المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإفتاء بين التقويض والتفويض



الشيخ/عبدالله الواكد
20-08-2010, 00:55
خطبة الجمعة ليوم الغد

10/9/1431 هـ

بعنوان

الإفتاء بين التقويض والتفويض

كتبها

عبدالله بن فهد الواكد

إمام وخطيب جامع الواكد بحائل


الخطبة الأولى
أما بعد أيها المسلمون : فإن الغاية العظمى التي جاء بها الإسلام وحث عليها من خلال نصوص كثيرة من الكتاب والسنة ، هي الإئتلاف والإجتماع على هذا الدين قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) وقال سبحانه: ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) وقال تعالى : ( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) .
هذه الغاية التي لا شية فيها , ضرورة من ضرورات الحياة ، لأن الدين دين جماعة , وقد ورد في سنن الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ)) قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، والحديث صححه الألباني وقد ترك بعض الصحابة رضوان الله عليهم بعض آرائهم الفقهية من أجل اجتماع الكلمة ونبذ الفرقة ، والإجتماع مقصوده الإجتماع على دين الله وأن الذين يضيؤون للناس طريق دينهم ومسلك معاشهم ومعادهم ويردونهم إلى طريق واحد ، هم العلماء لأنهم ورثة الأنبياء , العلماء الراسخون في العلم الذين يؤخذ عنهم الدين والفتوى لأنهم أعلم الناس بشرع الله سبحانه وتعالى قال تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) وإني والله لأعجب أشد العجب من أقوام يأخذون أمور دينهم ممن هب ودب وتجده في المقابل لا يتاجر ولا يستثمر في مكان ما أو مع شخص ما حتى يستقرأ تاريخه ويقلبه يمنة ويسرة حتى تستقر لديه الطمأنينة إليه ، بل لا يقوم بإصلاح سيارته إلا عند الماهر الحذق ، وأما الدين فهو آخر ما يسأل المسلم عمن يأخذه ، ومن يستفتي عنه ، ولقد برزت في الأونة الأخيرة من شواذ الفتوى وغرائب الأقوال ما تشيب لها رؤوس الرجال ، أناس لمعهم الإعلام وقدمهم أصحاب القنوات الفضائية ودهدهتهم الصحافة حتى وحلوا في وحول التخبط فيما خلصت إليه أفهام الجهابذة من الأئمة , واستقر عليه أمر العلماء ، وسار عليه الناس أمدا بعيدا ، فأحلوا وحرموا ، بل وتكلموا في الأمور الجسام وفي المسائل العظام ، التي لو عرضت على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتدافعوها ، يَقولُ سُبحانه: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون) ،وفي مسندِ الإمامِ أحمد رحمه الله ، من حديثِ عُقبة بن عامر الجهني رضي اللهُ عنه ، أنَّهُ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يقولُ:{من قال عَليَّ ما لم أقُل فليَتبوَّأ بيتًا مِن جهنّم}،وفي سننِ أبي داوودَ رحِمَه الله من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r{ مَنْ أُفْتِىَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ } ويقول سُحنونُ بنُ سعيدٍ رحمه الله: "أَجرَأُ النَّاسِ على الفُتيا أقلُّهم علما " وعلى مثل هذا بكى ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك رحمه الله، فقال له رجل: ما يبكيك؟! فقال: استُفتي مَن لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم
أيها المسلمون :إن تغريب الفتوى ، وفتح الطريق ، وإفساح مجالس الإفتاء في الإعلام ، أمام هؤلاء المتعالمين ، ليس أمرا جاء مصادفة ، إنما بجهد مفتعل وتخطيط مسبق سيق إليه ممن أعجبهم المرتقى زمرا وأفرادا ، هذه الفتنة ، التي أحبط عملها وأطفأ فتيلها وقوض بناءها ، خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بتصديه لهذه الفوضى في الفتوى ، وتفويض الأمر لأهله وإسناده لحملته ، وأمره حفظه الله بأن تكون هناك آلية لهذه المهنة العظيمة التي تورع عنها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا التغريب المفتعل ، والتى تبنته بعض المؤسسات الإعلامية سواء علمت أم لم تعلم إنما هو تفتيت للأمة وتمزيق للحمة وتهشيم لبيضة الإجتماع وخلق لمفترقات طرق يتفرق بها الشمل وتذهب بها الريح ، فالأمر أيها المسلمون خطير جدا ، هذا شرع الