حكم صيامه أنه لا بأس به، وقد سبق لنا قبل قليل أن المسافر إذا لم يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم، وإن أفطر فلا حرج عليه، وإذا كان هذا المعتمر يقول: إن بقيت صائماً شق عليّ أداء نسك العمرة، فأنا بين أمرين:
إما أن أؤخر أداء أعمال العمرة إلى ما بعد غروب الشمس وأبقى صائماً، وإما أن أفطر وأؤدي أعمال العمرة حين وصولي إلى مكة، فنقول له: الأفضل أن تفطر وأن تؤدي أعمال العمرة حين وصولك إلى مكة؛ لأن هذا - أعني أداء العمرة من حين الوصول إلى مكة - هذا هو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .



السفر في رمضان من أجل الإفطار
السؤال (173): فضيلة الشيخ، ما حكم السفر في شهر رمضان من أجل الإفطار؟ وكيف يكون ذلك؟
الجواب: الصيام في الأصل واجب على الإنسان، بل هو فرض وركن من أركان الإسلام كما هو معروف، والشيء الواجب في الشرع لا يجوز للإنسان أن يفعل حيلة ليسقطه عن نفسه، فمن سافر من أجل أن يفطر كان السفر حراماً عليه، وكان الفطر كذلك حراماً عليه، فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ، وأن يرجع عن سفره ويصوم، فإن لم يرجع وجب عليه أن يصوم ولو كان مسافراً.
وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز للإنسان أن يتحيل على الإفطار في رمضان بالسفر، لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقط به، كما أن التحيل على المحرم لا يجعله مباحاً.



قضاء الفائت من رمضان
السؤال(174): فضيلة الشيخ، ما حكم قضاء الفائت من رمضان، ومتى يكون ذلك؟
الجواب: المبادرة بقضاء رمضان أفضل من التأخير؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، كونه يبادر ويقضي ما عليه من دين الصوم أحزم وأحرص على الخير،ولولا حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان(194) . لولا هذا الحديث لقلنا بوجوب المبادرة، وهذا الحديث يدل على أن من عليه شيء من رمضان لا يؤخره إلى رمضان التالي وهو كذلك ، فلا يجوز لشخص عليه قضاء من رمضان أن يؤخره إلى رمضان آخر إلا من عذر، كما لو بقي مريضاً لا يستطيع، أو كانت امرأة ترضع ولم تستطع أن تصوم، فلا حرج عليها أن تؤخر قضاء رمضان الفائت إلى ما بعد رمضان التالي.

السؤال (175): فضيلة الشيخ، هناك بعض المسلمين يعتبرون العبادة إذا فاتت أنها تسقط، فإذا فاتت الصلاة عن مكانها لا تؤدى، وإذا فات رمضان أو فات شيء من رمضان لا يصومونه ، فما حكم صيام الفائت من رمضان؟
الجواب: سبق أن ذكرنا قاعدة وهي: أن العبادات الموقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بغير عذر فإنها لا تصح منه أبداً، لو كررها ألف مرة، وعليه أن يتوب، والتوبة كافية، أما إذا كان ترك صيام رمضان لعذر من مرض أو سفر أو غيرهما فعليه القضاء كما قال الله تعالى: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)(البقرة: 185).
السؤال (176): فضيلة الشيخ، إذا أفطر الإنسان في شهر رمضان ثم أتى رمضان الثاني دون عذر في قضاء هذا الفائت فهل يلزمه شيء مع الأداء؟
الجواب: القول الراجح أنه لا يلزمه إلا القضاء فقط، وأنه لا يلزمه الإطعام؛ لعموم قوله تعالى: ) وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) فذكر الله تعالى عدة من أيام أخر ولم يذكر إطعاماً، والأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل يدل على الوجوب.



الفرق بين الأداء والقضاء في شهر رمضان
السؤال(177): فضيلة الشيخ، هل هناك فوارق بين الأداء والقضاء في شهر رمضان؟
الجواب: نعم، بينهما فوارق عظيمة القضاء كما قلت آنفاً موسع إلى رمضان الثاني، والأداء مضيق لابد أن يكون في شهر رمضان. ثانياً: الأداء تجب الكفارة في الجماع فيه، والقضاء لا تجب الكفارة في الجماع فيه، ثالثاً: الأداء إذا أفطر الإنسان في أثناء النهار بلا عذر فسد صومه، ولكن يلزمه الإمساك بقية اليوم احتراماً للزمن، وأما القضاء فإذا أفطر الإنسان في أثناء اليوم فسد صومه ولكن لا يلزمه الإمساك؛ لأنه لا حرمة للزمن في القضاء، إذ إن القضاء واسع في كل الأيام.



حكم من مات وعليه قضاء من رمضان
السؤال (178): فضيلة الشيخ، ما حكم من مات وعليه قضاء من شهر رمضان؟
الجواب: إن مات وعليه قضاء من رمضان فإنه يصوم عنه وليه وهو قريبه أو وارثه، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من مات وعليه صيام صام عنه وليه))(195) فإن لم يصم وليه أطعم عنه عن كل يوم مسكيناً.
السؤال (179): فضيلة الشيخ، إذا صام المسلم بعض رمضان ثم توفي عن بقيته، فهل يلزم وليه أن يكمل عنه؟
الجواب: لا يلزم وليه أن يكمل عنه، ولا أن يطعم عنه؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))(196)
فعلى هذا إذا مات فإنه لا تقضى عنه ولا يطعم عنه، بل حتى لو مات في أثناء اليوم فإنه لا يصام عنه ولا يطعم عنه.



صلاة التراويح
السؤال (180): فضيلة الشيخ، مما يتعبد أو يتقرب به إلى الله عز وجل في شهر رمضان التراويح، فما المقصود بالتراويح والتهجد؟
الجواب: التراويح: القيام، قيام رمضان الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))(197) ، وسميت تراويح؛ لأن الناس فيما سبق كانوا يطيلونها، وكلما صلوا أربع ركعات- يعني بتسليمتين - استراحوا قليلاً ثم استأنفوا ، وعلى هذا يحمل حديث عائشة رضي الله عنها: (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً، فلا تسألن عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً))(198) فإنها تريد بذلك أنه يصلي أربعاً بتسليمتين ، لكن يفصل بينهما وبين الأربع الأخريات.
وهذه التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه صلى بأصحابه ثلاث ليال ثم تأخر، وقال: (( إني خشيت أن تفرض عليكم))(199) ، وينبغي للإنسان أن لا يفرط فيها؛ لينال أجر من قام رمضان، وهو مغفرة ما تقدم من الذنب، وينبغي أن يحافظ عليها مع الإمام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة))(200) ولا يخفى أن التراويح التي تفعل الآن فيها أخطاء من الأئمة ومن غيرهم.



أخطاء تقع في صلاة التراويح
السؤال (181): فضيلة الشيخ، نود الإشارة إلى بعض الأخطاء التي تقع في صلاة التراويح؟
الجواب: ذكرنا فيما سبق أن هناك أخطاء يقع فيها بعض الأئمة، وكذلك أخطاء يقع فيها بعض الناس من غير الأئمة.
أما أخطاء الأئمة: فكثير من الأئمة يسرع في التراويح إسراعاً عظيماً بحيث لا يتمكن الناس من الطمأنينة وراءه، ويشق على كبار السن والضعفاء والمرضى ونحوهم، وهذا خلاف الأمانة التي حملوا إياها، فإن الأمام مؤتمن يجب عليه أن يفعل ما هو الأفضل للمأمومين، هو لو كان يصلي وحده لكان حراً، إن شاء أسرع على وجه لا يخل بالطمأنينة ، وإن شاء أبطأ، لكن إذا كان إماماً يجب عليه أن يتبع ما هو الأفضل للمأموم، وقد نص أهل العلم على أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يسن، فكيف بمن يسرع سرعة تمنعهم أو تمنع بعضهم من فعل ما يجب من الطمأنينة والمتابعة.
كذلك بعض الأئمة يصلي التراويح على صفة الوتر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها أحياناً، يوتر بخمس يسردها سرداً لا يجلس إلا في آخرها، أو سبعاً، لا يجلس إلا في آخرها، أو تسعاً يجلس في الثامنة، ثم يتشهد ،ثم يقوم ويصلي التاسعة.
فبعض الأئمة يفعل ذلك، وهذا لا أعلمه وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قام في الناس إماماً، وإنما كان يفعله في بيته، وهذا الفعل وإن كان له أصل من السنة أن يوتر الإنسان بخمس أو سبع لا يجلس إلا في آخرها، أو بتسع يجلس في الثامنة ، ثم يتشهد ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ويتشهد ويسلم، لكن كون الإمام يفعله في رمضان يشوش على الناس، فيدخل الإنسان على أنه نوى ركعتين، ثم إن بعض الناس قد يحتاج إلى الخروج إذا صلى ركعتين أو صلى أربع ركعات وسلم الإمام، فيخرج بعض الناس يكون عليه حصر من البول أو غيره، فيشق عليه أن يسرد به الإمام خمس ركعات أو سبع ركعات أو تسع ركعات.
وإذا كان هذا الإمام يريد أن يبين السنة فإننا نقول له: بين السنة بقولك، وقل: كان الرسول عليه الصلاة والسلام يوتر بخمس أو بسبع لا يجلس إلا في آخرها، أو بتسع لا يجلس إلا في الثامنة، ثم يتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ، ويتشهد ويسلم، ولا تفعل هذا مع جماعة يجهلون هذا الأمر، أو يأتي أناس قد سبقهم بعض الصلاة فيشكل عليهم أو يشق عليهم، ثم إني إلي الآن لا أعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه الوتر على هذا الوجه، وإنما كان يصليه في بيته.
وأما الأخطاء التي تقع من غير الأئمة ممن يصلون القيام: فهو أن بعض الناس تجده يقطع هذه التراويح ، بل يصلي في مسجد تسليمة أو تسليمتين، وفي مسجد آخر كذلك، ويضيع عليه وقت، فيفوته الأجر العظيم الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: ((من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة))(201) وهذا حرمان عظيم.
كذلك أيضاً بعض المأمومين تجده يخطئ في متابعة الإمام فيسابقه، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ، أو يجعل الله صورته صورة حمار))(202).



هل يلزم المحافظة على صلاة التراويح في جميع الشهر
السؤال (182): فضيلة الشيخ: هل يلزم المحافظة على صلاة التراويح في جميع رمضان؟
الجواب: لا يلزمه أن يحافظ عليها؛ لأنها سنة، فإن فعلها فقد أثيب، وإن تركها فلن يعاقب ، ولكن يفوته خير كثير كما قلنا.



البكاء في صلاة التراويح
السؤال (183): فضيلة الشيخ، بعض الأئمة يبكي بكاء شديداً وينحب أيضاً، وهناك من يؤاخذه على ذلك ويرى أنه تكلف، فما حكم هذا العمل ، وما حكم أيضاً من يؤاخذ الإمام على هذا العمل؟
الجواب: أما الشيء الذي يأتي بغير تكلف، ويكون بكاء برفق لا بشهاق كبير، فهذا لا بأس به، وهو من الأمور التي تدل على لين قلب صاحبها وكمال خشوعه وحضور قلبه، وأما المتكلف فأخشى أن يكون هذا البكاء من الرياء الذي يعاقب عليه فاعله ولا يثاب عليه كما أن بعض الناس تجده في قنوت الوتر يأتي بأدعية طويلة بأساليب غريبة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون فيها مشقة على المصلين أو بعضهم، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يختار من الدعاء أجمعه ويدع ما سوى ذلك ، والذي أنصح به إخواننا الأئمة أن لا يطيلوا هذا القنوت على هذا الطول الذي يشق على الناس، ويأتون فيه بأدعية غريبة مسجوعة، وخير الكلام ما قل ودل، وكون الإنسان يأتي بالشيء على الوجه المشروع الذي لا يمل الناس أفضل من كونه يأتي به على وجه يمل به الناس.



حمل المصحف أثناء قراءة الإمام
السؤال (184): فضيلة الشيخ، بعض المأمومين يحضر مصحفاً في رمضان لمتابعة الإمام في صلاة الليل، وقد يكون الإمام لا يحتاج إلى من يفتح عليه لأنه يقرأ من مصحف أيضاً، فما حكم ذلك؟
الجواب: الذي نرى أن المأموم لا يحمل المصحف إلا للضرورة إلى ذلك، مثل أن يقول الإمام لأحد من الناس:أنا لا أضبط القراءة فأريد أن تكون خلفي تتابعني في المصحف، فإذا أخطأت ترد على، أما فيما عدا ذلك فإنه أمر لا ينبغي؛ لما فيها من انشغال الذهن والعمل الذي لا داعي له، وفوات السنة بوضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر، فالأولى أن لا يفعله الإنسان إلا للحاجة كما أشرت إليه.



إحياء بعض ليالي العشر دون غيرها
السؤال (185): فضيلة الشيخ، بعض الناس يحيون ليلة القدر بالصلاة والعبادة ولا يحيون غيرها في رمضان، فهل هذا موافق للصواب؟
الجواب: لا، ليس موافقاً للصواب، فإن ليلة القدر تنتقل، فقد تكون ليلة سبعة وعشرين، وقد تكون في غير تلك الليلة، كما تدل عليه الأحاديث الكثيرة في ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذات عام أري ليلة القدر، فكان ذلك ليلة إحدى وعشرين ، ثم إن القيام لا ينبغي أن يخصه الإنسان بالليلة التي يرجو أن تكون هي ليلة القدر، فالاجتهاد في العشر الأواخر كلها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم .فقد كان إذا دخل العشر شد المئزر،وأيقظ أهله، وأحيا ليله عليه الصلاة والسلام، فالذي ينبغي للمؤمن الحازم أن يجتهد في هذه الأيام العشر في ليال هذه الأيام العشر كلها حتى لا يفوته الأجر.



الاعتكاف
السؤال (186): فضيلة الشيخ، ما المقصود بالاعتكاف وما حكمه؟
الجواب: الاعتكاف هو لزوم الإنسان مسجداً لطاعة الله سبحانه وتعالى ؛ لينفرد به عن الناس، ويشتغل بطاعة الله ويتفرغ لذلك، وهو في كل مسجد سواء كان في مسجد يجمع فيه أو في مسجد لا يجمع فيه، ولكن الأفضل أن يكون في مسجد يجمع فيه حتى لا يضطر إلى الخروج لصلاة الجمعة.



هل للاعتكاف أقسام؟
السؤال (187): فضيلة الشيخ، هل الاعتكاف له أقسام أم أنه قسم واحد؟
الجواب: الاعتكاف ليس إلا قسم واحد كما أسلفنا، لزوم مسجد لطاعة الله عز وجل، وقد يكون أحياناً بصوم، وقد لا يكون بصوم، وقد اختلف أهل العلم: هل يصح الاعتكاف بدون صوم أو لا يصح إلا بصوم؟ولكن الاعتكاف المشروع إنما هو ما كان فيه ليالي العشر، عشر رمضان؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف هذه العشر رجاء لليلة القدر.



هل يجوز الاعتكاف في غير رمضان؟
السؤال(188): فضيلة الشيخ، هل الاعتكاف له زمان محدد، أي أنه يقتصر على رمضان أم يجوز في غير رمضان؟
الجواب: المشروع أن يكون في رمضان فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف في غير رمضان، إلا ما كان منه في شوال حين ترك الاعتكاف سنة في رمضان، فاعتكف في شوال، ولكن لو اعتكف الإنسان في غير رمضان لكان هذا جائز، لأن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أوف بنذرك))(202)



أركان الاعتكاف وشروطه
السؤال (189): فضيلة الشيخ، هل للاعتكاف شروط محددة أو أركان أيضاً محددة؟
الجواب: الاعتكاف ركنه كما أسلفت لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل تعبداً له، وتقرباً إليه، وتفرغاً لعبادته، وأما شروطه: فهي شروط بقية العبادات، فمنها: الإسلام، والعقل، ويصح من غير البالغ، ويصح من الذكر ومن الأنثى، ويصح بلا صوم ويصح في كل مسجد.



اعتكاف المرأة
السؤال (190): فضيلة الشيخ، إذا هل يجوز للمرأة أن تعتكف في مسجدها، في منزلها؟
الجواب: لا، المرأة إذا أرادت الاعتكاف فإنما تعتكف في المسجد إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي، وإن كان في ذلك محذور شرعي فلا تعتكف.



ما يستحب في الاعتكاف وما لا يستحب
السؤال (191): فضيلة الشيخ، ما الذي يستحب في الاعتكاف وما الذي يكره له أيضاً؟
الجواب: الذي يستحب في الاعتكاف أن يشتغل الإنسان بطاعة الله عز وجل، من قراءة القرآن، والذكر والصلاة وغير ذلك، وأن لا يضيع وقته فيما لا فائدة فيه كما يفعله بعض المعتكفين، تجده يبقى في المسجد يأتيه الناس في كل وقت يتحدثون إليه، ويقطع اعتكافه بلا فائدة، وأما التحدث أحياناً مع بعض الناس أو بعض الأهل فلا بأس به، لما ثبت في الصحيحين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كانت صفية رضي الله عنها تأتي إليه فتتحدث عنده ساعة ثم تنقلب إلى بيتها.



ما يباح للمعتكف
السؤال (192): فضيلة الشيخ، ما الذي يباح للمعتكف؟
الجواب: المعتكف كما أسلفنا، يلتزم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل وعبادته، فينبغي ان يكون أكثر همة اشتغاله بالقربات من الذكر وقراءة القرآن وغير ذلك ولكن المعتكف أفعاله تنقسم إلى أقسام : قسم مباح، وقسم مشروع ومستحب، وقسم ممنوع.
فأما المشروع : فهو أن يشتغل بطاعة الله وعبادته والتقرب إليه؛ لأن هذا لب الاعتكاف والمقصود منه ، ولذلك قيد بالمساجد.
وقسم آخر وهو القسم الممنوع، وهو ما ينافي الاعتكاف ، مثل أن يخرج الإنسان من المسجد بلا عذر؛ أو يبيع ، أو يشتري أو يجامع زوجته، ونحو ذلك من الأفعال التي تبطل الاعتكاف لمنافاتها لمقصوده.
وقسم ثالث جائز مباح، كالتحدث إلى الناس، والسؤال عن أحوالهم، وغير ذلك مما أباحه الله تعالى للمعتكف ، ومنه: خروجه لما لابد له منه، كخروجه لإحضار الأكل والشرب إذا لم يكن له من يحضرهما، وخروجه إلى قضاء الحاجة من بول وغائط، وكذلك خروجه لأمر مشروع واجب، بل هذا واجب عليه كما لو خرج ليغتسل من الجنابة.
وأما خروجه لأمر مشروع غير واجب فإن اشترطه فلا بأس، وإن لم يشترطه فلا يخرج، وذلك كعيادة المريض وتشييع الجنازة وما أشبههما، فله أن يخرج لهذا إن اشترطه، وإذا لم يشترطه فليس له أن يخرج،ولكن إذا مات له قريب، أو صديق وخاف إن لم يخرج أن يكون هناك قطيعة رحم أو مفسدة، فإنه يخرج ولو بطل اعتكافه، لأن الاعتكاف المستحب لا يلزم المضي فيه.
السؤال (193): فضيلة الشيخ، هل يلتزم المعتكف مكاناً محدداً في المسجد أو يجوز له التنقل في أنحائه؟
الجواب: يجوز للمعتكف أن يتنقل في أنحاء المسجد من كل جهة لعموم قوله تعالى: ( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ )(البقرة:187) و((في) للظرفية فتشمل ما لو شغل الإنسان جميع الظرف.



زكاة الفطر
السؤال :( 194 ) فضيلة الشيخ ، ما المقصود بزكاة الفطر ، وهل لها سبب ؟
الجواب : المقصود بزكاة الفطر : صاع من طعام ، يخرجه الإنسان عند انتهاء رمضان ، وسببها إظهار شكر نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد بالفطر من رمضان وإكماله ، ولهذا سميت صدقة الفطر أو زكاة الفطر لأنها تنسب إليه وهذا سببها الشرعي ، أما سببها الوضعي ، فهو أنه إذا غابت الشمس من ليلة العيد وجبت ، فلو ولد للإنسان ولد بعد مغيب الشمس ليلة العيد لم تلزمه فطرته ، وإنما تستحب ، ولو مات الإنسان قبل غروب الشمس ليلة العيد لم تجب فطرته أيضاً ؛ لأنه مات قبل وجود سبب الوجوب ، ولو عقد الإنسان على امرأة قبل غروب الشمس من آخر يوم رمضان لزمته فطرتها على قول كثير من أهل العلم ؛ لأنها كانت زوجته حين وجد السبب ، فإن عقد له بعد غروب الشمس ليلة العيد لم تلزمه فطرتها ، وهذا على القول بأن الزوج يلزمه فطرة زوجته وعياله ، وأما إذا قلنا : بأن كل إنسان تلزمه الفطرة عن نفسه كما هو ظاهر السنة ، فلا يصح التبديل في هذه المسألة .
السؤال (195 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم زكاة الفطر ؟
الجواب : زكاة الفطر فريضة ، فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر ، أو صاعا من شعير ))(203) ، فلو أخرج من الدراهم أو من الثياب أو من الفرش أو من الأواني ، فإنه لا يصح أن يكون فطرة ولو كان أغلى من صاع الطعام ، وهذا يعني أنه لا يجوز إخراج قيمتها .
السؤال (196 ) : فضيلة الشيخ على من تجب زكاة الفطر وعلى من تستحب ؟
الجواب : تجب على كل إنسان من المسلمين ذكر كان أم أنثى ، صغيراً أم كبيراً ، سواء كان صائماً أم لم يصم كما لو كان مسافراً ولم يصم ، فإن صدقة الفطر تلزمه ، وأما من تستحب عنه فقد ذكر فقهاؤنا رحمهم الله أنه يستحب إخراجها عن الحمل في البطن ولا يجب .
السؤال (197 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم منعها وكيف يعامل مانعها ؟
الجواب : منعها محرم لأنه خروج عما فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق في حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر . . . )) ، ومعلوم أن ترك المفروض حرام وفيه الإثم والمعصية .
السؤال (198 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي مصارف زكاة الفطر ؟
الجواب : ليس لها إلا مصرف واحد فقط وهم الفقراء ، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين(204).
السؤال (199 ) : فضيلة الشيخ ، هل يجوز إعطاؤها للعمال من غير المسلمين ؟
الجواب : لا ، لا يجوز إعطاؤها إلا للفقير من المسلمين فقط .
السؤال (200 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم نقلها إلى البلدان البعيدة بحجة وجود الفقراء الكثيرين فيها ؟
الجواب : نقل صدقة الفطر إلى بلاد غير بلاد الرجل الذي أخرجها إن كان لحاجة بأن لم يكن عنده أحد من الفقراء ، فلا بأس به ، وإن كان لغير حاجة بأن وجد في البلد من يتقبلها فإنه لا يجوز .
السؤال (201 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم وضعها عند الجار حتى يأتي الفقير دون توكيل من الفقير ؟
الجواب : يجوز للإنسان أن يضعها عند جاره ، ويقول : هذه لفلان إذا جاء فأعطها إياه ، لكن لابد أن تصل يد الفقير قبل صلاة العيد ؛ لأنه وكيل عن صاحبها ، أما لو كان الجار قد وكله الفقير ، وقال اقبل زكاة الفطر من جارك لي ، فإنه يجوز أن تبقى مع الوكيل ولو خرج الناس من صلاة العيد .
السؤال (202 ) : فضيلة الشيخ، لو وضعها عند جاره ولم يأت من يستحقها قبل العيد وفات وقتها فما الحكم؟
الجواب: إذا وضعها عند جاره ، فإما أن يكون جاره وكيلاً للفقير فإذا وصلت إلي يد جاره فقد وصلت إلي الفقير، وأما إذا كان الفقير لم يوكله فإنه يلزم الذي عليه الفطرة أن يدفعها إلي أهلها، ولكن إذا تأخرت عن صلاة العيد ولم يؤدها فإنها لا تقبل منه لأنها عبادة مؤقتة بزمن معين، فإذا أخرها لغير عذر فإنها لا تقبل منه، أما إذا أخرها لعذر كنسيان أو لعدم وجود الفقراء في تلك اللحظة فهذا لا بأس به.
السؤال (203): فضيلة الشيخ، في هذه الحال هل يعيدها إلى ماله أو يلزمه إخراجها؟
الجواب : لا فرق سواء أعادها إلى ماله أو أبقاها حتى يأتي الفطر الثاني.
السؤال (204): فضيلة الشيخ، ما الذي يقوله المسلم إذا رئي هلال شوال قبل صلاة العيد؟
الجواب: الذي ينبغي للمسلم هو أن يكثر من التكبير والتهليل والتحميد ، لقول الله تعالى: ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(البقرة: 185) .
السؤال (205): فضيلة الشيخ، ما صفة التكبير والتهليل أثابكم الله؟
الجواب: أن نقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أو نقول : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ، لا إله إلا الله . والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

------------------------

(149)تقدم تخريجه ص (118).
(150) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب هل يقال : رمضان أو شهر رمضان ، رقم (1900)، ومسلم ، كتاب الصيام ، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، رقم (1080).
(151) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب من صام رمضان إيمانً واحتساباً ونية ، رقم (1901)، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب الترغيب في قيام رمضان ، وهو التراويح ، رقم (760).
(152) تقدم تخريجه ص (111).
(153) أخرجه مسلم ، كتاب الصيام ، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال رقم (1081).
(154) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا رأيتم الهلال فصوموا..."، رقم (19090)، ومسلم، كتاب الصيام ، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، رقم (1081).
(155) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب صوم الصبيان ، رقم (1960)، ومسلم، كتاب الصيام ، باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه، رقم (1136).
(156) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، رقم (1945)، ومسلم ، كتاب الصيام ، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، رقم (1122)
(157) أخرجه مسلم ، كتاب الصيام ، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية ، رقم (1114).
(158) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب الحائض تترك الصوم والصلاة ، رقم (1951).
(159) تقدم تخريجه ص (152).
(160) تقدم تخريجه ص (77).
(161) أخرجه مسلم ، كتاب الصوم، باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل ، رقم (1120)
(162) أخرجه البخاري، كتاب الصوم ، باب فضل الصوم ، رقم (1894)، ومسلم ، كتاب الصيام ، باب فضل الصيام ، رقم (1151)
(163) أخرجه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف ، رقم (1006).
(164) أخرجه أحمد (2/498)، والترمذي ، كتاب الصوم ، باب ما جاء فيمن استقاء عمداً ، رقم (720)، وابن ماجه، كتاب الصيام ، باب ما جاء في الصائم يقيء رقم (1676).
(165) أخرجه أبو داود ، كتاب الصوم، باب في الصائم يحتجم ، رقم (2367)، والترمذي ، كتاب الصوم ، باب كراهية الحجامة للصائم ، رقم (774)، وابن ماجه، كتاب الصيام ، باب ما جاء في الحجامة للصائم ، رقم (1679).
(166) تقدم تخريجه ص (253).
(167) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان قوله تعالى : ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ )، رقم (126).
(168) أخرجه البخاري، كتاب الصوم ، باب قوله تعالى: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)، رقم(1916)، ومسلم ، كتاب الصيام ، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، ، رقم (1090).
(169) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس ، رقم (1959)
(170) تقدم تخريجه ص (130).
(171) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب الصائم إذا كان أكل أو شرب ناسياً ، رقم (1933)، ومسلم كتاب الصيام ، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر ، رقم (1155).
(172) أخرجه بن ماجه، كتاب الطلاق ، باب طلاق المكره والناسي ، رقم (2043)، والبيهقي في " السنن" (6/84)، والدار قطني في "السنن" (4/170).
(173) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء .. ، رقم (1936)، ومسلم ، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ، رقم (1111).
(174) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين ، رقم (1914)، ومسلم ، كتاب الصيام ، باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، رقم (1082).
(175) تقدم تخريجه ص (247).
(176) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، رقم (1903).
(177) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان ، رقم (1902)، ومسلم ، كتاب الفضائل ، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير رقم (2308).
(178) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب بركة السحور من غير إيجاب ، رقم (1923)، ومسلم ، كتاب الصيام، باب فضل السحور ، رقم (1096).
(179) أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب تعجيل الفطر ، رقم (1957)، ومسلم ، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتعجيل الفطر، رقم (1098).
(180) أخرجه البخاري، كتاب الصوم ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال"، رقم (1919،1918)
(187) أخرجه أبو داود كتاب الطهارة ، باب في الاستنثار، رقم (142)، والترمذي ، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم، رقم (788)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق ، رقم (87)، وابن ماجة ، كتاب الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار رقم (406).
(188) تقدم تخريجه (263)
(189) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، رقم (401)، ومسلم ، وكتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم (572).
(190) تقدم تخريجه (264)
(191) أخرجه البخاري، كتاب الصوم ، باب قول النبي صلي الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر..، رقم( 1946)، ومسلم ، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، رقم (1115).
(192) تقدم تخريجه (253)
(193) تقدم تخريجه (253)
(194) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب متى يقضي قضاء رمضان؟ رقم (1950)، ومسلم، كتاب الصيام ، باب قضاء رمضان في شعبان ، رقم (1416).
(195) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، رقم(1952) ومسلم ، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، رقم (1147).
(196) تقدم تخريجه ص (106)
(197) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، رقم (37)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان، رقم (759).
(198) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، رقم (1147)، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، رقم (738).
(199) أخرجه البخاري، كتاب التهجد ، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل، رقم (1129)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان، رقم (761)
(200) أخرجه الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام رمضان، رقم (806)، والنسائي، كتاب قيام الليل، باب قيام شهر رمضان ، رقم (1605)، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، رقم (1327).
(201) تقدم تخريجه (287)
(202) تقدم تخريجه(195)
(202) أخرجه البخاري، كتاب الاعتكاف ، باب من لم ير عليه إذا اعتكف صوماً، رقم (2042)، ومسلم ، كتاب الإيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، رقم (1656).
(203) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين، رقم (1504) ومسلم ، كتاب الزكاة، باب تقديم الزكاة ومنعها، رقم (984)
(204) رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، رقم (1609)

ابو ضاري
23-11-2010, 08:04
فتاوى الحج




النسك وأنواعه

السؤال (206): فضيلة الشيخ، ما هو النسك وعلى ماذا يطلق؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
النسك: يُطلق ثلاثة إطلاقات ؛ فتارة : يراد به العبادة عموماً، وتارة: يراد به التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وتارة: يراد به أفعال الحج وأقواله.
فالأول: كقولهم: فلان ناسك، أي: عابد لله عز وجل.
والثاني: كقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (162)لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162/163)، ويمكن أن يراد بالنسك هنا: التعبد ، فيكون من المعنى الأول.
والثالث: كقوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا)(البقرة: 200).
هذا هو معنى النسك، وهذا الأخير هو الذي يخص شعائر الحج، وهو- أي النسك المراد به الحج، نوعان: نسك العمرة، ونسك الحج.
أما نسك العمرة: فهو ما اشتمل على هيئتها، من الأركان، والواجبات ، والمستحبات، بأن يحرم من الميقات، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق أو يقصر.
وأما الحج: فهو أن يحرم من الميقات ، أو من مكة إن كان بمكة، ويخرج إلى منى، ثم إلي عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم إلى منى مرة ثانية، ويطوف ، ويسعى ، ويكمل أفعال الحج على ما سيذكر إن شاء الله تعالى تفصيلاً.



حكم الحج

السؤال (207): فضيلة الشيخ، ما هو حكم الحج؟
الجواب: الحج فرض بإجماع المسلمين، أي: بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام، لقوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران: 97)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله فرض عليكم الحج فحجوا ))(205) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام )(206).
فمن أنكر فرضية الحج ، فهو كافر مرتد عن الإسلام ، إلا أن يكون جاهلا بذلك ، وهو مما يمكن جهلة به ؛ كحديث عهد بإسلام ، وناشئ في بادية بعيدة ، لا يعرف من أحكام الإسلام شيئا ، فهذا يعذر بجهله ، ويعرف ، ويبين له الحكم ، فإن أصر على إنكاره ، حكم بردته .
وأما من تركه ـ أي : الحج ـ متهاونا مع اعترافه بشرعيته ، فهذا لا يكفر ، ولكنه على خطر عظيم ، وقد قال بعض أهل العلم بكفره .



حكم العمرة

السؤال (208 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم العمرة ؟
الجواب : أما العمرة فقد اختلف العلماء في وجوبها : فمنهم من قال : إنها واجبة ومنهم من قال: إنها سنة، ومنهم من فرق بين المكي وغيره فقال: واجبة على غير المكي ، غير واجبة على المكي ، والراجح عندي : أنها واجبة على المكي وغيره ، لكن وجوبها أدنى من وجوب الحج ؛ لأن وجوب الحج فرض مؤكد ؛ لأن الحج أحد أركان الإسلام ، بخلاف العمرة .



وجوب الحج على الفور ، أم على التراخي ؟

السؤال (209 ) : فضيلة الشيخ ، وجوب الحج هل هو على الفور ، أم على التراخي؟
الجواب : الصحيح أنه واجب على الفور ، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج إلى بيت الله الحرام أن يؤخره ، وهكذا جميع الواجبات الشرعية ، إذا لم تقيد بزمن أو سبب ، فإنها واجبة على الفور .



شروط وجوب الحج والعمرة

السؤال (210 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي شروط وجوب الحج والعمرة ؟
الجواب : شروط وجوب الحج والعمرة خمسة ، مجموعة في قول الناظم :
الحج والعمرة واجبـان في العمر مرة بلا تواني
بشرط إسلام كذا حرية عقل بلوغ قدرة جليــة
فيشترط لوجوبه أولا : الإسلام ، فغير المسلم لا يجب عليه الحج ، بل ولا يصح منه لو حج ، بل ولا يجوز دخوله مكة ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)(التوبة: 28 )، فلا يحل لمن كان كافراً بأي سبب كان كفره ، لا يحل له دخول حرم مكة . ولكن يحاسب الكافر على ترك الحج وغيره من فروع الإسلام على القول الراجح من أقوال أهل العلم ، لقوله تعالى : (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) (39) ( فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ) (40) (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) (41) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (42) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (43) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (44) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (45) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (46) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (المدثر: 39 ، 47 ).
الشرط الثاني : العقل ؛ فالمجنون لا يجب عليه الحج ، فلو كان الإنسان مجنوناً من قبل أن يبلغ حتى مات ، فإنه لا يجب عليه الحج ولو كان غنياً .
الثالث : البلوغ ؛ فمن كان دون البلوغ فإن الحج لا يجب عليه ، ولكن لو حج ، فحجه صحيح ، إلا أنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبياً وقالت : ألهذا حج ؟ قال : (( نعم ولك أجر ))(207) ، لكنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام لأنه لم يوجه إليه الأمر بها حتى يجزئه عنها ؛ إذا لا يتوجه الأمر إليه إلا بعد بلوغه .
وبهذه المناسبة أحب أن أقول : إنه في المواسم التي يكثر فيها الزحام ، ويشق فيها الإحرام بالصغار ، ومراعاة إتمام مناسكهم ، فالأولى ألا يحرموا لا بحج ولا بعمرة ، أعني هؤلاء الصغار ؛ لأنه يكون فيه مشقة عليهم وعلى أولياء أمورهم ، وربما شغلوهم عن إتمام نسكهم ، أي : ربما شغل الأولاد آباءهم أو أمهاتهم عن إتمام نسكهم ، فبقوا في حرج ، وما دام الحج لا يجب عليهم ، فإنهم في سعة من أمرهم .
الرابع : الحرية ؛ فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج ؛ لأنه مملوك مشغول بسيده ، فهو معذور بترك الحج ، لا يستطيع السبيل إليه .
الخامس : القدرة على الحج بالمال والبدن ؛ فإن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه ، فإنه ينيب من يحج عنه ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج ، شيخا كبير لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال (( نعم )) (208)، وذلك في حجة الوداع ففي قولها : أدركته فريضة الله على عباده في الحج ، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم إياها على ذلك ، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه ، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه ، أما إن كان قادراً ببدنه دون ماله ، ولا يستطيع الوصول إلى مكة ببدنه ، فإن الحج لا يجب عليه .
ومن القدرة : أن تجد المرأة محرما لها ، فإن لم تجد محرما ، فإن الحج لا يجب عليها ، لكن اختلف العلماء : هل يجب عليها في هذه الحال أن تقيم من يحج عنها أو يعتمر ، أو لا يجب ؟ على قولين لأهل العلم ؛ بناء على أن وجود المحرم هل هو شرط لوجوب الأداء ، أو هو شرط للوجوب من أصله ، والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله : أن المحرم شرط للوجوب ، وأن المرأة التي لا تجد محرما ليس عليها حج ولا يلزمها أن تقيم من يحج عنها .
فهذه شروط خمسة لوجوب الحج ، أعيدها فأقول : هي الإسلام ، والعقل ، والبلوغ ، والحرية ، والاستطاعة ، وهذه الشروط تشمل الحج والعمرة أيضا .



شروط الإجزاء في أداء الحج والعمرة

السؤال (211 ) : فضيلة الشيخ ، ما دمنا عرفنا شروط الوجوب للحج والعمرة ، فما هي شروط الإجزاء ؟
الجواب : شروط الإجزاء : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والحرية عند بعض أهل العلم . والصواب : أن الحرية ليست شرطا للإجزاء ، وأن الرقيق لو حج فإن حجه يجزئه إذا كان سيده قد أذن له ؛ لأن سقوط الوجوب عن العبد ليس لمعنى فيه ، ولكن لوجود مانع ، وهو انشغاله بخدمة سيده فإذا أذن له سيده بذلك ، صار الحج واجبا عليه ومجزئا منه .



آداب السفر للحج

السؤال (212 ) : فضيلة الشيخ ، حبذا لو أشرتم ولو بإشارات سريعة إلى أبرز آداب السفر إلى الحج ؟
الجواب : آداب الحج تنقسم إلى قسمين : آداب واجبة ، وآداب مستحبة :
فأما الآداب الواجبة : فهي أن يقوم الإنسان بواجبات الحج وأركانه ، وأن يتجنب محظورات الإحرام الخاصة ، والمحظورات العامة ، الممنوعة في الإحرام وفي غير الإحرام ؛ لقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )( البقرة : 197 ) .
وأما الآداب المستحبة في سفر الحج : فأن يقوم الإنسان بكل ما ينبغي له أن يقوم به ؛ من الكرم بالنفس والمال والجاه ، وخدمة إخوانه وتحمل أذاهم ، والكف عن مساوئهم ، والإحسان إليهم ، سواء كان ذلك بعد تلبسه بالإحرام ، أو قبل تلبسه بالإحرام ؛ لأن هذه آداب عالية فاضلة تطب من كل مؤمن في كل زمان ومكان وكذلك الآداب المستحبة في نفس فعل العبادة كأن يأتي الإنسان بالحج على الوجه الأكمل ، فيحرص على تكميله بفعل مستحباته القولية والفعلية ، التي ربما يتسنى لنا الكلام عليها إن شاء الله تعالى في أسئلة أخرى .



كيف يستعد المسلم للحج والعمرة

السؤال ( 213 ) : فضيلة الشيخ ، ماذا ينبغي أن يستعد به المسلم لحجه سواء كان قبل السفر أو في أثناء السفر ؟
الجواب : الذي ينبغي أن يستعد به المسلم في حجه وعمرته ، أن يتزود بكل ما يمكن أن يحتاج إليه في سفره ، من المال ، والثياب ، والعتاد ، وغير ذلك ؛ لأنه ربما يحتاج إليه في نفسه أو يحتاجه أحد من رفقائه ، وأن يتزود كذلك بالتقوى وهي اتخاذ الوقاية من عذاب الله ؛ بفعل أوامر الله تعالى ، واجتناب نواهيه ؛ لقول الله تعالى : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)(البقرة: 197) . وما أكثر ما نجد من الحاجة في الأسفار ، حيث يحتاج الإنسان إلى أشياء يظنها بسيطة ، أو يظنها هينة ، فلا يستصحبها معه في سفره ، فإذا به يحتاج إليها ، أو يحتاج إليها أحد من رفقائه ، فليكن الإنسان حازماً شهماً مستعداً لما يتوقع أن يكون وإن كان بعيدا .



الاستعداد بالتقوى

السؤال( 214 ) : فضيلة الشيخ ، لكن أليس هناك استعداد معنوي غير الاستعداد المادي ؟
الجواب : الاستعداد المعنوي هو ما أشرت إليه من التقوى ؛ فإن التقوى استعداد معنوي ، يستعد بها الإنسان في قرارة نفسه للقاء الله تعالى ولليوم الآخر ، فيحرص على أن يقوم بما أوجب الله عليه ، ويدع ما حرم الله عليه .



بيان مواقيت الحج الزمانية

السؤال( 215 ) : فضيلة الشيخ ، بالنسبة للمواقيت ، ما هي مواقيت الحج الزمانية ؟
الجواب : مواقيت الحج الزمانية تبتدئ بدخول شهر شوال ، وتنتهي إما بعشر ذي الحجة ، أي : بيوم العيد ، أو بآخر يوم من شهر ذي الحجة ، وهو القول الراجح ؛ لقول الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)(البقرة: 197) ، وأشهر جمع ، والأصل في الجمع أن يراد به حقيقته ، ومعنى هذا الزمن : أن الحج يقع في خلال هذه الأشهر الثلاثة ، وليس يفعل في أي يوم منها ؛ فإن الحج له أيام معلومة ، إلا أن نسك الطواف والسعي إذا قلنا بأن شهر ذي الحجة كله وقت للحج ، فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة ، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك ، اللهم إلا لعذر ، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة ، وبقي النفاس عليها حتى خرج ذو الحجة ، فهي إذا معذورة في تأخير طواف الإفاضة . هذه هي المواقيت الزمنية للحج .
أما العمرة : فليس لها ميقات زمني ، تفعل في أي يوم من أيام السنة ، لكنها في رمضان تعدل حجة ، وفي أشهر الحج اعتمر النبي عليه الصلاة والسلام ، كل عمره في أشهر الحج ، فعمرة الحديبية : كانت في ذي القعدة ، وعمرة القضاء كانت في ذي القعدة ، وعمرة الجعرانة : كانت في ذي القعدة ، وعمرة الحج : كانت أيضا مع الحج في ذي القعدة ، وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج لها مزية وفضل ؛ لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر لها .



حكم الإحرام بالحج قبل دخول مواقيته الزمانية

السؤال( 216 ) : فضيلة الشيخ ، لكن ما حكم الإحرام بالحج قبل دخول هذه المواقيت الزمانية ؟
الجواب : اختلف العلماء رحمهم الله في الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج :
فمن العلماء من قال : إن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد ويبقى محرما بالحج ؛ إلا أنه يكره أن يحرم بالحج قبل دخول أشهره .
ومن العلماء من قال : إن من يحرم بالحج قبل أشهره ، فإنه لا ينعقد ، ويكون عمرة ، أي يتحول إلى عمرة ؛ لأن العمرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( دخلت في الحج ))(209) ، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم : الحج الأصغر ؛ كما في حديث عمرو بن حزم المرسل المشهور(210) ، الذي تلقاه الناس بالقبول .



بيان مواقيت الحج المكانية

السؤال (217 ) : فضيلة الشيخ ، عرفنا مواقيت الحج الزمانية ، فما هي مواقيت الحج المكانية ؟
الجواب : المواقيت المكانية خمسة : وهي ذو الحليفة ، والجحفة ، ويلملم ، وقرن المنازل ، وذات عرق .
أما ذو الحليفة : فهي المكان المسمى الآن بأبيار علي ، وهي قريبة من المدينة ، وتبعد عن مكة بنحو عشر مراحل ، وهي ابعد المواقيت عن مكة ، وهي لأهل المدينة ، ولمن مر به من غير أهل المدينة .
وأما الجحفة : فهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة ، وبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل ، وقد خربت القرية ، وصار الناس يحرمون بدلا منها من رابغ .
وأما يلملم : فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة ، ويسمى اليوم : السعدية ، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين .
وأما قرن المنازل : فهو جبل في طريق أهل نجد إلى مكة ، يسمى الآن : السيل الكبير ، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين .
وأما ذات عرق : فهي مكان في طريق أهل العراق إلى مكة ، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين أيضا .
فأما الأربعة الأولى : وهي ذو الحليفة ، والجحفة ، ويلملم ، وقرن المنازل ، فقد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما ذات عرق ، فقد وقَّتها النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها ، وصح عن عمر رضي الله عنه أنه وقتها لأهل الكوفة والبصرة حين جاءوا إليه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً ، وإنها جور عن طريقنا ، فقال عمر رضي الله عنه : انظروا إلى حذوها من طريقكم (211).
فعلى كل حال : فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر ظاهر ، وإن لم يثبت ، فإن هذا ثبت بسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا باتباعهم ، والذي جرت موافقاته لحكم الله عز وجل في عدة مواضع ، ومنها هذا إذا صحَّ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه وقتها ، وهو أيضا مقتضى القياس ؛ فإن الإنسان إذا مر بميقات لزمه الإحرام منه ، فإذا حاذاه صار كالمار به .
وفي أثر عمر رضي الله عنه فائدة عظيمة في وقتنا هذا ، وهو أن الإنسان إذا كان قادما إلى مكة بالطائرة يريد الحج أو العمرة ، فإنه يلزمه إذا حاذى الميقات من فوقه أن يحرم منه عند محاذاته ، ولا يحل له تأخير الإحرام إلى أن يصل جدة كما يفعله كثير من الناس ؛ فإن المحاذاة لا فرق بين أن تكون في البر ، أو في الجو ، أو في البحر ؛ ولهذا يحرم أهل البواخر التي تمر من طريق البحر فتحاذي يلملم ، أو رابغا ، إذا حاذوا هذين الميقاتين .



حكم الإحرام بالحج قبل المواقيت المكانية

السؤال (218 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم الإحرام بالحج قبل هذه المواقيت المكانية ؟
الجواب : حكم الإحرام قبل هذه المواقيت المكانية : أنه مكروه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها ، وكون الإنسان يحرم قبل أن يصل إليها فيه شيء من تقدم حدود الله سبحانه وتعالى ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام : ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه ))(212) ، وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من الحدود الزمانية والمكانية ، ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها ، فإن إحرامه ينعقد .
وهنا مسألة أيضا أحب أن أنبه عليها ، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت قال : (( هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ، ممن أراد الحج أو العمرة )(213).
فمن كان من أهل نجد فمر بالمدينة فإنه يحرم من (( ذي الحليفة )) .
ومن كان من أهل الشام ، ومر بالمدينة ، فإنه يحرم من (( ذي الحليفة )) ، ولا يحل له أن ينتظر حتى يصل إلى ميقات أهل الشام الأصلي على القول الراجح ، ومن قولي أهل العلم .



حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام

السؤال (219 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام ؟
الجواب : من تجاوز الميقات بدون إحرام ، فلا يخلو من حالين :
إما ان يكون مريدا للحج أو العمرة ، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك ، الحج أو العمرة ، فإن لم يفعل فقد ترك واجبا من واجبات النسك ، وعليه عند أهل العلم فدية ، دم يذبحه في مكة ، ويوزعه على الفقراء هناك .
وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة ، فإنه لا شيء عليه سواء طالت مدة غيابه عن مكة أم قصرت ؛ وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في منظوره هذا ، لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة ، وأن ما زاد فهو تطوع ، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير إحرام ، أي : أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة ، فليس عليه شيء ، ولا يلزمه الإحرام من الميقات .



الفرق بين الإحرام كواجب والإحرام كركن

السؤال (220 ) : فضيلة الشيخ ، ما الفرق بين الإحرام كواجب ، والإحرام كركن من أركان الحج ؟
الجواب : الإحرام كواجب معناه : أن يقع الإحرام من الميقات ، والإحرام كركن معناه أن ينوي النسك .
فمثلا إذا نوى النسك بعد مجاوزة الميقات ، مع وجوب الإحرام منه ، فهذا ترك واجبا ، وأتي بالركن وهو الإحرام ، وإذا أحرم من الميقات ، فقد أتى بالواجب والركن ؛ لأن الركن هو نية الدخول في النسك ، وأما الواجب فهو أن يكون الإحرام من الميقات ، هذا هو الفرق بينهما .



حكم التلفظ بالنية عند الإحرام

السؤال (221 ) : فضيلة الشيخ ، لكن نية الدخول في النسك هل هي التي يتلفظ بها في التلبية ؟
الجواب : لا ، التلبية أن يقول : لبيك عمرة إذا كان في عمرة ، ولبيك حجا إذا كان في حج ، أما النية : فلا يجوز التلفظ بها ، فلا يقول مثلا : اللهم إني أريد العمرة ، أو أريد الحج ؛ فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم .



كيفية إحرام القادم إلى مكة جواً

السؤال (222 ) : فضيلة الشيخ ، نود أيضا أن تبينوا لنا كيفية إحرام القادم إلى مكة جوا ؟
الجواب : إحرام القادم إلى مكة جوا هو كما أسلفنا من قبل ، يجب عليه إذا حاذى الميقات أن يحرم ، وعلى هذا فيتأهب أولا بالاغتسال في بيته ، ثم يلبس الإحرام قبل أن يصل إلى الميقات ، ومن حين أن يصل إلى الميقات ينوي الدخول في النسك ، ولا يتأخر ؛ لأن الطائرة مرها سريع ، فالدقيقة يمكن أن تقطع بها مسافات كثيرة ، وهذا أمر يغفل عنه بعض الناس ، تجد بعض الناس لا يتأهب ، فإذا أعلن موظف الطائرة بأنهم وصلوا الميقات ، ذهب يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ، وهذا تقصير جدا ، على أن الموظفين في الطائرة فيما يبدو بدأوا ينبهون الناس قبل أن يصلوا إلى الميقات بربع ساعة أو نحوها ، وهذا عمل يشكرون عليه ؛ لأنهم إذا نبهوهم قبل هذه المدة ، جعلوا لهم فرصة في تغير ثيابهم وتأهبهم ، ولكن في هذه الحال ، ينبغي بل يجب على من أراد الإحرام أن ينتبه للساعة فإذا أعلن الموظف موظف الطائرة أنه قد بقى ربع ساعة ، فلينظر إلى ساعته ، حتى إذا مضى هذا الجزء الذي هو ربع الساعة أو قبلة بدقيقتين أو ثلاثة ، لبى بما يريده من النسك .



صفة الحج

السؤال (223 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي أركان الحج ؟
الجواب : نحن نذكر هنا صفة الحج على سبيل الإجمال والاختصار فنقول : إذا أراد الإنسان الحج أو العمرة ، فتوجه إلى مكة في أشهر الحج ، فإن الأفضل أن يحرم بالعمرة أولا ليصير متمتعا ، فيحرم من الميقات بالعمرة ، وعند الإحرام يغتسل كما يغتسل من الجنابة ، ويتطيب في رأسه ولحيته ، ويلبس ثياب الإحرام ، ويحرم عقب صلاة فريضة ، إن كان وقتها حاضرا ، أو نافلة ينوي بها سنة الوضوء ؛ لأنه ليس للإحرام نافلة معينة ؛ إذ لم يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يلبي فيقول : (( لبيك اللهم عمرة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك )) ، ولا يزال يلبي حتى يصل إلى مكة.
فإذا شرع في الطواف ، قطع التلبية ، فيبدأ بالحجر الأسود يستلمه ويقبله إن تيسر ، وإلا أشار إليه ، ويقول : باسم الله والله أكبر ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط ، يبتدئ بالحجر ويختتم به .
وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ؛ بأن يسرع المشي ويقارب الخطا ، وأن يضطبع في جميع الطواف ، بأن يخرج كتفه الأيمن ، ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر ، فإذا أتم الطواف صلى ركعتين خلف المقام وفي طوافه ، وكلما حاذى الحجر الأسود ، كبر ويقول بينه وبين الركن اليماني : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: 201)، ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذكر ودعاء .
وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط ، وعلى هذا فينبغي أن يحذر الإنسان من هذه الكتيبات التي بأيدي كثير من الحجاج ، والتي فيها لكل شوط دعاء مخصوص ؛ فإن هذه بدعة لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كل بدعة ضلالة ))(214) .
ويجب أن ينتبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت الزحام ، فتجده يدخل من باب الحجر ، ويخرج من الباب الثاني ، فلا يطوف بالحجر مع الكعبة ، وهذا خطأ ؛ لأن الحجر أكثره من الكعبة فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني ، لم يكن قد طاف بالبيت ، فلا يصح طوافه .
وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر له ، وإلا ففي أي مكان من المسجد .
ثم يخرج إلى الصفا ، فإذا دنا منه قرأ : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة:158) ، ولا يعيد هذه الآية بعد ذلك ، ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة ، ويرفع يديه ، ويكبر الله ويحمده ، ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم يدعو بعد ذلك ، ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو ، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة .
ثم ينزل متجها إلى المروة ، فيمشي إلى العلم الأخضر ، أي : العمود الأخضر ، ويسعى من العمود الأخضر إلى العمود الثاني سعيا شديدا ، أي : يركض ركضا شديدا ، إن تيسر له ولم يتأذ أو يؤذ أحدا ، ثم يمشي بعد العلم الثاني إلى المروة مشيا عاديا ، فإذا وصل المروة ، صعد عليها ، واستقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال مثل ما قال على الصفا ؛ فهذا شوط .
ثم يرجع إلى الصفا من المروة ، وهذا هو الشوط الثاني ويقول فيه ويفعل كما قال في الشوط الأول وفعل .
فإذا أتم سبعة أشواط من الصفا للمروة شوط ، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر ، إذا أتم سبعة أشواط ، فإنه يقصر شعر رأسه ، ويكون التقصير شاملا لجميع الرأس ، بحيث يبدو التقصير واضحا في الرأس ، والمرأة تقصر من كل طرف رأسها بقدر أنملة .
ثم يحل من إحرامه حلا كاملا ، ويتمتع بما أحل الله له من النساء والطيب واللباس وغير ذلك.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة ، أحرم بالحج ، فاغتسل وتطيب ، ولبس ثياب الإحرام وخرج إلى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، خمس صلوات ، يصلى الرباعية ركعتين ، وكل صلاة في وقتها ، فلا جمع في منى ، وإنما هو القصر فقط .
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة ، سار إلى عرفة ، فنزل بنمرة إن تيسر له ، وإلا استمر إلى عرفة فينزل بها ، فإذا زالت الشمس ، صلى الظهر والعصر قصرا وجمع تقديم ، ثم يشتغل بعد ذلك بذكر الله ودعائه ، وقراءة القرآن ، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى ، وليحرص على أن يكون آخر ذلك اليوم ملحا في دعاء الله عز وجل ؛ فإنه حري بالإجابة .
فإذا غربت الشمس ، انصرف إلى مزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا ، ثم يبقى هناك حتى يصلى الفجر ، ثم يدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جدا ، ثم يدفع بعد ذلك إلى منى ، ويجوز للإنسان الذي يشق عليه مزاحمة الناس ، أن ينصرف من مزدلفة قبل الفجر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لمثله .
فإذا وصل إلى منى ، بادر فرمى جمرة العقبة الأولى قبل كل شيء بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، ثم ينحر هديه ، ثم يحلق رأسه ، وهو أفضل من التقصير ، وإن قصره فلا حرج ، والمرأة تقصر من أطرافه بقدر أنملة ؛ وحينئذ يحل التحلل الأول ، فيباح له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء .
فينزل بعد أن يتطيب ويلبس ثيابه المعتادة ينزل إلى مكة ، فيطوف طواف الإفاضة سبعة أشواط بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، وهذا الطواف والسعي للحج ، كما أن الطواف والسعي الذي حصل منه أول ما قدم للعمرة وبهذا يحل من كل شيء حتى من النساء .
ولنقف هنا ننظر ماذا فعل الحاج يوم العيد ؟ فالحاج يوم العيد : رمى جمرة العقبة ، ثم نحر هديه ، ثم حلق أو قصر ، ثم طاف ، ثم سعى ، فهذه خمسة أنساك يفعلها على هذا الترتيب ، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير ، فما سئل عن شيء قدم أو أخر يومئذ إلا قال : (( افعل ولا حرج ))(215) ،فإذا نزل من مزدلفة إلى مكة، وطاف وسعى، ثم خرج ورمى فلا حرج، ولو رمى ثم حلق قبل أن ينحر فلا حرج، ولو رمى ثم نزل إلى مكة وطاف وسعى فلا حرج، ولو رمى ونحر وحلق ثم نزل إلى مكة وسعى قبل أن يطوف فلا حرج، المهم أن تقديم هذه الانساك الخمسة على بعض لا بأس به، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء ، قدم ولا أخر يومئذ إلا قال: (( افعل ولا حرج)). وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده .
ويبقى من أفعال الحج بعد ذلك : المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر ، وليلة الثالث عشر لمن تأخر ؛ لقول الله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى )(البقرة: 203 ) ، فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر ، ويجزئ أن يبيت هاتين الليلتين معظم الليل .
فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر ، رمى الجمرات الثلاث ؛ يبدأ بالصغرى وهي الأولى التي تعتبر شرقية بالنسبة للجمرات الثلاث ، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ، ويكبر مع كل حصاة ، ثم يتقدم عن الزحام قليلا ، فيقف مستقبل القبلة ، رافعا يديه ، يدعو الله تعالى دعاء طويلا ، ثم يتجه إلى الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ، يكبر مع كل حصاة ، ثم يتقدم قليلا عن الزحام ، ويقف مستقبل القبلة ، رافعا يديه ، يدعو الله تعالى دعاء طويلا ، ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ، يكبر مع كل حصاة ، ولا يقف عندها ؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي ليلة الثاني عشر ، يرمي الجمرات الثلاث كذلك ، وفي اليوم الثالث عشر ـ إن تأخر ـ يرمي الجمرات الثلاث كذلك .
ولا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر ، والثالث عشر قبل الزوال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال ، وقال : (( خذوا عني مناسككم ))(216) ، وكان الصحابة يتحينون الزوال ، فإذا زالت الشمس رموا ، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، إما بفعله ، أو قوله أو إقراره ، ولما اختار النبي صلى الله عليه وسلم وسط النهار للرمي ، وهو شدة الحر ، دون الرمي في أوله الذي هو أهون على الناس ، علم أن الرمي أول النهار لا يجوز ؛ لأنه لو كان من شرع الله عز وجل ، لكان هو الذي يشرع لعباد الله ؛ لأنه الأيسر ، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما هو الأيسر . ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام ، أو المضي إلى الجمرات في وسط النهار ، أن يؤخر الرمي إلى الليل فإن الليل وقت للرمي، إذ لا دليل على أن الرمي لا يصح ليلاً ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم وقت أول الرمي ولم يوقت آخره ، والأصل فيما جاء مطلقا ، أن يبقى على إطلاقه ، حتى يقوم دليل على تقييده بسبب أو وقت .
ثم ليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات ؛ فإن من الناس من يتهاون فيها ، حتى يوكل من يرمي عنه وهو قادر على الرمي بنفسه ، وهذا لا يجوز ولا يجزئ ؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(البقرة: 196) ، والرمي من أفعال الحج ، فلا يجوز الإخلال به ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لضعفة أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم ، بل أذن لهم بالذهاب من مزدلفة في آخر الليل ، ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة الذين يغادرون منى في إبلهم لم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم ، بل أذن لهم أن يرموا يوما ويدعوا يوما ليرموه في اليوم الثالث ، وكل هذا يدل على أهمية رمي الحاج بنفسه ، وأنه لا يجوز له أن يوكل أحدا ، ولكن عند الضرورة لا بأس بالتوكيل ، كما لو كان الحاج مريضا أو كبير لا يمكنه الوصول إلى الجمرات ، أو امرأة حاملا تخشى على نفسها أو ولدها ، ففي هذه الحال يجوز التوكيل .
ولولا أنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن الصبيان ، لقلنا : إن العاجز يسقط عنه الرمي ؛ لأنه واجب عجز عنه ، فيسقط عنه لعجزه عنه، ولكن لما ورد جنس التوكيل في الرمي عن الصبيان ، فإنه لا مانع من أن يلحق به من يشابههم في تعذر الرمي من قبل نفسه .
المهم : أنه يجب علينا أن نعظم شعائر الله ، وألا نتهاون بها ، وأن نفعل ما يمكننا فعله بأنفسنا ؛ لأنه عبادة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ))(217) .
وإذا أتم الحج ، فإنه يخرج من مكة إلى بلده ، حتى يطوف للوداع ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان الناس ينفرون من كل وجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ))(218)، إلا إذا كانت المرأة حائضا أو نفساء ، وقد طافت طواف الإفاضة ، فإن طواف الوداع يسقط عنها ؛ لحديث ابن عباس : (( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض ))(219) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له : أن صفية قد طافت طواف الإفاضة ، قال : (( فلتنفر إذن ))(220) ، وكانت حائضا .
ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء ، وبه نعرف أن ما يفعله بعض الناس ، حيث ينزلون إلى مكة ، فيطوفون طواف الوداع ، ثم يرجعون إلى منى ، فيرمون الجمرات ، ويسافرون من هناك ، فهذا خطأ ، ولا يجزئهم طواف الوداع ؛ لأن هؤلاء لم يجعلوا آخر عهدهم بالبيت ، وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات .



أركان العمرة

السؤال( 224 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي أركان العمرة ، حيث إنها في التمتع تسبق الحج ؟
الجواب : يقول العلماء : أن أركان العمرة ثلاثة : الإحرام ، والطواف ، والسعي ، وإن واجباتها اثنان : أن يكون الإحرام من الميقات ، والحلق أو التقصير . وما عدا ذلك فهو سنن .



أركان الحج

السؤال( 225 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي أركان الحج ؟
الجواب : أركان الحج ، يقول العلماء إنها أربعة : الإحرام والوقوف بعرفة ، والطواف ، والسعي .



حكم الإخلال بشيء من أركان الحج أو العمرة

السؤال( 226 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم الإخلال بشيء من هذه الأركان ؟
الجواب : الإخلال بشيء من هذه الأركان لا يتم النسك إلا به ، فمن لم يطف بالعمرة مثلا ، فإنه يبقى على إحرامه حتى يطوف ، ومن لم يسع ، يبقى على إحرامه حتى يسعى ، وكذلك نقول في الحج : من لم يأت بأركانه ، فإنه لا يصح حجه ، فمن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر ، فقد فاته الحج فلا يصح حجه ، لكنه يتحلل بعمرة ، فيطوف ، ويسعى ، ويقصر أو يحلق ، وينصرف إلى أهله فإذا كان العام القادم أتى بالحج .
وأما الطواف والسعي إذا فاته في الحج ، فإنه يقضيه ؛ لأنه لا آخر لوقته ، لكن لا يؤخره عن شهر ذي الحجة إلا من عذر .



واجبات الحج

السؤال (227 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي واجبات الحج ؟
الجواب : واجبات الحج : هي أن يكون الإحرام من الميقات ، وأن يقف بعرفة إلى الغروب ، وأن يبيت بمزدلفة ، وأن يبيت بمنى ليلتين بعد العيد ، وأن يرمي الجمرات ، وأن يطوف للوداع .



حكم الإخلال بشيء من واجبات الحج أو العمرة

السؤال (228 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم الإخلال بشيء من واجبات الحج أو العمرة ؟
الجواب : الإخلال بشيء منها إن كان الإنسان متعمدا ، فعليه الإثم والفدية كما قال أهل العلم ؛ شاة يذبحها ويفرقها في مكة ، وإن كان غير متعمد ، فلا إثم عليه ، لكن عليه الفدية ، يذبحها في مكة ، ويوزعها على الفقراء ؛ لأنه ترك واجبا له بدل ، فلما تعذر الأصل ، تعين البدل ، وهذا هو قول أهل العلم فيمن ترك واجبا ، أن عليه فدية ، يذبحها في مكة ، ويوزعها على الفقراء .



صفة القرآن

السؤال (229 ) فضيلة الشيخ ، تحدثتم عن صفة التمتع في حديثكم عن صفة الحج ، حبذا أيضا لو تحدثتم عن صفة القران ؟
الجواب : التمتع كما ذكرنا : أن يأتي بالعمرة مستقلة ، ويحل منها ، ثم يحرم بالحج في عامه . والقران له صورتان :
الصورة الأولى : أن يحرم بالعمرة والحج جميعا من الميقات ، فيقول : لبيك عمرة وحجا .
والصورة الثانية : أن يحرم بالعمرة أولا ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها .
وهناك صورة ثالثة : موضع خلاف بين العلماء ، وهي أن يحرم بالحج وحده ، ثم يدخل العمرة عليه ، قبل أن يفعل شيئا من أفعال الحج ، كالطواف والسعي مثلا .
والقارن يبقى على إحرامه ، فإذا قدم مكة يطوف للقدوم ، ويسعى للحج والعمرة ، ويبقى على إحرامه إلى أن يتحلل منه يوم العيد ، ويلزمه هدي كهدي المتمتع .
وأما المفرد : فيحرم بالحج مفردا من الميقات ، ويبقى على ذلك ، فإذا قدم مكة طاف للقدوم ، وسعى للحج ، ولم يحل إلا يوم العيد .
فيكون القارن والفرد سواء في الأفعال ، ولكنهما يختلفان في أن القارن يحصل له عمرة وحج ، ، ويلزمه هدي ، وأما المفرد فلا يحصل له إلا الحج ، ولا يلزمه هدي .



حكم الاعتمار بعد الحج

السؤال (230 ) فضيلة الشيخ ، عرفنا صفة الحج ، وعرفنا التمتع والقران والإفراد ، وقلتم في الإفراد : إن المسلم يأتي بالحج وحده ولا يأتي بعمرة معه ، لكننا نرى كثيرا من الناس إذا انتهى من الإفراد اعتمر ، فما حكم هذا العمل ؟
الجواب : هذا العمل لا أصل له في السنة ، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير يأتون بهذه العمرة بعد الحج ، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، وأصحابه الذين هم خير القرون ، وإنما جاء ذلك في قضية معينة قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، حيث كانت محرمة بعمرة ، ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج ؛ ليكون نسكها قرانا ، وقال لها : (( طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك ))(221) ، فلما انتهى الحج ، ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة ، بدلا من عمرتها التي حولتها إلى قران ، فأذن لها ، وأمر أخاها عبد الرحمن بن عوف أن يخرج بها من الحرم إلى الحل ، فخرج بها إلى التنعيم ، وأتت بعمرة ، فإذا وجدت صورة كالصورة التي حصلت لعائشة ، وأرادت المرأة أن تأتى بعمرة ، فحينئذ نقول : لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة ، كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله صلى الله عليه وسلم عنها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم .
ويدلك على أن هذا أمر ليس مشروع ، أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة لا تفقها من عنده ، ولا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان هذا من الأمور المشروعة ، لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة ؛ لأن ذلك أمر سهل عليه حيث إنه قد خرج مع أخته .
والمهم : أن ما يفعله بعض الحجاج كما أشرت إليه ليس له أصل من السنة .
نعم : لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا ، وهو قد أتى بحج مفرد ، فإنه في هذه الحال في ضرورة إلى أن يأتي بعد الحج بالعمرة ، ليؤدي واجب العمرة ؛ فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم ؛ وحينئذ يخرج إلى التنعيم ، أو إلى غيره من الحل ، فيحرم منه ، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر .
السؤال (231 ) : فضيلة الشيخ ، لكن ما الأولى بالنسبة لهذا الحاج الذي يعرف أن الإتيان إلى مكة يصعب عليه ؟
الجواب : كما قلت لك يأتي بالعمرة بعد الحج ؛ لأن هذا ضرورة .
السؤال (232 ) : لكن أليس الأولى أن يأتي مثلا متمتعا أو قارنا ليسلم من المحظور ؟
الجواب : نعم هذا هو الأولى ، لكن نحن فرضنا أنه أتى مفردا فيه .



حكم الانتقال من نسك لآخر

السؤال (233 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم الانتقال من نسك إلى نسك آخر ؟
الجواب : الانتقال من نسك إلى نسك آخر تقدم في صفة القران ، أنه من الممكن أن يحرم الإنسان أولا بعمرة ، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها ، فيكون انتقل من العمرة إلى الجمع بينها وبين الحج ، وكذلك يمكن أن ينتقل من الحج المفرد أو من القران ، إلى عمرة ليصير متمتعا ، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، من لم يكن منهم ساق الهدي ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قارنا ، وكان قد ساق الهدي ، وساقه معه أغنياء الصحابة رضي الله عنهم ، فلما طاف وسعى ، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة ، فانتقلوا من الحج المفرد أو المقرون بالعمرة إلى أن يجعلوا ذلك عمرة ، ولكن هذا مشروط بما إذا تحول من حج أو قران إلى عمرة ليصير متمتعا ، أما من تحول من قران أو إفراد إلى عمرة ، ليتخلص من الإحرام ويرجع إلى أهله ، فإن ذلك لا يجوز .



حكم التحول من التمتع إلى الإفراد

السؤال (234 ) : فضيلة الشيخ ، هل يجوز أن يتحول من التمتع إلى الإفراد ؟
الجواب : من التمتع إلى الإفراد لا يجوز ولا يمكن ، وإنما يجوز أن يتحول من الإفراد إلى التمتع ، بمعنى أن يكون محرما بالحج مفردا ، ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة ؛ ليصير متمتعا ، وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة ، ليصير متمتعا ، إلا من ساق الهدي في الصورتين : فإنه لا يجوز له ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة ، أن يجعلوه عمرة ، ليصيروا متمتعين ، إلا من ساق الهدي .



أحكام وضوابط النيابة في الحج

السؤال (235 ) : فضيلة الشيخ ، لو تحدثنا أيضا عن النيابة الكلية في الحج من حيث الأحكام والضوابط ؟
الجواب : النيابة في الحج إن كان الإنسان قادرا ، فإنها غير مشروعة ، أما في الفريضة ، فإنه لا يجوز أن يستنيب الإنسان أحدا عنه ، يؤدي الحج أو العمرة فريضة ؛ لأن الفريضة تطلب من الإنسان نفسه أن يؤديها بنفسه .
فإن كان عاجزا عن أداء الفريضة :
فإما أن يكون عجزه طارئا يرجى زواله ، فهذا ينتظر حتى يزول عجزه ، ثم يؤدي الفريضة بنفسه ؛ مثل أن يكون في أشهر الحج مريضا مرضا طارئا يرجى زواله ، وهو لم يؤد الفريضة ، فإننا نقول له : انتظر حتى يعافيك الله وحج ، إن أمكنك في هذه السنة فذاك ، وإلا ففي السنوات القادمة .
أما إذا كان عجزه عن الحج عجزا لا يرجى زواله ؛ كالكبير والمريض مرضا لا يرجى زواله ، فإنه يقيم من يحج ويعتمر عنه ، ودليل ذلك : حديث ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم : فقالت : إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج ، شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : (( نعم )) (222).
فهذا حكم النيابة في الفرض ، أنه إن كان المستنيب قادرا ، فإن ذلك لا يصح ، وإن كان عاجز عجزا لا يرجى زواله ، فإن ذلك يصح ، وإن كان الإنسان عاجزا عجزا طارئا يرجى زواله ، فإنه لا يصح أن يستنيب أحدا ، ولينظر حتى يعافيه الله ، ويؤدي ذلك بنفسه .
أما في النافلة : فإن كان عاجز عجزا لا يرجى زواله ، فقد يقول قائل : إنه يصح أن يستنيب من يحج عنه النافلة ، قياسا على استنابة من عليه الفريضة ، وقد يقول قائل : أنه لا يصح القياس هنا ؛ لأن الاستنابة في الفريضة استنابة في أمر واجب لابد منه بخلاف النافلة ؛ فإن النافلة لا تلزم الإنسان ، فيقال : إن قدر عليها ، فعلها بنفسه ، وإن لم يقدر عليها ، فلا يستنيب أحدا فيها .
أما إذا كان قادراً على أن يؤدي الحج بنفسه ، فإنه لا يصح أن يستنيب غيره في الحج عنه ، على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، وهي عندي أقرب ؛ لأن الحج عبادة يتعبد بها الإنسان لربه ، فلا يليق أن يقول لأحد : اذهب فتعبد لله عني ، بل نقول : أدها أنت بنفسك ؛ لأنه ليس لديك مانع حتى تستنيب من يؤدي هذه النافلة عنك ، هذه الاستنابة في الحج على وجه الكمال ، يعني بمعنى : أنه يصير في كل حج .



شروط النائب في الحج

السؤال (236 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي شروط النائب في الحج ؟
الجواب : النائب يشترط أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه إن كان قد لزمه الحج ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال : (( من شبرمة ؟ ))(223) يقوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الرجل : أخ لي ، أو قريب لي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( حججت عن نفسك ؟ )) قال لا ، قال : (( حج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة )) 1 ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( ابدأ بنفسك )) ، ولأنه ليس من النظر الصحيح أن يؤدي الإنسان الحج عن غيره مع وجوبه عليه ، قال أهل العلم : ولو حج عن غيره مع وجوب الحج عليه ، فإن الحج يقع عن نفسه ، أي : عن نفس النائب ، ويرد للمستنيب ما أخذه منه من الدراهم والنفقة .
أما بقية الشروط فمعروفة ، وقد تكلمنا عليها من قبل ؛ مثل : الإسلام ، والعقل ، والتمييز ، وهي شروط واجبة في كل عبادة .



يأخذ نقوداً ليحج بها وليس في نيته إلا جمع الدراهم

السؤال (237 ) فضيلة الشيخ ، ما حكم من أخذ نقودا ليحج عن غيره ، وليس في نيته إلا جمع الدراهم ؟
الجواب : يقول العلماء : إن الإنسان إذا حج للدنيا لأخذ الدراهم ، فإن هذا حرام عليه ، ولا يحل له أن ينوى بعمل الآخرة شيئا من الدنيا ؛ لقوله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (15) (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:15 ، 16 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : من حج ليأخذ ، فليس له في الآخرة من خلاق ، وأما إذا أخذ ليحج ، أو ليستعين به على الحج ، فإن ذلك لا بأس به ، ولا حرج عليه ، وهنا يجب على الإنسان أن يحذر من أن يأخذ الدراهم للغرض الأول ، فإنه يخشى ألا يقبل منه وألا يجزئ الحج عمن أخذه عنه ، وحينئذ يلزمه أن يعيد النفقة والدراهم إلى صاحبها ، إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن المستنيب ، ولكن يأخذ الإنسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن غيره ، ليستعين بها على الحج ، ويجعل نيته في ذلك أن يقضي غرض صاحبه ، وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في المشاعر ، وعند بيت الله .



هل يقع للنائب ثواب في بعض الأعمال إذا حج عن غيره؟

السؤال (238 ) : فضيلة الشيخ ، إذا أمن هذا ، هل يمكن أن يقع ثواب بعض الأعمال للنائب ؟
الجواب : نعم ؛ لأن النائب لا يلزمه إلا أن يقوم بالأركان ، والواجبات ، وكذلك المستحبات بالنسبة للنسك ، وأما ما يحصل من ذكر ، ودعاء ، فما كان متعلقا بالنسك ، فإنه لصاحب النسك (( للمستنيب )) وما كان خارجا عن ذلك ، فإنه لصاحبه (( النائب )) .



معنى النيابة الجزئية في الحج

السؤال (239 ) : فضيلة الشيخ ، حبذا لو حدثتمونا فضيلتكم عن النيابة الجزئية في الحج ؟
الجواب : النيابة الجزئية في الحج معناها : أن يوكل الإنسان عنه من يقوم ببعض أفعال الحج ، مثل أن يوكل من يطوف عنه ، أو يسعى عنه ، أو يقف عنه ، أو يبيت عنه ، أو يرمي عنه ، أو ما أشبه ذلك من جزئيات الحج ، والراجح : أنه لا يجوز للإنسان أن يستنيب من يقوم عنه بشيء من أجزاء الحج أو العمرة ، سواء كان ذلك فرضا أو نفلا ؛ وذلك لأن من خصائص الحج والعمرة ، أن الإنسان إذا أحرم بهما صار فرضا ولو كان ذلك نفلا ، أي : لو كان الحج أو العمرة نفلا ؛ لقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ)(البقرة: 197) .
وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج ، أي قبل قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(آل عمران: 97) ، وهذا يدل على أن تلبس الإنسان بالحج أو العمرة يجعله فرضا عليه .
وكذلك يدل على أنه فرض إذا شرع فيه ؛ قوله تعالى : ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29) ، وهذا يدل على أن الشروع في الحج يجعله كالمنذور ، وبناء على ذلك : فإنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً في شيء من جزئيات الحج ولا أعلم في السنة أن الاستنابة في شيء من أجزاء الحج قد وقعت إلا فيما يروى من كون الصحابة رضي الله عنهم يرمون عن الصبيان ، ويدل لهذا أن أم سلمة رضي الله عنها لما أرادت الخروج قالت : يا رسول الله ، إني أريد الخروج وأجدني شاكية ، فقال : (( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ))(224)، وهذا يدل على أنه لا يجوز التوكيل في جزئيات الحج .



قياس التوكيل في الرمي على غيره من مناسك الحج

السؤال (240 ) : فضيلة الشيخ ، ذكرتم أن التوكيل في الجزئية يكون مثلا في الطواف أو الرمي أو الوقوف أو ما أشبه ذلك ، فهل إذا جاز التوكيل في الرمي مثلا يقاس عليه بقية أجزاء الحج ؟
الجواب : لا ، نحن قلنا هذا تمثيل على التوكيل في الجزئية ، وليس حكما بأن ذلك مباح ؛ ولهذا قلنا : لا نعلم في السنة أنه ورد التوكيل في شيء من الجزئيات ، أو أن أحدا يقوم عن أحد إلا في الرمي ، وقلنا :إن الإنسان إذا تلبس في الحج أو العمرة ، صار فرضا عليه يلزمه هو بنفسه ؛ وعلى هذا فلا يجوز التوكيل في أي شيء من أجزاء الحج أو العمرة فرضا كانت أم نفلا ، إلا في الرمي ؛ لوروده في حق الصغار ، وكذلك من لم يستطيع الرمي بنفسه من الكبار .
السؤال (241 ) : فضيلة الشيخ ،لكن إذا جاز التوكيل في الرمي ، هل هناك شروط للنائب والمنيب ؟
الجواب : نعم ، أما المنيب فيشترط ألا يستطيع الرمي بنفسه لا ليلا ولا نهارا ، وأما النائب ، فقال الفقهاء رحمهم الله : أنه لابد أن يكون ممن حج تلك السنة ، وأن يكون قد رمى عن نفسه.



عجز عن إكمال النسك ، فماذا يصنع ؟

السؤال (242) : فضيلة الشيخ ، إذا عجز الحاج عن إكمال النسك فماذا يصنع ؟
الجواب : إذا عجز الحاج عن إتمام النسك ، فلا يخلو من حالين :
إما أن يكون عجزه بصد عدو صده عن البيت ؛ كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم حين صده المشركون عام الحديبية ، ففي هذه الحال : يحلق بعد أن ينحر هديه ويحل من إحرامه ؛ لقول الله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )(البقرة: 196) ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عام الحديبية أن يحلقوا ، ولما تأخروا رجاء أن ينسخ الحكم ، أو لسبب آخر غلب عليه الصلاة والسلام في ذلك ، حتى أشارت عليه إحدى أمهات المؤمنين أن يخرج إليهم فيحلق رأسه ، ففعل ، وحينئذ تتابع الناس على حلق رؤوسهم ، والإحلال من إحرامهم ، وفي هذه الحال ، لا يلزمه أن يقضي ما أحصر عنه ، إلا إذا كان لم يؤد الفريضة ، فإنه يلزمه أداء الفريضة بالأمر الأول ، لا قضاء عما أحصر فيه ، هذا إذا كان الحصر بعدو .
أما إذا كان الحصر بغير عدو ، كما لو أحصر بذهاب نفقة أو بمرض أشتد به ، فإنه في هذه الحال يحل من إحرامه ، بعد أن ينحر هديا ويحلق ، إما قياسا على حصر العدو ، وإما إدخالا له في العموم ، وهو قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )(البقرة: من 196 ) ، فإن هذا الإحصار شامل ، وكون الإحصار بالعدو هو الذي وقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ، لا يمنع أن تتناول الآية غيره .
على كل حال : إذا حصر بغير عدو ، من مرض ، أو ذهاب نفقة ، أو ما أشبه ذلك ، فالقول الراجح : أنه يحل بهذا الإحصار ، بعد أن ينحر هديه ويحلق رأسه ، ويلزمه القضاء ، أي : قضاء ما أحصر فيه إلا إذا كان واجبا بأصل الشرع ، مثل أن يكون لم يؤد الفريضة من قبل ، فيلزمه فعل الفريضة بالخطاب الأول ، أي : بالأمر الأول ، لا من حيث إنه قضاء .
هذا إذا لم يكن اشترط في ابتداء إحرامه، أنه (( إن حبسني حابس ، فمحلي حيث حبستني))، فإن كان قد اشترط في بداية إحرامه أنه (( إن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني))، فإنه يحل من إحرامه مجاناً ولا شيء عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير، وقد أرادت الحج وهي شاكية: (( حجي واشترطي ، وقولي: اللهم ، محلي حيث حبستني))(225).



حكم من توفي أثناء إحرامه بالنسك

السؤال (243): فضيلة الشيخ، هذا ما يتعلق بالحاج إذا عجز عن النسك، لكن لو توفي الحاج أثناء تلبسه بالنسك ما الحكم؟
الجواب: إذا توفي الحاج أثناء تلبسه بالنسك، فإن من أهل العلم من يقول: إذا كان حجه فريضة، فإنه يقضى عنه ما بقي، ومنهم من يقول: إنه لا يقضى عنه ما بقي، وهذا القول هو القول الراجح؛ ودليله حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً))(226) ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي أحد عنه ما بقي من نسكه، ولأننا لو قضينا ما بقي من نسكه، لكان هذا النائب الذي قام مقامه يحل من إحرامه، وحينئذ لا يبعث الرجل يوم القيامة ملبياً؛ لأن نائبه قد حل من الإحرام الذي تلبس به بدلاً عنه، وعلى كل حال : فالقول الراجح بلا شك: أن الإنسان إذا مات أثناء تلبسه بالنسك، فإنه لا يقضى عنه، سواء كان ذلك فريضة أم نافلة.
السؤال( 244): فضيلة الشيخ، لكن هل يقتصر هذا الحكم على الوقت الذي يلبى فيه، يعني: قبل رمي جمرة العقبة أم يشمل جميع الحج؟
الجواب: يشمل جميع الحج، يعني: سواء كان ذلك قبل التحلل الأول، أم بعد التحلل الأول؛ فإنه لا يقضى عنه ما بقي .



صفة الاشتراط

السؤال (245): فضيلة الشيخ، ذكرتم الاشتراط إذا عجز الحاج عن إكمال النسك، نود أيضاً أن نعرف حكم الاشتراط، وما هي صفته؟
الجواب: نذكر أولاً صفة الاشتراط قبل حكمه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
صفة الاشتراط: أن الإنسان إذا أراد الإحرام يقول: إن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني، يعني: فإنني أحل ، إذا حبسني حابس، أي : منعني مانع عن إكمال النسك ، وهذا يشمل أي مانع كان؛ لأن كلمة حابس، نكرة في سياق الشرط ، فتعم أي حابس كان، وفائدة هذا الاشتراط: أنه لو حصل له حابس يمنعه من إكمال النسك، فإنه يحل من نسكه ولا شيء عليه، وقد اختلف أهل العلم في الاشتراط.
فنهم من قال: إنه سنة مطلقاً، أي: أن المحرم ينبغي له أن يشترط ، سواء كان في حال خوف أو في حال أمن؛ لما يترتب عليه من الفائدة، والإنسان لا يدري ما يعرض له.
ومنهم من قال: إنه لا يسن إلا عند الخوف، أما إذا كان الإنسان آمناً، فإنه لا يشترط.
ومنهم من أنكر الاشتراط مطلقاً.
والصواب: القول الوسط، وهو أنه إذا كان الإنسان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام نسكه، سواء كان هذا العائق عاماً أم خاصاً، فإنه يشترط، وإن لم يكن خائفاً فإنه لا يشترط؛ وبهذا تجتمع الأدلة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم ولم يشترط ، وأرشد ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها إلى أن تشترط(227)، حيث كانت شاكية، والشاكي، أي: المريض_ خائف من عدم إتمام نسكه.
وعلى هذا فنقول: إذا كان الإنسان خائفاً من طارئ يطرأ، يمنعه من إتمام النسك، فليشترط؛ أخذاً بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم ضباعة بنت الزبير، وإن لم يكن خائفاً، فالأفضل ألا يشترط، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحرم بدون شرط.



صيغة الشرط

السؤال (246): فضيلة الشيخ، لكن بالنسبة للمشترط هل يلزمه أن يأتي بالصيغة التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أم يشترط بأي كلام يعبر به عما في نفسه؟
الجواب: لا يلزمه أن يأتي بالصيغة الواردة؛ لأن هذا مما لا يتعبد بلفظه، والشيء الذي لا يتعبد بلفظه يكتفى فيه بالمعنى.



محظورات الإحرام

السؤال (247): فضيلة الشيخ، ما هي محظورات الإحرام؟
الجواب: محظورات الإحرام هي الممنوعات بسبب الإحرام ، يعني: المحرمات التي سببها الإحرام، وذلك أن المحرمات نوعان:
محرمات في حال الإحرام وحال الحل؛ وإليها أشار الله تعالى بقوله : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ)(البقرة: 197). كلمة فسوق عامة تشمل ما كان الفسق فيه بسبب الإحرام وغيره.
ومحرمات خاصة سببها الإحرام، إذا تلبس الإنسان بالإحرام ، فإنها تحرم عليه، وتحل له في حال الحل.
فمن محظورات الإحرام: الجماع، وهو أشد المحظورات إثماً، وأعظمها أثراً، ودليله قوله تعالى: ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )؛ فإن الرفث هو الجماع ومقدماته، وإذا وقع الجماع قبل التحلل الأول في الحج، فإنه يترتب عليه أمور خمسة:
الأول: الإثم.
الثاني: فساد النسك.
والثالث: وجوب الاستمرار فيه.
والرابع: وجوب فدية؛ بدنة يذبحها ويفرقها على الفقراء.
والخامس: وجوب القضاء من العام القادم.
وهذه آثار عظيمة تكفي المؤمن في الانزجار عنه والبعد عنه.
ومن المحظورات أيضاً: المباشرة بشهوة، والتقبيل ، والنظر بشهوة ، وكل ما كان من مقدمات الجماع؛ لأن هذه المقدمات تفضي إلى الجماع.
ومن محظورات الإحرام: حلق شعر الرأس؛ لقوله تعالى: ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )(البقرة: 196) ، وألحق العلماء بحلق الرأس حلق جميع الجسم، وألحقوا به أيضاً تقليم الأظفار وقصها.
ومن محظورات الإحرام : عقد النكاح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب))(228)
ومن محظوراته أيضاً : الخطبة ، فلا يحوز للإنسان أن يخطب امرأة وهو محرم بحج أو عمرة.
ومن محظورات الإحرام قتل الصيد، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(المائدة: 95).
ومن محظوراته أيضاً: الطيب بعد عقد الإحرام، سواء في البدن، أو في الثوب، أو في المأكول، أو في المشروب؛ فلا يحل لمحرم استعمال الطيب على أي وجه كان بعد عقد إحرامه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفه فمات: (( لا تحنطوه))(229) ، والحنوط : أطياب تجعل في الميت عند تكفينه.
فأما أثر الطيب الذي تطيب به عند الإحرام، فإنه لا بأس به، ولا تجب عليه إزالته ؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم230)، وقالت : كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم(231)
ومن محظورات الإحرام أيضاً: لبس الرجل القميص، والبرانس، والسروايل، والعمائم ، والخفاف؛ هكذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل : ما يلبس المحرم، فقال: (( لا يلبس القميص ، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا العمائم ، ولا الخفاف، إلا من لا يجد إزاراً فيلبس السراويل ، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين))(232)
وما كان بمعنى هذه المحظورات فهو مثلها، فالكوت، والفانيلة، والصدرية، والغترة، والطاقية، والمشلح، كل هذه بمعنى المنصوص عليه، فيكون لها حكم المنصوص عليه.
وأما لبس الساعة، والخاتم، والكمر، وسماعة الأذن، ونظارة العين ، والكمر الذي تكون فيه الفلوس وما أشبهها فإن ذلك لا يدخل في المنهي عنه، لا بالنص ولا بالمعنى ؛ وعلى هذا فيجوز للمحرم أن يلبس هذه الأشياء.
وليعلم أن كثيراً من العامة، فهموا من قول أهل العلم: (( إن المحرم لا يلبس المخيط)) ، أن المراد بالمخيط ما فيه خياطة؛ ولهذا تجدهم يسألون كثيراً عن لبس الكمر المخيط، وعن لبس الأزرار ، أو الرداء المرقع، وعن لبس النعال المخوذة وما أشبه ذلك، ظناً منهم أن العلماء يريدون بلبس المخيط: لبس ما كان فيه خياطة، والأمر ليس كذلك، وإنما مراد العلماء بذلك: ما يلبس من الثياب المفصلة على الجسم، على العادة المعروفة، وتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا يلبس القميص ولا السراويل ..ألخ)) يتبين لك أن الإنسان لو تلفف بالقميص بدون لبس، فإنه لا حرج عليه، فلو جعل القميص إزاراً لفه على ما بين سرته وركبته، فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأن ذلك لا يعد لبساً للقميص.
ومن المحرمات في الإحرام: تغطية الرجل رأسه بملاصق معتاد، كالطاقية، والعمامة، والغترة، فأما تظليل الرأس بالشمسية ، أو سقف السيارة، أو بثوب يرفعه بيديه عن رأسه، فهذا لا بأس به، لأن المحرم تغطية الرأس لا تظليله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم حصين رضي الله عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم راكباً، وأسامة وبلال أحدهما آخذ بخطام ناقته، والثاني رافع ثوبه، أو قالت: ثوباً يظلله به من الحر، حتى رمى جمرة العقبة(233) ولا يحرم على المحرم أن يحمل عفشه على رأسه؛ لأن ذلك لا يراد للتغطية ، وإنما المراد به الحمل.
ومن محظورات الإحرام: أن تنتقب المرأة، أي: تضع النقاب على وجهها، يعني : النقاب لباس الوجه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تنتقب وهي محرمة(234)؛ فالمشروع للمرأة في حال الإحرام أن تكشف وجهها، إلا إذا كان حولها رجال غير محارم لها، فإنه يجب عليها أن تستر الوجه، وفي هذه الحال: لا بأس أن يلاصق الساتر بشرتها، ولا حرج عليها في ذلك.
ومن محظورات الإحرام: لبس القفازين وهما جوارب اليدين، وهذا يشمل الرجل والمرأة فلا تلبس المرأة القفازين في حال الإحرام، وكذلك الرجل لا يلبس القفازين؛ لأنهما لباس، فهما كالخفين بالنسبة للرجل.



حكم وضع شيء ملاصق لرأس المحرم

السؤال(248): فصيلة الشيخ، قلتم: إنه لا يستر المحرم رأسه أو لا يضع على رأسه ملاصقاً؛ كالغترة والطاقية، هل يشمل ذلك أيضاً وضع قطعة ورق أو كرتون أو بطانية على رأسه؟
الجواب: نعم يشمل هذا، ولهذا إذا احتاج إلى تظليل رأسه، فليرفع هذا عن رأسه قليلاً لا يباشره.



الفرق بين النقاب والبرقع

السؤال(249): فضيلة الشيخ، ما الفرق بين النقاب والبرقع وهل يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس البرقع؟
الجواب: البرقع أخص من النقاب؛ لأن النقاب خمار معتاد، يتدلى من خمار رأسها ، ويفتح لعينيها، أما البرقع فإنه قد فصل للوجه خاصة، وغالباً يكون فيه من التجميل والنقوش ما لا يكون في النقاب، ولذلك فلا يجوز أن تلبس المحرمة البرقع؛ لأنها إذا منعت من النقاب فالبرقع من باب أولى.



كيف ستر وجه المحرمة أمام الرجال

السؤال (250): فضيلة الشيخ : قلتم بوجوب ستر المحرمة وجهها إذا حضر الرجال، فهل تستر وجهها بالنقاب أم بشيء آخر؟
الجواب: تستره بشيء ليس بنقاب، ولا برقع، تغطيه تغطيه كاملة.



حكم من تلبس ببعض محظورات الإحرام

السؤال (251): فضيلة الشيخ، فصلتم في الجماع كمحظور من محظورات الإحرام، وذكرتم أنه يترتب عليه خمسة أمور، لكن بقية المحظورات ما ذكرتم لنا حكم من تلبس بشيء منها؟
الجواب: نذكر ذلك إن شاء الله:
أما الصيد : فقد بين الله سبحانه وتعالى ما يترتب عليه؛ فقال: ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً )(المائدة: 95) فإذا كان هذا الصيد مما له مثل من النعم، أي: من الإبل أو الفقر أو الغنم ، فإنه يذبح مثله في مكة، ويتصدق به على الفقراء، أو يجعل بدل المثل طعاماً يشترى ويوزع على الفقراء ، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، هذا إذا كان له مثل، أما إذا كان لم يكن له مثل، فإن العلماء يقولون: يخير بين الإطعام والصيام ، فيقوم الصيد بدراهم، ويطعم ما يقابل هذه الدراهم الفقراء في مكة، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً. هذا في الصيد.
أما في حلق الرأس : فقد بين الله عز وجل أن الواجب فدية من صيام أو صدقة أو نسك، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك شاة يذبحها، وهذه الشاة توزع على الفقراء ، وحلق الرأس حرام إلا لمن تأذى بالشعر؛ كما سنتعرض له إن شاء الله تعالى.



محظورات الإحرام ( تتمة)

السؤال (252): فضيلة الشيخ، ما الذي يجب على من ارتكب محظوراً من هذه المحظورات؟
الجواب: ذكرنا فيما سبق ما يجب في فعل محظورات الإحرام، فذكرنا جزاء الصيد، وذكرنا ما يجب في الجماع أيضاً، وذكرنا ما يجب بحلق الرأس، وأنه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، والصيام بينه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه صيام ثلاثة أيام، والصدقة بأنها إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، والنسك ذبح شاة، وهذه الشاة توزع على الفقراء، ولا يؤكل منها شيء، لأنها وجبت جبراناً للنسك، حيث انتهك الإنسان ما حرم عليه فيه.
وهذه الفدية تسمى عند أهل العلم فدية الأذى؛ لأن الله تعالى ذكرها في ذلك؛ حيث قال: ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)(البقرة:196)، قال أهل العلم: وهي واجبة - أعني فدية الأذى - واجبة في كل محظور من محظورات الإحرام، ما عدا الجماع قبل التحلل الأول في الحج، وجزاء الصيد؛ لأن في الأول بدنه، وفي الثاني المثل، أو ما يقوم مقامه، فكل المحظورات عندهم ما عدا ما ذكرنا، كل المحظورات التي فيها فدية، فديتها فدية الأذى ، فدخل في ذلك: لبس القميص، والسراويل، والبرانس، وما أشبهها ، وتغطية الرأس للرجل، وتغطية الوجه للمرأة، والطيب، والمباشرة، وما أشبه ذلك، هكذا قال أهل العلم في هذه المحظورات.



حكم من ارتكب محظوراً من المحظورات جاهلاً

السؤال( 253): فضيلة الشيخ، ما حكم من ارتكب محظوراً من هذه المحظورات ناسيا أو جاهلاً؟
الجواب: نقول: محظورات الإحرام تنقسم إلى أقسام: منها: مالا فدية فيه أصلاً، ومثل له العلماء بعقد النكاح والخطبة، خطبة النكاح، قالوا: إن هذا ليس فيه فدية.
ومنها: ما فديته فدية الأذى.
ومنها: ما فديته بدنة.
ومنها ما فديته الجزاء.
وكل شيء فيه فدية، فإن فاعله لا يخلو من ثلاث حالات:
إما أن يفعله عالماً ذاكراً مختاراً ، وفي هذه الحال يترتب عليه الإثم، وما يجب فيه من الفدية.
وإما أن يفعله متعمداً عالماً مختاراً، لكن لعذر، فهذا ليس عليه إثم، ولكن عليه الفدية ، مثل أن يحلق رأسه لأذى أو شبهه متعمداً عالماً ذاكراً، فإنه يجب عليه الفدية، ولا إثم عليه؛ لأنه معذور.
وأما أن يفعل هذه المحظورات ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً، فهذا ليس عليه بشيء، لا إثم ولا فدية أيا كان المحظور؛ لعموم قوله تعالى: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286)، وقوله: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: من الآية5) وقوله تعالى في جزاء الصيد: ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم)(المائدة: 95) ، فإذا اشترطت العمدية في جزاء الصيد، مع أن قتل الصيد إتلاف ، فما عداه من باب أولى.
وعلى هذا فنقول: إذا فعل أحد شيئا من هذه المحظورات، ناسياً أو جاهلاً أو مكروها ، فليس عليه شيء ، لا إثم، ولا فدية، ولا يفسد نسكه، ولا يتعلق به شيء أصلاً، ولو كان المحظور جماعاً.



حكم استبدال المحرم لباس الإحرام

السؤال (254): فضيلة الشيخ، ما حكم استبدال المحرم لباس الإحرام؟
الجواب: تبديل المحرم لباس الإحرام بثوب يجوز لبسه في الإحرام - لا باس بهن سواء فعله لحاجة، أو لضرورة، أو لغير حاجة ولا ضرورة:
فأما فعله للضرورة:
فمثل أن يتنجس ثوب الإحرام وليس عنده ماء يغسله به، فهنا يضطر إلى تبديله بثوب طاهر؛ لأنه لا يمكن أن تصح منه صلاته إلا بثياب طاهرة.
ومثال الحاجة: أن يتسخ ثوب الإحرام ، فيحتاج إلى غسل، فله أن يخلعه ، ويلبس ثوباً آخر مما يجوز لبسه في الإحرام.
ومثال ما لا حاجة لخلعه ولا ضرورة: أن يبدو للإنسان أن يغير لباس الإحرام بدون أي سبب، فله ذلك ولا حرج عليه، إذا غيره بما يجوز لبسه.



حكم الاغتسال للمحرم

السؤال (255): فضيلة الشيخ، الترفه ممنوع منه المحرم؟ كتقليم الظافر وغيره، لكن هل يجوز للمحرم أن يغتسل من أجل النظافة؟
الجواب: المحرم يجوز له أن يغتسل من أجل النظافة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم *(ويجوز للمحرم أن يغير ثياب الإحرام إلى ثياب أنظف منها أو أجد، ويجوز له أيضاً أن يترفه باستعمال المكيفات ، أو بغيرها من أسباب الراحة.
وأما قول بعض أهل العلم: إنه لا يجوز له أن يقلم أظفاره، وقاسوه على حلق شعر الرأس بجامع الترفه، فهذا أمر ينظر فيه، وليس محل إجماع من أهل العلم.



حكم إتلاف نبات وشجر مكة

السؤال (256): فضيلة الشيخ، بالنسبة للمحرم والنبات الذي ينبت في مكة المكرمة، في الحرم، ما حكم قلع هذا النبات والتعرض له بشيء من الإتلاف؟
الجواب: النبات والشجر، لا علاقة للإحرام بهما؛ لأن تحريمها لا يتعلق بالإحرام، وإنما يتعلق بالمكان، أي: بالحرم، فما كان داخل أميال الحرم، فإنه لا يجوز قطعة ولا حشة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة: (( إنه لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها))(235) فقطع شجرها وحشيشها ، حرام على المحرم وغيره ، وأما ما كان خارج الحرم فإنه حلال للمحرم وغير المحرم ، وعلى هذا فيجوز للحجاج أن يقطعوا الشجر في عرفة، ولا حرج عليهم في ذلك، ولا يجوز لهم أن يقطعوا الشجر أو الحشيش في مزدلفة وفي منى؛ لأن مزدلفة ومنى داخل الحرم.
ويجوز للحجاج أن يضعوا البساط عل الأرض، ولو كان فيها أعشاب، إذا لم يقصدوا بذلك إتلاف الحشيش الذي تحته؛ لأن تلفه حينئذ حصل بغير قصد، فهو كما لو مشى الإنسان في طريقه وأصاب حمامة أو شيئاً من الصيد بغير قصد منه، فإنه ليس عليه فيه شيء.



زمان ومكان الإحرام بالحج

السؤال (257): فضيلة الشيخ، إذا جاء الحاج إلى البيت، وطاف وتحلل من العمرة، ومكث في مكة، فمتى يحرم بالحج، ومن أين يحرم؟
الجواب: يحرم الإنسان بالحج يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، من مكانه الذي هو نازل فيه، ويحرم ضحى، ويذهب إلى منى، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كما أسلفنا ذلك في بيان صفة الحج.



لا يلزم الطواف أو الإحرام من البيت يوم التروية

السؤال(258): فضيلة الشيخ، لكن هل يلزم المحرم في يوم التروية أن يطوف بالبيت، أو يحرم من البيت؟
الجواب: لا يلزمه أن يطوف باليت، ولا أن يحرم من البيت، ولا يسن له ذلك أيضاً؛ لأن الصحابة الذين حلوا من عمرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم احرموا من مكانهم، ولم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا منه، أو أن يطوفوا قبل إحرامهم.

ابو ضاري
23-11-2010, 08:11
حكم من أدرك الوقوف بعرفة متأخراً
السؤال (259): فضيلة الشيخ، عرفنا في صفة الحج أن الحاج يخرج من منى في اليوم التاسع من ذي الحجة ضحى، لكن لو لم يدرك الوقوف بعرفة إلا متأخراً فما الحكم؟
الجواب: عرفنا أن الإنسان في اليوم الثامن يخرج إلى منى ، ويبقي بها إلى صباح اليوم التاسع، ثم يذهب إلى عرفة ، فلو أن الحاج لم ينزل في منى اليوم الثامن، وذهب إلى عرفة رأساً، فهل يصح حجة؟ والجواب على ذلك: نعم يصح حجه، بدليل حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى معه صلاة الفجر في مزدلفة، سأله فقال: يا رسول الله، إني أتعبت نفسي، وأكريت راحلتي، فلم أدع جبلاً إلا وقفت عنده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام، : (( من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه))(236) ، وهذا دليل على أنه لا يجب أن يبقي الحاج في مني في اليوم الثامن وليلة التاسع،وأنه لو ذهب إلى عرفة رأساً، لكان حجه صحيحاً، لكن الأفضل أن يبقى في منى، من ضحى اليوم الثامن إلى أن تطلع الشمس من يوم التاسع.
وأما سؤالكم الذي سألتم عنه وهو حكم من ذهب إلى عرفة متأخراً، فنقول: إذا ذهب إلى عرفة متأخراً، ولكنه أدرك الوقوف بها قبل أن يطلع الفجر يوم العيد، فحجّه صحيح ولا شيء عليه، فوقت الوقوف بعرفة ينتهي بطلوع فجر يوم العيد.



بداية الوقوف بالمزدلفة ونهايته
السؤال (260) : فضيلة الشيخ، متى يبدأ الوقوف بمزدلفة ، ومتى ينتهي ، وما حكمه أيضاً؟
الجواب : الوقوف بمزدلفة الذي يعبر عنه أهل العلم بالمبيت بالمزدلفة، يبتدئ من انتهاء الوقوف بعرفة، ولا يصح قبله، فلو أن حاجاً وصل إلى مزدلفة في أثناء الليل قبل أن يقف بعرفة، فوقف في مزدلفة ثم ذهب إلى عرفة، ووقف بها، ثم نزل من عرفة إلى منى، فإن وقوفه بمزدلفة غير معتبر؛ لقول الله تعالى: ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )(البقرة: 198)، فجعل محل الذكر عند المشعر الحرام، أو وقت الذكر عند المشعر الحرام، بعد الإفاضة من عرفة، فيبتدئ المكث في مزدلفة من انتهاء الوقوف بعرفة، ويستمر إلى أن يصلي الإنسان الفجر، ويقف قليلاً إلى أن يسفر جداً، ثم ينصرف إلى منى.
ولكن يجوز لمن كان ضعيفاً لا يستطيع مزاحمة الناس في الرمي، أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل،لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا في آخر الليل وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، ترقب غروب القمر، فإذا غرب دفعت(237).
وهذا أحسن من التحديد بنصف الليل؛ لأنه هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الموافق للقواعد ، وذلك أنه لا يجعل حكم الكل للنصف، وإنما يجعل حكم الكل للأكثر والأغلب، وبهذا نعرف أن قول من قال من أهل العلم: إنه يكفي أن يبقى في مزدلفة بمقدار صلاة المغرب والعشاء، ولو قبل منتصف الليل، قول مرجوح، وأن الصواب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعله، وفيما أذن فيه.
السؤال (261): فضيلة الشيخ، متى ينتهي الوقوف بمزدلفة بحيث إن الحاج لو أتى لا يعتبر واقفاً بها؟
الجواب: ظاهر حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (( من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع))(238) أن الإنسان لو جاء مزدلفة بعد طلوع الفجر، وأدرك صلاة الفجر بغلس في الوقت الذي صلاها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجزئه، ومعروف عند الفقهاء رحمهم الله أنه لابد أن يدرك جزءاً من الليل، بحيث يأتي إلى مزدلفة قبل طلوع الفجر.



حكم المبيت بمني يوم النحر
السؤال (262): فضيلة الشيخ، ذكرتم أن من الأعمال التي يقوم بها الحاج يوم النحر المبيت بمني، لكن ما حكم هذا المبيت؟
الجواب: المبيت بمنى ذكرنا فيما سبق أنه من واجبات الحج ، وأن المعروف عند أهل العلم ، أن من ترك واجباً من واجبات الحج، فعليه فدية ذبح شاة، تذبح في مكة وتوزع على فقرائها.



حد المبيت في منى
السؤال (263): فضيلة الشيخ، نرى بعضاً من الناس يتهاونون في المبيت بمنى؛ فيقلون من البقاء فيها، ويذهبون خارجها معظم الوقت، ولا يأتون إليها إلا ساعات محدودة، فما هو المقدار الكافي للبقاء في منى أو المبيت في منى؟
الجواب: المشروع للحاج أن يبقى في منى طول الوقت، هكذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والإنسان لم يتغرب عن وطنه، ولم يتجشم المشاق إلا لأداء هذه العبادة العظيمة على وفق ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يأت من بلده إلى هذا المكان ليترفه، ويسلك ما هو الأيسر، مع مخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمشروع في حق الحاج أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، ولكن مقتضى قواعد الفقهاء، ومقتضى كلام الفقهاء: أن الواجب أن يبقى في منى معظم الليل في الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة وأما بقية الليل ، والنهار جميعه: فليس بواجب عندهم أن يمكث في منى ، ولكن ينبغي للإنسان أن يتقيد بما جاءت به السنة، وأن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، والمسألة ما هي إلا يومان فقط ، بالإضافة إلى يوم العيد ، بل يوم ونصف، وزيادة يسيره مع يوم العيد.



الآداب التي ينبغي مراعاتها في منى
السؤال (264) : فضيلة الشيخ، ما هي الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الحاج أثناء بقائه في منى يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن أراد أن يتأخر؟
الجواب: ينبغي للحاج أن ينتهز هذه الفرصة في التعرف على أحوال المسلمين، والالتقاء بهم ، وإسداء النصح إليهم، وإرشادهم ، وبيان الحق المبني على كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم حتى ينصرف المسلمون من حجهم، وهم قد أدوا هذه العبادة، ونهلوا من العلم الشرعي المبني على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان لا يحسن لغة من يخاطب، فإنه يجعل بينه وبينهم ترجماناً، يكون أميناً عارفاً باللغتين،المترجم منها وإليها، عارفاً بموضوع الكلام الذي يتكلم فيه، حتى يترجم عن بصيرة، وفي ثقة وأمانة.
وينبغي كذلك في هذه الأيام، أن يكون حريصاً على التحلي بمحاسن الأخلاق والأعمال؛ من إعانة المستعين، وإغاثة الملهوف، ودلالة الضائع، وغير ذلك مما هو إحسان إلى الخلق؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: 195) ويقول جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)(النحل: 90)، ولاسيما في هذه الأماكن المفضلة؛ فإن أهل العلم: يقولون: إن الحسنات تتضاعف في الزمان والمكان الفاضل.



يستمعون إلى الملاهي ويغتابون الناس في منى
السؤال (265): فضيلة الشيخ، بعض الناس يقضي هذه الأيام في مني: إما بالاستماع إلى الملاهي، أو بالتفكه بالحديث في أعراض الناس، فما حكم هذا العمل؟
الجواب: هذا العمل محرم في حال الحج وغير الحج؛ فإن الأغاني المصحوبة بآلات العزف، من الموسيقي ، والعود والرباب وشبهها محرمة في كل زمان وفي كل مكان؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (0 ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر، والمعازف ))(239)، قال العلماء : والمعازف : آلات اللهو، ولا يستثنى منها إلا الدفوف في المناسبات التي أذن الشارع باستعمالها فيها.
وكذلك التفكه بأعراض الناس، والسخرية بهم ونحو ذلك مما يحدث في موسم الحج وغيره، وهو حرام سواء كان في موسم الحج أو في غير موسم الحج، وسواء كان في مكة أو في غير مكة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11)



الحكمة من رمي الجمار
السؤال (266): فضيلة الشيخ، في أيام التشريق ترمى الجمار الثلاث في يومين أو ثلاثة أيام، فما الحكمة من رمي هذه الجمار؟
الجواب: الحكمة من رمي هذه الجمار ، بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : (( إنما جعل الطواف بالبيت ، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله)(240)
وفي رمي الجمار أيضاً: تحقيق لعبادة الله عز وجل ؛ فإن الإنسان يرمي هذه الجمار، وهو لا يعرف حكمة بينة في رميها ، وإنما يفعل ذلك تعبداً لله وذكراً له، وكذلك يرمي هذه الجمرات؛ اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه رماها، وقال: (( لتأخذوا عني مناسككم))(241).



صفة رمي الجمار
السؤال (267): فضيلة الشيخ، أيضاً بالنسبة للجمار، نود أن تذكروا لنا صفة رمي الجمار؟
الجواب: الذي ينبغي للحاج إذا ذهب إلى رمي جمرة العقبة أن يكون ملبياً، فإذا شرع في الرمي، قطع التلبية، هذا في رمي جمرة العقبة، يوم العيد، أما في رمي الجمرات الثلاث، فينبغي أن يذهب بسكينة وخضوع وخشوع لله عز وجل ، وإن كبر في مسيره فحسن؛ لأن أيام التشريق، أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، ومن ذكر الله تعالى التكبير، فإذا ذهب مكبراً، فهو حسن؛ لأن التكبير هنا مطلق، ولكنه لا يعتقد أنه مشروع من أجل الذهاب إلى الرمي، إنما يعتقد أنه مشروع مطلقاً، أما ذهابه بخشوع وتعظيم لله، فهذا أمر مطلوب، ولهذا يكبر الإنسان الله عز وجل عند رمي كل حصاة.



الدعاء عند رمي الجمار
السؤال (268): فضيلة الشيخ، لكن هل هناك أدعية عند رمي الجمرات؟
الجواب: نعم ذكرنا أنه إذا رمى الجمرة الأولى، استقبل القبلة، ورفع يديه ، وقام يدعو دعاء طويلاً، وكذلك بعد رمي الجمرة الوسطي، وأما بعد رمي جمرة العقبة فلا يقف.
السؤال (269): فضيلة الشيخ، وهل هناك دعاء مخصوص؟
الجواب: ليس هناك دعاء مخصوص فيما أعلم.



لا تلزم الطهارة عند رمي الجمار
السؤال (270): فضيلة الشيخ، هل تلزم الطهارة لرمي الجمار؟
الجواب: الطهارة لا تلزم في أي منسك من مناسك الحج، إلا الطواف بالبيت، فإنه لا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (( افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت))(242).



حكم غسل حصى الجمار
السؤال ( 271): فضيلة الشيخ، ما حكم غسل الجمار؟
الجواب: لا يغسل ، بل إذا غسله الإنسان على سبيل التعبد لله، كان هذا بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله.



حكم من نسي شيئاً من أشواط الطواف أو السعي
السؤال (272): فضيلة الشيخ، ما حكم من نسي شيئا من أشواط الطواف أو السعي؟
الجواب: إذا نسي الإنسان شيئاً من أشواط الطواف أو السعي، فإن ذكر قريباً أتم ما بقي عليه، فلو طاف ستة أشواط بالبيت، ثم انصرف إلى مقام إبراهيم ليصلي ، وفي أثناء انصرافه، ذكر أنه لم يطف إلا ستة أشواط، فإنه يرجع من الحجر الأسود، ليأتي بالشوط السابع، ولا حرج عليه.
أما إذا يذكر إلا بعد مدة طويلة : فإن كان الطواف طواف نسك، وجب عليه إعادة الطواف من جديد؛ لأن طوافه الأول لم يصح؛ لكونه ناقصاً، ولا يمكن بناء ما تركه على ما سبق؛ لطول الفصل بينهما، فيستأنف الطواف من جديد.
وهكذا نقول في السعي: إنه إذا نسي شوطاً من السعي، فإذا ذكر قريباً، أتى بالشوط الذي نسيه، وإن طال الفصل، استأنفه من جديد.
هذا إذا قلنا: إن الموالاة في السعي شرط، أما إذا قلنا : إنها ليست بشرط- كما هو قول بعض أهل العلم- فإنه يأتي بما نسي ولو طال الفصل. ولكن الأحوط: أن يبدأ بالسعي من جديد إذا أطال الفصل؛ لأن ظهور كون الموالاة شرطاً أبلغ من عدم كونها شرطاً.



ماذا يفعل إذا أقيمت الصلاة، وهو في الطواف أو السعي
السؤال (273): فضيلة الشيخ، إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي، فماذا يفعل؟
الجواب: إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو في السعي، فإنه يدخل مع الجماعة، وإذا انتهت الصلاة، أتم الشوط من حيث وقف، ولا يلزمه أن يأتي به من أول الشوط، فإذا قدر أنه أقيمت الصلاة وهو في منتصف الشوط الثالث من السعي، فليقف مكانه ويصلي، ثم إذا سلم الإمام أتم السعي من مكانه، وإن لم يكن حوله أحد يصلي معه في المسعى، فإنه يتقدم ، ويصلي حيث يجد من يصافه، فإذا سلم من الصلاة، خرج إلى المسعى ، وأتم من المكان الذي قطعه منه، ولا يلزمه أن يعيد الشوط من ابتدائه.
وهكذا نقول في الطواف : لو أقيمت الصلاة وأنت بحذاء الحجر من الناحية الشمالية مثلاً، فإنك تصلي في مكانك فإذا انتهت الصلاة فأتم الشوط من المكان الذي وقفت فيه ، ولا حاجة إلى أن تعيد الشوط من الحجر الأسود.
السؤال (274): فصيلة الشيخ، لكن هل يلزمه قطع الطواف أو السعي للصلاة أو يجوز له؟
الجواب: إن كانت الصلاة فريضة، يجب عليه أن يقطع الطواف أو السعي ليصلي ؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، وقد رخص للإنسان أن يقطع سعيه من أجلها، فيكون خروجه من السعي أو الطواف خروجاً مباحاً، ودخوله مع الجماعة، دخول واجباً، فيجب عليه أن يدخل مع الجماعة.
أما إذا كانت الصلاة نافلة ، كما لو كان ذلك في قيام الليل في التراويح في رمضان، فمعروف أنه لا يقطع السعي أو الطواف من أجل ذلك، لكن الأفضل أن يتحرى ، فيجعل الطواف بعد القيام أو قبله، وكذلك السعي ؛ لئلا يفوته فضيلة قيام الليل مع الجماعة.
السؤال (275): فضيلة الشيخ، إذا أذن للصلاة، وهو يسعى بين الصفا والمروة، وهو على غير طهارة، وهذا جائز ، فهل يخرج خارج الحرم ليتوضأ، ويرجع ويصلي مع الناس، ويكمل سعيه ، أم يبتدئه من جديد؟
الجواب: نعم لابد أن يخرج إلى الميضأة ويتوضأ ويصلي مع الجماعة ، وفي هذه الحال؛ إن كان الفصل طويلاً استأنف السعي، وإن كان قصيراً لم يستأنف ، فإذا قدر أن الميضأة قريبة من المسعى، ولم يستوعب وقتاً ، وأنه من حين جاء أقيمت الصلاة، فهذا زمن قليل، فليتم السعي، وأما إذا كان الزمن طويلاً، كأن تكون الميضأة بعيدة بحيث يكون الفاصل بين أجزاء السعي فاصلاً طويلاً ، فإنه يبدأ السعي من أوله.



حكم التمسح بجدران الكعبة وكسوتها
السؤال (276): فضيلة الشيخ، في أثناء الطواف يشاهد بعض الناس يتمسحون بجدار الكعبة، وبكسوتها، وبالمقام، والحجر، فما حكم ذلك العمل؟
الجواب: هذا العمل يفعله الناس، يريدون به التقرب إلى الله عز وجل والتعبد له، وكل عمل تريد به التقرب إلى الله والتعبد له، وليس له أصل في الشرع فإنه بدعة، حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة))(243) ، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مسح سوى الركن اليماني، والحجر الأسود؛ وعليه: فإذا مسح الإنسان أي ركن من أركان الكعبة أو جهة من جهاتها، غير الركن اليماني والحجر الأسود، فإنه يعتبر مبتدعاً، ولما رأى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يمسح الركنين الشماليين، نهاه ، فقال له معاوية رضي الله عنه: ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب:21) وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين ، يعني : الركن اليماني والحجر الأسود فرجع معاوية رضي الله عنه إلى قول ابن عباس لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )(الأحزاب: 21).
ومن باب أولى في البدعة: ما يفعله بعض الناس من التمسح بمقام إبراهيم ، فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم . أنه تمسح في أي جهة من جهات المقام. وكذلك ما يفعله بعض الناس من التمسح بزمزم، والتمسح بأعمدة الرواق، وغير ذلك مما لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فكله بدعة، وكل بدعة ضلالة.
السؤال (277): لكن أيضاً ما حكم الذين يتمسكون بأستار الكعبة، ويدعون طويلاً؟
الجواب: هؤلاء أيضاً عملهم لا أصل له في السنة، وهو بدعة، ينبغي بل يجب على طالب العلم أن يبين لهم هذا، وأنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما الالتزام بين الحجر الأسود وبين الكعبة : فهذا قد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فعله، ولا بأس به، لكن مع المزاحمة والضيق- كما يشاهد اليوم- لا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يتأذى به أو يؤذي غيره، في أمر ليس من الواجبات.



صفة الالتزام
السؤال (278): فضيلة الشيخ، لكن ما صفة هذا الالتزام هل هو تعلق بهذا الجزء من الكعبة الذي بين الحجر الأسود والبيت، أم أنه وقوف ودعاء؟
الجواب: الالتزام: وقوف في هذا المكان وإلصاق، يلصق الإنسان يديه وذراعيه ووجهه وخده على هذا الجدار.



خصائص ماء زمزم
السؤال (279): فضيلة الشيخ، ذكرتم أيضاً أنه لا يجوز التمسح بزمزم، أو بشيء منها، لكن ما هي خصائص ماء زمزم؟
الجواب: من خصائص ماء زمزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ماء زمزم لمن شرب له))(244) وأن الإنسان إذا شربه لعطش روي، وإذا شربه لجوع، شبع؛ فهذا من خصائصه.



حكم التبرك بآثار مكة والكعبة
السؤال (280) : فضيلة الشيخ، هل من خصائص مكة أو الكعبة التبرك بأحجارها أو آثارها؟
الجواب: لا، ليس من خصائص مكة أن يتبرك الإنسان بأشجارها، أو أحجارها، بل من خصائص مكة: ألا تعضد أشجارها، ولا يحش حشيشها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، إلا الإذخر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم استثناه(245) ، لأنه يكون للبيوت، وقيون الحدادين، وكذلك اللحد في القبر؛ فإنه تسد به شقوق اللبنات، وعلى هذا فنقول: إن حجارة الحرم أو مكة ليس فيها شيء يتبرك به، بالتمسح به، أو بنقله إلى البلاد، أو ما أشبه ذلك.



حكم إطلاق اسم جبل الرحمة على الجبل الذي في عرفة
السؤال(281): فضيلة الشيخ، أيضاً يطلق على جبل عرفة: جبل الرحمة ، فما حكم هذه التسمية ، وهل لها أصل؟
الجواب: هذه التسمية لا أعلم لها أصلاً من السنة، أي: أن الجبل الذي في عرفة، الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم يسمى جبل الرحمة، وإذا لم يكن له أصل من السنة، فإنه لا ينبغي أن يطلق عليه ذلك، والذين أطلقوا عليه هذا الاسم لعلهم لاحظوا أن هذا الموقف موقف عظيم، تتبين فيه مغفرة الله تعالى ورحمته للواقفين في عرفة، فسموه بهذا الاسم، والأولى ألا يسمى بهذا الاسم، وليقال: جبل عرفه، أو الجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أشبه ذلك.



حكم زيارة هذا الجبل والصلاة عليه
السؤال (282): فضيلة الشيخ، يلتزم بعض الحجاج زيارة هذا الجبل قبل الحج أو بعده، ويصلون في أعلاه، فما حكم زيارة هذا الجبل، وما حكم الصلاة فيه؟
الجواب: حكمه كما يعلم من القاعدة الشرعية، بأن كل من تعبد لله تعالى بما لم يشرعه الله فهو مبتدع؛ فيعلم من هذا: أن قصد هذا الجبل للصلاة عليه أو عنده والتمسح به، وما أشبه ذلك مما يفعله بعض العامة بدعة، ينكر على فاعلها، ويقال له: إنه لا خصيصة لهذا الجبل، إلا أنه يسن أن يقف الإنسان يوم عرفة عند الصخرات كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك عند الصخرات، وقال: (( وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف))(246) وبناء على ذلك فلا ينبغي أيضاً أن يشق الإنسان على نفسه في يوم عرفة، ليذهب إلى الجبل ، فربما يضيع عن قومه ، ويتعب بالحر والعطش، ويكون بهذا آثماً، حيث شق على نفسه في أمر لم يوجبه الله عليه.



حكم استقبال الجبل واستدبار الكعبة
السؤال (283) : فضيلة الشيخ، أيضاً بخصوص هذا الجبل، كثير من الناس في يوم عرفة، يستقبلون الجبل ويستدبرون الكعبة، فما حكم هذا العمل، وما حكم رفع الأيدي والدعاء له؟
الجواب: المشروع للواقفين بعرفة، حين ينشغلون بالدعاء والذكر، أن يتجهوا إلي القبلة، سواء كان الجبل خلفهم أو بين أيديهم، وليس استقبال الجبل مقصودا لذاته، وإنما استقبله النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه كان بينه وبين القبلة؛ إذ إن موقف الرسول عليه الصلاة والسلام كان شرقي الجبل عند الصخرات ، فكان استقبال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الجبل غير مقصود.
وعلى هذا: فإذا كان الجبل خلفك إذا استقبلت القبلة فاستقبل القبلة، ولا يضرك أن يكون الجبل خلفك.
وفي هذا المقام- أي : مقام الدعاء في عرفة - ينبغي للإنسان أن يرفع يديه، وأن يبالغ في التضرع إلى الله عز وجل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو وهو رافع يديه، حتى إن خطام ناقته لما سقط ، أخذه صلى الله عليه وسلم بيده وهو رافع اليد الأخرى ، وهذا يدل على استحباب رفع اليدين في هذا الموضع، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً))(247).


***

أخطاء تقع في مناسك الحج يجب الحذر منها



أخطاء تقع في الإحرام
السؤال (284): فضيلة الشيخ، هناك مواقف يقفها الحجاج، وأمور يفعلونها في الحج، وهذه المواقف والأمور يقع فيها أخطاء، ولعله من الترتيب أن نبدأ بالإحرام وما يقع فيه من أخطاء، إذا كان هناك أخطاء ترونها في ذلك؟
الجواب: قبل أن أجيب على هذا السؤال، أحب أن أبين أن كل عبادة لابد لقبولها من شرطين:
الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل، بأن يقصد الإنسان بعبادته التعبد لله تعالى وابتغاء ثوابه ومرضاته: فإن هذه هي الحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كما في قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً )(الفتح: 29) ، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (22) (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) (23)(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ( الرعد 22، 24) ولقوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كان هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))(248).
ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله تعالى أنه قال: (( أنا أغني الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه))(249).
ولقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها))(250) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثرة جداً، كلها تفيد أن أساس العمل: الإخلاص لله عز وجل.
الشرط الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أيضاً شرط لصحة العمل؛ لقوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153) ولقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) ولقوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر: 7) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد))(251) ، وفي لفظ : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد)) (252)، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة))(253)، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً أيضاً.
وبناء على ذلك: فإن كل من تعبد لله تعالى عبادة غير مخلص فيها، فإنها باطلة، لفقد الإخلاص منها ، وكل من تعبد لله تعالى بشيء يقصد به التعبد ولم يرد به الشرع، فإن ذلك مردود عليه؛ لعدم المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبناء على هذه القاعدة العظيمة،أنه من شرط العبادة أن تكون خالصة لله موافقة لشريعته وهي التي اتبع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإن هناك أخطاء يفعلها بعض المسلمين في عباداتهم، وما دمنا نتحدث في موضوع الحج، وما دام السؤال الذي ورد منكم يطلب به بيان الأخطاء في الإحرام، فإني أود أن أبين شيئاً منها.
فمن ذلك:
ترك الإحرام من الميقات: فإن بعض الحجاج ولا سيما القادمون بطريق الجو، يدعون الإحرام من الميقات حتى ينزلوا إلى جدة، مع أنهم يمرون به من فوق، وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت لأهلها، وقال: (( هن لأهلن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))(254). وثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه لما شكا إليه أهل العراق أن قرن المنازل التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد جور عن طريقهم، أي: بعيدة ومائلة عن الطريق، قال رضي الله عنه: انظروا إلي حذوها من طريقكم(255).
وهذا يدل على أن محاذاة الميقات كالمرور به، والذي يأتي محاذياً للميقات من فوق بالطائرة كالمار به، فعليه أن يحرم إذا حاذى الميقات، ولا يجوز له أن يتعدى الميقات لينزل في جدة ويحرم منها.
والطريق لتصحيح هذا الخطأ: أن يغتسل الإنسان في بيته أو في المطار، ويتأهب في الطائرة بلباس ثوب الإحرام، وخلع ثيابه المعتادة ، فإذا حاذى الميقات، أحرم منه، فلبى بما يريد أن يحرم به من عمرة أو حج، ولا يحل له أن يؤخر ذلك إلى جدة، فإن فعل فقد أخطأ ، وعليه - عند جمهور أهل العلم - فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، لأنه ترك واجباً من الواجبات.
الأمر الثاني مما يخطئ فيه بعض الناس: أن بعض الناس يعتقد أنه لابد أن يحرم بالنعلين، وأنه إذا لم يكن النعلان عليه حين الإحرام، فإنه لا يجوز له لبسهما وهذا خطأ ؛ فإن الإحرام في النعلين ليس بواجب ولا شرط، فالإحرام ينعقد بدون أن يكون عليه النعلان، ولا يمنع إذا أحرم من غير نعلين، لا يمنع أن يلبسهما فيما بعد، فله أن يلبس النعلين فيما بعد، وإن كان لم يحرم بهما. ولا حرج عليه في ذلك.
الثالث: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يحرم بثياب الإحرام، وتبقى عليه إلى أن يحل من إحرامه، وأنه لا يحل له تبديل هذه الثياب، وهذا خطأ؛ فإن الإنسان المحرم يجوز له أن يغير ثياب الإحرام لسبب أو لغير سبب، إذا غيرها إلى شيء يجوز لبسه في الإحرام.
ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، فكل من أحرم بشيء من ثياب الإحرام وأراد أن يغيره، فله ذلك، لكن أحياناً يجب عليه تغييره؛ كما لو تنجس بنجاسة لا يمكن غسله إلا بخلعه، وأحياناً يكون تغييره أحسن إذا تلوث تلوثاً كثيراً بغير نجاسة، فينبغي أن يغيره إلى ثوب نظيف أو إلى ثوب إحرام نظيف، وتارة يكون الأمر واسعاً، إن شاء غير، وإن شاء بدل.
المهم: أن هذا الاعتقاد غير صحيح، وهو أن يعتقد الحاج أنه إذا أحرم بثوب، لا يجوز له خلعه حتى يحل من إحرامه.
الرابع: أن بعض الناس يضطبعون بالإحرام من حين الإحرام، أي: من حين عقد النية، والاضطباع: أن يخرج الإنسان كتفه الأيمن؛ ويجعل طرفي الرداء على كتفه الأيسر، فنرى كثيراً من الحجاج- إن لم يكن أكثر الحجاج- يضطبعون من حين أن يحرموا إلى أن يحلو؛ وهذا خطأ؛ لأن الاضطباع إنما يكون في طواف القدوم فقط، ولا يكون في السعي ولا فيما قبل الطواف.
هذه من الأخطاء التي يخطئ فيها بعض الحجاج، وتلافي هذا كله أن يدعوا هذه الأخطاء ، وان يصححوا المسار على حسب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
هناك أيضاً خطأ زائد على ما قلت: وهو اعتقاد بعضهم أنه يجب أن يصلي ركعتين في الإحرام، وهذا خطأ أيضاً؛ فإنه لا يجب أن يصلي الإنسان ركعتين عند الإحرام، بل القول الراجح الذي ذهب إليه أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه لا يسن للإحرام صلاة خاصة، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا اغتسل الإنسان ولبس ثياب الإحرام، أحرم بدون صلاة، إلا إذا كان وقت صلاة مثل أن تكون صلاة الفريضة قد حان وقتها أو قرب وقتها، وهو يريد أن يمكث في الميقات حتى يصلي، فهنا الأفضل أن يكون إحرامه بعد الصلاة، أما أن يتعمد صلاة معينة في الإحرام، فإن القول الراجح: أنه ليس للإحرام صلاة تخصه، هذا ما يحضرني الآن مما يخطئ فيه الناس عند الإحرام.

ابو ضاري
23-11-2010, 08:17
أخطاء تقع في الإحرام بالحج يوم التروية
السؤال (285): فضيلة الشيخ، بالنسبة للإحرام يوم التروية هل هناك أخطاء يرتكبها الحجاج؟ وما علاجها؟
الجواب: نعم، هناك أخطاء في الإحرام في الحج يوم التروية ، فمنها ما سبق ذكره من الأخطاء عند الإحرام بالعمرة، وهو أن بعض الناس يعتقد وجوب الركعتين للإحرام، وأنه لابد أن تكون ثياب الإحرام جديدة وأنه لابد أن يحرم بالنعلين، وأنه يضطبع بالرداء من حين إحرامه إلى أن يحل.
ومن الأخطاء في إحرام الحج: أن بعض الناس يعتقد أنه يجب أن يحرم من المسجد الحرام، فتجده يتكلف ويذهب إلى المسجد الحرام ليحرم منه، وهذا ظن خطأ، فإن الإحرام من المسجد الحرام لا يجب ، بل السنة أن يحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه؛ لأن الصحابة الذين حلوا من إحرام العمرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أحرموا بالحج يوم التروية، لم يأتوا إلى المسجد الحرام ليحرموا منه، بل أحرم كل إنسان منهم من موضعه، وهذا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ فيكون هذا هو السنة، فالسنة للمحرم بالحج أن يكون إحرامه من المكان الذي هو نازل فيه، سواء كان في مكة أو في منى، كما يفعله بعض الناس الآن حيث يتقدمون إلى منى من أجل حماية الأمكنة لهم.
ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الحجاج يظن أنه لا يصح أن يحرم بثياب الإحرام التي أحرم بها في عمرته إلا أن يغسلها ، وهذا ظن خطأ أيضاً، لأن ثياب الإحرام لا يشترط أن تكون جديدة أو نظيفة، صحيح أنه كلما كانت أنظف فهو أولى، وأما أنه لا يصح الإحرام بها لأنه أحرم بها في العمرة، فإن هذا ظن ليس بصواب، هذا ما يحضرني الآن بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإحرام بالحج.



أخطاء تقع في التلبية
السؤال(286): فضيلة الشيخ، إذا انتقلنا من الإحرام، فهل هناك أخطاء تقع من الحجاج بعد الإحرام وما هي؟
الجواب: هناك أخطاء في الواقع تكون بعد الميقات، أو بعد الإحرام من الميقات إلى الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك في التلبية؛ فإن المشروع في التلبية: أن يرفع الإنسان صوته بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أتاني جبريل ، فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال ))(256) ، يعني بالتلبية ، ونرى أفواج الحجيج تمر بأعداد ضخمة لا نسمع أحداً يلبي، فلا يكون للحج مظهر في ذكر الله عز وجل، بل إنه تمر بك الأفواج وكأنهم لا ينطقون، والمشروع للرجال أن يرفعوا أصواتهم بقدر ما يستطيعون من غير مشقة في التلبية؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون هكذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ كما أشرنا إليه آنفاً.
وخطأ آخر في التلبية : أن بعض الحجاج يلبون بصوت جماعي، فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو في الخلف، ويلبي ثم يتبعونه بصوت واحد، وهذا لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم، ، بل قال أنس بن مالك: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم _ يعني في حجة الوداع- فمنا المكبر، ومنا المهلل، ومنا الملبي، وهذا هو المشروع للمسلمين؛ أن يلبي كل واحد بنفسه، وألا يكون له تعلق بغيره.



أخطاء تقع عند دخول الحرم
السؤال (287): فضيلة الشيخ، بقي علينا أن نعرف- أثابكم الله- الأخطاء التي تأتي عند دخول الحرم؟
الجواب: من الأخطاء التي تكون من بعض الحجاج عند دخول المسجد الحرام:
أولاً: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يدخل الحاج أو المعتمر من باب معين في المسجد الحرام ، فيرى بعض مثلاً أنه لابد أن يدخل إذا كان معتمراً من الباب الذي يسمى باب العمرة، وأن هذا أمر لابد منه أو أمر مشروع، ويرى آخرون أنه لابد أن يدخل من باب السلام، وأن الدخول من غيره يكون إثماً أو مكروهاً، وهذا لا أصل له، فللحاج والمعتمر أن يدخل من أي باب كان.
وإذا دخل المسجد، فليقدم رجله اليمنى، وليقل ما ورد في الدخول لسائر المساجد، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (( اللهم، اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك))(257).
ثانياً: أن بعض الناس يبتدع أدعية معينة عند دخول المسجد ورؤية البيت، يبتدع أدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو الله بها، وهذا من البدع، فإن التعبد لله تعالى بقول أو فعل أو اعتقاد لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدعة وضلالة، حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً: يخطئ بعض الناس- حتى من غير الحجاج- حيث إنهم يعتقدون أن تحية المسجد الحرام: الطواف، بمعنى أنه يسن لكل من دخل المسجد الحرام أن يطوف اعتماداً على قول بعض الفقهاء في ذلك: إن سنة المسجد الحرام الطواف، والواقع أن الأمر ليس كذلك؛ فالمسجد الحرام كغيره من المساجد التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس ))(258) ، ولكن إذا دخلت المسجد الحرام للطواف سواء كان الطواف طواف نسك كطواف العمرة والحج، أو كان طواف تطوع كالأطوفة في غير النسك ، فإنك يجزئك أن تطوف وإن لم تصل ركعتين.
هذا هو معنى قولنا: إن المسجد الحرام تحيته الطواف، وعلى هذا فإذا دخلت بغير نية الطواف ولكن لانتظار الصلاة او لحضور مجلس علم أو ما أشبه ذلك، فإن المسجد الحرام كغيره ، يسن فيه أن تصلي ركعتين قبل أن تجلس ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
هذا الذي يحضرني الآن فيما يخطئ فيه الناس عند دخول المسجد الحرام.



أخطاء تقع في الطواف
السؤال (288): فضيلة الشيخ، إذا دخل الحاج أو المعتمر أو غيرهما الحرم وأراد أن يطوف ، لا شك أنه يقع هناك بعض الأخطاء ، حبذا لو بينتم هذه الأخطاء التي تقع في الطواف؟
الجواب: في الطواف أيضاً أخطاء كثيرة، تقع من بعض الحجاج أو غير الحجاج.
فمنها: النطق بالنية عند إرادة الطواف، تجد الحاج يقف مستقبل الحجر إذا أراد الطواف فيقول: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج أو: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقرباً إليك، وما أشبهها.
والتلفظ بالنية بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يأمر أمته به، وكل من تعبد لله تعالى بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يأمر أمته به، فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة.
وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل، فما الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور، وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف، وإذا كان الله سبحانه وتعالى عالماً بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا لعباد الله، فإن قلت: أنا أقوله بلساني ليطابق ما في قلبي، قلنا: العبادات لا تثبت بالأقيسة، والنبي عليه الصلاة والسلام قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند طوافه، والصحابة رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم، ولا عند غيره من العبادات؛ فهذا خطأ.
الخطأ الثاني: أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحجر والركن اليماني، مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره، مزاحمة قد تكون مع امرأة ، وربما ينزغه من الشيطان نزغ، فتحصل في قلبه شهوة في هذا المقام الضنك، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل، وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه؛ كما أنه فتنة في أي مكان كان.
والمزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني ليست بمشروعة ، بل إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود.
أما الركن اليماني: فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، ولا يمكن قياسه على الحجر الأسود أعظم منه، والحجر الأسود لأن الحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه(259).
والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال، وكما أنه يخشى من الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة - فهي أيضاً تحدث تشويشاً في القلب والفكر؛ لأن الإنسان لابد عند المزاحمة من أن يسمع كلاماً يكرهه، أو يسمع هو كلاماً يكرهه ويتندم عليه؛ فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل.
والذي ينبغي للطائف أن يكون دائماً في هدوء وطمأنينة ، من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله))(260).
الخطأ الثالث مما يقع في الطواف: أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون تقبيل الحجر، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف، ولصحة الحج أيضاً أو العمرة، وهذا ظن خطأ، وتقبيل الحجر سنة، وليست سنة مستقلة أيضاً، بل هي سنة للطائف ، ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف، وعلى هذا: فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ولا بشرط ، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول له: إن طوافه غير صحيح، أو إن طوافه ناقص نقصاً يأثم به، بل طوافه صحيح، بل نقول: إنه إذا كان هناك مزاحمة شديدة، فإن الإشارة أفضل من الاستلام؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول عليه الصلاة والسلام عند الزحام، ولأن الإنسان يتقي به أذى يكون منه لغيره، أو يكون من غيره له.
فلو سألنا سائل وقال: إن المطاف مزدحم فما ترون ، هل الأفضل أن أزاحم فاستلم الحجر وأقبله ، أم الأفضل أن أشير إليه؟
قلنا: الأفضل أن تشير إليه؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
الرابع من الأخطاء التي يفعلها بعض الطائفين: تقبيل الركن اليماني، وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة وليست بقربة ؛ وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة.
وكذلك أيضاً: نجد بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به، وهذا خطأ؛ فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تقدم إلا للأذى؛ كالاستنجاء بها، والاستجمار بها، والامتخاط بها، وما أشبه ذلك، وأما مواضع التقبيل والاحترام، فإنه يكون لليد اليمنى.
الخامس من الأخطاء التي يرتكبها بعض الطائفين: أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد، فيتمسحون به تبركاً؛ وهذا بلا شك خلاف ما قصد به؛ فإن المقصود بالتمسح بالحجر الأسود أو بمسحه وتقبيله : تعظيم الله عز وجل؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال : (( الله أكبر)) ، إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك، ما قبلتك(261)، هذا الظن الخاطئ من بعض الناس، وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك، أدى ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده ثم يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني ، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن ينهى عنه ، وأن يبين للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع ، وأن المقصود بمسحها: تعظيم الله عز وجل ، وإقامة ذكره ، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم .
وننتقل من هذا إلى خطأ يقع أيضاً في المدينة المنورة عند حجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان بعض العامة يتمسحون بالشباك الذي على الحجرة، ويمسحون به بأيديهم ووجوههم ورؤوسهم وصدورهم ؛ اعتقاداً منهم أن في هذا بركة، وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعة فيه، بل هو بدعة ولا ينفع صاحبه بشيء، لكن إن كان صاحبه جاهلاً، ولم يطرأ على باله أنه من البدع، فيرجى أن يعفى عنه، وإن كان عالماً أو متهاوناً لم يسأل عن دينه، فإنه يكون آثما ، فالناس في هذه الأمور التي يفعلونها: إما جاهل جهلاً مطبقاً لا يطرأ بباله أن هذا محرم؛ فهذا يرجى أن لا يكون عليه شيء، وإما عالم متعمد ليَضل ويُضل الناس؛ فهذا آثم بلا شك، وعليه إثم من تبعه واقتدى به، وإما رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم، فيخشى أن يكون آثماً بتفريطه وعدم سؤاله.



أخطاء تقع في الطواف ( تتمة)
السؤال (289) : فضيلة الشيخ، كنا نتحدث عن الأخطاء التي تقع من الحجاج في الطواف وأخذنا طرفاً منها، فهل لنا أن نسمع البقية؟
الجواب: هناك أخطاء أخرى يفعلها بعض الحجاج في الطواف غير التي سبق أن ذكرنا:
منها: الرمل في جميع الأشواط: مع أن المشروع أن يكون الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمل هو وأصحابه في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وأما الأربعة الباقية فيمشي على ما هو عليه، على عادته ، وكذلك الرمل لا يكون إلا للرجال، وفي الطواف أول ما يقدم إلى مكة، سواء كان ذلك طواف قدوم أو طواف عمرة.
ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يخصص كل شوط بدعاء معين، وهذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوط بدعاء، ولا أصحابه أيضاً، وغاية ما في ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: 201) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (( إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله))(262).
وتزداد هذه البدع خطأ، إذا حمل الطائف كتيباً، كتب فيه لكل شوط دعاء وهو يقرأ هذا الكتيب، ولا يدري ماذا يقول؛ إما لكون جاهلاً باللغة العربية،ولا يدري ما المعنى، وإما لكونه عربياً ينطق باللغة العربية ولكنه لا يدرى ما يقول، حتى إننا نسمع بعضهم يدعو بأدعية هي في الواقع محرفة تحريفاً بيناً، من ذلك أننا سمعنا من يقول: اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، والصواب: بحلالك عن حرامك.
ومن ذلك : أننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب، فإذا انتهى دعاء الشوط، وقف ولم يدع في بقية شوطه، وإذا كان المطاف خفيفاً، وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء، قطع الدعاء.
ودواء ذلك: أن نبين للحجاج، بأن الإنسان في الطواف يدعو بماء شاء، وبما أحب، ويذكر الله تعالى بما شاء ، فإذا بين للناس هذا زال الإشكال.
ومن الأخطاء أيضاً، وهو خطأ عظيم جداً: أن بعض الناس يدخل في الطواف من باب الحجر، أي: المحجر الذي على شمال الكعبة، يدخل من باب الحجر، ويخرج من الباب الثاني في أيام الزحام ، يرى أن هذا أقرب وأسهل؛ وهذا خطأ عظيم؛ لأن الذي يفعل ذلك لا يعتبر طائفاً بالبيت، والله تعالى يقول: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(الحج: 29)، والنبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من وراء الحجر، فإذا طاف الإنسان من داخل الحجر ، فإنه يعتبر طائفاً بالبيت، فلا يصح طوافه، وهذه مسألة خطيرة، لا سيما إذا كان الطواف ركناً؛ كطواف العمرة، وطواف الإفاضة.
ودواء ذلك: أن نبين للحجاج أنه لا يصح الطواف إلا بجميع البيت، ومنه الحجر.
وبهذه المناسبة أود أن أبين أن كثيراً من الناس يطلقون على هذا الحجر اسم ( حجر إسماعيل) والحقيقة : أن إسماعيل لا يعلم به، وأنه ليس حجراً له، وإنما هذا الحجر حصل حين قصرت النفقة على قريش، حين أرادوا بناء الكعبة، فلم تكف النفقة لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فحطموا منها هذا الجانب، وحجروه بهذا الجدار، وسمي حطيماً وحجراً، وإلا فليس لإسماعيل فيه أي علم أو أي عمل.
ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس لا يلتزم بجعل الكعبة عن يساره ، فتجده يطوف معه نساؤه، ويكون قد وضع يده مع يد زميله لحماية النساء، فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره، وزميله الآخر يطوف والكعبة بين يديه ، وهذا خطأ عظيم أيضاً؛ لأن أهل العلم يقولون: من شرط صحة الطواف أن يجعل الكعبة عن يساره، فإذا جعلها خلف ظهره، أو جعلها أمامه، أو جعلها عن يمينه وعكس الطواف ، فكل هذا طواف لا يصح ، والواجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر، وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن يساره في جميع طوافه.
ومن الناس: من يتكيف في طوافه حال الزحام، فيجعل الكعبة خلف ظهره أو أمامه لبضع خطوات من أجل الزحام، وهذا خطأ، فالواجب على المرء أن يحتاط لدينه، وأن يعرف حدود الله تعالى في العبادة قبل أن يتلبس بها، حتى يعبد الله تعالى على بصيره، وإنك لتعجب أن الرجل إذا أراد أن يسافر إلى بلد يجهل طريقها، فإنه لا يسافر إليها حتى يسأل ويبحث عن هذا الطريق، وعن الطريق السهل، ليصل إليها براحة وطمأنينة ، وبدون ضياع أو ضلال، أما في أمور الدين، فإن كثيراً من الناس مع الأسف يتلبس بالعبادة وهو لا يدري حدود الله تعالى فيها، وهذا من القصور ، بل من التقصير ، نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية، وأن يجعلنا ممن يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله.
ومن الأخطاء في الطواف أيضاً: أن بعض الطائفين يستلم جميع أركان الكعبة الأربعة: الحجر الأسود، والركن اليماني، والركن الشامي، والركن العراقي ، يزعمون أنهم بذلك يعظمون بيت الله عز وجل، بل من الناس من يتعلق بأستار الكعبة من جميع الجوانب، وهذا أيضاً من الخطأ.
وذلك لأن المشروع : استلام الحجر الأسود وتقبيله إن أمكن ، وإلا فالإشارة إليه.
أما الركن اليماني : فالمشروع استلامه بدون تقبيل إن تيسر، وإن لم يتيسر ، فلا يشير إليه أيضاً؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أما استلام الركن العراقي، وهو أول ركن يمر به بعد الحجر الأسود، والشامي، وهو الركن الذي يليه ، فهذا من البدع ، وقد أنكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما استلام جميع الأركان ، وقال له: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الركنين اليمانيين ، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، فقال معاوية رضي الله عنه: صدقت. ورجع إلى قول ابن عباس، بعد أن كان رضي الله عنه يستلم الأركان الأربعة ويقول: ليس شيء من البيت مهجوراً(263)
ومن الأخطاء في الطواف : رفع الصوت بالدعاء؛ فإن بعض الطائفين يرفع صوته بالدعاء رفعاً مزعجاً، يذهب الخشوع ، ويسقط هيبة البيت، ويشوش على الطائفين، والتشويش على الناس في عباداتهم أمر منكر؛ فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة وهم يقرؤون ويجهرون بالقراءة في صلاتهم، فأخبرهم عليه الصلاة والسلام بأن كل مصل يناجي ربه، ونهاهم أن يجهر بعضهم على بعض في القرآن أو في القراءة، قال: (( لا يؤذين بعضكم بعضاً))(264).
ولكن بعض الناس- نسأل الله لنا ولهم الهداية - في المطاف يدعون ويرفعون أصواتهم بالدعاء، وهذا كما أن فيه المحذورات التي ذكرناها، وهي إذهاب الخشوع، وسقوط هيبة البيت، والتشويش على الطائفين؛ فهو مخالف لظاهر قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (الأعراف:55) .
هذه الأخطاء التي سقناها في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين لإصلاحها، حتى يكون طوافهم موافقاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس الدين يؤخذ بالعاطفة والميل، ولكنه يؤخذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن الأخطاء العظيمة في الطواف: أن بعض الناس يبتدئ من عند باب الكعبة، لا يبتدئ من الحجر الأسود، والذي يبتدئ من عند باب الكعبة، ويتم طوافه على هذا الأساس ، لا يعتبر متما للطواف؛ لأن الله يقول: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(الحج: 29)،وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود، وقال للناس: (( لتأخذوا عني مناسككم))(265). وإذا ابتدأ من عند الباب أو من دون محاذاة الحجر الأسود ولو بقليل ، فإن هذا الشوط الأول الذي ابتدأه يكون لاغياً؛ لأنه لم يتم، وعليه أن يأتي ببدله إن ذكر قريباً، وإلا فليعد الطواف من أوله.
والحكومة السعودية- وفقها الله- قد وضعت خطا بنيا ينطلق من حذاء قلب الحجر الأسود إلى آخر المطاف، ليكون علامة على ابتداء الطواف، والناس من بعد وجود هذا الخط صار خطؤهم في هذه الناحية قليلاً، لكنه يوجد من بعض الجهال، وعلى كل حال فعلى المرء أن ينتبه لهذا الخطأ، لئلا يقع في خطر عظيم من عدم تمام طوافه.
السؤال (290) بعض الحجاج إذا جاء إلى هذا الخط الذي وضع علامة على ابتداء الطواف، وقف طويلاً، وحجر على إخوانه أن يستمروا في الطواف، فما حكم الوقوف على هذا الخط والدعاء الطويل؟
الجواب: الوقوف عند هذا الخط لا يحتمل وقوفاً طويلاً، بل يستقبل الإنسان الحجر ويشير إليه ويكبر ويمشي، وليس هذا موقفاً يطال فيه الوقوف، لكني أرى بعض الناس يقفون ويقولن: نويت أن أطوف لله تعالى سبعة أشواط، طواف العمرة ، أو تطوعاً، أو ما أشبه ذلك، وهذا يرجع إلى الخطأ في النية، وقد نبهنا عليه، وأن التكلم بالنية في العبادات بدعة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، وأنت تعمل العبادة لله سبحانه وتعالى، وهو عالم بنيتك فلا يحتاج إلى أن تجهر بها.



أخطاء تقع في ركعتي الطواف
السؤال (291): فضيلة الشيخ، سألنا عن الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في الإحرام، ودخول الحرم، والطواف ، وبقي علينا ركعتا الطواف، هل هناك أخطاء في هاتين الركعتين يقع فيها الحجاج ينبغي التنبيه عليها؟
الجواب: بقي علينا أخطاء يقع فيها الحجاج في ركعتي الطواف وفي غيرها أيضاً،فمن الأخطاء : أن بعض الناس يظنون أن هاتين الركعتين لابد أن تكونا خلف المام وقريباً منه أيضاً ولهذا تجدهم يزاحمون زحاماً شديداً، يؤذون الطائفين ، وهم ليس لهم حق في هذا المكان، لأن الطائفين أحق به منهم، ما دام المطاف مزدحماً؛ لأن الطائفين ليس لهم مكان سوى هذا ، وأما المصلون للركعتين بعد الطواف، فلهم مكان آخر، المهم أننا نجد بعض الناس - نسأل الله لنا ولهم الهداية - يتحلقون خلف المقام، ويشغلون مكاناً كبيراً، واسعاً من أجل رجل واحد أو امرأة واحدة تصلي خلف المقام، ويحصل في ذلك من قطع الطواف للطائفين وازدحامهم؛ لأنهم يأتون من مكان واسع، ثم يضيق بهم المكان هنا من أجل هذه الحلقة التي تحلق بها هؤلاء ، فيحصل بذلك ضنك وضيق، وربما يحصل مضاربة ومشاتمة، وهذا كله إيذاء لعباد الله عز وجل، وتحجر لمكان غيرهم به أولى، وهذا الفعل لا يشك عاقل عرف مصادر الشريعة ومواردها أنه محرم، وأنه لا يجوز؛ لما فيه من إيذاء المسلمين، وتعريض طواف الطائفين للفساد أحياناً، لأن الطائفين أحياناً باشتباكهم مع هؤلاء ، يجعلون البيت إما خلفهم وإما أمامهم ، مما يخل بشرط من شروط الطواف، فالخطأ هنا أن بعض الناس يعتقد أنه لابد أن تكون الركعتان خلف المقام وقريباً منه، والأمر ليس كما ظن هؤلاء ، فالركعتان تجزئان في كل مكان من المسجد، ويمكن للإنسان أن يجعل المقام بينه وبين البيت،أي: بينه وبين الكعبة ولو كان بعيداً منه، ويكون بذلك قد حقق السنة، من غير إيذاء للطائفين ولا لغيرهم.
ومن الأخطاء في هاتين الركعتين: أن بعض الناس يطولهما، يطيل القراءة فيهما، ويطيل الركوع والسجود، والقيام والقعود، وهذا مخالف للسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هاتين الركعتين، ويقرأ في الأولى : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (الكافرون:1) وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الاخلاص:1)، وينصرف من حين أن يسلم ، تشريعاً للأمة، ولئلا يحجز المكان عمن هو أحق به منه، فإن هذا المكان إنما يكون للذين يصلون ركعتين خلفه بعد الطواف، أو للطائفين إن ازدحم المطاف، ولهذا يخطئ بعض الناس الذين يطيلون الركعتين خلف المقام، لمخالفتهم السنة، وللتضييق على إخوانهم من الطائفين إذا كان الطواف مزدحماً، ولاحتجاز المكان الذي غيرهم أولى به، ممن أتموا طوافهم ويريدون أن يصلوا ركعتين خلف المقام.
ومن الأخطاء أيضاً في هاتين الركعتين : أن بعض الناس إذا أتمهما ، جعل يدعو؛ يرفع يديه، ويدعو دعاء طويلاً، والدعاء بعد الركعتين هنا ليس بمشروع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولا أرشد أمته إليه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فلا ينبغي للإنسان أن يبقى بعد الركعتين ليدعو؛ لأن ذلك خلاف السنة،ولأنه يؤذي الطائفين إذا كان الطواف مزدحماً، ولأنه يحجز مكاناً غيره أولى به ممن أتموا الطواف وأردوا أن يصلوا في هذا المكان.
ومن البدع أيضاً هنا : ما يفعله بعض الناس حيث يقوم عند مقام إبراهيم ، ويدعو دعاء طويلاً، يسمى دعاء المقام، وهذا الدعاء لا أصل له أبداً في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو من البدع التي ينهى عنها، وفيه مع كونه بدعه- وكل بدعة ضلالة- أن بعض الناس يمسك كتاباً فيه هذا الدعاء ، ويبدأ يدعو به بصوت مرتفع ويؤمن عليه من خلفه، وهذا بدعة إلى بدعة، وفيه أيضاً تشويش على المصلين حول المقام ، والتشويش على المصلين سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه.
وكل هذه الأخطاء التي ذكرناها في الركعتين وبعدهما، تصويبها أن الإنسان يتمشى في ذلك على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا تمشينا عليه، زالت عنا هذه الأخطاء كلها.



حكم الدعاء بعد النافلة، ومسح الوجه
السؤال (292): فضيلة الشيخ، ذكرتم من الأخطاء في ركعتي الطواف أن يدعو الإنسان بعد الركعتين، وهناك أيضاً من يدعو طويلاً ثم يمسح وجهه، فهل هذا خاص بركعتي الطواف، أو يعم في جميع السنن التي يصليها الإنسان؟
الجواب: في سؤالك هذا مسألتان:
المسألة الأولى: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء.
والمسألة الثانية: الدعاء بعد النافلة.
أما الأولى- وهي: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء -: فإنه وردت فيه أحاديث ضعيفة اختلف فيها أهل العلم.
فذهب شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : إلى أن هذه الأحاديث لا تقوم بها حجة؛ لأنها ضعيفة مخالفة لظاهر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما؛ فإنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بأحاديث صحيحة، وأنه رفع يديه في ذلك، ولم يذكر أنه مسح بهما وجهه، وهذا يدل على أنه لم يفعله؛ لأنه لو فعله لتوافرت الدواعي على نقله ونقل، وممن رأى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء بدعة.
ومن العلماء: من يرى أن هذه الأحاديث الضعيفة بمجموعها ترتقي إلى درجة الحسن لغيره، أي: درجة الحديث الحسن لغيره، ولأن الطرق الضعيفة إذا كثرت على وجه ينجبر بعضها ببعض، صارت من قسم الحسن لغيره، ومن هؤلاء ابن حجر العسقلاني في (( بلوغ المرام)).
والذي يظهر لي: أن الأولى عدم المسح، أي: عدم مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، لأنه وإن قلنا: إن هذا الحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره، فإنه يبقى متنه شاذاً، لأنه مخالف للظاهر من الأحاديث الصحيحة التي وردت بكثرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه.
وعلى كل حال: فلا أتجاسر على القول بأن ذلك بدعة، ولكني أرى أن الأفضل أن لا يمسح ، ومن مسح فلا ينكر عليه؛ هذا بالنسبة للفقرة الأولى من سؤالك.
أما بالنسبة للثانية - وهي الدعاء بعد النافلة - فإن الدعاء بعد النافلة إن اتخذه الإنسان سنة راتبة، بحيث يعتقد أنه يشرع كلما سلم من نافلة أن يدعو، فهذا أخشى أن يكون بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فما أكثر ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفل، ولم يرد عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعده، ولو كان هذا من المشروع ، لسنه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إما بقوله أو بفعله أو بإقراره.
ثم إنه ينبغي أن يعلم: أن الإنسان ما دام في صلاته، فإنه يناجي ربه، فكيف يليق بالإنسان أن يدع الدعاء في الحال التي يناجي فيها ربه، ثم يأخذ في التضرع بعد انصرافه من صلاته وانقطاع مناجاته لله عز وجل في صلاته، فكان الأولى والأجدر بالإنسان أن يجعل الدعاء قبل السلام ما دام في الحال التي يناجي فيها ربه، وهذا المعنى أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو معنى حسن جيد ، فإذا أردت أيها الأخ المسلم أن تدعو الله عز وجل فاجعل دعاءك قبل السلام ، لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في حديث عبد الله بن مسعود حين ذكر التشهد قال: (( ثم يتخير من الدعاء ما شاء ))(266) ، ولأنه أليق بحال الإنسان، لما أسلفنا من كونه في حال صلاته يناجي ربه.



أخطاء تقع في الطريق إلى المسعى، وفي المسعى
السؤال (293) : فضيلة الشيخ، وصلنا في أسئلتنا عن الأخطاء التي تقع في الحج إلى الأخطاء التي تقع في ركعتي الطواف، وما يكون فيها أيضاً من دعاء وإطالة، وما إلى ذلك، الآن نريد أن نعرف الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج أو يقعون فيها عند الخروج إلى المسعى ، وفي المسعى ، وفي الأدعية التي تقال فيه؟
الجواب: أما بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في المسعى فيحضرني منها الأخطاء التالية:
الأول: النطق بالنية، فإن بعض الحجاج إذا أقبل على الصفا قال: إني نويت أن أسعى سبعة أشواط لله تعالى، ويعين النسك الذي يسعى فيه، يقول ذلك أحياناً إذا أقبل على الصفا ، وأحياناً إذا صعد إلى الصفا، وقد سبق أن النطق بالنية من البدع ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية لا سراً ولا جهراً، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها))(267) وهذا الخطأ يتلافى بأن يقتصر الإنسان على ما في قلبه من النية، وهو إنما ينوي لله عز وجل، والله تعالى عليم بذات الصدور.
الخطأ الثاني: أن بعض الناس إذا صعد إلى الصفا واستقبل القبلة ، جعل يرفع يديه ويشير بهما كما يفعل ذلك في تكبيرات الصلاة ، صلاة الجنازة ، أو عند تكبيرات الإحرام والركوع والرفع منه، أو القيام من التشهد الأول، يرفعها هكذا إلى حذو المنكبين ويشير، وهذا خطأ، فإن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه رفع يديه وجعل يدعو، وهذا يدل على أن رفع اليدين هنا رفع دعاء، وليس رفعاً كرفع التكبير، وعليه فينبغي للإنسان إذا صعد الصفا أن يتجه إلى القبلة ، ويرفع يديه للدعاء، ويأتي بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، ويدعو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الخطأ الثالث: أن بعض الحجاج يمشي بين الصفا والمروة مشياً واحداً، مشيه المعتاد، ولا يلتفت إلى السعي الشديد بين العلمين الأخضرين، وهذا خلاف السنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى سعياً شديداً في هذا المكان، أعني : في المكان الذي بين العلمين الأخضرين، وهما إلى الصفا أقرب منهما إلى المروة، فالمشروع للإنسان إذا وصل إلي العلم الأخضر الأول الذي يلي الصفا: أن يسعى سعياً شديداً بقدر ما يتحمله ، بشرط ألا يتأذى ولا يؤذي أحداً بذلك، وهذا إنما يكون حينما يكون المسعى خفيفاً، فيسعى بين هذين العلمين ثم يمشي إلى المروة مشيه المعتاد ، هذه في السنة.
الخطأ الرابع: على العكس من ذلك؛ فإن بعض الناس إذا كان يسعى تجده يرمل في جميع السعى، من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا ، فيحصل في ذلك مفسدتان أو أكثر:
المفسدة الأولى: مخالفة السنة.
والمفسدة الثانية: المشقة على نفسه؛ فإن بعض الناس يجد مشقة شديدة في هذا العمل؛ لكنه يتحمل بناء على أن ذلك هو السنة، فتجده يرمل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، وهكذا حتى ينهي سعيه.
ومن الناس: من يفعل ذلك لا تحرياً للخير، ولكن حبا للعجلة، وإنهاء للسعي بسرعة، وهذا شر مما قبله ؛ لأن هذا ينبئ عن تبرم الإنسان بالعبادة، وملله منها، وحبة الفرار منها، والذي ينبغي للمسلم أن يكون قلبه مطمئنا، وصدره منشرحاً بالعبادة ، يحب أن يتأنى فيها على الوجه المشروع الذي جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما أن يفعلها وكأنه يريد الفرار منها، فهذا دليل على نقص إيمانه ، وعدم اطمئنانه بالعبادة.
والمفسدة الثالثة من الرمل في جميع أشواط السعي: أنه يؤذي الساعين، فأحياناً يصطدم بهم ويؤذيهم، وأحياناً يكون مضّيقاً عليهم وزاحماً لهم، فيتأذون بذلك ، فنصيحتي لإخواني المسلمين في هذا المقام: أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن هديه خير الهدي، وأن يمشوا في جميع الأشواط إلا فيما بين العلمين، فإنهم يسعون سعياً شديداً؛ كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ما لم يتأذوا بذلك أو يؤذوا غيرهم.
الخطأ الخامس: أن بعض الناس يتلو قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة: من الآية158) في كل شوط، كلما أقبل على الصفا، وكلما أقبل على المروة، وهذا خلاف السنة ؛ فإن السنة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلاوة هذه الآية أنه تلاها حين دنا من الصفا بعد أن أتم الطواف وركعتي الطواف وخرج إلى المسعى ، فلما دنا من الصفا قرأ : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(ابدأ بما بدأ الله به))(268) إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أنه إنما جاء ليسعى ؛ لأن هذا من شعائر الله عز وجل، وأنه إنما بدأ من الصفا؛ لأن الله تعالى بدأ به، فتكون تلاوة هذه الآية مشروعة عند ابتداء السعي ، إذا دنا من الصفا وليست مشروعة كلما دنا من الصفا في كل شوط ، ولا كلما دنا من المروة ، وإذا لم تكن مشروعة فلا ينبغي للإنسان أن يأتي بها إلا في الموضع الذي أتى بها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الخطأ السادس: أن بعض الذين يسعون يخصصون كل شوط بدعاء معين، وقد سبق أن هذا من البدع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخصص كل شوط بدعاء معين لا في الطواف ولا في السعي أيضاً، وإذا كان هذا من البدع ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( كل بدعة ضلالة))(269).
وعليه: فاللائق بالمؤمن أن يدع هذه الأدعية، وأن يشتغل بالدعاء الذي يرغبه ويريده، يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويذكر الله، ويقرأ القرآن، وما أشبه ذلك من الأقوال المقربة إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله))(270)
الخطأ السابع: الدعاء من كتاب لا يعرف معناه؛ فإن كثيراً من الكتب التي يأيدي الحجاج لا يعرف معناها، بالنسبة لحاملها، وكأنهم يقرؤونها تعبداً لله تعالى بتلاوة ألفاظها؛ لأنهم لا يعرفون المعنى، ولا سيما إذا كانوا غير عالمين باللغة العربية، وهذا من الخطأ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء لا تعرف معناه.
والمشروع لك: أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء تعرف معناه، وترجو حصوله من الله عز وجل؛ وعليه: فالدعاء بما تريده أنت، بالصيغة التي تريدها ولا تخالف الشرع؛ أفضل بكثير من الدعاء بهذه الأدعية التي لا تعرف معناها، وكيف يمكن لشخص أن يسأل الله تعالى شيئاً وهو لا يدري ماذا يسأله؟! وهل هذا إلا من إضاعة الوقت والجهل ؟1 ولو شئت لقلت : إن هذا من سوء الأدب مع الله عز جل؛ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بأمر لا تدري ما تريد منه!!
الخطأ الثامن: البداءة بالمروة؛ فإن بعض الناس يبدأ بالمروة جهلاً منه يظن أن الأمر سواء فيما إذا بدأ من الصفا أو بدأ من المروة ، أو يسوقه تيار الخارجين من المسجد، حتى تكون المروة أقرب إليه من الصفا فيبدأ بالمروة جهلاً منه وإذا بدأ الساعي بالمروة ، فإنه يلغي الشوط الأول، فلو فرضنا أنه بدأ بالمروة، فأتم سبعة أشواط، فإنه لا يصح منها إلا ستة، لأن الشوط الأول يكون لاغياً، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب البداءة بالصفا حيث قال: (( أبدأ بما بدأ الله به))(271)
الخطأ التاسع: أن بعض الناس يعتبر الشوط الواحد من الصفا إلى الصفا ، يظن أنه لابد من إتمام دورة كاملة كما يكون في الطواف من الحجر إلى الحجر ، فيبدأ من الصفا وينتهي إلى المروة، ويجعل هذا بعض الشوط لا كله، فإذا رجع من المروة إلى الصفا اعتبر هذا شوطاً واحداً، وعلى هذا فيكون سعيه أربعة عشر شوطاً، وهذا أيضاً خطأ عظيم، وضلال بين؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، لكنه ابتدأ بالصفا واختتم بالمروة، وجعل الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع من المروة إلى الصفا شوطاً آخر، وهذا الذي يقع من بعض الحجاج إنما يكون جهلاً منهم بالسنة، وتفريطاً منهم في عدم التعلم، وقد أشرنا مراراً إلى أنه ينبغي- بل يجب- على المسلم إذا أراد أن يفعل عبادة، أن يتعلم حدود ما أنزل الله فيها قبل أن يفعلها ، وهذا التعلم من فروض الأعيان، لأنه لا يستقيم دين المرء إلا به، أعني تعلم حدود ما أنزل الله في عباده يريد الإنسان أن يفعلها، هو من فرض الأعيان، يجب عليه أن يتعلم حدود ما أنزل الله في هذه العبادة؛ ليعبد الله تعالى على بصيرة.
الخطأ العاشر: السعي في غير نسك، يعني أن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي بين الصفا والمروة في غير نسك، أي: في غير حج ولا عمرة ، يظن أن التطوع بالسعي مشروع كالتطوع بالطواف، وهذا أيضاً خطأ، والذي يدلنا على هذا أنك تجد بعض الناس في زمن العمرة- أي: في غير زمن الحج يسعى بين الصفا والمروة بدون أن يكون عليه ثياب الإحرام، مما يدل على أنه محل، فإذ سألته لماذا تفعل ذلك؟ قال: لأني أتعبد لله عز وجل بالسعي ، كما أتعبد بالطواف، وهذا جهل مركب؛ جهل مركب؛ لأنه صار جاهلاً بحكم الله، وجاهلاً بحاله، حيث ظن أنه عالم وليس هو بعالم.
أما إذا كان السعي في زمن الحج بعد الوقوف بعرفة، فيمكن أن يسعى الإنسان وعليه ثيابه المعتادة؛ لأنه يتحلل برمي جمرة العقبة يوم العيد، وبالحلق أو التقصير ، ثم يلبس ثيابه ويأتي إلى مكة ليطوف ويسعى بثيابه المعتادة.
على كل حال أقول: إن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي من غير حج ولا عمرة، وهذا لا أصل له، بل هو بدعة ، ولا يقع غالباً إلا من شخص جاهل، لكنه يعتبر من الأخطاء في السعي.
الخطأ الحادي عشر: التهاون بالسعي على العربة بدون عذر؛ فإن بعض الناس يتهاون بذلك، ويسعى على العربة بدون عذر، مع أن كثيراً من أهل العلم قالوا: إن السعي راكباً لا يصح إلا لعذر، وهذه المسألة مسألة خلاف بين العلماء، أي: أنه هل يشترط في السعي أن يكون الساعي ماشياً - إلا من عذر- أو لا يشترط ؟ ولكن الإنسان ينبغي له أن يحتاط لدينه، وأن يسعى ماشياً ما دام قادراً، فإن عجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة حين قالت: إني أريد أن أطوف وأجدني شاكية. قال: (( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة))(272) فأذن لها بالركوب في الطواف؛ لأنها مريضة ، وهكذا نقول في السعي: إن الإنسان إذا كان لا يستطيع أو يشق عليه السعي مشقة تتعبه، فلا حرج عليه أن يسعى على العربة ، هذا ما يحضرني من الأخطاء في السعي.



صعود المرأة الصفا ومزاحمتها الرجال
السؤال (294): فضيلة الشيخ، من المعروف أن الصفا ضيق والمروة أضيق منه، ومع ذلك نرى النساء يصعدن إلى الصفا والمروة ويزاحمن الرجال، فهل من السنة صعود المرأة على الصفا؟
الجواب: المعروف عند الفقهاء: أنه لا يسن للمرأة أن تصعد الصفا والمروة، وإنما تقف عند أصولهما، ثم تنحرف لتأتي ببقية الأشواط، لكن لعل هؤلاء النساء اللاتي يشاهدن صاعدات على الصفا والمروة يكن مع محارمهن، ولا يتسنى لهن مفارقة المحارم؛ لأنهن يخشين من الضياع ، وإلا فإن الأولى بالمرأة ألا تزاحم الرجال في أمر ليس مطلوباً منها.



صفة السعى بين العلمين الأخضرين
السؤال (295) : فضيلة الشيخ، أيضاً ذكرتم من الأخطاء ترك السعي الشديد بين العلمين الأخضرين، وذكرتم أنه أقرب إلى الصفا، وذكرتم أن السعي يكون في الذهاب من الصفا إلى المروة، فهل يلزم أيضاً السعي الشديد في العودة بين العلمين الأخضرين من المروة إلى الصفا؟
الجواب: نعم، السعي الشديد ليس بلازم، لكن الأفضل أن يسعى سعياً شديداً بين العلمين ، في ذهابه من الصفا إلى المروة، وفي رجوعه من المروة إلى الصفا ، لأن كل مرة من هذه شوط ، والسعي بين العلمين مشروع في كل الأشواط

ابو ضاري
23-11-2010, 08:19
هل يقول الساعي: (( أبدأ بما بدأ الله به))
السؤال ((296)) فضيلة الشيخ، أيضاً ذكرتم أن من الأخطاء أن بعض الناس يدعو أو يتلو الآية: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ ..) عند الصعود إلى الصفا أو المروة كل شوط، وقلتم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم تلا أول الآية: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(أبدأ بما بدأ الله به))(273) ، فهل يقول مثل الرسول: (( أبدأ بما بدأ الله به))، أو يكمل الآية؟
الجواب: الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جابر قوله - أي: جابر- فلما دنا من الصفا قرأ : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) فيحتمل أنه قرأ الآية كلها، ويحتمل أنه قرأ هذا الجزء منها، فإن كمل الآية فلا حرج عليه.
وأما قوله : (( أبدأ بما بدأ الله به)) فيقولها الإنسان أيضاً، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإشعاراً لنفسه أنه فعل ذلك طاعة لله عز وجل، حيث ذكر الله أنهما من شعائر الله، وبدأ بالصفا.



واجب المطوفين تجاه الحجاج
السؤال (297): فضيلة الشيخ، أيضاً ذكرتم من الأخطاء التي تقع في السعي: الدعاء من خلال كتاب، فهل ينطبق هذا أيضاً على الذين يطوفون بالناس ويسعون بهم، ويقولون أدعية ويرددها الناس خلفهم؟
الجواب: نعم، هو ينطبق على هؤلاء؛ لأن هؤلاء أيضاً كانوا قد حفظوا هذه الأدعية من هذا الكتاب، ولعلك لو ناقشت بعضهم- أي بعض هؤلاء المطوفين- لو ناقشته عن معاني ما يقول، لم يكن عنده من ذلك خبر، ولكن مع ذلك قد يكون الذين خلفه لا يعلمون اللغة العربية، ولا يعرفون معنى ما يقول، وإنما يرددونه تقليداً لصوته فقط، وهذا من الخلل الذي يكون في المطوفين.
ولو أن المطوفين - أمسكوا الحجاج الذين يطوفونهم، وعلموهم تعليماً عند كل طواف وعند كل سعي ، فيقولون لهم مثلاً : أنتم الآن سوف تطوفون، فقولوا كذا، وافعلوا كذا ، وادعوا بما شئتم ، ونحن معكم نرشدكم إن ضللتم ، فهذا طيب، وهو أحسن من أن يرفعوا أصواتهم بتلقينهم الدعاء الذي لا يعرفون معناه، والذي قد يكون فيه تشويش على الطائفين.
وهم إذا قالوا: نحن أمامكم ، وأنتم افعلوا كذا، أشيروا مثلاً إلى الحجر ، أو استلموه إذا تيسر لكم، أو ما أشبه ذلك، وقولوا كذا، وكبروا عند محاذاة الحجر الأسود، وقولوا بينه وبين الركن اليماني: ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: 201)، إلى غير ذلك من التوجهيات ، لكان هذا أنفع للحاج وأخشع، أما أن يؤتى بالحاج وكأنه ببغاء يقلد بالقول والفعل هذا المطوف، ولا يدري عن شيء أبداً، وربما لو قيل له بعد ذلك: طف. ما استطاع أن يطوف، لأنه لا يعرف الطواف؛ لأنه كان يمشي ويردد وراء هذا المطوف، فهذا هو الذي أرى أنه أنفع للمطوفين وأنفع للطائفين أيضاً.



أخطاء تقع في الحلق والتقصير
السؤال( 298 ) : فضيلة الشيخ ، بالنسبة للتقصير والحلق بعد السعي للعمرة ، أو للإحلال من الحج في منى ، هل هناك أخطاء ؟
الجواب : نعم ، في الحلق أو التقصير في العمرة يحصل أخطاء .
منها : أن بعض الناس يحلق بعض رأسه حلقا تاما بالموسى ، ويبقي البقية ، وقد شاهدت ذلك بعيني ، فقد شاهدت رجلا يسعى بين الصفا والمروة ، وقد حلق نصف رأسه تماما ، وأبقى نصفه ، وهو شعر كثيف أيضا بين ، فأمسكت به وقلت له : لماذا صنعت هذا ؟ فقال : صنعت هذا ؛ لأني أريد أن أعتمر مرتين ، فحلقت نصفه للعمرة الأولى ، وأبقيت نصفه لعمرتي هذه ، وهذا جهل وضلال ؛ لم يقل به أحد من أهل العلم .
ومن الخطأ أيضا : أن بعض الناس إذا أراد أن يتحلل من العمرة ، قصر شعرات قليلة من رأسه ، ومن جهة واحدة ، وهذا خلاف ظاهر الآية الكريمة ؛ فإن الله تعالى يقول : ( مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)(الفتح: 27) ، فلابد أن يكون للتقصير أثر بين على الرأس ، ومن المعلوم أن قص شعره أو شعرتين أو ثلاث شعرات لا يؤثر ، ولا يظهر على المعتمر أنه قصر ، فيكون مخالفا لظاهر الآية الكريمة .
ودواء هذين الخطأين : أن يحلق جميع الرأس إذا أراد حلقه ، وأن يقصر من جميع الرأس إذا أراد تقصيره ، ولا يقتصر على شعرة أو شعرتين .
ومن الناس : من يخطئ في الحلق أو التقصير خطأ ثالثا ، وذلك أنه إذا فرغ من السعي ولم يجد حلاقا يحلق عنده أو يقصر ، ذهب إلى بيته ، فتحلل ولبس ثيابه ثم حلق أو قصر بعد ذلك ، وهذا خطأ عظيم ؛ لأن الإنسان لا يحل من العمرة إلا بالحلق أو التقصير ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر أصحابه في حجة الوداع ، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة ، قال : (( فليقصر وليحلل ))(274)، وهذا يدل على أنه لا حل إلا بعد التقصير .
وعلى هذا : فإذا فرغ الحاج من السعي ولم يجد حلاقا أو أحدا يقصر رأسه ، فليبق على إحرامه حتى يحلق أو يقصر ، ولا يحل له أن يتحلل قبل ذلك ، فلو قدر أن شخصا فعل هذا جاهلا بأن تحلل قبل أن يحلق أو يقصر ، ظنا منه أن ذلك جائز ، فإنه لا حرج عليه لجهله ، ولكن يجب عليه حين يعلم أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ؛ لأنه لا يجوز له التمادي في الحل مع علمه بأنه لم يحل ، ثم إذا حلق أو قصر تحلل .
هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء في الحلق أو التقصير .



أخطاء تقع في منى
السؤال (299 ) : فضيلة الشيخ ، نود أيضا أن نعرف الأخطاء التي تكون في منى ، وفي المبيت فيه ؟
الجواب : من الأخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى : ما سبق ذكره من الخطأ في التلبية ؛ حيث إن بعض الناس لا يجهر بالتلبية مع مشروعية الجهر بها ، فتمر بك أفواج الحجاج ، ولا تكاد تسمع واحداً يلبي ، وهذا خلاف السنة ، وخلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فالسنة للإنسان في التلبية أن يجهر بها ، وأن يرفع صوته بذلك ، ما لم يشق عليه ، وليعلم أنه لا يسمعه شيء من حجر أو مدر ، إلا شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى .
ومن ذلك أيضا : أن بعض الحجاج يذهب رأسا إلى عرفة ولا يبيت في منى ، وهذا وإن كان جائزاً ـ لأن المبيت في منى قبل يوم عرفة ليس بواجب ـ لكن الأفضل للإنسان أن يتبع السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحيث ينزل في منى من ضحى اليوم الثامن ، إلى أن تطلع الشمس من اليوم التاسع ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، وقال : (( لتأخذوا عني مناسككم ))(275) .
لكنه لو تقدم إلى عرفة ، ولم يبت في منى ليلة التاسع ، فلا حرج عليه ؛ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بعد العيد في مزدلفة ، وقال : يا رسول الله ، أكللت راحلتي ، وأتعبت نفسي ، فلم أر جبلا إلا وقفت عنده ـ يعني : فهل لي من حج ؟ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه ))(276) . ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم المبيت في منى ليلة التاسع ، وهذا يدل على أنه ليس بواجب .
ومن الأخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن : أن بعض الناس يقصر ويجمع في منى ، فيجمع الظهر مع العصر ، والمغرب مع العشاء ، وهذا خلاف السنة ؛ فإن المشروع للناس في منى أن يقصروا الصلاة بدون جمع ، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان الجمع جائزا ؛ لأنه في سفر ، والمسافر يجوز له الجمع حالا وسائرا ، لكن الأفضل لمن كان حالا ونازلا من المسافرين ، الأفضل ألا يجمع إلا لسبب ، ولا سبب يقتضي الجمع في منى ، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجمع في منى ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين في وقتها ، والمغرب ثلاثا في وقتها ، والعشاء ركعتين في وقتها ، والفجر في وقتها .
هذا ما يحضرني الآن فيما يكون من الأخطاء في الذهاب إلى منى والمكث فيها في اليوم الثامن .



أخطاء تقع في الذهاب إلى عرفة وفي عرفة
السؤال (300 ) : فضيلة الشيخ ، بالنسبة للأخطاء التي يمكن أن يقع فيها بعض الحجاج في الخروج إلى عرفة ، والوقوف بها ؟
الجواب : من الأخطاء في الذهاب إلى عرفة : أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون ، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد(277) .
ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة في الوقوف بعرفة : أن بعض الحجاج ينزلون قبل أن يصلوا إلى عرفة ، ويبقون في منزلهم حتى تزول الشمس ، ويمكثون هناك إلى أن تغرب الشمس ، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة ، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف ليس لهم حج ؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( الحج عرفة ))(278). فمن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها ، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها ، فإن حجه لا يصح ، للحديث الذي أشرنا إليه .
وهذا أمر خطير ، والحكومة السعودية - وفقها الله عز وجل - قد جعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرّط متهاون ، فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحدود حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها .
ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة : أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء في آخر النهار ، تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم ، وهذا أيضا جهل وخطأ ؛ فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبل القبلة ، سواء كان الجبل أمامه أو خلفه ، أو عن يمينه أو عن شماله ، وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل ، لأن موقفه كان خلف الجبل ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة ، وإذا كان الجبل بينه وبين القبلة ، فبالضرورة سيكون مستقبلا له .
ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في يوم عرفة : أن بعضهم يظن أنه لابد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك ، فتجدهم يتجشمون المصاعب ، ويركبون المشاق ، حتى يصلوا إلى ذلك المكان ، وربما يكونون مشاة جاهلين بالطرق ؛ فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماء وطعاما ، ويضلون ويتيهون في الأرض ، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( وقفت هاهنا ، وعرفة كلها موقف ))(279) ، وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه ينبغي للإنسان أن لا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يفعل ما يتيسر له ؛ فإن عرفة كلها موقف .
ومن الأخطاء أيضا حال الوقوف بعرفة : أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة ، أي : أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنا أو ما أشبه ذلك ؛ لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد ، وهذا ظن خطأ ؛ فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام ، وإنما علاقته بالمكان ، فما كان داخل حدود الحرم ، أي : داخل الأميال من الأشجار ، فهو محترم ، لا يعضد ولا يقطع منه ورق ولا أغصان ، وما كان خارجا عن حدود الحرم ، فإنه لا بأس بقطعه ، ولو كان الإنسان محرما .
وعلى هذا : فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به ، ونعنى بالأشجار هنا الأشجار التي حصلت بغير فعل الحكومة ، وأما الأشجار التي حصلت بفعل الحكومة ، فإنه لا يجوز قطعها ، لا لأنها محترمة احترام الشجر في داخل الحرم ، ولكن لأنه اعتداء على حق الحكومة وعلى حق الحجاج أيضا ؛ لأن الحكومة ـ وفقها الله ـ غرست أشجارا في عرفة ؛ لتلطيف الجو ، وليستظل بها الناس من حر الشمس ، فالاعتداء عليها اعتداء على حق الحكومة وعلى حق المسلمين عموما .




أخطاء تقع في الوقوف بعرفة (( تتمة ))
السؤال (301 ) : فضيلة الشيخ ، هل هناك أخطاء أيضا في عرفة يفعلها الحجاج غير ما ذكرتم ؟
الجواب : نعم هناك أخطاء أخرى في الوقوف بعرفة غير ما ذكرنا .
منها : أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة ؛ ولهذا يذهبون إليه ، ويصعدون ، ويتبركون بأحجاره وترابه ، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق ، وغير ذلك مما هو معروف ، وهذا من البدع ؛ فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه ، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره ؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل فيه شيء من رائحة الوثنية ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم ، فقالوا يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( الله أكبر ، إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم ، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ )(الأعراف: 138) (280)، وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة ، والسهول التي فيها ، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف هناك ، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له ، وإلا فليس بواجب ، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق .
ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة أيضا : أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد ؛ ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد ، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا ، ويضيّق بعضهم على بعض ، ويؤذي بعضهم بعضا ، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الوقوف : (( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ))(281)، وكذلك أيضا قال (( جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً ))(282)، فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منة ، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة ، فإن ذلك خير له وأولى .
ومن الأخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة : أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس ، فيدفع منها إلى مزدلفة ، وهذا خطأ عظيم ، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس ، ومخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصفرة قليلا ؛ كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه (283)، وعلى هذا : فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس ؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس ، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب الشمس ، فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس .
ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الوقوف بعرفة : إضاعة الوقت في غير فائدة ، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس وقد تكون غير برئيه لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم ، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محذورين :
أحدهما : أكل لحوم الناس وغيبتهم ، وهذا خلل حتى في الإحرام ؛ لأن الله تعالى يقول : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج)(البقرة: 197) .
والثاني : إضاعة الوقت .
أما إذا كان الحديث بريئا لا يشتمل على محرم ، ففيه إضاعة الوقت ، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة فيما قبل الزوال ، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر : فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن ، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر ، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة ، في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم ، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى ، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار ، فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه ، مخبتا منيبا ، طامعا في فضله ، راجيا لرحمته ، ويلح في الدعاء ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا خير الأدعية ؛ فإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة .



أخطاء تقع في الطريق إلى مزدلفة، وفي مزدلفة
السؤال (302 ) : فضيلة الشيخ ، بعد أن عرفنا أهم الأخطاء التي تقع من الحجاج في عرفة نود أن نعرف أيضا إذا كان هناك أخطاء يقع فيها بعض الحجاج في الطريق إلى المزدلفة وفي المزدلفة نفسها ؟
الجواب : تقع أخطاء في الانصراف إلى المزدلفة ، منها ما يكون في ابتداء الانصراف ، وهو ما أشرنا إليه سابقا من انصراف بعض الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس ، ومنها أنه في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة تحدث المضايقات بعضهم لبعض ، والإسراع الشديد حتى يؤدي ذلك أحيانا إلى تصادم السيارات ، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة ، وكان عليه الصلاة والسلام دفع وقد شنق لناقته القصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب موضع رحله ، وهو يقول بيده الكريمة : (( أيها الناس ، السكينة السكينة )) ، ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع ، وإذا أتى حبلا من الحبال(284) أرخى لناقته الزمام حتى تصعد(285) ، فكان عليه الصلاة والسلام يراعي الأحوال في مسيره هذا ، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل أو التأني ، فالتأني أفضل .
ومن الأخطاء في مزدلفة والدفع إليها : أن بعض الناس ينزل قبل أن يصلوا إلى مزدلفة ، ولا سيما المشاة منهم ، يعييهم المشي ويتعبهم ، فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة ، ويبقون هنالك حتى يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت في المزدلفة ، وهذا أمر خطير جدا ، لأن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم ، وواجب من واجباته عند جمهور أهل العلم ، وسنة في قول بعضهم ، ولكن الصواب : أنه واجب من واجبات الحج ، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت في مزدلفة ، وألا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، المهم : أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصل إلى مزدلفة .
ومن الأخطاء أيضا : أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة ، قبل أن يصل إلى مزدلفة ، وهذا خلاف السنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ ، قال له أسامة بن زيد وكان رديفه : الصلاة يا رسول الله قال : (( الصلاة أمامك ))(286)، وبقي عليه الصلاة والسلام ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة ، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء ؛ فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير .



أخطاء تقع في مزدلفة (( تتمة ))
السؤال (303): فضيلة الشيخ، هل هناك أخطاء أخرى غير ما ذكرتم في الطريق إلى مزدلفة والمبيت بها؟
الجواب:نعم، هناك أخطاء منها عكس ما ذكرناه في الذين يصلون المغرب والعشاء قبل الوصول إلى مزدلفة؛ فإن بعض الناس لا يصلي المغرب والعشاء حتى يصل إلى مزدلفة ولو خرج وقت صلاة العشاء، وهذا لا يجوز وهو حرام من كبائر الذنوب ؛ لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم بمقتضى دلالة الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: 103) وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت وحدده، وقال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )(الطلاق: 1) ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: 229).
فإذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة، يصلي على حسب حاله، إن كان ماشياً وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكباً ولم يتمكن من النزول، فإنه يصلي ولو كان على ظهر سيارته، لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: من الآية16)، وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه الحال أمراً بعيداً، لأنه بإمكان كل إنسان أن ينزل ويقف على جانب الخط من اليمين أو اليسار ويصلي.
وعلى كل حال: فإنه لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يخرج وقت صلاة العشاء، بحجة أنه يريد أن يطبق السنة، فلا يصلي إلا في مزدلفة؛ فإن تأخيره هذا مخالف للسنة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أخر، لكنه صلى الصلاة في وقتها.
ومن الأخطاء أيضاً في الوقوف بمزدلفة: أن بعض الحجاج يصلون الفجر قبل وقته، فتسمع بعضهم يؤذن قبل الوقت بساعة أو بأكثر أو بأقل، المهم أنهم يؤذنون قبل الفجر ويصلون وينصرفون، وهذا خطأ عظيم؛ فإن الصلاة قبل وقتها غير مقبولة، بل محرمة؛ لأنها اعتداء على حدود الله عز وجل، فإن الصلاة مؤقتة بوقت حدد الشرع أوله وآخره، فلا يجوز لأحد أن يتقدم بالصلاة قبل دخول وقتها، فيجب على الحاج أن ينتبه لهذه المسألة ، وأن لا يصلي الفجر إلا بعد أن يتيقن أو يغلب على ظنه دخول وقت الفجر ، صحيح أنه ينبغي المبادرة بصلاة الفجر ليلة المزدلفة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بها، ولكن لا يعني ذلك- أو لا يقتضي ذلك- أن تصلى قبل الوقت، فليحذر الحاج من هذا العمل.
ومن الخطأ في الوقوف بمزدلفة: أن بعض الحجاج يدفعون منها قبل أن يمكثوا فيها أدنى مكث، فتجده يمر بها مروراً ويستمر ولا يقف ، ويقول: إن المرور كاف، وهذا خطأ عظيم؛ فإن المرور غير كاف ، بل السنة تدل على أن الحاج يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر ثم يقف عند المشعر الحرام يدعو الله تعالى حتى يسفر جداً، ثم ينصرف إلى منى، ورخص النبي عليه الصلاة والسلام للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل(287) وكانت أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - ترقب غروب القمر، فإذا غاب القمر دفعت من مزدلفة إلى منى (288).
وهذا ينبغي أن يكون هو الحد الفاصل؛ لأنه فعل صحابي، والنبي عليه الصلاة والسلام أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا بليل، ولم يبين في هذا الحديث حد هذا الليل، ولكن فعل الصحابي قد يكون مبيناً له ومفسراً له، وعليه فالذي ينبغي أن يحدد الدفع للضعفة ونحوهم ممن يشق عليهم مزاحمة الناس، ينبغي أن يقيد بذلك، أي: بغروب القمر، وغروب القمر في الليلة العاشرة، يكون قطعاً بعد منتصف الليل، يكون بمضيّ ثلثي الليل تقريباً.
وهذا ما يحضرني الآن من الأخطاء التي تقع في المبيت بمزدلفة.



أخطاء تقع عند الرمي
السؤال (304): فضيلة الشيخ،ما هي الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الرمي ؟
الجواب : من المعلوم أن الحاج يوم العيد يقدم إلى منى من مزدلفة ، وأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة ، والرمي يكون بسبع حصيات متعاقبات ، يكبر مع كل حصاة ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة من رمي الجمار في قوله : ( إنما جعل الطواف بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ورمي الجمار ؛ لإقامة ذكر الله )) 289) ، هذه هي الحكمة من مشروعية رمي الجمرات، والخطأ الذي يرتكبه بعض الناس في رمي الجمرات يكون من وجوه متعددة:
فمن ذلك: أن بعض الناس يظنون أنه لا يصح الرمي إلا إذا كانت الحصاة من مزدلفة ، ولهذا تجدهم يتعبون كثيراً في لقط الحصى من مزدلفة، قبل أن يذهبوا إلى منى وهذا ظن خاطئ، فالحصى يؤخذ من أي مكان من مزدلفة ، من منى ، من أي مكان كان يؤخذ ، المقصود أن يكون حصى.
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التقط الحصى من مزدلفة حتى نقول: إنه من السنة، إذن فليس من السنة، ولا من الواجب أن يلتقط الإنسان الحصى من مزدلفة؛ لأن السنة إما قول الرسول عليه الصلاة والسلام، أو فعله، أو إقراره، وكل هذا لم يكن في لفظ الحصى من مزدلفة.
ومن الخطأ أيضاً: أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله، إما احتياطاً لخوف أن يكون أحد قد بال عليه، وإما تنظيفاً لهذا الحصى، لظنه أن كونه نظيفاً أفضل، وعلى كل حال: فغسل حصى الجمرات بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، والتعبد بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وإذا فعله الإنسان من غير تعبد كان سفهاً وضياعاً للوقت.
ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات شياطين، وأنهم يرمون شياطين، فتجد الواحد منهم يأتي بعنف شديد وحنق وغيظ، منفعلاً انفعالاً عظيماً، كأن الشيطان أمامه ، ثم يرمي هذه الجمرات، ويحدث من ذلك مفاسد:
أولاً: أن هذا ظن خاطئ، فإنما نرمي هذه الجمرات إقامة لذكر الله تعالى؛ واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحقيقاً للتعبد، فإن الإنسان إذا عمل طاعة وهو لا يدري فائدتها،إنما يفعلها تعبداً لله، كان هذا أدل على كمال ذله وخضوعه لله عز وجل.
ثانياً: مما يترتب على هذا الظن : أن الإنسان يأتي بانفعال شديد وغيظ وحنق وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إيذاء عظيماً، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم ، وإنما يتقدم كأنه جمل هائج.
ثالثاً: مما يترتب على هذه العقيدة الفاسدة: أن الإنسان لا يستحضر أنه يعبد الله عز وجل أو يتعبد لله عز وجل بهذا الرمي، ولذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قول غير مشروع ، فتجده يقول حين يرمي: اللهم غضباً على الشيطان ، ورضا للرحمن، مع أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرة، بل المشروع أن يكبر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
رابعاً: أنه بناء على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجاراً كبيرة يرمي بها ، بناء على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثراً وانتقاماً من الشيطان، وتجده أيضاً يرمي بالنعال والخشب وما أشبه ذلك مما لا يشرع الرمي به، ولقد شاهدت رجلاً قبل بناء الجسور على الجمرات جالساً على زبرة الحصى التي رمي بها في وسط الحوض، وامرأة معه يضربان العمود بأحذيتهما ، بحنق وشدة ، وحصى الرامين تصيبهما، ومع ذلك فكأنهما يريان أن هذا في سبيل الله، وأنهما يصبران على الأذى على هذه الإصابة ابتغاء وجه الله عز وجل.
إذن : إذا قلنا : إن هذا الاعتقاد اعتقاد فاسد، فما الذي نعتقده في رمي الجمرات؟ نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات تعظيماً لله عز وجل، وتعبداً له، واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .



أخطاء تقع عند الرمي (( تتمة))
السؤال (305): فضيلة الشيخ، ذكرتم شيئاً من الأخطاء التي تقع عند الرمي منها: الظن بأن الحصى لابد أن تلتقط من مزدلفة، وأيضاً غسل الحصى، وأنه خلاف السنة والظن بأن الجمرات شياطين، والرمي بالأحجار الكبيرة والرمي بالأحذية والخشب وما شابهها، فهل هناك أخطاء أخرى تقع من بعض الحجاج في الرمي ينبغي التنبيه عليها والاستفادة من تجنبها؟
الجواب: نعم ، هناك أخطاء في الرمي يرتكبها بعض الناس ، منها ما سبق ، ومنها أن بعض الناس لا يتحقق من رمي الجمرة من حيث ترمى ؛ فإن جمرة العقبة ـ كما هو معلوم في الأعوام السابقة ـ كان لها جدار من الخلف ، والناس يأتون إليها من نحو هذا الجدار ، فإذا شاهدوا الجدار رموا ، ومعلوم أن الرمي لابد أن تقع فيه الحصى في الحوض ، فيرمونها من الناحية الشرقية من ناحية الجدار ، ولا يقع الحصى في الحوض ؛ لحيلولة الجدار بينهم وبين الحوض ، ومن رمى هكذا فإن رميه لا يصح ؛ لأن من شرط الرمي أن تقع الحصاة في الحوض ، وإذا وقعت الحصاة في الحوض ، فقد برئت بهذا الذمة سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه .
ومن الأخطاء أيضا في الرمي: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن تصيب الحصاة الشاخص ، أي : العمود ، وهذا ظن خطأ ؛ فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود ، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى ، فإذا وقعت الحصاة في المرمى ، أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه .
ومن الأخطاء العظيمة الفادحة أيضا : أن بعض الناس يتهاون في الرمي ، فيوكّل من يرمي عنه مع قدرته عليه ، وهذا خطأ عظيم ؛ وذلك لأن رمي الجمرات من شعائر الحج ومناسكه ، وقد قال الله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(البقرة: 196) ، وهذا يشمل إتمام الحج بجميع أجزائه ، فجميع أجزاء الحج يجب على الإنسان أن يقوم بها بنفسه ، وألا يوكل فيها أحدا .
يقول بعض الناس : إن الزحام شديد ، وإنه يشق عليّ .
فنقول له : إذا كان الزحام شديدا أول ما يقدم الناس إلى منى من مزدلفة ، فإنه لا يكون شديداً في آخر النهار ، ولا يكون شديدا في الليل ، وإذا فاتك الرمي في النهار فارم في الليل ؛ لأن الليل وقت للرمي ، وإن كان النهار أفضل ، لكن كون الإنسان يأتي بالرمي في الليل بطمأنينة وهدوء وخشوع أفضل من كونه يأتي به في النهار ، وهو ينازع الموت من الزحام والضيق والشدة ، وربما يرمي ولا تقع الحصاة في المرمى ، المهم أن من احتج بالزحام نقول له : إن الله قد وسع الأمر ، فلك أن ترمي في الليل .
يقول بعض الناس : إن المرأة عورة ولا يمكنها أن تزاحم الرجال في الرمي .
نقول له : إن المرأة ليست عورة ، إنما العورة أن تكشف المرأة ما لا يحل لها كشفه أمام الرجال الأجانب ، وأما شخصية المرأة فليست بعورة ، وإلا لقلنا : إن المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيتها أبدا ، وهذا خلاف دلالة الكتاب والسنة ، وخلاف ما أجمع عليه المسلمون ، صحيح أن المرأة ضعيفة ، وأن المرأة مرادة للرجل ، وأن المرأة محط الفتنة ، ولكن إذا كانت تخشى من شيء في الرمي مع الناس ، فلتؤخر الرمي إلى الليل ؛ ولهذا لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله ؛ كسودة بنت زمعة ، وأشباهها ، لم يرخص لهم أن يدعوا الرمي ويوكلوا من يرمي عنهم ، مع دعاء الحاجة إلى ذلك ـ لو كان من الأمور الجائزة ـ بل أذن لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل ليرموا قبل حطمة الناس ، وهذا أكبر دليل على أن المرأة لا توكل لكونها امرأة .
نعم ، لو فرض أن الإنسان عاجز ولا يمكنه الرمي بنفسه ، لا في النهار ولا في الليل ، فهنا يتوجه القول بجواز التوكيل ؛ لأنه عاجز وقد ورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يرمون عن صبيانهم ؛ لعجز الصبيان عن الرمي ، ولولا ورود هذا النص ـ وهو رمي الصحابة عن صغارهم ـ لولا هذا لقلنا : إن من عجز عن الرمي بنفسه ، فإنه يسقط عنه : إما إلى بدل وهو الفدية ، وإما إلى غير بدل ؛ وذلك لأن العجز عن الواجبات يسقطها ، ولا يقوم غير المكلف بما يلزم المكلف فيها عند العجز ؛ ولهذا من عجز عن أن يصلي قائما مثلا ، لا نقول له : وكل من يصلي عنك قائما ، على كل حال : التهاون في هذا الأمر ـ أعني : التوكيل في رمي الجمرات إلا من عذر لا يتمكن فيه الحاج من الرمي ـ أمر خطأ كبير ؛ لأنه تهاون في العبادة ، وتخاذل عن القيام بالواجب .
ومن الأخطاء أيضا في الرمي : أن بعض الناس يظنون أن الرمي بحصاة من غير مزدلفة لا يجزئ ، حتى إن بعضهم إذا أخذ الحصى من مزدلفة ، ثم ضاع منه أو ضاع منه بعضه ، وبقي ما لا يكفي : ذهب يطلب أحدا معه حصى من مزدلفة ليسلفه إياه ، فتجده يقول : أقرضني حصاة من فضلك . وهذا خطأ وجهل ، فإنه كما أسلفنا : يجوز الرمي بكل حصاة من أي موضع كانت ، حتى لو فرض أن الرجل وقف يرمي الجمرات ، وسقطت الجمرات من يده ، فله أن يأخذ من الأرض من تحت قدمه ، سواء حصاه التي سقطت منه أو غيرها ، ولا حرج عليه في ذلك ؛ فيأخذ من الأرض التي تحته وهو يرمي ويرمي بها حتى وإن كان قريبا من الحوض ؛ لأنه لا دليل على أن الإنسان إذا رمى بحصاة رمي بها لا يجزئه الرمي ، ولأنه لا يتيقن أن الحصاة التي أخذها من مكانه قد رمي بها فقد تكون هذه الحصاة سقطت من شخص آخر وقف في هذا المكان ، وقد تكون حصاة رمى بها شخص من بعيد ولم تقع في الحوض ، المهم أنك لا تتيقن ، ثم على فرض أنك تيقنت أن هذه قد رمي بها ، وتدحرجت من الحوض وخرجت منه ، فإنه ليس هناك دليل على أن الحصى الذي رمي به لا يجزئ الرمي به .
ومن الخطأ في رمي الجمرات : أن بعض الناس يعكس الترتيب فيها في اليومين الحادي عشر والثاني عشر ؛ فيبدأ بجمرة العقبة ، ثم بالجمرة الوسطى ، ثم بالجمرة الصغرى الأولى ، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رماها مرتبة ، وقال : (( لتأخذوا عني مناسككم ))(290)؛ فيبدأ بالأولى ، ثم بالوسطى ، ثم بجمرة العقبة .
فإن رماها منكسة ، وأمكنه أن يتدارك ذلك ، فليتداركه ، فإذا رمى العقبة ثم الوسطى ثم الأولى ، فإننا نقول : ارجع فارم الوسطى ثم العقبة ؛ وذلك لأن الوسطى والعقبة وقعتا في غير موضعهما ؛ لأن موضعهما تأخرهما عن الأولى ، ففي هذه الحالة نقول : اذهب فارم الوسطى ثم العقبة .
ولو أنه رمى الأولى ثم جمرة العقبة ثم الوسطى ، قلنا له ، ارجع فارم جمرة العقبة ؛ لأنك رميتها في غير موضعها ، فعليك أن تعيدها بعد الجمرة الوسطى .
هذا إذا أمكن أن يتلافى هذا الأمر ، بأن كان في أيام التشريق ، وسهل عليه تلافيه ، أما لو قدر أنه انقضت أيام الحج ، فإنه لا حرج عليه في هذه الحال ؛ لأنه ترك الترتيب جاهلا ، فسقط عنه بجهله ، والرمي للجمرات الثلاث قد حصل ، غاية ما فيه اختلاف الترتيب ، واختلاف الترتيب عند الجهل لا يضر ، لكن متى أمكن تلافيه بأن علم ذلك في وقته ، فإنه يعيده .
ومن الخطأ أيضا في رمي الجمرات في أيام التشريق : أن بعض الناس يرميها قبل الزوال ، وهذا خطأ كبير ؛ لأن رميها قبل الزوال رمي لها قبل دخول وقتها فلا يصح ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا ، فهو رد ))(291)، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد زوال الشمس ، وإنما رماها بعد الزوال وقبل صلاة الظهر ، مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يرتقب الزوال ارتقابا تاما ، فبادر من حيث أن زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر ، ولقول عبد الله بن عمر : كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا . ولأنه لو كان الرمي جائزا قبل زوال الشمس ، لفعله النبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه أيسر للأمة ، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما كان أيسر ، فلو كان مما يتعبد به لله ـ أعني الرمي قبل الزوال ـ لشرعه الله سبحانه وتعالى لعباده ؛ لقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(البقرة: 185)، فلما لم يُشرع قبل الزوال ، علم أن ما قبل الزوال ليس وقتا للرمي ، ولا فرق في ذلك بين اليوم الثاني عشر والحادي عشر والثالث عشر ، كلها سواء ، كلها لم يرم فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد زوال الشمس .
فليحذر المؤمن من التهاون في أمور دينيه ، وليتق الله تعالى ربه ، فإن من اتقى ربه ، جعل له مخرجا ، ومن اتقى ربه ، جعل له من أمره يسر ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال:29) .
وينبغي للإنسان ـ ونحن نتكلم عن وقت الرمي ـ أن يرمي كل يوم في يومه ، فيرمي اليوم الحادي عشر في اليوم الحادي عشر ، والثاني عشر في اليوم الثاني عشر ، وجمرة العقبة يوم العيد في يوم العيد ، ولا يؤخرها إلى آخر يوم ، هذا وإن كان قد رخص فيه بعض أهل العلم ، فإن ظاهر السنة المنع منه إلا لعذر .



أخطاء تقع عند الرمي (( تتمة ))
السؤال (306 ) : فضيلة الشيخ ، سألنا عن الأخطاء التي تقع عند رمي الجمار أو في الرمي ، وذكرتم من هذه الأخطاء : الظن بأن الحصى لابد أن يكون من مزدلفة ، وغسل الحصى ، والظن بأن الجمرات شياطين ، والرمي بالأحجار الكبيرة ، والرمي بالأحذية والخشب وما إلى ذلك ، وأيضا : الرمي دون تحقق وقوع الحصى في الحوض ، والظن بأنه لابد من إصابة العمود ، والتهاون أيضا في التوكيل في الرمي مع القدرة ، وعكس الترتيب في الرمي ورمي الجمرات قبل الزوال ، فهل هناك أخطاء أيضا غير هذه الأخطاء التي ذكرتم ؟
الجواب : نعم ، هناك أخطاء بقيت من الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في الرمي ، لكن ورد فيما ذكرتم أن من الأخطاء عدم تحقق وصول الحصاة في المرمى ، والواقع : أن المقصود هو أن بعض الناس يرمي جمرة العقبة من الخلف ، من خلف الجدار ، فيقع الحصى في غير المرمى ؛ لأن الجدار يحول بينه وبين الحوض ، وتحقق وقوع الحصاة في المرمى ليس بشرط ؛ لأنه يكفي أن يغلب على الظن أنها وقعت فيه ، فإذا رمى الإنسان من المكان الصحيح وحذف الحصاة ، وهو يغلب على ظنه أنها وقعت في المرمى : كفى ؛ لأن اليقين في هذه الحال قد يتعذر ، وإذا تعذر اليقين ، عمل بغلبة الظن ، ولأن الشارع أحال على غلبة الظن فيما إذا شك الإنسان في صلاته : كم صلى ، ثلاثا أم أربعا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : (( ليتحر الصواب ، ثم ليتم عليه ))(292)،وهذا يدل على أن غلبة الظن في أمور العبادة كافية وهذا من تيسير الله عز وجل ؛ لأن اليقين أحيانا يتعذر .
نرجع الآن إلى تكميل الأخطاء التي تحضرنا في مسألة الرمي ، أعني رمي الجمرات :
فمنها: أن بعض الناس يرمي بحصى أقل مما ورد ، فيرمي بثلاث أو أربع أو خمس وهذا خلاف السنة بل يجب عليه أن يرمي بسبع حصيات ؛ كما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه رمى بسبع حصيات بدون نقص ، لكن رخص بعض العلماء في نقص حصاة أو حصاتين ؛ لأن ذلك وقع من بعض الصحابة رضي الله عنهم ، فإذا جاءنا رجل يقول : إنه لم يرم إلا بست ناسيا أو جاهلا ، فأننا في هذه الحالة نعذره ونقول : لا شيء عليك ، لورود مثل ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ، وإلا فالأصل أن المشروع سبع حصيات ؛ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الحجاج في الرمي ، وهو سهل لكن ينبغي أن يتفطن له الحاج : أن كثيرا من الحجاج يهملون الوقوف للدعاء بعد الجمرة الأولى والوسطى في أيام التشريق ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رمى الجمرة الأولى ، انحدر قليلا ، ثم استقبل القبلة ، فرفع يديه يدعو الله تعالى دعاء طويلا ، وإذا رمى الجمرة الوسطى فعل ذلك ، وإذا رمى جمرة العقبة ، انصرف ولم يقف ، فينبغي للحاج أن لا يفوت هذه السنة على نفسه ، بل يقف ويدعو الله تعالى دعاء طويلا إن تيسر له ، وإلا فبقدر ما تيسر ، بعد الجمرة الأولى والوسطى .
وبهذا نعرف أن في الحج ست وقفات للدعاء : على الصفا وعلى المروة ـ وهذا في السعي ـ وفي عرفة ، ومزدلفة ، وبعد الجمرة الأولى ، وبعد الجمرة الوسطى . فهذه ست وقفات كلها وقفات للدعاء في هذه المواطن ، ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الناس : ما حدثني به من أثق به من أن بعض الناس يرمي رميا زائدا عن المشروع ـ إما في العدد ، وإما في النوبات والمرات ؛ فيرمي أكثر من سبع ، ويرمي الجمرات في اليوم مرتين أو ثلاثا ، وربما يرمي في غير وقت الحج ، وهذا كله من الجهل والخطأ ، والواجب على المرء : أن يتعبد بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لينال بذلك محبة الله ومغفرته ؛ لقول الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) .
هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء في رمي الجمرات

ابو ضاري
23-11-2010, 08:21
أخطاء تقع في المبيت بمنى أيام التشريق
السؤال (307 ) : فضيلة الشيخ ، كنا قد سألنا عن الإقامة بمنى في اليوم الثامن قبل الخروج إلى عرفة ، وذكرتم الأخطاء التي تقع فيها ، لكن حبذا أيضاً لو عرفنا الأخطاء التي قد تقع من بعض الحجاج في الإقامة بمنى في أيام التشريق ؟
الجواب : الإقامة في منى في أيام التشريق يحصل فيها أيضا أخطاء من بعض الحجاج ، وأنا أعود إلى مزدلفة ، فإن فيها بعض الأخطاء التي لم ننبه عليها سابقا :
فمنها : أن بعض الناس في ليلة مزدلفة يحيي الليلة بالقيام والقراءة والذكر ، وهذا خلاف السنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة لم يتعبد لله عز وجل بمثل هذا ، بل في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العشاء ، اضطجع حتى طلوع الفجر ، ثم صلى الصبح ، وهذا يدل على أن تلك الليلة ليس فيها تهجد أو تعبد أو تسبيح أو ذكر أو قرآن .
ومنها ـ أي من الأخطاء في مزدلفة ـ أنني سمعت أن بعض الحجاج يبقون في مزدلفة حتى تطلع الشمس ويصلون صلاة الشروق أو الإشراق ، ثم ينصرفون بعد ذلك ، وهذا خطأ ؛ لأن فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وموافقة لهدي المشركين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس حين أسفر جدا ، والمشركون كانوا ينتظرون حتى تطلع الشمس ويقولون : (( أشرق ثبير ، كيما نغير )) ؛ فمن بقى في مزدلفة تعبدا لله عز وجل حتى تطلع الشمس ، فقد شابه المشركين وخالف سنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه .
أما الأخطاء في منى: فمنها: أن بعض الناس لا يبيتون بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر ، بل يبيتون خارج منى من غير عذر، يريدون أن يترفهوا، وأن يشموا الهواء - كما يقولون- وهذا جهل وضلال، ومخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والإنسان الذي يريد أن يترفه لا يأتي للحج، فإن بقاءه في بلده اشد ترفها وأسلم من تكلف المشاق والنفقات.
ومن الأشياء التي يخل بها بعض الحجاج في الإقامة بمنى، بل التي يخطئ فيها: أن بعضهم لا يهتم بوجود مكان في منى، فتجده إذا دخل في الخطوط ووجد ما حول الخطوط ممتلئاً قال: إنه ليس في مني مكان، ثم ذهب ونزل في خارج منى، والواجب عليه أن يبحث بحثاً تاماً فيما حول الخطوط وما كان داخلها، لعله يجد مكاناً يبقى فيه أو يمكث فيه أيام منى؛ لأن البقاء في منى واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لتأخذوا عني مناسككم))(294) ، وقد أقام صلى الله عليه وسلم في منى، ورخص للعباس بن عبد المطلب من أجل سقايته أن يبيت في مكة ليسقي الحجاج(295)
ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس إذا بحث ولم يجد مكاناً في منى، نزل إلى مكة أو إلى العزيزية ، وبقي هنالك، والواجب إذا لم يجد مكاناً في منى أن ينزل عند آخر خيمة من خيام الحجاج ليبقى الحجيج كلهم في مكان واحد متصلاً بعضه ببعض؛ كما نقول فيما لو امتلأ المسجد بالمصلين ، فإنه يصلي مع الجماعة حيث تتصل الصفوف ولو كان خارج المسجد.
ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة بمنى، وهو يسير، لكن ينبغي المحافظة عليه: أن بعض الناس يبيت في منى ولكن إذا كان النهار نزل إلى مكة، ليترفه في الظل الظليل، والمكيفات والمبردات ، ويسلم من حر الشمس ولفح الحر، وهذا- وإن كان جائزاً على مقتضى قواعد الفقهاء حيث قالوا: إنه لا يجب إلا المبيت- فإنه خلاف السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في منى ليالي وأياماً، فكان عليه الصلاة والسلام يمكث في منى ليالي أيام التشريق وأيام التشريق، نعم لو كان الإنسان محتاجاً إلى ذلك- كما لو كان مريضاً، أو كان مرافقاً لمريض- فهذا لا بأس به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يبيتوا خارج منى، وأن يبقوا في الأيام في مراعيهم مع إبلهم(296)
هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة في منى.



أخطاء تقع في الهدي
السؤال (308): فضيلة الشيخ، تحدثنا عن الأخطاء التي يقع فيها الحجاج في بعض أعمال الحج، وفي بعض المشاعر أيضاً، بقي علينا أن نعرف إذا كانت هناك أخطاء يقع فيها الحجاج بالنسبة للهدي؟
الجواب: نعم يرتكب بعض الحجاج أخطاء في الهدي.
منها: أن بعض الحجاج يذبح هدياً لا يجزئ، كأن يذبح هدياً صغيراً لم يبلغ السن المعتبر شرعاً للإجزاء، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان،وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) (297) ومن العجب أن بعضهم يفعل ذلك مستدلاً بقوله تعالى: ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )(البقرة: 196)، ويقول : إن ما تيسر من الهدي فهو كاف، فنقول له: إن الله قال : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) و ((أل)) هذا لبيان الجنس، فيكون المراد بالهدي: الهدي المشروع ذبحه، وهو الذي بلغ السن المعتبر شرعاً، وسلم من العيوب المانعة من الإجزاء شرعاً، ويكون معنى قوله : (فَمَا اسْتَيْسَرَ) أي: بالنسبة لوجود الإنسان ثمنه مثلاً، ولهذا قال : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)(البقرة: 196) فتجده يذبح الصغير الذي لم يبلغ السن، ويقول: هذا ما استيسر من الهدي، ثم يرمي به، أو يأكله أو يتصدق به، وهذا لا يجزئ ؛ للحديث الذي أشرنا إليه.
ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الهدي: أنه يذبح هدياً معيباً بعيب يمنع من الإجزاء، والعيوب المانعة من الإجزاء ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام حين تحدث عن الأضحية وسئل: ماذا ينقّى من الضحايا؟ فقال: (( أربع)) وأشار بيده عليه الصلاة والسلام: (( العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والهزيلة - أو العجفاء- التي لا تُنقي))(298) ، أي : التي ليس فيها نِقْي ، أي : مخ ، فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء ، فأي بهيمة يكون فيها شيء من هذه العيوب أو ما كان مثلها أو أولى منها ، فإنها لا تجزئ في الأضحية ولا في الهدي الواجب ؛ كهدي التمتع والقران والجبران .
ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في الهدي : أن بعضهم يذبح الهدي ثم يرمي به ، ولا يقوم بالواجب الذي أوجب الله عليه في قوله : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(الحج: 28) فقوله تعالى : (وَأَطْعِمُوا ) أمر لابد من تنفيذه ؛ لأنه حق للغير ، أما قوله : ( فَكُلُوا مِنْهَا ) فالصحيح أن الأمر فيه ليس للوجوب ، وأن للإنسان أن يأكل من هديه ، وله أن لا يأكل ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي من المدينة إلى مكة ولا يأكل منه ، فيذبح في مكة ويوزع ولا يأكل منه ؛ لكن قوله: (وَأَطْعِمُوا ) هذا أمر يتعلق به حق الغير ، فلابد من إيصال هذا الحق إلى مستحقه .
وبعض الناس ـ كما قلت يذبحه ويدعه ؛ فيكون بذلك مخالفا لأمر الله تبارك وتعالى ، بالإضافة إلى أن ذبحه وتركه إضاعة للمال ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال (299) ، وإضاعة المال من السفه ؛ ولهذا قال الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)(النساء: 5) .
وهذا الخطأ الذي يقع في هذه المسألة يتعلل بعض الناس بأنه لا يجد فقراء يعطيهم ، وأنه يشق عليه حمله ؛ لكثرة الناس والزحام والدماء واللحوم في المجازر ، وهذا التعليل ـ وإن كان قد يصح في زمن مضى ـ لكنه الآن قد تيسر ؛ لأن المجازر هذبت وأصلحت ، ولأن هناك مشروعا افتتح في السنوات الأخيرة ، وهو أن الحاج يعطي اللجنة المكونة لاستقبال دراهم الحجاج ؛ لتشتري لهم بذلك الهدي وتذبحه وتوزعه على مستحقه ، فبإمكان الحاج أن يتصل بمكاتب هذه اللجنة ، من أجل أن يسلم قيمة الهدي ، ويوكلهم في ذبحه وتفريق لحمه .
ومن الأخطاء أيضا : أن بعض الحجاج يذبح الهدي قبل وقت الذبح ، فيذبحه قبل يوم العيد ، وهذا ـ وإن كان قال بعض أهل العلم في هدي التمتع والقران ـ فإنه قول ضعيف ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذبح هديه قبل يوم العيد ، مع أن الحاجة كانت داعية إلى ذبحه ، فإنه حين أمر أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ أن يحلوا من إحرامهم بالحج ليجعلوه عمرة ويكونوا متمتعين ، وحصل منهم شيء من التأخر ، قال : (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أن معي الهدي لأحللت ))(300)، فلو كان ذبح الهدي جائزا قبل يوم النحر ، لذبحه النبي عليه الصلاة والسلام ، وحل من إحرامه معهم تطييبا لقلوبهم ، واطمئنانا لهم في ذلك ، فلما لم يكن هذا منه صلى الله عليه وسلم ، علم أن ذبح الهدي قبل يوم العيد لا يصح ولا يجزئ .
ومن العجب : أنني سمعت من بعض المرافقين لبعض الحملات التي تأتي من بلاد نائية عن مكة ، أنه قيل لهم ـ أي لهذه الحملات ـ : لكم أن تذبحوا هديكم من حين أن تسافروا من بلدكم إلى يوم العيد ، واقترح عليهم هذا أن يذبحوا من الهدي بقدر ما يكفيهم من اللحم لكل يوم ، وهذا جرأة عظيمة على شرع الله وعلى حق عباد الله ، وكأن هذا الذي أفتاهم بهذه الفتوى يريد أن يوفر على صاحب هذه الحملة الذي تكفل بالقيام بهذه الحملة ، أن يوفر عليه نفقات هذه الحملة ؛ لأنهم إذا ذبحوا لكل يوم ما يكفيهم من هداياهم ، وفروا عليه اللحم ، فعلى المرء أن يتوب إلى الله عز وجل ، وأن لا يتلاعب بأحكام الله ، وأن يعلم أن هذه الأحكام أحكام شرعية ، أراد الله تعالى من عباده أن يتقربوا بها إليه على الوجه الذي سنة لهم وشرعه لهم ؛ فلا يحل لهم أن يتعدوه إلى ما تمليه عليه أهواؤهم .



حكم ذبح الهدي في غير مكة
السؤال (309 ) : فضيلة الشيخ ، هناك بعض الحجاج إذا أراد أن يحج ، دفع نقوداً لبعض المؤسسات الخيرية التي تتولى ذبح هديه في أماكن المجاعة في شرق الأرض وغربها ، فما حكم هذا العمل ، أثابكم الله ؟
الجواب : أقول : إن هذا عمل خاطئ مخالف لشريعة الله وتغرير بعباد الله عز وجل ؛ وذلك أن الهدي محل ذبحه مكة ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذبح هديه بمكة ، ولم يذبحه في المدينة ، ولا في غيرها من البلاد الإسلامية ، والعلماء نصوا على هذا وقالوا : إنه يجب أن يذبح هدي التمتع والقران والهدي الواجب لترك واجب يجب أن يذبح في مكة ، وقد نص الله على ذلك في جزاء الصيد ، فقال : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ )(المائدة: 95) ، فما قيد في الشرع بأماكن معينة لا يجوز أن ينقل إلى غيرها ، بل يجب أن يكون فيها ، فيجب أن تكون الهدايا في مكة ، وتوزع في مكة ، وإن قدر أنه لا يوجد أحد يقبلها في مكة وهذا فرض قد يكون محالاً فإنه لا حرج أن تذبح في مكة ، وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلاد المسلمين ، الأقرب فالأقرب ، أو الأشد حاجة فالأشد ، وهذا بالنسبة للهدايا .



حكم ذبح الأضحية في غير مكان المضحي
السؤال (310 ) فضيلة الشيخ ، هل ينطبق هذا الحكم على الضحايا أيضاَ؟
الجواب : نعم ينطبق على الأضحية ما ينطبق على الهدي ؛ لأن الأضحية المشروع أن تكون في مكان المضحي ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته في بلده ، وبين أصحابه ، حيث كان يخرج بها إلى المصلى فيذبحها هناك ؛ إظهار لشعائر الله عز وجل ، والدعوة إلى أن تؤخذ الدراهم من الناس ، وتذبح الضحايا في أماكن بعيدة دعوة إلى تحطيم هذه الشعيرة وخفائها على المسلمين ؛ لأن الناس إذا نقلوا ضحاياهم إلى أماكن أخرى لم تظهر الشعائر ـ الأضاحي ـ في البلاد ، وأظلمت البلاد من الأضاحي ، مع أنها من شعائر الله عز وجل .
ويفوت بذلك :
أولا : مباشرة المضحي لذبح أضحيته بنفسه ؛ فإن هذا هو الأفضل ، والسنة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه كان يذبح أضحيته بيده عليه الصلاة والسلام .
ثانيا : يفوت بذلك سنية الأكل منها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأكل من الأضاحي ، كما أمر الله بذلك في قوله : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(الحج: 28) ؛ فإن هذا أمر بالأكل من كل ذبيحة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل ، ولما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة ذبح منها ثلاثاً وستين بيده الكريمة ، وأعطى عليا رضي الله عنه الباقي فوكله في ذبحه ، ووكله أيضا في تفريق اللحم ، إلا أنه أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة ـ أي : قطعة من لحم ـ فجعلت في قدر ، فطبخت ، فأكل من لحمها وشرب من مرقها(301) ؛ وهذا يدل على تأكد أكل الإنسان مما أهداه من الذبائح ، وكذلك مما ضحى به .
نحن نقول : إنه لا يجوز التوكيل ، أن يوكل الإنسان من يذبح أضحيته ، لكن لابد أن تكون الأضحية عنده وفي بيته أو في بلده على الأقل ، يشاهدها ويأكل منها ، وتظهر بها شعائر الدين .
وليعلم أنه ليس المقصود من الأضاحي المادة البحته وهي اللحم فإن الله تعالى يقول : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )(الحج: 37) ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن ذبح قبل الصلاة : (( فإنما هو لحم قدمه لأهله ))(302)، وقال لأبي بردة : (( شاتك شاة لحم ))(303) ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الأضحية وبين اللحم .
وأيضا : فإن العلماء يقولون : لو تصدق بلحم مائة بعير ، فإنه لا يجزئه عن شاة واحدة يضحي بها ؛ وهذا يدل على أن الأضحية يتقرب إلى الله تعالى بذبحها ، قبل أن ينظر إلى منفعة لحمها .



نصائح تتعلق بالهدي
السؤال (311 ) : فضيلة الشيخ ، تحدثنا عن الذين يرسلون نقودا لبعض البلاد الإسلامية ليذبح هديهم هناك أو أضحيتهم هناك ، وذكرتم أن ذلك مخالف لمقاصد الشريعة ، فهل من إضافة أو نصيحة تتعلق بهذا الموضوع ؟
الجواب : الأمر كما ذكرتم ؛ أن بعض الناس أو بعض المؤسسات تطلب من المسلمين أن يسلموا لها قيمة الهدي أو قيمة الأضاحي ليذبح في بلاد متضرر أهلها ومحتاجون إلى الطعام والغذاء ، وذكرنا أن الهدايا لها محل معين وهو مكة المكرمة ، وأنه يجب أن يكون الذبح هناك في جزاء الصيد ، وفي هدي التمتع والقران وفي الفدية الواجبة لترك الواجب ، وأما الواجبة لفعل محظور : فإنها تكون حيث وجد ذلك المحظور ، ويجوز أن تكون في الحرم ، أي : في مكة ، وأما دم الإحصار : فحيث وجد سببه ، هكذا ذكر أهل العلم ، رحمهم الله ، ولا يجوز أن تخرج عن مكة وتذبح في مكان آخر .
وأما تفريق لحمها : فيكون في مكة إلا إذا استغنى أهل مكة ، فيجوز أن تفرق في البلاد الإسلامية ، في أقرب البلاد ، هذا بالنسبة للهدي
أما الأضاحي : فإنها في بلاد المضحين ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه ضحى إلا في محل إقامته في المدينة عليه الصلاة والسلام ، والأفضل أن يباشرها بنفسه ، فإن لم يستطع ، فإنه يوكل من يذبحها أمامه ليشهد أضحيته ، وسبق لنا ما يحصل من المحظور في نقل الأضاحي إلى بلاد أخرى .
وإنني بهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى إخواني المسلمين ؛ ليعلموا أنه ليس المقصود من ذبح الهدايا والأضاحي مجرد اللحم ؛ فإن هذا يحصل بشراء الإنسان لحما كثيرا يوزعه على الفقراء ، لكن المقصود والأهم هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح ؛ فإن التقرب إلى الله تعالى بالذبح من أفضل الأعمال الصالحة بالذبح ؛ كما قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام : 162،163 ) وقال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2). وقال تعالى : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )(الحج: 37) ، وكون الإنسان يدفع دراهم لتذبح أضحيته في مكان الحاجة من بلاد المسلمين ، يغني عنه أن يدفع دراهم ليشترى بها الطعام من هناك ويوزع على الفقراء ، وربما يكون هذا أنفع لهم حيث يشترى ما يليق بحالهم ويلائمهم ، وربما تكون الأطعمة هناك أرخص .
فنصيحتي للمسلمين أن يتولوا ذبح ضحاياهم في بلادهم ، وأن يأكلوا منها ويطعموا منها ويظهروا شعائر الله تعالى بالتقرب إليه بذبحها ، وأن لا ينسوا إخوانهم المسلمين المتضررين في مشارق الأرض ومغاربها المحتاجين لبذل الأموال والمعونات لهم ، فيجمعوا في هذه الحال بين الحسنيين ، بين حسنى ذبح الأضاحي في بلادهم ، وحسنى نفع إخوانهم المسلمين في بلادهم .



أخطاء تقع في الوداع
السؤال (312 ) : فضيلة الشيخ ، آخر أعمال الحج الوداع ، فهل هناك أخطاء ترون أن بعض الحجاج يقعون فيها ، ما هي هذه الأخطاء جزاكم الله خيرا ؟
الجواب : طواف الوداع يجب أن يكون آخر أعمال الحج ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ))(304)، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض(305) . فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان من أعمال الحج ، والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور :
أولا : أن بعض الناس لا يجعل الطواف آخر أمره ، بل ينزل إلى مكة ، ويطوف طواف الوداع ، وقد بقى عليه رمي الجمرات ، ثم يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يغادر ، وهذا خطأ ، ولا يجزئ طواف الوداع في مثل هذه الحال ؛ وذلك لأنه لم يكن آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف ، بل كان آخر عهده رمي الجمرات .
الثاني : ومن الخطأ أيضا في طواف الوداع : أن بعض الناس يطوف للوداع ، ويبقي في مكة بعده ، هذا يوجب إلغاء طواف الوداع ، وأن يأتي ببدله عند سفره ، نعم لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لشراء حاجة في طريقه أو لتحميل العفش أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا باس به .
ومن الخطأ في طواف الوداع : أن بعض الناس إذا طاف للوداع وأراد الخروج من المسجد ، رجع القهقري ، أي : رجع على قفاه ، فيزعم أنه يتحاشى بذلك تولية البيت ظهره ، أي : تولية الكعبة ظهره ، وهذا بدعة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منا تعظيما لله تعالى ولبيته ، ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته ، لفعله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فإن السنة إذا طاف الإنسان للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحالة .
ومن الخطأ أيضا : أن بعض الناس إذا طاف للوداع ، ثم انصرف ووصل إلى باب المسجد الحرام ، اتجه إلى الكعبة وكأنه يودعها ، فيدعو أو يسلم أو ما أشبه ذلك ، وهذا من البدع أيضا ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولو كان خيرا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا ما يحضرني الآن .



حكم زيارة المسجد النبوي ، وهل لها تعلق بالحج
السؤال (313 ) : فضيلة الشيخ ، إذن بعد أن عرفنا الشيء الكثير عن الحج وأعماله والأخطاء التي تقع فيه ، نود أن ننتقل مع الإخوة الحجاج إلى ما يهمهم في الزيارة ، زيارة المسجد النبوي الشريف ، فما حكم زيارة المسجد النبوي ، وهل لها تعلق بالحج ؟
الجواب : زيارة المسجد النبوي سنة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ؛ المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ))(306) فيسافر الإنسان لزيارة المسجد النبوي ؛ لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام(307) . ولكنه إذا سافر إلى المدينة فينبغي أن يكون قصده الأول الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإذا وصل إلى هناك ، زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، على الوجه المشروع في ذلك من غير بدع ولا غلو .
وقولك في السؤال : هل له علاقة بالحج ؟
جوابه : أنه لا علاقة له بالحج ، وأن زيارة المسجد النبوي منفصلة ، والحج والعمرة منفصلان عنه ، لكن أهل العلم رحمهم الله يذكرونه في باب الحج ، أو في آخر باب الحج ؛ لأن الناس في عهد سبق يشق عليهم أن يفردوا الحج والعمرة في سفر وزيارة المسجد النبوي في سفر ، فكانوا إذا حجوا واعتمروا ، مروا على المدينة لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وإلا فلا علاقة بين هذا وهذا .



الآداب المشروعة في زيارة المسجد النبوي
السؤال ( 314) : فضيلة الشيخ، أشرتم إلى زيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام إذا وصل المسلم إلى المدينة المنورة وأيضاً قبر صاحبيه، فما الآداب المشروعة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب: الآداب المشروعة: أن يزور الإنسان قبره صلى الله عليه وسلم على وجه الأدب، وأن يقف أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيسلم عليه فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، صلى الله عليك وسلم وبارك، وجزاك عن أمتك خير الجزاء، ثم يخطو خطوة ثانية، خطوة عن يمينه؛ ليكون مقابل وجه أبي بكر رضي الله عنه، ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته،جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ثم يخطو خطوة عن يمينه، ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ثم ينصرف ، هذه هي الزيارة المشروعة.
وأما ما يفعله بعض الناس من التمسح بجدران الحجرة، أو التبرك بها، أو ما أشبه ذلك، فكله من البدع، وأشد من ذلك وأنكر وأعظم: أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتفريج الكربات، وحصول المرغوبات؛ فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، ولا يملك لغيره كذلك نفعاً ولا ضرا، ولا يعلم الغيب، وهو صلى الله عليه وسلم قد مات كما يموت غيره من بني آدم، فهو بشر يحيا كما يحيون، ويموت كما يموتون، وليس له من تدبير الكون شيء أبداً، قال الله تعالى، أي: للرسول صلى الله عليه وسلم : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (21) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (الجن:21/22) ، وقال الله تعالى له : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إلا ما شاء الله) (لأعراف: 188) وقال الله له : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأنعام: 50).
فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر محتاج إلى الله عز وجل، وليس به غنى عنه طرفة عين،ولا يملك أن يجلب نفعاً لأحد أو يدفع ضرراً عن أحد، بل هو عبد مربوب مكلف كما يكلف بنو آدم، وإنما يمتاز بما من الله به عليه من الرسالة التي لم تكن لأحد قبله ولن تكون لأحد بعده، وهي الرسالة العظمى التي بعث بها إلى سائر الناس إلى يوم القيامة.



حكم زيارة البقيع وشهداء أحد
السؤال (315): فضيلة الشيخ، أيضاً ما حكم زيارة بعض مقابر المدينة؛ كالبقيع ، وشهداء أحد؟
الجواب: زيارة القبور سنة في كل مكان ، ولا سيما زيارة البقيع التي دفن فيه كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقبره هناك معروف، وكذلك يسن أن يخرج إلى أحد ليزور قبور الشهداء هنالك، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهراً فيصلي فيه ركعتين؛ فإن في ذلك فضلاً عظيماً، وليس هناك شي يزار في المدينة سوى هذه، زيارة المسجد النبوي ، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، زيارة البقيع، زيارة شهداء أحد، زيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات ، فإنه لا أصل له.



يجد في قلبه ميلاً إلى طلب الشفاعة من المقبورين فماذا يفعل؟
السؤال (316): فضيلة الشيخ، سألنا عن حكم زيارة بعض المقابر في المدينة التي تزار، وذكرتم أن المزارات في المدينة خمسة، وقلتم: إنه لا يجوز للإنسان أن يدعو أصحاب هذه المقابر أي دعاء، لكن ما الذي يلزم من وجد في قلبه ميلاً إلى طلب الشفاعة من أصحاب هذه القبور ، أو قضاء الحوائج أو الشفاء، أو ما إلى ذلك؟
الجواب: الذي يجد في قلبه ميلاً إلى طلب الشفاعة من أصحاب القبور، فإن كان أصحاب القبور من أهل الخير، وكان الإنسان يؤمل أن يجعلهم الله شفعاء له يوم القيامة بدون أن يسألهم ذلك ، ولكنه يرجو أن يكونوا شفعاء له، فهذا لا بأس به؛ فإننا كلنا نرجو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيعاً لنا، ولكننا لا نقول له: يا رسول الله، اشفع لنا ، بل نسأل الله تعالى أن يجعله شفيعاً لنا، وكذلك أهل الخير الذين يرجى منهم الصلاح؛ فإنهم يكونون شفعاء يوم القيامة؛ فإن الشفاعة يوم القيامة تنقسم إلى قسمين:
قسم خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يشركه فيه أحد، وهي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها صلى الله عليه وسلم للخلق إلى ربهم ليقضي بينهم؛ فإن الناس يوم القيامة ينالهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيقولون : ألا تذهبون إلى من يشفع لنا عند الله عز وجل ، يعني: يريحهم من هذا الموقف، فيأتون إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ، ثم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام، وكلهم لا يشفع، حتى يأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنتهي الشفاعة إليه، فيشفع عند الله عز وجل أن يقضي سبحانه وتعالى بين عباده ، فيجيء الله عز وجل ويقضي بين عباده.
والشفاعة الثانية: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.
أما الشفاعة العامة التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فهذه تكون فيمن دخل النار أن يخرج منها؛ فإن عصاة المؤمنين إذا دخلوا النار بقدر ذنوبهم ، فإن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أن يشفعوا في هؤلاء ، بأن يخرجوا من النار.
المهم أن الإنسان إذا رجا الله عز وجل أن يشفع فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، أو يشفع فيه أحد من الصالحين بدون أن يسألهم ذلك، فهذا لا بأس به، وأما أن يسألهم فيقول: يا رسول الله، اشفع لي، أو يا فلان، اشفع لي، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز، بل هو من دعاء غير الله عز وجلن ودعاء غير الله شرك.



حكم زيارة المساجد السبعة وغيرها من المزارات
السؤال (317): فضيلة الشيخ، ذكرتم أن المواضع التي تزار في المدينة خمسة، لكن لم ترد إشارة مثلاً للمساجد السبعة أو مسجد الغمامة، أو بعض هذه المزارات التي يزورها بعض الحجاج، فما حكم زيارتها؟
الجواب: نحن ذكرنا أنه لا يزار سوى هذه الخمسة التي هي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ،وقبره، وقبر صاحبيه، وهذه القبور الثلاثة في مكان واحد، والبقيع وفيه قبر عثمان رضي الله عنه، وشهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ومسجد قباء، وما عدا ذلك فإنه لا يزار، وما أشرت إليه من المساجد السبعة، أو غيرها مما لم تذكر، فكل هذا لا أصل لزيارته، وزيارته بقصد التعبد لله تعالى بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز لأحد أن يثبت لزمان أو مكان أو عمل، أن فعله أو قصده قربه إلا بدليل من الشرع.



ما ينبغي لمن وفق لأداء الحج؟
السؤال (318): فضيلة الشيخ، ما الذي ينبغي لمن وفقه الله تعالى لإتمام نسكه من الحج والعمرة؟ وما الذي ينبغي له بعد ذلك؟
الجواب: الذي ينبغي له ولغيره ممن منّ الله عليه بعبادة أن يشكر الله سبحانه وتعالى على توفيقه لهذه العبادة، وأن يسأل الله تعالى قبولها، وأن يعلم أن توفيق الله تعالى إياه لهذه العبادة نعمة يستحق سبحانه وتعالى الشكر عليها، فإذا شكر الله، وسأل الله القبول، فإنه حري بأن يقبل ؛ لأن الإنسان إذا وفق للدعاء فهو حري بالإجابة ، وإذا وفق للعبادة فهو حري بالقبول، وليحرص غاية الحرص أن يكون بعيداً عن الأعمال السيئة بعد أن من الله عليه بمحوها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))(308)، ويقول صلى الله عليه وسلم : (( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان: كفارة لما بينهن ، ما اجتنبت الكبائر))(310) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (( العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما))(311) ، وهذه وظيفة كل إنسان يمن الله تعالى عليه بفعل عبادة ، أن يشكر الله على ذلك، وأن يسأله القبول.
السؤال (319): فضيلة الشيخ، هل هناك علامات يمكن أن تظهر على المقبولين في أداء الحج والعمرة؟
الجواب: قد تكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحجاج والصائمين والمتصدقين والمصلين، وهي انشراح الصدر، وسرور القلب، ونور الوجه؛ فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها، بل على ظاهره وباطنه أيضاً، وذكر بعض السلف أن من علامة قبول الحسنة: أن يوفق الإنسان لحسنة بعدها؛ فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله الأول، ومن عليه بعمل آخر يرضى به عنه.



الواجب على من عاد إلى بلاده تجاه أهله بعد أداء الحج
السؤال(320): فضيلة الشيخ، ما الذي يجب على المسلم إذا انتهى من حجة وسافر عن هذه الأماكن المقدسة ما الذي يجب عليه تجاه أهله وجماعته ومن يعيش في وسطهم؟
الجواب: هذا الواجب الذي تشير إليه واجب على من حج ومن لم يحج، واجب على كل من ولاه الله تعالى على رعية؛ أن يقوم بحق هذه الرعية، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن : (( الرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته))(312) ، فعليه أن يقوم بتعليمهم وتأديبهم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، أو كما كان يأمر بذلك الوفود الذين يفدون إليه أن يرجعوا إلى أهليهم فيعلموهم ويؤدبوهم، والإنسان مسؤول عن أهله يوم القيامة، لأن الله تعالى ولاه عليهم وأعطاه الولاية ، فهو مسؤول عن ذلك يوم القيامة؛ ويدل لهذا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم:6)، فقرن الله تعالى الأهل بالنفس، فكما أن الإنسان مسؤول عن نفسه يجب عليه أن يحرص كل الحرص على ما ينفعها؛ فإنه مسؤول عن أهله؛ كذلك يجب عليه أن يحرص كل الحرص على أن يجلب لهم ما ينفعهم ويدفع عنهم بقدر ما يستطيع ما يضرهم.



آثار الحج على المسلم
السؤال (321): فضيلة الشيخ، ما هي آثار الحج على المسلم؟
الجواب: سبق لنا الإشارة إلى شيء منها؛ حيث سألت: ما هي علامة قبول الحج؟
فمن آثار الحج: أن الإنسان يرى من نفسه راحة وطمأنينة ، وانشراح صدر، ونور قلب.
وكذلك قد يكون من آثار الحج: ما يكتسبه الإنسان من العلم النافع الذي يسمعه في المحاضرات وجلسات الدروس في المسجد الحرام، وفي المخيمات في منى وعرفة.
وكذلك من آثاره: أن يزداد الإنسان معرفة بأحوال العالم الإسلامي ، إذا وفق لشخص ثقة يحدثه عن أوطان المسلمين.
وكذلك من آثاره: غرس المحبة في قلوب المؤمنين بعضهم لبعض؛ فإنك ترى الإنسان في الحج وعليه علامات الهدى والصلاح فتحبه وتسكن إليه وتألفه.
ومن آثار الحج أيضاً: أن الإنسان قد يكتسب أمراً مادياً بالتكسب بالتجارة وغيرها؛ لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ )(الحج: من الآية28) ، ولقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ )(البقرة: من الآية198)، وكم من إنسان اكتسب مالاً بالتجارة في حجه، شراء وبيعاً، وهذا من المنافع التي ذكرها الله سبحانه وتعالى.
ومن آثار الحج : أن يعود الإنسان نفسه على الصبر وعلى الخشونة والتعب، لا سيما إذا كان رجلاً عادياً من غير أولئك الذين تكمل لهم الرفاهية في حجهم، فإنه يكتسب بذلك شيئاً كثيراً، أعني: الذي يكون حجه عادياً يكتسب خيراً كثيراً بتعويد نفسه على الصبر والخشونة.



نصيحة لمن أدى الحج
السؤال(322): فضيلة الشيخ، ما هي نصيحتكم لمن أدى فريضة الحج؟
الجواب: نصيحتي له: أن يتقي الله عز وجل في أداء ما ألزمه الله به من العبادات الأخرى؛ كالصلاة والزكاة، والحج، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الخلق، وإلى المملوكات من البهائم، وغير هذا مما أمر الله به، وجماع ذلك كله: قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90) (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل:90/91) .




وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

---------------------------------

(205) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، رقم (1337)
(206) تقدم تخريجه(239)
(207) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صحة حج الصبي وأجر من حج به، رقم (1336)
(208) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله، رقم (1513) ومسلم كتاب الحج، باب الحج عن العاجز، رقم(1334).
(209) جزء من حديث جابر الطويل في وصف حجة النبي صلي الله عليه وسلم ، أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلي الله عليه وسلم ، رقم (1218)
(210) أخرجه الدارقطني في سننه (2/285) رقم (222)، والبيهقي في (( السنن)) (4/352)
(211) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق، رقم (1531)
(212) تقدم تخريجه ص (266)
(213) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب مهل أهل الشام، رقم (1526)، ومسلم كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، رقم (1181)
(214) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (867)
(215) أخرجه البخاري، كتاب الحج ، باب الفتيا على الدابة عند الجمرة، رقم (1736، 1737) ومسلم، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، رقم (1306)
(216) أخرجه البيهقي في (( السنن الكبرى)) (5/125) وأخرجه أحمد في (0 مسند الشاميين)02/54) لفظ: (( لتأخذوا عني مناسكك)) وأخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، رقم (1297) بلفظ: (( لتأخذوا مناسككم)) فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه))
(217) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمل، رقم (1888) والترمذي بنحوه، كتاب الحج، باب ما جاء كيف ترمى الجمار، رقم (902) وقال : حسن صحيح
(218) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع، رقم (1327)
(219) تقدم تخريجه (135)
(220) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد أن أفاضت ، رقم (1757-1759)، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، رقم (1211م).
(221) أخرجه أبو داود ، كتاب المناسك، باب طواف القارن، رقم (1897)، وعند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (0 يسعك طوافك لحجك وعمرتك)) فأبت ، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج، كتاب الحج، باب إحرام النفساء..وكذا الحائض، رقم (1211)
(222) تقدم تخريجه (308)
(223) أخرجه أبو داود، كتاب الحج، باب الرجل يحج عن غيره،رقم (1811)، وابن ماجه، كتاب المناسك ، باب الحج عن الميت، رقم (2903)، والبيهقي (4/336).
(224) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب طواف النساء مع الرجال ، رقم (1619) ومسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره، رقم (1276).
(225) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم (5089) ومسلم، كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، رقم (1207)
(226) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب الكفن في ثوبين، ( 1265) ومسلم ، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، ( رقم( 1206)
(227) تقدم تخريجه ( 344)
(228) أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، رقم ( 1409).
(229) تقدم تخريجه (344)
230) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، رقم (1539) ، ومسلم كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، رقم (1189) واللفظ له.
(231) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، رقم (1538)، ومسلم، كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، رقم (1190)
(232) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب، رقم (1542)، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح، رقم (1177).
(233) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، رقم (1298)
(234) أخرجه البخاري ، كتاب جزاء الصيد، باب ما ينهي من الطيب للمحرم والمحرمة، رقم (1838)
أخرجه البخاري ، كتاب جزاء الصيد ، باب الاغتسال للمحرم، رقم (1840) ومسلم ، كتاب الحج، باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه ، رقم (1205)
(235) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب الإذخر والحشيش في القبر، رقم ( 1349)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها..، رقم (1353).
(236) أخرجه أبو داود، كتاب الحج ، باب من لم يدرك عرفة، رقم(1950)، والترمذي كتاب الحج، فيمن أدرك بجمع فقد أدرك الحج، رقم(891)، والنسائي ، كتاب الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، رقم ( 3016) وأحمد في المسند( 4/261،262)، وقال الترمذي : حديث صحيح.
(237) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفه أهله بليل ..، رقم ( 1679)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن، رقم (1291).
(238) سبق تخريجه (360)
(239) أخرجه البخاري، كتاب الأشربة ، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، رقم (5590)
(240) سبق تخريجه (327)
(241) تقدم تخريجه (325)
(242) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، رقم (1650)، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، رقم (1211)
(243) أخرجه الترمذي ، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم (2676)، وأبو داودد، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم (4607)، وابن ماجه ، في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، رقم (42)وأحمد في (( المسند)) (4/127،126) وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
(244) أخرجه أحمد في (( المسند)) (3/357،372)، وابن ماجه ، كتاب المناسك، باب الشرب من ماء زمزم رقم (3062)، وصحة الألباني كما في (( إرواء الغليل)) رقم (1123).
(245) اخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب الإذخر والحشيش في القبر، رقم (1349) ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها..، رقم (1353).
(246) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، رقم (1218)
(247) أخرجه أبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، رقم (1488)، والترمذي ، كتاب الدعوات، رقم (3556)، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء، رقم (3865)، وقال الترمذي: حسن غريب.
(248) تقدم تخريجه 219
(249) أخرجه مسلم، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله رقم (2985)
(250) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، رقم (56) ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، رقم (1628)
(251) تقدم تخريجه (111)
(252) أخرجه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، رقم (2697) ومسلم ، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، رقم (1718)
(253) تقدم تخريجه (372)
(254) تقدم تخريجه (316)
(255) تقدم تخريجه (315)
(256) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب كيف التلبية، رقم (1814)، والترمذي ، كتاب الحج، باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية، رقم (829) وقال: حسن صحيح.
(257) أخرجه الترمذي ، كتاب الصلاة، باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد، رقم ( 314)، وابن ماجه، كتاب المساجد ، باب الدعاء عند دخول المسجد ، (771)
(258) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة ، باب إذا دخل المسلم فليركع ركعتين، رقم (444)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، رقم (714)
(259) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه، رقم (1612)
(260) تقدم تخريجه(327)
(261) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود، رقم (1597)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف، رقم (1270)
(262) تقدم تخريجه (327)
(263) أخرجه البخاري، ولفظه: ((…وكان معاوية يتسلم الأركان، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يستلم هذان الركنان .فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً)). وأما الرواية التي ذكرت أن معاوية رضي اله عنه رجع إلي قول ابن عبس وقال له: صدقت، فقد أخرجها أحمد في (( المسند))(1/217) وذكرها الحافظ في (( الفتح)) (3/553) وعزاها لأحمد وسكت عليها..
(264) أخرجه أبو داود، كتاب التطوع، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، رقم (1332)، وأحمد في (( المسند)) (3/94).
(265) تقدم تخريجه (325)
(266) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، رقم (835)، ومسلم كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، رقم (402)
(267) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (867)
(268) تقدم تخريجه (132)
(269) تقدم تخريجه(321)
(270) تقدم تخريجه (327)
(271) تقدم تخريجه (132)
(272) تقدم تخريجه (341)
(273) تقدم تخريجه (132)
(274) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من ساق البدن معه، رقم (1691) ، ومسلم كتاب الحج، باب وجوب الدم على المتمتع..، رقم (1227)
(275) تقدم تخريجه(325)
(276) تقدم تخريجه (360)
(277) أخرجه البخاري ، كتاب الحج، باب الركوب والارتداف في الحج، رقم (1543، 1544)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، رقم (1281).
(278) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، رقم (1949)، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، رقم(899)، والنسائي، كتاب الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، رقم (3044)، وابن ماجه، كتاب (( المناسك)) باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، رقم ، (3015)، وأحمد في (( المسند)) (4/309 ،310)، والحاكم في (( المستدرك)) (1/464)، والبيهقي في (( سننه))(5/1116،173)، وقال الترمذي: حسن صحيح ، وصححه الألباني في (0 الإرواء)) رقم (1064)
(279) تقدم تخريجه(377)
(280) أخرجه أحمد، والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم، رقم (2180)وقال: حسن صحيح.
(281) تقدم تخريجه(377)
(282) تقدم تخريجه (162)
(283) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (1218)
(284) الحبل: هو التل اللطيف من الرمل.
(285) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (1218) وهو جزء من حديث جابر السابق.
(286) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجمع، رقم (1669) ومسلم، كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة، رقم (1280).
(287) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل..، رقم (1676)، ومسلم ، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى مني..، رقم (1295)
(290) تقدم تخريجه(325)
(291) تقدم تخريجه(111)
(292) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو ذلك القبلة حيث كان، رقم (401)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم (572)
(294) تقدم تخريجه (325)
(295) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب سقاية الحاج، رقم (1634)، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمني ليالي أيام التشريق، رقم (1315)
(296) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في رمي الجمار، رقم (1975)، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً، رقم (955)، والنسائي، كتاب الحج، باب في رمي الرعاة، رقم (3068، 3069)، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب تأخير رمي الجمار من عذر، رقم (3037)، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(297) أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب سنن الأضحية، رقم (1963)
(298) أخرجه أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، رقم 02802)، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما لا يجوز من الأضاحي، رقم (1497)، وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، رقم (3144)، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(299) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام ، باب ما يكره من كثرة السؤال، رقم (7292)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجه، رقم (593م).
(300) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب عمرة التنعيم، رقم (1785)، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الحج.. رقم (1216)
(301) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم (1218).
(302) أخرجه البخاري، كتاب الأضاحي، باب الذبح بعد الصلاة، رقم (5560)، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها رقم (1961).
(303) أخرجه البخاري، كتاب الأضاحي، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة: (( ضح بالجذع..)) رقم (5556)، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، رقم (1961)
(304) تقدم تخريجه (328)
(305) تقدم تخريجه (135)
(306) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، رقم (1189)، ومسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، رقم (1397).
(307) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة،باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ، رقم (11190)، ومسلم ، كتاب الحج باب فضل الصلاة في بمسجدي مكة والمدينة، رقم (1394)
(308) أخرجه البخاري ، كتاب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها، رقم (1773)، ومسلم ، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، رقم (1349).
(310) أخرجه مسلم ، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة..، رقم (233)
(311) تقدم تخريجه في الحديث قبل السابق.
(312) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة في القرى والمدن، رقم (893) ومسلم ، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، رقم (1829)

ابو ضاري
30-11-2010, 17:42
السؤال: أما سؤاله الثالث يقول هل تجوز الاستعانة بغير الله وهل يجوز الحلف بغير الله؟ الجواب
الشيخ: الاستعانة بغير الله جائزة إذا كان المستعان ممن يمكنه أن يعين فيما استعين فيه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الصدقات وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقه وأما استعانة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز وهو من الشرك وأما الحلف بغير الله فهو محرم بل نوع من الشرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).

ابو ضاري
30-11-2010, 17:43
مكتبة الفتاوى : فتاوى نور على الدرب (نصية) : التوحيد والعقيدة </B>
السؤال: ماهو موقف الإسلام من الصوفيه. الجواب
الشيخ: الصوفية كلمة قيل إنها مشتقة من الصفا وقيل إنها مشتقة من الصفوة وقيل إنها مشتقة من الصوف وهو الأقرب لأنهم كانوا إبان ظهورهم يرتدون الألبسة من الصوف تقشفاً وتزهداً والصوفية لها طرق متعددة تصل بهم أحياناً إلى الكفر الصريح حيث إنهم يصلون إلى القول بوحدة الوجود وأنهم لا يشاهدون إلا الرب ويعتقدون أن كل شيء مشاهد من آيات الله تبارك وتعالى فإنه هو الله ولا شك أن هذا كفر صريح ومنهم من يشذ عن الإسلام دون ذلك وهم على درجات متفاوتة وأنا أنصح السائل أن يقرأ كتاب هذه هي الصوفية للشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله لأنه بين في هذا الكتاب ما كان عليه الصوفية الذين يدَّعون أنهم أهل الصفاء والمعرفة بالله عز وجل وهم في الحقيقة أجهل الناس بالله لأن أعلم الناس بالله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه الراشدون في هذه الأمة ثم التابعون لهم بإحسان هؤلاء هم أعرف الناس وكل من سلك سبيلاً غير سبيلهم فإن فيه من الجهل بالله بمقدار ما نأى به عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين.

ابو ضاري
30-11-2010, 17:45
مكتبة الفتاوى : فتاوى نور على الدرب (نصية) : التوحيد والعقيدة </B>
السؤال: يقول ما حكم بناء المساجد على قبور الأولياء جزاكم الله خير الجزاء؟ الجواب
الشيح: حكمها أنها محرمة ولا يجوز بناء المساجد على القبور قبور الأولياء ولا غيرهم وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدمه وإزالته.

ابو ضاري
03-12-2010, 08:57
الاحكام المتعلقه بالســـــــــــــــــــــفر للشيخ ابن عثيمين غفر الله له


* حكم الأذان في السفر ؟؟؟

الجواب : هذه المسألة محل خلاف، والصواب وجوب الأذان على المسافرين، وذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وصحبه (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)
وهم وافدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرون إلى أهليهم، ولأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يدع الأذان ولا الإقامة حضراً ولا سفراً، فكان يؤذن في أسفاره ويأمر بلالاً
رضي الله عنه أن يؤذن



* من جهل القبلة أولم يجد ماء هل يؤخر الصلاة ؟؟؟

الجواب : الصلاة يجب أن تؤدى وتفعل في وقتها لقوله تعالى :
( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً )

وإذا وجب أن تفعل في وقتها فإنه يجب على المرء أن يقوم بما يجب فيها بحسب المستطاع
لقوله تعالى : ( فا تقوا الله ما استطعتم ) ،
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين :
( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب )

ولأن الله عز وجل أمرنا بإقامة الصلاة حتى في حال الحرب والقتال و لو كان تأخير الصلاة عن
وقتها جائزاً لمن عجز عن القيام بما يجب فيها من شروط وأركان وواجبات ما أوجب
الله تعالى الصلاة في حال الحرب ..


* مقدار المسافة التي يقصر فيها الصلاة ؟؟؟

الجواب : المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو متراً
وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف أنه سفر وان لم يبلغ ثمانين كيلو متراً وما
قال الناس عنه : إنه ليس بسفر فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر .

وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، وذلك لأن الله تعالى
لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم
لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر ..

وقال أنس بن مالك – رضى الله عنه - : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج
ثلاثة أميال او فراسخ قصر الصلاة وصلى ركعتين )

وقول شيخ الإسلام ابن تيميه ، رحمه الله ، أقرب إلى الصواب، ولا حرج عند اختلاف العرف
فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد لأنه قال به بعض الأئمه و العلماء المجتهدين فليس
عليهم به بأس إن شاء الله تعالى أما مادام الأمر منضبطاً فالرجوع إلى العرف هو الصواب



* متى يترخص المسافر برخص السفر ؟؟؟

الجواب : ذكر العلماء-رحمهم الله -انه لا يشترط لفعل القصر والجمع ، حيث أبيح فعلهما ، أن
يغيب الإنسان عن البلد بل متى خرج من سور البلد جاز له ذلك. وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته وإن كان يشاهدها، ولا يحل الجمع بين
الصلاتين حتى يغادر البلد إلا أن يخاف أن لا يتيسر له صلاة الثانية أثناء سفره


* ما هي الرخص في السفر ؟؟؟

الجواب :

1. صلاة الرباعية ركعتين 0

2. الفطر في رمضان ويقضيه عدة من أيام أخر 0

3. المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من أول مسح 0

4. سقوط المطالبة براتبة الظهر والمغرب والعشاء أما راتبة الفجر وبقية النوافل فإنها باقية
على مشروعيتها واستحبابها 0

5. الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض وهما الظهر والعصر أو المغرب والعشاء
ولا يجوز تأخير المجموعتين عن وقت الخيرة منهما فلا يجوز تأخير الظهر والعصر المجموعتين
إلى غروب الشمس ولا تأخير المغرب والعشاء المجموعتين إلى ما بعد نصف الليل



* من كان سفره دائماً هل يترخص برخص السفر ؟؟؟

الجواب : قصر الصلاة متعلق بالسفر فما دام الإنسان مسافراً فإنه يشرع له قصر الصلاة
سواء كان سفره نادراً أم دائماً إذا كان له وطن يأوي إليه ويعرف أنه وطنه ..



* إقامة المسافر في بلد غير بلده الأصلي ( بنية الاستيطان ) ؟؟؟

الجواب : أن يقيم إقامة استيطان بحيث ينتقل عن بلده الأصلي انتقالاً كاملاً فحكم هذا
حكم المستوطنين الأصليين في كل شيء لا يترخص رخص السفر في هذا البلد الذي
انتقل إليه بل يترخص إذا سافر منه ولو إلى بلده الأصلي كما لو كان بلده الأصلي مكة
فانتقل للسكنى في المدينة فإنه يعتبر في المدينة كأهلها الأصليين فلو سافر إلى مكة
للعمرة أو الحج أو طلب العلم أو زيارة قريب أو تجارة أو غيرها فحكمه في مكة حكم المسافرين
وإن كان قد تزوج فيها من قبل وتأهل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة
في غزوة الفتح وحجة الوداع مع أنه قد تزوج في مكة وتأهل فيها من قبل ..



* هل تسقط الجماعة عن المسافر ؟؟؟

الجواب : لا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال :
( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا
فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ) ( سورة النساء - الآية 102 ) الآية ..

وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد
إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيداَ أو يخاف فوت رفقته لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة
الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة ..



* ما عدد ركعات صلاة السفر ؟؟؟

الجواب : صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه لقول عائشة
رضى الله عنها :
( أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر )

وفي رواية ( وزيد في صلاة الحضر ) وقال أنس بن مالك - رضى الله عنه - : ( خرجنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة )



* إذا صلى المسافر خلف إمام يتم ؟؟؟

الجواب : إذا كنت في بلد تسمع النداء فيه فعليك أن تجيب النداء وإذا صليت مع الإمام لزمك
الإتمام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) 0 ولقوله صلى
الله عليه وسلم : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )

ولأن ابن عباس - رضى الله عنهما - سئل: عن الرجل إذا كان مسافر وصلى مع الإمام
يصلي أربعا َوإذا كان وحده يقصر؟ قال: تلك هي السنة فإذا سمعت النداء فاجب وأتم مع
الإمام فلو صليت معه ركعتين وسلم فإن عليك أن تتم الركعتين الباقيتين ..

ولكن لو أنك لم تسمع النداء أو كنت في مكان ناء عن المساجد أو فاتتك الجماعة
فإنك تصلى ركعتين ما دمت في البلد الذي سافرت إليه بنية الرجوع إلى بلدك ..


* إمامة المسافر للمقيم ؟؟؟

الجواب : يجوز للمسافر أن يكون إماماً للمقيمين، وإذا سلم يقوم المقيمون فيتمون الصلاة
بعده ولكن ينبغي للمسافر الذي أم المقيمين أن يخبرهم قبل الصلاة فيقول لهم إنا مسافرون
فإذا سلمنا فأتموا صلاتكم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة عام الفتح
وقال لهم : ( أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر ) فكان يصلي بهم ركعتين وهم يتمون بعده ..


* كيفية صلاة المسافر ؟؟؟

الجواب : إذا حان وقت الفريضة وأنت في الطائرة فلا تصلها في الطائرة بل انتظر حتى تهبط
في المطار إن اتسع الوقت إلا أن يكون في الطائرة محل خاص يمكنك أن تصلي فيه صلاة
تامة تستقبل فيه القبلة وتركع وتسجد وتقوم وتقعد فصلها في الطائرة حين يدخل الوقت

فإن لم يكن في الطائرة مكان خاص يمكنك أن تصلي فيه صلاة تامة وخشيت أن يخرج الوقت
قبل هبوط الطائرة فإن كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعدها كصلاة الظهر مع العصر وصلاة
المغرب مع العشاء ويمكن أن تهبط الطائرة قبل خروج وقت الثانية فأخر الصلاة الأولى
واجمعها إلى الثانية جمع تأخير ليتسنى لك الصلاة بعد هبوط الطائرة

فإن كانت الطائرة لا تهبط إلا بعد خروج وقت الثانية فصل الصلاتين حينئذٍ في الطائرة على
حسب استطاعتك فتستقبل القبلة وتصلي قائماً وتركع إن استطعت وإلا فأومئ بالركوع
وأنت قائم ثم اسجد إن استطعت وإلا فأومئ بالسجود جالساً

أما كيفية صلاة النافلة على الطائرة فإنه يصليها قاعداً على مقعده في الطائرة
ويومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض



* جمع الصلاتين للمسافر ؟؟؟

الجواب : أما الجمع: إن كان سائراً فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب
والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير حسب الأيسر له وكلما كان أيسر فهو أفضل


وإن كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع وإن جمع فلا بأس لصحة الأمرين عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم.


وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس - رضى الله عنهما - قال :
( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء
من غير خوف ولا مطر ) فقالوا: ما أراد قال: أراد أن لا يحرج أمته ،
أي لا يلحقها حرج في ترك الجمع ..

وهذا هو الضابط كلما حصل حرج في ترك الجمع جاز له الجمع وإذا لم يكن عليه
حرج فلا يجمع لكن السفر مظنة الحرج بترك الجمع وعلى هذا يجوز للمسافر أن يجمع
سواء كان جاداً في السفر أم مقيماً إلا أنه إن كان جاد في السفر فالجمع أفضل.
وإن كان مقيماً فترك الجمع افضل

ويستثنى من ذلك ما إذا كان الإنسان مقيماً في بلد تقام فيه الجماعة
فإن الواجب عليه حضور الجماعة وحينئذ لا يجمع ولا يقصر. لكن لو فاتته الجماعة فإنه
يقصر من دون جمع إلا إذا احتاج إلى الجمع



* إذا أدرك المسافر ركعتين من الرباعية مع الإمام هل تكفيه لصلاته ؟؟؟

الجواب : هذا غير جائز إذا دخل مع المقيم يجب أن يكمل أربع ركعات بعد تسليم الإمام
لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )



* من أراد السفر بعد الفريضة هل يجمع معها ما بعدها وهو في بلده ؟؟؟

الجواب : إذا كنت في بلدك لم تخرج وأردت أن تسافر بعد صلاة المغرب مباشرة فإنك لا
تجمع لأنه ليس لك سبب يبيح للجمع إذ أنك لم تغادر بلدك أما إذا كنت في بلد قد سافرت
إليه مثل أن تكون قد أتيت لمكة للعمرة ثم أردت أن تسافر بين المغرب والعشاء فإنه لا بأس
إذا صلى الإمام المغرب أن تصلي بعده العشاء مقصورة ثم تخرج إلى بلدك


* إذا أخر المسافر صلاة المغرب ليجمعها مع صلاة العشاء وأدرك الناس في المدينة يصلون العشاء ؟؟؟

الجواب : ينضم معهم بنية صلاة المغرب وفي هذه الحال إن كان قد دخل مع الإمام في
الركعة الثانية فالأمر ظاهر ويسلم مع الإمام لأنه يكون صلى ثلاثاً وإن دخل في الثالثة
أتى بعده بركعة

أما إن دخل في الركعة الأولى من صلاة العشاء وهو يصلي بنية المغرب فإن الإمام
إذا قام إلى الرابعة يجلس هو ويتشهد ويسلم ثم يدخل مع الإمام في بقية صلاة العشاء
حتى يدرك الجماعتين في الصلاتين وهذا الانفصال جائز لأنه لعذر والانفصال لعذر جائز
كما ذكر ذلك أهل العلم


* الصلاة في الحضر وقد أدركه وقتها في السفر والعكس ؟؟؟

الجواب : قاعدة : وهي : أن العبرة بفعل الصلاة فإن فعلتها في الحضر فأتم وإن فعلتها في
السفر فاقصر سواء دخل عليك الوقت في هذا المكان أو قبل مثلاً إنسان سافر من بلده
بعد أذان الظهر لكن صلى الظهر بعد خروجه من البلد ففي هذه الحال يصلي
ركعتين وأما إذا رجع من السفر ودخل عليه الوقت وهو في السفر ثم وصل بلده فإنه
يصلي أربعاً فالعبرة بفعل الصلاة إن كنت مقيماً فأربع وإن كنت مسافراً فركعتين


* إذا قام المسافر لثالثة وقد نوى القصر ؟؟؟

الجواب : إذا أتم المسافر الصلاة ناسياً فإن صلاته صحيحة ولكن يسجد للسهو لأنه
زاد زيادة غير مشروعة ناسياً فإن المشروع في حق المسافر أن يقتصر على ركعتين
إما وجوباً على مذهب أبي حنفية وأهل الظاهر وإما استحباباً على مذهب أكثر أهل العلم

* صلاة الرجل بأهله في السفر ؟؟؟

الجواب : لا بأس أن يصلي الرجل بأهله ومحارمه في السفر فقد كان النساء يحضرن الصلاة في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنس وأمه واليتيم



* صلاة الجمعة للمسافر ؟؟؟

الجواب : المسافر لا تسقط عنه الجمعة إذا كان في مكان تقام فيه الجمعة، و لم يكن
عليه مشقة في حضورها لعموم قوله تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من
يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع )

فيجب عليه حضور الجمعة ليصلي مع المسلمين ...
ولا تسقط عنه صلاة الجماعة لعموم الأدلة أيضاً



* جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة ؟؟؟

الجواب : لا تجمع العصر إلى الجمعة لعدم ورود ذلك في السنة ولا يصح قياس ذلك على
جمعها إلى الظهر للفروق الكثيرة بين الجمعة والظهر والأصل وجوب فعل كل صلاة في وقتها
إلا بدليل يجيز جمعها إلى الأخرى



* السفر قبل صلاة الجمعة ؟؟؟

الجواب : السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز لقوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع )

فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت لأن الله قال : ( فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع )

وإذا كان السفر قبل ذلك فإن كان سيصلى الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من
بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه فهذا
لا بأس به وإن كان لا يأتي بها في طريقه فمن العلماء من كرهه ومن العلماء من حرمه
ومن العلماء من أباحه وقال إن الله تعالى لم يوجب علينا
الحضور إلا بعد الأذان والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته



* ماذا يصلى المسافر من النوافل ؟؟؟

الجواب : التطوع بالنوافل : فإن المسافر يصلي جميع النوافل سوى راتبة الظهر والمغرب
والعشاء فيصلى الوتر وصلاة الليل وصلاة الضحى وراتبة الفجر وغير ذلك من
النوافل غير الرواتب المستثناة



* المسافرون يصلون التراويح وقيام الليل ؟؟؟

الجواب : نعم يصلون التراويح ويقومون الليل ويصلون صلاة الضحى وغيرها من النوافل
لكن لا يصلون راتبة الظهر أو المغرب أو العشاء

ابو ضاري
07-12-2010, 09:07
فتوى
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
هل يقطع الصلاة ليجيب أحد والديه إذا دعاه ؟
” الوالدان إذا نادياك وأنت تصلي : فإن الواجب إجابتهما ، لكن بشرط ألا تكون الصلاة فريضة ، فإن كانت فريضة فلا يجوز أن تجيبهما ، لكن إذا كانت نافلة فأجبهما .
إلا إذا كانا ممن يقدرون الأمور قدرها ، وأنهما إذا علما أنك في صلاة عذراك ، فهنا أشر إليهما بأنك في صلاة : إما بالنحنحة أو بقول سبحان الله أو برفع صوتك في آية تقرؤها أو دعاء تدعو به حتى يشعر المنادي بأنك في صلاة …
وإن كان من الآخرين الذين لا يعذرون ويريدون أن يكون قولهم هو الأعلى فاقطع صلاتك وكلمهم …
أما الفريضة : فلا تقطعها لأحد إلا عند الضرورة ، كما لو رأيت شخصا تخشى أن يقع في هلكة في بئر أو في بحر أو في نار ، فهنا اقطع صلاتك للضرورة ، وأما لغير ذلك فلا يجوز قطع الفريضة ” انتهى .

ابو ضاري
23-12-2010, 09:32
من أحكام الحيض في الصلاة والصيام
س 1: إذا طهرت المرأة بعد الفجر مباشرة هل تمسك وتصوم هذا اليوم؟ ويكون يومها لها، أم عليها قضاء ذلك اليوم؟


جـ: إذا طهرت المرأة بعد طلوع الفجر فللعلماء في إمساكها ذلك اليوم قولان:
القول الأول: إنه يلزمها الإمساك بقية ذلك اليوم ولكنه لا يحسب لها بل يجب عليها القضاء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ.
والقول الثاني: إنه لا يلزمها أن تمسك بقية ذلك اليوم؛ ْلأنه يوم لا يصح صومها فيه لكونها في أوله حائضة ليست من أهل الصيام، وإذا لم يصح لم يبق للإمساك فائدة، وهذا الزمن زمن غير محترم بالنسبة لها؛ لأنها مأمورة بفطره في أول النهار، بل محرم عليها صومه في أول النهار، والصوم الشرعي هو: «الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس» وهذا القول كما تراه أرجح من القول بلزوم الإمساك، وعلى كلا القولين يلزمها قضاء هذا اليوم.
س 2: هذا السائل يقول: إذا طهرت الحائض واغتسلت بعد صلاة الفجر وصلت وكملت صوم يومها، فهل يجب عليها قضاؤه؟
جـ: إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر ولو بدقيقة واحدة ولكن تيقنت الطهر فإنه إذا كان في رمضان فإنه يلزمها الصوم ويكون صومها ذلك اليوم صحيحاً ولا يلزمها قضاؤه؛ لأنها صامت وهي طاهر وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فلا حرج، كما أن الرجل لو كان جنباً من جماع أو احتلام وتسحر ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر كان صومه صحيحاً.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أمر آخر عند النساء إذا أتاها الحيض وهي قد صامت ذلك اليوم فإن بعض النساء تظن أن الحيض إذا أتاها بعد فطرها قبل أن تصلي العشاء فسد صوم ذلك اليوم، وهذا لا أصل له بل إن الحيض إذا أتاها بعد الغروب ولو بلحظة فإن صومها تام وصحيح.
س 3: هل يجب على النفساء أن تصوم وتصلي إذا طهرت قبل الأربعين؟
جـ: نعم، متى طهرت النفساء قبل الأربعين فإنه يجب عليها أن تصوم إذا كان ذلك في رمضان، ويجب عليها أن تصلي، ويجوز لزوجها أن يجامعها، لأنها طاهر ليس فيها ما يمنع الصوم ولا ما يمنع وجوب الصلاة وإباحة الجماع.
س 4: إذا كانت المرأة عادتها الشهرية ثمانية أيام أو سبعة أيام ثم استمرت معها مرة أو مرتين أكثر من ذلك فما الحكم؟
جـ: إذا كانت عادة هذه المرأة ستة أيام أو سبعة ثم طالت هذه المدة وصارت ثمانية أو تسعة أو عشرة أو أحد عشر يوماً فإنها تبقى لا تصلي حتى تطهر وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يحد حدًّا معيناً في الحيض وقد قال الله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} فمتى كان هذا الدم باقياً فإن المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي، فإذا جاءها في الشهر الثاني ناقصاً عن ذلك فإنها تغتسل إذا طهرت وإن لم يكن على المدة السابقة، والمهم أن المرأة متى كان الحيض معها موجوداً فإنها لا تصلي سواء كان الحيض موافقاً للعادة السابقة، أو زائداً عنها، أو ناقصاً، وإذا طهرت تصلي.
س 5: المرأة النفساء هل تجلس أربعين يوماً لا تصلي ولا تصوم أم أن العبرة بانقطاع الدم عنها، فمتى انقطع تطهرت وصلت؟ وما هي أقل مدة للطهر؟
جـ: النفساء ليس لها وقت محدود بل متى كان الدم موجوداً جلست لم تصل ولم تصم ولم يجامعها زوجها، وإذا رأت الطهر ولو قبل الأربعين ولو لم تجلس إلا عشرة أيام أو خمسة أيام فإنها تصلي وتصوم ويجامعها زوجها ولا حرج في ذلك. والمهم أن النفاس أمر محسوس تتعلق الأحكام بوجوده أو عدمه، فمتى كان موجوداً ثبتت أحكامه، ومتى تطهرت منه تخلت من أحكامه، لكن لو زاد على الستين يوماً فإنها تكون مستحاضة تجلس ما وافق عادة حيضها فقط ثم تغتسل وتصلي.
س 6: إذا نزل من المرأة في نهار رمضان نقط دم يسيرة، واستمر معها هذا الدم طوال شهر رمضان وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟
جـ: نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق، وقد أثِر عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: إن هذه النقط التي تكون كرعاف الأنف ليست بحيض، هكذا يذكر عنه ـ رضي الله عنه ـ.
س 7: إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل الفجر ولم تغتسل إلا بعد الفجر هل يصح صومها أم لا؟
جـ: نعم، يصح صوم المرأة الحائض إذا طهرت قبل الفجر ولم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، وكذلك النفساء لأنها حينئذ من أهل الصوم، وهي شبيهة بمن عليه جنابة إذا طلع الفجر وهو جُنب فإن صومه يصح لقوله تعالى: {فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}، وإذا أذن الله تعالى بالجماع إلى أن يتبين الفجر لزم من ذلك أن لا يكون الاغتسال إلا بعد طلوع الفجر، ولحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يصبح جنباً من جماع أهله وهو صائم»(1)، أي أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يغتسل عن الجنابة إلا بعد طلوع الصبح.
س 8: إذا أحست المرأة بالدم ولم يخرج قبل الغروب، أو أحست بألم العادة هل يصح صيامها ذلك اليوم أم يجب عليها قضاؤه؟
جـ: إذا أحست المرأة الطاهرة بانتقال الحيض وهي صائمة ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس، أو أحست بألم الحيض ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس فإن صومها ذلك اليوم صحيح وليس عليها إعادته إذا كان فرضاً، ولا يبطل الثواب به إذا كان نفلاً.
س 9: إذا رأت المرأة دماً ولم تجزم أنه دم حيض فما حكم صيامها ذلك اليوم؟
جـ: صيامها ذلك اليوم صحيح؛ لأن الأصل عدم الحيض حتى يتبين لها أنه حيض.
س 10: أحياناً ترى المرأة أثراً يسيراً للدم أو نقطاً قليلة جداً متفرقة على ساعات اليوم، مرة تراه وقت العادة وهي لم تنزل، ومرة تراه في غير وقت العادة، فما حكم صيامها في كلتا الحالتين؟
جـ: سبق الجواب على مثل هذا السؤال قريباً، لكن بقي أنه إذا كانت هذه النقط في أيام العادة وهي تعتبره من الحيض الذي تعرفه فإنه يكون حيضاً.
س 11: الحائض والنفساء هل تأكلان وتشربان في نهار رمضان؟
جـ: نعم تأكلان وتشربان في نهار رمضان لكن الأولى أن يكون ذلك سرًّا إذا كان عندها أحد من الصبيان في البيت لأن ذلك يوجب إشكالاً عندهم.
س 12: إذا طهرت الحائض أو النفساء وقت العصر هل تلزمها صلاة الظهر مع العصر أم لا يلزمها سوى العصر فقط؟
جـ: القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يلزمها إلا العصر فقط، لأنه لا دليل على وجوب صلاة الظهر، والأصل براءة الذمة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(2)، ولم يذكر أنه أدرك الظهر، ولو كان الظهر واجباً لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلّم، ولأن المرأة لو حاضت بعد دخول وقت الظهر لم يلزمها إلا قضاء صلاة الظهر دون صلاة العصر مع أن الظهر تجمع إلى العصر، ولا فرق بينها وبين الصورة التي وقع السؤال عنها، وعلى هذا يكون القول الراجح أنه لا يلزمها إلا صلاة العصر فقط لدلالة النص والقياس عليها. وكذلك الشأن فيما لو طهرت قبل خروج وقت العشاء فإنه لا يلزمها إلا صلاة العشاء، ولا تلزمها صلاة المغرب.
س 13: بعض النساء اللاتي يجهضن لا يخلو الحال: إمَّا أن تجهض المرأة قبل تخلُّق الجنين، وإما أن تجهض بعد تخلقه وظهور التخطيط فيه، فما حكم صيامها ذلك اليوم الذي أجهضت فيه وصيام الأيام التي ترى فيها الدم؟
جـ: إذا كان الجنين لم يُخلَّق فإن دمها هذا ليس دم نفاس، وعلى هذا فإنها تصوم وتصلي وصيامها صحيح، وإذا كان الجنين قد خُلّق فإن الدم دم نفاس لا يحل لها أن تصلي فيه، ولا أن تصوم، والقاعدة في هذه المسألة أو الضابط فيها أنه إذا كان الجنين قد خلق فالدم دم نفاس، وإذا لم يخلّق فليس الدم دم نفاس، وإذا كان الدم دم نفاس فإنه يحرم عليها ما يحرم على النفساء، وإذا كان غير دم النفاس فإنه لا يحرم عليها ذلك.
س 14: نزول الدم من الحامل في نهار رمضان هل يؤثر على صومها؟
جـ: إذا خرج دم الحيض والأنثى صائمة فإن صومها يفسد، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم»(3) ولهذا نعده من المفطرات والنفاس مثله، وخروج دم الحيض والنفاس مفسد للصوم، ونزول الدم من الحامل في نهار رمضان إذا كان حيضاً فإنه كحيض غير الحامل أي يؤثر على صومها، وإن لم يكن حيضاً فإنه لا يؤثر، والحيض الذي يمكن أن يقع من الحامل هو أن يكون حيضاً مطرداً لم ينقطع عنها منذ حملت بل كان يأتيها في أوقاتها المعتادة فهذا حيض على القول الراجح يثبت له أحكام الحيض، أما إذا انقطع الدم عنها ثم صارت بعد ذلك ترى دماً ليس هو الدم المعتاد فإن هذا لا يؤثر على صيامها لأنه ليس بحيض.
س 15: إذا رأت المرأة في زمن عادتها يوماً دماً والذي يليه لا ترى الدم طيلة النهار، فماذا عليها أن تفعل؟
جـ: الظاهر أن هذا الطهر أو اليبوسة التي حصلت لها في أيام حيضها تابع للحيض فلا يعتبر طهراً، وعلى هذا فتبقى ممتنعة مما تمتنع منه الحائض، وقال بعض أهل العلم: من كانت ترى يوماً دماً ويوماً نقاءً، فالدم حيض، والنقاء طهر حتى يصل إلى خمسة عشر يوماً فإذا وصل إلى خمسة عشر يوماً صار ما بعده دم استحاضة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ.
س 16: في الأيام الأخيرة من الحيض وقبل الطهر لا ترى المرأة أثراً للدم، هل تصوم ذلك اليوم وهي لم تر القصة البيضاء أم ماذا تصنع؟
جـ: إذا كان من عادتها ألا ترى القصة البيضاء كما يوجد في بعض النساء فإنها تصوم، وإن كان من عادتها أن ترى القصة البيضاء فإنها لا تصوم حتى ترى القصة البيضاء.
س 17: ما حكم قراءة الحائض والنفساء للقرآن نظراً وحفظاً في حالة الضرورة كأن تكون طالبة أو معلمة؟
جـ: لا حرج على المرأة الحائض أو النفساء في قراءة القرآن إذا كان لحاجة، كالمرأة المعلمة، أو الدارسة التي تقرأ وردها في ليل أو نهار، وأما القراءة أعني قراءة القرآن لطلب الأجر وثواب التلاوة فالأفضل ألا تفعل لأن كثيراً من أهل العلم أو أكثرهم يرون أن الحائض لا يحل لها قراءة القرآن.
س 18: هل يلزم الحائض تغيير ملابسها بعد طهرها مع العلم أنه لم يصبها دم ولا نجاسة؟
جـ: لا يلزمها ذلك؛ لأن الحيض لا ينجس البدن وإنما دم الحيض ينجس ما لاقاه فقط، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلّم النساء إذا أصاب ثيابهن دم حيض أن يغسلنه ويصلين في ثيابهن.
س 19: سائل يسأل، امرأة أفطرت في رمضان سبعة أيام وهي نفساء، ولم تقضِ حتى أتاها رمضان الثاني وطافها من رمضان الثاني سبعة أيام وهي مرضع ولم تقض بحجة مرض عندها، فماذا عليها وقد أوشك دخول رمضان الثالث، أفيدونا أثابكم الله؟
جـ: إذا كانت هذه المرأة كما ذكرت عن نفسها أنها في مرض ولا تستطيع القضاء فإنها متى استطاعت صامته لأنها معذورة حتى ولو جاء رمضان الثاني، أما إذا كان لا عذر لها وإنما تتعلل وتتهاون فإنه لا يجوز لها أن تؤخر قضاء رمضان إلى رمضان الثاني، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ «كان يكون عليّ الصوم فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان»(4) وعلى هذا فعلى هذه المرأة أن تنظر في نفسها إذا كان لا عذر لها فهي آثمة، وعليها أن تتوب إلى الله، وأن تبادر بقضاء ما في ذمتها من الصيام، وإن كانت معذورة فلا حرج عليها ولو تأخرت سنة أو سنتين.
س 20: بعض النساء يدخل عليهن رمضان الثاني وهن لم يصمن أياماً من رمضان السابق فما الواجب عليهن؟
جـ: الواجب عليهن التوبة إلى الله من هذا العمل، لأنه لا يجوز لمن عليه قضاء رمضان أن يؤخره إلى رمضان الثاني بلا عذر لقول عائشة ـ رضي الله عنه ـ: «كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان»، وهذا يدل على أنه لا يمكن تأخيره إلى ما بعد رمضان الثاني، فعليها أن تتوب إلى الله ـ عز وجل ـ مما صنعت وأن تقضي الأيام التي تركتها بعد رمضان الثاني.
س 21: إذا حاضت المرأة الساعة الواحدة ظهراً مثلاً وهي لم تصل بعد صلاة الظهر هل يلزمها قضاء تلك الصلاة بعد الطهر؟
جـ: في هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه لا يلزمها أن تقضي هذه الصلاة؛ لأنها لم تفرّط ولم تأثم حيث إنه يجوز لها أن تؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، ومنهم من قال: إنه يلزمها القضاء أي قضاء تلك الصلاة لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(5) والاحتياط لها أن تقضيها لأنها صلاة واحدة لا مشقة في قضائها.
س 22: إذا رأت الحامل دماً قبل الولادة بيوم أو يومين فهل تترك الصوم والصلاة من أجله أم ماذا؟
جـ: إذا رأت الحامل الدم قبل الولادة بيوم أو يومين ومعها طلق فإنه نفاس تترك من أجله الصلاة والصيام، وإذا لم يكن معه طلق فإنه دم فساد لا عبرة فيه ولا يمنعها من صيام ولا صلاة.
س 23: ما رأيك في تناول حبوب منع الدورة الشهرية من أجل الصيام مع الناس؟
جـ: أنا أحذِّر من هذا، وذلك لأن هذه الحبوب فيها مضرة عظيمة، ثبت عندي ذلك عن طريق الأطباء، ويقال للمرأة: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقنعي بما كتب الله ـ عز وجل ـ وصومي حيث لا مانع، وإذا وجد المانع فافطري رضاءً بما قدَّر الله ـ عز وجل ـ.
س 24: يقول السائل: امرأة بعد شهرين من النفاس وبعد أن طهرت بدأت تجد بعض النقاط الصغيرة من الدم. فهل تفطر ولا تصلي؟ أم ماذا تفعل؟
جـ: مشاكل النساء في الحيض والنفاس بحر لا ساحل له، ومن أسبابه استعمال هذه الحبوب المانعة للحمل والمانعة للحيض، وما كان الناس يعرفون مثل هذه الإشكالات الكثيرة، صحيح أن الإشكال مازال موجوداً من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلّم بل منذ وجد النساء، ولكن كثرته على هذا الوجه الذي يقف الإنسان حيران في حل مشاكله أمر يؤسف له، ولكن القاعدة العامة أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض وفي النفاس وأعني الطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض. قالت أم عطية: «كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً». أخرجه البخاري(6)، وزاد أبو داود (7)«بعد الطهر» وسنده صحيح. وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة ولا تمنعها من صلاتها وصيامها ومباشرة زوجها إياها. ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر، لأن بعض النساء إذا جف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بالكرسف يعني القطن فيه الدم فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء(8).
س 25: بعض النساء يستمر معهن الدم وأحياناً ينقطع يوماً أو يومين ثم يعود، فما الحكم في هذه الحالة بالنسبة للصوم والصلاة وسائر العبادات؟
جـ: المعروف عند كثير من أهل العلم أن المرأة إذا كان لها عادة وانقضت عادتها فإنها تغتسل وتصلي وتصوم وما تراه بعد يومين أو ثلاثة ليس بحيض؛ لأن أقل الطهر عند هؤلاء العلماء ثلاثة عشر يوماً، وقال بعض أهل العلم: إنها متى رأت الدم فهو حيض ومتى طهرت منه فهي طاهر، وإن لم يكن بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً.
س 26: أيهما أفضل للمرأة أن تصلي في ليالي رمضان في بيتها أم في المسجد وخصوصاً إذا كان فيه مواعظ وتذكير، وما توجيهك للنساء اللاتي يصلين في المساجد؟
جـ: الأفضل أن تصلي في بيتها لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «وبيوتهن خير لهن»(9) ولأن خروج النساء لا يسلم من فتنة في كثير من الأحيان، فكون المرأة تبقى في بيتها خير لها من أن تخرج للصلاة في المسجد، والمواعظ والحديث يمكن أن تحصل عليها بواسطة الشريط، وتوجيهي للاتي يصلين في المسجد أن يخرجن من بيوتهن غير متبرجات بزينة ولا متطيبات.
س 27: ما حكم ذوق الطعام في نهار رمضان والمرأة صائمة؟
جـ: حكمه لا بأس به لدعاء الحاجة إليه، ولكنها تلفظ ما ذاقته.
س 28: امرأة أصيبت في حادثة وكانت في بداية الحمل فأسقطت الجنين إثر نزيف حاد فهل يجوز لها أن تفطر أم تواصل الصيام وإذا أفطرت فهل عليها إثم؟
جـ: نقول إن الحامل لا تحيض كما قال الإمام أحمد «إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الحيض» والحيض كما قال أهل العلم خلقه الله تبارك وتعالى لحكمة: غذاء الجنين في بطن أمه، فإذا نشأ الحمل انقطع الحيض، لكن بعض النساء قد يستمر بها الحيض على عادته كما كان قبل الحمل، فهذه يحكم بأن حيضها حيض صحيح؛ لأنه استمر بها الحيض ولم يتأثر بالحمل، فيكون هذا الحيض مانعاً لكل ما يمنعه حيض غير الحامل، وموجباً لما يوجبه، ومسقطاً لما يسقطه، والحاصل أن الدم الذي يخرج من الحامل على نوعين: نوع يحكم بأنه حيض وهو الذي استمر بها كما كان قبل الحمل، فمعنى ذلك أن الحمل لم يؤثر عليه فيكون حيضاً، والنوع الثاني: دم طرأ على الحمل طروءاً إما بسبب حادث، أو حمل شيء، أو سقوط من شيء ونحوه فهذه دمها ليس بحيض وإنما هو دم عرق، وعلى هذا فلا يمنعها من الصلاة، ولا من الصوم، بل هي في حكم الطاهرات، ولكن إذا لزم من الحادث أن ينزل الولد أو الحمل الذي في بطنها فإنها على ما قال أهل العلم إن خرج وقد تبين فيه خلق إنسان فإن دمها بعد خروجه يعد نفاساً تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج الجنين وهو غير مخلَّق فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة، ولا من الصيام، ولا من غيرهما.
قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخليق واحد وثمانون يوماً؛ لأن الجنين في بطن أمه كما قال عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو الصادق المصدوق فقال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك ويؤمر بأربع كلمات، فيكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد»(10) ولا يمكن أن يخلق قبل ذلك والغالب أن التخليق لا يتبين قبل تسعين يوماً كما قال بعض أهل العلم.
س 29: أنا امرأة أسقطت في الشهر الثالث منذ عام، ولم أصلِّ حتى طهرت وقد قيل لي كان عليك أن تصلي فماذا أفعل وأنا لا أعرف عدد الأيام بالتحديد؟
جـ: المعروف عند أهل العلم أن المرأة إذا أسقطت لثلاثة أشهر فإنها لا تصلي؛ لأن المرأة إذا أسقطت جنيناً قد تبين فيه خلق إنسان فإن الدم الذي يخرج منها يكون دم نفاس لا تصلي فيه، قال العلماء: ويمكن أن يتبين خلق الجنين إذا تم له واحد وثمانون يوماً، وهذه أقل من ثلاثة أشهر، فإذا تيقنت أنه سقط الجنين لثلاثة أشهر فإن الذي أصابها يكون دم فساد لا تترك الصلاة من أجله، وهذه السائلة عليها أن تتذكر في نفسها فإذا كان الجنين سقط قبل الثمانين يوماً فإنها تقضي الصلاة، وإذا كانت لا تدري كم تركت فإنها تقدر وتتحرى، وتقضي على ما يغلب عليه ظنها أنها لم تُصَلِّه.
س 30: سائلة تقول: إنها منذ وجب عليها الصيام وهي تصوم رمضان ولكنها لا تقضي صيام الأيام التي تفطرها بسبب الدورة الشهرية ولجهلها بعدد الأيام التي أفطرتها فهي تطلب إرشادها إلى ما يجب عليها فعله الان؟
جـ: يؤسفنا أن يقع مثل هذا بين نساء المؤمنين فإن هذا الترك أعني ترك قضاء ما يجب عليها من الصيام إما أن يكون جهلاً، وإما أن يكون تهاوناً وكلاهما مصيبة، لأن الجهل دواؤه العلم والسؤال، وأما التهاون فإن دواءه تقوى الله ـ عز وجل ـ ومراقبته والخوف من عقابه والمبادرة إلى ما فيه رضاه. فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله مما صنعت وأن تستغفر، وأن تتحرى الأيام التي تركتها بقدر استطاعتها فتقضيها، وبهذا تبرأ ذمتها، ونرجو أن يقبل الله توبتها.
س 31: تقول السائلة: ما الحكم إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة؟ وهل يجب عليها أن تقضيها إذا طهرت؟ وكذلك إذا طهرت قبل خروج وقت الصلاة؟
جـ: أولاً: المرأة إذا حاضت بعد دخول الوقت أي بعد دخول وقت الصلاة فإنه يجب عليها إذا طهرت أن تقضي تلك الصلاة التي حاضت في وقتها إذا لم تصلها قبل أن يأتيها الحيض وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(11) فإذا أدركت المرأة من وقت الصلاة مقدار ركعة ثم حاضت قبل أن تصلي فإنها إذا طهرت يلزمها القضاء.
ثانياً: إذا طهرت من الحيض قبل خروج وقت الصلاة فإنه يجب عليها قضاء تلك الصلاة، فلو طهرت قبل أن تطلع الشمس بمقدار ركعة وجب عليها قضاء صلاة الفجر، ولو طهرت قبل غروب الشمس بمقدار ركعة وجبت عليها صلاة العصر، ولو طهرت قبل منتصف الليل بمقدار ركعة وجب عليها قضاء صلاة العشاء، فإن طهرت بعد منتصف الليل لم يجب عليها صلاة العشاء، وعليها أن تصلي الفجر إذا جاء وقتها، قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي فرضاً مؤقتاً بوقت محدود لا يجوز للإنسان أن يخرج الصلاة عن وقتها، ولا أن يبدأ بها قبل وقتها.
س 32: دخلت عليَّ العادة الشهرية أثناء الصلاة ماذا أفعل؟ وهل أقضي الصلاة عن مدة الحيض؟
جـ: إذا حدث الحيض بعد دخول وقت الصلاة كأن حاضت بعد الزوال بنصف ساعة مثلاً، فإنها بعد أن تطهر من الحيض تقضي هذه الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهرة لقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}.
ولا تقضي الصلاة عن وقت الحيض لقوله صلى الله عليه وسلّم في الحديث الطويل: «أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم»(12). وأجمع أهل العلم أنها لا تقضي الصلاة التي فاتتها أثناء مدة الحيض، أما إذا طهرت وكان باقياً من الوقت مقدار ركعة فأكثر فإنها تصلي ذلك الوقت الذي طهرت فيه لقوله صلى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(13). فإذا طهرت وقت العصر، أو قبل طلوع الشمس وكان باقياً على غروب الشمس، أو طلوعها مقدار ركعة، فإنها تصلي العصر في المسألة الأولى والفجر في المسألة الثانية.
س 33: شخص يقول: أفيدكم أن لي والدة تبلغ من العمر خمسة وستين عاماً ولها مدة تسع عشرة سنة وهي لم تأتِ بأطفال، والان معها نزيف دم لها مدة ثلاث سنوات وهو مرض يبدو أتاها في تلكم الفترة ولأنها ستستقبل الصيام كيف تنصحونها لو تكرمتم؟ وكيف تتصرف مثلها لو سمحتم؟
جـ: مثل هذه المرأة التي أصابها نزيف الدم حكمها أن تترك الصلاة والصوم مدة عادتها السابقة قبل هذا الحدث الذي أصابها، فإذا كان من عادتها أن الحيض يأتيها من أول كل شهر لمدة ستة أيام مثلاً فإنها تجلس من أول كل شهر مدة ستة أيام لا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت اغتسلت وصلت وصامت، وكيفية الصلاة لهذه وأمثالها أنها تغسل فرجها غسلاً تامًّا وتعصبه وتتوضأ وتفعل ذلك بعد دخول وقت صلاة الفريضة، وكذلك تفعله إذا أرادت أن تتنفل في غير أوقات فرائض ،وفي هذه الحالة ومن أجل المشقة عليها يجوز لها أن تجمع صلاة الظهر مع العصر وصلاة المغرب مع العشاء حتى يكون عملها هذا واحداً للصلاتين: صلاة الظهر والعصر، وواحداً للصلاتين: صلاة المغرب والعشاء، وواحداً لصلاة الفجر، بدلاً من أن تعمل ذلك خمس مرات تعمله ثلاث مرات. وأعيده مرة ثانية أقول: عندما تريد الطهارة تغسل فرجها وتعصبه بخرقة أو شبهها حتى يخف الخارج، ثم تتوضأ وتصلي، تصلي الظهر أربعاً، والعصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، والعشاء أربعاً، والفجر ركعتين أي أنها لا تقصر كما يتوهمه بعض العامة ولكن يجوز لها أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء، الظهر مع العصر إمَّا تأخيراً أو تقديماً، وكذلك المغرب مع العشاء إما تقديماً أو تأخيراً ،وإذا أرادت أن تتنفل بهذا الوضوء فلا حرج عليها.
س 34: ما حكم وجود المرأة في المسجد الحرام وهي حائض لاستماع الأحاديث والخطب؟
جـ: لا يجوز للمرأة الحائض أن تمكث في المسجد الحرام ولا غيره من المساجد، ولكن يجوز لها أن تمر بالمسجد وتأخذ الحاجة منه وما أشبه ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم لعائشة حين أمرها أن تأتي بالخُمْرَة(14) فقالت: إنها في المسجد وإني حائض. فقال: «إن حيضتك ليس في يدك»(15). فإذا مرت الحائض في المسجد وهي آمنة من أن ينزل دم على المسجد فلا حرج عليها، أما إن كانت تريد أن تدخل وتجلس فهذا لا يجوز، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر النساء في صلاة العيد أن يخرجن إلى مصلى العيد العواتق وذوات الخدور والحيض إلا أنه أمر أن يعتزل الحيض المصلى(16)، فدل ذلك على أن الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد لاستماع الخطبة أو استماع الدرس والأحاديث.




(1) البخاري كتاب الصوم باب اغتسال الصائم 1931 ومسلم كتاب الصوم باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (75) (1109).


(2) البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب من أدرك من الفجر ركعة 579 ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة 163-680.


(3) البخاري كتاب الصوم باب الحيض تترك الصوم والصلاة 1951.


(4) البخاري كتاب الصوم باب متى يقضي قضاء رمضان 1950 ومسلم كتاب الصيام باب في جواز تأخير قضاء رمضان 151،1146.


(5) تقدم تخريجه.


(6) كتاب الحيض باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض 326.


(7) كتاب الطهارة باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر 307.


(8) أخرجه البخاري معلقا كتاب الحيض باب إقبال الحيض وإدباره.


(9) رواه أبو داوود كتاب الصلاة باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد 567.


(10) رواه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء باب خلق آدم وذريته 3332 ومسلم كتاب القدر باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (1) (2643).


(11) تقدم تخريجه .


(12) تقدم تخريجه.


(13) تقدم تخريجه.


(14) الخمرة: هي السجادة يسجد عليها المصلي وسميت خمرة لأنها تخمر الوجه أي تغطيه.


(15) مسلم كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله (11) (298).


(16) البخاري كتاب العيدين باب خروج النساء والحيض 974 ومسلم كتاب العيدين باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى (10) (890).

ابو ضاري
23-12-2010, 09:33
من أحكام الطهارة في الصلاة
س 35: هل السائل الذي ينزل من المرأة، أبيض كان أم أصفر طاهر أم نجس؟ وهل يجب فيه الوضوء مع العلم بأنه ينزل مستمراً؟ وما الحكم إذا كان متقطعاً خاصة أن غالبية النساء لاسيما المتعلمات يعتبرن ذلك رطوبة طبيعية لا يلزم منه الوضوء؟
جـ: الظاهر لي بعد البحث أن السائل الخارج من المرأة إذا كان لا يخرج من المثانة وإنما يخرج من الرحم فهو طاهر، ولكنه ينقض الوضوء وإن كان طاهراً، لأنه لا يشترط للناقض للوضوء أن يكون نجساً فها هي الريح تخرج من الدبر وليس لها جرم ومع ذلك تنقض الوضوء. وعلى هذا إذا خرج من المرأة وهي على وضوء فإنه ينقض الوضوء وعليها تجديده.
فإن كان مستمرًّا فإنه لا ينقض الوضوء، ولكن تتوضأ للصلاة إذا دخل وقتها وتصلي في هذا الوقت الذي تتوضأ فيه فروضاً ونوافل، وتقرأ القرآن، وتفعل ما شاءت مما يباح لها، كما قال أهل العلم نحو هذا في من به سلس البول. هذا هو حكم السائل من جهة الطهارة فهو طاهر، ومن جهة نقضه للوضوء فهو ناقض للوضوء إلا أن يكون مستمرًّا عليها، فإن كان مستمرًّا فإنه لا ينقض الوضوء، لكن على المرأة ألا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول الوقت وأن تتحفظ.
أما إن كان منقطعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة فإنها تؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش خروج الوقت. فإن خشيت خروج الوقت فإنها تتوضأ وتتلجم (تتحفظ) وتصلي.
ولا فرق بين القليل والكثير لأنه كله خارج من السبيل فيكون ناقضاً قليله وكثيره، بخلاف الذي يخرج من بقية البدن كالدم والقيء فإنه لا ينقض الوضوء لا قليله ولا كثيره.
وأما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينقض الوضوء فهذا لا أعلم له أصلاً إلا قولاً لابن حزم ـ رحمه الله ـ فإنه يقول: «أن هذا لا ينقض الوضوء» ولكنه لم يذكر لهذا دليلاً، ولو كان له دليل من الكتاب والسنة أو أقوال الصحابة لكان حجة. وعلى المرأة أن تتقي الله وتحرص على طهارتها، فإن الصلاة لا تقبل بغير طهارة ولو صلت مائة مرة، بل إن بعض العلماء يقول أن الذي يصلي بلا طهارة يكفر؛ لأن هذا من باب الاستهزاء بآيات الله ـ سبحانه وتعالى ـ.
س 36: إذا توضأت المرأة التي ينزل منها السائل مستمرًّا لصلاة فرض هل يصح لها أن تصلي ما شاءت من النوافل أو قراءة القرآن بوضوء ذلك الفرض إلى حين الفرض الثاني؟
جـ: إذا توضأت لصلاة الفريضة من أول الوقت فلها أن تصلي ما شاءت من فروض ونوافل وقراءة قرآن إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى.
س 37: هل يصح أن تصلي تلك المرأة صلاة الضحى بوضوء الفجر؟
جـ: لا يصح ذلك لأن صلاة الضحى مؤقتة فلابد من الوضوء لها بعد دخول وقتها لأن هذه كالمستحاضة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلّم المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.
* ووقت الظهر: من زوال الشمس إلى وقت العصر.
* ووقت العصر: من خروج وقت الظهر إلى اصفرار الشمس، والضرورة إلى غروب الشمس.
* ووقت المغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.
* ووقت العشاء: من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل.
س 38: هل يصح أن تصلي هذه المرأة قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء؟
جـ: لا، إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء وهو الراجح.
س 39: ما هو آخر وقت العشاء (أي صلاتها)؟ وكيف يمكن معرفتها؟
جـ: آخر وقت العشاء منتصف الليل، ويعرف ذلك بأن يقسم مابين غروب الشمس وطلوع الفجر نصفين، فالنصف الأول ينتهي به وقت العشاء، ويبقى نصف الليل الاخر ليس وقتاً بل برزخ بين العشاء والفجر.
س 40: إذا توضأت من ينزل منها ذلك السائل متقطعاً وبعد انتهائها من الوضوء وقبل صلاتها نزل مرة أخرى، ماذا عليها؟
جـ: إذا كان متقطعاً فلتنتظر حتى يأتي الوقت الذي ينقطع فيه. أما إذا كان ليس له حال بينة، حيناً ينزل وحيناً لا، فهي تتوضأ بعد دخول الوقت وتصلي ولا شيء عليها.
س 41: ماذا يلزم لما يصيب البدن أو اللباس من ذلك السائل؟
جـ: إذا كان طاهراً فإنه لا يلزمها شيء، وإذا كان نجساً وهو الذي يخرج من المثانة فإنه يجب عليها أن تغسله.
س 42: بالنسبة للوضوء من ذلك السائل هل يكتفى بغسل أعضاء الوضوء فقط؟
جـ: نعم يكتفى بذلك فيما إذا كان طاهراً وهو الذي يخرج من الرحم لا من المثانة.
س 43: ما العلة في أنه لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلّم حديث يدل على نقض الوضوء بذلك السائل، مع أن الصحابيات كن يحرصن على الاستفتاء في أمور دينهن؟
جـ: لأن السائل لا يأتي كل امرأة.
س 44: من كانت من النساء لا تتوضأ لجهلها بالحكم ماذا عليها؟
جـ: عليها أن تتوب إلى الله ـ عز وجل ـ وتسأل أهل العلم بذلك.
س 45: هناك من ينسب إليك القول بعدم الوضوء من ذلك السائل؟
جـ: الذي ينسب عني هذا القول غير صادق، والظاهر أنه فهم من قولي أنه طاهر أنه لا ينقض الوضوء.
س 46: ما حكم الكدرة التي تنزل من المرأة قبل الحيض بيوم أو أكثر أو أقل، وقد يكون النازل على شكل خيط رقيق أسود أو بني أو نحو ذلك وما الحكم لو كانت بعد الحيض؟
جـ: هذا إذا كانت من مقدمات الحيض فهي حيض، ويعرف ذلك بالأوجاع والمغص الذي يأتي الحائض عادة. أما الكدرة بعد الحيض فهي تنتظر حتى تزول؛ لأن الكدرة المتصلة بالحيض حيض، لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ «لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء»(17). والله أعلم.

ابو ضاري
13-01-2011, 09:46
أسئلة الأسرة المسلمة

استخدام الباروكة


من بين الأدوات التي تستخدمها المرأة لغرض التجميل ما يسمي ( بالباروكة ) وهى الشعر المستعار الذي يوضع على الرأس ، فهل يجوز للمرأة أن تستخدمها ؟
الباروكة محرمة وهي داخلة في الوصل وإن لم يكن وصلا ، فهي تظهر رأس المرأة على وجه أطول من حقيقته فتشبه الوصل ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة (1). لكن إن لم يكن على رأس المرأة شعر أصلا كأن تكون قرعاء فلا حرج من استعمال الباروكة ليستر هذا العيب ، لأن إزالة العيوب جائزة، ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن قطعت أنفه في إحدى الغزوات أن يتخذ أنفا من ذهب ، ومثل أن يكون في أنفه اعوجاج فيعدله ، أو إزالة بقعة سوداء مثلا ، فهذا لا بأس به .
أما إن كان لغير إزالة عيب كالوشم والنمص مثلا فهذا هو الممنوع ، واستعمال الباروكة حتى لو كان بإذن الزوج ورضاه حرام ، لأنه لا إذن ولا رضا فيما حرمه الله .



نتف الشعر

يلاحظ على بعض النساء أنهن يعمدن إلى إزالة أو ترقيق شعر الحاجبين وذلك لغرض الجمال والزينة فما حكم ذلك ؟
هذه المسألة تقع على وجهين :
الوجه الأول : أن يكون ذلك بالنتف فهذا محرم وهو من الكبائر ، لأنه من النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله .
الثاني : أن يكون على سبيل القصّ والحفّ ، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم هل يكون من النمص أم لا ؟ والأولى تجنب ذلك .
أما ما كان من الشعر غير المعتاد بحيث ينبت في أماكن لم تجر العادة بها ، كأن يكون للمرأة شارب ، أو ينبت على خدها شعر ، فهذا لا بأس بإزالته ، لأنه خلاف المعتاد وهو مشوّه للمرأة .
أما الحاجب فإن من المعتاد أن تكون رقيقة دقيقة ، وأن تكون كثيفة واسعة ، وما كان معتادا فلا يتعرض له ، لأن الناس لا يعدونه عيبا بل يعدون فواته جمالا أو وجوده جمالا ، وليس من الأمور التي تكون عيبا حتى يحتاج الإنسان إلى إزالته .



بروز شعر الرأس

أيضا من الطرق التي تعملها المرأة للجمال والزينة قيامها بوضع الحشوى داخل الرأس بحيث يكون الشعر متجمعا فوق الرأس ـ فما حكم هذا العمل ؟
الشعر إذا كان على الرأس على فوق فإن هذا داخل في التحذير الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد )) وذكر الحديث : وفيه (( نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) (2) فإذا كان الشعر فوق الرأس ففيه نهى ، أما إذا كان على الرقبة مثلا فإن هذا لا بأس به إلا إذا كانت المرأة ستخرج إلى السوق ، فإنه في هذه الحال يكون من التبرج ، لأنه سيكون له علامة من وراء العباءة تظهر ، ويكون هذا من باب التبرج ومن أسباب الفتنة فلا يجوز .

لقد انتشرت ظاهرة قص شعر الفتاة إلى كتفيها للتجميل ، ولبس النعال المرتفعة كثيرا ، واستعمال أدوات التجميل المعروفة . فما حكم هذه الأعمال ؟
قصّ المرأة لشعرها إما أن يكون على وجه يشبه شعر الرجال فهذا محرم ومن كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال (3)، وإما أن يكون على وجه لا يصل به إلى التشبه بالرجال ، فقد اختلف أهل العلم في ذلك إلى ثلاثة أقوال منهم من قال إنه جائز لا بأس به ، ومنهم من قال إنه محرم ، ومنهم من قال إنه مكروه ، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه مكروه .
وفى الحقيقة أنه لا ينبغي لنا أن نتلقى كل ما ورد علينا من عادات غيرنا ، فنحن قبل زمن غير بعيد نرى النساء يتباهين بكثرة شعور رؤوسهن وطول شعورهن ، فما بالهن اليوم يرغبن تقصير شعر رؤوسهن يذهبن إلى هذا العمل الذي أتانا من غير بلادنا ، وأنا لست أنكر كل شي جديد ولكن أنكر كل شي يؤدى إلى أن ينتقل المجتمع إلى عادات متلقاة من غير المسلمين .
وأما النعال المرتفعة فلا تجوز إذا خرجت عن العادة وأدت إلى التبرج وظهور المرأة ولفت النظر إليها ، لأن الله تعالى يقول ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) ( الأحزاب: 33) . فكل شي يكون به تبرج المرأة وظهورها وتميزها من بين النساء على وجه فيه التجميل فإنه محرم ولا يجوز لها .
وأما استعمال أدوات التجميل فلا بأس به إذا لم يكن فيه ضرر أو فتنه .



ما حكم استعمال الكحل للمرأة ؟


الاكتحال نوعان :
أحدهما : اكتحال لتقوية البصر وجلاء الغشاوة من العين وتنظيفها وتطهيرها بدون أن يكون له جمال ، فهذا لا بأس به ، بل إنه مما ينبغي فعله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في عينيه ، ولاسيما إذا كان بالإثمد .
النوع الثاني : ما يقصد به الجمال والزينة ، فهذا للنساء مطلوب ، لأن المرأة مطلوب منها أن تتجمل لزوجها .
وأما الرجال فمحل نظر ، وأنا أتوقف فيه ، وقد يفرق فيه بين الشاب الذي يخشى من اكتحاله فتنه فيمنع ، وبين الكبير الذي لا يخشى ذلك من اكتحاله فلا يمنع .



تتجمل المرأة بحدود

هل يجوز للمرأة استعمال المكياج الصناعي لزوجها ؟ وهل يجوز أن تظهر به أمام أهلها وأمام نساء مسلمات ؟

تتجمل المرأة لزوجها في الحدود المشروعة من الأمور التي ينبغي لها أن تقوم بها ، فإن المرأة كلما تجملت لزوجها كان ذلك أدعى إلى محبته لها وإلى الائتلاف بينهما ، وهذا من مقاصد الشريعة ، فالمكياج إذا كان يجملها ولا يضرها فإنه لا بأس به ولا حرج .
ولكني سمعت أن المكياج يضر بشرة الوجه وأنه بالتالي تتغير به بشرة الوجه تغيرا قبيحا قبل زمن تغيرها في الكبر ، وأرجو من النساء أن يسألن الأطباء عن ذلك . فإذا ثبت ذلك كان استعمال المكياج إما محرما أو مكروها على الأقل ، لأن كل شي يؤدى بالإنسان إلى التشويه والتقبيح فإنه إما محرم وإما مكروه .
وبهذه المناسبة أود أن أذكر ما يسمي ب ( المناكير ) وهو شي يوضع على الأظفار تستعمله المرأة وله قشرة ، وهذا لا يجوز استعماله للمرأة إذا كانت تصلى ، لأنه يمنع وصول الماء في الطهارة ، وكل شي يمنع وصول الماء فإنه لا يجوز استعماله للمتوضي أو المغتسل ، لأن الله يقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ)(المائدة: الآية6) ومن كان على أظفارها مناكير فإنها تمنع وصول الماء ، فلا يصدق عليها أنها غسلت يدها فتكون قد تركت فريضة من فرائض الوضوء أو الغسل ، وأما من كانت لا تصلي فلا حرج عليها إذا استعملته إلا أن يكون هذا الفعل من خصائص نساء الكفار ، فإنه لا يجوز لما فيه التشبه بهم .
ولقد سمعت أن بعض الناس أفتى بأن هذا من جنس لبس الخفين ، وأنه يجوز أن تستعمله المرأة لمدة يوم وليلة إن كانت مقيمة ، ومدة ثلاثة أيام إن كانت مسافرة ، ولكن هذه فتوى غلط وليس كل ما ستر الناس به أبدانهم يلحق بالخفين ، فإن الخفين جاءت الشريعة بالمسح عليهما للحاجة إلى ذلك غالبا فإن القدم محتاجة إلى التدفئة محتاجة للستر ، لأنها تباشر الأرض والحصى والبرودة وغير ذلك ، فخصص الشارع المسح بهما . وقد يدعى قياسها على العمامة وليس بصحيح ، لأن العمامة محلها الرأس ، والرأس فرضه مخفف من أصله ، فإن فريضة الرأس هي المسح بخلاف الوجه فإن فريضته الغسل ، ولهذا لم يبح النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تمسح القفازين مع أنهما يستران اليد .
وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وعليه جبة ضيقة الكمين فلم يستطع إخراج يديه ، فأخرج يديه من تحتها فغسلها)(4) فدلّ هذا على أنه لا يجوز للإنسان أن يقيس أي حائل يمنع وصول الماء على العمامة وعلى الخفين ، والواجب على المسلم أن يبذل غاية جهده في معرفة الحق ، وأن لا يقدم على فتوى إلا وهو يشعر أن الله تعالى سائله عنها ، لأنه يعبر عن شريعة الله عز وجل .



ما حكم لبس الملابس الضيقة والبنطلون للمرأة ؟

الملابس الضيقة للمرأة ولبس البنطلون لها غير لائق فإن كان يراها غير محارمها فلا شك في تحريمه،لأن في ذلك فتنه عظيمة . وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ، نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ) إلى آخر الحديث (5) ، وقد فسر بعض أهل العلم معنى الكاسيات العاريات بأنها المرأة تلبس ثيابا لكنها لا تسترها سترا كاملا إما لضيقها وإما لخفتها وإما لقصرها ، وعلى هذا فعلى المرأة أن تحترز من ذلك .




لبس الجينز ليس من التشبه

يوجد نوع من القماش يسمي الجينز يفصل بطرق مختلفة لملابس الأطفال بنين وبنات يمتاز بالمتانة ، والإشكال أن هذه الخامة يلبسها الكفار وغيرهم بطريقة البنطلون الضيق وهو مشهور معروف ، والسؤال هل استعمال هذا القماش بأشكاله المختلفة غير البنطلون الضيق بمعنى استعماله لمتانته وجودته هل يدخل في التشبه ؟
التشبه معناه هو أن يقوم الإنسان بشيء يختص بالمتشبه بهم ، فإذا استعمل هذه القماشة أو غيرها على وجه يشبه لباس الكفار فقد دخل في التشبه ، أما مجرد أن يكون لباس الكفار من هذا القماش ولكن يفصل على وجه آخر مغاير لملابس الكفار ، فإن ذلك لا بأس به ما دام مخالفا لطريقة الكفار حتى لو اشتهروا بهذا القماش ما دام أن الهيئة ليست على هيئة ما يلبسه الكفار .

نعلم أن عمّ المرأة من محارمها الذين يجوز لها أن تكشف لهم . ولكن ماذا إذا كان عم المرأة يمزح معها مزاحا فاحشا فهل يجوز لها ألا تقابله بسبب مزاحه الفاحش ؟
إذا كان العم يمازح بنات أخيه ممازحة مريبة فأنه لا يحل أن يأتين إليه ولا أن يكشفن وجوههن عنده لأن العلماء الذين أباحوا للمحرم أن تكشف المرأة وجهها عنده ، اشترطوا أن لا يكون هناك فتنة ، وهذا الرجل الذي يمازح بنات أخيه مزاحا قبيحا معناه أنه يخشى عليهن منه الفتنة، والواجب البعد عن أسباب الفتنة .
ولا تستغرب أن أحد من الناس يمكن أن تتعلق رغبته بمحارمه ـ والعياذ بالله ـ وانظر إلى التعبير القرآني ، قال تعالى ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) ( النساء :22) وقال في الزنا : ( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) ( الإسراء : 32) وهذا يدل على أن نكاح ذوات المحارم أعظم قبحا من الزنا .
وخلاصة الجواب : أنه يجب عليهن البعد عن عمهن وعدم كشف الوجه له ، مادمن يرين منه هذا المزاح القبيح الموجب للريبة .



تصـفيـف الشـعـر

هل يجوز للمرأة أن تصفف شعرها بالطريقة العصرية وليس الغرض التشبه بالكافرات ولكن للزوج ؟

الذي بلغني عن تصفيف الشعر أنه يكون بأجرة باهظة كثيرة قد تصفها بأنها إضاعة مال ، والذي أنصح به نساءنا أن يتجنبن هذا الترف ، وللمرأة أن تتجمل لزوجها على وجه لا يضيع به المال هذا الضياع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال .

ما حكم قيام بعض النساء بأخذ الموديلات من مجلات الأزياء إذا كان ذلك بدون قصد اتباع الموضة ومسايرة الغرب ، هل يعد هذا تشبها بالكافرات مع أن النساء يلبسن ما ينتجه الغرب من ملابس وغير ذلك ؟
اطلعت على كثير من هذه المجلات فألفيتها مجلات خليعة فظيعة خبيثة ، حقيق بنا ونحن في المملكة العربية السعودية ، الدولة التي لا نعلم ـ ولله الحمد دوله تماثلها في الحفاظ على شرع الله وعلى الأخلاق الفاضلة . إننا نريد أن نربأ ونحن في هذه الدولة أن توجد مثل هذه المجلات في أسواقنا وفي محلات الخياطة ، لأن منظرها أفظع من مخبرها ، ولا يجوز لأي امرأة أو أي رجل أن يشتري هذه المجلات أو ينظر إليها أو يراجعها لأنها فتنة . قد يشتريها الإنسان وهو يظن أنه سالم منها،ولكن لا تزال به نفسه والشيطان حتى يقع في فخها وشركها ، ويختار مما فيها من أزياء لا تتناسب مع البيئة الإسلامية . وأحذر جميع النساء والقائمين عليهن من وجودها في بيوتهم لما فيها من الفتنة العظيمة والخطر على أخلاقنا وديننا .



طـبـقـات غـطـاء الوجــه

من المعلوم أن الغطاء الذي تستخدمه المرأة على وجهها ينقسم إلى عدة طبقات ، فكم طبقة من غطاء الوجه ينبغي أن تضع المرأة على وجهها ؟
الواجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم لها ، بأن تستره بستر لا يصف لون البشرة ، سواء كان طبقة أم طبقتين أم أكثر ، فإن كان الخمار صفيقا لا ترى البشرة من خلاله كفى طبقة واحدة ، وإن كانت لا تكفي زادت اثنتين أو ثلاثة أو أربعا ، والمهم أن تستره بما لا يصف اللون فأما ما يصف اللون فإنه لا يكفي كما تفعله بعض النساء ، وليس المقصود أن تضع المرأة شيئا على وجهها ، بل المقصود ستر وجهها فلا يبين لغير محارمها .
وعلى النساء أن يتقين الله في أنفسهن ، وفي بنات مجتمعهن ، فإن المرأة إذا خرجت كاشفة، أو شبه كاشفة اقتدت بها امرأة أخرى ، وثالثة وهكذا حتى ينتشر ذلك بين النساء ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) (6) وبلادنا ـ والحمد لله ـ بلاد محافظة على دينها في عباداتها وأخلاقها ، ومعاملاتها ، وهكذا يجب أن تكون فإنها ـ والحمد لله ـ هي البلاد التي خرج منها نور الإسلام وإليها يرجع ، فالواجب علينا المحافظة على ديننا وسلوكنا وأخلاقنا المتلقاة من شريعتنا حتى نكون خير أمة أخرجت للناس .
وعلينا لا نأخذ بكل جديد يرد إلينا من خارج بلادنا ،بل ينظر في هذا الجديد إن كان فيه مصلحة وليس فيه محذور شرعي فإننا نأخذ به ، وإن كان فيه محذور شرعي فإننا نرفضه ونبعده عن مجتمعنا حتى نبقى محافظين على ديننا وأخلاقنا ومعاملاتنا .



اسـتـخــدام السـحـاب للمــرأة

اعتادت بعض النساء أن يضعن فتحة في الظهر وهي ما يسمى (بالسحاب ) تفتحه إذا أرادت لبس الثوب ـ فما حكم هذا العمل ؟
*لا أعلم بأسا أن يكون السحاب أي الجيب ـ من الخلف إلا أن يكون ذلك من باب التشبه ، ولكنه أصبح اليوم شائعا وكثيرا بين المسلمين حتى إنه كثر بالنسبة للصغار .
والأصل في غير العبادات الحلّ ، فالعادات والمعاملات والمآكل وغيرها الأصل فيها الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه بخلاف العبادات فأن الأصل فيها المنع والحظر إلا ما قام الدليل على مشروعيته .



لا تـكشـف الـمرأة فـي الحـرم

تتساءل كثير من النساء عن حكم كشف الوجه في الحرم ، وذلك أنهن قد سمعن عن البعض قوله بجواز كشف المرأة وجهها وحال العمرة،فما هو القول الفصل في هذه المسألة ؟
القول الفصل أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لا في المسجد الحرام ولا في الأسواق ، ولا في المساجد الأخرى،بل الواجب عليها إذا كان عندها رجال غير محارم أن تستر وجهها ، لأن الوجه عورة في النظر ، فإن النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والنظر الصحيح كلها تدل على أن المرأة يجب أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم لما في كشفه من الفتنة وإثارة الشهوة .
ولا يليق بها أن تغتر بما تفعله بعض النساء من التهتك وترك الحجاب ، فتكشف عن وجهها وشعرها ورقبتها وذراعيها ونحرها وتمشي في الأسواق كأنما تمشي في بيتها .
فعليها أن تتقي الله في نفسها وفي عباد الله عز وجل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) (7)
وأما المحرمة بحج أو عمرة فالمشروع لها كشف الوجه في البيت والخيمة ، ويجب عليها أن تستره إذا كان حولها رجال ليسوا من محارمها سواء كانت في المسجد أو غيره .



الـمـلابـس القـصـيـرة

في بعض البلاد الإسلامية تنتشر ظاهرة لبس الفستان إلى الركبة ، حتى أن بعضهن يرتفع فستانها عن الركبة قليلا تساهلا منهن ـ فما حكم ذلك ؟ وما هي نصيحتكم لمن لا تبالي بالحجاب ؟
إخراج المرأة ساقها لغير محارمها محرم ، وإخراج وجهها لغير محارمها محرم أشد ، لأن افتتان الناس بالوجوه أعظم من افتتانهم بالسيقان .
وقد دلّ الكتاب والسنة على وجوب الحجاب وقد بيناه في رسالة لنا سميناها ( رسالة الحجاب) وهي رسالة مختصرة وما ورد من الأحاديث التي ظاهرها الجواز فإننا قد أجبنا عنها بجوابين أحدهما مجمل والثاني مفصل عن كل دليل قيل أنه دال على جواز كشف الوجه .
ونصيحتي للنساء اللاتي يلبسن فساتين قصيرة إلى الركبة أو فوقها أن يتقين الله في أنفسهن وفي مجتمعهن ، وأن لا يكن سببا في انتشار هذه الظاهرة السيئة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) (8)



المـقـصـود بـالمـشــطــة المــائــلة

قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد في مسيرة كذا وكذا )(9) والمطلوب ما معنى (مميلات ) ؟ وهل من ذلك النساء اللاتي يتمشطن المشطة المائلة أم المقصود منها النساء اللاتي يملن الرجال ؟
* هذا الحديث قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ( صنفان من أهل النار لم أرهما ) فذكر صنفا ، وقال عن الصنف الثاني : ( نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائل ، لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها ، وإن ريحها يوجد في مسيرة كذا وكذا ) والمائلة بالمعنى العام كل مائلة عن الصراط المستقيم ، بلباسها أو هيئتها أو كلامها أو غير ذلك ، والمميلات : اللاتي يملن غيرهن وذلك باستعمالهن لما فيه الفتنة ، حتى يميل إليهن من يميل من عباد الله .
وأما المشطة المائلة فقد ذكر بعض أهل العلم أنها تدخل في ذلك ، لأن المرأة تميلها ، والسنة خلاف ذلك، ولهذا ينبغي للنساء أن يتجنبن هذه المشطة لاحتمال أن يكن داخلات في الحديث والأمر ليس بالهين حتى تتهاون المرأة به ، فالأحسن والأولى أن يدع الإنسان ما يريبه إلى ما لا يريبه ، والمشطات كثيرة ،وفيها غنى عن المشط المحرم .




خلوة المرأة بالسائق

بعض الناس يرسلون بناتهم للمدارس ولغيرها مع سائقين أجانب ، ولا ينظرون إلى نتائج هذه الأعمال فأرجو نصحهم ؟
هذا العمل لا يخلو من حالين :
الأولى : أن يكون الراكب مع السائق عدة نساء بحيث لا ينفرد بواحدة منهن ، فلا بأس إذا كان داخل البلد ، وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة ) (10) وهذا ليست بخلوة ، بشرط الأمانة في السائق ، فإذا كان غير مأمون فلا يجوز أن ينفرد مع النساء إلا بمحرم بالغ عاقل .
الثانية : أن يذهب بامرأة واحدة منفردا فلا يجوز ولو دقيقة واحدة ، لأن الإنفراد خلوة . والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك بقوله : ( لا يخلون رجل بامرأة ) وأخبر أن الشيطان ثالثهما .وعلى ذلك لا يحل لأولياء أمور النساء تركهن مع السائقين على هذه الحال ، كما لا يحل لها أن تركب بنفسها معه بدون محرم لها ، لأنه معصية للرسول صلى الله عليه وسلم وبالتإلى معصية لله تعالى لأن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله فقد قال تعالى :( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ( النساء : 80 ) وقال تعالى : ( ومن يعصي الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبينا ) ( الأحزاب : 36 ) فعلينا إخوة الإسلام أن نكون طائعين لله ممتثلين لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من المنفعة العظيمة والعاقبة الحميدة ، وعلينا معشر المسلمين أن نكون غيورين على محارمنا،فلا نسلمهن إلى الشيطان يلعب بهن ، فالشيطان يجر إلى الفتنة والغواية .
وإني أحذر إخواني من الغفلة وعدم المبالاة ،لما فتح الله علينا من زهرة الدنيا ، ولننتبه لهذه الآية التي يقول الله فيها: ( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال * في سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم * إنهم كانوا قبل ذلك مترفين * وكانوا يصرون على الحنث العظيم ) ( الواقعة : 41 ـ 46 ) ولنتذكر قوله تعالى: ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعوا ثبورا * ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا ) ( الانشقاق : 10 ـ 13 ) .

هل قص المرأة لأطراف شعرها حرام أم حلال ؟
قص المرأة من شعر رأس إن كان في حج أو عمرة فهو نسك يقربها إلى الله ، وتؤجر عليه لأن المرأة إذا حجت أو اعتمرت تقصر من شعرها قيد أنملة لكل جديلة .
أما إن كانت في غير حج أو عمرة ، وقصت من شعرها حتى أصبح كهيئة شعر الرجل فإنه محرم ، بل هو من الكبائر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن المتشبهات من النساء بالرجال ، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء )(11).
وإن كان القص من أطرافه ، وبقي على هيئته هيئة رأس امرأة فأنه مكروه على ما صرح به فقهاء الحنابلة رحمهم الله . وعلى هذا لا ينبغي للمرأة أن تفعل ذلك .

ما حكم تقصير الشعر من الخلف إلى الكتفين للمرأة ؟
تقصير الشعر للمرأة كرهه أهل العلم ، وقالوا إنه يكره للمرأة قص شعرها إلا في حج أو عمرة ، وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة رحمهم الله .
وبعض أهل العلم حرّمه ، وقال :إنه لا يجوز . والبعض الآخر أباحه بشرط أن لا يكون فيه تشبه بغير المسلمات ، أو تشبه بالرجال . فإن تشبه المرأة بالرجل محرم ، بل من كبائر الذنوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء ) .
فتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال من كبائر الذنوب . فإذا جعلت المرأة رأسها مشابها لرأس الرجل فإنها داخلة في اللعن والعياذ بالله ، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.وأما التشبه بغير المسلمات فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم(من تشبه بقوم فهو منهم)(12)
والأولى أن لا تقصه لا من الأمام ولا من الخلف لأنني لا أحب أن تكون نساؤنا تتلقى كل ما وارد جديد من العادات والتقاليد التي لا تفيد ، لأن انفتاح صدورنا لتلقي مثل هذه الأمور قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ، من التوسع في أمور لا يبيحها الشرع ، قد يؤدي إلى تبرج بالزينة كما تبرجت النساء في أماكن أخرى ، وقد يؤدي أن تكشف المرأة وجهها ، وكشف وجهها للأجانب حرام .

هل يجوز صبغ الشعر الأبيض بالصبغ الأسود ؟
تغيير الشيب بالأسود حرام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باجتنابه قال:(غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ) (13)
ولقد ورد الوعيد الشديد على من يصبغ بالسواد ، وهذا يقتضي أن يكون من كبائر الذنوب . فالواجب على المسلم والمسلمة تجنب ذلك لما فيه من النهي والوعيد ، ولأن فيه مضادة لخلق الله ، فإن هذا الشيب جعله الله علامة على الكبر في الغالب ، فإذا عكست ذلك بصبغه بالسواد كان فيه المضادة لحكمة الله في خلقه ، ولكن ينبغي تغييره بغير السواد كالحمرة والصفرة ، وكذلك باللون الذي يكون بين الحمرة والسواد ، مثل أن يكون الشعر أدهم فإن هذا لا بأس به وبه يحصل الخير باتباع السنة ، وتجنب نهي الرسول صلى الله عليه وسلم .



أساليب متنوعة للتجميل

ما حكم الوشم ؟ وإذا وشمت البنت وهي صغيرة فهل عليها إثم ؟
الوشم محرم بل إنه من كبائر الذنوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمه (14)، وإذا وشمت البنت وهي صغيرة ، ولا تستطيع منع نفسها عن الوشم فلا حرج عليها ، وإنما الإثم على من فعل ذلك بها ، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وهذه البنت لا تستطيع التصرف ، ولكن تزيله إن تمكنت من إزالته بلا ضرر عليها .

ما حكم حمرة الشفاه والمكياج للمرأة ؟
تحمير الشفاه لا بأس به ، لأن الأصل الحل حتى يتبين التحريم ، وهذا التحمير ليس بشيء ثابت حتى نقول إنه من جنس الوشم ، والوسم غرز شي من الألوان تحت الجلد ، وهو محرم بل من كبائر الذنوب .
ولكن التحمير إن تبين أنه مضر للشفة ، ينشفها ويزيل عنها الرطوبة والدهنية فإنه في مثل هذه الحال ينهى عنه ، وقد أخبرت أنه ربما تنفطر الشفاه منه ، فإذا ثبت هذا فإن الإنسان منهي عن فعل ما يضره .
وأما المكياج فإننا ننهى عنه وإن كان يزين الوجه ساعة من الزمان ، لكنه يضره ضررا عظيما ، كما ثبت ذلك طبيا ، فإن المرأة إذا كبرت في السن تغير وجهها تغيرا لا ينفع معه المكياج ولا غيره ، وعليه فإننا ننصح النساء بعدم استعماله لما ثبت فيه من الضرر .

ما حكم تخضيب اليدين بالنسبة للمرأة بالحناء . وهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وما حكم لو شمل ذلك باطن الكف دون الأظافر ؟
الخضاب بالحناء في اليدين مما تعارفت عليه النساء ، وهو عادة اتخذت للزينة ، وما دام فيها جمال للمرأة فالمرأة مطلوب منها التزين لزوجها سواء شمل ذلك الأظافر أو لم يشملها .
أما المناكير للمرأة التي ليست حائضا فهي حرام ، لأنها تمنع وصول الماء إلى البشرة في الوضوء إلا إذا كانت تزيله عند الوضوء .



حديث المرأة مع الرجال

هل صوت المرأة حرام للدرجة التي لا تكلم فيها أصحاب الدكاكين بالسوق ، لشراء حاجتها بدون تنعيم أو تمييع للصوت ، وكذلك تخيط ثيابها عند الخياط في احتشام ؟
كلام المرأة ليس بحرام وليس بعورة ، ولكن إذا ألانت القول ، وخضعت به ، وحكت على شكل يحصل به الفتنة فذلك هو المحرم ، لقوله تعالى ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا ) ( الأحزاب : 32) . فلم يقل الله تعالى فلا تكلمن الرجال بل قال فلا تخضعن بالقول ، والخضوع بالقول أخص من مطلق الكلام .
إذن فكلام المرأة للرجل إذا لم يحصل به فتنة فلا بأس به ، فقد كانت المرأة تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلمه فيسمع الناس كلامها ، وهي تكلمه وهو يرد عليها ، وليس ذلك بمنكر. ولكن لابد أن لا يكون في هذه الحال خلوة بها إلا بمحرم ، وعدم فتنة ، ولهذا لا يجوز للرجل أن يستمتع بكلامها سواء كان ذلك استمتاعا نفسيا ، أم استمتاعا جنسيا إلا أن تكون زوجته .

هل إظهار المرأة يدها حرام ؟
المشهور من مذاهب الحنابلة أن كفي المرأة كوجهها لا يجوز إخراجهما أمام الرجال غير المحارم ، وهذا هو ظاهر فعل النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني ستر الكفين .
ووجه ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المحرمة : ( لا تنتقب ولا تلبس القفازين ) (15)، فإن نهيه للمحرمة أن تلبس القفازين يشعر بأن ذلك من عادة النساء . وإلا لما كان لنهي المحرمة عن ذلك محل ، ولم تكن عادة النساء في عهده صلى الله عليه وسلم لبس القفازين لم ينه عن ذلك حال الإحرام .
فعلى المرأة أن تتقي الله عز وجل ، ولا تظهر بمظهر تحصل به الفتنة منها وفيها . قال سبحانه وتعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم أطهر النساء ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) (الأحزاب : 33) وقال تعالى ( وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء الحجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) ( الأحزاب : 53) .
فإذا قال قائل : هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم .
قلنا : إن طهارة القلب مطلوبة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن ، فكون الحجاب يحصل به طهارة القلب للرجال والنساء ، يدل أنه لا فرق بين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن .
وأعلم أن الحجاب عند بعض الناس هو أن تغطي المرأة جميع بدنها إلا وجهها ، والحق الذي تدل عليه الأدلة ويقتضيه النظر كما يقتضيه الأثر ، أنه لا بد أن تغطي المرأة وجهها ، لأن الوجه هو محل الفتنة ومحل الرغبة ، ولا أحد يشك أن مطلب الرجال أولا هو جمال الوجه للمرأة دون بقية الأعضاء .
فلتتق الله ، ولتحتشم ، ولتبتعد عن الفتنة ، ولتستر وجهها حتى لا يحصل الشر والفساد .
بعض الناس اعتادوا إلباس بناتهم ألبسة قصيرة وألبسة ضيقة تبين مفاصل الجسم سواء كانت للبنات الكبيرات أو الصغيرات . أرجو توجيه نصيحة لمثل هؤلاء .
يجب على الإنسان مراعاة المسئولية ، فعليه أن يتقي الله ويمنع كافة من له ولاية عليهن من هذه الألبسة ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( صنفان من أهل النار لم أرهما ..وذكر نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) (16) . وهؤلاء النسوة اللاتي يستعملن الثياب القصيرة كاسيات ، لأن عليهن كسوة لكنهن عاريات لظهور عوراتهن ، لأن المرأة بالنسبة للنظر كلها عورة ، وجهها ويداها ورجلاها ، وجميع أجزاء جسمها لغير المحارم .
وكذلك الألبسة الضيقة ، وإن كانت كسوة في الظاهر لكنها عري في الواقع . فإن إبانة مقاطع الجسم بالألبسة الضيقة هو تعرٍ . فعلى المرأة أن تتقي ربها ولا تبين مفاتنها ، وعليها ألا تخرج للسوق وهي متبذلة لابسة ما لا يلفت النظر ، ولا تكون متطيبة لئلا تجر الناس إلى نفسها .
وعلى المرأة المسلمة أن لا تخرج من بيتها إلا لحاجة لا بد منها ولكن غير متطيبة ولا متبرجة وبدون مشية خيلاء ، وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) (17) ففتنة النساء عظيمة لا يكاد يسلم منها أحد ، وعلينا نحن معشر المسلمين أن لا نتخذ طرق أعداء الله من يهود ونصارى وغيرهم فإن الأمر عظيم .
وكما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) وتلا قوله تعالى : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) (18) (هود : 102) وإن أخذه تبارك وتعالى إذا أخذ فإنه أخذ عزيز مقتدر ، ويقول تعالى:( وأملي لهم إن كيدي متين ) ( الأعراف : 183)
وإن أولئك الدعاة الذين يدعون إلى السفور والاختلاط لفي ضلال مبين ، وجهل عظيم، لمخالفتهم إرشادات الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهم يجهلون أو يتجاهلون ما حل بالأمم التي ابتليت بهذا الأمر وهم الآن يريدون التخلص من هذه المصيبة ، وأنى لهم ذلك ؟ فقد أصبح عادة لا تغير إلا بعد جهد عظيم .

من المشاهد أن بعض الناس يتشدد على بناته الصغار حتى إن بعضهم يلزم ابنته بلبس الخمار وعمرها أربع سنوات ويقول من شب على شي شاب عليه ، ويحاول فرض ذلك على جميع أسرته . فما رأيكم في هذا التشدد الذي يقيد طفلة صغيرة لا تفقه شيئا ؟
* لا شك أن من شبّ على شي شاب عليه ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من بلغ سبع سنين بالصلاة ، وإن لم يكن مكلفا من أجل أن يعتاد عليها .
لكن الطفلة الصغيرة ليس لعورتها حكم ، ولا يجب عليها ستر وجهها ورقبتها ، ويديها ورجليها ، ولا ينبغي إلزام الطفلة بذلك ، لكن إذا بلغت البنت حدا تتعلق بها نفوس الرجال وشهواتهم فإنها تحتجب دفعا للفتنة والشر ، ويختلف هذا باختلاف النساء ، فإن منهن من تكون سريعة النمو جيدة الشباب ، ومنهن من تكون بالعكس .

ما حكم لبس جوارب لليدين بقصد إخفاء اليد وعدم خروجها أثناء مخاطبة الرجال في الأسواق ؟
لبس ما يستر اليدين أمام الرجال الأجانب هو ما يعرف بالقفازين أمر طيب ، وينبغي للمرأة أن تلبسه حتى لا تتبين كفاها ، وربما يدل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تتنقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)(19) . ربما يدل على أن النساء كان من عادتهن لبس القفازين ، وأنه أستر للمرأة ، وأبعد عن الفتنة ، ولكن يجب أن يكون القفازان غير جميلين بحيث لا يلفتان النظر من الرجال .



الوجه محل الفتنة

لقد اختلف فقهاء الإسلام في كثير من الفقه الإسلامي ، ومن الأحكام التي اختلفوا فيها مسألة الحجاب للمرأة ، وهذا الاختلاف في الآراء جاء تبعا لاختلاف النصوص المروية في هذه المسألة . فما هو الحجاب الشرعي بالنسبة للمرأة ؟
الحجاب الشرعي هو حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره ، أي سترها ما يجب عليها ستره ، وأولى ذلك وأوله ستر الوجه ، لأنه محل الفتنة ومحط الرغبة ، فالواجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليسوا بمحارمها ، وأما من زعم أن الحجاب الشرعي هو ستر الرأس والعنق والنحر والقدم والساق والذراع ، وأباح للمرأه أن تخرج وجهها وكفيها فإن هذا من أعجب ما يكون من الأقوال ، لأنه من المعلوم أن الرغبة ومحل الفتنة هو الوجه ، وكيف يمكن أن يقال إن الشريعة تمنع كشف القدم من المرأة وتبيح لها أن تخرج الوجه؟ هذا لا يمكن أن يكون واقعا في الشريعة العظيمة الحكيمة المطهرة من التناقض ، وكل إنسان يعرف أن الفتنة في كشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة بكشف القدم ، وكل إنسان يعرف أن محل رغبة الرجال في النساء إنما هي الوجوه ، ولهذا لو قيل للخاطب أن مخطوبتك قبيحة الوجه لكنها جميلة القدم ما أقدم على خطبتها ، ولو قيل له أنها جميلة الوجه ولكن في يديها أو في كفيها أو في ساقيها نزول عن الجمال لأقدم عليها فعلم بهذا أن الوجه أولى ما يجب حجابه .
وهنالك أدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وأقوال أئمة الإسلام وعلما الإسلام تدل على وجوب احتجاب المرأة في جميع بدنها عمن ليسوا بمحارمها وتدل على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليسوا بمحارمها . وليس هذا موضع ذكر ذلك .
ولكن لنا فيه رسالة مختصرة قليلة اللفظ كثيرة الفائدة .

بماذا تنصحون من يمنع أهله من الحجاب الشرعي ؟
إننا ننصحه أن يتق الله عز وجلاله في أهله ، وأن يحمد الله عز وجل الذي يسر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن ، و إذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) (التحريم :6) .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمّل الرجل المسئولية في أهله فقال ( الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته )(20) . فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في اللباس إلى زي محرم يكون سببا للفتنة بها ومنها ، فليتق الله تعالى في نفسه ، وليتق الله في أهله ، وليحمد الله على نعمته أن يسر له مثل هذه المرأة الصالحة .
وأما بالنسبة لزوجته فإنه لا يحل لها أن تطيعه في معصية الله أبدا ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .



لا يجوز إخراج الذراع

بعض النساء تردد مقولة يحكون بأنهم سمعوها من بعض العلماء ، وهي أن من تظهر ساعديها من النساء وهي في البيت يوم القيامة تحترق ساعداها ، مع العلم أن بعض النساء يفصلن ملابسهن إلى الأكمام أو بعض الأكمام إلى المرفقين . فما حكم ذلك ؟
أما هذا الجزاء وهو أن الساعدين تحترقان يوم القيامة فلا أصل له . وأما الحكم في إظهار الساعدين لغير ذوي المحارم والزوج فإن هذا محرم ، لا يجوز أن تخرج المرأة ذراعيها لغير زوجها ومحارمها ، فعلى المرأة أن تحتشم وأن تحتجب ما استطاعت ، وأن تستر ذراعيها إلا إذا كان البيت ليس فيه إلا زوجها ومحارمها ، فهذا لا بأس بإخراج الذراعين ، أما من فصلت ملابسها إلى المرفقين فأقول لها : لا بأس تبقي الثياب المخيطة على هذا الوضع ، وتلبس للزوج والمحارم ، ويفصل ثياب جديدة إذا كان في البيت من ليس محرما لها كأخ زوجها وما أشبهه ، ولا يجوز للمرأة أن تخرج بهذه الملابس إلى الشارع إلا أن تسترها بثياب ذات أكمام طويلة تسترها أمام الناس في السوق مع العباءة .



تطيب المرأة خارج البيت

ما حكم تعطر المرأة وتزيينها وخروجها من بيتها إلى مدرستها مباشرة . هل لها أن تفعل هذا الفعل ؟ وما هي الزينة التي تحرم على المرأة المسلمة عند النساء ؟ يعني ما هي الزينة التي لا يجوز إبداؤها للنساء ؟
خروج المرأة متطيبة إلى السوق محرم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية )(21) ولما في ذلك من الفتنة .
أما إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل له أن تظهر الريح عنده، وستنزل فورا إلى محل عملها بدون أن يكون هناك رجال حولها ، فهذا لا بأس به ، لأنه ليس في هذا محذور ، فهي في سيارتها كأنها في بيتها ،ولهذا لا يحل لإنسان أن يمكن امرأته أو من له ولاية عليها أن تركب وحدها مع السائق ، لأن هذه خلوة . أما إذا كانت ستمر إلى جانب الرجال فأنه لا يحل لها أن تتطيب .
أما بالنسبة للزينة التى تظهرها للنساء فإن كان ما أعتيد بين النساء من الزينة المباحة فهي حلال . وأما التي لا تحل كما لو كان الثوب خفيفا جدا يصف البشرة أو كان ضيقا جدا يبين مفاتن المرأة ، فأن ذلك لا يجوز لدخوله في قول النبي صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما ...وذكر نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ) (22) .



الضوابط في سكن العوائل

من العادات المنتشرة في بعض المجتمعات أن بعض العوائل عندما تسكن في بيت واحد ، فإن النساء يكشفن وجوههن أمام أقارب أزواجهن ، وذلك بسبب أنهم في بيت واحد، فما رأي فضيلتكم في ذلك ؟
العائلة إذا سكنت جميعا فالواجب أن تحتجب المرأة على من ليس بمحرم لها . فزوجة الأخ لا يجوز أن تكشف لأخيه ، لأن أخاه بمنزلة رجل الشارع بالنسبة للنظر والمحرمية ولا يجوز أيضا أن يخلو أخوه بها إذا خرج أخوه من البيت ، وهذه مشكلة يعاني منها كثير من الناس مثل أن يكون هناك أخوان في بيت واحد أحدهما متزوج . فلا يجوز لهذا المتزوج أن يبقي زوجته عند أخيه إذا خرج للعمل أو للدراسة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخلون رجل بامرأة ) (23)وقال : ( إياكم والدخول على النساء ) قالوا : يا رسول الله أرأيت الحمو ؟ والحمو أقارب الزوج ـ قال: ( الحمو الموت ) (24).
ودائما يقع السؤال عن جريمة فاحشة الزنا في مثل هذه الحال ، يخرج الرجل وتبقى زوجته وأخوه في البيت فيغويهما الشيطان ويزني بها والعياذ بالله ـ يزني بحليلة أخيه ، وهذا أعظم من الزنا بحليلة جاره ، بل إن الأمر أفظع من هذا .
على كل حال أريد أن أقول كلمة أبرأ بها عند الله من مسئوليتكم : إنه لا يجوز للإنسان أن يبقي زوجته عند أخيه في بيت واحد مهما كانت الظروف حتى لو كان الأخ من أوثق الناس وأصدق الناس وأبر الناس ، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، والشهوة الجنسية لا حدود لها لا سيما مع الشباب .

ولكن كيف نصنع إذا كان أخوان في بيت وأحدهما متزوج ؟ هل نقول إذا أراد أن يخرج ومعه زوجته إلى العمل ؟
لا ، ولكن يمكن أن يقسم البيت نصفين ، نصف يكون للأخ عند انفراده ويكون فيه باب يغلق بمفتاح يكون مع الزوج يخرج به معه ، وتكون المرأة في جانب مستقل في البيت والأخ في جانب مستقل .

لكن قد يحتج الأخ على أخيه ويقول لماذا تفعل هذا ؟ ألا تثق بي ؟
يقول له : أنا فعلت ذلك لمصلحتك ، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . فربما يغويك وتدعوك نفسك قهرا عليك فتغلب الشهوة العقل ، وحينئذ تقع في المحظور ، فكوني أضع هذا الشي حماية لك ، هو من مصلحتك كما أنه من مصلحتي أنا . وإذا غضب من أجل هذا فليغضب و لا يهمك . هذه المسألة أبلغكم إياها تبرؤاً من مسئولية كتمها وحسابكم على الله عز وجل .
أما بالنسبة لكشف الوجه فإنه حرام و لا يجوز للمرأة أن تكشف لأخي زوجها ، لأنه أجنبي منها ، فهو منها كرجل الشارع تماما .



المنع من النقاب

في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين أوساط النساء بشكل ملفت للنظر وهي ما يسمى بالنقاب ، والغريب في الظاهرة ليس لبس النقاب إنما طريقة لبسه لدى النساء ، ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه ألا العينان فقط ، ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئا فشيئا ، فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة و لا سيما أن كثيرا من النساء يكتحلن عند لبسه . وإذا نوقشن في الأمر احتججن بأن فضيلتكم أفتى بأن الأصل فيه الجواز . فنرجو توضيح هذه المسألة بشكل مفصل ؟
لا شك أن النقاب كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، و أن النساء كن يفعلنه كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة إذا أحرمت ( لا تنتقب ) (25) فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب ، ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه ، لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز ، وهذا أمر مشاهد . ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب في أوقاتنا هذه ، بل نرى أنه يمنع منعا باتا ، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وألا تنتقب ، لأن ذلك يفتح باب الشر لا يمكن إغلاقه فيما بعد .



ليس بين الزوج وزوجته عورة

ما حكم لبس الملابس الضيقة عند النساء وعند المحارم ؟
لبس الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة وتبرز ما فيه من الفتنة محرم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ـ يعني ظلما وعدوانا ـ ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات )(26) . فقد فسر قوله : ( كاسيات عاريات ) بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة . وفسر بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة ، وفسرت بأن يلبسن ملابس ضيقة فهي ساترة عن الرؤيا لكنها مبدية لمفاتن المرأة ، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو الزوج، فإنه ليس بين الزوج وزوجته عورة ، لقوله تعالى ( والذين هم لفروجهم حافظين*إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)(المؤمنون5- 6)
وقالت عائشة كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم ـ يعني من الجنابة ـ من إناء واحد تختلف أيدينا فيه ) (27) فالإنسان لا عورة بينه وبين زوجته .
وأما بين المرأة والمحارم فأنه يجب عليها أن تستر عورتها ، والضيق لا يجوز لا عند المحارم و لا عند النساء إذا كان ضيقا شديدا يبين مفاتن المرأة .



عندما تجبر على خلع الحجاب

في بعض البلدان قد تجبر المسلمة على خلع الحجاب وبالأخص غطاء الرأس ، هل يجوز لها تنفيذ ذلك علما بأن من يرفض ذلك ترصد له العقوبات كالفصل من العمل أو المدرسة ؟
هذا البلاء الذي يحدث في بعض البلدان هو من الأمور التي يمتحن بها العبد ، والله سبحانه وتعالى يقول ( آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ( العنكبوت : 1ـ3)
فالذي أرى أنه يجب على المسلمات في هذه البلدة أن يأبين طاعة أولي الأمر في هذا الأمر المنكر ، لأن طاعة أولي الأمر في الأمر المنكر مرفوضة ، قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( النساء : 59) . لو تأملت الآية لوجدت أن الله قال ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ولم يكرر الفعل ثالثة مع أولي الأمر ، فدل على أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله ، فإذا كان أمرهم مخالفا لطاعة الله ورسوله فأنه لا سمع لهم ولا طاعة فيما أمروا به فيما يخالف طاعة الله ورسوله ، ( ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
وما يصيب النساء من الأذى في هذه الناحية فإنه من الأمور التي يجب الصبر عليها والاستعانة بالله تعالى على الصبر ، ونسأل الله لولاة أمورهم أن يهديهم إلى الحق ، ولا أظن هذا الإجبار إلا إذا خرجت المرأة من بيتها ، وأما في بيتها فلن يكون هذا الإجبار، وبإمكانها أن تبقى في بيتها حتى تسلم من هذا الأمر ، أما الدراسة التي تترتب عليها معصية فأنها لا تجوز ، بل عليها دراسة ما تحتاج إليه في دينها ودنياها ، وهذا يكفي ويمكنها ذلك في البيت غالبا .



اللباس الشرعي

تعلمون بلا شك أن مكمن الفتنة في المرأة متركز في جسدها الداخلي ، فإن ظهر ثارت الفتنة وعمّ الشر ، فما الذي يجوز للمرأة كشفه من جسدها وما حكم نظر المرأة إلى عورة المرأة ؟
يجب على المرأة أن تلبس اللباس الشرعي الذي يكون ساترا ، وكان لباس نساء الصحابة كما قال شيخ الإسلام ابن تميمة وغيره من الكف إلى الكعب في بيوتهن ، أي من كف اليد إلى كعب الرجل ، فإذا خرجن لبسن ثيابا طويلة تزيد على أقدامهن بشبر ، ورخص لهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذراع من أجل ستر أقدامهن ، هذا بالنسبة للمرأة المكتسية ، فإن رفعت اللباس فهي من الكاسيات العاريات .
أما بالنسبة للمرأة الناظرة فإنه لا يجوز لها أن تنظر عورة المرأة ، يعني لا يجوز أن تنظر ما بين السرة إلى الركبة مثل أن تكون المرأة تقضي حاجتها مثلا فلا يجوز للمرأة أن تنظر إليها ، لأنها تنظر إلى العورة ، أما فوق السرة أو دون الركبة ، فإذا كانت المرأة قد كشفت عنه لحاجة مثل أنها رفعت ثوبها عن ساقها لأنها تمر بطين مثلا ، أو تريد أن تغسل الساق وعندها امرأة أخرى فهذا لا بأس به ، أو أخرجت ثديها لترضع ولدها أمام النساء فإنه لا بأس ، لكن لا يفهم من قولنا هذا كما تفهم بعض النساء الجاهلات أن المعنى أن المرأة تلبس من الثياب ما يستر ما بين السرة والركبة فقط ، هذا غلط ، غلط عظيم على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى شريعة الله وعلى سلف هذه الأمة ، من قال : إن المرأة لا تلبس إلا سروالاً يستر من السرة إلى الركبة وهذا لباس المسلمات ؟ ! لا يمكن !
فالمرأة يجب أن تلبس اللباس الظاهر من الكف إلى الكعب ، أما المرأة الأخرى التي تنظر فلها أن تنظر إلى الصدر والساق لكن ليس لها أن تنظر ما بين السرة والركبة فيما لو كشفت المرأة ثوبها ، فإن الأخرى لا تنظر ما بين السرة والركبة .



الملابس القصيرة

قرأت بخطكم جوابا يقول : للمرأة أن تكشف لمحارمها عن الوجه والرأس والرقبة والكفين والذراعين والقدمين والساقين ، وتستر ما سوى ذلك ، هل هذا الكلام على إطلاقه خصوصا أن موقفكم حفظكم الله ـ من الملابس القصيرة بالنسبة للأطفال والنساء عموما فأنه لا يجوز ؟
نحن إذا قلنا يجوز أن تكشف عن كذا وكذا ليس معناه أن تكون الثياب على هذا الحد، لكن لنفرض أن امرأة عليها ثوب إلى الكعب ثم انكشف ساقها لشغل أو غير شغل فأنها لا تأثم بهذا إن لم يكن عندها إلا المحارم ، أو لم يكن غير النساء .
أما اتخاذ الثياب القصيرة فإننا ننهى ونحذر منه لأننا نعلم ـ وإن كان جائزا ـ أنه سوف يتدهور الوضع إلى أكثر من ذلك كما هو العادة في غير هذا ، أن الناس يفعلون الشي في أول الأمر على وجه مباح ، ثم يتدهور الوضع حتى ينحدروا به إلى أمر محرم لا إشكال في تحريمه،كما أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ) (28)ليس معناه أن المرأة يجوز أن تلبس ما يستر ما بين سرتها وركبتها فقط ولا أحد يقول بهذا ، لكن المعنى أنه لو انكشف من المرأة الصدر وكذلك الساق مع كون الثوب وافيا فإن ذلك لا يحرم نظره بالنسبة للمرأة مع المرأة ، ولنضرب مثلا امرأة ترضع ولدها فأنكشف ثديها من أجل إرضاع الولد ، لا نقول للمرأة الأخرى أن نظرك لهذا الثدي حرام،لأن هذا ليس من العورة ، أما أن تأتي امرأة تقول : أنا ما ألبس إلا سروالا يستر ما بين السرة والركبة فلا أحد يقول بهذا ، و لا يجوز ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن لباس الصحابيات كان من كف اليد إلى كعب الرجل ، هذا إذا كن في بيوتهن ، أما إذا خرجن إلى السوق فمعروف حديث أم سلمة أن المرأة ترخي ثوبها ، فقد رخص لها النبي صلى الله عليه وسلم أن ترخيه إلى ذراع من أجل ألا تنكشف قدماها إذا مشت .



الكشف داخل السيارة

بالنسبة لبعض المعلمات أو الطالبات عندما يركبن في الحافلة أو السيارة لغرض توصيلهن إلى المدارس نلحظ أن بعضا منهن يقمن بكشف وجوههن داخل السيارة ، وحجتهن في ذلك أنه لا يراهن أحد ـ فما رأيكم ؟ وماذا عن السائق الذي يتعهدهن بالتوصيل مع أنهن كاشفات ؟
كشف المرأة وجهها والرجال ينظرون إليها حرام ، ولا يحل سواء كانت معلمة أم طالبة ، وسواء كانت في السيارة أو كانت تمشي في السوق على قدميها ، لكن لو كانت في السيارة لا يراها من كان خلف الزجاج سائرا ، وكان بين النساء وبين السائق ستره ، فلا حرج عليهن في هذه الحال أن يكشفن وجوههن ، لأنهن كاللاتي في حجرة منفردة عن الرجال .
وأما إذا كان الزجاج شفافا يرى من وراءه ، أو كان غير شفاف لكن ليس بينهن وبين السائق حاجز فإنه لا يجوز لهن كشف وجوههن لئلا يراهن السائق أو أحد من الرجال في السوق .
وأجرة السائق ليست حراما ، لأن النساء لم يستأجرن هذه السيارة لأجل كشف وجوههن لكن يجب على السائق أن يأمرهن بتغطية الوجه ، فإن أبين وأصررن على أن يكشفن وجوههن جعل على السيارة ستائر أو يتخذ من الزجاج المحجوب ويجعل بينه وبينهن سترا ، وبذلك يزول المحذور .



السلام على المرأة

ما هدى الإسلام بالنسبة لرد السلام على المرأة وهل تسلم المرأة ؟ وهل يفرق بين المرأة الصغيرة أو المرأة الكبيرة التي لا يخشى منها الفتنة ؟ وما حكم المصافحة وتقبيل الرأس لهن ـ أي العجائز ؟
الرجل لا يسلم على المرأة ، والمرأة لا تسلم على الرجل ، لأن هذا فتنة ، اللهم إلا عند مكالمة هاتفية فتسلم المرأة أو الرجل بقدر الحاجة فقط ،أو إذا كانت المرأة من معارفه مثل أن يدخل بيته فيجد فيه امرأة يعرفها وتعرفه فيسلم وهذا لا بأس به ، أما أن يسلم على امرأة لقيته في السوق ، فهذا من أعظم الفتنة فلا يسلم .
وأما تقبيل المحارم فتقبيلهن على الرأس والجبهة لا بأس به وتقبيلهن على الخد لا بأس به من قبل الأب ، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على ابنته عائشة وهي مريضة فقبل خدها ، فهذا لا بأس به ، أما إذا كان من غير البنت فإنه يكون التقبيل على الجبهة وعلى الرأس .
أما مصافحة المرأة غير ذات محرم فأنها حرام ، لأن مصافحتها أبلغ في حصول الفتنة من مشاهدتها ، وأما تقبيل رأس العجائز من ذوات المحارم فلا بأس به ، ومن غير ذوات المحارم فلا تقبلها .

هل يجوز أن يقبل رأس زوجة أبيه ؟
نعم يجوز لأنها من محارمه .

وهل يجوز أن يصافح بنت زوجته ؟
هذا فيه تفصيل فإن كان قد دخل بأمها فيصافحها إن أمن من الفتنة وإلا فلا .

كيف يكون لها بنت ولم يدخل بها ؟
تكون البنت من غيره من شخص سابق ، ويكون قد عقد عليها ولكن لم يدخل بها، لم يجامعها، وحينئذ لا تكون هذه البنت محرما له .



مسائل خاصة

هناك مسألة تقع كثيرا عند بعض النساء وهي أنهن يقمن بالاستعانة بامرأة أخرى تأتي إلى المنزل لغرض قيامها بإزالة الشعر الذي على البدن والفخذين ، فهل يجوز لهذا المرأة أن تنظر إلى فخذ المرأة التي تزيل شعرها ؟ ثم أن هذا العمل هل يعد من الضرورة ؟
هذه الحالة ليست من الضرورة ، لأن شعر الفخذين والساقين في حلها نظر ، لأن الشعر من خلق الله وتغيير خلق الله في غير ما أذن الله فيه من وحي الشيطان ، قال تعالى ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) ( النساء : 119 ) والشعر من خلق الله فلا يزال إلا ما فيما شرعت إزالته كالعانة والإبط ، والشارب بالنسبة للرجل ، فهذا يزال ، أما شعر الساقين والفخذين فإنه لا يزال، لكن لو كان الشعر كثيرا في المرأة بحيث يكون ساقها كساق الرجل فلا بأس أن تزيله ، أما الأفخاذ إذا كثر فيها الشعر فلا تزيله امرأة أخرى بل تزيله المرأة صاحبة هذا الشعر ، لأنه لا حاجة إلى الاستعانة بامرأة ثانية ، فهنا الآن وسائل لإزالة الشعر من دهن أو غيره . بمجرد ما يمسح به الشعر يزول ، فيستعمل هذا لكن بشرط أن يراجع في ذلك طبيب .


وجوب ستر الوجه

بالنسبة لمن تفرط في الحجاب من النساء ما هو جزاؤها ؟ وهل تعذب بالنار في الآخرة ؟
إن كل من عصى الله عز وجل بمعصية لا تكفرها الحسنات فإنه على خطر ، فإن كانت شركا وكفرا مخرجا عن الملة فإن العذاب محقق لمن أشرك وكفر بالله،قال تعالى: ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)(المائدة 72) . وقال تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ( النساء 48 ) . وإن كان دون ذلك ـ أي دون الكفر المخرج عن الملة ـ وهو من المعاصي التي لا تكفرها الحسنات فإنه تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له .
والحجاب الذي يجب على المرأة أن تتخذه هو أن تستر جميع بدنها عن غير زوجها ومحارمها، لقوله الله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) ( الأحزاب : 59 ) والجلباب هو الملاءة أو الرداء الواسع الذي يشمل جميع البدن ، فأمر الله تعالى نبيه أن يقول لأزواجه وبناته ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يسترن وجوههن ونحورهن ، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة والنظر الصحيح والاعتبار على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها أو زوجا ، ولا يشك عاقل أنه إذا كان على المرأة أن تستر رأسها وتستر رجليها وأن لا تضرب برجليها حتى يعلم ما تخفي من زينتها من الخلخال ونحوه ، وأن هذا واجب ، فإن وجوب ستر الوجه أوجب وأعظم ، وذلك أن الفتنة الحاصلة بكشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة الحاصلة بظهور شعرة من شعر رأسها أو ظفر من ظفر رجليها . وإذا تأمل العاقل المؤمن هذه الشريعة وحكمها وأسرارها تبين أنه لا يمكن أن تلزم المرأة بستر الرأس والعنق والذراع والساق والقدم ، ثم تبيح للمرأة أن تخرج كفيها ، وأن تخرج وجهها المملوء جمالا وحسنا ، فإن ذلك خلاف الحكمة .
ومن تأمل ما وقع فيه الناس اليوم من التهاون في ستر الوجه الذي أدى أن تتهاون المرأة فيما وراءه حيث تكشف رأسها وعنقها ونحرها وذراعها وتمشي في الأسواق بدون مبالاة في بعض البلاد الإسلامية ، علم بأن الحكمة تقتضي أن على النساء ستر وجوههن ، فعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله عز وجل وأن تحتجب الحجاب الواجب الذي لا تكون معه فتنة بتغطية البدن عن غير الأزواج والمحارم .



ذهاب المرأة للطبيب

عندما تضطر المرأة إلى الذهاب للطبيب للفحص عليها فإن ذلك يستلزم أن تظهر شيئا من جسدها ـ فما حكم الشرع من ذلك ؟
إن ذهاب المرأة للطبيب عند عدم وجود طبيبة لا بأس به ، ويجوز أن تكشف للطبيب كل ما يحتاج النظر إليه إلا أنه لا بد أن يكون هناك معها محرم وبدون خلوة من الطبيب بها ، لأن الخلوة محرمة وهذا من باب الحاجة ، وقد ذكر أهل العلم ـ رحمهم الله ـ أنه إنما أبيح مثل هذا لأنه محرم تحريم الوسائل ، وما كان تحريمه تحريم الوسائل فأنه يجوز عند الحاجة إليه




جواز الخلوة عند الضرورة

من المسائل التي تقع تكشف المرأة أمام الأجانب عند الضرورة مثلا إذا كانت زوجة الجار مريضه وزوجها غائب عنها وليس عندها محارم فما العمل حينذاك ؟
لا شك أن الاختلاط بالنساء ومصافحتهن من غير المحارم لا يجوز ، والخلوة أشد وأعظم لكن عند الضرورة تختلف الأحكام ، قال الله تعالى: ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) (الأنعام :119 ) . فإذا كانت امرأة جاري مضطرة إلى أن أكلمها وأدخل عليها لنقلها إلى الطبيب وما أشبه ذلك فلا بأس به مع درء الفتنة وذلك إذا كان عنده زوجة يستعين بها حتى تزول الخلوة .



دخول الكفيف على النساء

ما حكم دخول الكفيف على النساء لقصد التعليم في المدارس ؟
دخول الرجل الأعمى على النساء للتعليم لا بأس به، لأنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأعمى ما لم يكن هناك فتنة ، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس : ( اعتدى في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده )(29) وأذن لعائشة أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ، لكن إن حصل من هذا فتنة بكونه يتلذذ بصوت المرأة أو يدنيها إلى جنبه مثلاً ، ويمسك على يدها وما أشبه ذلك ، فإنه لا يجوز ، لا من أجل أنه يحرم النظر إلى الرجل ولكن من أجل ما اقترن به من الفتنة .



التعليم المختلط لا يجوز

بالنسبة للتعليم المختلط في بعض الدول الإسلامية يكون الطلاب والطالبات جنبا إلى جنب في مقاعد متراصة وقاعة واحدة فما حكم ذلك ؟
الذي أراه أنه لا يجوز للإنسان رجلا كان أو امرأة أن يدرس بمدارس مختلطة ، وذلك لما فيها من الخطر العظيم على عفته ونزاهته وأخلاقه . فإن الإنسان مهما كان من النزاهة والأخلاق والبراءة إذا كان جانبه في كرسي الذي هو فيه امرأة ولا سيما جميلة ومتبرجة لا يكاد يسلم من الفتنة والشر وكل ما أدى الى الفتنة والشر فإنه حرام ولا يجوز . فنسأل الله سبحانه وتعالى لإخواننا المسلمين أن يعصمهم من مثل هذه الأمور التي لا تعود إلى شبابهم إلا بالشر والفتنة و الفساد .

وإن كان لا يوجد إلا هذه الجامعات المختلطة في البلد فماذا يفعل الطالب ؟
حتى وإن لم يجد إلا مثل هذه الجامعات المختلطة فإنه يترك الدراسة إلى بلد آخر ليس فيه هذا الاختلاط فأنا لا أرى جواز هذا وربما غيري يرى شيئا آخر .
هناك عادة متبعة لدى بعض الناس وهي أن المرأة الأجنبية تصافحهم إذا وضعت على يديها حائلاً فما حكم ذلك ؟ وهل حكم المرأة التي تكبر في السن مثل حكم الصغيرة في السن ؟
لا يجوز للإنسان أن يصافح المرأة الأجنبية التي ليست من محارمه سواء مباشرة أو بحائل ، لأن ذلك من الفتنة ، وقد قال تعالى:(ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) (الإسراء : 32 ) . وهذه الآية تدل على أنه يجب علينا أن ندع كل شي يوصل إلى الزنا سواء كان زنا الفرج وهو الأعظم أو غيره ، و لا ريب أن مس الإنسان ليد المرأة الأجنبية قد يثير الشهوة ،على أنه وردت أحاديث فيها تشديد الوعيد على من صافح امرأة ليست من محارمه ، و لا فرق في ذلك بين الشابة والعجوز لأنه كما يقال لكل ساقطة لاقطة ثم حد الشابة من العجوز قد تختلف فيه الإفهام ، فيرى أحد أن هذه عجوز ويرى آخر أن هذه شابه .



عمل المرأة مع الرجل

لقد بينتم لنا حدود علاقة الرجل بالمرأة وما يجوز منها وما يحرم .. لكن ماذا عن حكم العلاقة بين الرجل والمرأة في حال العمل ، فهل يجوز أن تعمل في مكان مختلط مع الرجل ؟ لا سيما أن ذلك منتشر بشكل كبير في كثير من البلدان ؟
الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي أو بعمل في قطاع خاص أو في مدارس حكومية أو أهلية ، فإن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة من الرجال ، لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال ، وهذا أعني ـ الاختلاط بين الرجال والنساء ـ خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية ، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح . ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكانا خاصا إذا خرجن إلى مصلى العيد ، لا يختلطن بالرجال كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكرهن ، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعن من الرسول صلى الله عليه وسلم .
ثم ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها)(30)وما ذلك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال ، فكان شر الصفوف ، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف ، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة ، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية ، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق ، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط .
والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال كما قال صلى الله عليه وسلم:( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )(31) فنحن والحمد لله ـ نحن المسلمين ـ لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا ، ويجب أن نحمد الله سبحانه وتعالى أن منّ علينا بها ، ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد ، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله ـ عز وجل ـ وعن شريعة الله فإنهم على ضلال وأمرهم صائر إلى الفساد ، ولهذا نسمع أن الأمم التي يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد . نسأل الله أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة .



العمل المباح

ما هي مجالات العمل المباحة للمرأة التي تعمل بها دون أن تخالف دينها ؟
المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريا أو فنيا ، وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك ، وأما العمل في مجالات تختص بالرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث أنه يستلزم الاختلاط بالرجال وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها ، ويجب أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال : (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )(32). فعلى المرء أن يجنب نفسه وأهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال .



يحرم النظر لصور الفنانات

هناك ظاهرة متفشية بين الشباب وهي اقتناء صور النساء الأجنبيات من فنانات ومطربات وغير ذلك وينظرون إليها باستمتاع ، ويحتجون بحجة واهية وهي أن هذه الصور ليست حقيقية .
هذا تهاون خطير جدا أن الإنسان إذا نظر للمرأة سواء بواسطة وسائل الأعلام المرئية أو بواسطة الصحف أو غير ذلك ، فإنه لابد أن يكون من ذلك فتنة قلب الرجل تجره إلى أن يتعمد النظر إلى المرأة مباشرة ، وهذا شي مشاهد ، ولقد بلغنا أن من الشباب من يقتني صور النساء الجميلات ليتلذذ بالنظر إليهن أو يتمتع بالنظر إليهن ، وهذا يدل على عظم الفتنة في مشاهدة هذه الصور ، فلا يجوز للإنسان أن يشاهد هذه الصور ، سواء كانت في مجلات أو في صحف أو غيرها ، لأن في ذلك فتنة تضره في دينه ، ويتعلق قلبه بالنظر إلى النساء فيبقى ينظر إليهن مباشرة .

ما هي حدود عورة المرأة للمرأة المسلمة والفاجرة والكافرة ؟
عورة المرأة مع المرأة لا تختلف باختلاف الدين ، وعورتها مع المرأة المسلمة كعورتها مع المرأة الكافرة ، وعورتها مع المرأة العفيفة كعورتها مع المرأة الفاجرة ، إلا إذا كان هناك سبب آخر يقتضي وجوب التحفظ أكثر ، لكن يجب أن نعلم أن العورة ليست هي مقياس اللباس ، فإن اللباس يجب أن يكون ساترا وإن كانت العورة ـ أعني عورة المرأة ـ بالنسبة للمرأة ما بين السرة والركبة ، لكن اللباس شيء والعورة شيء آخر ، ولو فرض أن امرأة كانت لابسة لباس حشمة وظهر صدرها أو ثديها لعارض أمام امرأة أخرى وهي قد لبست هذا اللباس الساتر الشامل ، فإن هذا لا بأس به . أما أن تتخذ لباسا قصيراً من السرة إلى الركبة بحجة أن عورة المرأة للمرأة من السرة إلى الركبة فإن هذا لا يجوز ، ولا يظن أن أحدا يقول به .

هل يجوز للمرأة أن تخرج ثديها عند النساء لإرضاع طفلها ؟
تفهم الإجابة مما سبق .

ما حكم المكياج للنساء أو للتزين به لزوجها ؟
كل ما تتزين به المرأة من هذه التزينات لا بأس به إذا كان لا يضرها ، لأن الأصل الحل فلا يحرم إلا ما قام الدليل على تحريمه ، ولكني سمعت أن هذه المساحيق ( المكاييج ) تؤثر على بشرة المرأة وأنها تغيره في وقت قصير ، وهذا هو الظاهر ، لأن العادة أن ردود الفعل كما يقولون تكون في الأمور الحسية كما تكون في الأمور المعنوية ، فإذا ثبت ثبوتا لا مرية فيه أنه لا ضرر على المرأة في استعماله فإنه لا بأس به ، لأن ذلك مما يجلب رغبة الزوج إلى الزوجه ويحببها إليه لا سيما إذا كان الزوج ممن يهتم بمثل هذه الأمور لأن الأزواج يختلفون ، فقد يكون بعضهم لا يهمه أن تتجمل المرأة بهذه المجملات ، وقد يكون بعضهم مشغوفا بهذه المجملات . أما بالنسبة لتزين النساء فيما بينهن أثناء الزيارات فليس به بأس إذا كان في الحدود الشرعية المباحة .

ابو ضاري
13-01-2011, 09:50
غير المتزوجة هل يجوز لها أن تضع المكياج وتظهر للنساء ؟
غير المتزوجة على قاعدة بعض أهل العلم أنه لا ينبغي لها أن تتجمل ، لأنها غير مطالبة بهذا ، فالذي أرى أن تتجنبه غير المتزوجة . أما المتزوجة فقد سبق بيان حكمها .

ما حكم التطيب للنساء إذا أتينها في البيت ؟
إذا تطيبت النساء في البيوت فإنهن يخرجن للأسواق وتظهر رائحة الطيب عليهن ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء ) (33) وهذا يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج وهي متطيبة ، نعم لو كان هؤلاء النساء سوف يركبن السيارة عند الباب ولا يتعرضن لأحد أجنبي فهذا لا بأس به .

ما حكم الملابس النسائية من تصميم الكفار لغير قصد التشبه وهي ساترة ؟
كلمة قصد التشبه غير واردة ، لأنه إذا حصل التشبه حصل المحذور وثبت حكمه سواء بقصد أو بغير قصد ، فإذا كانت هذه الألبسة مما يختص بالكفار ولا يلبسها غيرهم فإنه لا يجوز للمسلم أن يلبسها ، أما إذا كانت الألبسة شائعة بين المسلمين وغير المسلمين لكنه غير موجودة في بلادنا مثلا فلا بأس بلبسها إذا لم يكن ذلك شهرة ، فإن كان شهرة فهو حرام .

ما حكم الملابس الضيقة والقصيرة التي تبدي الساقين أمام المحارم والنساء ؟
كما قلت سابقا إن اللباس يجب أن يكون ساترا شاملا ، وليس أن يقتصر على العورة ، وعلى هذا يجب على النساء أن يلبسن ثيابا طويلة ساترة حتى وإن كان ساقها يجوز أن يبدو للمرأة التي مثلها ولمحارمها ، لأنه يجب علينا ولاسيما في عصرنا هذا أن نحتاط لهذه الأمور احتياطا بالغا ، وأن نمنع ما يخشى منه التدرج إلى مشابهة الكفار بألبستهم .

ما حكم قص الشعر للشابة للتزيين ؟
إذا كان قص الشعر إلى درجة تكون بها مشابهة للرجل فهذا حرام ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال ، وكذلك لو كان قصه على صفة مشابهة لنساء الكفار فإنه حرام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(من تشبه بقوم فهو منهم ) (34). أما إذا كان على غير هذين الوجهين فإن المشهور من مذهب الحنابلة أن هذا مكروه ، وهذا القول وإن كان ليس له دليل بين فإن الأخذ به جيد ، لئلا تتدرج المرأة من المباح للممتنع ومن المكروه للمحرم ، فالقول بالكراهة هنا حذراً من الوقوع في المحرم قول جيد .

يقال أنكم ذكرتم في شرح ( بلوغ المرام ) عند مسح الرجل رأسه في الوضوء بأن يمسح الرجل رأسه من الأمام إلى الخلف ، ثم من الخلف إلى الأمام حتى يصل الماء إلى باطن الرأس هل هذا صحيح ؟
وهل هذا يشمل النساء علما بأن المرأة قد يصعب عليها ذلك لكثرة وطول شعرها ؟
نعم بالنسبة لكونه يبدأ من مقدم الرأس إلى مؤخره ، ثم يرجع إلى مقدم الرأس هذا صحيح وقد ثبتت به السنة . وأما حتى يصل الماء إلى باطن الرأس فهذا كذب وليس بصحيح، ولا يمكن أن يصل الماء إلى باطن الشعر بالمسح ، لأن المسح معناه أن يبل يده بالماء ثم يمسح بها رأسه ، وهذا لا يتأتى منه ماء يصل إلى باطن الشعر ، اللهم إلا أن يكون عقب حلق .

وأما هل يشمل النساء هذا ؟
نعم لأن الأصل في الأحكام الشرعية أن ما يثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء ، وأن ما يثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل ، ولا أعلم دليلا يخصص المرأة في هذا . وعلى هذا فتمسح من مقدم الرأس إلى مؤخره وإن كان شعرا طويلا فلن يتأثر بذلك ، لأنه ليس المعنى أن تضغط بقوة على الشعر حتى يتبلل أو يصعد إلى قمة الرأس إنما هو مسح بهدوء .

سجدة التلاوة للنساء هل تكون على هيئة حجابها في الصلاة ؟
هذا ينبني على اختلاف العلماء في سجدة التلاوة هل حكمها حكم الصلاة ، فلا بد من ستر العورة واستقبال القبلة والطهارة ، وإن قلنا أنه سجدة مجردة لا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة فإنه لا يشترط فيها في هذه الحال أن تكون المرأة متحجبة حجاب الصلاة بل ولا أن يكون الإنسان على وضوء ، ولكن لا شك أن الأحوط الأخذ بالقول الأول ، وأن لا يسجد الإنسان إلا على وضوء ، وأن تكون المرأة والرجل أيضا ساترا ما يجب ستره في الصلاة .

هل تقطع المرأة صلاة المرأة إذا مرت بين يديها ؟
نعم تقطع ، لأنه لا فرق في الأحكام بين الرجال والنساء إلا بدليل ، ولكن إذا مرت من وراء سترتها إن كان لها سترة ، أو من وراء سجادتها أن كانت تصلي على سجادة ، أو من وراء موضع سجودها أن لم يكن له سترة ولا سجادة ، فإن ذلك لا يضر ولا يؤثر .

وإن كان في التحرز من ذلك مشقة لاسيما في الحرمين ؟
الحديث لم يستثن شيئا وليس في هذا مشقة ، لأن في الإمكان أن تمنع والناس سوف يمتنعون ، وإذا لم يكن يتيسر ذلك فأجل النافلة إلى وقت يكون فيه المكان غير مزدحم ، أو تقدم إلى مكان آخر خاليا ، أو إذا كانت نافلة اجعلها في البيت ، فإن النافلة في البيت أفضل من النافلة في المسجد سواء في المسجد الحرام أو في النبوي أو في غيرهما من المساجد ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال وهو في المدينة ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) (35) وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتطوع في بيته .

ما حكم لبس المرأة اللون الأبيض ليلة زفافها إذا علم هذا تشبه بالكفار ؟
المرأة يجوز لها أن تلبس الثوب الأبيض بشرط أن لا يكون على تفصيل ثياب الرجل . وأما كونه تشبها بالكفار فقد زال الآن هذا التشبه لكون كل المسلمين إذا أرادت النساء الزواج يلبسنه ، والحكم يدور في علته وجودا وعدما . فإذا زال التشبه وصار هذا شاملا للمسلمين والكفار زال الحكم إلا أن يكون الشي محرما لذاته لا للتشبه ، فهذا يحرم على كل حال .

امرأة يطلب منها زوجها في بعض ليالي رمضان صنع الطعام لضيوفه ، وهي عندما تقوم بذلك تحس بإرهاق شديد ولا تتمكن من القيام تلك الليلة ، فهل يجب عليها طاعته في ذلك لو استمر الحال على ذلك أكثر ليالي رمضان ؟
الواجب على المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف ، وعلى الرجل أن يعاشر زوجته بالمعروف ، قال تعالى ( وعاشروهن بالمعروف ) ( النساء : 19 ) وليس من المعروف أن يرهق الرجل زوجته في خدمته في مثل هذا الوقت ، وعلى تلك الحال ، ولكن إن صمم فاللائق بالمرأة أن تطيعه . وإذا تعبت عن القيام وشق عليها فإن الله تعالى يكتب لها ما كانت تنويه وتريده ، لأنها إنما تركت ذلك لعذر لتقوم بما يجب عليها من طاعة الزوج فيما يلزمها طاعته فيه .




فتاوى الزواج
ليس ثمة شك في أن الزواج يعني إضافة لبنة جديدة من لبنات المجتمع المسلم ، ودعامة جديدة من دعائمه ، ومن هنا كانت الأهمية والعناية التي تحوطه . فبناء الأجيال والأمم إنما يرتكز وينطلق من هذه اللبنة ، وأن المنطلقات إذا هي سلمت من الغبش والرتوش أضحت المسيرة سليمة من كل العراقيل والقيود التي قد تحول دون إكمال مهمتها .
وبالزواج يكون المسلم قد بدأ حياة جديدة . لكن يجب أن تكون هذه الحياة مدعومة بالفهم الصحيح . والإدراك العميق لكل متطلبات الحياة الزوجية .
ونحن نمر بفترة الإجازة الصيفية حيث تكثر حفلات الزواج نجد أنه من المناسب أن نلتقي بأحد أعلام الأمة البارزين ليحدد لنا النهج القويم والسياسة الشرعية الثابتة التي خطها ديننا الحنيف لكي نتبع خطاها ونسترشد برؤاها حتى نسلم من الوقوع في المحذور والزلل .
فلقاؤنا كان مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ليوضح لنا بعض المعالم النيرة حول قضايا الزواج وما يجب على الزوجين الالتزام به قبل وبعد وفي أثناء زواجهما . وبعض المحاذير التي تقع في الزواج ، وإسداء النصائح والتوجيهات القيمة التي تنفع الأمة في دينها ودنياها .
فإلى المحاورة التالية :
فضيلة الشيخ : تعلمون حفظكم الله أن الزواج تلبية مأمونة لحاجة غريزية بين الرجل والمرأة التي إن توفرت حصلت العفة ، وإن لم تتوفر حصلت الخيانة التي فيها دمار الأمة ، فما هي نصيحتكم لمن أراد الزواج ؟ وماذا يفعلان الزوج والزوجة في ليلة الزواج ؟
نصيحتي لمن أراد الزواج أن يختار من النساء من أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتزوجها حيث قال ( تزوجوا الودود الولود ) (36)وقال ( تنكح المرأة لأربع لمالها ، وحسبها ، وجمالها ، ودينها ، فأظفر بذات الدين ) (37)وأن تختار المرأة من كان ذا خلق ودين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) (38)وأن تتحرى غاية التحري ولا تتعجل بقبول الخطبة حتى تبحث عن حال الخاطب لئلا تندم على تسرعها .
ومما ينبغي العناية به ليلة الدخول على المرأة أن يدخل الزوج عليها مستبشرا متهللا لأجل إيناسها ، لأنها في تلك الساعة سيكون عندها رهبة ؛ وهيبة وخوف ، ويأخذ بناصيتها ويدعو بالدعاء المعروف ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ) (39)يقول ذلك جهرا إلا أن يخاف أن تتروع المرأة وتشمئز ، فإذا خاف ذلك فيكفي أن يضع يده على ناصيتها ويدعو بهذا الدعاء سرا
وعند إتيان الإنسان أهله يقول ما حث عليه الرسول عليه السلام ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا ) (40) .
فهذا من أسباب صلاح الأولاد وهو سهل ويسير ، كذلك مما ينبغي بل يتعين فهمه ومعرفته أنه إذا حصل الجماع وجب الغسل على الطرفين وإن لم يحصل إنزال ، وبعض الناس يظن أن الغسل لا يجب إلا بالإنزال ، وهذا ظن خاطيء ، فالغسل واجب إذا جامع وإن لم ينزل ، لقول النبي(إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل ) (41) وعلى هذا فيجب الغسل بأحد أمرين إما بالإنزال وإما بالجماع ، فالإنزال إذا حصل سواء بتقبيل أو ضم أو نظر لشهوة أو محادثة أو أي سبب وجب الغسل ، وإذا حصل جماع وجب الغسل وإن لم ينزل .
ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض الأزواج هداهم الله لا يهتمون بصلاة الفجر صباح الزواج إما أنهم يصلونها في آخر الوقت وليس مع الجماعة ، وإما أنهم لا يصلونها إلا إذا طلعت الشمس ، وهذا من العادات المنكرة المنافية لشكر نعمة الله تعالى ، لأن شكر نعمة الله أن تقوم بطاعته .

وماذا تقولون ـ حفظكم الله ـ في المقولة الشائعة التي يرددها بعض الناس أن الزوج إذا خرج لصلاة الفجر مع الجماعة في المسجد فهذا يدل على عدم رغبته في زوجته ، ولو رغب ما خرج من عندها طيلة ذلك اليوم ؟
أقول : إنها مقولة فاسدة ، بل إذا صلى الفجر فهذا دليل على رغبته فيها ، وأن شكر نعمة الله عز وجل على ما يسره له من النكاح ، فالواجب أن يصلي الزوج صلاة الفجر مع الجماعة لا أن يدع صلاة الجماعة بدون عذر شرعي .

حفظكم الله : ما رأيكم في قول بعض العلماء : ( يعذر بترك الجماعة من ينتظر زف المرأة إليه )؟
رأينا : أن أقوال العلماء يكون فيها الخطأ ويكون فيها الصواب ، والواجب الرجوع إلى الكتاب والسنة .
ثانيا : أن الذين قالوا هذا من العلماء إنما يتحدثون عن أمر كانوا عليه ، وهو أن الرجل هو الذي يستقبل الزوجة وليست الزوجة هي التي تستقبل الرجل ، فيكون الرجل في بيته وتزف إليه امرأته ، وهذا يعذر بترك الجماعة ، لأنه لو ذهب وصلى الجماعة لكان قلبه مشغولا ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا صلاة بحضرة طعام ) (42)وكان بن عمر رضى الله عنهما يسمع الإمام يقرأ وهو يتعشى لا يقوم للصلاة حتى يكمل ، فإذا كان الرجل يعذر بترك الجماعة في هذه الحال فالذي ينتظر زف الزوجة إليه أشد شغلا والعذر واضح ، لكن عادة الناس اليوم على خلاف ذلك عندنا فالزوج هو يأتي إلى الزوجة في مكانها ، والأمر بيده فلا يعذر بترك الجماعة .
فضيلة الشيخ : اشتهر لدى كثير من الناس أن الرجل إذا دخل على زوجته يصلي أمامها ركعتين ، وهي كذلك تصلي معه ، حتى أن بعضهم فور دخوله عليها يشرع بصلاته حتى قبل الحديث معها .. فهل هذا من السنة ؟
في هذا آثار عن بعض الصحابة رضى الله عنهم أن الرجل إذا دخل على زوجته أول ما يدخل يصلي بها ركعتين ، أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصح في ذلك شي ، والذي يفعل ذلك أرجو ألا يكون عليه حرج وإن تركه فلا حرج .

تعلمون ـ حفظكم الله ـ أن النساء ناقصات عقل ودين ، وهنا تعرض مسألة وهي أن المرأة إذا اختارت رجلا غير صالح ، وكان الرجل الذي اختاره والدها رجلا صالحا ، فهل يؤخذ برأيها أم تجبر على من أن أراد والدها ؟
أما جبرها على من أراد والدها فإنه لا يجوز حتى وإن كان صالحا ، لقول النبي ( لا تنكح البكر حتى تستأذن ، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر ) وفي لفظ المسلم : ( والبكر يستأذنها أبوها في نفسها ) (43) وأما تزويجها بمن لا يرضى دينه ولا خلقه فلا يجوز أيضا ، وعلى وليها أن يمنعها وأن يقول لا أزوجك من هذا الرجل الذي تريدينه إذا كان غير صالح .

فإن قال قائل : لو أصرت المرأة على أن لا تتزوج إلا هذا الرجل .
فالجواب : أنا لا نزوجها به و ليس علينا من إثمها شي ، نعم لو أن الإنسان خاف مفسدة وهو أن يحصل بينها وبين هذا الخاطب فتنة تنافي العفة ، وليس في الرجل شيء يمنع من تزويجها به شرعا ، فهنا نزوجها به درءاً لهذه المفسدة .

فضيلة الشيخ : ماذا تقولون في بعض الآباء الذين يأخذون المهر كاملا ولا يعطون البنت منه شيئا إلا النزر اليسير ، مع العلم أن بعض المهور قد تصل إلى مبالغ خيالية فقد تصل إلى مائة وخمسون ألف ريال ثم من أدرك أن هذا المهر الذي أخذه قهرا وبدون رضا ابنته ماذا يفعل بعد مضي مدة طويلة على الزواج .
في هذا السؤال أمران مهمان :
الأول : هل يجوز لولى المرأة أن يشترط لنفسه أو لغيره شيئا من المهر سواء كان الأب أم غيره ؟
الجواب:لا يجوز ذلك ، لأن الصداق كله للمرأة لقوله تعالى(وآتوا النساء صداقهن نحلة ) (النساء : 4) ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها ، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه ) (44) ولا فرق بين الأب وغيره في ذلك على القول الراجح إلا أنها إذا قبضته وتم ملكها له فللأب وحده أن يتملك منه ما شاء ما لم يضرها . أما بقية الأولياء فليس لهم حق التملك لكن إن أعطتهم الزوجة شيئا بسخاء وطيب نفس فهو لهم حلال .
الأمر الثاني : أن بعض المهور قد يصل إلى مبالغ خيالية وهذا خلاف السنة .ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( على كم تزوجتها ؟ ) قال : على أربع أواق . فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ) (45) وأربع الأواق مائة وستون درهما أي أقل من نصاب الزكاة ، والمغالاة في المهور سبب لنزع البركة من النكاح ، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة . ومتى حصلت المغالاة أصاب الزوج هم وغم لكثرة ما أنفق خصوصا إذا كان مدينا بذلك ، فكلما ورد على قلبه السرور بزوجته ثم تذكر ديونه التي عليه انقلب سروره حزنا وسعادته شقاء .
ثم لو قدر الله تعالى أن لا يتلاءم مع زوجته لم يسهل عليه فراقها ، وبقيت معه في عناء وشقاء ، بقيت معلقة لا زوجة و لا مطلقة . وإذا قدر أن تطلب منه الفسخ لم يسمح غالبا إلا برد مهره عليه ، فإذا كان كثيرا صعب على المرأة وأهلها الحصول عليه ألا بمشقة شديدة .لذلك ننصح إخواننا المسلمين من المغالاة في المهور والتفاخر بها حتى يسهل الزواج للشباب ، وتقل أسباب الفتن والله المستعان .

فضيلة الشيخ : من الأمور التي نود من فضيلتكم التنبيه إليها البطاقات التي يدعى بها الناس لحضور وليمة الزواج حيث يصل بعض أسعارها إلى سبعة ريالات ، فهل من تحذير منها خصوصا مع وجود البديل النافع مثل كتابة الدعوة على ظهر رسالة علمية ، كذلك غلاف شريط إسلامي ، أيضا استعمال ورقة مصورة بالألوان مكتوبة بخط جميل بالكمبيوتر لا تكلف شيئا يذكر ، فهل من دعوة للحد من هذا الإسراف ؟
إني أحث إخواني إلى ترك هذا الإسراف ، وأرى أن بذل المال الكثير لمجرد دعوة قد يجيب المدعو بها وقد لا يجيب ومآلها إلى رميها في الأرض فأقول : إن هذا من التبذير الواضح الذي نهى الله فقال ( و لا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) (الإسراء : 26- 27) . وأما فكرة أن تكون الدعوة في بطاقة ويكون في ظهرها كلمات مأثورة موجهة ونافعة فهذا طيب ، وليت هذا يفعل لكن تكون أوراقا عادية . والاقتراح الثاني أيضا أن يكون بصحبة البطاقة أشرطة مفيدة فهذا أيضا طيب وقد وقع هذا في بعض الدعوات رأينا كثيرا من الدعوات التي تعطى الناس يكون فيها أشرطة ، وهذا خير ونعين عليه أيضا بقدر ما نستطيع ، فلو أن الناس فعلوا ذلك لكانت هذه دعوة إلى الوليمة ودعوة إلى الشريعة فنجمع بين الحسنيين . وأما الثالث كون الدعوة أوراق مصورة فهذا أيضا طيب لا يكلف كثيرا وينفع .

فضيلة الشيخ : نسمع عن المبيت الواجب للزوجة فهل المقصود به بالفراش أم بالغرفة أم بالمنزل ؟
هذا يختلف باختلاف العادات، لأن الله تعالى قال:(عاشروهن بالمعروف)(النساء: 19) لكن قول الله تبارك وتعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع ) ( النساء : 34 ) يدل على أن تمام العشرة أن يكون الرجل مع زوجته في فراش واحد ، وهكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا بأس أحيانا أن ينام على سرير وحده أو في فراش وحده ، وإلا فالأصل أن يكون الرجل مع زوجته في فراش واحد .

هل عدة الزوجة تثبت بالخلوة أم بالجماع ؟ وهل إذا طلقها يسترجع المهر ؟
أما الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) (الأحزاب :49 ) فهذا يعني الجماع لكن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قالوا : ( إن الرجل إذا خلا بالمرأة ثم طلقها قبل أن يجامعها وجبت عليها العدة . والخلفاء الراشدون لهم سنة متبعة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا إذا فارقها في الحياة بطلاق أو غيره ، أما إن مات عنها فإن عليه العدة والإحداد و إن كان قبل الدخول والخلوة ، لعموم قوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ( البقرة : 234) . وأما المهر فإن طلقها قبل الدخول والخلوة فله أن يسترجع نصفه فقط ، وإن طلقها بعد الدخول أو الخلوة لم يسترجع منه شي . وإن مات عنها فلها المهر كاملا ، ولا حق للورثة فيه سواء كان موته قبل الدخول والخلوة أم بعدهما .

في بعض حفلات الزواج تقوم بعض النساء بتوزيع بعض الأشرطة والكتيبات التي تحمل في مادتها المواعظ فهل هذا مشروع ؟
هذا ليس مشروعا في حد ذاته لكنه محمود لغيره ، لأنه ربما لا يحصل اجتماع النساء في غير هذه المناسبة ، فتفريق الأشرطة والكتيبات عليهن في هذا الاجتماع حسن ومن وسائل الدعوة إلى الله عز وجل . لكن يجب أن تكون هذه الأشرطة والكتيبات صادرة عن علماء موثوقين في العلم والدين والمنهج .

فضيلة الشيخ : ما رأي فضيلتكم في إلقاء بعض المواعظ في مناسبات الزفاف ؟
المواعظ في مثل هذه الحال لا أعلمه مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن لو طلب من الإنسان العالم الذي يصغي الناس إلى حديثه ولا يستثقلونه في مثل هذا الاجتماع فالتحدث إليهم حينئذ بالموعظة والأحكام التي يحتاجونها حسن ولكن لا يطوِّل عليهم .وإذا رأى هو منكرا بنفسه فأنه يجب عيه أن يقوم ويعظ الناس ويحذرهم من هذا المنكر ، وكذلك إذا وجه إليه سؤال عن مسألة من المسائل فتكلم فيها واستطرد فهذا حسن لا بأس به إن شاء الله .

فضيلة الشيخ : ما رأي فضيلتكم فيما تفعله النساء من القيام بنشيد الزفاف ، وهل هذا من العورة ؟
الصوت المجرد ليس بعورة ، ولكن من المعلوم أنه إذا ارتفعت أصواتهن بهذه المناسبة ولا سيما إن كانت أصواتاً جميلة لذيذة على السمع والناس في نشوة العرس ، فإن هذا يخشى فيه من الفتنة العظيمة ، فكون الأصوات لا تخرج من بينهن أولى وأبعد عن الفتنة ، وأما ما يفعل بعض الناس اليوم بمكبرات الصوت على شرفات المبنى فيؤذي الناس بسماع الأصوات ويقلقهم فهذا منكر ينهى عنه . والحاصل : أن قيام النساء بالنشيد المناسب في هذه الحال لا بأس به إذا لم يكن معه عزف محرم .

فضيلة الشيخ : هل يجوز للنساء أن يرقصن في حفلات الزفاف لا سيما أنهن أمام النساء فقط ؟
الرقص مكروه ، وكنت في أول الأمر أتساهل فيه ولكن سئلت عدة أسئلة عن حوادث تقع في حال رقص المرأة ، فرأيت المنع منه ، لأن بعض الفتيات تكون رشيقة و جميلة ورقصها يفتن النساء بها حتى أنه بلغني أن بعض النساء إذا حصل مثل هذا تقوم تقبل المرأة التي ترقص وربما تضمها إلى صدرها ، ويحصل في هذا فتنة ظاهرة .

فضيلة الشيخ : ما رأيكم في لبس دبلة الخطوبة؟
دبلة الخطوبة عبارة عن خاتم ، والخاتم في الأصل ليس فيه شي إلا أن يصحبه اعتقاد كما يفعله بعض الناس ، يكتب اسمه في الخاتم الذي يعطيه مخطوبته ، وتكتب اسمها في الخاتم الذي تعطيه إياه ، زعما منهما أن ذلك يوجب الارتباط بين الزوجين ، ففي هذا الحال تكون هذه الدبلة محرمة ، لأنها تعلق بما لا أصل له شرعا ولا حسا ، كذلك أيضا لا يجوز في هذا الخاتم أن يتولى الخاطب إلباس مخطوبته ، لأنها لم تكن له زوجة بعد ، فهي أجنبية عنه إذ لا تكون زوجة إلا بالعقد .

فضيلة الشيخ : نعلم أن كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب لا يجوز ، لكن ما هو جوابكم ـ حفظكم الله ـ على حديث العروسة التي قدمت لخطيبها مشروبا كاشفة عن وجهها بحضور النبي صلى الله عليه وسلم مع العلم بأن الحديث في صحيح مسلم ؟
هذا الحديث وأمثاله مما ظاهره أن نساء الصحابة رضى الله عنهن يكشفن وجوههن ينزل على ما قبل الحجاب ، لأن الآيات الدالة على وجوب الحجاب للمرأة كانت متأخرة في السنة السادسة من الهجرة ، وكان النساء قبل ذلك لا يجب عليهن ستر وجوههن وأيديهن ، فكل النصوص التي ظاهرها جواز الكشف عند الأجانب محمولة على ما قبل نزول الحجاب .
ولكن قد ترد أحاديث فيها ما يدل على أنها بعد الحجاب ، فهذه هي التي تحتاج إلى جواب مثل : حديث المرأة الخثعمية التي جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم وكان الفضل بن العباس رديفا له في حجة الوداع ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر(46) ، فقد استدل بهذا من يرى أن المرأة يجوز لها كشف الوجه ، وهذا الحديث بلا شك من الأحاديث المتشابهة التي فيها احتمال الجواز واحتمال عدم الجواز . أما احتمال الجواز فظاهر ، وأما احتمال عدم الدلالة على الجواز فإننا نقول : هذه المرأة محرمة ، والمشروع في حق المحرمة أن يكون وجهها مكشوفا ، و لا نعلم أن أحد من الناس ينظر إليها سوى النبي صلى الله عليه وسلم والفضل بن العباس ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن الحافظ بن حجر رحمه الله ـ ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له من النظر إلى المرأة أو الخلوة بها ما لا يجوز لغيره . كما جاز له أن يتزوج المرأة بدون مهر ، وبدون ولي ، وأن يتزوج أكثر من أربع ، والله عز وجل ، قد فسح له بعض الشيء في هذه الأمور ، لأنه أكمل الناس عفة ، ولا يمكن أن يرد على النبي صلى الله عليه وسلم ما يرد على غيره من الناس من احتمال ما لا ينبغي أن يكون في حق ذوي المروءة .
وعلى هذا فإن القاعدة عند أهل العلم أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال ، فيكون هذا الحديث من المتشابه ، والواجب علينا في النصوص المتشابهة أن نردها إلى النصوص المحكمة الدالة دلالة واضحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها عند غير الزوج و المحارم ، وأن كشف المرأة وجهها من أسباب الفتنة والشر ، والأمر كما تعلمون ظاهر الآن في البلاد التي رخص للنساء فيها بكشف الوجوه ، فهل اقتصرت النساء اللاتي رخص لهن بكشف الوجوه على الوجه ؟ الجواب لا ، بل كشفن الوجه والرأس والرقبة والنحر والذراع و الساق والصدر أحيانا ، وعجز هؤلاء أن يمنعوا نساءهم مما يعترفون بأنه منكر ومحرم ، وإذا فتح باب الشر للناس فثق أنك إذا فتحت مصراعا فسوف يكون أبوابا كثيرة ، وإذا فتحت أدنى شي فسيتسع حتى لا يستطيع الراقع أن يرقعه ، فالنصوص الشرعية والمعقولات العقلية كلها تدل على وجوب ستر المرأة وجهها .
وإني لأعجب من قوم يقولون : إنه يجب على المرأة أن تستر قدمها ، ويجوز أن تكشف كفيها ، فأيهما أولى بالستر ؟ أليس الكفان لأن رقة الكف وحسن أصابع المرأة وأناملها في اليدين أشد جاذبية من ذلك في الرجلين .
وأعجب أيضا من قوم يقولون : إنه يجب على المرأة أن تستر قدميها ، ويجوز أن تكشف عن وجهها ، فأيهما أولى بالستر؟ هل من المعقول أن نقول:إن الشريعة الإسلامية الكاملة التي جاءت من لدن حكيم خبير توجب على المرأة أن تستر القدم ، وتبيح لها أن تكشف الوجه ؟
الجواب : أبدا هذا خلاف الحكمة ، لأن تعلق الرجال بالوجوه أكثر بكثير من تعلقهم بالأقدام ، ما أظن أحدا يقول للخطيب الذي أوصاه أن يخطب له امرأة : يا أخي ، ابحث عن قدميها أهي جميلة أو غير جميلة ، ويترك الوجه فهذا مستحيل ، بل أول ما يوصيه به هو البحث عن الوجه ، كيف الشفتان ، كيف العينان؟وهكذا أما أن يبحث عن القدم ويدع الوجه، فهذا مستحيل، فإذن محل الفتنة هو الوجه .
وكلمة ( عورة ) لا تعني أنه كالفرج يستحي من إخراجه أو من كشفه ، وإنما المعنى أنه يجب أن يستر ، لأنه يعور المرأة بالفتنة بالتعلق بها .
وإني لأعجب من قوم يقولون : إنه لا يجوز للمرأة أن تخرج ثلاث شعرات أو أقل من شعر رأسها ، ثم يقولون : يجوز أن تخرج الحواجب الرقيقة الجميلة والأهداب الظليلة السوداء ولا مانع من إظهارها ؟ ثم ليت الأمر يقتصر على إخراج هذا الجمال وهذه الزينة ، بل في الوقت الحاضر يجمل بشتى أنواع المكياج من أحمر وغيره .
أنا أعتقد أن أي إنسان يعرف مواضع الفتن ورغبات الرجال لا يمكنه إطلاقا أن يبيح كشف الوجه مع وجوب ستر القدمين ، وينسب ذلك إلى شريعة هي أكمل الشرائع وأحكمها .

ولهذا رأيت لبعض المتأخرين القول بأن علماء المسلمين اتفقوا على وجوب ستر الوجه لعظم الفتنة ، كما ذكره صاحب نيل الأوطار عن ابن رسلان قال : لأن الناس الآن عندهم ضعف إيمان ، والنساء عند كثير منهم عدم العفاف ، فكان الواجب أن يستر هذا الوجه حتى لو قلنا بإباحته ، فإن حال المسلمين اليوم تقتضي القول بوجوب ستره ، لأن المباح إذا كان وسيلة إلى محرم صار محرما تحريم الوسائل .
وإني لأعجب أيضا من دعاة السفور بأقلامهم وما يدعون إليه اليوم وكأنه أمر واجب تركه الناس ، فكيف نسوغ لأنفسنا أن ندعو إليه ونحن نرى عواقبه الوخيمة ؟
والإنسان يجب عليه أن يتقي الله قبل أن يتكلم بما يقتضيه النظر ، وهذه من المسائل التي تفوت كثيرا من طلبة العلم ، يكون عند الإنسان علم نظري ، ويحكم بما يقتضيه هذا العلم النظري دون أن يراعي أحوال الناس ونتائج القول .
وكان عمر رضي الله عنه أحيانا يمنع شي أباحه الشارع جلبا للمصلحة ، وكان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، أي أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بكلمة واحدة جعلوا ذلك واحدة ، أو بكلمات متعاقبات على ما اختار شيخ الإسلام ابن تميمة وهو الراجح ، فإن هذا الطلاق يعتبر واحدة ، لكن لما كثر هذا في الناس ، قال أمير المؤمنين عمر : إن الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم ، ومنعهم من مراجعة الزوجات لأنهم تعجلوا هذا الأمر وتعجله حرام .
أقول : حتى لو قلنا بإباحة كشف الوجه ، فأن الأمانة العلمية والرعاية المبنية على الأمانة تقتضي ألا نقول بجوازه في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن ، وأن نمنعه من باب تحريم الوسائل ، مع أن الذي يتبين من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن كشف الوجه محرم بالدليل الشرعي والدليل النظري ،وأن تحريم كشفه أولى من تحريم كشف القدم أو الساق أو نحو ذلك .

فضيلة الشيخ:ما رأي فضيلتكم فيمن تزوج من امرأة ثم أرغمه والده على تطليقها ، هل يستمسك بها فيعق أباه أم يطلقها دون أن تقترف ذنبا ؟
إذا طلب الوالد من ولده أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين :
الحالة الأولى : أن يبين الوالد سببا شرعيا يقتضي طلاقها وفراقها ، مثل أن يقول : طلق زوجتك ، لأنها مريبة في سلوكها ، كأن تغازل الرجال ، أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة، وما أشبه ذلك ، ففي هذه الحال يجيب والده ويطلقها ، لأنه لم يقل طلقها لهوى في نفسه ، ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنسا هذا الدنس .
الحالة الثانية : أن يقول الوالد للولد : طلق زوجتك لأن الابن يحبها ، فيغار الأب على محبة ولده لها والأم أكثر غيرة ، فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جدا ، حتى تكون زوجة ابنها كأنها ضرة لها ـ نسأل الله العافية ـ ففي هذه الحال لا يلزم الابن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه ، ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ، ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ، ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها .
وقد سئل الإمام احمد ـ رحمه الله ـ عن هذه المسألة بعينها ، فجاءه رجل فقال : إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي ؟ فقال له الإمام احمد : لا تطلقها . قال : أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك ؟ قال : وهل أبوك مثل عمر أو كلمة نحوها ؟
ولو احتج الأب على ابنه فقال:يا بني، إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره أبوه عمر بطلاقها، فيكون الرد مثل ذلك، ولكن ينبغي أن يتلطف في القول فيقول:عمر رأى شيئا تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله.

ابو ضاري
13-01-2011, 09:51
فضيلة الشيخ : ما الحكم إذا أراد الأب أن يزوج ابنه من امرأة غير صالحة ؟ وما الحكم إذا رفض أن يزوجه من امرأة صالحة ؟
الجواب مثل إجابة السؤال السابق أنه لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها سواء كان لعيب فيها : ديني أو خلقي ، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدونهن ، يقول : تزوجها لأنها ابنة أخي ، أو لأنها من قبيلتك، وغير ذلك ، فلا يلزم الابن أن يقبل ، ولا يجوز لوالده أن يجبره عليها .
وكذلك لو أراد أن يتزوج بامرأة صالحة ، ولكن الأب منعه ، فلا يلزم الابن طاعته ، فإذا رضى الابن زوجة صالحة ، وقال أبوه : لا تتزوج بها ، فله أن يتزوج بها ولو منعه أبوه، لأن الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شيء لا ضرر على أبيه فيه ، وللولد فيه منفعة ، ولو قلنا : إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شيء حتى ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب لحصل في هذا مفاسد ، ولكن في مثل هذه الحال ينبغي للابن أن يكون لبقا مع أبيه، وأن يداريه ما استطاع وأن يقنعه ما استطاع .

فضيلة الشيخ : اسمحوا لي أن أعرض لكم هنا بعض المخالفات التي تقع في بعض الزواجات راجيا تفضلكم ببسط الحديث حولها ، وهذه المخالفات هي كالتالي :
أولا : لبس بعض النساء للثياب التي خرجن بها عن المألوف في مجتمعنا معللات بأن لبسها إنما يكون بين النساء فقط ، وهذه الثياب فيها ما هو ضيق تتحدد من خلالها مفاتن الجسم ، ومنها ما يكون مفتوحا من أعلى بدرجة يظهر من خلالها جزء من الصدر أو الظهر ، ومنها ما يكون مشقوقا من الأسفل إلى الركبة أو قريب منها .
ثانيا : من الأخطاء الشائعة في بعض الزواجات ( الطق ) بمكبر الصوت والغناء من النساء والتصوير بالفيديو ، والأشد من ذلك الرجل المتزوج يقبل زوجته أمام النساء ، وعند إسداء النصح من الغيورين على محارم الله يجابهون بقولهم : إن الشيخ الفلاني أفتى بجواز(الطق ) فإذا كان هذا صحيحا نرجو من فضيلتكم إيضاح الحق للمسلمين ؟
أما بالنسبة للمخالفة الأولى فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:( صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )(47). فقوله صلى الله عليه وسلم :( كاسيات عاريات ) يعني أن عليهن كسوة لا تفي بالستر الواجب إما لقصرها أو خفتها أو ضيقها ، ولهذا روى الإمام احمد في مسنده بإسناد فيه لين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية ـ نوع من الثياب ـ فكسوتها امرأتي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مرها فلتجعل تحتها غلالة ، إني أخاف أن تصف حجم عظامها ) (48)
ومن ذلك فتح أعلى الصدر فإنه خلاف أمر الله تعالى ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) (النور:31 ) قال القرطبي في تفسيره : وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها ، ثم ذكر أثرا عن عائشة أن حفصة بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضى الله عنهما دخلت عليها بشي يشف عن عنقها وما هنالك فشقته عليها وقالت : إنما يضرب بالكثيف الذي يستر ، ومن ذلك ما يكون مشقوقا من الأسفل إذا لم يكن تحته شيء فإن كان تحته شيء ساتر فلا بأس إلا أن يكون على شكل ما يلبسه الرجال ، فيحرم من أجل التشبه بالرجال .
وعلى ولي المرأة أن يمنعها من كل لباس محرم ، ومن الخروج متبرجة أو متطيبة ، لأنه وليها فهو مسئول عنها يوم القيامة في يوم ( لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل شفاعة منها عدل ولا هم ينصرون ) ( البقرة :48 ) .
أما المخالفة الثانية : (فالطق ) في الدف أيام العرس جائز أو سنة إذا كان في ذلك إعلان النكاح ولكن بشروط :
الشرط الأول : أن يكون الضرب بالدف وهو ما يسمى عند بعض الناس بـ( الطار ) وهو المختوم من وجه واحد ، لأن المختوم من الوجهين يسمى ( الطبل ) وهو غير جائز ، لأنه من آلات العزف، والمعازف كلها حرام ، إلا ما دل الدليل على حلة وهو الدف حال أيام العرس .
الشرط الثاني : أن لا يصحبه محرم كالغناء الهابط المثير للشهوة ، فإن هذا ممنوع سواء كان معه دف أم لا ، وسواء كان في أيام العرس أم لا .
الشرط الثالث : أن لا يحصل بذلك فتنة كظهور الأصوات الجميلة ، فإن حصل بذلك فتنة كان ممنوعا .
الشرط الرابع : أن لا يكون في ذلك أذية على أحد ، فإن كان فيه أذية كان ممنوعا مثل أن تظهر الأصوات عبر مكبرات الصوت ، فإن في ذلك أذية على الجيران وغيرهم ممن ينزعج بهذه الأصوات ، ولا يخلو من فتنة أيضا ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلين أن يجهر بعضهم في القراءة لما في ذلك من التشويش والإيذاء ، فكيف بأصوات الدفوف والغناء .
وأما تصوير المشاهد بآلة التصوير فلا يشك عاقل في قبحه ، ولا يرضى عاقل فضلا عن المؤمن أن تلتقط صور محارمه من الأمهات والبنات والأخوات والزوجات وغيرهن لتكون سلعة تعرض لكل واحد ، أو ألعوبة يتمتع بالنظر إليها كل فاسق . وأقبح من ذلك تصوير المشهد بواسطة الفيديو لأنه يصور المشهد حيا بالمرأى والمسمع ، وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم ودين مستقيم ، ولا يتخيل أحد أن يستبيحه أحد عنده حياء وإيمان .
وأما الرقص من النساء فهو قبيح لا نفتي بجوازه لما بلغنا من الأحداث التي بين النساء بسببه ، وأما إن كان من الرجال فهو أقبح ، وهو من تشبه الرجال بالنساء ولا يخفى ما فيه ، وأما إن كان من الرجال والنساء مختلطين كما يفعله بعض السفهاء فهو أعظم وأقبح لما فيه من الاختلاط والفتنة العظيمة لا سيما وأن المناسبة مناسبة نكاح ونشوة عرس .
وأما ما ذكرته من أن الزوج يحضر مجمع النساء ويقبل زوجته أمامهن ، فإن تعجب فعجب أن يحدث مثل هذا من رجل أنعم عليه بنعمة الزواج فقابلها بهذا الفعل المنكر شرعا وعقلا ومروءة ، وكيف يمكنه أهل الزوجة من ذلك ، أفلا يخافون أن يشاهد هذا الرجل في مجتمع النساء من هي أجمل من زوجته وأبهى فتسقط زوجته من عينيه ويدور في رأسه من التفكير الشيء الكثير ، وتكون العاقبة بينه وبين عروسه غير حميدة .
وإنني في ختام جوابي هذا أنصح إخواني المسلمين من القيام بمثل هذه الأعمال السيئة، وأدعوهم إلى القيام بشكر الله على هذه النعمة وغيرها ، وأن يتبعوا طريق السلف الصالح فيقتصروا على ما جاءت به السنة ( ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) ( المائدة : 77) .



أسئلة خاصة بألعاب الأطفال
يوجد كثير من الألعاب والبرامج التعليمية الهادفة للطفل ، وغالبا هذه البرامج تسبق بالموسيقى أو ما يشبه بالموسيقى ، ولدينا نموذج من ذلك وهو الكتاب الناطق ، ونود أن تسمع معنا هذه النغمة وتعطينا رأيك ؟
هذا الذي سمعته تتقدمه موسيقى . والموسيقى من المعازف المحرمة الثابت تحريمها بما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير و الخمر والمعازف)(49)وعلى هذا فلا يجوز استعمالها إلا إذا حذفت هذه الموسيقى على أن ما سمعته من الحكايات لأصوات هذه الحيوانات غير مطابق لأصواتها في الواقع ، ولا يعطي التصور الكامل لمعرفة أصوات هذه الحيوانات ، لهذا أرى أن لا تستعمل وأن استعمالها حرام إذا بقيت الموسيقى وإن لم تبق فاستعمالها قليل الفائدة .
كثيرا من الألعاب يحوي صورا مرسومة باليد لذوات الأرواح ، والهدف منها غالبا التعليم مثل الموجودة في الكتاب الناطق ؟
الجواب : إذا كانت لتسلية الصغار فإن من أجاز اللعب للصغار يجيز مثل هذه الصور، وأما من منع هذه الصور فإنه لا يجيز ذلك على أن هذه الصور ليست مطابقة للصورة التي خلق الله عليها هذه المخلوقات المصورة كما يتضح مما هو أمامي . والخطب في هذا سهل .

إذا يا فضيلة الشيخ إذا كانت للصغار فلا مانع . إذا لماذا لا نقول للموسيقى التي في الألعاب والبرامج التعليمية الهادفة للطفل( الكتاب الناطق ) هي للصغار ونتساهل بها لأنها للصغار ؟
الجواب : لا نتساهل بها لأنها لم يرد لها نظير في السنة ، ولأن المعازف الوارد تحريمها عامة ، ولم يرد دليل على التخصيص ، ولأن الصبي إذا اعتاد اللهو والعزف كان ذلك سجية له وطبيعة .

هناك أنواع كثيرة من العرائس التي كانت تسميها عائشة رضي الله عنها البنات ، منها ما هو مصنوع من القطن ، وهو عبارة عن كيس مفصل برأس ويدين ورجلين ، ومنها ما يشبه الإنسان تماما وهو ما يباع في الأسواق ، ومنها ما يتكلم أو يبكي أو يمشي أو يحبو ، فما حكم صنع أو شراء مثل هذه الأنواع للبنات الصغار للتعليم والتسلية ؟
لجواب : أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل وإنما يوجد فيه شيء من الأعضاء والرأس ولكن لم تتبين فيه الخلقة فهذا لا شك في جوازه وأنه من جنس البنات اللاتي كانت عائشة رضي الله عنها تلعب بهن .
وأما إذا كان كامل الخلقة وكأنما تشاهد إنسانا ولا سيما إن كان له حركة أو صوت فإن في نفسي من جواز هذا شيئا ، لأنه يضاهي خلق الله تماما ، والظاهر أن اللعب التي كانت عائشة تلعب بهن ليست على هذا الوصف ، فاجتنابها أولى . ولكني لا أقطع بالتحريم ، لأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار في مثل هذه الأمور . فإن الصغير مجبول على اللعب والتسلي ، وليس مكلف بشي من العبادات حتى نقول إن وقته يضيع عليه لهوا وعبثا . وإذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذه فليقلع الرأس أو يحميه على النار حتى يلين ثم يضغطه حتى تزول معالمه .

هل هناك فرق بين أن يصنعها الأطفال أنفسهم وبين أن نصنعها نحن لهم أو نشتريها نحن لهم أو تهدى الألعاب ؟
الجواب : أنا أرى أن صنعها على وجه يضاهي خلق الله حرام ، لأن هذا من التصوير الذي لا شك في تحريمه ، لكن إذا جاءتنا من النصارى أو غيرهم من غير المسلمين فإن اقتناءها كما قلت أولا . لكن بالنسبة للشراء ينبغي أن نشتري أشياء أخرى ليست فيه صور كالدراجات أو السيارات أو الرافعات وما أشبهها .
أما مسألة القطن والذي ما تبين له صورة رغم ما هنالك من أنه أعضاء ورأس ورقبة ولكن ليس فيه عيون وأنف فما فيه بأس ، لأن هذا لا يضاهي لخلق الله .

ما حكم صنع ما يشبه هذه العرائس بمادة الصلصال ثم عجنها في الحال ؟
الجواب : كل من صنع شيئا يضاهي خلق الله فهو داخل في الحديث : ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصورين ...) (50)( أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) (51) لكن كما قلت إنه إذا لم تكن الصورة واضحة أي ليس فيها عين ولا أنف ولا فم ولا أصابع فهذه ليست صورة كاملة ولا مضاهية لخلق الله عز وجل .
عندما يلعب الأطفال مع بعضهم ، ويمثل الولد دور الأب وتمثل البنت دور الأم ، هل يقرون على ذلك أم يمنعون منه ؟ ولماذا ؟
الجواب : أنا أرى أنهم يمنعون منه ، لأنه قد يتدرج الطفل بهذا إلى أن ينام معها وسد الباب هنا أولى .

في القصص هناك بعض القصص الهدف منها تعليم أو تسلية الأطفال وتأخذ أشكالا مختلفة ، فبعضها يحكي واقع حيوانات تتكلم ، فمثلا لكي نعلم الطفل أن عاقبة الكذب وخيمة تحكي أن ثعلبا مثل دور طبيب حتى يكذب على الدجاجة ويخدعها ، ثم وقع الثعلب في حفرة بسبب كذبه فما رأيكم بهذا النوع ؟
الجواب : هذه أتوقف فيها ، لأنها إخراج لهذه الحيوانات عما خلقت عليه من كونها تتكلم وتعالج وتعاقب،وقد يقال إن المقصود ضرب المثل ، فأنا أتوقف فيه ما أقول فيها بشيء .

هناك نوع آخر من القصص أن الأم قد تحكي قصة لطفلها ممكنة الوقوع وإن لم تكن قد وقعت فنقول مثلا : إن هناك طفل اسمه حسن آذى جيرانه وصعد على جدارهم فوقع وانكسرت يده ، فما حكم مثل هذا النوع من القصص الذي قد يتعلم الطفل من خلاله بعض الفضائل والخصال الحميدة ، هل هي كذب ؟
الجواب : الظاهر أنها إذا قيلت على سبيل التمثيل بأن يقال : إن هناك طفل أو ولد أو ما أشبه بدون أن يعين اسم ويجعل كأنه أمر واقع أنه لا بأس به ، لأن هذا من باب التمثيل وليس أمرا واقعا ، وعلى كل حال فمثل هذا لا بأس به ، لأن فيه فائدة وليس فيه مضرة .

في مناهج التعليم في المدارس يطلب من الطفل أن يرسم صورة لذات روح ، أو يعطى مثلا بعض دجاجة ويقول له أكمل الباقي ، وأحيانا يطلب منه أن يقص هذه الصورة ويلزقها على الورق، أو يعطى صورة فيطلب منه تلوينها فما رأيكم في هذا ؟
الجواب : الذي أرى في هذا أنه حرام يجب منعه ، وأن المسئولين عن التعليم يلزمهم أداء الأمانة في هذا الباب ومنع هذه الأشياء . وإذا كانوا يريدون أن يتبينوا ذكاء الطالب بإمكانهم أن يقولوا اصنع صورة سيارة أو شجرة أو ما أشبه ذلك مما يحيط به علمه ، ويحصل بذلك معرفة مدى ذكائه وفطنته وتطبيقه للأمور ، وهذا مما ابتلى به الناس بواسطة الشيطان وإلا فلا فرق بلا شك في إجادة الرسم والتخطيط بين أن يخطط الإنسان صورة شجرة أو سيارة أو قصر أو إنسان ، فالذي أرى أنه يجب على المسئولين منع هذه الأشياء ، وإذا ابتلوا ولا بد فليصوروا حيوانا ليس له رأس .

هذه الصور التي في الكتب هل يلزم طمسها ؟ وهل قطع الرأس بوضع فاصل بينه وبين الجسم يزيل الحرمة ؟
الجواب : أرى أنه لا يلزم طمسها ، لأن في ذلك مشقة كبيرة ، ولأنها ـ أي هذه الكتب ـ ما قصد بها الصورة إنما قصد ما فيها من العلم ، ووضع خط ما بين الرقبة والجسم لا يغير الصورة عما هي عليه .
قد يرسب الطفل إذا ما رسم هذا الرسم في المدرسة أي قد لا يعطى درجة الرسم ثم يرسب؟ الجواب : إذا كان هذا فقد يكون الطالب مضطرا لهذا الشيء ، ويكون الإثم على من أمره وكلفه بذلك ، ولكني آمل من المسئولين أن لا يصل بهم الأمر إلى هذا الحد فيضطروا عباد الله إلى معصية الله .

هناك بعض رياض الأطفال من يقوم بتعليم الأطفال إلى سن الخامسة أو السادسة البنات مع الأولاد مختلطين ، ما هو السن المسموح به وكثيرا منها يقوم بمهنة التعليم فيها النساء للذكور والإناث ، فما رأيكم بهذا ، وإلى أي سن يسمح للمرأة أن تعلم الطفل ؟
الجواب : أرى في هذا أن يرفع إلى هيئة كبار العلماء للنظر فيه ، لأن هذا قد يفتح باب الاختلاط في المستقبل وعلى المدى البعيد ، أما من حيث اجتماع الأطفال بعضهم إلى بعض فهذا في الأصل لا بأس به ، لكن أخشى أن تكون هذه مخططات يقصد منها أن تكون سلّما لأمور أكبر منها فيما يظهر لي ، والعلم عند الله . ولهذا يجب أن يرفع شأن هذه المدارس إلى هيئة كبار العلماء للنظر فيها أو إلى جهات مسئولة تستطيع منعها بعد الدراسة .

هناك بعض المدارس فيها فصل بين الطلاب والطالبات لكن مدرسو الطلاب والطالبات نساء، فإلى أي سن يسمح للمرأة أن تعلم الذكر ؟
الجواب : هو كما قلت أنه يجب منع كل ما يحوم حول الاختلاط مهما كان أمره .



أسئلة في ملابس الأطفال
هناك كثير من ملابس الأطفال فيها صور لذوات الأرواح ، وبعض هذه الملابس مما يمتهن مثل الحذاء والملابس الداخلية للأطفال دون الثالثة ، ومنها ما لا يمتهن بل يحافظ عليها وعلى نظافتها ، فما حكم هذه الملابس ؟
الجواب : يقول أهل العلم : إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم إلباسه كبير ، وما كان فيه صور فإلباسه الكبير حرام . فيكون إلباسه الصغير حراما أيضا ، وهو كذلك . والذي ينبغي للمسلمين أن يقاطعوا مثل هذه الثياب وهذه الأحذية حتى لا يدخل علينا أهل الشر والفساد من هذه النواحي ، وهي إذا قوطعت فلن يجدوا سبيلا إلى إيصالها إلى هذه البلاد وتهوين أمرها بينهم .

هل يجوز لبس الأطفال الذكور مما يخص الإناث كالذهب والحرير أو غيره والعكس ؟
الجواب : هذه مفهومة من الجواب الأول ، قلت : إن العلماء يقولون إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم إلباسه البالغ ، وعلى هذا فيحرم إلباس الأطفال من الذكور ما يختص بالإناث وكذلك العكس .

هل يدخل تحت هذا إسبال الثياب للأطفال الذكور ؟
الجواب : نعم يدخل .

وما فيه تشبه للكفار وغيره كالقبعة والبنطلون ؟
الجواب : هذا باب آخر ، تشبه المسلمين بالكفار في اللباس أو غيره سواء كانوا ذكورا أو إناثا صغارا أو كبارا محرم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم ) (52)، ولأنه يجب أن يكون للمسلمين شخصية قوية تمنعهم من التبعية لغيرهم ، لأنهم الأعلون ودينهم هو الأعلى كما قال الله تعالى ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) (آل عمران : 139 ) وقال الله تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) ( التوبة : 33)

هل يجوز للأطفال ذكورا أم إناثا لبس الملابس القصيرة التي تبدي فخذيه ؟
الجواب : من المعلوم أن مادون سبع سنين لا حكم لعورته ، لكن تعويد الصبيان والأطفال هذه الألبسة الخالعة القصيرة لا شك أن سيهون عليهم كشف العورة في المستقبل ،
بل ربما لا يستحي الإنسان إذا كشف فخذه لأنه كان يكشفه صغيرا ولا يهتم به وحينئذ يكون نظر الناس إلى عوراتهم كنظرهم إلى وجوههم في عدم حرمتها والخجل منها ، فالذي أرى أن يمنع الأطفال وإن كانوا صغارا من مثل هذه الألبسة ، وأن يلبسوا لباس احتشام بعيد عن المحذور .

ما حكم ثقب إذن البنت من أجل أن تتحلى بالذهب كالخرص ؟ وهل في ذلك شي من المثلة والتعذيب كما قال بعض الفقهاء ؟
الجواب : الصحيح أنه لا بأس به ، لأن هذا من المقاصد التي يتوصل بها إلى التحلي المباح ، وقد ثبت أن نساء الصحابة كان لهن أقراط يلبسنها في آذانهن ، وهذا التعذيب يسير ، وإذا ثقبت في حال الصغر صار برؤه سريعا .

وهل ينطبق على هذا ثقب الأنف ؟
الجواب:نعم عند ما يرى أنه مكان للزينة .

ما حكم حلق شعر البنت عند الولادة أو بعد ذلك رغبة في إطالة شعرها وغزارته ؟ وهل يسن حلق شعرها عند الولادة كالذكور ؟
الجواب : حلق شعرها لا يسن في اليوم السابع كما يسن في حلق راس الذكر ، وأما حلقه للمصلحة التي ذكرت إذا صحت فإن أهل العلم يقولون : إن حلق الأنثى رأسها مكروه لكن قد يقال إنه إذا ثبت أن هذا مما يسبب نشاط الشعر ووفرته فإنه لا بأس به ، لآن المعروف أن المكروه تزيل كراهته الحاجة .

ما هو سن الطفل الذي تحتجب منه المرأة هل هو التمييز أم البلوغ ؟
الجواب : يقول الله تعالى في سياق من يباح إبداء الزينة لهم ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) ( النور : 31) ، والطفل إذا ظهر على عورة المرأة وصار ينظر إليها ويتحدث عنها كثيرا ، فإنه لا يجوز للمرأة أن تكشف أمامه . وهذا يختلف باختلاف الصبيان من حيث الغريزة وباختلاف الصبيان من حيث المجالسة ، لأن الصبي ربما يكون له شأن في النساء إذا كان يجلس إلى أناس يتحدثون بهن كثيرا ، ولولا هذا لكان غافلا لا يهتم بالنساء.
المهم أن الله حدد هذا الأمر بقوله( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) يعني أن هذا مما يحل للمرأة أن تبدى زينتها له إذا كان لا يظهر على العورة ولا يهتم بأمر النساء .

هل لمس ذكر الطفل لإزالة النجاسة ينقص الوضوء ؟
الجواب : لا ينقض الوضوء .

هل يجوز للأب أو الأم معاقبة الطفل بالضرب أو وضع شي مر أو حار في فمه كالفلفل إذا أرتكب خطأ ؟
الجواب: أما تأديبه بالضرب فإنه جائز إذا بلغ سنا يمكنه أن يتأدب منه وهو غالباً عشر سنين، وأما إعطاؤه الشيء الحار فإن هذا لا يجوز ، لأن هذا يؤثر عليه وقد ينشأ من ذلك حبوب تكون في فمه أو حرارة في معدته. ويحصل بهذا ضرر بخلاف الضرب فإنه على ظاهر الجسم فلا بأس به إذا كان يتأدب به ، وكان ضربا غير مبرح .

فيما دون العشر ؟
الجواب : فيما دون العشر ينظر فيه ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أباح الضرب لعشر على ترك الصلاة ، فينظر فيما دون العشر قد يكون الصبي الذي دون العشر عنده فهم وذكاء وكبر جسم يتحمل الضرب والتوبيخ والتأديب به ، وقد لا يكون .

هل هناك بأس على الأم والأب في تحفيظ طفلهم الصغير القرآن مع علمهما بأنه قد يقوم بقراءته في الحمام وقت قضاء الحاجة ، أو قراءته بطريقة لا تليق بالقرآن الكريم على الرغم من تكرار التنبيه على ذلك ؟
الجواب : نعم ينبغي للأم والأب أن يقرئا طفلهما القرآن الكريم ويحذراه من أن يقرأه في مثل هذه الأماكن التي لا ينبغي أن يقرأ فيها . وإذا حصل منهم شي من ذلك فإنهم غير مكلفين ـ أعني الأطفال ـ فليس عليهم أثم ، والوالد أو الوالدة إذا سمعه يقرأ في مكان لا يليق يتكلم عليه . ويبين أن هذا لا يجوز . وقد ثبت في صحيح البخاري أن عمرو بن سلمة الجرمى صار إماما وهو ابن ست أو سبع سنين ، وكان ذلك في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم .

إذا كان هناك ساحة ملحقة بالبيت يلعب بها الأطفال داخل سور البيت ، فهل ينطبق عليها حديث حبس الصبيان وقت المغرب لانتشار الشياطين أم أن ذلك ينطبق عل الشارع خارج البيت ؟
الجواب : الحديث إنما هو في الشارع خارج البيت ، وأما داخل البيت فلا بأس به .

هل يجب على المرأة وهي تصلي أن تمنع مرور طفلها الصغير بين يديها مع العلم أن ذلك يحصل منها مرارا أثناء الصلاة ، وتؤدي مدافعتها له إلى ذهاب الخشوع في الصلاة ، ولو أنها صلت بمفردها تخشى الضرر عليه ؟
الجواب : لا حرج عليها في هذه الحال أن تمكنه من أن يمر بين يديها إذا كان كثير المرور وتخشى فساد صلاتها بمدافعته كما قال بذلك أهل العلم رحمهم الله ـ ولكن ينبغي لها في هذه الحالة أن تعطيه شيئا يتلهى به ويكون حولها ، لأن الطفل إذا أعطي شيئا يتلهى به تلهى به عن غيره ، أما إذا كان تعلقه بأمه لجوع أو عطش فإن الأولى بها أن تؤخر الصلاة حتى تقضي نهمته ثم تقبل على صلاتها .
------------------------------------------------
(1) رواه البخاري ، كتاب اللباس ، باب المستوشمة رقم (5947) ، ومسلم ، كتاب اللباس ، باب تحريم فعل الواصلة رقم (2124)
(2) رواه مسلم كتاب اللباس ، باب النساء الكاسيات العاريات رقم (2128)
(3) رواه البخاري ، كتاب اللباس ، باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال رقم (5885)
(4) رواه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب في الجبة الشامية رقم (363) ، ومسلم ، كتاب الطهارة ، باب المسح على الخفين رقم (274)
(5) تقدم تخريجه
(6) رواه مسلم كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة رقم ( 1017)
(7) رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب ما يتقي من شؤم المرأة رقم (5096) ، ومسلم ، كتاب الرقاق ، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء رقم (2740)
(8) تقدم تخريجه
(9) تقدم تخريجه
(10) رواه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب من اكتتب في الجيش فخرجت امرأته حاجة رقم (3006) ومسلم ، كتاب الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره رقم (1341).
(11) تقدم تخريجه
(12) رواه أبو داوود ، كتاب اللباس ، باب في لبس الشهرة رقم (4031) .
(13) رواه مسلم كتاب اللباس، باب في صبغ الشعر وتغيير الشيب رقم (2102) .
(14) تقدم تخريجه
(15) رواه البخاري ، كتاب جزاء الصيد ، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة رقم (1838).
(16) تقدم تخريجه
(17) تقدم تخريجه
(18) رواه البخاري ، كتاب التفسير باب قوله:( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة) رقم (4686) ومسلم كتاب البر والصلة ، باب تحريم الظلم رقم (2583).
(19) تقدم تخريجه
(20) رواه البخاري ، كتاب الجمعة باب الجمعة في القرى والمدن رقم (893) .
(21) رواه أبو داوود، كتاب الترجل ، باب ما جاء في المرأة تتطيب للخروج رقم (4173) والترمذي ، كتاب الأدب ، باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة رقم (2786) والنسائي ، كتاب الزينة ، باب ما يكره للنساء من الطيب رقم (5126).
(22) تقدم تخريجه
(23) تقدم تخريجه
(24) رواه البخاري ، كتاب النكاح، باب لايخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم رقم (5232) ، ومسلم ، كتاب السلام ، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها رقم (2172).
(25) تقدم تخريجه
(26) تقدم تخريجه
(27) رواه البخاري ، كتاب الغسل ، باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها رقم (261) ومسلم ، كتاب الحيض ، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة رقم (321) .
(28) رواه مسلم ، كتاب الحيض ، باب تحريم النظر إلى العورات رقم ( 338).
(29) رواه مسلم ، كتاب الطلاق ، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ولا سكني رقم (1480).
(30) رواه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب تسوية الصفوف وإقامتها رقم (440).
(31) تقدم تخريجه
(32) تقدم تخريجه
(33) رواه مسلم، كتاب الصلاة ، باب خروج النساء إلى المساجد رقم ( 443) .
(34) تقدم تخريجه
(35) رواه البخاري ، كتاب الآذان ، باب صلاة الليل رقم ( 731) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين ، باب استحباب صلاة النافلة في بيته رقم (781) .
(36) رواه أبو داوود ، كتاب النكاح ، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء رقم ( 2050) والنسائي ، كتاب النكاح باب كراهية تزويج العقيم رقم ( 3227).
(37) رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب الأكفاء في الدين رقم (5090)، ومسلم كتاب النكاح ، باب استحباب نكاح ذات الدين رقم(1466)
(38) رواه الترمذي ، كتاب النكاح ، باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه رقم ( 1085) وابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب الأكفاء رقم (1967).
(39) رواه ابو داوود ، كتاب النكاح ، باب في جامع النكاح رقم ( 2160) وابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب ما يقول الرجل إذا دخلت عليه أهله رقم ( 1918).
(40) رواه البخاري كتاب الوضوء ، باب التسمية على كل حال رقم (141) . ومسلم كتاب النكاح ، باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع رقم (1434).
(41) رواه ابو داوود،كتاب الغسل ، باب إذا التقى الختانان رقم ( 291) ومسلم ، كتاب الحيض ، باب نسخ الماء من الماء رقم (348).
(42) رواه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام رقم ( 560).
(43) رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب لا ينكح الأب وغيره البكر رقم (5136) ومسلم ، كتاب النكاح ، باب استئذان الثيب في النكاح رقم (1419 - 1421).
(44) رواه أبو داوود، كتاب النكاح ، باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينفذها شيئاً رقم (2129) والنسائي ، كتاب النكاح ، باب التزوج على نواة من ذهب رقم (3353) .
(45) رواه مسلم كتاب النكاح ، باب النظر إلى المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها رقم (1424).
(46) رواه البخاري ، كتاب الحج ، باب وجوب الحج وفضله رقم (1513) ومسلم ، كتاب الحج ، باب الحج عن العاجز رقم (1334).
(47) تقدم تخريجه
(48) المسند (5/205)
(49) رواه البخاري ، كتاب الأشربة ، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر رقم (5590).
(50) رواه البخاري ، كتاب الطلاق ، باب مهر البغي رقم (5347).
(51) رواه البخاري ، كتاب اللباس ، باب عذاب المصورين يوم القيامة رقم (5950). ومسلم كتاب اللباس ، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة رقم (2109)
(52) تقدم تخريجه

ابو ضاري
22-01-2011, 11:47
عقيدتنـــا






عقيدتنا: الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
فنؤمن بربوبية الله تعالى، أي بأنّه الرب الخالق الملك المدبِّر لجميع الأمور.
ونؤمن بأُلوهية الله تعالى، أي بأنّه الإِله الحق وكل معبود سواه باطل.
ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأنه له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا.
ونؤمن بوحدانيته في ذلك، أي بأنه لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {رَّبُّ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65].
ونؤمن بأنه {اللَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَـوَاتِ وَالاَْرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255].
ونؤمن بأنّه {هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَـنَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَـالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الحشر: 22ـ24].
ونؤمن بأنّ له ملك السموات والأرض {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [الشورى: 49، 50].
ونؤمن بأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَهُ مقاليد السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } [الشورى: 11، 12].
ونؤمن بأنه {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الاَْرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } [هود: 6].
ونؤمن بأنه {عِنـدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـتِ الاَْرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـبٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 59].
ونؤمن بأن الله {عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الاَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } [لقمان: 34].
ونؤمن بأن الله يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } [النساء: 164] {وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَـتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] {وَنَـدَيْنَـهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الاَْيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [مريم: 52].
ونؤمن بأنّه {لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَـاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـتُ رَبِّى} [الكهف: 109] {وَلَوْ أَنَّمَا فِى الاَْرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [لقمان: 27].
ونؤمن بأن كلماته أتم الكلمات صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام، وحسناً في الحديث، قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام: 115]. وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً } [النساء: 87].
ونؤمن بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى تكلَّم به حقًّا وألقاه إلى جبريل، فنزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلّم {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَـلَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَْمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ } [الشعراء: 192 ـ 195].
ونؤمن بأن الله عز وجل عليّ على خلقه بذاته وصفاته لقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255] وقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 18].
ونؤمن بأنه {خَلَقَ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاَْمْرَ} [يونس: 3]. واستواؤه على العرش: علوه عليه بذاته علوًّا خاصاً يليق بجلاله وعظمته لايعلم كيفيته إلا هو.
ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه وهو على عرشه، يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويدبِّر أمورهم، يرزق الفقير ويجبر الكسير، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير. ومن كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة، وإن كان فوقهم على عرشه حقيقة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11].
ولا نقول كما تقول الحلولية من الجهمية وغيرهم: إنه مع خلقه في الأرض، ونرى أن من قال ذلك فهو كافر أو ضال؛ لأنه وصف الله بما لا يليق به من النقائص.
ونؤمن بما أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلّم أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: «من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟».(1)
ونؤمن بأنه سبحانه وتعالى يأتي يوم المعاد للفصل بين العباد لقوله تعالى: {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الاَْرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَـنُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } [الفجر: 21 ـ 23].
ونؤمن بأنه تعالى {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107].
ونؤمن بأن إرادته - تعالى- نوعان:
كونية يقع بها مراده ولا يلزم أن يكون محبوباً له، وهي التي بمعنى المشيئة كقوله تعالى: {وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [البقرة: 253] {إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ} [هود: 34].
وشرعية: لا يلزم بها وقوع المراد ولا يكون المراد فيها إلا محبوباً له كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27].
ونؤمن بأن مراده الكوني والشرعي تابع لحكمته؛ فكل ما قضاه كوناً أو تعبد به خلقه شرعاً فإنه لحكمة وعلى وفق الحكمة، سواء علمنا منها ما نعلم أو تقاصرت عقولنا عن ذلك {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَـكِمِينَ } [التين: 8] {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة: 50].
ونؤمن بأن الله تعالى يحب أولياءه وهم يحبونه {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] {فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّـبِرِينَ } [آل عمران: 146] {وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات: 9] {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 195].
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى ما شرعه من الأعمال والأقوال ويكره ما نهى عنه منها {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]. {وَلَـكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَـعِدِينَ } [التوبة: 46].
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات {رِّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ } [البينة: 8].
ونؤمن بأن الله تعالى يغضب على من يستحق الغضب من الكافرين وغيرهم {الظَّآنِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 6] {وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النحل: 106].
ونؤمن بأن لله تعالى وجهاً موصوفاً بالجلال والإكرام {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإِكْرَامِ } [الرحمن:27].
ونؤمن بأن لله تعالى يدين كريمتين عظيمتين {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} [المائدة: 64] {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاَْرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّـاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَـنَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر: 67].
ونؤمن بأن لله تعالى عينين اثنتين حقيقيتين لقوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37] وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سَبَحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».(2)
وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلّم في الدجال: «إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور».(3)
ونؤمن بأن الله تعالى {لاَّ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَـارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَـارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 103].
ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربَّهم يوم القيامة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22، 23].
ونؤمن بأن الله تعالى لا مثل له لكمال صفاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11].
ونؤمن بأنه {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البقرة: 255] لكمال حياته وقيوميته.
ونؤمن بأنه لا يظلم أحداً لكمال عدله، وبأنه ليس بغافل عن أعمال عباده لكمال رقابته وإحاطته.
ونؤمن بأنه لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض لكمال علمه وقدرته {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82].
وبأنه لا يلحقه تعب ولا إعياء لكمال قوته {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَـاوَاتِ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق: 38] أي من تعب ولا إعياء.
ونؤمن بثبوت كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلّم من الأسماء والصفات لكننا نتبرأ من محذورين عظيمين هما:
التمثيل: أن يقول بقلبه أو لسانه: صفات الله تعالى كصفات المخلوقين.
والتكييف: أن يقول بقلبه أو لسانه: كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا.
ونؤمن بانتفاء كل ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلّم، وأن ذلك النفي يتضمن إثباتاً لكمال ضده، ونسكت عما سكت الله عنه ورسوله.
ونرى أن السير على هذا الطريق فرض لابد منه، وذلك لأن ما أثبته الله لنفسه أو نفاه عنها سبحانه فهو خبرٌ أخبر الله به عن نفسه، وهو سبحانه أعلم بنفسه وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً، والعباد لايحيطون به علماً.
وما أثبته له رسوله أو نفاه عنه فهو خبرٌ أخبر به عنه، وهو أعلم الناس بربِّه وأنصح الخلق وأصدقهم وأفصحهم.
ففي كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم كمال العلم والصدق والبيان؛ فلا عذر في ردِّه أو التردد في قبوله.


* * *

فصـــل
وكل ما ذكرناه من صفات الله تعالى تفصيلاً أو إجمالاً، إثباتاً أو نفياً؛ فإننا في ذلك على كتاب ربِّنا وسُنَّةِ نبينا معتمدون، وعلى ما سار عليه سلف الأُمَّة وأئمة الهدى من بعدهم سائرون.
ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب والسُنّة في ذلك على ظاهرها، وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عزّ وجل.
ونتبرَّأ من طريق المحرّفين لها الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله.
ومن طريق المعطّلين لها الذين عطَّلوها عن مدلولها الذي أراده الله ورسوله.
ومن طريق الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل أو تكلفوا لمدلولها التكييف.
ونعلم علم اليقين أنّ ما جاء في كتاب الله تعالى أو سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلّم فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً لقوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفاً كَثِيراً } [النساء: 82]، ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم.
ومن ادّعى أن في كتاب الله تعالى أو في سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم أو بينهما تناقضاً فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه؛ فليتب إلى الله تعالى ولينزع عن غيّه.
ومن توهم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم أو بينهما، فذلك إمّا لقلّة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر، فليبحث عن العلم وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق، فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه، وليكفَّ عن توهمه، وليقل كما يقول الراسخون في العلم {ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] وليعلم أن الكتاب والسُنَّة لا تناقض فيهما ولا بينهما ولا اختلاف.


* * *

فصــــل
ونؤمن بملائكة الله تعالى وأنهم {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [الأنبياء: 26، 27].
خلقهم الله تعالى من نور فقاموا بعبادته وانقادوا لطاعته {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 19، 20]. حجبهم الله عنا فلا نراهم، وربما كشفهم لبعض عباده، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلّم جبريل على صورته له ستمائة جناح قد سدّ الأفق (4) ، وتمثل جبريل لمريم بشراً سوياً فخاطبته وخاطبها، وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وعنده الصحابة بصورة رجل لا يُعرف ولا يُرى عليه أثر السفر، شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلّم، ووضع كفيه على فخذيه، وخاطب النبي صلى الله عليه وسلّم، وخاطبه النبي صلى الله عليه وسلّم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه أنّه جبريل.(5)
ونؤمن بأنّ للملائكة أعمالاً كلفوا بها، فمنهم جبريل الموكل بالوحي، ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله.
ومنهم ميكائيل: الموكل بالمطر والنبات.
ومنهم إسرافيل: الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور.
ومنهم ملك الموت: الموكل بقبض الأرواح عند الموت.
ومنهم ملك الجبال: الموكل بها.
ومنهم مالك: خازن النار.
ومنهم ملائكة موكلون بالأجنّة في الأرحام، وآخرون موكلون بحفظ بني آدم، وآخرون موكلون بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 17، 18]. وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه، يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فـ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الاَْخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّـلِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ } [إبراهيم: 27].
ومنهم الملائكة الموكلون بأهل الجنة {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [الرعد: 23، 24].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلّم أن البيت المعمور في السماء يدخله ـ وفي رواية يصلي فيه ـ كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.(6)


* * *

فصـــــل
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل على رسله كتباً حجّة على العالمين ومحجة للعاملين يعلِّمونهم بها الحكمةَ ويزكُّونهم.
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل مع كل رسول كتاباً لقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].
ونعلم من هذه الكتب :
أ ـ التوراة: التي أنزلها الله تعالى على موسى صلى الله عليه وسلّم، وهي أعظم كتب بني إسرائيل {فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالاَْحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَـابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ} [المائدة: 44].
ب ـ الإِنجيل: الذي أنزله الله تعالى على عيسى صلى الله عليه وسلّم، وهو مصدق للتوراة ومتمم لها {وَءَاتَيْنَـهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 46] {وَلاُِحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50].
جـ ـ الزبور: الذي آتاه الله تعالى داود صلى الله عليه وسلّم.
د ـ صحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام.
هـ ـ القرآن العظيم: الذي أنزله الله على نبيه محمد خاتم النبيين {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] فكان {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة: 48] فنسخ الله به جميع الكتب السابقة وتكفّل بحفظه عن عبث العابثين وزيغ المحرفين {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـفِظُونَ } [الحجر: 9] لأنه سيبقى حجّة على الناس أجمعين إلى يوم القيامة.
أما الكتب السابقة فإنها مؤقتة بأمد ينتهي بنزول ما ينسخها ويبيِّن ما حصل فيها من تحريف وتغيير؛ ولهذا لم تكن معصومة منه، فقد وقع فيها التحريف والزيادة والنقص.
{مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46].
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79].
{قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَـابَ الَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراَطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} [الأنعام: 91].
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَـابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ اللَّهُ الْكِتَـابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّى مِن دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 78، 79].
{يَـأَهْلَ الْكِتَـابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَـابِ} إلى قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 15، 17].


* * *

فصـــل
ونؤمن بأن الله تعالى بعث إلى الناس رسلاً {مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } [النساء: 165].
ونؤمن بأن أولهم نوح وآخرهم محمد، صلى الله عليهم وسلم أجمعين {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [النساء: 163] {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
وأن أفضلهم محمد ثم إبراهيم ثم موسى ثم نوح وعيسى ابن مريم، وهم المخصوصون في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقًا غَلِيظاً } [الأحزاب: 7].
ونعتقد أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلّم حاوية لفضائل شرائع هؤلاء الرسل المخصوصين بالفضل لقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} [الشورى: 13].
ونؤمن بأن جميع الرسل بشر مخلوقون، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء، قال الله تعالى عن نوح وهو أولهم: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ} [هود: 31] وأمر الله تعالى محمداً وهو آخرهم أن يقول: {لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ} [الأنعام: 50] وأن يقول: {لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ} [الأعراف: 188] وأن يقول: {إِنِّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً * قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } [الجن: 21، 22].
ونؤمن بأنهم عبيد من عباد الله أكرمهم الله تعالى بالرسالة، ووصفهم بالعبودية في أعلى مقاماتهم وفي سياق الثناء عليهم، فقال في أولهم نوح: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } [الإِسراء: 3] وقال في آخرهم محمد صلى الله عليه وسلّم: {تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـلَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1]، وقال في رسل آخرين: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَهِيمَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الاَْيْدِى وَالاَْبْصَـرِ } [ص: 45] {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 17] {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَـنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 30]، وقال في عيسى ابن مريم: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَـهُ مَثَلاً لِّبَنِى إِسْرَءِيلَ } [الزخرف: 59].
ونؤمن بأن الله تعالى ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم وأرسله إلى جميع الناس لقوله تعالى: {قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَـَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىِّ الأُمِّىِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَـتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [الأعراف: 158].
ونؤمن بأن شريعته صلى الله عليه وسلّم هي دين الإِسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، وأن الله تعالى لا يقبل من أحد ديناً سواه لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام} [آل عمران: 19]، وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} [المائدة: 3] وقوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخرة مِنَ الخاسرين } [آل عمران: 85].
ونرى أن من زعم اليوم ديناً قائماً مقبولاً عند الله سوى دين الإِسلام، من دين اليهودية أو النصرانية أو غيرهما، فهو كافر، ثم إن كان أصله مسلماً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً لأنه مكذب للقرآن.
ونرى أن من كفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم إلى الناس جميعاً فقد كفر بجميع الرسل، حتى برسوله الذي يزعم أنه مؤمن به متبع له، لقوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } [الشعراء: 105] فجعلهم مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يسبق نوحاً رسول. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَـفِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } [النساء: 150، 151].
ونؤمن بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن ادّعى النبوة بعده أو صدَّق من ادّعاها فهو كافر؛ لأنّه مكذب للكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
ونؤمن بأن للنبي صلى الله عليه وسلّم خلفاء راشدين خلفوه في أمته علماً ودعوة وولاية على المؤمنين، وبأن أفضلهم وأحقهم بالخلافة أبوبكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا كانوا في الخلافة قدراً كما كانوا في الفضيلة شرعاً، وما كان الله تعالى ـ وله الحكمة البالغة ـ ليولي على خير القرون رجلاً، وفيهم من هو خير منه وأجدر بالخلافة.
ونؤمن بأن المفضول من هؤلاء قد يتميز بخصيصة يفوق فيها من هو أفضل منه، لكنه لا يستحق بها الفضل المطلق على مَنْ فَضَلَه، لأن موجبات الفضل كثيرة متنوعة.
ونؤمن بأن هذه الأمة خير الأمم وأكرمها على الله عز وجل، لقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
ونؤمن بأن خير هذه الأمة الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم، وبأنّه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرّهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمرُ الله عز وجل.
ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن، فقد صدر عن تأويل اجتهدوا فيه، فمن كان منهم مصيباً كان له أجران، ومن كان منهم مخطئاً فله أجر واحد وخطؤه مغفور له.
ونرى أنّه يجب أن نكف عن مساوئهم، فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل، وأن نطهّر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم، لقوله تعالى فيهم: {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَـاتَلَ أُوْلَـئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَـاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]، وقول الله تعالى فينا: {وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَنِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمان وَلاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [الحشر: 10].


* * *

فصـــــل
ونؤمن باليوم الآخر وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده، حين يبعث الناس أحياء للبقاء إمّا في دار النعيم وإمّا في دار العذاب الأليم.
فنؤمن بالبعث وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية {وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّمَـوَتِ وَمَن في الاَْرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68].
فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، حفاة بلا نعال، عراة بلا ثياب، غرلاً بلا ختان {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَـعِلِينَ } [الأنبياء: 104].
ونؤمن بصحائف الأعمال تعطى باليمين أو من وراء الظهور بالشمال {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً } [الانشقاق: 7 ـ 12] {وَكُلَّ إِنْسَـانٍ أَلْزَمْنَـاهُ طَـائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ كِتَابًا يَلْقَـاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كَتَـابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [الإِسراء: 13، 14].
ونؤمن بالموازين تُوضع يوم القيامة فلا تُظلم نفسٌ شيئاً {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8]. {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولئك الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ في جَهَنَّمَ خَـلِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 102 ـ 104] {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [الأنعام: 160].
ونؤمن بالشفاعة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خاصة، يشفع عند الله تعالى بإذنه ليقضي بين عباده، حين يصيبهم من الهمِّ والكرب ما لا يُطيقون فيذهبون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى حتى تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم.(7)
ونؤمن بالشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أن يخرجوا منها، وهي للنبي صلى الله عليه وسلّم وغيره من النبيين والمؤمنين والملائكة، وبأن الله تعالى يُخرج من النار أقواماً من المؤمنين بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته.(8)
ونؤمن بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء حسناً وكثرةً، يرده المؤمنون من أُمّته، من شرب منه لم يظمأ بعد ذلك.(9)
ونؤمن بالصراط المنصوب على جهنم، يمرُّ الناس عليه على قدر أعمالهم، فيمر أولهم كالبرق ثم كمرِّ الريح ثم كمرِّ الطير وأشد الرجال، والنبي صلى الله عليه وسلّم قائم على الصراط يقول: يا رب سلّم سلّم. حتى تعجز أعمال العباد، فيأتي من يزحف، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة، تأخذ من أُمِرَتْ بِهِ؛ فمخدوش ناجٍ ومكردس في النار.(10)
ونؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة من أخبار ذلك اليوم وأهواله ـ أعاننا الله عليها ويسرها علينا بمنه وكرمه.
ونؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلّم لأهل الجنة أن يدخلوها. وهي للنبي صلى الله عليه وسلّم خاصة.
ونؤمن بالجنّة والنار، فالجنّة: دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين، فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِي لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17].
والنار: دار العذاب التي أعدَّها الله تعالى للكافرين الظالمين، فيها من العذاب والنكال ما لا يخطر على البال {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف: 29].
وهما موجودتان الآن ولن تفنيا أبد الآبدين {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـلِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّـتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَـرُ خَـلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً } [الطلاق: 11].
{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَـفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَـلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يلَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ } [الأحزاب: 64 ـ 66].
ونشهد بالجنّة لكل من شهد له الكتاب والسنة بالعين أو بالوصف.
فمن الشهادة بالعين: الشهادة لأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، ونحوهم ممن عيّنهم النبي صلى الله عليه وسلّم.
ومن الشهادة بالوصف: الشهادة لكل مؤمن أو تقي.
ونشهد بالنار لكل من شهد له الكتاب والسنة بالعين أو بالوصف.
فمن الشهادة بالعين: الشهادة لأبي لهب وعمرو بن لحي الخزاعي ونحوهما.
ومن الشهادة بالوصف: الشهادة لكل كافرٍ أو مشركٍ شركاً أكبر أو منافق.
ونؤمن بفتنة القبر: وهي سؤال الميت في قبره عن ربِّه ودينه ونبيه فـ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الاَْخِرَةِ} [إبراهيم: 27] فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإِسلام، ونبيِّي محمد، وأمّا الكافر والمنافق فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
ونؤمن بنعيم القبر للمؤمنين {الَّذِينَ تَتَوَفَّـاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل: 32].
ونؤمن بعذاب القبر للظالمين الكافرين {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّـلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَـتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأنعام: 93].
والأحاديث في هذا كثيرة معلومة، فعلى المؤمن أن يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسُّنَّة من هذه الأمور الغيبيَّة، وألا يعارضها بما يشاهد في الدنيا، فإن أمور الآخرة لا تُقاس بأمور الدنيا لظهور الفرق الكبير بينهما، والله المستعان.


* * *

فصـــــل
ونؤمن بالقدر: خيره وشرّه، وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته.
وللقدر أربع مراتب:
المرتبة الأولى: العلم، فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيء عليم، علم ما كان وما يكون وكيف يكون بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يتجدد له علم بعد جهل، ولا يلحقه نسيان بعد علم.
المرتبة الثانية: الكتابة، فنؤمن بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَآءِ والأرض إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [الحج: 70].
المرتبة الثالثة: المشيئة، فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السموات والأرض، لا يكون شيء إلا بمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن.
المرتبة الرابعة: الخلق، فتؤمن بأن الله تعالى {خَـالِقُ كُـلِّ شيء وَهُوَ عَلَى كُل شيء وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ} [الزمر: 62، 63].
وهذه المراتب الأربع شاملة لما يكون من الله تعالى نفسه ولما يكون من العباد، فكل ما يقوم به العباد من أقوال أو أفعال أو تروك فهي معلومة لله تعالى مكتوبة عنده، والله تعالى قد شاءها وخلقها {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـلَمِينَ } [التكوير: 28، 29] {وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [البقرة: 253] {وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [الأنعام: 137] {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 96].
ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختياراً وقدرة بهما يكون الفعل.
والدليل على أن فعل العبد باختياره وقدرته أمور:
الأول: قوله تعالى: {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وقوله: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46] فأثبت للعبد إتياناً بمشيئته وإعداداً بإرادته.
الثاني: توجيه الأمر والنهي إلى العبد، ولو لم يكن له اختيار وقدرة لكان توجيه ذلك إليه من التكليف بما لا يطاق، وهو أمر تأباه حكمة الله تعالى ورحمته وخبره الصادق في قوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
الثالث: مدح المحسن على إحسانه وذم المسيء على إساءته، وإثابة كل منهما بما يستحق، ولولا أن الفعل يقع بإرادة العبد واختياره لكان مدح المحسن عبثاً، وعقوبة المسيء ظلماً، والله تعالى منزّه عن العبث والظلم.
الرابع: أن الله تعالى أرسل الرسل {مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره، ما بطلت حجّته بإرسال الرسل.
الخامس: أن كل فاعل يحسُّ أنّه يفعل الشيء أو يتركه بدون أي شعور بإكراه، فهو يقوم ويقعد، ويدخل ويخرج، ويسافر ويقيم بمحض إرادته، ولا يشعر بأن أحداً يكرهه على ذلك، بل يفرّق تفريقاً واقعياً بين أن يفعل الشيء باختياره وبين أن يكرهه عليه مكرِه. وكذلك فرّق الشرع بينهما تفريقاً حكمياً، فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرهاً عليه فيما يتعلق بحق الله تعالى.
ونرى أنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره، من غير أن يعلم أن الله تعالى قدّرها عليه، إذ لا يعلم أحد قدر الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان: 34] فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتجّ بها حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه، وقد أبطل الله تعالى هذه الحجة بقوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ أبَآؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شيء كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ } [الأنعام: 148].
ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لماذا لم تقدم على الطاعة مقدراً أنّ الله تعالى قد كتبها لك، فإنه لا فرق بينها وبين المعصية في الجهل بالمقدور قبل صدور الفعل منك؟ ولهذا لمّا أخبر النبي صلى الله عليه وسلّم الصحابة بأن كل واحد قد كُتِبَ مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا: أفلا نتكل وندع العمل؟ قال: «لا، اعملوا فكلٌّ ميسّر لما خُلِقَ له».(11)
ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لو كنت تريد السفر لمكة وكان لها طريقان، أخبرك الصادق أن أحدهما مخوف صعب والثاني آمن سهل، فإنك ستسلك الثاني ولا يمكن أن تسلك الأول وتقول: إنه مقدر عليَّ؛ ولو فعلت لعدّك الناس في قسم المجانين.
ونقول له أيضاً: لو عرض عليك وظيفتان إحداهما ذات مرتب أكثر، فإنك سوف تعمل فيها دون الناقصة، فكيف تختار لنفسك في عمل الآخرة ما هو الأدنى ثم تحتجّ بالقدر؟
ونقول له أيضاً: نراك إذا أصبت بمرض جسمي طرقت باب كل طبيب لعلاجك، وصبرت على ما ينالك من ألم عملية الجراحة وعلى مرارة الدواء. فلماذا لا تفعل مثل ذلك في مرض قلبك بالمعاصي؟
ونؤمن بأنّ الشر لا ينسب إلى الله تعالى لكمال رحمته وحكمته، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «والشر ليس إليك» رواه مسلم (12). فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شر أبداً، لأنّه صادر عن رحمة وحكمة، وإنّما يكون الشرُّ في مقضياته، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم في دعاء القنوت الذي علّمه الحسن: «وقني شر ما قضيت» (13). فأضاف الشر إلى ما قضاه، ومع هذا فإنّ الشر في المقضيات ليس شراً خالصاً محضاً، بل هو شر في محله من وجه، خير من وجه، أو شر في محله، خير في محل آخر.
فالفساد في الأرض من: الجدب والمرض والفقر والخوف شر، لكنه خير في محل آخر. قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الروم: 41].
وقطع يد السارق ورجم الزاني شر بالنسبة للسارق والزاني في قطع اليد وإزهاق النفس، لكنه خير لهما من وجه آخر، حيث يكون كفارة لهما فلا يجمع لهما بين عقوبتي الدنيا والآخرة، وهو أيضاً خير في محل آخر، حيث إن فيه حماية الأموال والأعراض والأنساب.


* * *

فصـــــل
هذه العقيدة السامية المتضمنة لهذه الأصول العظيمة تثمر لمعتقدها ثمرات جليلة كثيرة.
فالإِيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نهيه، والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع {مَنْ عَمِلَ صَـالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل: 97].
ومن ثمرات الإِيمان بالملائكة:
أولاً: العلم بعظمة خالقهم تبارك وتعالى وقوته وسلطانه.
ثانياً: شكره تعالى على عنايته بعباده، حيث وكلّ بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم وغير ذلك من مصالحهم.
ثالثاً: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل واستغفارهم للمؤمنين.
ومن ثمرات الإِيمان بالكتب:
أولاً: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم به.
ثانياً: ظهور حكمة الله تعالى، حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها. وكان خاتم هذه الكتب القرآن العظيم، مناسباً لجميع الخلق في كل عصر ومكان إلى يوم القيامة.
ثالثاً: شكر نعمة الله تعالى على ذلك.
ومن ثمرات الإِيمان بالرسل:
أولاً: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام للهداية والإِرشاد.
ثانياً: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
ثالثاً: محبة الرسل وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، قاموا بعبادته وتبليغ رسالته والنصح لعباده والصبر على أذاهم.
ومن ثمرات الإِيمان باليوم الآخر:
أولاً: الحرص على طاعة الله تعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبعد عن معصيته خوفاً من عقاب ذلك اليوم.
ثانياً: تسلية المؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
ومن ثمرات الإِيمان بالقدر:
أولاً: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب، لأن السبب والمسبب كلاهما بقضاء الله وقدره.
ثانياً: راحة النفس وطمأنينة القلب، لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة، ارتاحت النفس واطمأن القلب ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشاً وأريح نفساً وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر.
ثالثاً: طرد الإِعجاب بالنفس عند حصول المراد، لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قدّره من أسباب الخير والنجاح، فيشكر الله تعالى على ذلك ويدع الإِعجاب.
رابعاً: طرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه، لأن ذلك بقضاء الله تعالى الذي له ملك السموات والأرض وهو كائن لا محالة، فيصبر على ذلك ويحتسب الأجر، وإلى هذا يشير الله تعالى بقوله: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ في الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ في كِتَـابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [الحديد: 22، 23].
فنسأل الله تعالى أن يثبِّتنا على هذه العقيدة، وأن يحقق لنا ثمراتها ويزيدنا من فضله، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا؛ وأن يهب لنا منه رحمة، إنه هو الوهاب. والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.


تمت بقلم مؤلفها

محمد الصالح العثيمين

في 30 شوال سنة 1404هـ

ـــــــــــــــــــــــــ
(1)- رواه البخاري كتاب التهجد (1145) ومسلم كتاب صلاة المسافرين (758)
(2)-رواه مسلم كتاب الإيمان (179)
(3)- رواه البخاري كتاب الفتن (7131) ومسلم كتاب الفتن (2933)
(4)-صحيح البخاري كتاب بدء الخلق (3232) ومسلم كتاب الإيمان (174)
(5)- صحيح البخاري كتاب الإيمان (50) ومسلم كتاب الإيمان (8)
(6)- رواه البخاري كتاب بدء الخلق(3207) ومسلم كتاب الإيمان (164)
(7)- رواه البخاري من حديث أبي هريرة كتاب أحاديث الأنبياء (3361) ومسلم كتاب الإيمان (194)
(8)-رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري كتاب التوحيد (7439) ومسلم كتاب الإيمان(183)
(9)-رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو كتاب الرقاق ( 6579، 6580) ومسلم كتاب الفضائل (2300) ، (2301)
(10)-رواه البخاري كتاب التوحيد (7439) وكتاب الرقاق (7573) ومسلم كتاب الإيمان (183،195)
(11)-رواه البخاري كتاب الجنائز (1362) ومسلم كتاب القدر(2647)
(12)-رواه مسلم كتاب صلاة المسافرين (771)
(13)-رواه أبو داوود كتاب الوتر (1425) والترمذي أبواب الوتر (464) والنسائي كتاب قيام الليل (1745) وابن ماجه كتاب إقامة الصلاة (1178)

ابو ضاري
08-02-2011, 10:15
أركان الإسلام

أركان الإسلام : أسسه التي ينبني عليها ، وهي خمسة : مذكورة فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : )بُنيَ الإسلام على خمسة : علـى أنْ يُوَحَّـدَ اللهُ - وفي رواية علـى خمس - : شهادةِ أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاءِ الزكاة ، وصيامِ رمضان ، والحجِّ ) فقال رجل : الحج ، و صيـام رمضان ، قال : (لا ، صيـام رمضان ، والحج ) ، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .
1- أما شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا عبده ورسوله فهي : الاعتقاد الجازم المعبَّر عنه باللسان بهذه الشهادة ، كأنه بجزمه في ذلك مشاهد له ، وإنما جُعلت هذه الشهادة ركنًا واحدًا مع تعدد المشهود به :
إما : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله تعالى ، فالشهادة له صلى الله عليه وسلم بالعبودية والرسالة من تمام شهادة أن لا إله إلا الله .
وإما: لأن هاتين الشهادتين أساس صحة الأعمال وقبولها ، إذ لا صحة لعمل ، ولا قبول ، إلا بالإخلاص لله - تعالى - والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم فبالإخلاص لله تتحقق شهادة : أن لا إله إلا الله ، وبالمتابعة لرسول الله تتحقق شهادة : أنَّ محمدًا عبده ورسوله .
ومن ثمرات هذه الشهادة العظيمة : تحريرُ القلب والنفس من الرق للمخلوقين ، و من الاتباع لغير المرسلين .
2- وأما إقام الصلاة : فهو التعبد لله- تعالى- بفعلها على وجه الاستقـامة ، و التمـام في أوقاتها ، وهيئاتها .
ومن ثمراته : انشراح الصدر ، وقرة العين ، والنهي عن الفحشاء و المنكر .
3- وأما إيتاء الزكاة : فهو التعبد لله- تعالى- ببذل القدر الواجب في الأموال الزكوية المستحقة .
ومن ثمراته : تطهيرُ النفس من الخُلق الرذيل (البخل) ، وسد حاجة الإسلام و المسلمين .
4- وأما صوم رمضان : فهو التعبد لله- تعالى- بالإمساك عن المفطرات في نهار رمضان .
ومن ثمراته : ترويض النفس على ترك المحبوبات ؛ طلبـًا لمرضاة الله عزَّ وجلَّ .
5- وأما حج البيت : فهو التعبد لله- تعالى - بقصد البيت الحرام ؛ للقيام بشعائر الحج .
ومن ثمراته : ترويض النفس على بذل المجهود المالي ، والبدني في طاعة الله- تعالى - ولهذا كان الحج نوعـًا من الجهاد في سبيل الله - تعالى- .
وهذه الثمرات التي ذكرناها لهذه الأسس ، وما لم نذكره تجعلُ من الأمَّةِ أمَّةً إسلاميَّة طاهرة نقيَّة ، تدين لله دين الحق ، وتعاملُ الخلق بالعدل والصدق ؛ لأن ما سواها من شرائع الإسلام يصلح بصلاح هذه الأسس ، وتصلحُ أحوال الأمة بصلاح أمر دينها ، ويفوتُها من صلاح أحوالها بقدر ما فاتها من صلاح أمور دينها .
ومن أراد استبانة ذلك ؛ فليقرأ قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْفَأَخَذْنَاهُم بـِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتـًا وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحَىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [سورة الأعراف : 96-99] ولينظر في تاريخ من سبق ؛ فإن التاريخ عبرة لأولي الألباب ، وبصيرة لمن لم يَحُلْ دون قلبه حجاب ، و الله المستعان .


(1) رواه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس ) ، رقم (8) ، ورواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام ، رقم (111)

ابو ضاري
08-02-2011, 10:16
أسس العقيدة الإسلامية

الدين الإسلامي : - كما سبق - عقيدة وشريعة ، وقد أشرنا إلى شيء من شرائعه ، وذكرنا أركانه التي تعتبر أساسـًا لشرائعه .
أما العقيدة الإسلامية : فأسسهـا الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر : خيره ، وشره .
وقد دلَّ علـى هذه الأسس كتاب الله ، وسنـة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ففي كتاب الله- تعالى- يقول : ( لَّيْسَ الْبـِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبـِرَّ مَنْ آمَنَ بـِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبـِـيِّينَ) [سورة البقرة : 177].
ويقول في القدر : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بـِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنـَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بـِالْبَصَرِ) [ سورة القمر : 49 ، 50].
وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم مجيبـًا لجبريل حين سأله عن الإيمان:( الإيمان: أنْ تؤمنَ بالله ، وملائكتـه ، وكتبـه ، ورسله ، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر: خيره وشره ) (1) .


(1) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان والإسلام و الإحسان ، رقم (93) .

ابو ضاري
08-02-2011, 10:16
الإيمان بالله تعالى

فأما الإيمان بالله فيتضمَّنُ أربعة أمور :
الأول : الإيمان بوجود الله- تعالى - :
وقد دلَّ على وجوده - تعالى -: الفطرة ، والعقل ، والشرع ، والحس .
1- أما دلالة الفطرة على وجوده - سبحانه- : فإنَّ كل مخلوق قد فُطِرَ على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير ، أو تعليم ، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطـرة إلاَّ من طرأ على قلبـه ما يصرفه عنها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من مولود إلا و يولدُ على الفطرة ، فأبواهُ يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ) (1) .
2- وأما دلالة العقل على وجود الله- تعالى - فلأن هذه المخلوقات : سابقها ولاحقها ، لابد لها من خالق أوجدها ، إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ؛ ولا يمكن أن توجد صدفة.
لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ؛ لأن الشيء لا يخلقُ نفسه ؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقـًا ؟!
ولا يمكن أن توجد صدفة ؛ لأن كل حادث لابد له من محدث ، ولأن وجودها على هذا النظام البديع ، والتناسق المتآلف ، و الارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها ، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنعُ منعـًا باتـًّا أن يكون وجودها صدفة ، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيـف يكـون منتظمـًا حـال بقائه وتطـوره ؟!
وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلـوقات نفسهـا بنفسها ، ولا أن توجد صدفة ؛ تعيَّن أن يكون لها موجد هو الله رب العالمين .
وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي ، و البرهان القطعي ، حيث قال : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [ سورة الطور : 35]. يعني : أنهم لم يُخْلَقُوا من غير خالق ، ولا هم الذين خلقُـوا أنفسهـم ؛ فتعين أن يكـون خالقـهم هو الله تبارك و تعالى ، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم t رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السموات وَالأرْضَ
بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ
الْمُصَيْطِرُونَ) [سورة الطور : 35-37].
وكان جبير يومئذ مشركًا قال : (كاد قلبي أن يطير ، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ) (2) .
ولنضرب مثلاً يوضح ذلك : فإنه لو حدَّثك شخص عن قصرٍ مشيَّد ، أحاطتْ به الحدائق ، وجرت بينها الأنهار ، ومُلئ بالفرش والأسِرَّة ، وزُيِّن بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته ، وقال لك : إنَّ هذا القصر وما فيه من كمال قد أوْجد نفسه ، أو وُجِد هكذا صدفة بدون مُوجد ؛ لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثهُ سفهـًا من القول ، أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع: بأرضه ، وسمائه ، وأفلاكه ، وأحواله ، ونظامه البديع الباهر ، قد أوجَدَ نفسه ، أو وُجد صدفة بدون موجد ؟!
3- وأما دلالة الشرع على وجود الله - تعالى- : فلأن الكتب السماوية كُلَّها تنطقُ بذلك ، وما جاءت به من الأحكام العادلة المتضمنة لمصالح الخلق ؛ دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه ، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها ؛ دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به .
4- وأما أدلة الحس على وجود الله ؛ فمن وجهين: أحدهما : أننا نسمعُ ونشاهدُ من إجابة الداعين ، وغوث المكروبين ، ما يدلُ دلالة قاطعة على وجوده تعالى ، قال الله سبحانه: (وَنُوحًا إِذ نـَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) [سورة الأنبياء: 76] ، وقال تعالى: (إِذ تـَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [سورة الأنفال : 9].
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك t قال : إنَّ أعرابيـًّا دخل يوم الجمعة - والنبي صلى الله عليه وسلم يخطبُ - فقال : يا رسول الله ، هلك المال ، وجاعَ العيال ، فادع الله لنا ؛ فرفع يديه ودعا ؛ فثار السحاب أمثال الجبال ، فلم ينزل عن منبره حتى رأيتُ المطر يتحادر على لحيته . - وفي الجمعة الثانية ، قام ذلك الأعرابي ، أو غيره فقال : يا رسول الله - تهدم البناء ، وغرق المال ، فادع الله لنا ؛ فرفع يديه ، وقال : (اللهم حوَاليْنا ولا عَلَيْنَا ، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت) (3) .
وما زالت إجابة الداعيـن أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا ؛ لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى ، وأتى بشرائط الإجابة .
الوجه الثاني : أنَّ آيات الأنبياء التي تسمَّى المعجزات ويشاهدها الناس ، أو يسمعون بها ، برهان قاطع على وجود مرسلهم ، وهو الله تعالى؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر ، يجريها الله تعالى ؛ تأييدًا لرسله ، ونصرًا لهم .
مثال ذلك آية موسى صلى الله عليه وسلم حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر ، فضربه ؛ فانفلَق اثنى عشر طريقـًا يابسـًا ، والماء بينها كالجبال ، قال الله تعالى : (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) [سورة الشعراء : 63].
ومثال ثانٍ: آية عيسى صلى الله عليه وسلم حيث كان يحيي الموتى ، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله ، قال الله تعالى عنه : (وَأُحْيـِي الْمَوْتَى بـِإِذنِ اللّهِ) [سورة آل عمران : 49] ، وقـال : ( وَإِذ تُخْرِجُ الْمَوتَى بـِإِذنِي) [سورة المائدة :110] .
ومثال ثالث : لمحمد صلى الله عليه وسلم حين طلبت منه قريش آية ، فأشار إلى القمر ؛ فانفلق فرقتين ، فرآه الناس، وفي ذلك قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) [سورة القمر : 1-2] .
فهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى ؛ تأييدًا لرسله ، ونصرًا لهم ، تدلُ دلالة قطعية على وجوده تعالى.
الأمر الثاني مما يتضمنه الإيمان بالله : الإيمان بربوبيَّته أي بأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين .
والرب : من له الخلق ، والملك، و الأمر ، فلا خالق إلا الله ، ولا مالك إلا هو، و لا أمر إلا له ، قال تعالى: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) [سورة الأعراف : 54] وقال :( ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) [ سـورة فاطـر : 13].
ولم يعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله
سبحانه ، إلا أن يكون مكابرًا غير معتقد بما يقول، كما حصل من فرعون ، حين قال لقومه : (أَنَا ربُّكم الأَعلى) [سورة النازعات : 24] وقال : (يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [سورة القصص : 38] ، لكن ذلك ليس عن عقيدة ، قال الله تعالى : (وَجَحَدُوا بـِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [سورة النمل : 14] . وقال موسى لفرعون ، فيما حكى الله عنه : ( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السموات وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا) [سورة الإسراء : 102] ولهذا
كان المشركون يقرُّون بربوبية الله تعالى ، مع إشراكهم به في الألوهية ، قال الله تعالى : ( قُل لِّمَنِ الأرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السموات السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بـِـيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجـِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُم تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) [سـورة المؤمنون : 84-89].
وقال الله تعالى : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [سورة الزخرف : 9].
وقال سبحانه : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [سورة الزخرف : 87].
وأمر الله سبحانه شامل للأمر الكوني والشرعي ، فكما أنه مدبر الكون القاضي فيه بما يريد ، حسب ما تقتضيه حكمته ، فهو كذلك الحاكم فيه بشرع العبادات ، وأحكام المعاملات ، حسبما تقتضيه حكمته ، فمن اتخذ مع الله تعالى مشرِّعـًا في العبادات ، أو حاكمـًا في المعاملات ؛ فقد أشرك به ، ولم يحقق الإيمان .
الأمر الثالث مما يتضمنه الإيمان بالله : الإيمان بألوهيَّته أي : بأنه وحده الإله الحق لا شريك له ، و(الإله) بمعنى : (المألوه) أي : (المعبود) حبًّا وتعظيمًا .
قال تعالى : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيـمُ ) [ سـورة البقرة : 163] ، وقـال تعالى : ( شَهِـدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُـوَ وَالْمَلاَئِكَـةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمـًا بالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [سورة آل عمران : 18 ] ، وكل من اتخذ إلهـًا مـع الله ، يعبد مـن دونه ؛ فألوهيته باطلة ، قال الله تعالى : (ذلِكَ بـِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبـِيرُ) [سورة الحج : 62]. وتسميتها آلهـة ؛ لا يعطـيها حق الألـوهيـة ، قــال الله تعـالى في ( اللات والعزى ومناة ) :
( إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بـِهَا مِن سُلْطَانٍ) [سورة النجم : 23] .
وقال عن هود : إنه قال لقومه : ( أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) [سورة الأعراف : 71] .
وقال عن يوسف - عليه السلام - أنه قال لصاحبي السجن : (أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بـِهَا مِن سُلْطَانٍ) [سورة يوسف : 39 ، 40]
ولهذا كانت الرسل - عليهم الصلاة والسلام -يقولون لأقوامهم : (اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [سورة الأعراف : 59] ، ولكن أبى ذلك المشركون ، واتخذوا من دون الله آلهة ، يعبدونهم مع الله سبحانه و تعالى ، ويستنصرون بهم ، ويستغيثون .

وقد أبطل الله تعالى اتخاذ المشركين هذه الآلهة ببرهانين عقليين :
الأول : أنه ليس في هذه الآلهة التي اتخذوها شيء من خصائص الألوهية ، فهي مخلوقة لا تخلقُ، ولا تجلب نفعـًا لعابديها ، ولا تدفع عنهم ضررًا ، ولا تملك لهم حياة ، ولا موتـًا ، ولا يملكون شيئـًا من السموات ، ولا يشاركون فيه.
قـال الله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُـونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُـورًا) [سورة الفرقان :3] .
وقال تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) [سورة سبأ : 22 ، 23] وقال تعالى : (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ) [سورة الأعراف : 191 ، 192] .
وإذا كانت هذه حال تلك الآلهة ؛ فإن اتخاذها آلهة من أسفه السفه ، وأبطل الباطل .
والثاني : أن هؤلاء المشركين ، كانوا يقرون بأن الله تعالى وحده الرب الخالق الذي بيده ملكوت كل شيء ، وهو يجيرُ ولا يُجارُ عليه ، وهذا يستلزم أن يوحِّدوه بالألوهية ، كما وحَّدوه بالربوبية ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشـًا وَالسَّمَاء بـِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بـِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقـًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ
تَعْلَمُونَ ) [سورة البقرة : 21 ، 22] .
وقال تعالى : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [سورة الزخرف : 87] .
وقال تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَـاذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْـرَفُونَ ) [سورة يونس : 31 ، 32]

الأمر الرابع مما يتضمنه الإيمان بالله : الإيمان بأسمائه وصفاته :
أي : إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء ، و الصفات ، على الوجه اللائق به من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، و لا تمثيل ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بـِهَا وَذرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [سورة الأعراف : 180] ، وقال تعالى : (وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة الروم : 27] ، وقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [سورة الشورى : 11]
وقد ضلَّ في هذا الأمر طائفتان :
إحداهما : (المعطِّلة) الذين أنكروا الأسماء و الصفات ، أو بعضها ، زاعمين أن إثباتها لله يستلزم التشبيه ، أي : تشبيه الله تعالى بخلقـه ، وهذا الزعم باطل ؛ لوجوه ، منها :
الأول : أنه يستلزم لوازم باطلة ؛ كالتناقض في كلام الله سبحانه ، وذلك أن الله تعالى أثبت لنفسه الأسماء ، والصفات ، ونفى أن يكون كمثله شيء ، ولو كان إثباتها يستلزم التشبيه ؛ لزم التناقض في كلام الله ، وتكذيب بعضه بعضـًا .
الثاني : أنه لا يلزم من اتفاق الشيئين في اسم أو صفة أن يكونا متماثلين ، فأنت ترى الشخصين يتفقان في أن كلاًّ منهما إنسان سميع ، بصير ، متكلم ، ولا يلزم من ذلـك أن يتماثلا في المعـاني الإنسانية ، والسمع ، والبصـر ، والكلام ، وترى الحيـوانات لها أيدٍ ، وأرجلٌ ، وأعينٌ ، ولا يلزم من اتفاقها هذا أن تكون أيديها ، وأرجلها ، وأعينها متماثلة .
فإذا ظهر التباين بين المخلوقات فيما تتفقُ فيه
من أسماء ، أو صفات ؛ فالتباين بين الخالق و المخلوق أبين وأعظم .
الطائفة الثانية : (المشبهة) الذين أثبتوا الأسماء
والصفات مع تشبيه الله تعالى بخلقه ، زاعمين أن هذا مقتضى دلالة النصوص ؛ لأن الله تعالى يخاطب العباد بما يفهمون ، وهذا الزعم باطل ؛ لوجوه منها :
الأول : أن مشابهة الله تعالى لخلقـه أمر يبطله العقل ، والشرع ، ولا يمكن أن يكون مقتضى نصوص الكتاب والسنة أمرًا باطلاً .
الثاني : أن الله تعالى خاطبَ العباد بما يفهمون من حيث أصل المعنى ، أما الحقيقة والكُنْه الذي عليه ذلك المعنى ؛ فهو مما استأثر الله تعـالى بعلمـه فيما يتعلق بذاته ، وصفاته.
فإذا أثبت الله لنفسه أنه سميع ؛ فإن السمع معلوم من حيث أصل المعنى ، (وهو إدراك الأصوات) لكن حقيقة ذلك بالنسبة إلى سمع الله تعالى غير معلومة ؛ لأن حقيقة السمع تتباين حتى في المخلوقات ؛ فالتباين فيها بين الخالق و المخلوق أبين وأعظم .
وإذا أخبر الله تعالى عن نفسه أنه استوى على عرشه ؛ فإن الاستواء من حيث أصل المعنى معلوم، لكن حقيقة الاستواء التي هو عليها غير معلومة لنا بالنسبة إلى استواء الله على عرشه ؛ لأن حقيقة الاستواء تتباين في حق المخلوق ، فليس الاستواء على كرسي مستقر كالاستواء على رحل بعير صعب نفور ، فإذا تباينت في حق المخلوق ؛ فالتباين فيها بين الخالق و المخلوق أبين و أعظم .
والإيمان بالله تعالى على ما وصفنا يثمر للمؤمنين ثمرات جليلة ، منها :
الأولى : تحقيق توحيد الله تعالى ، بحيث لا يتعلق بغيره رجاء ، ولا خوف ، ولا يعبد غيره .
الثانية : كمال محبة الله تعالى ، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى ، وصفاته العليا .
الثالثة : تحقيق عبادته بفعل ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه .


(1) رواه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب ما قيل في أولاد المشركين ، رقم (1319) .
(2) رواه - البخاري - مفرقـًا ، كتاب التفسير ، باب تفسير سورة الطور ، رقم (4573) .
(3) رواه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب الاستسقاء في الخطبـة يوم الجمعة ، رقم : (891).

ابو ضاري
08-02-2011, 10:17
الإيمان بالملائكة

الملائكة : عالم غيبيٌّ ، مخلوقون ، عابدون لله تعالى ، وليس لهم من خصائص الربوبية و الألوهية شيء ، خلقهم الله تعـالى من نور ، ومنحهـم الانقياد التامَّ لأمره ، والقوة على تنفيذه . قال الله تعالى : ( وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبـِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) [سورة الأنبياء : 19 ، 20]
وهم عدد كثير ، لا يحصيهم إلا الله تعالى ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس t في قصة المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفع له البيت المعمور في السماء ، يُصلِّي فيه كلَّ يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم (1) .
والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور :
الأول : الإيمان بوجودهم .
الثاني : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه (كجبريل) ومن لم نعلم أسماءهم نؤمن بهم إجمالاً.
الثالث : الإيمان بما علمنا من صفاتهم ، كصفة (جبريل) فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه على صفته التي خُلق عليها ، وله ستمائة جناح قد سدَّ الأفق .
وقد يتحول الملك بأمـر الله تعالى إلى هيئـة رجل ، كما حصل (لجبريل) حين أرسله الله تعالى إلى مريم فتمثَّل لها بشرًا سويـًّا ، وحين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه ، جاءه بصفة رجلٍ شديدِ بياضِ الثياب ، شديدِ سوادِ الشعر ، لا يُرى عليه أثرُ السفر ، ولا يعرفه أحد من الصحابة ، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، والإيمان ، و الإحسان ، والساعة ، وأماراتها ؛ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) (2) .
وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم، ولوط كانوا على صورة رجال .
الرابع مما يتضمنه الإيمان بالملائكة : الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى ؛ كتسبيحه ، والتعبد له ليلاً ونهارًا بدون ملل ، ولا فُتُور .
وقد يكون لبعضهم أعمال خَاصَّة .
مثل : جبريل الأمين على وحي الله تعالى ، يرسله الله به إلى الأنبياء و الرسل .
وميكائيل : الموكل بالقطر أي بالمطر و النبات .
وإسرافيل : الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق .
وملك الموت : الموكل بقبض الأرواح عند الموت .
ومالك : الموكل بالنار ، وهو خازن النار .
والملائكة الموكلين بالأجـِنَّةِ في الأرحام ، إذا أتم الإنسان أربعة أشهر في بطن أمه ، بعث الله إليه ملكـًا وأمره بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقيٍّ، أو سعيد.
والملائكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم ، وكتابتها لكل إنسان ، ملكان أحدهما عن اليمين و الثاني عن الشمال .
والملائكة الموكلين بسؤال الميت إذا وضع في قبره ؛ يأتيه ملكان ، يسألانه عن ربه ، ودينه ، ونبيه .
والإيمان بالملائكة ، يثمر ثمراتٍ جليلةً منها :
الأولى : العلم بعظمة الله تعالى ، وقوَّته ، وسلطانه، فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق .
الثانية : شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم ، حيث وكَّل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم ، وكتابة أعمالهم ، وغير ذلك من مصالحهم .
الثالثة : محبة الملائكة علـى ما قامـوا به من عبادة الله تعالى .
وقد أنكر قوم من الزائغين كون الملائكة أجسامـًا ، وقالوا : إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات ، وهذا تكذيب لكتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع المسلمين .
قال الله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثـُلاثَ وَرُبَاعَ ) [سورة فاطر : 1].
وقال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) [سـورة الأنفال : 50].
وقال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ) [سورة الأنعام : 93] .
وقال تعالى : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَن قُلُوبـِهِمْ قَالُوا مَاذا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبـِيرُ) [سورة سبأ : 23].
وقال في أهل الجنة : ( وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بـِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [سورة الرعد : 23 ، 24].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة t عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا أحب الله العبد نادى جبريل : إن الله يحبُ فلانـًا فأحببه ؛ فيحبّه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء : إنَّ الله يحب فلاناً فأحبُّوه؛ فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ) (3) .
وفيه أيضـًا عن أبي هريرة t قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول ، فإذا جلس الإمام ؛ طووا الصحف ، وجاءوا يستمعون الذكر ) (4) .
وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية ، كما قال الزائغون ، وعلى مقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون .


(1)رواه البخاري ، كتاب فضائل الصحابة ، باب المعراج رقم : (3674) ، ورواه مسلم ، كتاب الإيمان،باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات ، رقم : (409) .
(2) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيـان الإيمـان والإسـلام والإحسـان ، رقم ( 93) .
(3) رواه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة ، رقم : ( 3037)
(4) رواه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة ، رقم : ( 3039) .

ابو ضاري
08-02-2011, 10:18
الإيمان بالكتب

الكتب : جمع (كتاب) بمعنى (مكتوب) .
والمراد بها هنا : الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله رحمة للخلق ، وهداية لهم ، ليصلُوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة .
والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور :
الأول : الإيمان بأن نزولها من عند الله حقًّا .
الثاني : الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه : كالقرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم ، والإنجيل الذي أنزل على عيسى صلى الله عليه وسلم، والزَّبـُور الذي أوتيه داود صلى الله عليه وسلم ، وأما ما لم نعلم اسمه ؛ فنؤمن به إجمالاً .
الثالث : تصديق ما صحَّ من أخبارها ، كأخبار القرآن ، وأخبار ما لم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة .
الرابع : العمل بأحكام ما لم ينسخ منها ، والرضا و التسليم به سواء أفهمنا حكمته أم لم نفهمها ، وجميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن العظيم قال الله تعالى : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بـِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) [سورة المائدة : 48] أي ( حاكمـًا عليه ).
وعلى هذا ، فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السابقة إلا ما صحَّ منها ، وأقرَّه القرآن .
والإيمان بالكتب يثمر ثمراتٍ جليلةً منها :
الأولى : العلم بعناية الله - تعالى - بعباده ، حيث أنزل لكل قوم كتابـًا ، يهديهم به .
الثانية : العلم بحكمة الله تعالى في شرعه ، حيث شرَّع لكل قوم ما يناسب أحوالهم ، كما قال الله تعالى : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [سورة المائدة : 48] .
الثالثة : شكر نعمة الله في ذلك .

ابو ضاري
08-02-2011, 10:19
الإيمان بالرسل

الرسل : جمع (رسول) بمعنى : (مُرسَل) أي مبعوث بإبلاغ شيء .
والمراد هنا : من أوحي إليه من البشر بشرع وأُمر بتبليغه .
وأول الرسل نوح - عليه السلام - وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبـِـيِّـيـنَ مِن بَعْدِهِ) [سورة النساء : 163] .
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك t في حديث الشَّفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذكر أن الناس يأتون إلى آدم ؛ ليشفع لهم ، فيعتذر إليهم ويقول : ائتوا نوحـًا أول رسولٍ بعثه الله ) وذكر تمامَ الحديث (1) .
وقال الله تعالى في محمد صلى الله عليه وسلم : (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبيِّينَ) [سورة الأحزاب ] .
ولم تخلُ أمةٌ من رسول ، يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه ، أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله ؛ ليجـددهـا ، قـال الله تعـالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَـا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [سورة النحل : 36]
وقال تعالى : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ) [سورة فاطر : 36] .
وقال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بـِهَا النَّبـِـيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُـواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ) [سورة المائدة : 44].
والرسل بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء ، قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل ، وأعظمهم جاهـًا عند الله : (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نـَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنـَاْ إِلاَّ نـَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأعراف : 188].
وقال تعالى : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَن يُجـِـيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجـِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) [سورة الجن : 21 ، 22] .
وتلحقهم خصائص البشرية : من المرض ، والموت ، والحاجة إلى الطعام ، و الشراب ، وغير ذلك ، قال الله تعالى عن إبراهيم - عليه الصلاة و السلام - في وصفه لربه تعالى : ( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْـتُ فَهُوَ يَشْفِيـنِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثـُمَّ يُحْيِينِ) [سورة الشعراء : 79 ، 81] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ؛ فإذا نسيت ؛ فذكِّروني) (2) .
وقد وصفهم الله تعالى بالعبودية له في أعلى مقاماتهم ، وفي سياق الثَّناء عليهم ؛ فقال تعالى في نوح صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [سورة الإسراء : 3] وقال في محمد صلى الله عليه وسلم : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [سورة الفرقان : 1] .
وقال في إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب - صلَّى الله عليهم وسلَّم - : (وَاذكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بـِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ) [سورة ص : 45 ، 47] .
وقال في عيسـى ابن مريـم صلى الله عليه وسلم : (إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَــا عَلَيْـــهِ وَجَعَلْنَـاهُ مَثَـلاً لِّبَنِـي إِسْرَائِيــلَ ) [سورة الزخرف : 59] .
والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور :
الأول : الإيمان بأن رسالتهـم حق من الله تعـالى ، فمن كفر برسالة واحد منهم ؛ فقد كفر بالجميع ، كما قال الله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [سورة الشعراء : 105] ، فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل ، مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذَّبوه ، وعلى هذا فالنصارى الذين كذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه ؛ هم مكذِّبون للمسيح ابن مريم ، غير متبعين له أيضـًا ، لا سيَّما أنه قد بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا معنى لبشارتهم به إلا أنه رسول إليهم ، ينقذُهم الله به من الضَّلالة ، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
الثاني مما يتضمنه الإيمان بالرسل : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل : محمد ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونوح - عليهم الصلاة والسلام - وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل ، وقد ذكرهم الله -تعالى - في موضعين من القرآن في قوله : (وَإِذ أَخَذْنـَا مِنَ النَّبيِّينَ مِيثـَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [سورة الأحزاب : 7] ، وقوله :
( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بـِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بـِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى : 13] .
وأما من لم نعلم اسمه منهم ؛ فنؤمن به إجمالاً ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَــا عَلَيْـــكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْـكَ) [سورة غافر : 78] .
الثالث مما يتضمنه الإيمان بالرسل : تصديق ما صحَّ عنهم من أخبارهم .
الرابع : العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم ، وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس ، قال الله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجـِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمـًا ) [سورة النساء : 65] .
وللإيمان بالرسل ثمراتٌ جليلة منها :
الأولى : العلم برحمة الله تعالى ، وعنايته بعباده، حيث أرسل إليهم الرسل ؛ ليهدوهم إلى صراط الله تعالى ، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله ؛ لأنّ العقل البشري ، لا يستقل بمعرفة ذلك .
الثانية : شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى .
الثالثة : مَحبَّةُ الرسل - عليهم الصلاة و السلام - وتعظيمهم ، والثَّناء عليهم بما يليق بهم ؛ لأنهم رسل الله تعالى ، ولأنهم قاموا بعبادته ، وتبليغ رسالته ، والنُّصحِ لعباده .
وقد كذَّب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر ! وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم ، وأبطله بقوله سبحانه : (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَــا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَــاء مَلَكًا رَّسُولاً) [سورة الإسراء : 94 ، 95] .
فأبطل الله تعالى هذا الزعم بأنه لابد أن يكون الرسول بشرًا ؛ لأنه مرسـل إلى أهل الأرض ، وهم بشر ، ولو كان أهل الأرض ملائكة ؛ لنزَّل الله عليهم من السماء ملكـًا رسولاً ؛ ليكون مثلهم ، وهكذا حكى الله تعالى عن المكذبين للرسل أنهم قالوا : (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بـِسُلْطَانٍ مُّبينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بسُلْطَانٍ إِلاَّ بإِذنِ اللّهِ) [سورة إبراهيم : 10 ، 11].


(1) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة و النار ، رقم (6197)
(2) رواه البخاري ، كتاب أبواب القبلة ، باب التوجه إلى القبلة حيث كان ، رقم (392) .

ابو ضاري
08-02-2011, 10:19
المكتبة المقروءة : التوحيد : نبذة في العقيدة الإسلامية</B>
الإيمان باليوم الآخر



الإيمان باليوم الآخر

اليوم الآخر: يوم القيامة الذي يُبْعثُ الناس فيـه ؛ للحساب ، والجزاء .
وسمِّي بذلك ؛ لأنه لا يوم بعده ، حيث يستقرُ أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم .
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور :
الأول : الإيمان بالبعث : وهو إحياء الموتى حين ينفخُ في الصور النفخة الثانية ؛ فيقوم الناس لرب العالمين ، حفاة غيرَ منتعلين ، عراة غيرَ مستترين ، غُرلاً غيرَ مختتنين ، قال الله تعالى : (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنـَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : 104] .
والبعث : حقٌّ ثابت ، دلَّ عليه الكتابُ ، و السُّنَّةُ ، وإجماع المسلمين .
قال الله تعالى : (ثـُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثـُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [سورة المؤمنون : 15 ، 16] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ) (1) .
وأجمع المسلمون على ثبوته ، وهو مقتضى الحكمة ، حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادًا ، يجازيهم فيه على ما شرعه لهم فيما بعث به رسله ، قال الله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [سورة المؤمنون : 115] وقال لنبـِـيـِّه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الَّــذِي فَــرَضَ عَلَيْــكَ الْقُـرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) [سورة القصص : 85] .
الثاني مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بالحساب والجزاء : يحاسَبُ العبد على عمله ، ويجازى عليه ، وقد دلَّ على ذلك الكتاب ، والسنة ، وإجماع المسلمين .
قال الله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثـُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا
حِسَابَهُمْ) [سورة الغاشية : 25 ، 26] وقال تعالى : (مَن جَاء بـِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بـِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [سورة الأنعام : 160] وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بـِهَا وَكَفَى بـِنَا حَاسبـِـينَ) [ سورة الأنبياء : 47] .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) إن الله يدني المؤمن ؛ فيضع عليه كنفه - أي ستره - ويسترهُ ، فيقـول : أتعـرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم ، أي رب ، حتى إذا قـَرَّرَهُ بذنوبه ، ورأى أنه قد هلك ؛ قال :
قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفـرها لـك اليوم ؛ فيعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون ؛ فينادى بهم على رؤوس الخلائق : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنةُ الله على الظالمين) (2) .
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن من همَّ بحسنة فعملها ؛ كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وأن من همَّ بسيئة فعملها ؛ كتبها الله سيئة واحدة ) (3) .
وقد أجمع المسلمون على إثبات الحساب والجزاء على الأعمال ، وهو مقتضى الحكمة ؛ فإن الله تعالى أنزل الكتب ، وأرسل الرسل ، وفرض على العباد قبول ما جاءوا به ، و العمل بما يجب العمل به منه ، وأوجب قتال المعارضين له وأحلَّ دماءهم ، وذرِّيَّاتهم ، ونساءهم ، وأموالهم ، فلو لم يكن حساب ولا جزاء ؛ لكان هذا من العبث الذي ينزهُ الرب الحكيم عنه ، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بـِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئبينَ ) [سورة الأعراف : 6 ، 7] .
الثالث مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق .
فالجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين
المتقين ، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به ، وقاموا بطاعة الله ورسوله ، مخلصين لله ، مُتَّبـِعِـين لرسوله ، فيها من أنواع النعيم )ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر) (4) قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) [سورة البينة : 7 ، 8] وقال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بـِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة السجدة : 17] .
وأما النار : فهي دار العذاب التي أعدَّها الله تعالى للكافرين الظالمين ، الذين كفروا به وعصوا رسله ، فيها من أنواع العذاب ، والنـَّـكال ما لا يخطر على البال قال الله تعالى : (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران : 131] ، وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بـِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بـِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بـِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) [سورة الكهف: 29] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجـِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) [سورة الأحزاب : 64، 66] .
وللإيمان باليوم الآخر ثمراتٌ جليلة منها :
الأولى : الرغبة في فعل الطاعة ، والحرص عليها ؛ رجاء لثواب ذلك اليوم .
الثانية : الرهبة من فعل المعصية ، ومـن الرضـى بها ؛ خوفـًا من عقاب ذلك اليوم .
الثالثة : تسلية المؤمن عمَّا يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة ، وثوابها .
وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموت ؛ زاعمين أن ذلك غير ممكن .
وهذا الزعم باطل ، دلَّ على بطلانه الشرع ، والحس ، و العقل .
أما الشرع : فقد قال الله تعالى : ( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثـُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بـِمَا عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [سورة التغابن : 7] . وقد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه .
وأما الحس : فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا ، وفي سورة البقرة ، خمسة أمثلة على ذلك ، هي :
المثال الأول : قوم موسى حين قالوا له : (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) [سورة البقرة : 55] فأماتهم الله تعالى ، ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبـًا بني إسرائيل : ( وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ *ثـُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة البقرة : 55 ، 56] .
المثال الثاني : في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل ، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ؛ ليخبرهم بمن قتله ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (وَإِذ قَتَلْتُمْ نَفْسـًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ ببَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيي اللّهُ الْمَـوْتَى وَيُرِيكُـمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة البقرة : 72، 73]
المثال الثالث : في قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت وهم ألوف ؛ فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثـُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَشْكُرُونَ ) [سورة البقرة : 243].
المثال الرابع : في قصة الذي مرَّ على قرية مـَيـِّتةٍ ، فاستبعد أن يحييها الله تعالى ؛ فأماته الله تعالى مائة سنة ، ثم أحياه ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثـُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبثْتَ قَالَ لَبثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ ننشِزُهَا ثـُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [ سورة البقرة : 259].
المثال الخامس : في قصة إبراهيم الخليل ، حين سأل الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى ؛ فأمره الله تعالى أن يذبح أربعة من الطير ، ويفرقهن أجزاء على الجبال التي حوله ، ثم يناديهن ؛ فتلتئم الأجزاء بعضها إلى بعض ، ويأتين إلى إبراهيم سعيـًا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثـُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثـُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَـكِيمٌ) [سورة البقرة : 260].
فهذه أمثلة حسِّيَّة واقعة ، تدل على إمكان إحياء الموتى ، وقد سبقت الإشارة إلى ما جعله الله تعالى من آيات عيسى بن مريم في إحياء الموتى ، وإخراجهم من قبورهم - بإذن الله تعالى - .
وأما دلالة العقل : فمن وجهين :
أحدهما : أن الله تعالى فاطر السموات ، والأرض ، وما فيهما ، خالقهما ابتداء ، والقادر على ابتداء الخلق، لا يعجز عن إعادته ، قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثـُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [سورة الروم : 27] . وقال تعالى : ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : 104]. وقال آمرًا بالرد على من أنكر إحياء العظام وهي رميم:(قُلْ يُحْييهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [سورة يس : 79] .
الثاني : أن الأرض تكون ميتة هامدة ، ليس فيها شجرة خضـراء ؛ فينزل عليها المطر ؛ فتهتز خضراءَ حيـَّةً ، فيها من كل زوج بهيج ، والقادر على إحيائها بعد موتها ، قادر على إحياء الأموات، قال الله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة فصلت : 39] ، وقال تعالى : (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكـًا فَأَنبَتْنَا بـِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بـِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) [سورة ق : 9 ، 11]
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر :
الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل :
(أ) فتنـة القبر : وهي سؤال الميـت بعد دفنـه عن ربه ، ودينه ، ونبيه ؛ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيِّي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويضلُ الله الظالمين فيقول الكافر : هـاه ، هاه ، لا أدري ، ويقـول المنافق أو المرتاب (5) : لا أدري سمعت النـاس يقولون شيئـًا فقلته .
(ب) عذاب القبر ونعيمه : فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين ، قال الله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بـِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبـِرُونَ) [سورة الأنعام : 93].
وقال تعالى في آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [سورة غافر : 46] .
وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فلولا أن لا تدافنوا ؛ لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ، ثم أقبل بوجهه ؛ فقال: تعوَّذوا بالله من عذاب النار ) قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال : (تعوَّذوا بالله من عذاب القبر) ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ، قال: ( تعوَّذوا بالله من الفتن ، ما ظهر منها ، وما بطن ) ، قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، قال: ( تعوَّذوا بالله من فتنة الدجال ) قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال (6) .
وأما نعيم القبر ؛ فللمؤمنين الصادقين قال الله تعـالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثـمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بـِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [سورة فصلت : 30]
وقال تعالى : ( فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [سورة الواقعة: 83 ، 89] .
وعن البراء بن عازب t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره : ( ينادي منادٍ من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابـًا إلى الجنة ، قال: فيأتيه من رَوحها وطِـيبها ، ويفسحُ له
في قبره مدَّ بصره ) (7) .
وقد ضلَّ قوم من أهل الزَّيغ فأنكروا عذاب القبر ، ونعيمه ، زاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفته الواقع ، قالوا : فإنه لو كشف عن الميِّت في قبره ؛ لوجد كما كان عليه ، والقبر لم يتغير بـِسِعَةٍ ، ولا ضِـيق .
وهذا الزعم باطل ؛ بالشرع ، والحس ، و العقل :
أما الشرع : فقد سبقت النصوص الدالة على ثبوت عذاب القبر ، ونعيمه .
وفي صحيح البخاري - من حديث - ابن عباس t قال : ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة ؛ فسمع صوت إنسانين يُعَذبَانِ في قبورهما) وذكر الحديث ، وفيه : ) أن أحدهما كان لا يستتر من البول ) وفي رواية : (من بوله) ، وأن الآخر كان يمشي بالنميمة ) وفي رواية لمسلم : ( لا يستنزه من البول )(8) .
وأما الحس : فإن النائم يرى في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج ، يتنعم فيه ، أو أنه كان في مكان ضيق موحش ، يتألم منه ، وربما يستيقظ أحيانـًا مما رأى، ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه ، والنوم أخو الموت ، ولهذا سماه الله تعالى : (وفاة) قال الله تعالى : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر : 42] .
وأما العقل : فإن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع ، وربما رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صفته ، ومن رآه على صفته ؛ فقد رآه حقًّا ، ومع ذلك ، فالنائم في حجرته على فراشه بعيدٌ عما رأى ، فإذا كان هذا ممكنـًا في أحوال الدنيا ؛ أفلا يكون ممكنـًا في أحوال الآخرة ؟!
وأما اعتمادهم فيما زعموه على أنه لو كشف عن الميِّت في قبره ؛ لوجد كما كان عليه ، والقبر لم يتغير بسعة ولا ضيق ؛ فجوابه من وجوه منها :
الأول: أنه لا تجوز معارضة ما جاء به الشرع ، بمثل هذه الشبهات الداحضة التي لو تأمَّل المعارض بها ما جاء به الشرع حقَّ التأمل ؛ لعلم بطلان هذه الشبهات ، وقد قيل :
وكم من عائبٍ قولاً صحيحـًا وآفته من الفَهمِ السقيمِ
الثاني : أن أحوال البرزخ من أمور الغيب التي لا يدركها الحسُّ ، ولو كانت تدرك بالحس ؛ لفاتت فائدة الإيمان بالغيب ، ولتساوى المؤمنون بالغيب ، و الجاحدون في التصديق بها .
الثالث: أن العذاب ، والنعيم ، وسعة القبر ، وضيقه ؛ إنما يدركها الميِّتُ دون غيره ، وهذا كما يرى النائم في منامه أنه في مكان ضيِّق موحش ، أو في مكان واسع بهيج ، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به ، ولقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ، وهو بين أصحابه ؛ فيسمعُ الوحي ، ولا يسمعهُ الصحابة ، وربما يتمثَّل له الملك رجلاً فيكلِّمه ، والصحابة لا يرونَ الملك ، ولا يسمعونه .
الرابع : أن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله تعالى من إدراكه ، ولا يمكن أن يدركوا كل موجـود ، فالسموات السَّبع ، والأرض ، ومن فيهن ، وكل شـيء يسبحُ بحمد الله تسبيحـًا حقيقيـًّا ، يُسمعه الله تعالى من شاء من خلقه أحيانـًا ، ومع ذلك هو محجوب عنا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمواتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بـِحَمْـدِهِ وَلَكِـن لاَّ تَفْقَهُـونَ تَسْبيحَهُمْ) [سورة الإسـراء : 44] ، وهكذا الشياطين ، والجن يسعون في الأرض ذهابـًا وإيابـًا ، وقد حضرت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا لقراءته ، وأنصتُوا ، وولَّوا إلى قومهم منذرين، ومع هذا ؛ فهم محجوبون عنا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)[سورة الأعراف:27] ، وإذا كان الخلق لا يدركون كل موجود ؛ فإنه لا يجوز أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب ، ولم يدركوه .


(1) متفق عليه ، واللفظ لمسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب فناء الدنيا ، رقم: ( 7127) .
(2) رواه البخاري ، كتاب المظالم ، باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين ، رقم : (2309) .
(3) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب من هم بحسنة أو سيئة ، رقم : (6126) ورواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب ، رقم: (335) .
(4) رواه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في وصف الجنة وأنها مخلوقة، رقم : (3072) .
(5) (أو) للشك من الراوي كما في الصحيحين .
(6) رواه مسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ، و إثبات عذاب القبر ، و التعوذ منه ، رقم ( 7142) .
(7) رواه أحمد ، كتاب حديث البراء بن عازب ، رقم : (18063)، وأبو داود ، كتـاب أول كتـاب السنــة ، باب المسألـة في القبر وعـذاب القبـر ، رقـم : ( 4753) .
(8) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب النميمة من الكبائر ، رقم (5708) ، ورواه مسلم، كتاب الطهارة ، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه ، رقم (676) .

ابو ضاري
08-02-2011, 10:20
الإيمان بالقدر

القَدَر (بفتح الدال) : تقدير الله تعالى للكائنات ، حسبما سبق به علمه ، واقتضتهُ حكمته .
والإيمان بالقدر يتضمَّنُ أربعة أمور :
الأول : الإيمان بأن الله تعالى عالمٌ بكل شيء ، جملةً وتفصيلاً ، أزلاً وأبدًا ، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعالـه ، أو بأفعال عباده .
الثاني : الإيمان بأن الله تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ ، وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى: ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [سورة الحج : 70] .
وفي صحيح مسلم - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كتب الله مقادير الخلائقِ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) (1) .
الثالث : الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى ، سواء أكانت مما يتعلق بفعله، أم مما يتعلق بفعل المخلوقين ، قال الله تعالى فيما يتعلقُ بفعله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ) [سورة القصص : 68] ، وقـال : ( وَيَفْعَـلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [سـورة إبراهيم : 27] وقـال : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء) [ســورة آل عمران : 6] وقـال تعـالى فيما يتعلـق بفعل المخلوقين : ( وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) [ســورة النساء : 90] ، وقال : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [سورة الأنعام : 112] .
الرابع : الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتهـا ، وصفاتهـا ، وحـركاتها ، قــال الله تعـالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [سورة الزمر:62] ، وقال سبحانه : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [سورة الفرقان : 2] ، وقال عن نبيِّه إبراهيم - عليه الصلاة و السلام - أنه قال لقومـه : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [سورة الصافات: 96] .
والإيمان بالقدر - على ما وصفنا - لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية ، وقدرة عليها ؛ لأن الشرع والواقع دالان على إثبات ذلك له .
أما الشرع : فقـد قـال الله تعـالى في المشيئـة : (فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبـًا) [سورة النبأ : 39] ، وقـال: ( فَأْتُواْ حَرْثـَـكُمْ أَنَّـى شِئْتُمْ) [ ســورة البقـرة : 223] ، وقال في القدرة : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) [سورة التغابن : 16] ، وقال : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [سورة البقرة : 286] .
وأما الواقع : فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة
وقدرة ، بهما يفعل ، وبهما يترك ، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش ، لكنَّ مشيئة العبد ، وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى ، وقدرته لقول الله تعالى : (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَــاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَـاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِيـنَ) [سـورة التكوير : 28 ، 29] ، ولأن الكون كله ملك لله تعالى ؛ فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته .
والإيمان بالقدر - على ما وصفنا - لا يمنح العبد حجـة على ما ترك من الواجبـات ، أو فعل من المعاصي ، وعلى هذا ؛ فاحتجاجه به باطل من وجوه :
الأول : قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبـِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ) [سورة الأنعام : 148] ، ولو كان لهم حجة بالقدر ؛ ما أذاقهم الله بأسه .
الثاني : قوله تعالى : (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [سورة النساء : 165] ، ولو كان القدر حجة للمخالفين ؛ لم تنتفِ بإرسال الرسل ؛ لأن المخالفة بعد إرسالهم واقعة بقدر الله تعالى .
الثالث : ما رواه البخاري ومسلم - واللفظ
للبخاري - عن علي بن أبي طالب t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة) فقال رجل من القوم : ألا نـَتـَّـكِلُ يا رسول الله ؟ قال : (لا ، اعملوا فكل مُيَسَّرٌ ، ثم قرأ: ( فَأمَا مَنْ أَعطَى واتَّقَى)) [سورة الليل : 5] ، وفي لفظ لمسلم : ( فكل مُيَسَّرٌ لما خلق له) (2)0 ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل ، ونهى عن الاتكال على القدر .
الرابع : أن الله تعالى أمر العبد ونهاه ، ولم يكلفه إلا ما يستطيع ، قال الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة التغابن : 16] وقال : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [سورة البقرة : 286] ، ولو كان العبد مجبرًا على الفعل ؛ لكان مكلَّفـًا بما لا يستطيع الخلاص منه ، وهذا باطل ؛ ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل ، أو نسيان ، أو إكراه ؛ فلا إثم عليه ؛ لأنه معذور .
الخامس : أن قدر الله تعالى سرٌّ مكتومٌ لا يُعْلَمُ به إلا بعد وقوع المقدور ، وإرادة العبد لما يفعله سابقة على فعله ؛ فتكون إرادته الفعل غير مبنيَّةٍ على علم منه بقدر الله ، وحينئذ تنتفي حجته بالقدر ؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه .
السادس : أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه من أمور دنياه ؛ حتى يدركه ، ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ، ثم يحتجُّ على عدوله بالقدر؛ فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتجُّ بالقدر ؟ أفليس شأن الأمرين واحدًا ؟!
وإليك مثالاً يوضح ذلك :
لو كان بين يدي الإنسان طريقان : أحدهما : ينتهي به إلى بلد كلها فوضى : قتل ، ونهب ، وانتهاك للأعراض ، وخوف ، وجوع .
والثاني : ينتهي به إلى بلد كلها نظام ، وأمن مستتب، وعيش رغيد ، واحترام للنفوس والأعراض و الأموال ، فأي الطريقين يسلك ؟
إنه سيسلك الطريق الثاني الذي ينتهي به إلى بلد النظام و الأمن ، و لا يمكن لأي عاقل أبدًا أن يسلك طريقَ بلدِ الفوضى ، والخوف ، ويحتجُّ بالقدر ، فلماذا يسلك في أمر الآخرة طريق النار دون الجنة ويحتجُّ بالقدر ؟
ومثالاً آخر : نرى المريض يؤمر بالدواء ؛ فيشربه ، ونفسه لا تشتهيه ، وينهى عن الطعام الذي يضرُّه ؛ فيتركه، ونفسه تشتهيه ، كل ذلك ؛ طلبـًا للشفاء والسلامة ، ولا يمكن أن يمتنع عن شرب الدواء ، أو يأكل الطعام الذي يضره ، ويحتجُّ بالقدر ، فلماذا يترك الإنسان ما أمر الله به ورسوله أو يفعلُ ما نهى الله عنه ورسوله ثم يحتجُّ بالقدر ؟
السابع : أن المحتجَّ بالقدر على ما تركه من
الواجبات ، أو فعله من المعاصي ، لو اعتدى عليه شخص فأخذ ماله ، أو انتهك حرمته ، ثم احتجَّ بالقدر، وقال : لا تلمني فإنَّ اعتدائي كان بقدر الله ؛ لم يقبل حجته ، فكيف لا يقبل الاحتجاج بالقدر في اعتداء غيره عليه ، ويحتج به لنفسه في اعتدائه على حق الله تعالى ؟!
ويُذْكَرُ أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t رُفِعَ إليه سارقٌ استحق القطع ؛ فأمر بقطع يده فقال : مهلاً يا أمير المؤمنين ، فإنما سرقت بقدر الله؛ فقال عمر : ونحن إنما نقطعُ بقدر الله .
وللإيمان بالقدر ثمرات جليلة منها :
الأولى : الاعتماد على الله تعالى ، عند فعل
الأسباب ، بحيث لا يعتمدُ على السبب نفسه ؛ لأن كل شيء بقدر الله تعالى .
الثانية : أن لا يُعْجَب المرء بنفسه عند حصول مراده؛ لأن حصوله نعمة من الله تعالى ، بما قَدَّره من أسباب الخير ، والنجاح ، وإعجابه بنفسه ، ينسيه شكر هذه النعمة .
الثالثة : الطمأنينة ، والراحة النفسية بما يجزى عليه من أقدار الله تعالى ؛ فلا يقلقُ بفوات محبوب، أو حصول مكروه ؛ لأن ذلك بقدر الله الذي له ملك السموات والأرض ، وهو كائن لا محالة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [سورة الحديد : 22 ، 23] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجبـًا لأمر المؤمن إنّ أمره كلَّه خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سرَّاءُ شكر ؛ فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر ؛ فكان خيرًا له ) (3) .
وقد ضلَّ في القدر طائفتان :
إحداهما : الجبرية الذين قالوا إنَّ العبد مجبر
على عمله ، وليس له فيه إرادة ولا قدرة .
الثانية : القدرية الذين قالوا : إنَّ العبد مستقل بعلمه في الإرادة ، والقدرة ، وليس لمشيئة الله تعالى، وقدرته فيه أثر .
والرد على الطائفة الأولى (الجبرية) بالشرع والواقع:
أما الشرع : فإن الله تعالى أثبت للعبد إرادة ومشيئة، وأضاف العمل إليه ، قال الله تعالى : (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) [سورة آل عمران : 152] وقال تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بـِهِمْ سُرَادِقُهَا) [سورة الكهف : 29] وقال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبـِـيدِ) [سورة فصلت : 46] .
وأما الواقع : فإن كل إنسان يعلمُ الفرق بين أفعاله الاختيارية التي يفعلها بإرادته : كالأكل ، والشرب ، والبيع، والشراء ، وبين ما يقعُ عليه بغير إرادته : كالارتعاش من الحمى ، والسقوط من السطح ، فهو في الأول فاعل مختار بإرادته من غير جبر ، وفي الثاني غير مختار ، ولا مريد لما وقع عليه .
والرد على الطائفة الثانية (القدرية) بالشرع والعقـل :
أما الشرع : فإن الله تعالى خالق كل شيء ، وكل شيء كائن بمشيئته ، وقد بـَيـّنَ الله تعالى في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته فقال تعالى : (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَـا اقْتَتَلُــواْ وَلَكِـنَّ اللّهَ يَفْعَـلُ مَـا يُرِيدُ) [سورة البقـرة :253] ، وقال تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) [سورة السجدة : 13] .
وأما العقل : فإن الكون كُلَّه مملوكٌ لله تعالى ، والإنسان من هذا الكون ؛ فهو مملوك لله تعالى ، ولا يمكن للمملوك أن يتصرف في ملك المالك إلا بإذنه ومشيئته .


(1) رواه مسلم ، كتاب القدر ، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام ، رقم (6690) .
(2) رواه البخاري ، كتاب التفسير ، باب فسنيسره لليسرى رقم : (4663) ، ورواه مسلم ، كتاب القدر ، باب كيفية خلق الآدمي وكتابة أجله ، رقم : (6675) .
(3) رواه مسلم ، كتاب الزهد والرقائق ، باب المؤمن أمره كله خير ، رقم (7425) .

ابو ضاري
08-02-2011, 10:21
أهداف العقيدة الإسلامية

الهدف (لغة) : يطلق على معانٍ منها : (الغـَرَضُ ، ينصب ؛ ليرمي إليه ، وكل شيء مقصود ) .
أهداف العقيدة الإسلامية : مقاصدها ، وغاياتها النبيلة ، المترتبة على التمسك بها ، وهي كثيرة متنوعة فمنها :
أولاً : إخلاص النيـة ، والعبادة لله تعـالى وحده ؛ لأنه الخالق لا شريك له ؛ فوجب أن يكون القصد ، والعبادة له وحده .
ثانيـًا : تحرير العقل ، والفكر من التخبُّط الفوضويِّ الناشئ عن خـُلُوِّ القلب من هذه العقيدة ؛ لأن من خلا قلبه منها ؛ فهو إما فارغ القلب من كل عقيدة ، وعابد للمادة الحسِّيَّة فقط ، وإما متخبط في ضلالات العقائد ، والخرافات .
ثالثـًا : الراحة النفسية ، والفكرية ، فلا قلق
في النفس ولا اضطراب في الفكر ؛ لأن هذه العقيدة تصـل المؤمن بخالقه ؛ فيرضـى به ربـًّا مدبرًا ، وحاكمـًا مشرِّعـًا ؛ فيطـمئـنُ قلبه بقدره ، وينشرح صـدره للإسلام ؛ فلا يبغي عنه بديلاً .
رابعـًا : سلامة القصد ، والعمل من الانحراف في عبادة الله تعالى ، أو معاملة المخلوقين ؛ لأن من أسسها الإيمان بالرسل ، المتضمن لاتباع طريقتهم ذات السلامة في القصد و العمل .
خامسـًا : الحزم و الجد في الأمور ، بحيث لا يفوِّت فرصة للعمل الصالح إلا استغلها فيه ؛ رجاء للثواب ، ولا يرى موقع إثم إلا ابتعد عنه ؛ خوفـًا من العقاب ؛ لأن من أسسها الإيمان بالبعث والجزاء على الأعمال .
قال الله تعالى : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [سورة الأنعام : 132] ، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم علـى هذه الغـاية في قوله : (المؤمن القوي خيرٌ ، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيـف ، وفي كل خير ، احرص علـى ما ينفعـك ، واستعن بالله ، ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أنِّي فعلت كذا كان كذا وكذا ، ولكن قلْ : قدَّر الله وما شاء فعل ؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان ) (1) .
سادسـًا : تكوين أمَّة قوية تبذل كلَّ غالٍ ورخيص في تثبيت دينها ، وتوطيد دعائمه ، غير مبالية بما يصيبها في سبيل ذلك ، وفي هذا يقول الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثـُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحجرات : 15].
سابعـًا : الوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة بإصلاح الأفراد والجماعات ، ونيل الثواب والمكرمات، وفي ذلك يقول الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [سورة النحل : 97] .
هذه بعض أهداف العقيدة الإسلامية ... نرجو الله تعالى أن يحققهـا لنا ، ولجميـع المسلمين ، إنه جواد كريم ، والحمد لله رب العالمين .


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،


(1) رواه مسلم ، كتاب القدر ، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله ، رقم ( 6716) .

ابو ضاري
08-02-2011, 10:22
قواعد في أسماء الله تعالى


القاعدة الأولى: أسماء الله تعالى كلها حسنى:
أي بالغة في الحسن غايته، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)(1). وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا احتمالاً ولا تقديراً.
* مثال ذلك: "الحي" اسم من أسماء الله تعالى، متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال. الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم، والقدرة، والسمع، والبصر وغيرها.
* ومثال آخر: "العليم" اسم من أسماء الله متضمن للعلم الكامل، الذي لم يسبق بجهل، ولا يلحقه نسيان، قال الله تعالى (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(2). العلم الواسع المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلاً، سواء ما يتعلق بأفعاله، أو أفعال خلقه، قال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(3). (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(4)، (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(5).
* ومثال ثالث: "الرحمن" اسم من أسماء الله تعالى متضمن للرحمة الكاملة، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، "لله أرحم بعباده من هذه بولدها"(6) يعني أم صبي وجدته في السبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته، ومتضمن أيضاً للرحمة الواسعة التي قال الله عنها: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(7)، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً)(8).
والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال.
مثال ذلك: "العزيز الحكيم". فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيراً. فيكون كل منهما دالاً على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة في العزيز، والحكم والحكمة في الحكيم، والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظلماً وجوراً وسوء فعل، كما قد يكون من أعزاء المخلوقين، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم، فيظلم ويجور ويسيء التصرف. وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل بخلاف حكم المخلوق وحكمته فإنهما يعتريهما الذل.
القاعدة الثانية: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف:
أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله - عز وجل - وبالاعتبار الثاني متباينة لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص فـ "الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم". كلها أسماء لمسمى واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا.
وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف، لدلالة القرآن عليه. كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(9). وقوله: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة)(10). فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة. ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن له علم، ولا سميع إلا لمن له سمع، ولا بصير إلا لمن له بصر، وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل.
وبهذا علم ضلال من سلبوا أسماء الله تعالى معانيها من أهل التعطيل وقالوا: إن الله تعالى سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وعزيز بلا عزة وهكذا.. وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء. وهذه العلة عليلة بل ميتة لدلالة السمع(11) والعقل على بطلانها.
أما السمع: فلأن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة، مع أنه الواحد الأحد. فقال تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)(12). وقال تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى* وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى* فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى)(13). ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد، ولم يلزم من ثبوتها تعدد القدماء.
وأما العقل: فلأن الصفات ليست ذوات بائنة من الموصوف، حتى يلزم من ثبوتها التعدد، وإنما هي من صفات من اتصف بها، فهي قائمة به، وكل موجود فلابد له من تعدد صفاته، ففيه صفة الوجود، وكونه واجب الوجود، أو ممكن الوجود، وكونه عيناً قائماً بنفسه أو وصفاً في غيره.
وبهذا أيضاً علم أن: "الدهر" ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى، ولأنه اسم للوقت والزمن، قال الله تعالى عن منكري البعث: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)(14) يريدون مرور الليالي والأيام.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله - عز وجل -: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"(15). فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى؛ وذلك أن الذين يسبون الدهر إنما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث، لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله: "وأنا الدهر" ما فسره بقوله: "بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار، وهما الدهر، ولا يمكن أن يكون المقلب (بكسر اللام) هو المقلب (بفتحها) وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مراداً به الله تعالى.
القاعدة الثالثة: أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد، تضمنت ثلاثة أمور:
أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها. ولهذا استدل أهل العلم على سقوط الحد عن قطاع الطريق بالتوبة، استدلوا على ذلك بقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(16)؛ لأن مقتضى هذين الاسمين أن يكون الله تعالى قد غفر لهم ذنوبهم، ورحمهم بإسقاط الحد عنهم.
* مثال ذلك: "السميع" يتضمن إثبات السميع اسماً لله تعالى، وإثبات السمع صفة له وإثبات حكم ذلك ومقتضاه وهو أنه يسمع السر والنجوى كما قال تعالى: (وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)(17).
وإن دلت على وصف غير متعد تضمنت أمرين:
أحدهما: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
* مثال ذلك:"الحي" يتضمن إثبات الحي اسماً لله - عزوجل - وإثبات الحياة صفة له.
القاعدة الرابعة: دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام.
* مثال ذلك: "الخالق" يدل على ذات الله، وعلى صفة الخلق بالمطابقة، ويدل على الذات وحدها وعلى صفة الخلق وحدها بالتضمن، ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام.
ولهذا لما ذكر الله خلق السموات والأرض قال: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)(18) ودلالة الالتزام مفيدة جداً لطالب العلم إذا تدبر المعنى ووفقه الله تعالى فهماً للتلازم، فإنه بذلك يحصل من الدليل الواحد على مسائل كثيرة.
واعلم أن اللازم من قول الله تعالى، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صح أن يكون لازماً فهو حق؛ وذلك لأن كلام الله ورسوله حق، ولازم الحق حق، ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازماً من كلامه وكلام رسوله فيكون مراداً.
وأما اللازم من قول أحدٍ سوى قول الله ورسوله، فله ثلاث حالات:
الأولى: أن يذكر للقائل ويلتزم به، مثل أن يقول من ينفي الصفات الفعلية لمن يثبتها: يلزم من إثباتك الصفات الفعلية لله - عز وجل - أن يكون من أفعاله ما هو حادث. فيقول المثبت: نعم، وأنا ألتزم بذلك فإن الله تعالى لم يزل ولا يزال فعالاً لما يريد ولا نفاد لأقواله وأفعاله كما قال تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)(19). وقال: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(20). وحدوث آحاد فعله تعالى لا يستلزم نقصاً في حقه.
الحال الثانية: أن يذكر له ويمنع اللازم بينه وبين قوله، مثل أن يقول النافي للصفات لمن يثبتها: يلزم من إثباتك أن يكون الله تعالى مشابهاً للخلق في صفاته. فيقول المثبت: لا يلزم ذلك، لأن صفات الخالق مضافة إليه لم تذكر مطلقة حتى يمكن ما ألزمت به، وعلى هذا فتكون مختصة به لائقة به، كما أنك أيها النافي للصفات تثبت لله تعالى ذاتاً وتمنع أن يكون مشابهاً للخلق في ذاته، فأي فرق بين الذات والصفات؟!.
وحكم اللازم في هاتين الحالتين ظاهر.
الحال الثالثة: أن يكون اللازم مسكوتاً عنه، فلا يذكر بالتزام ولا منع، فحكمه في هذه الحال ألا ينسب إلى القائل، لأنه يحتمل لو ذكر له أن يلتزم به أو يمنع التلازم، ويحتمل لو ذكر له فتبين له لزومه وبطلانه أن يرجع عن قوله؛ لأن فساد اللازم يدل على فساد الملزوم. ولورود هذين الاحتمالين لا يمكن الحكم بأن لازم القول قول.
فإن قيل: إذا كان هذا اللازم لازماً من قوله، لزم أن يكون قولاً له، لأن ذلك هو الأصل، لاسيما مع قرب التلازم.
قلنا: هذا مدفوع بأن الإنسان بشر، وله حالات نفسية وخارجية توجب الذهول عن اللازم، فقد يغفل، أو يسهو، أو ينغلق فكره، أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تفكير في لوازمه، ونحو ذلك.
القاعدة الخامسة: أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها:
وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(21) . وقوله: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(22). ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص.
القاعدة السادسة: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين:
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك". الحديث رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وهو صحيح(23).
وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحدٍ حصره، ولا الإحاطة به.
فأما قولـه صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها(24) دخل الجنة"(25)، فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة: "إن أسماء الله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة" أو نحو ذلك.
إذن فمعنى الحديث: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة، وعلى هذا فيكون قوله: "من أحصاها دخل الجنة" جملة مكملة لما قبلها، وليست مستقلة، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فإنه لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للصدقة.
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين هذه الأسماء، والحديث المروي عنه في تعيينها ضعيف.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "الفتاوى" ص 383 جـ6 من "مجموع ابن قاسم": تعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه، وقال قبل ذلك ص 379: إن الوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسراً في بعض طرق حديثه. أهـ.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" ص215 جـ11 ط السلفية:
ليست العلة عند الشيخين (البخاري ومسلم)، تفرد الوليد فقط، بل الاختلاف فيه والاضطراب، وتدليسه واحتمال الإدراج. أهـ.
ولما لم يصح تعيينها عن النبي صلى الله عليه وسلم اختلف السلف فيه، وروي عنهم في ذلك أنواع. وقد جمعت تسعة وتسعين اسماً مما ظهر لي من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فمن كتاب الله تعالى:





الله

الأحد

الأعلى

الأكرم

الإله

الأول

والآخر

والظاهر

والباطن

البارئ

البر

البصير

التواب

الجبار

الحافظ

الحسيب

الحفيظ

الحفي

الحق

المبين

الحكيم

الحليم

الحميد

الحي

القيوم

الخبير

الخالق

الخلاق

الرؤوف

الرحمن

الرحيم

الرزاق

الرقيب

السلام

السميع

الشاكر

الشكور

الشهيد

الصمد

العالم

العزيز

العظيم

العفو

العليم

العلي

الغفار

الغفور

الغني

الفتاح

القادر

القاهر

القدوس

القدير

القريب

القوي

القهار

الكبير

الكريم

اللطيف

المؤمن

المتعالي

المتكبر

المتين

المجيب

المجيد

المحيط

المصور

المقتدر

المقيت

الملك

المليك

المولى

المهيمن

النصير

الواحد

الوارث

الواسع

الودود

الوكيل

الولي

الوهاب








ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الجميل(26) الجواد(27) الحكم(28) الحيي(29) الرب(30) الرفيق(31) السبوح(32) السيد(33) الشافي(34) الطيب(35) القابض(36)الباسط(37)المقدم(38)المؤخر(39) المحسن(40) المعطي(41) المنان(42) الوتر(43).
هذا ما اخترناه بالتتبع، واحد وثمانون اسماً في كتاب الله تعالى وثمانية عشر اسماً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان عندنا تردد في إدخال (الحفي)؛ لأنه إنما ورد مقيداً في قوله تعالى عن إبراهيم: (إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً)(44) وما اخترناه فهو حسب علمنا وفهمنا وفوق كل ذي علم عليم حتى يصل ذلك إلى عالم الغيب والشهادة ومن هو بكل شيء عليم(45).
القاعدة السابعة: الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها. وهو أنواع:
الأول: أن ينكر شيئاً منها أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم. وإنما كان ذلك إلحاداً لوجوب الإيمان بها وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها.
الثاني: أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين كما فعل أهل التشبيه، وذلك لأن التشبيه معنى باطل لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل هي دالة على بطلانه، فجعلها دالة عليه ميل بها عما يجب فيها.
الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له: (الأب)، وتسمية الفلاسفة إياه (العلة الفاعلة)، وذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، كما أن هذه الأسماء التي سموه بها نفسها باطلة ينزه الله تعالى عنها.
الرابع: أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام، كما فعل المشركون في اشتقاق العزى من العزيز، واشتقاق اللات من الإله، على أحد القولين، فسموا بها أصنامهم؛ وذلك لأن أسماء الله تعالى مختصة به، لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(46). وقوله: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)(47). وقوله: (لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض)(48). فكما اختص بالعبادة وبالألوهية الحق، وبأنه يسبح له ما في السموات والأرض فهو مختص بالأسماء الحسنى، فتسمية غيره بها على الوجه الذي يختص بالله - عز وجل - ميل بها عما يجب فيها.
والإلحاد بجميع أنواعه محرم؛ لأن الله تعالى هدد الملحدين بقوله: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(49).
ومنه ما يكون شركاً أو كفراً حسبما تقتضيه الأدلة الشرعية.


(1) سورة الأعراف، الآية: 180.
(2) سورة طه، الآية: 52.
(3) سورة الأنعام، الآية 59.
(4) سورة هود، الآية: 6.
(5) سورة التغابن، الآية: 4.
(6) رواه البخاري، كتاب الأدب (5999)، ومسلم، كتاب التوبة (2754).
(7) سورة الأعراف، الآية: 156.
(8) سورة غافر، الآية: 7.
(9) سورة يونس، الآية: 107.
(10) سورة الكهف، الآية: 58.
(11) السمع هو القرآن والسنة، وسيمر بك هذا التعبير كثيراً فانتبه له.
(12) سورة البروج، الآيات: 12 - 16.
(13) سورة الأعلى (1- 5).
(14) سورة الجاثية، الآية: 24.
(15) رواه البخاري، كتاب التفسير (4826)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب (2246).
(16) سورة المائدة، الآية: 34.
(17) سورة المجادلة، الآية: 1.
(18) سورة الطلاق، الآية: 12.
(19) سورة الكهف، الآية: 109.
(20) سورة لقمان، الآية: 27.
(21) سورة الإسراء، الآية: 36.
(22) سورة الأعراف، الآية: 33.
(23) رواه أحمد (1/391، 452)، وابن حبان رقم (2372) "موارد"، والحاكم (1/509)، وذكره الألباني في "الأحاديث الصحيحة" رقم (199).
(24) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: إحصاؤها حفظها لفظاً وفهمها معنى، وتمامه أن يتعبد لله تعالى بمقتضاها.
(25) رواه البخاري، كتاب التوحيد (7392) ومسلم، كتاب الذكر (2677).
(26) "صحيح مسلم"، كتاب الإيمان (91).
(27)"سنن الترمذي"،كتاب صفة القيامة (2495) وحسنه،و"سنن ابن ماجه"كتاب الزهد(4257)،و"مسند أحمد"(5/154)،والبيهقي في الشعب.
(28) "سنن أبي داود"، كتاب الأدب (4955)، و "سنن النسائي"، كتاب آداب القضاة (5387).
(29) "سنن أبي داود"، كتاب الحمام (4012)، و "سنن النسائي"، كتاب الغسل (406)، ومسند أحمد (4/224)، والترمذي.
(30) "سنن النسائي" كتاب الطهارة (5)، و "سنن ابن ماجه"، كتاب الطهارة (289)، و "مسند أحمد" (1/3، 2/108).
(31) "صحيح البخاري"، كتاب استتابة المرتدين (6927)، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة (6693).
(32) "صحيح مسلم"، كتاب الصلاة (487).
(33) "سنن أبي داود"، كتاب الأدب (4806)، و "مسند أحمد" (4/24، 25).
(34) "صحيح البخاري"، كتاب الطب (5742)، ومسلم، كتاب الطب (2191).
(35) "صحيح مسلم"، كتاب الزكاة (1015).
(36) "سنن أبي داود"، أبواب الإجارة (3451)، و "سنن ابن ماجه"، كتاب التجارات (2200).
(37) "سنن أبي داود"، أبواب الإجارة (3451)، "سنن ابن ماجه"، كتاب التجارات (2200).
(38) "صحيح البخاري"ن كتاب التهجد (1120)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين (771).
(39) "صحيح البخاري"، كتاب التهجد (1120)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين (771).
(40) الطبراني في "الأوسط" وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
(41) "صحيح البخاري"، كتاب الاعتصام (7292)، و "صحيح مسلم" (471).
(42) "سنن أبي داود"، كتاب الوتر (1495)، و "سنن الترمذي"، كتاب الدعوات (3544)، و "سنن النسائي"، كتاب السهو (1300)، و "سنن ابن ماجه"، كتاب الدعاء (3858)، و "مسند أحمد" (3/120).
(43) "صحيح البخاري"، كتاب الدعوات (6410)، ومسلم، كتاب الذكر (2677).
(44) سورة مريم، الآية: 47.
(45) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: لم نذكر الأسماء المضافة مثل "رب العالمين، وعالم الغيب والشهادة، وبديع السموات والأرض". وهي كثيرة؛ لأنه لم يتبين لنا أنها مراده، والعلم عند الله تعالى.
(46) سورة الأعراف، الآية: 180.
(47) سورة طه، الآية: 8.
(48) سورة الحشر، الآية: 24.
(49) سورة الأعراف، الآية: 180.

ابو ضاري
08-02-2011, 10:23
قواعد في صفات الله تعالى

القاعدة الأولى: صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك. وقد دل على هذا السمع، والعقل، والفطرة.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(50). والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى.
وأما العقل: فوجهه أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة. إما صفة كمال، وإما صفة نقص. والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة؛ ولهذا أظهر الله تعالى بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز. فقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)(51). وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(52). وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)(53)، وعلى قومه: (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(54).
ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال، وهي من الله تعالى، فمعطي الكمال أولى به.
وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟
وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى كالموت والجهل، والنسيان، والعجز،والعمى،والصمم ونحوها؛لقوله تعالى:(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)(55). وقوله عن موسى: (فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(56). وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)(57). وقوله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(58).وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال:"إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور"(59). وقال: " أيها الناس، أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائباً"(60).
وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص، كما في قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(61). وقوله: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)(62).
ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص، فقال سبحانه: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(63). وقال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(64).
وإذا كانت الصفة كمالاً في حال، ونقصاً في حال، لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتاً مطلقاً، ولا تنفى عنه نفياً مطلقاً بل لابد من التفصيل: فتجوز في الحال التي تكون كمالاً، وتمتنع في الحال التي تكون نقصاً وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوها. فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد، وتكون نقصاً في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها،كقوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(65). وقوله: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً)(66). وقوله: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ*وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)(67).وقوله:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)(68). وقوله: (قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(69).
ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(70). فقال: (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ )، ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهي صفة ذم مطلقاً.
وبهذا عرف أن قول بعض العوام: "خان الله من يخون" منكر فاحش، يجب النهي عنه.
القاعدة الثانية: باب الصفات أوسع من باب الأسماء:
وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة كما سبق في القاعدة الثالثة من قواعد الأسماء، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(71).
ومن أمثلة ذلك: أن من صفات الله تعالى المجيء، والإتيان، والأخذ والإمساك، والبطش، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال تعالى: (وَجَاءَ رَبُّك)(72). وقال: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ)(73). وقال: (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ)(74). وقال: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(75). وقال: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)(76). وقال: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(77). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"(78).
فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه الجائي، والآتي، والآخذ، والممسك، والباطش، والمريد، والنازل، ونحو ذلك، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به.
القاعدة الثالثة: صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية:
فالثبوتية: ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك.
فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً)(79).
فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بصفاته. والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله. وكون محمد صلى الله عليه وسلم رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما أخبر به عن مرسله، وهو الله - عز وجل.
وأما العقل: فلأن الله تعالى أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوب الثلاثة ممتنعة في حق الله - عز وجل - فوجب قبول خبره على ما أخبر به.
وهكذا نقول فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بربه وأصدقهم خبراً وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بياناً، فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه.
والصفات السلبية: ما نفاها الله - سبحانه - عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب.
فيجب نفيها عن الله تعالى - لما سبق - مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه؛ لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال، وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون كمالاً، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالاً كما لو قلت: الجدار لا يظلم. وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصاً، كما في قول الشاعر:
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل

وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوى حسب ليسوا من الشر في شيء وإن هانا


* مثال ذلك: قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوت)(80).
فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
* مثال آخر: قوله تعالى:(وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(81).نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
* مثال ثالث: قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)(82). فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته. ولهذا قال بعده: (إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً). لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض.
وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال.
القاعدة الرابعة: الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر.
ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية، كما هو معلوم.
أما الصفات السلبية فلم تذكر غالباً إلا في الأحوال التالية:
الأولى: بيان عموم كماله كما في قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(83)، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(84).
الثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون، كما في قوله: (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً)(85).
الثالثة: دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين، كما في قوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ)(86). وقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)(87).
القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، ومنها الصفات الخبرية، كالوجه، واليدين، والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً. وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(88). وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته. وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجزعن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه - سبحانـه - لا يشاء شيئاً إلا وهو موافق للحكمة ، كما يشير إليه قوله تعالى : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشـَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(89).
القاعدة السادسة: يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين: أحدهما: التمثيل. والثاني: التكييف.
فأما التمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين، وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(90). وقوله: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(91). وقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(92). وقوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(93).
وأما العقل فمن وجوه:
الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبياناً في الذات، وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات؛ لأن صفة كل موصوف تليق به، كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات، فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى.
الثاني: أن يقال: كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهاً في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق؟! فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصاً.
الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية، فنشاهد أن للإنسان يداً ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة، وبينهما تباين في الكيفية والوصف، فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لا يلزم منه الاتفاق في الحقيقة.
والتشبيه كالتمثيل، وقد يفرق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصفات،لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(94).
وأما التكييف: فهو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا، من غير أن يقيدها بمماثل. وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.

أما السمع: فمنه قوله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(95). وقوله: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(96). ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تكييفنا قفواً لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به.

وأما العقل: فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته أو العلم بنظيره المساوي له،أو بالخبر الصادق عنه،وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله - عز وجل - فوجب بطلان تكييفها.

وأيضاً فإننا نقول: أي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟

إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، فالله أعظم وأجل من ذلك.

وأي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذباً فيها؛ لأنه لا علم لك بذلك.

وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديراً بالجنان، أو تقديراً باللسان، أو تحريراً بالبنان.

ولهذا لما سئل مالك - رحمه الله تعالى - عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(97) كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" وروى عن شيخه ربيعة أيضاً: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول". وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان. وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي فوجب الكف عنه.

فالحذر الحذر من التكييف أو محاولته، فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته، فالجأ إلى ربك فإنه معاذك، وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(98).

القاعدة السابعة: صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها.

فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث" "انظر القاعدة الخامسة في الأسماء).

ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:

الأول:التصريح بالصفة كالعزة، والقوة، والرحمة، والبطش، والوجه، واليدين ونحوها.

الثاني: تضمن الاسم لها مثل: الغفور متضمن للمغفرة، والسميع متضمن للسمع، ونحو ذلك (انظر القاعدة الثالثة في الأسماء).

الثالث: التصريح بفعل أو وصف دال عليها كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين، الدال عليها - على الترتيب - قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(99) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا". الحديث(100). وقول الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)(101). وقوله: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)(102).



(50) سورة النحل، الآية: 60.
(51) سورة الأحقاف، الآية: 5.
(52) سورة النحل، الآيتان: 20، 21.
(53) سورة مريم، الآية: 42.
(54) سورة الأنبياء، الآيتان: 66، 67.
(55) سورة الفرقان، الآية: 58.
(56) سورة طه، الآية: 52.
(57) سورة فاطر، الآية: 44.
(58) سورة الزخرف، الآية: 80.
(59) رواه البخاري، كتاب الفتن (7131)، ومسلم، كتاب الفتن (2933).
(60) رواه البخاري، كتاب المغازي (4202)، ومسلم، كتاب الذكر (2704).
(61) سورة المائدة، الآية: 64.
(62) سورة آل عمران، الآية: 181.
(63) سورة الصافات، الآيات: 180 - 182.
(64) سورة المؤمنون، الآية: 91.
(65) سورة الأنفال، الآية: 30.
(66) سورة الطارق، الآيتان: 15، 16.
(67) سورة الأعراف، الآيتان: 182، 183.
(68) سورة النساء، الآية: 142.
(69) سورة البقرة، الآيتان: 14، 15.
(70) سورة الأنفال، الآية: 71.
(71) سورة لقمان، الآية: 27.
(72) سورة الفجر، الآية: 22.
(73) سورة البقرة، الآية: 210.
(74) سورة آل عمران، الآية: 11.
(75) سورة الحج، الآية: 65.
(76) سورة البروج، الآية: 12.
(77) سورة البقرة، الآية: 185.
(78) رواه البخاري، كتاب التهجد (1145)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين (758).
(79) سورة النساء، الآية: 136.
(80) سورة الفرقان، الآية: 58.
(81) سورة الكهف، الآية: 49.
(82) سورة فاطر، الآية: 44.
(83) سورة الشورى، الآية: 11.
(84) سورة الإخلاص، الآية: 4.
(85) سورة مريم، الآيتان: 91، 92.
(86) سورة الأنبياء، الآية: 16.
(87) سورة ق، الآية: 38.
(88) سورة يس، الآية: 82.
(89) سورة الإنسان، الآية: 30.
(90) سورة الشورى، الآية: 11.
(91) سورة النحل، الآية: 17.
(92) سورة مريم، الآية: 65.
(93) سورة الإخلاص، الآية: 4.
(94) سورة الشورى، الآية: 11.
(95) سورة طه، الآية: 110.
(96) سورة الإسراء، الآية: 36.
(97) سورة طه، الآية: 5.
(98) سورة فصلت، الآية: 36.
(99) سورة طه، الآية: 5.
(100) سبق تخريجه.
(101) سورة الفجر، الآية: 22.
(102) سورة السجدة، الآية: 22.

ابو ضاري
08-02-2011, 10:26
قواعد في أدلة الأسماء والصفات


القاعدة الأولى: الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته، هي: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.

وعلى هذا فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب أو السنة وجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه، مع إثبات كمال ضده، وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه فلا يثبت ولا ينفى لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.

وأما معناه فيفصل فيه، فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول. وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده.

فمما ورد إثباته لله تعالى: كل صفة دل عليها اسم من أسماء الله تعالى دلالة مطابقة، أو تضمن، أو التزام.
ومنه كل صفة دل عليها فعل من أفعاله كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين عباده يوم القيامة، ونحو ذلك من أفعاله التي لا تحصى أنواعها فضلاً عن أفرادها (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)(103).
ومنه: الوجه، والعينان، واليدان ونحوها.
ومنه الكلام، والمشيئة، والإرادة بقسميها: الكوني، والشرعي. فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة.
ومنه الرضا، والمحبة، والغضب، والكراهة ونحوها(104).
ومما ورد نفيه عن الله سبحانه لانتفائه وثبوت كمال ضده: الموت، والنوم، والسنة، والعجز، والإعياء، والظلم، والغفلة عن أعمال العباد، وأن يكون له مثيل أو كفؤ ونحو ذلك(2).
ومما لم يرد إثباته ولا نفيه لفظ (الجهة) فلو سأل سائل هل نثبت لله تعالى جهة؟
قلنا له: لفظ الجهة لم يرد في الكتاب والسنة إثباتاً ولا نفياً، ويغني عنه ما ثبت فيهما من أن الله تعالى في السماء. وأما معناه فإما أن يراد به جهة سفل أو جهة علو تحيط بالله أو جهة علو لا تحيط به.
فالأول باطل لمنافاته لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة، والعقل والفطرة، والإجماع.
والثاني باطل أيضاً؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
والثالث حق؛ لأن الله تعالى العلي فوق خلقه ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.
ودليل هذه القاعدة السمع والعقل.
فأما السمع فمنه قوله تعالى:(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(105)، وقوله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(106)، وقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(107)، وقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(108)، وقوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(109)، وقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)(110).
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن والسنة.
وكل نص يدل على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن فهو دال على وجوب الإيمان بما جاء في السنة؛ لأن مما جاء في القرآن الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والرد إليه عند التنازع. والرد إليه يكون إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
فأين الإيمان بالقرآن لمن استكبرعن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم المأمور به في القرآن؟
وأين الإيمان بالقرآن لمن لم يرد النزاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله به في القرآن؟
وأين الإيمان بالرسول الذي أمر به القرآن لمن لم يقبل ما جاء في سنته؟
ولقد قال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(111). ومن المعلوم أن كثيراً من أمور الشريعة العلمية والعملية جاء بيانها بالسنة، فيكون بيانها بالسنة من تبيان القرآن.
وأما العقل فنقول: إن تفصيل القول فيما يجب أو يمتنع أو يجوز في حق الله تعالى من أمور الغيب التي لا يمكن إدراكها بالعقل، فوجب الرجوع فيه إلى ما جاء في الكتاب والسنة.
القاعدة الثانية: الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
ودليل ذلك: السمع، والعقل.
أما السمع: فقوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(112). وقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(113). وقوله: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(114). وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.
وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(115). وقال تعالى:( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)(116). الآية.
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة.
القاعدة الثالثة: ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.
وقد دل على ذلك: السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)(117). وقوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكـُمْ تَعْقِلُونَ)(118).وقـوله -جـل ذكره- (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(119).
والتدبر لا يكون إلا فيما يمكن الوصول إلى فهمه، ليتذكر الإنسان بما فهمه منه.
وكون القرآن عربياً ليعقله من يفهم العربية يدل على أن معناه معلوم وإلا لما كان فرق بين أن يكون باللغة العربية أو غيرها.
وبيان النبي صلى الله عليه وسلم القرآن للناس شامل لبيان لفظه وبيان معناه.
وأما العقل: فلأن من المحال أن ينزل الله تعالى كتاباً أو يتكلم رسوله صلى الله عليه وسلم بكلام يقصد بهذا الكتاب وهذا الكلام أن يكون هداية للخلق، ويبقى في أعظم الأمور وأشدها ضرورة مجهول المعنى، بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يفهم منها شيء؛ لأن ذلك من السفه الذي تأباه حكمة الله تعالى، وقد قال الله تعالى عن كتابه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(120).
هذه دلالة السمع والعقل على علمنا بمعاني نصوص الصفات.
وأما دلالتهما على جهلنا لها باعتبار الكيفية،فقد سبقت في القاعدة السادسة من قواعد الصفات.
وبهذا علم بطلان مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني نصوص الصفات، ويدعون أن هذا مذهب السلف. والسلف بريئون من هذا المذهب، وقد تواترت الأقوال عنهم بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالاً أحياناً وتفصيلاً أحياناً، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله - عز وجل.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه المعروف بـ "العقل والنقل" ص116 جـ1 المطبوع على هامش (منهاج السنة): "وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله - إلى أن قال ص118 -: وحينئذٍ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه. بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه، قال: ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدىً وبياناً للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته... لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأننا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلاً عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد. أهـ. كلام الشيخ وهو كلام سديد من ذي رأي رشيد، وما عليه مزيد - رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات النعيم.
القاعدة الرابعة: ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق. وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.
فلفظ (القرية)، مثلاً يراد به القوم تارة، ومساكن القوم تارة أخرى.
فمن الأول قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً )(121).
ومن الثاني قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم: (إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَة)(122).
وتقول: صنعت هذا بيدي، فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ)(123)؛ لأن اليد في المثال أضيفت إلى المخلوق فتكون مناسبة له، وفي الآية أضيفت إلى الخالق فتكون لائقة به، فلا أحد سليم الفطرة صريح العقل يعتقد أن يد الخالق كيد المخلوق أو بالعكس.
ونقول: ما عندك إلا زيد، وما زيد إلا عندك، فتفيد الجملة الثانية معنى غير ما تفيده الأولى مع اتحاد الكلمات، لكن اختلف التركيب فغير المعنى به.
إذا تقرر هذا فظاهر نصوص الصفات ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني.
وقد انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من جعلوا الظاهر المتبادر منها معنى حقاً يليق بالله - عز وجل - وأبقوا دلالتها على ذلك، وهؤلاء هم السلف الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والذين لا يصدق لقب أهل السنة والجماعة إلا عليهم.
وقد أجمعوا على ذلك كما نقله ابن عبد البر فقال: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة" أهـ.
وقال القاضي أبو يعلى في كتاب "إبطال التأويل": "لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة" أهـ. نقل ذلك عن ابن عبد البر والقاضي شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص87-89 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن القاسم.
وهذا هو المذهب الصحيح، والطريق القويم الحكيم، وذلك لوجهين:
الأول: أنه تطبيق تام لما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب الأخذ بما جاء فيهما من أسماء الله وصفاته كما يعلم ذلك من تتبعه بعلم وإنصاف.
الثاني: أن يقال: إن الحق إما أن يكون فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم، والثاني باطل لأنه يلزم منه أن يكون السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان تكلموا بالباطل تصريحاً أو ظاهراً، ولم يتكلموا مرة واحدة لا تصريحاً ولا ظاهراً بالحق الذي يجب اعتقاده. وهذا يستلزم أن يكونوا إما جاهلين بالحق وإما عالمين به لكن كتموه، وكلاهما باطل، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، فتعين أن يكون الحق فيما قاله السلف دون غيرهم.
القسم الثاني: من جعلوا الظاهر المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلاً لا يليق بالله وهو: التشبيه، وأبقوا دلالتها على ذلك. وهؤلاء هم المشبهة ومذهبهم باطل محرم من عدة أوجه:
الأول: أنه جناية على النصوص وتعطيل لها عن المراد بها، فكيف يكون المراد بها التشبيه وقد قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(124)
الثاني: أن العقل دل على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات، فكيف يحكم بدلالة النصوص على التشابه بينهما؟
الثالث: أن هذا المفهوم الذي فهمه المشبه من النصوص مخالف لما فهمه السلف منها فيكون باطلاً.
فإن قال المشبه: أنا لا أعقل من نزول الله ويده إلا مثل ما للمخلوق من ذلك، والله تعالى لم يخاطبنا إلا بما نعرفه ونعقله فجوابه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الذي خاطبنا بذلك هو الذي قال عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). ونهى عباده أن يضربوا له الأمثال، أو يجعلوا له أنداداً فقال: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(125) وقال: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(126). وكلامه - تعالى - كله حق يصدق بعضه بعضاً، ولا يتناقض.
ثانيها: أن يقال له: ألست تعقل لله ذاتاً لا تشبه الذوات؟
فسيقول: بلى! فيقال له: فلتعقل له صفات لا تشبه الصفات، فإن القول في الصفات كالقول في الذات، ومن فرق بينهما فقد تناقض!.
ثالثها: أن يقال: ألست تشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية؟ فسيقول: بلى! فيقال له: إذا عقلت التباين بين المخلوقات في هذا، فلماذا لا تعقله بين الخالق والمخلوق، مع أن التباين بين الخالق والمخلوق أظهر وأعظم، بل التماثل مستحيل بين الخالق والمخلوق كما سبق في القاعدة السادسة من قواعد الصفات.
القسم الثالث: من جعلوا المعنى المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلاً، لا يليق بالله وهو التشبيه، ثم إنهم من أجل ذلك أنكروا ما دلت عليه من المعنى اللائق بالله، وهم أهل التعطيل سواء كان تعطيلهم عاماً في الأسماء والصفات، أم خاصاً فيهما، أو في أحدهما، فهؤلاء صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معاني عينوها بعقولهم، واضطربوا في تعيينها اضطراباً كثيراً، وسموا ذلك تأويلاً، وهو في الحقيقة تحريف.
ومذهبهم باطل من وجوه:
أحدها: أنه جناية على النصوص حيث جعلوها دالة على معنى باطل غير لائق بالله ولا مراد له.
الثاني: أنه صرف لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عن ظاهره، والله - تعالى - خاطب الناس بلسان عربي مبين، ليعقلوا الكلام ويفهموه على ما يقتضيه هذا اللسان العربي، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم بأفصح لسان البشر؛ فوجب حمل كلام الله ورسوله على ظاهره المفهوم بذلك اللسان العربي؛ غير أنه يجب أن يصان عن التكييف والتمثيل في حق الله - عز وجل.
الثالث: أن صرف كلام الله ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه، قول على الله بلا علم وهو محرم ؛ لقوله - تعالى - : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(127). ولقوله - سبحانه -: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(128).
فالصارف لكلام الله - تعالى - ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه قد قفا ما ليس له به علم. وقال على الله ما لا يعلم من وجهين:
الأول: أنه زعم أنه ليس المراد بكلام الله - تعالى - ورسوله كذا، مع أنه ظاهر الكلام.
الثاني: أنه زعم أن المراد به كذا لمعنى آخر لا يدل عليه ظاهر الكلام.
وإذا كان من المعلوم أن تعيين أحد المعنيين المتساويين في الاحتمال قول بلا علم؛ فما ظنك بتعيين المعنى المرجوح المخالف لظاهر الكلام؟!
مثال ذلك: قوله - تعالى - لإبليس (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي)(129). فإذا صرف الكلام عن ظاهره، وقال: لم يرد باليدين اليدين الحقيقيتين وإنما أراد كذا وكذا. قلنا له: ما دليلك على ما نفيت؟! وما دليلك على ما أثبت؟! فإن أتى بدليل - وأنى له ذلك - وإلا كان قائلاً على الله بلا علم في نفيه وإثباته.
الوجه الرابع: في إبطال مذهب أهل التعطيل: أن صرف نصوص الصفات عن ظاهرها مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، فيكون باطلاً، لأن الحق بلا ريب فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وسلف الأمة وأئمتها.
الوجه الخامس: أن يقال للمعطل:
هل أنت أعلم بالله من نفسه؟ فسيقول: لا.
ثم يقال له: هل ما أخبر الله به عن نفسه صدق وحق؟ فسيقول: نعم.
ثم يقال له: هل تعلم كلاماً أفصح وأبين من كلام الله - تعالى؟ فسيقول: لا.
ثم يقال له: هل تظن أن الله - سبحانه وتعالى - أراد أن يعمي الحق على الخلق في هذه النصوص ليستخرجوه بعقولهم؟ فسيقول: لا.
هذا ما يقال له باعتبار ما جاء في القرآن.
أما باعتبار ما جاء في السنة فيقال له:
هل أنت أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فسيقول: لا.
ثم يقال له: هل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحق صدق وحق؟ فسيقول: نعم.
ثم يقال له: هل تعلم أن أحداً من الناس أفصح كلاماً، وأبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسيقول لا ثم يقال له هل تعلم أن أحداً من الناس أنصح لعباد الله من رسول الله ؟ فسيقول : لا
فيقال له: إذا كنت تقر بذلك فلماذا لا يكون عندك الإقدام والشجاعة في إثبات ما أثبته الله - تعالى - لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على حقيقته وظاهره اللائق بالله؟ وكيف يكون عندك الإقدام والشجاعة في نفي حقيقته تلك، وصرفه إلى معنى يخالف ظاهره بغير علم؟
وماذا يضيرك إذا أثبت لله - تعالى - ما أثبته لنفسه في كتابه، أو سنة نبيه على الوجه اللائق به، فأخذت بما جاء في الكتاب والسنة إثباتاً ونفياً؟
أليس هذا أسلم لك وأقوم لجوابك إذا سئلت يوم القيامة: (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ)(130).
أوليس صرفك لهذه النصوص عن ظاهرها، وتعيين معنى آخر مخاطرة منك؟! فلعل المراد يكون - على تقدير جواز صرفها - غير ما صرفتها إليه.
الوجه السادس في إبطال مذهب أهل التعطيل: أنه يلزم عليه لوازم باطلة؛ وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
فمن هذه اللوازم:
أولاً: أن أهل التعطيل لم يصرفوا نصوص الصفات عن ظاهرها إلا حيث اعتقدوا أنه مستلزم أو موهم لتشبيه الله - تعالى - بخلقه، وتشبيه الله - تعالى - بخلقه كفر؛ لأنه تكذيب لقوله - تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(131). قال نعيم بن حماد الخزاعي أحد مشايخ البخاري - رحمهما الله -: من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً. أهـ.
ومن المعلوم أن من أبطل الباطل أن يجعل ظاهر كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيهاً وكفراً أو موهماً لذلك.
ثانياً: أن كتاب الله - تعالى - الذي أنزله تبياناً لكل شيء، وهدى للناس، وشفاءً لما في الصدور، ونوراً مبيناً، وفرقاناً بين الحق والباطل لم يبين الله - تعالى - فيه ما يجب على العباد اعتقاده في أسمائه وصفاته، وإنما جعل ذلك موكلاً إلى عقولهم، يثبتون لله ما يشاءون، وينكرون ما لا يريدون. وهذا ظاهر البطلان.
ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، كانوا قاصرين أو مقصرين في معرفة وتبيين ما يجب لله تعالى من الصفات أو يمتنع عليه أو يجوز؛ إذ لم يرد عنهم حرف واحد فيما ذهب إليه أهل التعطيل في صفات الله - تعالى - وسموه تأويلاً.
وحينئذ إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وسلف الأمة وأئمتها قاصرين لجهلهم بذلك وعجزهم عن معرفته، أو مقصرين لعدم بيانهم للأمة، وكلا الأمرين باطل!!
رابعاً: أن كلام الله ورسوله ليس مرجعاً للناس فيما يعتقدونه في ربهم وإلاههم الذي معرفتهم به من أهم ما جاءت به الشرائع بل هو زبدة الرسالات، وإنما المرجع تلك العقول المضطربة المتناقضة وما خالفها، فسبيله التكذيب إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً، أو التحريف الذي يسمونه تأويلاً، إن لم يتمكنوا من تكذيبه.
خامساً: أنه يلزم منه جواز نفي ما أثبته الله ورسوله، فيقال في قوله - تعالى -: (وَجَاءَ رَبُّكَ)(132).إنه لا يجيء،وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"(133) إنه لا ينزل لأن إسناد المجيء والنزول إلى الله مجاز عندهم، وأظهر علامات المجاز عند القائلين به صحة نفيه، ونفي ما أثبته الله ورسوله من أبطل الباطل، ولا يمكن الانفكاك عنه بتأويله إلى أمره؛ لأنه ليس في السياق ما يدل عليه.
ثم إن من أهل التعطيل من طرد قاعدته في جميع الصفات، أو تعدى إلى الأسماء - أيضاً - ومنهم من تناقض فأثبت بعض الصفات دون بعض، كالأشعرية والماتريدية: أثبتوا ما أثبتوه بحجة أن العقل يدل عليه، ونفوا ما نفوه بحجة أن العقل ينفيه أو لا يدل عليه.
فنقول لهم: نفيكم لما نفيتموه بحجة أن العقل لا يدل عليه يمكن إثباته بالطريق العقلي الذي أثبتم به ما أثبتموه كما هو ثابت بالدليل السمعي.
مثال ذلك: أنهم أثبتوا صفة الإرادة، ونفوا صفة الرحمة.
أثبتوا صفة الإرادة لدلالة السمع والعقل عليها.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)(134).
وأما العقل: فإن اختلاف المخلوقات وتخصيص بعضها بما يختص به من ذات أو وصف دليل على الإرادة.
ونفوا الرحمة؛ لأنها تستلزم لين الراحم ورقته للمرحوم، وهذا محال في حق الله تعالى.
وأولوا الأدلة السمعية المثبتة للرحمة إلى الفعل أو إرادة الفعل ففسروا الرحيم بالمنعم أو مريد الإنعام.
فنقول لهم: الرحمة ثابتة لله تعالى بالأدلة السمعية، وأدلة ثبوتها أكثر عدداً وتنوعاً من أدلة الإرادة. فقد وردت بالاسم مثل: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(135). والصفة مثل: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ)(136). والفعل مثل: (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ)(137).
ويمكن إثباتها بالعقل فإن النعم التي تترى على العباد من كل وجه، والنقم التي تدفع عنهم في كل حين دالة على ثبوت الرحمة لله - عز وجل - ودلالتها على ذلك أبين وأجلى من دلالة التخصيص على الإرادة، لظهور ذلك للخاصة والعامة، بخلاف دلالة التخصيص على الإرادة، فإنه لا يظهر إلا لأفراد من الناس.
وأما نفيها بحجة أنها تستلزم اللين والرقة؛ فجوابه: أن هذه الحجة لو كانت مستقيمة لأمكن نفي الإرادة بمثلها فيقال: الإرادة ميل المريد إلى ما يرجو به حصول منفعة أو دفع مضرة، وهذا يستلزم الحاجة، والله تعالى منزه عن ذلك.
فإن أجيب: بأن هذه إرادة المخلوق أمكن الجواب بمثله في الرحمة بأن الرحمة المستلزمة للنقص هي رحمة المخلوق.
وبهذا تبين بطلان مذهب أهل التعطيل سواء كانت تعطيلاً عاماً أو خاصاً.
وبه علم أن طريق الأشاعرة والماتريدية في أسماء وصفاته وما احتجوا به لذلك لا تندفع به شبه المعتزلة والجهمية وذلك من وجهين:
أحدهما: أنه طريق مبتدع لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلف الأمة وأئمتها، والبدعة لا تدفع بالبدعة وإنما تدفع بالسنة.
الثاني: أن المعتزلة والجهمية يمكنهم أن يحتجوا لما نفوه على الأشاعرة والماتريدية بمثل ما احتج به الأشاعرة والماتريدية لما نفوه على أهل السنة، فيقولون: لقد أبحتم لأنفسكم نفي ما نفيتم من الصفات بما زعمتموه دليلاً عقلياً وأولتم دليله السمعي، فلماذا تحرمون علينا نفي ما نفيناه بما نراه دليلاً عقلياً، ونأول دليله السمعي، فلنا عقول كما أن لكم عقولاً، فإن كانت عقولنا خاطئة فكيف كانت عقولكم صائبة، وإن كانت عقولكم صائبة فكيف كانت عقولنا خاطئة، وليس لكم حجة في الإنكار علينا سوى مجرد التحكم وإتباع الهوى.
وهذه حجة دامغة وإلزام صحيح من الجهمية والمعتزلة للأشعرية والماتريدية، ولا مدفع لذلك ولا محيص عنه إلا بالرجوع لمذهب السلف الذين يطردون هذا الباب، ويثبتون لله تعالى من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتاً لا تمثيل فيه ولا تكييف، وتنزيهاً لا تعطيل فيه ولا تحريف، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ).
(تنبيه) علم مما سبق أن كل معطل ممثل، وكل ممثل معطل.
أما تعطيل المعطل فظاهر، وأما تمثيله فلأنه إنما عطل لاعتقاده أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه فمثل أولاً، وعطل ثانياً، كما أنه بتعطيله مثله بالناقص.
وأما تمثيل الممثل فظاهر، وأما تعطيله فمن ثلاثة أوجه:
الأول: أنه عطل نفس النص الذي أثبت به الصفة، حيث جعله دالاً على التمثيل مع أنه لا دلالة فيه عليه وإنما يدل على صفة تليق بالله عز وجل.
الثاني: أنه عطل كل نص يدل على نفي مماثلة الله لخلقه.
الثالث: أنه عطل الله تعالى عن كماله الواجب حيث مثله بالمخلوق الناقص.




فصـل

اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب والسنة في الصفات، أدعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليلزم أهل السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال: كيف تنكرون علينا تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟
ونحن نجيب - بعون الله - عن هذه الشبهة بجوابين مجمل، ومفصل.
أما المجمل فيتلخص في شيئين:
أحدهما: أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها، فإن ظاهر الكلام ما يتبادر منه من المعنى، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام مركب من كلمات وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض.
ثانيهما: أننا لو سلمنا أن تفسيرهم صرف لها عن ظاهرها، فإن لهم في ذلك دليلاً من الكتاب والسنة، إما متصلاً وإما منفصلاً، وليس لمجرد شبهات يزعمها الصارف براهين وقطعيات يتوصل بها إلى نفي ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما المفصل فعلى كل نص أدعى أن السلف صرفوه عن ظاهره.
ولنمثل بالأمثلة التالية فنبدأ بما حكاه أبو حامد الغزالي عن بعض الحنبلية أنه قال: إن أحمد لم يتأول إلا في ثلاثة أشياء: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض". و "قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن". و "إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن". نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيميه ص398 جـ5 من مجموع الفتاوى. وقال: هذه الحكاية كذب على أحمد.
المثال الأول: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض".
والجواب عنه: أنه حديث باطل، لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية: هذا حديث لا يصح. وقال ابن العربي: حديث باطل فلا يلتفت إليه، وقال شيخ الإسلام ابن تيميه: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت أهـ. وعلى هذا فلا حاجة للخوض في معناه.
لكن قال شيخ الإسلام ابن تيميه: والمشهور - يعني في هذا الأثر - إنما هو عن ابن عباس قال: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله، فكأنما صافح الله وقبل يمينه". ومن تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه، فإنه قال: "يمين الله في الأرض" ولم يطلق فيقول: يمين الله. وحكم اللفظ المقيد يخالف حكم المطلق، ثم قال: "فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه" وهذا صريح في أن المصافح لم يصافح يمين الله أصلاً، ولكن شبه بمن يصافح الله، فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله تعالى كما هو معلوم لكل عاقل. أهـ. ص398جـ6 مجموع الفتاوى.
المثال الثاني: "قلوب العباد بين إصبعين(138) من أصابع الرحمن".
والجواب: أن هذا الحديث صحيح رواه مسلم في الباب الثاني من كتاب القدر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك"(139).
وقد أخذ السلف أهل السنة بظاهر الحديث وقالوا: إن لله تعالى أصابع حقيقة نثبتها له كما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من كون قلوب بني آدم بين إصبعين منها أن تكون مماسة لها حتى يقال: إن الحديث موهم للحلول فيجب صرفه عن ظاهره. فهذا السحاب مسخر بين السماء والأرض وهو لا يمس السماء ولا الأرض. ويقال: بدر بين مكة والمدينة مع تباعد ما بينها وبينهما، فقلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن حقيقة ولا يلزم من ذلك مماسة ولا حلول.
المثال الثالث: "إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن".
والجواب: أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند(140) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن". قال في مجمع الزوائد "رجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة". قلت: وكذا قال في التقريب عن شبيب ثقة من الثالثة، وقد روى البخاري نحوه في التاريخ الكبير.
وهذا الحديث على ظاهره والنفس فيه اسم مصدر نفس ينفس تنفسياً، مثل فرج يفرج تفريجاً وفرجاً، هكذا قال أهل اللغة كما في النهاية والقاموس ومقاييس اللغة. قال في مقاييس اللغة: النفس كل شيء يفرج به عن مكروب. فيكون معنى الحديث: أن تنفيس الله - تعالى - عن المؤمنين يكون من أهل اليمن.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات". أهـ. ص398جـ6 مجموع فتاوى شيخ الإسلام لابن قاسم.
المثال الرابع: قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ)(141).
والجواب: أن لأهل السنة في تفسيرها قولين:
أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء، وهو الذي رجحه ابن جرير، قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف: "وأولى المعاني بقول الله - جل ثناؤه -: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُن). علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سموات". أهـ. وذكره البغوي في تفسيره: قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف. وذلك تمسكاً بظاهر لفظ (اسْتَوَى). وتفويضاً لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله - عز وجل.
القول الثاني: إن الاستواء هنا بمعنى القصد التام؛ وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت. قال ابن كثير: "أي قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضمن معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بإلى". وقال البغوي: "أي عمد إلى خلق السماء".
وهذا القول ليس صرفاً للكلام عن ظاهره، وذلك لأن الفعل (اسْتَوَى) اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء. فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به، ألا ترى إلى قوله - تعالى - (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً)(142). حيث كان معناها يروى بها عباد الله لأن الفعل (يَشْرَبُ) اقترن بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يروى، فالفعل يضمن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام.
المثال الخامس، والسادس: قوله - تعالى - في سورة الحديد (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم)(143). وقوله في سورة المجادلة: (وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)(144).
والجواب: أن الكلام في هاتين الآيتين حق على حقيقته وظاهره. ولكن ما حقيقته وظاهره؟
هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن الله - تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون مختلطاً بهم، أو حالاً في أمكنتهم؟
أو يقال: إن ظاهره وحقيقته أن الله - تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطاً بهم: علماً وقدرة، وسمعاً وبصراً، وتدبيراً، وسلطاناً، وغير ذلك من معاني ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه؟
ولا ريب أن القول الأول لا يقتضيه السياق، ولا يدل عليه بوجه من الوجوه، وذلك لأن المعية هنا أضيفت إلى الله - عز وجل - وهو أعظم واجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته! ولأن المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان، وإنما تدل على مطلق مصاحبة، ثم تفسر في كل موضع بحسبه.
وتفسير معية الله - تعالى - لخلقه بما يقتضي الحلول والاختلاط باطل من وجوه:
الأول: أنه مخالف لإجماع السلف، فما فسرها أحد منهم بذلك؛ بل كانوا مجمعين على إنكاره.
الثاني: أنه مناف لعلو الله - تعالى - الثابت بالكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع السلف، وما كان منافياً لما ثبت بدليل كان باطلاً بما ثبت به ذلك المنافي، وعلى هذا فيكون تفسير معية الله لخلقه بالحلو والاختلاط باطلاً بالكتاب والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع السلف!!
الثالث: أنه مستلزم للوازم باطلة لا تليق بالله - سبحانه وتعالى.
ولا يمكن لمن عرف الله - تعالى - وقدره حق قدره، وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن يقول: إن حقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطاً بهم أو حالاً في أمكنتهم، فضلاً عن أن تستلزم ذلك، ولا يقول ذلك إلا جاهل باللغة، جاهل بعظمة الرب - جل وعلا.
فإذا تبين بطلان هذا القول تعين أن يكون الحق هو القول الثاني، وهو أن الله - تعالى - مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطاً بهم، علماً وقدرة، وسمعاً وبصراً، وتدبيراً وسلطاناً، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه.
وهذا هو ظاهر الآيتين بلا ريب، لأنهما حق، ولا يكون ظاهر الحق إلا حقاً، ولا يمكن أن يكون الباطل ظاهر القرآن أبداً.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص103 جـ5 من مجموع الفتاوى لابن قاسم: "ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد، فلما قال: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) إلى قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(145). دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن عالم بكم، هذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه(146). وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. وكذلك في قوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ). إلى قوله: (هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا )(147). الآية.
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ معنا)(148). كان هذا - أيضاً - حقاً على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الإطلاع والنصر والتأييد.
ثم قال: فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، يقتضي في كل موضع أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر. فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل موضع بخاصية، فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق حتى يقال قد صرفت عن ظاهرها. أهـ.
ويدل على أنه ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق أن الله - تعالى - ذكرها في آية المجادلة بين ذكر عموم علمه في أول الآية وآخرها فقال: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(149).
فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم لا أنه - سبحانه - مختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض.
أما في آية الحديد فقد ذكرها الله - تعالى - مسبوقة بذكر استوائه على عرشه وعموم علمه متلوة ببيان أنه بصير بما يعمل العباد فقال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(150).
فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده وبصره بأعمالهم مع علوه عليهم واستوائه على عرشه؛ لا أنه - سبحانه - مختلط بهم ولا أنه معهم في الأرض وإلا لكان آخر الآية مناقضاً لأولها الدال على علوه واستوائه على عرشه.
فإذا تبين ذلك علمنا أن مقتضى كونه - تعالى - مع عباده أنه يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويدبر شئونهم، فيحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء إلى غير ذلك مما تقتضيه ربوبيته وكمال سلطانه لا يحجبه عن خلقه شيء، ومن كان هذا شأنه فهو مع خلقه حقيقة، ولو كان فوقهم على عرشه حقيقة(151).
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "العقيدة الواسطية" ص142 جـ3 من مجموع الفتاوى لابن قاسم في فصل الكلام على المعية قال: "وكل هذا الكلام الذي ذكره الله - سبحانه - من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة". أهـ.
وقال في "الفتوى الحموية" ص102، 103 جـ5 من المجموع المذكور: وجماع الأمر في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منها كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته.
ولا يحسب الحاسب أن شيئاً من ذلك يناقض بعضه بعضاً البته مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ). وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه"(152) ونحو ذلك فإن هذا غلط.
وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله - سبحانه وتعالى -: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(153).
فأخبر أنه فوق العرش، يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه"(154). أهـ.
واعلم أن تفسير المعية بظاهرها على الحقيقة اللائقة بالله - تعالى - لا يناقض ما ثبت من علو الله تعالى بذاته على عرشه وذلك من وجوه ثلاثة:
الأول: أن الله - تعالى - جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض، وما جمع الله بينهما في كتابه فلا تناقض بينهما.
وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره حتى يتبين لك، قوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(155). فإن لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم الذين يقولون: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)(156). وكل الأمر إلى منزله الذي يعلمه، واعلم أن القصور في علمك أو في فهمك، وأن القرآن لا تناقض فيه.
وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام في قوله فيما سبق: "كما جمع الله بينهما".
وكذلك ابن القيم كما في "مختصر الصواعق" لابن الموصلي ص410 ط الإمام في سياق كلامه على المثال التاسع مما قيل إنه مجاز قال: "وقد أخبر الله أنه مع خلقه مع كونه مستوياً على عرشه، وقرن بين الأمرين كما قال تعالى: - وذكر آية سورة الحديد - ثم قال: فأخبر أنه خلق السموات والأرض، وأنه استوى على عرشه وأنه مع خلقه يبصر أعمالهم من فوق عرشه كما في حديث الأوعال: "والله فوق العرش يرى ما أنتم عليه" فعلوه لا يناقض معيته، ومعيته لا تبطل علوه بل كلاهما حق". أهـ.
الوجه الثاني: أن حقيقة معنى المعية لا يناقض العلو، فالاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق فإنه يقال: مازلنا نسير والقمر معنا. ولا يعد ذلك تناقضاً ولا يفهم منه أحد أن القمر نزل في الأرض، فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق، ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى، وذلك لأن حقيقة المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان.
وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيميه في "الفتوى الحموية" ص103 المجلد الخامس من مجموع الفتاوى لابن قاسم حيث قال: "وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى، فإنه يقال: مازلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا، ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك، وإن كان فوق رأسك، فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة". أهـ.
وصدق - رحمه الله تعالى - فإن من كان عالماً بك مطلعاً عليك، مهيمناً عليك، يسمع ما تقول، ويرى ما تفعل، ويدبر جميع أمورك، فهو معك حقيقة، وإن كان فوق عرشه حقيقة؛ لأن المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان.
الوجه الثالث: أنه لو فرض امتناع اجتماع المعية والعلو في حق المخلوق لم يلزم أن يكون ذلك ممتنعاً في حق الخالق الذي جمع لنفسه بينهما؛ لأن الله تعالى لا يماثله شي من مخلوقاته كما قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(157).
وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيميه في "العقيدة الواسطية" ص143 جـ3 من مجموع الفتاوى حيث قال: "وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه - سبحانه - ليس كمثله شيء في جميع نعوته وهو عليّ في دنوه قريب في علوه". أهـ.
(تتمة) انقسم الناس في معية الله تعالى لخلقه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يقولون: إن معية الله تعالى لخلقه مقتضاها العلم والإحاطة في المعية العامة، ومع النصر والتأييد في المعية الخاصة، مع ثبوت علوه بذاته واستوائه على عرشه.
وهؤلاء هم السلف ومذهبهم هو الحق كما سبق تقريره.
القسم الثاني: يقولون: إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع نفي علوه واستوائه على عرشه.
وهؤلاء هم الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم، ومذهبهم باطل منكر، أجمع السلف على بطلانه وإنكاره كما سبق.
القسم الثالث: يقولون: إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع ثبوت علوه فوق عرشه. ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيميه ص229 جـ5 من مجموع الفتاوى.
وقد زعم هؤلاء أنهم أخذوا بظاهر النصوص في المعية والعلو. وكذبوا في ذلك فضلوا، فإن نصوص المعية لا تقتضي ما أدعوه من الحلول؛ لأنه باطل ولا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله ورسوله باطلاً.
(تنبيه) اعلم أن تفسير السلف لمعية الله تعالى لخلقه بأنه معهم بعلمه لا يقتضي الاقتصار على العلم بل المعية تقتضي أيضاً إحاطته بهم سمعاً وبصراً وقدرة وتدبيراً ونحو ذلك من معاني ربوبيته.
(تنبيه آخر) أشرت فيما سبق إلى أن علو الله تعالى ثابت بالكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة، والإجماع. أما الكتاب فقد تنوعت دلالته على ذلك:
فتارة بلفظ العلو، والفوقية، والاستواء على العرش، وكونه في السماء كقوله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(158)، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)(159)، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(160)، (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْض)(161).
وتارة بلفظ صعود الأشياء وعروجها ورفعها إليه،كقوله:(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب)(162)، (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ)(163)، (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)(164).
وتارة بلفظ نزول الأشياء منه ونحوه ذلك، كقوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّك)(165)، (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْض)(166).
وأما السنة فقد دلت عليه بأنواعها القولية، والفعلية، والإقرارية، في أحاديث كثيرة، تبلغ حد التواتر، وعلى جوه متنوعة، كقوله صلى الله عليه وسلم في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"(167). وقوله: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي"(168). وقوله: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء"(169). وثبت عنه أنه رفع يديه وهو على المنبر يوم الجمعة يقول: "اللهم أغثنا"(170). وأنه رفع يده على السماء وهو يخطب الناس يوم عرفة حين قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: "اللهم اشهد"(171). وأنه قال للجارية: "أين الله؟" قالت: في السماء. فأقرها وقال لسيدها: "أعتقها فإنها مؤمنة"(172).
وأما العقل: فقد دل على وجوب صفة الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص. والعلو صفة كمال والسفل نقص، فوجب لله تعالى صفة العلو وتنزيهه عن ضده.
وأما الفطرة: فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية فما من داع أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو لا يلتفت عن ذلك يمنه ولا يسرة.
واسأل المصلين، يقول الواحد منهم في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" أين تتجه قلوبهم حينذاك؟
وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة والتابعون والأئمة على أن الله تعالى فوق سمواته مستوٍ على عرشه؛ وكلامهم مشهور في ذلك نصاً وظاهراً، قال الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله - تعالى ذكره - فوق عرشه، ونؤمن بما جاءت به السنة من الصفات". وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، ومحال أن يقع في مثل ذلك خلاف وقد تطابقت عليه هذه الأدلة العظيمة التي لا يخالفها إلا مكابر طمس على قلبه واجتالته الشياطين عن فطرته. نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
فعلو الله تعالى بذاته وصفاته من أبين الأشياء وأظهرها دليلاً وأحق الأشياء وأثبتها واقعاً.
(تنبيه ثالث) اعلم أيها القارئ الكريم، أنه صدر مني كتابة لبعض الطلبة تتضمن ما قلته في بعض المجالس في معية الله تعالى لخلقه ذكرت فيها: أن عقيدتنا أن لله تعالى معية حقيقة ذاتية تليق به، وتقتضي إحاطته بكل شيء علماً وقدرة، وسمعاً وبصراً، وسلطاناً وتدبيراً، وأنه سبحانه منزه أن يكون مختلطاً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، بل هو العلي بذاته وصفاته، وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وأنه مستو على عرشه كما يليق بجلاله وأن ذلك لا ينافي معيته؛ لأنه تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(173).
وأردت بقولي: "ذاتية" توكيد حقيقة معيته تبارك وتعالى.
وما أردت أنه مع خلقه سبحانه في الأرض، كيف وقد قلت في نفس هذه الكتابة كما ترى: إنه سبحانه منزه أن يكون مختلطاً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، وأنه العلي بذاته وصفاته، وأن علوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وقلت فيها أيضاً ما نصه بالحرف الواحد:
"ونرى أن من زعم أن الله بذاته في كل مكان فهو كافر أو ضال إن اعتقده، وكاذب إن نسبه إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها". أهـ.
ولا يمكن لعاقل عرف الله وقدره حق قدره أن يقول: إن الله مع خلقه في الأرض، وما زلت ولا أزال أنكر هذا القول في كل مجلس من مجالسي جرى فيه ذكره. وأسأل الله تعالى أن يثبتني وإخواني المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
هذا وقد كتبت بعد ذلك مقالاً نشر في مجلة (الدعوة)(174) التي تصدر في الرياض نشر يوم الاثنين الرابع من شهر محرم سنة 1404هـ أربع وأربعمائة وألف برقم 911 قررت فيه ما قرره شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله تعالى - من أن معية الله تعالى لخلقه حق على حقيقتها، وأن ذلك لا يقتضي الحلول والاختلاط بالخلق فضلاً عن أن يستلزمه، ورأيت من الواجب استبعاد كلمة "ذاتية". وبينت أوجه الجمع بين علو الله تعالى وحقيقة المعية.
واعلم أن كل كلمة تستلزم كون الله تعالى في الأرض أو اختلاطه بمخلوقاته، أو نفي علوه، أو نفي استوائه على عرشه، أو غير ذلك مما لا يليق به تعالى فإنها كلمة باطلة، يجب إنكارها على قائلها كائناً من كان وبأي لفظ كانت.
وكل كلام يوهم - ولو عند بعض الناس - ما لا يليق بالله تعالى فإن الواجب تجنبه لئلا يظن بالله تعالى ظن السوء، لكن ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب إثباته وبيان بطلان وهم من توهم فيه ما لا يليق بالله - عز وجل.
المثال السابع والثامن: قوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(175)، وقوله: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ)(176). حيث فسر القرب فيهما بقرب الملائكة.
والجواب: أن تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفاً للكلام عن ظاهره لمن تدبره.
أما الآية الأولى فإن القرب مقيد فيها بما يدل على ذلك، حيث قال: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ* إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(177). ففي قوله: (إِذْ يَتَلَقَّى) دليل على أن المراد به قرب الملكين المتلقيين.
وأما الآية الثانية: فإن القرب فيها مقيد بحال الاحتضار، والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة، لقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)(178). ثم إن في قوله: (وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ)(179). دليلاً بيناً على أنهم الملائكة، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره، وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة لاستحالة ذلك في حق الله - تعالى.
بقى أن يقال: فلماذا أضاف الله القرب إليه، وهل جاء نحو هذا التعبير مراداً به الملائكة؟
فالجواب: أضاف الله تعالى قرب الملائكة إليه؛ لأن قربهم بأمره، وهم جنوده ورسله.
وقد جاء نحو هذا التعبير مراداً به الملائكة، كقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)(180). فإن المراد به قراءة جبريل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن الله تعالى أضاف القراءة إليه، لكن لما كان جبريل يقرؤه على النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى صحت إضافة القراءة إليه تعالى. وكذلك جاء في قوله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ)(181). وإبراهيم إنما كان يجادل الملائكة الذين هم رسل الله تعالى.
المثال التاسع والعاشر: قوله تعالى عن سفينة نوح: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)(`182). وقوله لموسى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)(183).
والجواب: أن المعنى في هاتين الآيتين على ظاهر الكلام وحقيقته، لكن ما ظاهر الكلام وحقيقته هنا؟
هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن السفينة تجري في عين الله؛ أو أن موسى عليه الصلاة والسلام يربى فوق عين الله تعالى؟!!
أو يقال: إن ظاهره أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله تعالى يرعاه ويكلؤه بها.
ولا ريب أن القول الأول باطل من وجهين:
الأول: أنه لا يقتضيه الكلام بمقتضى الخطاب العربي، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(184). وقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(185). ولا أحد يفهم من قول القائل: فلان يسير بعيني أن المعنى أنه يسير داخل عينه. ولا من قول القائل: فلان تخرج على عيني، أن تخرجه كان وهو راكب على عينه، ولو أدعى مدع أن هذا ظاهر اللفظ في هذا الخطاب لضحك منه السفهاء فضلاً عن العقلاء.
الثاني: أن هذا ممتنع غاية الامتناع، ولا يمكن لمن عرف الله وقدره حق قدره أن يفهمه في حق الله تعالى؛ لأن الله تعالى مستو على عرشه بائن من خلقه لا يحل فيه شيء من مخلوقاته، ولا هو حال في شيء من مخلوقاته - سبحانه وتعالى - عن ذلك علواً كبيراً.
فإذا تبين بطلان هذا من الناحية اللفظية والمعنوية تعين أن يكون ظاهر الكلام هو القول الثاني أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله يرعاه ويكلؤه بها. وهذا معنى قول بعض السلف بمرأى مني، فإن الله تعالى إذا كان يكلؤه بعينه لزم من ذلك أن يراه، ولازم المعنى الصحيح جزء منه كما هو معلوم من دلالة اللفظ حيث تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام.
المثال الحادي عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
والجواب: أن هذا الحديث صحيح رواه البخاري في باب التواضع الثامن والثلاثين من كتاب الرقاق(186).
وقد أخذ السلف أهل السنة والجماعة بظاهر الحديث وأجروه على حقيقته.
ولكن ما ظاهر هذا الحديث؟
هل يقال: إن ظاهره أن الله تعالى يكون سمع الولي وبصره ويده ورجله؟
أو يقال: إن ظاهره أن الله تعالى يسدد الولي في سمعه وبصره ويده ورجله بحيث يكون إدراكه وعمله لله وبالله وفي الله؟
ولا ريب أن القول الأول ليس ظاهر الكلام، بل ولا يقتضيه الكلام لمن تدبر الحديث، فإن في الحديث ما يمنعه من وجهين:
الوجه الأول: أن الله تعالى قال: "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه"، وقال: "ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه". فأثبت عبداً ومعبوداً ومتقرباً ومتقرباً إليه، ومحباً ومحبوباً، وسائلاً ومسئولاً، ومعطياً ومعطى، ومستعيذاً ومستعاذاً به، ومعيذاً ومعاذاً. فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين كل واحد منهما غير الآخر، وهذا يمنع أن يكون أحدهما وصفاً في الآخر أو جزءاً من أجزائه.
الوجه الثاني: أن سمع الولي وبصره ويده ورجله كلها أوصاف أو أجزاء في مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم أن الخالق الأول الذي قبله شيء يكون سمعاً وبصراً ويداً ورجلاً لمخلوق، بل إن هذا المعنى تشمئز منه النفس أن تتصوره، ويحسر اللسان أن ينطق به ولو على سبيل الفرض والتقدير، فكيف يسوغ أن يقال: إنه ظاهر الحديث القدسي وأنه قد صرف عن هذا الظاهر، سبحانك اللهم وبحمدك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
وإذا تبين بطلان القول الأول وامتناعه تعين القول الثاني وهو أن الله تعالى يسدد هذا الولي في سمعه وبصره وعمله بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره وعمله بيده ورجله كله لله تعالى إخلاصاً، وبالله تعالى استعانة، وفي الله تعالى شرعاً واتباعاً، فيتم له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة وهذا غاية التوفيق، وهذا ما فسره به السلف، وهو تفسير مطابق لظاهر اللفظ موافق لحقيقته متعين بسياقه، وليس فيه تأويل ولا صرف للكلام عن ظاهره، ولله الحمد والمنة.
المثال الثاني عشر: قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: "من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت من باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة".
وهذا الحديث صحيح رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وروى نحوه من حديث أبي هريرة أيضاً، وكذلك روى البخاري نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب التوحيد الباب الخامس عشر(187).
وهذا الحديث كغيره من النصوص الدالة على قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى، وأنه - سبحانه - فعال لما يريد كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة مثل قوله تعالى:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)(188).وقوله:(وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)(189) .وقوله:(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)(190). وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(191). وقوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر"(192). وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه"(193). إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قيام الأفعال الاختيارية به تعالى.
فقوله في هذا الحديث: تقربت منه وأتيته هرولة من هذا الباب.
والسلف "أهل السنة والجماعة" يجرون هذه النصوص على ظاهرها وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في شرح حديث النزول ص466 جـ5 من مجموع الفتاوى: "وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر". أهـ.
فأي مانع يمنع من القول بأنه يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه؟
وأي مانع يمنع من إتيانه كيف يشاء بدون تكييف ولا تمثيل؟
وهل هذا إلا من كماله أن يكون فعالاً لما يريد على الوجه الذي يليق به؟
وذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى في هذا الحديث القدسي: "أتيته هرولة". يراد به سرعة قبول الله تعالى وإقباله على عبده المتقرب إليه المتوجه بقلبه وجوارحه، وأن مجازاة الله للعامل له أكمل من عمل العامل. وعلل ما ذهب إليه بأن الله تعالى قال في الحديث: "ومن أتاني يمشي" ومن المعلوم أن المتقرب إلى الله - عز وجل - الطالب للوصول إليه لا يتقرب ويطلب الوصول إلى الله تعالى بالمشي فقط، بل تارة يكون بالمشي كالسير إلى المساجد ومشاعر الحج والجهاد في سبيل الله ونحوها، وتارة بالركوع والسجود ونحوهما، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(194)، بل قد يكون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه والعبد مضطجع على جنبه كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)(195). وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب"(196).
قال: فإذا كان كذلك صار المراد بالحديث بيان مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على ربه وإن كان بطيئاً جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل. وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية المفهومة من سياقه.
وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية، لم يكن تفسيره به خروجاً به عن ظاهره ولا تأويلاً كتأويل أهل التعطيل، فلا يكون حجة لهم على أهل السنة ولله الحمد.
وما ذهب إليه هذا القائل له حظ من النظر لكن القول الأول أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف.
ويجاب عما جعله قرينة من كون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه لا يختص بالمشي بأن الحديث خرج مخرج المثال لا الحصر فيكون المعنى: من أتاني يمشي في عبادة تفتقر إلى المشي لتوقفها عليه بكونه وسيلة لها كالمشي إلى المساجد للصلاة أو من ماهيتها كالطواف والسعي. والله تعالى أعلم.
المثال الثالث عشر: قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً)(197).
والجواب: أن يقال: ما هو ظاهر هذه الآية وحقيقتها حتى يقال إنها صرفت عنه؟

هل يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم بيده؟
أو يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها لم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد والمراد صاحبها معروف في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم.
أما القول الأول فليس هو ظاهر اللفظ لوجهين:
أحدهما: أن اللفظ لا يقتضيه بمقتضى اللسان العربي الذي نزل به القرآن، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)(198)، وقوله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(199)، وقوله: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم)(200). فإن المراد ما كسبه الإنسان نفسه وما قدمه وإن عمله بغير يده بخلاف ما إذا قال: عملته بيدي كما في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)(201). فإنه يدل على مباشرة الشيء باليد.
الثاني: أنه لو كان المراد أن الله تعالى خلق هذه الأنعام بيده لكان لفظ الآية: خلقنا لهم بأيدينا أنعاماً كما قال الله تعالى في آدم: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ)(202)؛ لأن القرآن نزل بالبيان لا بالتعمية؛ لقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء)(203).
وإذا ظهر بطلان القول الأول تعين أن يكون الصواب هو القول الثاني وهو: أن ظاهر اللفظ أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها ولم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس بمقتضى اللغة العربية، بخلاف ما إذا أضيف إلى النفس وعدي بالباء إلى اليد، فتنبه للفرق فإن التنبه للفروق بين المتشابهات من أجود أنواع العلم، وبه يزول كثير من الإشكالات.
المثال الرابع عشر: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(204).
والجواب: أن يقال: هذه الآية تضمنت جملتين:
الجملة الأولى: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ). وقد أخذ السلف "أهل السنة" بظاهرها وحقيقتها، وهي صريحة في أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كما في قوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(205).
ولا يمكن لأحد أن يفهم من قوله تعالى: (إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) أنهم يبايعون الله نفسه، ولا أن يدعي أن ذلك ظاهر اللفظ لمنافاته لأول الآية والواقع استحالته في حق الله تعالى.
وإنما جعل الله تعالى مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم مبايعة له؛ لأنه رسوله قد بايع الصحابة على الجهاد في سبيل الله تعالى، ومبايعة الرسول على الجهاد في سبيل من أرسله مبايعة لمن أرسله؛ لأنه رسوله المبلغ عنه، كما أن طاعة الرسول طاعة لمن أرسله لقوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)(206).
وفي إضافة مبايعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى من تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وتأييده وتوكيد هذه المبايعة وعظمها ورفع شأن المبايعين ما هو ظاهر لا يخفى على أحد.

ابو ضاري
08-02-2011, 10:27
الجملة الثانية: قوله تعالى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم)(207). وهذه أيضاً على ظاهرها وحقيقتها، فإن يد الله تعالى فوق أيدي المبايعين؛ لأن يده من صفاته وهو سبحانه فوقهم على عرشه، فكانت يده فوق أيديهم. وهذا ظاهر اللفظ وحقيقته وهو لتوكيد كون مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم مبايعة لله عز وجل، ولا يلزم منها أن تكون يد الله جل وعلا مباشرة لأيديهم، ألا ترى أنه يقال: السماء فوقنا مع أنها مباينة لنا بعيدة عنا. فيد الله عز وجل فوق أيدي المبايعين لرسوله صلى الله عليه وسلم مع مباينته تعالى لخلقه وعلوه عليهم.
ولا يمكن لأحد أن يفهم أن المراد بقوله: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم) يد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن يدعي أن ذلك ظاهر اللفظ؛ لأن الله تعالى أضاف اليد إلى نفسه، ووصفها بأنها فوق أيديهم. ويد النبي صلى الله عليه وسلم عند مبايعة الصحابة لم تكن فوق أيديهم، بل كان يبسطها إليهم، فيمسك بأيديهم كالمصافح لهم، فيده مع أيديهم لا فوق أيديهم.
المثال الخامس عشر:قوله تعالى في الحديث القدسي:"يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني". الحديث.
وهذا الحديث رواه مسلم في باب فضل عيادة المريض من كتاب البر والصلة والآداب رقم 43 ص1990 ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟!، يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي"(208).
والجواب: أن السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم، وإنما فسروه بما فسره به المتكلم به، فقوله تعالى في الحديث القدسي: "مرضت واستطعمتك واستسقيتك" بينه الله تعالى بنفسه حيث قال: "أما علمت أن عبدي فلان مرض، وأنه استطعمك عبدي فلان. واستسقاك عبدي فلان". وهو صريح في أن المراد به مرض عبد من عباد الله، واستطعام عبد من عباد الله، واستسقاء عبد من عباد الله، والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به وهو أعلم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله والاستطعام المضاف إليه والاستسقاء المضاف إليه، بمرض العبد واستطعامه واستسقائه لم يكن في ذلك صرف الكلام عن ظاهره؛ لأن ذلك تفسير المتكلم به فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداءً. وإنما أضاف الله ذلك إلى نفسه أولاً للترغيب والحث كقوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ)(209).
وهذا الحديث من أكبر الحجج الدامغة لأهل التأويل الذين يحرفون نصوص الصفات عن ظاهرها بلا دليل من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحرفونها بشبه باطلة هم فيها متناقضون مضطربون. إذ لو كان المراد خلاف ظاهرها كما يقولون لبينه الله تعالى ورسوله، ولو كان ظاهرها ممتنعاً على الله - كما زعموا - لبينه الله ورسوله كما في هذا الحديث. ولو كان ظاهرها اللائق بالله ممتنعاً على الله لكان في الكتاب والسنة من وصف الله تعالى بما يمتنع عليه ما لا يحصى إلا بكلفة، وهذا من أكبر المحال.
ولنكتف بهذا القدر من الأمثلة لتكون نبراساً لغيرها، وإلا فالقاعدة عند أهل السنة والجماعة معروفة، وهي إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.


وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى في قواعد نصوص الصفات. والحمد لله رب العالمين.


(103) سورة إبراهيم، الآية: 27.
(104) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: أدلة هذه مذكورة في مواضعها من كتب العقائد.
(105) سورة الأنعام، الآية: 155.
(106) سورة الأعراف، الآية: 158.
(107) سورة الحشر، الآية: 7.
(108) سورة النساء، الآية: 80.
(109) سورة النساء، الآية: 59.
(110) سورة المائدة، الآية: 49.
(111) سورة النحل، الآية: 89.
(112) سورة الشعراء، الآيات: 193 - 195.
(113) سورة يوسف، الآية: 2.
(114) سورة الزخرف، الآية: 3.
(115) سورة البقرة، الآية: 75.
(116) سورة النساء، الآية: 46.
(117) سورة ص، الآية: 29.
(118) سورة الزخرف، الآية: 3.
(119) سورة النحل، الآية: 44.
(120) سورة هود، الآية: 1.
(121) سورة الإسراء، الآية: 58.
(122) سورة العنكبوت، الآية: 31.
(123) سورة ص، الآية: 75.
(124) سورة الشورى، الآية: 11.
(125) سورة النحل، الآية: 74.
(126) سورة البقرة، الآية: 22.
(127) سورة الأعراف، الآية: 33.
(128) سورة الإسراء، الآية: 36.
(129) سورة ص، الآية: 75.
(130) سورة القصص، الآية: 65.
(131) سورة الشورى، الآية: 11.
(132) سورة الفجر، الآية: 22.
(133) سبق تخريجه.
(134) سورة البقرة، الآية: 253.
(135) سورة الفاتحة، الآية: 3.
(136) سورة الكهف، الآية: 58.
(137) سورة العنكبوت، الآية: 21.
(138) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: إصبع مثلث الهمزة والباء ففيه تسع لغات والعاشرة أصبوع كما قيل:
وهمز أنملة ثلث وثالثه التسع في إصبع وأختم بأصبوع
أصبوع بضم الهمزة.
(139) رواه مسلم، كتاب القدر (2654).
(140) "مسند أحمد" (2/541).
(141) سورة البقرة، الآية: 29.
(142) سورة الإنسان، الآية: 6.
(143) سورة الحديد، الآية: 4.
(144) سورة المجادلة، الآية: 7.
(145) سورة الحديد، الآية: 4.
(146) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: كان هذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه؛ لأنه إذا كان معلوماً أن الله تعالى معنا مع علوه لم يبق إلا أن يكون مقتضى هذه المعية أنه تعالى عالم بنا مطلع شهيد مهيمن لا أنه معنا بذاته في الأرض.
(147) سورة المجادلة، الآية: 7.
(148) سورة التوبة، الآية: 40.
(149) سورة المجادلة، الآية: 7.
(150) سورة الحديد، الآية: 4.
(151) وقد سبق أن المعية في اللغة العربية لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان.
(152) رواه البخاري، كتاب الصلاة (406)، ومسلم، كتاب المساجد (547).
(153) سورة الحديد، الآية: 4.
(154) رواه أحمد (1/206)، وأبو داود، كتاب السنة (4723)، وابن ماجة، المقدمة (193).
(155) سورة النساء، الآية: 82.
(156) سورة آل عمران، الآية: 7.
(157) سورة الشورى، الآية: 11.
(158) سورة البقرة، الآية: 255.
(159) سورة الأنعام، الآية: 18.
(160) سورة طه، الآية: 5.
(161) سورة الملك، الآية: 16.
(162) سورة فاطر، الآية: 10.
(163) سورة المعارج، الآية: 4.
(164) سورة آل عمران، الآية: 55.
(165) سورة النحل، الآية: 102.
(166) سورة السجدة، الآية: 5.
(167) "صحيح مسلم"، كتاب صلاة المسافرين (772).
(168) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق (3194)، ومسلم، كتاب التوبة (2751).
(169) رواه البخاري، كتاب المغازي (4351)، ومسلم، كتاب الزكاة (1064).
(170) رواه البخاري، كتاب الاستسقاء (1013)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء (897).
(171) رواه أبو داود، كتاب المناسك (1905).
(172) رواه مسلم، كتاب المساجد (537).
(173) سورة الشورى، الآية: 11.
(174) انظر نص المقال ص349.
(175) سورة ق، الآية: 16.
(176) سورة الواقعة، الآية: 85.
(177) سورة ق، الآيات: 16 - 18.
(178) سورة الأنعام، الآية: 61.
(179) سورة الواقعة، الآية: 85.
(180) سورة القيامة، الآية: 18.
(181) سورة هود، الآية: 74.
(182) سورة القمر، الآية: 14.
(183) سورة طه، الآية: 39.
(184) سورة يوسف، الآية: 2.
(185) سورة الشعراء: الآيات: 193 - 195.
(186) "صحيح البخاري"، كتاب الرقاق (6502).
(187) "صحيح البخاري"، كتاب التوحيد (7405)، و "صحيح مسلم"، كتاب الذكر (2675)، وكتاب التوبة (2675م).
(188) سورة البقرة، الآية: 186.
(189) سورة الفجر، الآية: 22.
(190) سورة الأنعام، الآية: 158.
(191) سورة طه، الآية: 5.
(192) سبق تخريجه.
(193) رواه البخاري، كتاب الزكاة (1410)، ومسلم، كتاب الزكاة (1014).
(194) رواه مسلم، كتاب الصلاة (482).
(195) سورة آل عمران، الآية: 191.
(196) رواه البخاري، كتاب التقصير (1117).
(197) سورة يس، الآية: 71.
(198) سورة الشورى، الآية: 30.
(199) سورة الروم، الآية: 41.
(200) سورة آل عمران، الآية: 182.
(201) سورة البقرة، الآية: 79.
(202) سورة ص، الآية: 75.
(203) سورة النحل، الآية: 89.
(204) سورة الفتح، الآية: 10.
(205) سورة الفتح، الآية: 18.
(206) سورة النساء، الآية: 80.
(207) سورة الفتح، الآية: 10.
(208) رواه مسلم، كتاب البر والصلة (2569).
(209) سورة البقرة، الآية: 245.

جمران
17-02-2011, 16:01
بارك الله فيك مشرفنا الغالي

وجعل ماتقدمه في موازين اعمالك الصالحه

ابو ضاري
18-02-2011, 16:05
وبارك الله فيك على هذا المرور الطيب

ابو ضاري
18-02-2011, 17:21
حكم الرطوبة

د. رقية بنت محمد المحارب


http://saaid.net/daeyat/roqea/r0.jpg
http://saaid.net/daeyat/roqea/r1.jpg
http://saaid.net/daeyat/roqea/r2.jpg
http://saaid.net/daeyat/roqea/r3.jpg
http://saaid.net/daeyat/roqea/r4.jpg
http://saaid.net/daeyat/roqea/r5.jpg
http://saaid.net/daeyat/roqea/r6.jpg
http://saaid.net/daeyat/roqea/r7.jpg

ابو ضاري
18-02-2011, 17:28
أحكام الجنازة وبدعها وكيفية صلاتها + أحكام زيارة القبور وبدعها




كيفية صلاة الجنازة ؟

1- الصلاة على الجنازة فرض كفاية : ( إذا قام به البعض سقط عن الآخرين ) أي يكفي أن يقوم به بعض المسلمين .

2- ُيسن أن يقوم الإمام عند رأس الرجل ومتجهاً للقبلة كما في (صورة 16)، وعند وسط المرأة كما في (صورة 17)، لفعله صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص109

http://saaid.net/rasael/janasah/16.jpg http://saaid.net/rasael/janasah/17.jpg


3- السنة أن يتقدم الإمام على المأمومين، ولكن إذا لم يجد بعض المأمومين مكاناً فإنهم يصفون عن يمينه وعن يساره .

4- ويسن أن يرفع المصلي يديه مع كل تكبيرة ، لفعله صلى الله عليه وسلم . أخرجه الدار قطني وجوّد إسناده الشيخ ابن باز كما في فتاواه

5- يكبر الإمام أربع تكبيرات ، كالآتي :

التكبيرة الأولى :
1- بعد التكبيرة يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
2- بسم الله الرحمن الرحيم .
3- يقرأ سورة الفاتحة ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .... الخ
فيه إشارة إلى عدم مشروعية دعاء الاستفتاح ، وهو مذهب الشافعية وغيرهم ، وقال أبو داود في المسائل " ( 153 ) : سمعت أحمد سئل عن الرجل يستفتح على الجنازة : سبحانك اللهم وبحمدك . . . ؟! قال : ما سمعت "

التكبيرة الثانية :
بعد التكبيرة الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يفعل في التشهد ، أي يقول : ( اللّهمَّ صل على محمدٍ وعَلَى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إِبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنكَ حَميدٌ مَجيد، اللّهمَّ بارك على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إِبراهيم وعلى آلِ إبراهيمَ إِنَّكَ حَميدٌ مَجيد )
وإن اقتصر على قوله : ( اللهم صلِّ على محمد ) فإنه يجوز .

التكبيرة الثالثة :
1- بعد التكبيرة الثالثة يدعو للميت بما ورد من أدعية، ومن ذلك قول:
( اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعافِهِ وَاعْفِ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نَزْلَهُ وَوَسِّعْ مَدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بالماءِ والثلج وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ داراً خَيراً من دارِه وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجَةَ خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَنَجِّهِ مِنَ النّارِ، وَقِه عَذابَ القَبْرِ ) رواه مسلم وأحمد
2- وردت أدعية أخرى يمكن الرجوع إليها في كتب الأذكار .

التكبيرة الرابعة :
بعد التكبيرة الرابعة يقول : (اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ ) ذكر النووي في كتاب رياض الصالحين وقال الشيخ ابن جبرين إنه الأفضل .
أو يسكت قليلاً ، ثم يُسَلم عن يمينه تسليمة واحدة ، لفعله صلى الله عليه وسلم ، رواه الحاكم وحسَّن إسناده الألباني في أحكام الجنائز (ص129) ، ويجوز أن يسلم تسليمة ثانية عن يساره ، لورود أحاديث في ذلك . أنظر أحكام الجنائز للألباني (ص127



زيارة القبــــــــــــــــــــور

1- تشرع زيارة القبور للاتعاظ بها وتذكر الآخرة شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبحانه وتعالى كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى ، أو تزكيته والقطع له بالجنة ، ونحو ذلك .

2- ويجوز زيارة قبر من مات على غير الاسلام للعبرة فقط .

3- وأما قراءة القرآن عند زيارتها ، فمما لا أصل له في السنة ، بل الأحاديث المذكورة في المسألة السابقة تشعر بعدم مشروعيتها ، إذ لو كانت مشروعة ، لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها أصحابه ، لا سيما وقد سألته عائشة رضي الله عنها-وهي من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم-عما تقول إذا زارت القبور؟ فعلمها السلام والدعاء . ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن،فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها .

4- ويجوز رفع اليد في الدعاء لهما ، لحديث عائشة رضي الله عنها ، ولكنه لا يستقبل القبور حين الدعاء لها ، بل الكعبة ، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور . ( الألباني في أحكام الجنائز وبدعها)

5- ولا يمشي بين قبور المسلمين في نعليه،لحديث بشيرين الحنظلية قال : ( بينما أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم... أتى على قبور المسلمين... فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة ، فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان،فقال : يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك ، فنظر ، فلما عرف الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه ،فرمى بهما ) أخرجه أصحاب السنن وغيرهم( الألباني في أحكام الجنائز وبدعها)

6- ولا يشرع وضع الأس ونحوها من الرياحين والورود على القبور،لأنه لم يكن من فعل السلف ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه .
وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( كل بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة ) .




ما يحــرم عند القبور

ويحرم عند القبور ما يأتي :
1 - الذبح لوجه الله .
2 – رفع القبور زيادة على التراب الخارج منها .
3 - طليها بالكلس ونحوه .
4 - الكتابة عليها .
5 - البناء عليها .
6 - القعود عليها .
7 - الصلاة إلى القبور.
8 - الصلاة عندها ولو بدون استقبال .
9 - بناء المساجد عليها .
10 - اتخاذها عيداً ، تقصد في أوقات معينة ، ومواسم معروفة، للتعبد عندها .
11 - السفر إليها (كالسفر إلى قبر النبي وغيره) .
12 - إيقاد السرج عندها . والدليل على ذلك عدة أمور :
أولا : كونه بدعة محدثة لا يعرفها السلف الصالح . ثانيا : أن فيه إضاعة للمال وهو منهي عنه . ثالثا : أن فيه تشبها بالمجوس عباد النار .
13 - كسر عظامها ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمُؤْمِنِ مَيْتاً مِثْلُ كَسْرِهِ حَيّاً) . أخرجه أبو داود وابن ماجه .
14- نبش القبور ، ولكن يجوز نبش قبور الكفار ، لانه لا حرمة لها .



بدع وأخطاء شائعة في الجنائز

1- الغفلة عن الموت والانشغال عنه وعدم تذكره ، وكفى بالموت واعظاً .

2- أنه لا يكتب الوصية الا المحتضر الذي على فراش الموت ، ومن كتبها قبل ذلك قيل له : (الواجب أن تتفاءل بالخير طيلة العمر ، لا توص الموت عنك بعيد ) سبحان الله ومن يضمن للإنسان أن يعيش ثوان ؟ بل ومن يدري .

3- إذا دفنوا الميت هرعوا إلى إقامة العزاء والمآتـم والولائــم والختمات واهملوا قضاء دينه وتنفيذ وصيّــتــه ونسوا ان نفس المؤمن معلقة ٌ بديــنــه حتى يققضى عنه .

4- تسمية ملك الموت بـعزرائيل وهذا مما لا اصل له .

5- قراءة القرآن على الميت من حين وفاته حتى يباشر غسله أو قراءة سورة يس خاصة ً عند الاحتضار فكيف بمن يستأجر من يقوم بذلك ؟

6- وضع المصحف عند رأس المحتضر أو على صدره وكذا وضعه بعد الموت .

7- النياحة والندب ورفع الصوت بالمصيبه وتمزيق الشعر ونشره وتمزيق الثوب والدعاء بالويل والثبور والاعتراض على قضاء الله وقدره .

8- إعتقاد ان الزوجين لايغسل أحدمها الاخر وقد ثبت عـــن بعض الصحابه انهم غسلوا زوجاتهم .

9- عندما يحمل الناس الميت إلى الصلاه ومن ثــم إلى المقبره يغطون الميت بغطاء مكتوب عليه آية الكرسي أو آيات متفرقه من القرآن .

10- تأخير الصلاه على الجنازه إمَّـا لغرض ٍ مباح كوصول بعض الأقارب من أماكن بعيده أو لغرض ٍ غير مشروع كقراءة الختمات وتثويبها والسنه المبادره بالجنازه وإذا وصل بعض أقاربه صلى على قبره.

11- تقديم تارك الصلاه للمسلمين لكي يصلوا عليه وهذا لايجوز وخيانة وغـــش ٌ للمسلمين , فتارك الصلاه إذا مات لايغسل ولا يكفــن ولا يصلى عليه , ولا يدفــن في مقابر المسلمين , ولا يرثـه , المسلمون , ولا يرثـهم ولا تحل له زوجته , ولاتحل ذبيحة ُ وليست لهُ ولاية ٌ شرعيّـه على أولادهِ ولايستغفر له ولا يترحمْ عليه لانه كافر { في أظهر قول العلماء } .

12- عدم الصلاة على السقط إذا تم له أربعة أشهر ، وهذا خطأ لأن السقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه ودفن لأنه نفخت فيه الروح ، أما ما قبل ذلك فلا .

13- اعتقاد أن الجنازة إذا كان صالحة خف ثقلها على حامليها وهذا لا أصل له .

14- رفع الصوت بالذكر والتهليل عند تشييع الجنازة .

15- الدعاء جماعة مع رفع الأيدي بعد صلاة الجنازة .

16- إذا مات لهم ميت جمعوا جميع ما يتعلق به من ملابس وفرش ونحوها وأخرجوها من البيت زاعمين عدم جواز استعمالها .

17- إعتقاد كراهة الدفن ليلا ً ، والصحيح أنه لاحرج في الدفن ليلا ً .

18- ومن البدع حفرالقبر وتجهيزه قبل الوفاة بجوار من يريد دفنه بالقرب منه والوصية بدفنه فيه .

19- الأذان والإقامة في قبر الميت عند وضعه فيه ، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند إدخال الميت في القبر وهذا كله لا أصل له والوارد قوله : ( بِسْمِ الله وَعَلَى سُنَّةِ – أو ملة – رَسُول الله ) عند إدخال الميت لقبر فقط .

20- قول (دفن في مثواه الأخير) وهذا خطأ فالمثوى الأخير إما الجنة وإما النار .

21- اعتقاد أن التراب الذي خرج من القبر عند الحفر لابد من إعادته كله عند الدفن .

22- العزوف عن حثو التراب في القبر مع إمكانية ذلك والمشروع أن يحثو ثلاثا ً .

23- رفع القبر فوق شبر .

24- وقوف أحد الحاضرين عند رأس الميت بعد الدفن وتلقينه بأن ينادى (يافلان ابن فلان اذكر ماخرجت عليه من الدنيا) ولم يصح حديث البتة في التلقين بعد الدفن .

25- الكتابة على القبر سواء كتابة اسم أو تاريخ أو قرآن أو غير ذلك .

26- ذبح الذبائح عند خروج الميت من البيت أو نزوله القبر وقد سماه الإسلام عقرا ً ونهى عنه بقوله : (لا عقر في الإسلام) .

27- الزيارة الشركية للقبور التي يقصد بها دعاء الأموات وسؤالهم وطلب الحوائج منهم والتبرك بهم ، والنذور لهم والطواف بقبورهم وهذا والله هو الشرك الأكبر وهو الضلال المبين والظلم العظيم وهو من محبطات الأعمال وموجبات الذل والخذلان يدخل صاحبه النيران ويحرمه المغفرة والرضوان .

28- السفر إلى القبور ولو إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما يسن إنشاء سفر لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم ثم إذا وصل إلى المسجد شرع له السلام عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه .

29- تخصيص زيارة القبور في الجُمع والأعياد .

30- الضرب على القبر بحجر أو وضع اليد عليه وقت السلام على الميت .

31- السلام على الميت باسم والدته وذلك عند زيارة القبور فيقول السلام عليك يافلان ابن فلانة .

32- سكب الماء على قبر الميت عند زيارة المقبرة وربما من بجانبه من القبور .

33- قراءة القرآن على القبور .

34- التردد على قبر النبي صلى الله عليه وسلم عند الدخول في المسجد النبوي .

35- وضع باقة من الزهور على القبر وهذه بدعة ٌ وغلو في الأموات وفيه تشبه بالكفار .

36- إقــامة المآتــم وإغــلاق الشوارع ووضع الفرش والأنوار تعطيل الأعمال , والسنـّـه أن يـُعـزى أهل الميت في أيّ مكان في مقبره أو شارع أو سوق أو منزل .

37- عمل الولائــم اللتي تجعل الزائـر يشكُ في كون هذا عزاء أم زواج لكثرة الضيافه .

38- توزيع أجزاء القرآن على الحاضرين لعمل ختمه لتثويبها روح المتوفــى وهذا بدعة ٌ لا أصل له , فـ كيف إذا كان ذلك في جو صاخب بالدخان والهرج واللغو مما يعرض كلام الله للإبتذال والإمتهان والإحتقار .

39- عــدم التعزيه إلا بعد الدفــن , ومن عزى قبله ينكر عليه ويقال له لاتستعجل بالتعزيـه . وهذا لا
أصل له , فالتعزيه تكون من حين الوفاة سواء عزى قبل الدفـن أو بعده .

40- عـدم التعزيه أيام العيد , أو عدم تهنـئـتـه بالعيد مع وفاة قريب .

41- تحديد التعزيه بثلاثة أيام فقط وبعدها لايعزى وهذا خطـأ فقد ورد النبي صلى الله عليه وسلم عزى بعد ثلاثة أيام في حديث عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما , فالتعزيه شرعت لتسلية المصاب ومتى وجدت الحاجه إلى تسلية المصاب فالتعزيه مشروعه ولو بعد ثلاث .

42- القول في التعزيه : (البقيه في حياتك) , (البقيّـه في راسـك) وهـذا خلاف الأولى , وكذلك قول : بعض المعزين لأهـل الميت (مانقص من عمره زاد في عمرك) .

43- قول: (الفاتحه على روح فلان) وذلك إذا ما انتهوا من العشاء أو الغداء , .. وكذلك قول : ( اللهم اجعل ثواب هذا الطعام لـفلان ) .

44- قول : ( ونهدي لجميع موتانا وموتى المسلمين ثواب سورة الفاتحه أو سورة كذا ) حيث لم يكن هذا من هدي سلفنا الصالح أن يقرا الفاتحة أو غيرها ويثوبها للأموات فقط ، حيث أن القرآن للأحياء لا للأموات .

45- عدم التعزية في أهل المعاصي ممن مات منتحرا ً أو في سكر أو في زنى أو نحو ذلك من المعاصي ، والأصل في ذلك التعزية وما المانع من تسلية أهله وتهوين المصيبة عليهم .

46- الإعلان عن مكان الجلوس للعزاء بالصحف وأحيانا يكتب آيات كقوله تعالى : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) وهذا النعي الذي نهى عنه الإسلام .

47- بعض النساء إذا أتين أهل الميت لتعزيتهن أول ما يكون منهن صياح وعويل ويُبكين كل الحاضرات وهذه هي النياحة المحرمة .

48- الغفلة والإعراض عن زيارة القبور .

49- وصف الميت بأنه مغفور له أو مرحوم أو شهيد أو من أهل الجنة أو انتقل إلى الرفيق الأعلى وما أشبه ذلك ، وهذا كله لا يجوز لأن هذه من الأمور التي لا يعلمها إلا الله .




فتاوي في الجنائز

س1 : ماذا يفعل الجالس عند المحتضر ؟ وهل قراءة سورة "يس" عند المحتضر ثابتة في السنة أم لا ؟
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين .. عيادة المريض من حقوق المسلمين بعضهم على بعض. و ينبغي لمن عاد المريض أن يذكره بالتوبة ، و بما يجب عليه من الوصية . و بملء وقته بذكر الله _ عز و جل _ لأن المريض في حاجة إلى مثل هذا الشئ ، و إذا احتضر، و تيقن الإنسان أنه حضره الموت فإنه ينبغي له أن يلقنه : " لا إله إلا الله" كما أمر بذلك النبي ، صلى الله عليه و سلم ، فيذكر الله عنده بصوت يسمعه حتى يتذكر ، و يذكر الله ، قال أهل العلم و لا ينبغي أن يأمره بذلك ، لأنه ربما لضيق صدره و شدة الأمر عليه يأبى أن يقول "لا إله إلا الله "، حينئذ يكون الخاتمة سيئة ، و إنما يذكره بالفعل ، أي بالذكر عنده حتى قالوا : و إذا ذكّره فذكر فقال " لا إله إلا الله " فيسكت ، و لا يحدثه بعد ذلك ليكون آخر قوله: " لا إله إلا الله " ، فإن تكلم .. أي المحتضر فليعد التلقين عليه مرة ثانية ليكون آخر كلامه " لا إله إلا الله" . و أما قراءة " يس" عند المحتضر فإنها سنة عند كثير من العلماء لقوله ، صلى الله عليه و سلم : " اقرأوا على موتاكم (يس) . لكن هذا الحديث تكلم فيه بعضهم و ضعفه . فعند من صححه يكون قراءتها مسنوناًَ ، و عند من ضعّفه لا يكون ذلك أي قراءة " يس" مسنوناً . (الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)

س2 : لقد سمعنا كثيرا من عامة الناس بأن الزوجة تحرم على زوجها بعد الوفاة أي بعد وفاتها و لا يجوز أن ينظر إليها و لا يلحدها عند القبر فهل هذا صحيح أجيبونا بارك الله فيكم؟
ج2 : قد دلت الأدلة الشرعية على أنه لا حرج على الزوجة أن تغسل زوجها و أن تنظر إليه و لا حرج عليه أن يغسلها و ينظر إليها و قد غسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنهما و أوصت فاطمة أن يغسلها علي رضي الله عنه ، و الله ولي التوفيق. (الشيخ ابن باز رحمه الله)


س3 : أرجوا أن توضحوا كيفية الصلاة على الجنازة كما ثبتت عن النبي صلى الله عليه و سلم، لأن كثيرا من الناس يجهلونها.
ج3 : صفة الصلاة على الجنازة قد بينها النبي ، صلى الله عليه و سلم ، و أصحابه رضي الله عنهم ، و هي أن يكبر أولا ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم و يسمي و يقرأ الفاتحة و سورة قصيرة أو بعض الآيات ، ثم يكبر و يصلي على النبي ، صلى الله عليه و سلم ، مثلما يصلي عليه في آخر الصلاة ، ثم يكبر الثالثة و يدعو للميت ، و الأفضل أن يقول : ( اللهم اغفر لحينا و ميتنا و شاهدنا و غائبنا و صغيرنا و كبيرنا و ذكرنا و أنثانا ، اللهم من أحييته من فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم اغفر له و ارحمه و عافه و اعف عنه و أكرم نزله و وسع مدخله و اغسله بالماء و الثلج و البرد و نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم أبدله دارا خيرا من داره و أهلا خيرا من أهله ، اللهم أدخله الجنة و أعذه من عذاب القبر و من عذاب النار و افسح له قبره و نور له فيه ، اللهم لا تحرمنا أجره و لا تضلنا بعده) كل هذا محفوظ عن النبي ، صلى الله عليه و سلم ، و إن دعا له بدعوات أخرى فلا بأس مثل أن يقول: ( اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه و إن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم اغفر له و ثبته بالقول الثابت .. ثم يكبر الرابعة ويقف قليلا ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه قائلا : " السلام عليكم و رحمة الله" و يستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة لثبوت ذلك عن النبي، صلى الله عليه و سلم ، وبعض أصحابه رضي الله عنهم. و يسن أن يقف الإمام عند رأس الرجل و عند وسط المرأة لثبوت ذلك عن النبي ، صلى الله عليه و سلم ، من حديث أنس و سمرة بن جندب رضي الله عنهما ، و أما قول بعض العلماء : إن السنة الوقوف عند صدر الرجل فهو قول ضعيف ليس عليه دليل فيما نعلم . و يكون حين الصلاة عليه موجها إلى القبلة لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن الكعبة " إنها قبلة المسلمين أحياء و أمواتا " و الله ولي التوفيق. (الشيخ ابن باز رحمه الله)


س4: ما حكم الصلاة على الميت إذا كان تاركاً للصلاة أو يشك في تركه لها أو نجهل حاله ؟
ج4 : أما من علم أنه مات و هو لا يصلي فإنه لا يجوز أن يصلي عليه ، و لا يحل لأهلة أن يقدموه إلى المسلمين ليصلوا عليه ، لأنه كافر مرتد عن الإسلام و الواجب أن يحفر له حفرة في غير المقبرة و يرمى فيها و لا يصلى عليه ، لأنه لا كرامة له فإنه يحشر يوم القيامة مع فرعون و هامان و قارون و أبي بن خلف. أما مجهول الحال أو المشكوك فيه فيصلى عليه لأن الأصل أنه مسلم حتى يتبين لنا أنه ليس بمسلم و لكن لا بأس إذا كان الإنسان شاكا في هذا الرجل أن يستثني عند الدعاء فيقول : اللهم إن كان مؤمنا فاغفر له و ارحمة . لأن الاستثناء في الدعاء قد ورد في الذين يرمون أزواجهم ، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء أن الرجل إذا لاعن زوجته قال في الخامسة : " أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين" . و تقول هي في الخامسة : " أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" (الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س5 : ما حكم تأخير الصلاة على الجنازة و غسله و تكفينه و دفنه ، حتى يحضر أقارب الميت .. و ما الضابط لذلك ؟
ج5 : تأخير تجهيز الميت خلاف السنة . خلاف ما أمر به النبي ، صلى الله عليه و سلم ، فقد قال ، عليه الصلاة و السلام ، " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه و إن تك سوى ذلك فشر تضعوه عن رقابكم " . ولا ينبغي الانتظار اللهم إلا مدة يسيرة كما لو انتظر به ساعة أو ساعتين و ما أشبه ذلك . و أما تأخيره إلى مدة طويلة فهذا جناية على الميت لأن النفس الصالحة إذا خرج أهل الميت به تقول: قدموني . قدموني. فتطلب التعجيل و التقديم . لأنها وعدت بالخير و الثواب الجزيل . و الله أعلم . )الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س6 : هل تحضر المرأة صلاة الجنازة؟
ج6 : الصلاة على الجنازة مشروعة على الرجال و النساء لقول النبي ، صلى الله عليه و سلم : " من صلى على الجنازة فله قيراط و من تبعها حتى تدفن فله قيراطان" . قيل يا رسول الله : و ما القيراطان؟ قال " مثل جبلين عظيمين (يعني من الأجر) " . متفق على صحته. لكن ليس للنساء اتباع الجنائز إلى المقبرة لأنهن منهيات عن ذلك لما ثبت في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت : " نهينا عن اتباع الجنائز و لم يجزم علينا" أما الصلاة على الميت فلم تنه عنها المرأة سواء كانت الصلاة عليه في المسجد أو في البيت أو في المصلى . و كان النساء يصلين على الجنائز في مسجدة ، صلى الله عليه و سلم ، مع النبي ، صلى الله عليه و سلم ،وبعده . و أما الزيارة للقبور فهي خاصة بالرجال كاتباع الجنائز إلى المقبرة . لأن الرسول ، صلى الله عليه و سلم ، لعن زائرات القبور . و الحكمة في ذلك و الله أعلم ، ما يخشى من اتباعهن للجنائز إلى المقبرة و زيارتهن للقبور من الفتنة بهن و عليهن. و لقوله ، صلى الله عليه و سلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" متفق على صحته و بالله التوفيق. (الشيخ ابن باز رحمه الله)


س7 : من فاتته الصلاة على الميت في المسجد سواء كان فردا أو جماعة هل يجوز لهم الصلاة على الميت في المقبرة قبل الدفن أو على القبر بعد الدفن؟
ج7 : نعم يجوز لهم ذلك لكن إن أمكنهم أن يصلوا عليه قبل الدفن فعلوا و إن جاءوا و قد دفن فأنهم يصلون على القبر لأنه ثبت عن النبي، صلى الله عليه و سلم ، أنه صلى على القبر. )الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س8 : ماهو الدعاء المشروع عند مواراة الميت بالتراب؟
ج8 : ذكر بعض أهل العلم أنه يسن أن يحثى ثلاث حثيات . و أما قول " منها حلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى " ، فليس فيه حديث عن رسول الله ، صلى الله عليه و سلم ، فقد كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه و قال : " استغفروا لأخيكم و اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " ، فنقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له، اللهم ثبته اللهم ثبته... )الشيخ ابن عثيمين)


س9 : ما حكم الدعاء بعد صلاة الجنازة؟
ج9 : الدعاء مخ العبادة فسؤال العبد ربه لنفسه أو لغيره و إعلانه ضراعته و عبوديته لمولاه حينما يطلب حاجته منه رغب فيه سبحانه في كتابه فقال: " و قال ربكم ادعوني أستجب لكم " غافر 60 و قال : " ادعو ربكم تضرعا و خفية " الأعراف 55
و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، بقوله و فعله و الأصل فيه الإطلاق حتى يثبت تقييده بوقت أو الترغيب في الإكثار منه في حال أو في وقت معين كحال السجود في الصلاة أو آخر الليل فيحرص المسلم على الإتيان به على ما بينته النصوص من إطلاق و تقييد . و قد ثبت في أحاديث صلاة الجنازة الدعاء للميت و ثبت الدعاء له بالأستغفار عند الفراغ من دفنه فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يزور القبور و يدعو لأهلها و يعلم أصحابه دعاء زيارة القبور كما يعلمهم السورة من القرآن و لنم يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم ، الدعاء بعد صلاة الجنازة و لم يكن هذا من سنته و لا سنة أصحابه و لو حصل ذلك منه أو منهم لنقل كما نقل الدعاء له قي الصلاة عليه و عند زيارته و بعد الفراغ من دفنه و على ذلك يكون اعتماد الدعاء للميت أو لغيره بعد الفراغ من صلاة الجنازة بدعة ، لا يليق بالمسلم أن يفعلها لجديث : " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين من بعدي و إياكم و محدثات الأمور ...." روا أهل السنن عن طريق العرباض بن سارية .
و صلى الله على نبينا محمد و آله و صحبه. ( اللجنة الدائمة)


س10 : في مصر عندنا يدفنون الميت على ظهره و يده اليمنى على اليسرى فوق بطنه و لكني وجدت في السعودية بدفنون الميت على جنبه اليمن ارجو الإفادة ؟
ج10 : الصواب أن الميت يدفن على جنبة الأيمن مستقبل القبلة فإن الكعبة قبلة الناس أحياء و أمواتا و كما أن النائم ينام على جنبه الأيمن كما أمر النبي ، صلى الله عليه و سلم ، فكذلك الميت يوضع على جنبه الأيمن فإن النوم و الموت يشتىكان في كون كل منهما وفاة كما قال الله تعالى : " الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها " الزمر 42
و قال تعالى : " و هو الذي يتوفاكم بالليل و يعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى " الأنعام 60.
فالمشروع في دفن الميت أن يضجع على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة و لعل ما شاهده السائل في بلاده كان ناتجا عن جهل في ذلك و إلا فما علمت أحدا من أهل العلم يقول أن الميت يضجع على ظهره و تجعل يداه على بطنه. )الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س11 : ماهي الساعات التي نهينا أن نصلي فيها على موتانا؟ و لماذا لا يصلي الناس على الجنازة قبل صلاة الفجر أو قبل صلاة العصر إذا كانوا مجتمعين خصوصا في الحرمين للخروج النهي؟
س11 :ا لساعات التي نهينا عن الصلاة فيها و عن دفن الميت ثلاث ساعات : حين تطلع الشمس حتى ترتفع قيد رمح ، و حين يقوم قائم الظهيرة أي قبيل الزوال بنحو عشر دقائق، و إذا بقي عليها أن تغرب مقدار رمح .. هذه ثلاث ساعات لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه : " ثلاث ساعات نهانا رسول الله ، صلى الله عليه و سلم ، أن نصلي فيهن و أن تقبر فيهن موتانا". و ذكر هذه الساعات الثلاث . و أما ما بعد صلاة الفجر و بعد صلاة العصر فإنه ليس فيه نهي عن الصلاة على الميت و لهذا فلا حاجة أن نقدم الصلاة على الميت قبل صلاتي
(الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)

س12 : ذا مات ميت قبل منتصف الليل أو بعد منتصف الليل ، فهل يجوز دفنه ليلا، أو لا يجوز دفنه إلا بعد طلوع الفجر؟
ج12 : يجوز دفن الميت ليلا ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : مات إنسان كان النبي ، صلى الله عليه و سلم ، يعوده ، فمات بالليل فدفنوه ليلا ، فلما أصبح أخبروه ، فقال : " ما منعكم أن تعلموني؟ " قالوا : كان الليل ، و كانت ظلمة ، فكرهنا أن نشق عليك ، فأتى قبره فصلى عليه ، رواه البخاري و مسلم ، فلم ينكر دفنه ليلا ، و إنما أنكر على أصحابه أنهم لم يعلموه به إلا صباحا فلما اعتذروا إليه قبل عذرهم، و روى أبو داود عن جابر قال: رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها ، فإذا رسول الله ، صلى الله عليه و سلم ، في المقبرة يقول : ناولوني صاحبكم ، و إذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر . و كان ذلك ليلا كما يدل عليه قول جابر رأي ناس نارا في المقبرة ... الخ .
و دفن النبي صلى الله عليه و سلم ليلا و روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل، ليلة الأربعاء.
و المساحي هي الآلات التي يجرف بها التراب، و دفن أبو بكر و عثمان و عائشة و ابن مسعود ليلا و ما روي مما يدل على كراهة الدفن ليلا فمحمول على ما إذا كان التعجيل بدفنه ليلا لكونه ليس من ذوي الشأن فلم يبقوه إلى الصباح ليحضر عليه الناس أو لكونهم لما أساءوا كفنه عجلوا بدفنه فزجرهم لذلك ، أو محمول على بيان الأفضل ليصلي عليه كثير من المسلمين و لانه أسهل على من يشيع جنازته و أمكن لإحسان دفنه ، و اتباع السنة في كيفية لحدة و هذا إذا لم توجد ضرورة إلى تعجيل دفنه ، و الأوجب التعجيل بدفنه و لو ليلا ، وصلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و سلم. (اللجنة الدائمة)


س13 : صل و ماتت طفلة و عمرها سنة أشهر و قبرت مع طفل قد سقط و هو في الشهر السادس و هو في بطن أمه ، فهل هذا يجوز أم لا ؟ و إن كان لا ، فما حكم الذين قبروهما في قبر واحد؟
ج13 : لمشروع أن يدفن كل ميت في قبر وحده هذه هي السنة التي عمل المسلمون بها من عهد النبي، صلى الله عليه و سلم ، إلى عهدنا هذا و لكن إذا دعت الحاجة إلى قبر اثنين أو أكثر في قبر واحد فلا حرج في هذا فإنه ثبت في الصحيحين و غيرهما أن النبي ، صلى الله عليه و سلم ، كان يجمع الرجلين و الثلاثة من شهداء أحد بقبر واحد إذا دعت الحاجة إلى ذلك و هذه الطفلة و هذا السقط اللذان جمعا في قبر واحد لا يجب الآن نبشهما لأنه قد فات الأوان و من دفنهما في قبر واحد جاهلا بذلك فإنه لا إثم عليه و لكن الذي ينبغي لكل من عمل عملا من العبادات أو غيرها أن يعرف حدود الله تعالى في ذلك العمل قبل أن يتلبس به حتى لا يقع فيما هو محذور شرعا. أعلى الصفحة
(الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س14 : نا رجل مقطوعة رجلي ولي زوجة أصيبت بمرض و حولت إلى إحدى المستشفيات في المملكة و كنت معها حتى توفيت ثم نقلت بعد وفاتها إلى المقبرة بواسطة سيارة الإسعاف و بعض العاملين في المستشفى و أنا معهم ، و عند إنزالها إلى القبر أنزلها أولئك الرجال الأجانب إلى القبر وحدهم أما أنا فعاجز بسبب رجلي.. و أنا محتار في هذا الأمر .. هل علي إثم في ذلك و هل في إنزال المرأة في قبرها من رجال أجانب شئ أفيدوني؟
ج14 : ليس في إنزال المرأة في قبرها حرج إذا أنزلها غير محرمها و إنما يشترط المحرم للسفر بالمرأة لا لإنزالها في قبرها و الله ولي التوفيق. (الشيخ ابن باز رحمه الله)


س15 : قال ابن عباس رضي الله عنهما : " مر النبي ، صلى الله عليه و سلم ، بقبرين فقال : إنهما ليعذبان ، و ما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، و أما الآخر فكان يمشي بالنميمة ، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة ، قالوا يا رسول الله لم فعلت ؟ قال يخفف عنهما ما لم ييبسا" رواه البخاري . فهل يصح لنا الاقتداء بالنبي، صلى الله عليه وسلم، في ذلك ؟ و هل يجوز وضع ما شابه الجريدة من الأشياء الرطبة الخضراء قياسا على الجريدة ؟ أو يجوز غرس شجرة على القبر لتكون دائمة الخضرة لهذا الغرض؟
ج15 : ن وضع النبي ، صلى الله عليه و سلم ، الجريدة على القبرين و رجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبرهما واقعة عين لا عموم لها ، و أن ذلك خاص برسول الله، صلى الله عليه و سلم و أنه لم يكن منه سنة مطردة في قبور المسلمين إنما كان مرتين أو ثلاثا على تقدير تعدد الواقعة لا أكثر و لم يعرف فعل ذلك عن أحد من الصحابة و هم أحرص المسلمين على الاقتداء به، صلى الله عليه و سلم ، و أحرصهم على نفع المسلمين إلا ما روي عن بريدة الأسلمي أنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان و لا نعلم أن أحدا من الصحابة رضي الله عنهم وافق بريدة على ذلك . و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم . (اللجنة الدائمة)


س16 : اهدت عدة قبور و هي على النحو التالي : بعض من القبور يوضع عليها ركيزة واحدة على مقدمة القبر، و البعض الثاني يضعون ركيزتين على مقدمة القبر و على المؤخرة ، و البعض الثالث يضعون ثلاث ركائز على مقدمة القبرو الوسط و المؤخرة ، و المقصود من الركيزة هو حجر يركز على القبر ، و بعض من الناس يطلقون عليه اسم النصيبة الذي تنصب على القبر .. فأريد التوضيح بالشئ الذي جائز وضعه على قبور النساء ؟
ج16 : شرع بعد دفن الميت أن يجعل على طرفي القبر لبنتين منصوبتين فقط ليعلم أنه قبر حتى و لو كان في وسط المقابر و لا فرق بين قبر الرجل و قبر المرأة و قبر الصبي ، و لا يزاد على اللبنتين و لا بأس أن يجعل إلى جنبه حجر أو نحوه يعرف به ليزار و نحو ذلك.
(الشيخ ابن جبرين غفر الله له)


س17 : هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو لافتة على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية بالإضافة إلى اسم لميت و تاريخ وفاته... الخ؟
ج17 : لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية و لا غيرها لا في حديدة و لا في لوح و لا في غيرهما لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم ، نهى أن يجصص القبر و أن يقعد عليه و أن يبنى عليه . رواة مسلم . و زاد الترمذي و النسائي : " و أن يكتب عليه".(الشيخ ابن باز رحمه الله)


س18 : هل يجوز القيام عند القبر للاستغفار أو الدعاء للميت بعد دفنه و إهالة التراب عليه؟
ج18 : نعم يجو الوقوف عند قبر الميت بعد دفنه و إهالة التراب عليه للاستغفار و الدعاء له بل ذلك مستحب لما راه أبوداود و الحاكم و صححه عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : " كان رسول الله ، صلى الله عليه و سلم ، إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم ، و اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" (اللجنة الدائمة)


س19 : لاحظت عندنا على بعض القبور عمل صبة بالأسمنت بقدر متر طولا في نصف متر عرضا مع كتابة اسم الميت عليها و تاريخ وفاته و بعض الجمل كـ (اللهم ارحم فلان ابن فلان ....) و هكذا ، فما حكم مثل هذا العمل؟
ج19 : لا يجوز البناء على القبور لا بصبة و لا بغيرها و لا تجوز الكتابة عليها لما ثبت عن النبي ، صلى الله عليه و سلم ، من النهي عن البناء عليها و الكتابة عليها فقد روى مسلم رحمه الله من حديث جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله ، صلى الله عليه و سلم أن يجصص القبر و أن يقعد عليه و أن يبنى عليه ) و خرجه الترمذي و غيره بإسناد صحيح و زاد: "و أن يكتب عليه " و لأن ذلك نوع من أنواع الغلو فوجب منعه و لأن الكتابة ربما أفضت إلى عواقب وخيمة من الغلو و غيره من المحظورات الشرعية ، و إنما يعاد تراب القبر عليه و يرفع قدر شبر تقريبا حتى يعرف أنه قبر، هذه هي السنة في القبور التي درج عليها رسول الله ، صلى الله عليه و سلم ، و أصحابه رضي الله عنهم ، و لا يجوز اتخاذ المساجد عليها و لا كسوتها و لا وضع القباب عليها لقول النبي ، صلى الله عليه و سلم ، " لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " متفق على صحتة. و لما روى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبدالله البجلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قبل أن يموت بخمس يقول : " إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا و لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبابكر خليلا، ألا و إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائم و صالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإتي أنهاكم عن ذلك "... و الأحاديث في هذا المعنى كثيرة. (الشيخ ابن باز رحمه الله)


س20 : هل يعتبر تخصيص أيام ثلاثة للعزاء لأهل الميت من الأمور المبتدعة و هل هناك عزاء للطفل و العجوز و المريض الذي لا يرجى شفاؤة .. بعد موتهم ؟
ج20 : التعزية سنة لما فيها من جبر المصاب و الدعاء له بالخير و لا فرق في ذلك بين كون الميت صغيرا أو كبيرا و ليس فيها لفظ مخصوص بل يعزي المسلم أخاه بما تيسر من الألفاظ المناسبة مثل أن يقول: " أحسن الله عزاءك و جبر مصيبتك و غفر لميتك إذا كان الميت مسلما أما إذا كان الميت كافرا فلا يدعى له و إنما يعزي أقاربه المسلمون بنحو الكلمات المذكورة. و ليس لها وقت مخصوص و لا أيام مخصوصة بل هي مشروعة من حين موت الميت قبل الصلاة و بعدها و قبل الدفن و بعده و المبادرة بها أفضل في حال شدة المصيبة و تجوز بعد ثلاث من موت الميت لعدم الدليل على التحديد. (الشيخ ابن باز رحمه الله)

س21 : ما حكم من يسافر من أجل العزاء لقريب أو صديق و هل يجوز العزاء قبل الدفن؟
ج21 : لا نعلم بأسا في السفر من أجل العزاء لقريب أو صديق لما في ذلك من الجبر و المواساة و تخفيف الام المصيبة و لا بأس في العزاء من قبل الدفن و بعجه و كلما كان أقرب من وقت المصيبة كان أكمل في تخفيف آلامها، و بالله التوفيق. (الشيخ ابن باز رحمه الله)


س22 : عندما يتوفى شخص في بعض البلدان يجلس أهل الميت لتقبل العزاء بعد صلاة المغرب لمدة ثلاثة أيام ، هل يجوز ذلك أم انه بدعة؟
ج22 : تعزية المصاب بالميت مشروعة ، و هذا لا إشكال فيه ، و أما تخصيص وقت معين لقبول العزاء و جعله ثلاثة أيام فهذا من البدع ، و قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " و بالله التوفيق. (اللجنة الدائمة)


س23 : ماهي أقسام زيارة المقابر؟
ج23 : المقابر يزورها الإنسان للعبرة و العظة و رجاء الثواب امتثالا لأمر النبي ، عليه الصلاة و السلام ، حيث قال : " زوروا القبور فإنهاتذكر الآخرة" .. و أما من زار المقبرة من أجل التبرك بالزيارة أو يدعو أصحاب القبور ، فإن هذا شئ لا يوجد عندنا و الحمدلله ، و إن كان يوجد في بعض البلاد الإسلامية ، و هذه من الزيارات التي قد تكون بدعية فقط و قد تكون شركية.
و زيارة القبور نوعان: نوع يقصد الإنسان شخصا معينا فهنا يقف عنده و يدعو له بما شاء الله عز و جل كمافقل عليه الصلاة و السلام حين استأذن الله عز و جل أن يستغفر لأمه فلم يأذن الله له و استأذنه أن يزورها فأذن له .. فزارها صلوات الله و سلامه عليه و معه طائفة من أصحابه.
و القسم الثاني أن تكون زيارته لعموم المقبرة ، فهنا يقف أمام القبور و يسلم كما كان ، عليه الصلاة و السلام ، يفعل ذلك إذا زار البقيع . يقول : "السلام عليكم دار قوم مؤمنين و إنا إن شاء الله بكم لاحقون . يرحم الله المستقدمين منا و منكم و المستأخرين . نسأل الله لنا و لكم العافية ، اللهم لا تحرمنا أجرهم و لا تفتنا بعدهم و اغفر لنا و لهم. ) الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س24 : ما حكم زيارة المرأة للقبور؟
ج24 : لا يجوز للنساء زيارة القبور لأن الرسول ، صلى الله عليه و سلم ، لعن زائرات القبور و لأنهن فتنة و صبرهن قليل فمن رحمة الله و إحسانه أن حرم عليهن زيارة القبور حتى لا يَفتن ولا يُفتن. أصلح الله حال الجميع. (الشيخ ابن باز رحمه الله)


س25 : ماهي الأشياء المحظورة على المرأة زمن الحداد مع ذكر الدليل؟
ج25 : المحظورعلى المرأة زمن الحداد :
أولا : أن لا تخرج من بيتها إلا لحاجة ، مثل أن تكون مريضة تحتاج لمراجعة المستشفى و تراجعه بالنهار، أو ضرورة مثل أن يكون بيتها آيلا للسقوط فتخشى أم يسقط عليها ، أو تشتعل فيه نار أو ما أشبه ذلك .. قال أهل العلم و تخرج في النهار للحاجة و أما في الليل فلا تخرج إلا للضرورة ثانيا : الطيب ، لأن النبي، عليه الصلاة و السلام ، نهى المحادّة أن تتطيب إلا إذا طهرت ، فإنها تأخذ نبذة من أظفار (نوع من الطيب) تتطيب به بعد الحيض ليزول عنها أثر الحيض.
ثالثا: أن لا تلبس ثيابا جميلة تعتبر تزينا . لأن النبي ، عليه الصلاة و السلام ، نهى عن ذلك و إنما تلبس ثيابا عادية كالثياب التي تلبسها في بيتها بدون أن تتجمل .
رابعا: أن لا تكتحل، لأن النبي، عليه الصلاة والسلام ، نهى عن ذلك فإن اضطرت إلى هذا فإنها تكتحل بما لا يظهر لونه ليلا و تمسحه بالنهار.
خامسا: أن لا تتحلى ، أي لا تلبس حليا لأنه إذا نهي عن الثياب الجميلة فالحلي أولى بالنهي .
و يجوز لها أن تكلم الرجال و أن تتكلم بالهاتف و أن تأذن لمن يدخل بالبيت ممن يمكن دخوله و أن تخرج إلى السطح _ سطح البيت _ في الليل و في النهار . و لا يلزمها أن تغتسل كل جمعة كما يظنه بعض العامة و لا أن تنقض شعرها كل أسبوع. و كذلك أيضا لا يلزمها بل لا يشرع لها إذا انتهت العدة أن تخرج معها بشئ تتصدق به على أول من يلاقيها فأن هذا من البدع . ) الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س26 : ندما يموت ميت يرفعون صوت قراءة القرآن بمكبرات في بيت العزاء وعندما يحملونه بسيارة الموتى فيضعون مكبرات للصوت أيضاً حتى صار الواحد بمجرد سماعه القرآن يعلم أن هناك ميت فيتشاءم لسماعه القرآن وحتى أصبح لايفتح على قراءة القرآن إلا عند موت إنسان.ما الحكم في ذلك مع توجيه النصح لمثل هؤلاء؟
ج26 : إن هذا العمل بدعة بلا شك فإنه لم يكن في عهد النبي،صلىالله عليه وسلم،ولا في عهد أصحابه والقرآن إنما تخفف به الأحزان إذا قرأه بينه وبين نفسه لاإذا أعلن به على مكبرات الصوت. كما أن إجتماع أهل الميت لاستقبال المعزين هو أيضاً من الأمور التي لم تكن معروفة حتى إن بعض العلماء قال إنه بدعة و لهذا لانرى أهل الميت يجتمعون لتلقي العزاء بل يغلقون أبوابهم وإذا قابلهم أحد في السوق أو جاء أحد من معارفهم دون أن يعدوا لهذا اللقاء عدته فإن هذا لا بأس به.
أما إستقبال الناس فهذا لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان الصحابة يعدون إجتماع أهل الميت وصنع الطعام من النياحة،والنياحة كما هو معروف من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن النائحة والمستمعة وقال:"النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" نسأل الله العافية، فنصيحتي لإخواني أن يتركوا هذه الأمور المحدثة فإن ذلك أولى بهم عند الله وهو أولى بالنسبة للميت أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وبنياحتهم عليه، يعذب يعني يتألم من هذا البكاء وهذه النياحة وإن كان لايعاقب عقوبة الفاعل لأن الله- تعالى- يقول: (ولاتزر وازرة وزر أخرى). والعذاب ليس عقوبة فقد قال النبي،صلى الله عليه وسلم: ( إن السفر قطعة من العذاب)بل إن الألم والهم وما أشبه ذلك يعد عذاباً ومن كلمات الناس الشائعة قولهم: عذبني ضميري. والحاصل أنني أنصح أخواتي بالإبتعاد عن مثل هذه العادات التي لاتزيد من الله إلا بعداً ولا تزيد موتاهم إلا عذاباً. )الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س27 : هل يجوز قراءة الفاتحة على الموتى و هل تصل إليهم ؟
ج27 : قراءة الفاتحة على الموتى لا أعلم فيها نصا من السنة و على هذا فلا تقرأ لأن الأصل في العبادات الحظر و المنع حتى يقوم دليل على ثبوتها و أنها من شرع الله عز و جل ، و دليل ذلك أن الله أنكر على من شرعوا في دين الله ما لم يأذن به الله ، فقال تعالى (أم شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) الشورى 21 .
و ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم ، أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " . و إذا كان مردودا كان باطلا و عبثا ينزه الله عز و جل أن يُتقرب به إليه.
و أما لإستئجار قارئ يقرأ القرآن ليكون ثوابه للميت فإنه حرام و لا يصح أخذ الأجرة على قراءة القرآم و من أخذ أجرة على قراءة القرآن فهو آثم و لا ثواب له لأن قراءة القرآن عبادة و لا يجوز أن تكون العبادة و سيلة إلى شئ من الدنيا قال الله تعالى : ( من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوف إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون) هود 15. )الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س28 : ما حكم المرور بين القبور بالنعال؟ و ما صحة الدليل الذي ينهى عن ذلك و هو قوله صلى الله عليه وسلم : " يا صاحب السبتين اخلع نعليك " ؟
ج28 : ذكر أهل العلم أن المشي بين القبور بالنعال مكروه . و استدلوا بهذا الحديث . إلا أنهم قالوا إذا كان هناك حاجة كشدة حرارة الأرض أو و جود الشوك فيها أو نحو ذلك فإنه لا بأس أن يمشي في نعليه . )الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س29 : ماحكم الإجتماع بعد دفن الميت لمدة ثلاثة أيام وقراءة القرآن وهو ما يسمى بالمأتم؟
ج29 : الإجتماع في بيت الميت للأكل أو الشرب أو قراءة القرآن بدعة، وهكذا إجتماعهم يصلون له ويدعون له كله بدعة لاوجه له. إنما يؤتى أهل الميت للتعزية والدعاء لهم، والترحم على ميتهم وتسليتهم وتصبيرهم، أما أنهم يجتمعون لإقامة مآتم وإقامة دعوات خاصة أو صلوات خاصة أو قراءة قرآن فهذا لا أصل له ولو كان خيراً لسبقنا إليه سلفنا الصالح- رضي الله عنهم وأرضاهم- فالرسول صلى الله عليه وسلم ، لم يفعله فعندما قتل جعفر بن أبي طالب وعبدالله بن أبي رواحة وزيد بن حارثة- رضي الله عنهم- في غزوة مؤتة وجاءه الوحي- عليه الصلاة والسلام- نعاهم إلى الصحابة وأخبرهم بموتهم ودعا لهم وترضى عنهم ولم يجمع الناس ولم يتخذ مأدبة ولا جعل مأتماً، كل هذا لم يفعله، صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء من خيرة الصحابة وأفضلهم. مات الصديق- رضي الله عنه- ولم يجعلوا مأتماً وهو أفضل الصحابة، قتل عمر وما جعلوا مأتماً وما جمعوا الناس ينعون عليه أو يقرأون له القرآن، قتل عثمان وعلي- رضي الله عنهما- ولم يجمع الناس لأيام معدودة بعد الوفاة للدعاء لهم والترحم عليهم أوصنع الطعام لهم. ولكن يستحب لأقارب الميت أو جيرانه أن يصنعوا طعاماً لأهل الميت يبعثون به إليهم مثل مافعل النبي ،صلى الله عليه وسلم، لما جاء نعي جعفر قال لأهله:{ اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد جاءهم ما يشغلهم}، فأهل الميت مشغولون بالمصيبة فإذا صنع طعام وأرسل إليهم فهذا هو المشروع، أما أن يحملوا بلاء على بلائهم، ويكلفوا بأن يصنعوا للناس طعاماً فهذا خلاف السنة بل هو بدعة. قال جرير بن عبدالله البجلي-رضي الله عنه- :{ كنا نعد الإجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام بعد الدفن من النياحة} والنياحة محرمة ، وهي رفع الصوت، والميت يعذب في قبره بما يناح عليه، فيجب الحذر من ذلك، أما البكاء بدمع العين فلا بأس به. وبالله التوفيق. . (الشيخ ابن باز رحمه الله)


س30 : هل يجوز أن يعمل للميت صدقة بعد أربعين يوماً من وفاته؟
ج30 : الصدقة عن الميت مشروعة وليس لها يوم معين تكون فيه، ومن حدد يوماً معين فهذا التحديد بدعة، وقد وردإلى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء سؤال عن إقامة حفل للميت بعد أربعين يوماً من وفاته، وهذا نص الجواب عنه:{ لم يثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه- رضي الله عنهم- ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت ولا عند وفاته ولا بعد أسبوع أو أربعين يوماً أو سنة من وفاته بل ذلك بدعة وعادة قبيحة وكانت عند قدماء المصريين وغيرهم من الكافرين. فيجب النصح للمسلمين الذين يقيمون هذه الحفلات وإنكارها عليهم عسى أن يتوبوا إلى الله ويتجنبوها لما فيها من الإبتداع في الدين ومشابهة للكافرين ، وقد ثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم، أنه قال:{ بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لاشريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم }رواه أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما. و روى الحاكم عن ابن عباس رصي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال: " لتركبن ينن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو أن أحدهم دهل جحر ضب لدخلتموه و حتى لو أن أحدهم جامع امرأته في الطريق لفعلتموه" . و أصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي ا لله عنه.
( اللجنة الدائمة)



س31 : عندنا في القرية و في ليلة عيد الفطر أو ليلة عيد الأضحى عندما يعرف الناس أن غداً عيداً يخرجون إلى القبور في الليل و يضيئون الشموع على قبور موتاهم و يدعون الشيوخ ليقرأوا على القبور ، ما صحة هذا الفعل ؟
ج31 : هذا فعل باطل محرم و هو سبب للعنة الله عز وجل فإن النبي صلى الله عليه و سلم ، لعن زائرات القبور و المتخذين عليها المساجد و السرج ، و الخروج إلى المقابر في ليلة العيد و لو لزيارتها بدعة فأن النبي صلى الله عليه و سلم ، لم يرد عنه أنه كان يخصص ليلة العيد و لا يوم العيد لزيارة المقبرة و قد ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار " فعلى المرء أن يتحرى في عباداته و كل ما يفعلة مما يتقرب به إلى الله عز و جل أن يتحرى في ذلك شريعة الله تبارك و تعالى لأن الأصل في العبادات المنع و الحظر إلا ما قام الدليل على مشروعيته و ما ذكره السائل من اسراج القبور ليلة العيد قد دل دليل على منعه و على أنه من كبائر الذنوب كما أشرت إليه قبل قليل من أن النبي ، صلى الله عليه و سلم ، لعن زائرات القبور و المتخذين عليها المساجد و السرج .
(الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س32 : هل يجوز اطلاق المرحوم أو المغفور له ( فلان المغفور له) على من مات ؟
ج32 :الحمد لله ، و الصلاة و السلام على عبده و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أما بعد :
فقد كثر في الإعلانات في الجرائد عن و فاة بعض الناس ، كما كثر نشر التعازي لأقارب المتوفين و هم يصفون الميت فيها بأنه مغفور له أو مرحوم أو ما أشبه ذلك من كونه من أهل الجنة ، و لا يخفى على كل من له إلمام بأمور الإسلام و عقيدته بأن ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا الله و أن عقيدة أهل السنة و الجماعة أنه لا يجوز أن يشهد لأحد بجنة أو نار إلا من نص عليه القرآن الكريم كأبي لهب ،أو شهد له الرسول صلى الله عليه و سلم ، بذلك كالعشرة من الصحابة و نحوهم ، و مثل ذلك في المعنى الشهادة له بأنه مغفور له أو مرحوم ، لذا ينبغي أن يقال بدلا منها : غفر الله له أو رحمه الله أو نحو ذلك من كلمات الدعاء للميت و أسأل الله سبحانه أن يهدينا جميعا سواء السبيل ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه . (الشيخ ابن باز رحمه الله)



س33 : ما حكم تخصيص لباس معين للتعزية كلبس السواد للنساء؟
ج33 : تخصيص لباس معين للتعزية من البدع ، فيما نرى ، و لأنه قد ينبئ عن تسخط الانسان على قدر الله عز رجل و إن كان بعض الناس يرى أنه لا بأس به ، لكن إذا كان السلف لم يفعلوه ، و هو ينبئ عن شئ من التسخط فلا شك أن تركه أولى ، لأن الإنسان إذا لبسه فقد يكون إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة. )الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)


س34 : ماحكم تقبيل أقارب الميت عند التعزية؟
ج34 : تقبيل أقارب الميت عند التعزية لا أعلم فيه سنة ، و لهذا لا ينبغي للناس أن يتخذوه سنة ، لأن الشئ الذي لم يرد عن النبي صلى الله علية و سلم ، و لا عن أصحابه ينبغي للناس أن يتجنبوه . (الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)




المصادر والمراجع :

1- مختصر ما أخذ من نشرة راجعها فضيلة الشيخ العلامة : عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين غفر الله له .
من موقع صيد الفوائد .. www.saaid.net (http://www.saaid.net/)
2- صلاة الجنازة – الشيخ صالح بن فوزان الفوزان .
3- حصن المسلم – سعيد بن علي بن وهف القحطاني .
4- أحكام الجنائز وبدعها - للشيخ محمد ناصر الدين الألباني .
5- الشرح الممتع - كتاب الجنائز - المجلد الخامس - الشيخ العلامة : محمد بن صالح العثيمين .

ابو ضاري
19-02-2011, 16:10
محاذير الكوافيرات



فضيلة الشيخ: محمدبن صالح العثيمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
انتشر في الآونة الأخيرة ذهاب بعض الفتيات إلى الكوافيرة ,وهي التي تصفف الشعر على موضات مختلفة , منها ما اشتهر عند الفتيات ب(قصة كاريه) وهي قصة أخذت من مجلة الأزياء التايلندية المنتشرة في الأسواق , ومنها تجعيد الشعر أي تخشينه على الموضة الأمريكية ,ولا يخف عليكم أن في ذلك تشبهاً بالكافرات.
ومما تقوم به الكوفيراة من وضع المساحيق على الوجه وإزالة شعر الحاجبين وإزالة الشعور الداخلية .
وكل ذلك يستغرق الساعات الطويلة والمبالغ الطائله مما يصل إلى حد الإسراف والتبذير.
نرجو بيان حكم ذلك بالتفصيل لانتشاره بين أكثر الفتيات ,لعل الله ينقذ بفتواكم هذه بعض فتياتنا اللا تي انخدعن وجرين وراء الموضة الغربية ونسين أوتناسين أنهن مسلمات يرجون الجنة ويخفن من النار.
وجزاكم الله خيراً.

الجواب :
الحـمدلله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد :
فإنه يجب أن يعرف الإنسان قبل الإجابة على هذا السؤال أن أعداء المسلمين يكيدون للإسلام والمسلمين من كل وجه وفي كل زمان.ولا يخفى علينا جميعاً أن الكفار استعمروا كثيرا من بلاد الإسلام بقوة السلاح .
ولما أخرجهم الله تعالى منها أرادوا أن يغزوها بفساد الأفكار والأخلاق . والله عزّ وجلّ قد بيّن في كتابه ،ورسوله صلى الله عليه وسلم قد بيّن في سنته ما فيه التحذير من موافقة هؤلاء الكفار في أعمالهم مما يختص بهم .قال الله عزّ وجلّ ( ولا تتبعوا أهواء قوم ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) {سورة المائدة ،الآية :77 }، وقال الله عزّ وجلّ :{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاء كم من الحق } [سورة الممتحنة ،الآية :1] ، وقال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } [ سورة المائدة ، الآية :51].
وأنا أسوق هاتين الآيتين لا لأن هؤلاء يتخذون اليهود والنصارى أولياء ويتخذون أعداء الله أولياء ولكن تشبههم بهم فيما هم من اللباس والهيئة يفضي إلى أن يتخذوهم أولياء يحبونهم ويعظمونهم ويتخطون خطاهم حيثما كانوا. ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر وقال (( من تشبه بقوم فهو منهم )). فعلى المسلمين _ وخصوصا" الرجال ذوي الألباب والعقول _ عليهم أن يتقوا الله عزّ وجلّ في هؤلاء النساء اللاتي وصفهن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن )) يعني النساء .

فعلى الرجل أن يمنعوا هؤلاء النساء من السير وراء هذه الموضات الحادثة التي أراد بها محدثوها وجالبوها إلينا أن ننسى الله عزّ وجلّ ن وأن ننسى ما خلقنا له ،وأن لا يكون همنا إلا التثبت بهذه الأشياء والافتتان بهذه الأزياء التي لاتجرّ إلينا إلاالبلاء والشر والفساد ، وكون الإنسان لايهمه في هذه الحياة إلا أن يشبع رغبته من شهوة فرجة وبطنه .

ورأى أن هذه الكوافيرات فيها عدة محاذير :

• المحذور الأول : ما تفعله الكوافيرات من التحلية بحلي الكفار في الشعر وغيره ، ومن المعلوم أن ذلك محرّم لأنه من التشبُه بهم ، ومن تشبَه بقوم فهو منهم ، كما ثبت فيه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

• المحذور الثاني : أن عملهن كما ذكر السائل يكون فيه النّمص ،والنّمص قد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله ، فلعن النامصة والمتنمصة . واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله . ولا أعتقد أن مؤمنا" أو مؤمنه يرضى أن يفعل فعلا" يكون سببالطرده وإبعاده من رحمة الله عزّ وجلّ .

• المحذور الثالث : أن في هذا إضاعة المال كثير بدون فائدة .بل إضاعة المال كثير لما فيه مضرة .فالمرأة المصفصفة للشعور المحولة لشعور المؤمنات إلى مثل شعور الكافرات أو الفاجرات تأخذ منا أموالا" كثيرة طائلة ، لانجني منها ثمرة سوى التحول إلى موضات قد تكون مدمرة .

• المحذور الرابع: أن في ذلك تنمية لأفكار النساء أن يتخذوا مثل هذه الحلي التي يتمتع بها نساء الكافرين ، حتى تميل المرأة بعد ذلك إلى ما هو أعظم من هذا الأمر من تحلل وفساد في الأخلاق .

• المحذور الخامس : أنه كما ذكر السائل أن هذه الكوافيرات يفعلن بالنساء من هتك العورات ما لا حاجة إليه فإن هذه الكوافيرة تمرّ ما يسمونه بالحلاوة على أفخاذ المرأة وعلى ما حول قبلها حتى تطلع عليه بدون حاجة .ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة .ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى عورة المرأة إلا إذ كان هناك حاجة تدعو إلى النظر ، وهذا ليس بحاجة .
ثم ما لفائدة من أن نجعل المرأة كأنها صورة من مطاط ليس فيها شئ من الشعر .

و ما يدرينا لعل في إزالة الشعر الذي أنبته الله بحكمته مضرة على الجلد ولو على المدى البعيد .
ثم ما يدرينا لعل الصواب قول من يقول : إن إزالة الشعر من الساقين والفخذين والبطن لا تجوز لأن هذا الشعر من خلق الله عزّ وجلّ وإزالته من تغيير خلق الله . وقد أخبر الله عزّ وجلّ أن تغيير من اتباع أوامر الشيطان . ولم يأمر الله تعالى ولا رسوله بإزالة هذا الشعر .فالأصل أنه محرم لا يزال هكذا ذهب إليه بعض أهل العلم . والذين قالوا بالجواز لا يقولون إن إزالته وإبقاءه على حدّ سواء بل الورع والأولى ألا يزال هذا الشعر ،وإن كان ليس بحرام لأن دليل تحريمه ليس بذاك القوي .
وإنني أؤكد النصيحة على الرجال وعلى النساء ألا ينخدعوا في هذه الأمور . وأرى أنه تجب مقاطعة الكوافيرات ، وأن تقتصر النساء على التجمل بما لا يكون مضرا" في الدين موقعا" في الحرام بالتشبه بالكفار .
وإذا أراد الله سبحانه وتعالى المحبة بين الزوجين فإنها لا تحصل بمعاصي الله ، وإنما تحصل بطاعة الله ، والتزام ما فيه الحياء والحشمة .
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمي شعبنا من كيد أعدائنا ، وأن يردنا إلى ما كان عليه سلفنا الصالح من الحشمة والحياء ، إنه جواد كريم .
والله الموفق.


فتاوى ورسائل الأفراح , الشيخ ابن عثيمين /ص27:36

ابو ضاري
20-02-2011, 17:20
كيف يتهطر المريض ويصلي؟
بقلم فضيلة العلامة
محمد الصالح العثيمين
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ

كيف يتطهر المريض؟
1 ـ يجب على المريض أن يتطهر بالماء فيتوضأ من الحدث الأصغر ويغتسل من الحدث الأكبر.
2 ـ فإن كان لا يستطيع الطهارة بالماء لعجزه أو خوف زيادة المرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم.
3 ـ كيفية التيمم أن يضرب الأرض الطاهرة بيديه ضربة واحدة يمسح بهما جميع وجهه، ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض.
4 ـ فإن لم يستطع أن يتطهر بنفسه فإنه يوضئه أو ييممه شخص آخر.
5 ـ إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه مسحًا فيبل يده بالماء ويمرها عليه، فإن كان المسح يؤثر عليه أيضًا فإنه يتيمم عنه.
6 ـ إذا كان في بعض أعضائه كسر مشدود عليه خرقة أو جبس فإنه يمسح عليه بالماء بدلاً عن غسله ولا يحتاج للتيمم؛ لأن المسح بدل عن الغسل.
7 ـ يجوز أن يتيمم على الجدار أو على شيء آخر طاهر له غبار، فإن كان الجدار ممسوحًا بشيء من غير جنس الأرض كالبوية فلا يتيمم عليه إلا أن يكون له غبار.
8 ـ إذا لم يكن التيمم على الأرض أو الجدار أو شيء آخر له غبار فلا بأس أن يوضع تراب في إناء أو منديل ويتيمم منه.
9 ـ إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى فإنه يصليها بالتيمم الأول، ولا يعيد التيمم للصلاة الثانية؛ لأنه لم يزل على طهارته ولم يوجد ما يبطلها.
10 ـ يجب على المريض أن يطهر بدنه من النجاسات، فإن كان لا يستطيع صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
11 ـ يجب على المريض أن يصلي بثياب طاهرة فإن تنجست ثيابه، وجب غسلها أو إبدالها بثياب طاهرة، فإن لم يمكن صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
12 ـ يجب على المريض أن يصلي على شيء طاهر فإن تنجس مكانه؛ وجب غسله أو إبداله بشيء طاهر أو يفرش عليه شيئًا طاهرًا فإن لم يكن صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
13 ـ لا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة بل يتطهر بقدر ما يمكنه، ثم يصلي الصلاة في وقتها ولو كان على بدنه أو ثوبه أو مكانه نجاسة يعجز عنها.

ابو ضاري
20-02-2011, 17:21
كيف يصلي المريض؟


1 ـ يجب على المريض أن يصلي الفريضة قائمًا ولو منحنيًا أو معتمدًا على جدار أو عصا يحتاج إلى الاعتماد عليه.
2 ـ فإن كان لا يستطيع القيام صلى جالسًا، والأفضل أن يكون متربعًا في موضع القيام والركوع.
3 ـ فإن كان لا يستطيع الصلاة جالسًا صلى على جنبه متوجهًا إلى القبلة والجنب الأيمن أفضل، فإن لم يتمكن من التوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
4 ـ فإن كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقيًا رجلاه إلى القبلة، والأفضل أن يرفع رأسه قليلاً ليتجه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة؛ صلى حيث كانت، ولا إعادة عليه.
5 ـ يجب على المريض أن يركع ويسجد في صلاته، فإن لم يستطع أومأ بهما برأسه ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإن استطاع الركوع دون السجود ركع حال الركوع وأومأ بالسجود. وإن استطاع السجود دون الركوع سجد حال السجود وأومأ بالركوع.
6 ـ فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود؛ أشار بعينيه فيغمض قليلاً للركوع، ويغمض تغميضًا أكثر للسجود، وأما الإشارة بالأصبع كما يفعله بعض المرضى فليس بصحيح، ولا أعلم له أصلاً من الكتاب والسنة ولا من أقوال أهل العلم.
7 ـ فإن كان لا يستطيع الإيماء بالرأس ولا الإشارة بالعين صلى بقلبه فيكبر ويقرأ وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود بقلبه ولكل امرئ ما نوى.
8 ـ يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها، فإن شق عليه فعْلُ كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر إلى الظهر، والعشاء إلى المغرب، وإما جمع تأخير بحيث يؤخر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء حسبما يكون أيسر له. أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها.
9 ـ إذا كان المريض مسافرًا يعالج في غير بلده فإنه يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر والعصر والعشاء على ركعتين ركعتين حتى يرجع إلى بلده سواء طالت مدة سفره أم قصرت.
والله الموفق.

كتبه الفقير إلى الله محمد الصالح العثيمين
في 9/1/1403هـ

* * *

الرياض هاتف: 4792042 فاكس: 4723941

ابو ضاري
20-02-2011, 17:22
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب اليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.واشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فهذه رسالة في بيان حكم زكاة الحلي المباح ذكرت فيها ما بلغه علمي من الخلاف و الراجح من الأقوال وأدلة الترجيح، فأقول و بالله التوفيق و الثقة وعليه التكلان وهو المستعان: لقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في وجوب الزكاة في الحلي المباح على خمسة أقوال:
أحدها: لا زكاة فيه وهو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة مالك و الشافعي واحمد الا إذا أعد للنفقة وإن أعد للأجرة ففيه الزكاة عند أصحاب احمد و لا زكاة فيه عند أصحاب مالك و الشافعي وقد ذكرنا أدلة هذا القول إيرادا على القائلين بالوجوب و اجبنا عنها.
الثاني: فيه الزكاة سنة واحدة وهو مروي عن انس ابن مالك رضي الله عنه.
الثالث: زكاته عاريته، وهو مروي عن أسماء وانس ابن مالك أيضا.
الرابع: انه يجب فيه أما الزكاة وأما العارية ورجحه ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية.
القول الخامس: وجوب الزكاة فيه إذا بلغ نصابا كل عام، وهو مذهب أبي حنيفة و راويه عن احمد و أحد القولين في مذهب الشافعي و هذا هو القول الراجح لدلالة الكتاب والسنة و الآثار عليه – فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم(34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) [التوبة: 34، 35] و المراد بكنز الذهب والفضة عدم إخراج ما يجب فيهما من زكاة وغيرها من الحقوق، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كل ما أديت وان كان تحت سبع ارضين فليس بكنز وكل ما لا تؤدي زكاته فهو كنز وان كان ظاهرا على وجه الأرض. قال ابن كثير رحمه الله: وقد روي هذا عن ابن عباس و جابر وأبي هريرة مرفوعا و موقوفا.أ.هـ – و الآية عامة في جميع الذهب و الفضة لم تخصص شيئا دون شئ، فمن ادعي خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل.
و أما السنة فمن أدلتها:
1- ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها الا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه و جبينه و ظهره )) الحديث(1) و المتحلي بالذهب و الفضة صاحب ذهب وفضة ولا دليل على إخراجه من العموم و حق الذهب والفضة من أعظمه و أوجبه الزكاة. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الزكاة حق المال
2- ما رواه الترمذي و النسائي وأبو داود و اللفظ له قال: حدثنا أبو كامل و حميد بن مسعدة المعنى أن خالد ابن الحارث حدثهم، حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم و معها ابنة لها و في يد ابنتها مسكتان (2) غليظتان من ذهب، فقال لها: ((أتعطين زكاة هذا ؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار )) قال: فخلعتهما فالقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم و قالت: هما لله ورسوله (3)
– قال في بلوغ المرام(4) وإسناده قوي. وقد رواه الترمذي من طريق ابن لهيعة و المثنى بن الصباح ثم قال: أنهما يضعفان في الحديث، ولا يصح في هذا الباب شئ لكن قد رد قول الترمذي هذا برواية أبي داود لهذا الحديث من طريق حسين المعلم وهو ثقة احتج به صاحبا الصحيحين البخاري و مسلم و قد وافقهم الحجاج بن أرطاة، وقد وثقه بعضهم و روى نحوه احمد عن أسماء بنت يزيد بإسناد حسن.
3- ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا يحي ابن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد ابن عمرو بن عطاء اخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة رضي الله عنها فقالت: (( دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق(5) فقال: ((ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. فقال: أتودين زكاتهن فقالت لا أو ما شاء الله فقال: هو حسبك من النار)(6) قيل لسفيان: كيف تزكيه ؟قال: تضمه إلى غيره- وهذا الحديث أخرجه أيضا الحاكم و البيهقي و الدارقطني(7) وقال في التخليص(8) إسناده على شرط الصحيح و صححه الحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين- يعني البخاري و مسلم – و قال ابن دقيق: إنه على شرط مسلم.
4- ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا عتاب – يعني ابن بشير عن ثابت بن عجلان، عن عطاء عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز)(9) وأخرجه أيضا البيهقي و الدارقطني و الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وصححه أيضا الذهبي(10) وقال البيهقي: تفرد به ابن عجلان قال في التنقيح: وهذا لا يضر فإن ثابت بن عجلان روى له البخاري ووثقه ابن معين و النسائي، وقول عبد الحق فيه: (( لا يحتج بحديثه)) قول لم يقله غيره. قال ابن دقيق:وقول العقيلي في ثابت بن عجلان (( لا يتابع على حديثه )) تحامل منه
* فإن قيل: لعل هذا حين كان التحلي ممنوعا كما قاله مسقطو الزكاة في الحلي
فالجواب: إن هذا لا يستقيم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع من التحلي به بل أقره مع الوعيد على ترك الزكاة ولو كان التحلي ممنوعا لأمر بخلعه و توعد على لبسه ثم إن النسخ يحتاج إلى معرفة التاريخ و لا يثبت ذلك بالاحتمال ثم لو فرضنا أنه كان حين التحريم فان الأحاديث المذكورة تدل على الجواز بشرط إخراج الزكاة و لا دليل على ارتفاع هذا الشرط و إباحته إباحة مطلقة أي بدون زكاة
* فان قيل: ما الجواب عما احتج به من لا يرى الزكاة في الحلي وهو ما رواه ابن الجوزي بسنده في (التحقيق ) عن عافيه بن أيوب، عن الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس في الحلي زكاة))و رواه البيهقي في (( معرفة السنن و الآثار ))
قيل: الجواب على هذا من ثلاثة أوجه: الاول: أن البيهقي قال فيه: إنه باطل لا اصل له و إنما يروى عن جابر من قوله و عافية بن أيوب مجهول فمن احتج به كان مغررا بدينه ا.هـ
الثاني: إننا إذا فرضنا توثيق عافية كما نقله ابن حاتم عن أبي زرعة فانه لا يعارض أحاديث الوجوب ولا يقابل بها لصحتها و نهاية ضعفه
الثالث: إننا إذا فرضنا انه مساو لها و يمكن معارضتها به فان الأخذ بها أحوط و ما كان أحوط فهو أولى بالإتباع لقول النبي صلى الله عليه وسلم:( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)(11) وقوله: (0 فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه)(12)
* و أما الآثار فمنها:
1- عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن – قال ابن حجر في التلخيص(13) انه أخرجه ابن أبي شيبة و البيهقي من طريق شعيب بن يسار وهو مرسل قاله البخاري. قال: وقد أنكر ذلك الحسن فيما رواه ابن أبي شيبة عنه قال: لا نعلم أحدا من الخلفاء قال في الحلي زكاة.ا.هـ لكن ذكره مرويا عن عمر صاحب المغني و المحلى و الخطابي
2- عن بن مسعود رضي الله عنه إن امرأة سألته عن حلي لها فقال: إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة رواه الطبراني و البيهقي(14) و رواه الدارقطني من حديثه مرفوعا وقال: هذا وهم و الصواب موقوف(15) .
3- عن ابن عباس رضي الله عنهما، حكاه عنه المنذري والبيهقي قال الشافعي: لا أدري يثبت عنه أم لا
4- عن عبد الله بن عمر بن العاص انه كان يأمر بالزكاة في حلي بناته و نسائه، ذكره عنه في المحلى من طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه.
5- عن عائشة رضي الله عنها إنها قالت: لا باس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته. رواه الدارقطني(16) من حديث عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة، لكن روى مالك في الموطأ(17) عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة إنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. قال ابن حجر في التخليص(18) و يمكن الجمع بينهما بأنها كانت ترى الزكاة فيها(19) و لا ترى إخراج الزكاة مطلقا عن مال الأيتام لكن يرد على جمعه هذا ما رواه مالك في الموطأ(20) عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه انه قال: كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة. قال بعضهم: و يمكن أن يجاب عن ذلك بأنها لا ترى إخراج الزكاة عن أموال اليتامى واجبا فتخرج تارة ولا تخرج أخرى كذا قال. وأحسن منه أن يجاب بوجه آخر وهو إن عدم إخراجها فعل والفعل لا عموم له فقد يكون لأسباب ترى أنها مانعة من وجوب الزكاة فلا يعارض القول و الله اعلم
* فان قيل: ما الجواب عما استدل به مسقطو الزكاة فيما نقله الأثرم قال:سمعت احمد بن حنبل يقول: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: أنس ابن مالك و جابر و ابن عمر و عائشة وأسماء ؟ فالجواب: إن بعض هؤلاء روي عنهم الوجوب و إذا فرضنا أن لجميعهم قولا واحدا أو أن المتأخر عنهم هو القول بعدم الوجوب فقد خالفهم من خالفهم من الصحابة، وعند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب و السنة وقد جاء فيهما ما يدل على الوجوب كما سبق.
*فان قيل: قد ثبت في الصحيحين(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن)) وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة في الحلي إذ لو كانت واجبة في الحلي لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مضربا لصدقة التطوع. فالجواب على هذا: إن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه إثبات وجوب الزكاة فيه ولا نفيه عنه و إنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان و نظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك و نفقة عيالك فان هذا لا يدل على انتفاء و جوب الزكاة في هذه الدراهم
*فان قيل: إن في لفظ الحديث: ( وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشر)(2) و في حديث علي:(و ليس عليك شئ حتى يكون ذلك عشرون دينار)(3) و الرقة هي الفضة المضروبة سكة و كذلك الدينار هو السكة و هذا دليل علة اختصاص وجوب الزكاة بما كان كذلك.

---------------------

(1) رواه البخاري , كتاب الزكاة , باب الزكاة على الزوج رقم (1466) ومسلم , كتاب الزكاة , باب فضل النفقة والصدقة على ا لاقربين والزوج رقم (1000)
(2) رواه احمد (1/12)
(3) رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة , باب فى زكاة السائمة رقم ( 1573)

و الحلي ليس منه. فالجواب من وجهين:
احدهما: إن الذين لا يوجبون زكاة الحلي ويستدلون بمثل هذا اللفظ لا يخصون وجوب الزكاة بالمضروب من الذهب و الفضة بل يوجبونها في التبر(1) ونحوه وان لم يكن مضروبا و هذا تناقض منهم و تحكم حيث ادخلوا فيه ما لا يشمله اللفظ على زعمهم و اخرجوا منه نظير ما ادخلوه من حيث دلالة اللفظ عليه أو عدمها.
الثاني: إننا إذا سلمنا اختصاص الرقة و الدينار بالمضروب من الفضة و الذهب فان الحديث يدل على ذكر بعض أفراد و أنواع العام بحكم لا يخالف حكم العام و هذا لا يدل على التخصيص كما إذا قلت: أكرم العلماء ثم قلت: أكرم زيدا و كان من جملة العلماء فانه لا يدل على اختصاصه بالإكرام، فالنصوص جاء بعضها عاما في وجوب زكاة الذهب و الفضة و بعضها جاء بلفظ الرقة والدينار وهو بعض أفراد العام فلا يدل ذلك على التخصيص
*فان قيل: ما الفرق بين الحلي المباح و بين الثياب المباحة إذا قلنا بوجوب الزكاة في الأول دون الثاني ؟
فالجواب: أن الشارع فرق بينهما حيث أوجبها في الذهب و الفضة من غير استثناء بل وردت نصوص خاصة في وجوبها في الحلي المباح المستعمل كما سبق و أما الثياب فهي بمنزلة الفرس و عبد الخدمة الذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس على المسلم في عبده و لا فرسه صدقة) (2) فإذا كانت الثياب لللبس فلا زكاة فيها و إن كانت للتجارة ففيها زكاة التجارة
*فان قيل: هل يصح قياس الحلي المباح المعد للاستعمال على الثياب المباحة المعدة للاستعمال كما قاله من لا يوجبون الزكاة في الحلي؟
*فالجواب : لا يصح القياس لوجوه:
الأول: انه قياس في مقابلة النص و كل قياس في مقابلة النص فهو قياس فاسد وذلك لأنه يقتضي إبطال العمل بالنص، و لان النص إذا فرق بين شيئين في الحكم فهو دليل على أن بينهما من الفوارق ما يمنع إلحاق أحدهما بالآخر، ويجب افتراقها سواء علمنا تلك الفوارق أم جهلناها ومن ظن افتراق ما جمع الشارع بينهما أو اجتماع ما فرق الشارع بينهما فظنه خطأ بلا شك فان الشرع نزل من لدن حكيم خبير.
الثاني: أن الثياب لم تجب الزكاة فيها أصلا، فلم تكن الزكاة فيها واجبة أو ساقطة بحسب القصد و إنما الحكم فيها واحد، وهو عدم وجوب الزكاة فكان مقتضى القياس أن يكون حكم الحلي واحدا وهو وجوب الزكاة سواء أعده للبس أو لغيره، ولا يرد على ذلك وجوب الزكاة فيها إذا كانت عروضا لأن الزكاة حينئذ في قيمتها.
الثالث: أن يقال: ما هو القياس الذي يراد الجمع به بين الحلي المعد للاستعمال و الثياب المعدة له ؟ أهو قياس التسوية أم قياس العكس؟ فان قيل هو قياس التسوية، قيل: هذا إنما يصح لو كانت الثياب تجب فيها الزكاة قبل إعدادها للبس و الاستعمال ثم سقطت الزكاة بعد إعدادها ليتساوى الفرع و الأصل في الحكم و إن قيل: هو قياس العكس، قيل: هذا إنما يصح لو كانت الثياب لا تجب فيها الزكاة إذا لم تعد لللبس و تجب فيها إذا أعدت لللبس فان هذا هو عكس الحكم في الحلي عند المفرقين بين الحلي المعد لللبس و غيره.

------------------------

(1) التبر : ما كان الذهب والفضة غير مصوغ
(2) رواة البخاري , كتاب الزكاة باب ليس على المسلم في فرسه صدقة (1463) ومسلم كتاب الزكاة, باب لا زكاة على المسلم في عبده ولا فرسه رقم (982)

الرابع: إن الثياب و الحلي افترقت عند مسقطي الزكاة في الحلي في كثير من المسائل، فمن الفروق بينهما:
1-إذا أعد الحلي للنفقة و أعد الثياب للنفقة بمعنى انه إذا احتاج للنفقة باع منهما و اشترى نفقة قالوا: في هذا الحال تجب الزكاة في الحلي و لا تجب في الثياب. ومن الغريب أن يقال: امرأة غنية يأتيها المال من كل مكان و كلما ذكر لها حلي معتاد اللبس اشترته برفيع الأثمان للتحلي به غير فرار من الزكاة و لما افتقرت هذه المرأة نفسها أبقت حليها للنفقة و ضرورة العيش، فقلنا لها في الحال الأولى: لا زكاة عليك في هذا الحلي، وقلنا لها في الحال الأخيرة: عليه الزكاة فيه. هذا هو مقتضى قول مسقطي الزكاة في الحلي المباح
2- أن الحنابلة قالوا: انه إذا اعد الحلي للكراء وجبت فيه الزكاة وإذا أعدت الثياب للكراء لم تجب
3- انه إذا كان الحلي محرما وجبت الزكاة فيه وإذا كانت الثياب محرمة لم تجب الزكاة فيها
4- لو كان عنده حلي للقنية (1) ثم نواه للتجارة صار للتجارة ولو كان عنده ثياب للقنية ثم نواها للتجارة لم تصر للتجارة وعللوا ذلك بان الأصل في الحلي الزكاة فقويت النية بذلك بخلاف الثياب وهذا اعتراف منهم بان الأصل في الحلي وجوب الزكاة. فنقول لهم: وما الذي هدم هذا الأصل بدون دليل؟
5- قالوا: لو نوى الفرار من الزكاة باتخاذ الحلي لم تسقط الزكاة، وظاهر كلام أكثر أصحاب الإمام احمد انه لو أكثر من شراء العقار فرار من الزكاة سقطت الزكاة و قياس ذلك لو أكثر من شراء الثياب فرارا من الزكاة سقطت الزكاة إذ لا فرق بين الثياب و العقار فإذا كان الحلي المباح مفارقا للثياب المعدة لللبس في هذه الأحكام فكيف نوجب أن نجوِّز إلحاقه بها في حكم دل النص على افتراقها فيه؟ إذا نبين ذلك فان الزكاة لا تجب في الحلي حتى يبلغ نصابا لحديث أم سلمة السابق: ((ما بلغ أن تودي زكاته فزكي فليس بكنز))(2) فنصاب الذهب عشرون دينارا (3) و نصاب الفضة مائتا درهم (4) .
فإذا كان حلي الذهب ينقص وزن ذهبه عن عشرون دينارا وليس عند صاحبه من الذهب ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه وإذا كان حلي الفضة ينقص وزن فضته عن مائتي درهم وليس عند صاحبه من الفضة ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه.

---------------------

(1) القنية : من الاقتناء وهو الادخار .
(2) سبق تخريجه ص9
(3 المراد الدينار الإسلامي الذي يبلغ وزنه مثقالا ووزنة المثقال أربعة جرامات وربع , فيكون نصاب الذهب خمسة وثمانين جراما , يعادل عشر جنيهات سعودي وخمسة أثمان الجنية
(4) والمراد الدرهم الإسلامي الذي يبلغ وزنه سبعة أعشار مثقال , فيبلغ مائة واربعين مثقالا وهي خمسمائة وخمسة وتسعون جراما, تعادل ستة وخمسين ريالا عربيا من الفضة.(مجالس شهر رمضان للمؤلف ص 77)

والمعتبر وزن ما في الحلي من الذهب و الفضة وأما ما يكون فيه من اللؤلؤ و نحوه فانه لا يحتسب به في تكميل النصاب ولا يزكي ما فيه من اللؤلؤ ونحوه لأنه ليس من الذهب و الفضة و الحلي من غير الذهب و الفضة لا زكاة فيه الا أن يكون للتجارة.
لكن هل المعتبر في نصاب الذهب الدينار الإسلامي الذي زنته مثقال وفي نصاب الفضة الدرهم الإسلامي الذي زنته سبعة أعشار مثقال أو المعتبر الدينار والدرهم عرفا في كل زمان و مكان بحسبه سواء قل ما فيه من الذهب و الفضة أم كثر ؟ الجمهور على الاول وحكى إجماعا، وحقق شيخ الإسلام ابن تيمية الثاني أي أن المعتبر الدينار والدرهم المصطلح عليه في كل زمان و مكان بحسبه فما سمي دينارا أو درهما ثبتت له الأحكام المعلقة على اسم الدينار و الدرهم سواء قل ما فيه من الذهب و الفضة أم كثر و هذا هو الراجح عندي لموافقته ظاهر النصوص وعلى هذا فيكون نصاب الذهب عشرين جنيها و نصاب الفضة مائتي ريال وان احتاط المرء و عمل بقول الجمهور فقد فعل ما يثاب عليه إن شاء الله.
فإذا بلغ الحلي نصابا خالصا عشرين دينارا أن كان ذهبا و مائتي درهم إن كان فضة ففيه ربع العشر لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شئ يعني في الذهب – حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار) رواه أبو داود.(1)
و بعد: فإن على العبد أن يتقي الله ما استطاع و يعمل جهده في تحري معرفة الحق من الكتاب و السنة فإذا ظهر له الحق منهما وجب عليه العمل به، وأن لا يقدم عليهما قول أحد من الناس كائنا من كان ولا قياسا من الأقيسة أي قياس كان و عند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب و السنة فإنهما الصراط المستقيم و الميزان العدل القويم، قال تعالى: ( فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )(النساء- 59) والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه و الرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته و هديه حيا و ميتا.
وقال تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما) (النساء: 65) .
فأقسم الله تعالى بربوبيته لرسوله صلى الله عليه وسلم التي هي أخص ربوبية قسما مؤكدا على أن لا إيمان الا بأن نحكم النبي صلى الله عليه وسلم في كل نزاع بيننا وألا يكون في نفوسنا حرج وضيق مما يقضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم و أن نسلم لذلك تسليما تاما بالانقياد الكامل و التنفيذ . وتأمل كيف أكد التسليم بالمصدر فإنه يدل على أنه لا بد من تسليم تام لا انحراف فيه ولا توان . و تأمل أيضا المناسبة بين المقسم به و المقسم عليه فالمقسم به ربوبية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم و المقسم عليه هو عدم الإيمان إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم تحكيما تاما يستلزم الانشراح و الانقياد و القبول، فان ربوبية الله لرسوله تقتضي أن يكون ما حكم به مطابقا لما أذن به ربه ورضيه فان مقتضي الربوبية أن لا يقره على خطأ لا يرضاه له وإذا لم يظهر له الحق من الكتاب و السنة وجب عليه أن يأخذ بقول من يغلب على ظنه انه اقرب إلى الحق بما معه من العلم و الدين فان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ)) (1) و أحق الناس بهذا الوصف أبو بكر و عمر و عثمان و علي رضوان الله عليهم أجمعين فإنهم خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في العلم و العمل و السياسة و المنهج جزاهم الله عن الإسلام و المسلمين أفضل الجزاء.

---------------

(1) سبق تخريجه ص ( 15)
(2) رواه احمد (4/126, 127) وأبو داؤود,كتاب السنة , باب في لزوم السنة رقم ( 4607) والترمذي , كتاب العلم , باب ما جاء في الأخذ بالسنة رقم ( 2676) وابن ماجة , كتاب المقدمة , باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين رقم (42, 43) .

و نسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم و أن يجعلنا ممن رأى الحق حقا فاتبعه و رأى الباطل باطلا فاجتنبه، والله اعلم، وصلي الله على نبينا محمد و اله و صحبه و سلم تسليما كثيرا.
حرره كاتبه الفقير إلى الله محمد الصالح العثيمين و ذلك في 12 من صفر سنة 1382 و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

---------------

(1) رواه مسلم , كتاب الزكاة, باب إثم مانع الزكاة (2252)
(2) مسكتان : بفتح الميم وفتح السين المهملة , الواحدة مسكة وهي السوار
(3) رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة , باب الكنز ما هو وزكاة الحلي رقم ( 1563) والترمزي كتاب الزكاة باب ما جاء في زكاة الحلي رقم (637) والنسائي كتاب الزكاة باب زكاة الحلي رقم (2479).
(4)بلوغ المرام ( 1/207) طبعة دار ابن كثير
(5) الورق : الفضة
(6) رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة , باب الكنز ما هو وزكاة الحلي رقم ( 1565)
(7) رواه الحاكم (1/390) والبيقهي (4/129) والدار قطنى (2/105)
(8) تلخيص الحبير (2/189)
(9) رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة باب الكنز ما هو الحلي وزكاة الحلي رقم (1564)
(10) رواه البيهقي (4/140) والدارقطني (1/105) والحاكم 1/390
(11) احمد (1/200) و(3/153) والترمذي , كتاب صفة القيامة , رقم (2518)
(12) رواه البخاري , كتاب الإيمان , باب فضل من استبرأ لدينه رقم (52) ومسلم , كتاب المساقاة , باب اخذ الحلال وترك الشبهات رقم ( 1599)
(13) تلخيص الجبير (1/188)
(14) رواه الطبراني (9/319) والبيهقي (4/139)
(15) سنن الدار قطنى ( 1/108)
(16) سنن الدار قطنى ( 1/107)
(17) الموطأ ( 1/250)
(18) تلخيص الحبير ( 1/189)
(19) أي في الحلية
(20) الموطأ (1/251)

ابو ضاري
20-02-2011, 17:26
(http://www.ibnothaimeen.com/all/books/printer_16878.shtml)
ارسالة الحجاب

أولا: أدلة القرآن
أولا: أدلة القرآن

فمن أدلة القرآن:
* الدليل الأول: قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ أَوِ التَّـابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. (النور: 31).
وبيان دلالة هذه الاية على وجوب الحجاب على المرأة عن الرجال الأجانب وجوه:
1 ـ أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه؛ لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال. وفي الحديث: «العينان تزنيان وزناهما النظر». إلى أن قال: «والفرج يصدق ذلك أو يكذبه»(1). فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
2 ـ قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. فإن الخمار ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه به كالغدفة فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها، إما لأنه من لازم ذلك، أو بالقياس فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة. فإن الناس الذين يتطلبون جمال الصورة لا يسألون إلا عن الوجه، فإذا كان جميلاً لم ينظروا إلى ما سواه نظراً ذا أهمية. ولذلك إذا قالوا فلانة جميلة لم يفهم من هذا الكلام إلا جمال الوجه فتبين أن الوجه هو موضع الجمال طلباً وخبراً، فإذا كان كذلك فكيف يفهم أن هذه الشريعة الحكيمة تأمر بستر الصدر والنحر ثم ترخص في كشف الوجه.
3 ـ أن الله تعالى نهى عن إبـداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهـر منها، وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قـال: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} لم يقل إلا ما أظهرن منها، ثم نهى مرة أخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم، فدل هذا على أن الزينة الثانية غير الزينة الأولى. فالزينة الأولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولا يمكن إخفاؤها، والزينة الثانية هي الزينة الباطنة التي يتزين بها، ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة.
4 ـ أن الله تعالى يرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لا شهوة لهم، وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين:
أحدهما: أن إبداء الزينة الباطنة لا يحل لأحد من الأجانب إلا لهذين الصنفين.
الثاني: أن علة الحكم ومداره على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها، ولا ريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أولو الإربة من الرجال.
5 ـ قوله تعالى: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}.
يعني لا تضرب المرأة برجلها فيعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرجل، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه.
فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم امرأة لا يدري ما هي وما جمالها؟! لا يدري أشابة هي أم عجوز؟! ولا يدري أشوهاء هي أم حسناء؟! أيما أعظم فتنة هذا أو أن ينظر إلى وجه سافر جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها؟! إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء.
* الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّلَـتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَـاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ}. (النور: 60).
وجه الدلالة من هذه الاية الكريمة أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العواجز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن. نفى الله الجناح عن هذه العجائز في وضع ثيابهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج بالزينة. ومن المعلوم بالبداهة أنه ليس المراد بوضع الثياب أن يبقين عاريات، وإنما المراد وضع الثياب التي تكون فوق الدرع ونحوه مما لا يستر ما يظهر غالباً كالوجه والكفين فالثياب المذكورة المرخص لهذه العجائز في وضعها هي الثياب السابقة التي تستر جميع البدن وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم، ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة.
وفي قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَـتِ بِزِينَةٍ}. دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح؛ لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أن تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحهم إياها ونحو ذلك، ومن سوى هذه نادرة والنادر لا حكم له.
* الدليل الثالث: قوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاَِزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }. (الأحزاب: 59).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة»(2). وتفسير الصحابي حجة، بل قال بعض العلماء إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، وقوله رضي الله عنه «ويبدين عيناً واحدة» إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين.
والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة. قالت أم سلمة رضي الله عنها لما نزلت هذه الاية: «خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها»(3). وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن من أجل رؤية الطريق.
* الدليل الرابع: قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْواَنِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيداً }. (الأحزاب: 55).
قال ابن كثير رحمه الله: لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بيّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ }. الاية.
فهذه أربعة أدلة من القرآن الكريم تفيد وجوب احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب، والاية الأولى تضمنت الدلالة عن ذلك من خمسة أوجه.




(1) أخرجه البخاري كتاب الاستئذان باب زنا الجوارح دون الفرج 6243 مسلم كتاب القدر باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا 2657.


(2) ذكره ابن كثير في التفسير 3/569.


(3) رواه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير 2/569.

ابو ضاري
20-02-2011, 17:27
وأما أدلة السنة فمنها:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم»(4). رواه أحمد.
قال في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح. وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلّم، نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة إذا نظر من مخطوبته بشرط أن يكون نظره للخطبة، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع به نحو ذلك.
فإن قيل: ليس في الحديث بيان ما ينظر إليه. فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر فالجواب أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه وما سواه تبع لا يقصد غالباً. فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «لتلبسها أختها من جلبابها»(5). رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب، وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج. ولذلك ذكرن رضي الله عنهن هذا المانع لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، حينما أمرهن بالخروج إلى مصلى العيد فبين النبي صلى الله عليه وسلّم، لهن حل هذا الإشكال بأن تلبسها أختها من جلبابها ولم يأذن لهن بالخروج بغير جلباب، مع أن الخروج إلى مصلى العيد مشروع مأمور به للرجال والنساء، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لم يأذن لهن بالخروج بغير جلباب فيما هو مأمور به فكيف يرخص لهن في ترك الجلباب لخروج غير مأمور به ولا محتاج إليه؟! بل هو التجول في الأسواق والاختلاط بالرجال والتفرج الذي لا فائدة منه. وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر. والله أعلم.
الدليل الثالث: ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس(6). وقالت: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها. وقد روى نحو هذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. والدلالة في هذا الحديث من وجهين:
أحدهما: أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون، وأكرمها على الله عز وجل، وأعلاها أخلاقاً وآداباً، وأكملها إيماناً، وأصلحها عملاً فهم القدوة الذين رضي الله عنهم وعمن اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: {وَالسَّـابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـاجِرِينَ وَالأَنْصَـارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }. (التوبة: 100). فإذا كانت تلك طريقة نساء الصحابة فكيف يليق بنا أن نحيد عن تلك الطريقة التي في اتباعها بإحسان رضى الله تعالى عمن سلكها واتبعها، وقد قال الله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }. (النساء: 115).
الثاني: أن عائشة أم المؤمنين وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما وناهيك بهما علماً وفقهاً وبصيرة في دين الله ونصحاً لعباد الله أخبرا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لو رأى من النساء ما رأياه لمنعهن من المساجد، وهذا في زمان القرون المفضلة تغيرت الحال عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلّم، إلى حد يقتضي منعهن من المساجد. فكيف بزماننا هذا بعد نحو ثلاثة عشر قرناً وقد اتسع الأمر وقل الحياء وضعف الدين في قلوب كثير من الناس؟!
وعائشة وابن مسعود رضي الله عنهما فهما ما شهدت به نصوص الشريعة الكاملة من أن كل أمر يترتب عليه محذور فهو محظور.
الدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة». فقالت أم سلمة فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: «يرخينه شبراً». قالت إذن تنكشف أقدامهن. قال: «يرخينه ذراعاً ولا يزدن عليه»(7). ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمر معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب. فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم، وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه.
الدليل الخامس: قوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه». رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي(8). وجه الدلالة من هذا الحديث أنه يقتضي أن كشف السيدة وجهها لعبدها جائز مادام في ملكها فإذا خرج منه وجب عليها الاحتجاب لأنه صار أجنبياً فدل على وجوب احتجاب المرأة عن الرجل الأجنبي.
الدليل السادس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلّم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها.(9) فإذا جاوزونا كشفناه»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. ففي قولها: «فإذا جاوزونا» تعني الركبان «سدلت إحدانا جلبابها على وجهها» دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه، فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفاً. وبيان ذلك أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لا يعارضه إلا ما هو واجب، فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عن الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام، وقد ثبت في الصحيحين وغيرها أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن. فهذه ستة أدلة من السنة على وجوب احتجاب المرأة وتغطية وجهها عن الرجال الأجانب أضف إليها أدلة القرآن الأربعة تكن عشرة أدلة من الكتاب والسنة.





(4) أخرجه الإمام أحمد 24000

(5) أخرجه البخاري كتاب الحيض باب شهود الحائض العيدين 324 ومسلم كتاب صلاة العيدين باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى 890.

(6) أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب في كم تصلي المرأة من الثياب 372 ومسلم كتاب المساجد باب استحباب التكبير بالصبح 645.

(7) أخرجه الترمذي أبواب اللباس باب ما جاء في ذيول النساء 1731 والنسائي كتاب الزينة ذيول النساء 5338 وقال الترمذي حسن صحيح.

(8) أخرجه الإمام أحمد 27006 وأبو داوود كتاب العتق باب في المكاتب يؤدي بعض كتابه فيعجز أو يموت 3928 والترمذي أبواب البيوع باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي 1261 وابن ماجة أبواب العتق باب المكاتب 2520.

(9) أخرجه الإمام أحمد 24522 وأبو داوود كتاب المناسك باب في المحرمة تغطي وجهها 1833.

ابو ضاري
20-02-2011, 17:28
الدليل الحادي عشر: الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها. فكل ما كانت مصلحته خالصة أو راجحة على مفسدته فهو مأمور به أمر إيجاب أو أمر استحباب. وكل ما كانت مفسدته خالصة أو راجحة على مصلحة فهو نهي تحريم أو نهي تنزيه. وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة وإن قدر فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد. فمن مفاسده:
1 ـ الفتنة، فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن. وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد.
2 ـ زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها. فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء. «أحيا من العذراء في خدرها»، وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها، وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها.
3 ـ افتتان الرجال بها لاسيما إذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة في كثير من السافرات وقد قيل «نظرة فسلام، فكلام، فموعد فلقاء».
والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. فكم من كلام وضحك وفرح أوجب تعلق قلب الرجل بالمرأة، وقلب المرأة بالرجل فحصل بذلك من الشر ما لا يمكن دفعه نسأل الله السلامة.
4 ـ اختلاط النساء بالرجال، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلّم، ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحتضن الطريق. عليكن بحافات الطريق»(10). فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق به من لصوقها. ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـرِهِنَّ}.
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على وجوب احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب، فقال في الفتاوى المطبوعة أخيراً ص 110 ج 2 من الفقه و22 من المجموع: (وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة، ويجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوات المحارم، وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره. ثم لما أنزل الله آية الحجاب بقوله: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاَِزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} (حجب النساء عن الرجال). ثم قال: (والجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء وتسميه العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها، ثم يقال: فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت أن لا تظهرها للأجانب، فما بقي يحل للأجانب النظر إلى الثياب الظاهرة فابن مسعود ذكر آخر الأمرين، وابن عباس ذكر أول الأمرين) إلى أن قال: (وعكس ذلك الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بل لا تبدي إلا الثياب). وفي ص 117، 118 من الجزء المذكور (وأما وجهها ويداها وقدماها فهي إنما نهيت عن إبداء ذلك للأجانب لم تنه عن إبدائه للنساء ولا لذوي المحارم) وفي ص 152 من هذا الجزء قال: (وأصل هذا أن تعلم أن الشارع له مقصودان: أحدهما الفرق بين الرجال والنساء. الثاني: احتجاب النساء). هذا كلام شيخ الإسلام، وأما كلام غيره من فقهاء أصحاب الإمام أحمد فأذكر المذهب عند المتأخرين قال في المنتهى (ويحرم نظر خصي ومجبوب إلى أجنبية) وفي موضع آخر من الإقناع (ولا يجوز النظر إلى الحرة الأجنبية قصداً ويحرم نظر شعرها) وقال في متن الدليل: (والنظر ثمانية أقسام...).
الأول: نظر الرجل البالغ ولو مجبوباً للحرة البالغة الأجنبية لغير حاجة فلا يجوز له نظر شيء منها حتى شعرها المتصل أ.هـ
وأما كلام الشافعية فقالوا إن كان النظر لشهوة أو خيفت الفتنة به فحرام قطعاً بلا خلاف، وإن كان النظر بلا شهوة ولا خوف فتنة ففيه قولان حكاهما في شرح الإقناع لهم وقال: (الصحيح يحرم كما في المنهاج كأصله ووجه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه وبأن النظر مظنة للفتنة ومحرك للشهوة).
وقد قال الله تعالى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـرِهِمْ}. واللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال ا.هـ. كلامه. وفي نيل الأوطار وشرح المنتقى (ذكر اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لاسيما عند كثرة الفساق).





(10) أخرجه أبو داوود أبواب السلام باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق 5272.

ابو ضاري
20-02-2011, 17:29
رابعاً أدلة المبيحين لكشف الوجه
ولا أعلم لمن أجاز نظر الوجه والكفين من الأجنبية دليلاً من الكتاب والسنة سوى ما يأتي:
الأول: قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هي وجهها وكفاها والخاتم». قال الأعمش عن سعيد بن جبير عنه. وتفسير الصحابي حجة كما تقدم.
الثاني: ما رواه أبو داود في «سننه» عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا». وأشار إلى وجهه وكفيه(11).
الثالث: ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أخاه الفضل كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلّم، في حجة الوداع فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الاخر،(12) ففي هذا دليل على أن هذه المرأة كاشفة وجهها.
الرابع: ما أخرجه البخاري وغيره من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم، بالناس صلاة العيد ثم وعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال: «يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم». فقامت امرأة من سطة النساء سعفاء الخدين. الحديث،(13) ولولا أن وجهها مكشوفاً ما عرف أنها سعفاء الخدين.
هذا ما أعرفه من الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على جواز كشف الوجه للأجانب من المرأة.





(11) أخرجه أبو داوود كتاب اللباس ، باب فيما تبدي المرأة من زينتها (4104).


(12) أخرجه البخاري ، كتاب الحج ، باب وجوب الحج (1513) ، ومسلم ، باب الحج عن العاجز (1334).

(13) أخرجه مسلم ، كتاب صلاة العيدين ، باب صلاة العيدين (885) (4).

ابو ضاري
20-02-2011, 17:29
خامساً: الجواب عن هذه الأدلة
خامساً: الجواب عن هذه الأدلة.
ولكن هذه الأدلة لا تعارض ما سبق من أدلة وجوب ستره وذلك لوجهين:
أحدهما: أن أدلة وجوب ستره ناقلة عن الأصل، وأدلة جواز كشفه مبقية على الأصل، والناقل عن الأصل مقدم كما هو معروف عند الأصوليين. وذلك لأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه. فإذا وجد الدليل الناقل عن الأصل دل ذلك على طروء الحكم على الأصل وتغييره له. ولذلك نقول إن مع الناقل زيادة علم. وهو إثبات تغيير الحكم الأصلي والمثبت مقدم على النافي. وهذا الوجه إجمالي ثابت حتى على تقدير تكافؤ الأدلة ثبوتاً ودلالة.
الثاني: إننا إذا تأملنا أدلة جواز كشفه وجدناها لا تكافىء أدلة المنع ويتضح ذلك بالجواب عن كل واحد منها بما يلي:
1 ـ عن تفسير ابن عباس ثلاثة أوجه:
أحدهما: محتمل أن مراده أول الأمرين قبل نزول آية الحجاب كما ذكره شيخ الإسلام ونقلنا كلامه آنفاً.
الثاني: يحتمل أن مراده الزينة التي نهى عن إبدائها كما ذكره ابن كثير في تفسيره ويؤيد هذين الاحتمالين تفسيره رضي الله عنه لقوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاَِزْوَجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}. كما سبق في الدليل الثالث من أدلة القرآن.
الثالث: إذا لم نسلم أن مراده أحد هذين الاحتمالين فإن تفسيره لا يكون حجة يجب قبولها إلا إذا لم يعارضه صحابي آخر. فإن عارضه صحابي آخر أخذ بما ترجحه الأدلة الأخرى، وابن عباس رضي الله عنهما قد عارض تفسيره ابن مسعود رضي الله عنه حيث فسر قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}. بالرداء والثياب وما لابد من ظهوره فوجب طلب الترجيح والعمل بما كان راجحاً في تفسيريهما.
2 ـ وعن حديث عائشة بأنه ضعيف من وجهين:
أحدهما: الانقطاع بين عائشة وخالد بن دريك الذي رواه عنها كما أعله بذلك أبو داود نفسه حيث قال: خالد بن دريك لم يسمع من عائشة وكذلك أعله أبو حاتم الرازي.
الثاني: أن في إسناده سعيد بن بشير النصري نزيل دمشق تركه ابن مهدي، وضعفه أحمد وابن معين وابن المديني والنسائي وعلى هذا فالحديث ضعيف لا يقاوم ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب الحجاب. وأيضاً فإن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كان لها حين هجرة النبي صلى الله عليه وسلّم، سبع وعشرون سنة. فهي كبيرة السن فيبعد أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلّم، وعليها ثياب رقاق تصف منها ما سوى الوجه والكفين والله أعلم، ثم على تقدير الصحة يحمل على ما قبل الحجاب لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه.
3 ـ وعن حديث ابن عباس بأنه لا دليل فيه على جواز النظر إلى الأجنبية لأن النبي صلى الله عليه وسلّم، لم يقر الفضل على ذلك بل حرف وجهه إلى الشق الاخر ولذلك ذكر النووي في شرح صحيح مسلم بأن من فوائد هذا الحديث تحريم نظر الأجنبية، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في فوائد هذا الحديث: وفيه منع النظر إلى الأجنبيات وغض البصر، قال عياض وزعم بعضهم أنه غير واجب إلا عند خشية الفتنة قال: وعندي أن فعله صلى الله عليه وسلّم، إذا غطى وجه الفضل كما في الرواية. فإن قيل: فلماذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلّم، المرأة بتغطية وجهها فالجواب أن الظاهر أنها كانت محرمة والمشروع في حقها أن لا تغطي وجهها إذا لم يكن أحد ينظر إليها من الأجانب، أو يقال لعل النبي صلى الله عليه وسلّم، أمرها بعد ذلك. فإن عدم نقل أمره بذلك لا يدل على عدم الأمر. إذ عدم النقل ليس نقلاً للعدم. وروى مسلم وأبو داود عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، عن نظرة الفجاءة فقال: «اصرف بصرك» أو قال: فأمرني أن أصرف بصري(14).
4 ـ وعن حديث جابر بأن لم يذكر متى كان ذلك فإما أن تكون هذه المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً فكشف وجهها مباح، ولا يمنع وجوب الحجاب على غيرها، أو يكون قبل نزول آية الحجاب فإنها كانت في سورة الأحزاب سنة خمس أو ست من الهجرة، وصلاة العيد شرعت في السنة الثانية من الهجرة.
واعلم أننا إنما بسطنا الكلام في ذلك لحاجة الناس إلى معرفة الحكم في هذه المسألة الاجتماعية الكبيرة التي تناولها كثير ممن يريدون السفور. فلم يعطوها حقها من البحث والنظر، مع أن الواجب على كل باحث يتحرى العدل والإنصاف وأن لا يتكلم قبل أن يتعلم. وأن يقف بين أدلة الخلاف موقف الحاكم من الخصمين فينظر بعين العدل، ويحكم بطريق العلم، فلا يرجح أحد الطرفين بلا مرجح، بل ينظر في الأدلة من جميع النواحي، ولا يحمله اعتقاد أحد القولين على المبالغة والغلو في إثبات حججه والتقصير والإهمال لأدلة خصمه. ولذلك قال العلماء: «ينبغي أن يستدل قبل أن يعتقد» ليكون اعتقاده تابعاً للدليل لا متبوعاً له؛ لأن من اعتقد قبل أن يستدل قد يحمله اعتقاده على رد النصوص المخالفة لاعتقاده أو تحريفها إذا لم يمكنه ردها. ولقد رأينا ورأى غيرنا ضرر استتباع الاستدلال للاعتقاد حيث حمل صاحبه على تصحيح أحاديث ضعيفة. أو تحميل نصوص صحيحة ما لا تتحمله من الدلالة تثبيتاً لقوله واحتجاجاً له. فلقد قرأت مقالاً لكاتب حول عدم وجوب الحجاب احتج بحديث عائشة الذي رواه أبو داود في قصة دخول أسماء بنت أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلّم، وقوله لها: «إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا». وأشار إلى وجهه وكفيه وذكر هذا الكاتب أنه حديث صحيح متفق عليه، وأن العلماء متفقون على صحته، والأمر ليس كذلك أيضاً وكيف يتفقون على صحته وأبو داود راويه أعله بالإرسال، وأحد رواته ضعفه الإمام أحمد وغيره من أئمة الحديث، ولكن التعصب والجهل يحمل صاحبه على البلاء والهلاك. قال ابن القيم:


وتعر من ثوبين من يلبسهمـا يلقى الردى بمذلة وهـوان

ثوب من الجهل المركب فوقه ثوب التعصب بئست الثوبان

وتحل بالانصاف أفخر حلة زينت بها الأعطاف والكتفان

وليحذر الكاتب والمؤلف من التقصير في طلب الأدلة وتمحيصها والتسرع إلى القول بلا علم فيكون ممن قال الله فيهم: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّـلِمِينَ }. (الأنعام: 144).
أو يجمع بين التقصير في طلب الدليل والتكذيب بما قام عليه الدليل فيكون منه شر على شر ويدخل في قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَـفِرِينَ }. (الزمر: 32).
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً ويوفقنا لاتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه ويهدينا صراطه المستقيم إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه أجمعين.




(14) رواه مسلم كتاب الآداب باب نظر الفجاءة (2159) (45).

ابو ضاري
23-03-2011, 00:48
حكم لبس العباءة المطرزة
* سؤال : ما حكم لبس العباءة التي في أطرافها أو أكمامها قيطان أو غيره ؟
* الجواب : محرم حيث إنه يؤدي إلى الفتنة . فيا أختي المسلمة حكِّمي عقلك وفكري ومعِّني في لبسك للعباءة ، فهل يُعقل أن تستري الزينة بزينة أخرى ، وهل شُرع الحجاب إلا لإخفاء تلك الزينة ؟!! فلنكن على بينة من أمرنا . ولنعلم أن أعداء الإسلام يحيكون ضدنا مؤامرة على الحجاب .
* فيا أيتها المسلمة أنقذي نفسك فإن متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ، فلا تغتري بمالك ولا جمالك ، فإن ذلك لا يغني عنك من الله شيئاً !! وأني أنذرك وأحذرك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرضت عليه النار ورأى أكثر أهلها النساء، وأنذرك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النساء وأنت إحداهن :" اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" وأنقذي نفسك من النار ، واعلمي أنك أعجز من أن تطيقي عذاب النار ، فإن الجبال لو سيرت في النار لذابت ، فأين أنت من الجبال الراسيات والصم الشامخات ؟
أنقذي نفسك من النار واستجيبي لمنادي الحق ، واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوَّض الله خيراً منه . وأن الآخرة هي مسعانا وإن طالت الآمال في الدنيا ، فماذا تريدين من هذه العباءة المزركشة التي تشترينها بالمئات وأنت توضعين في القبر في كفن من أرخص الأقمشة ، فهل تنفعك هذه العباءة في ظلمة القبر؟!!
فتذكري نفسك وأنت في هذا الموضع . [الشيخ ابن عثيمين ، فتاوى المرأة ]

كوكوب
07-06-2011, 04:03
مشكووووووووووووور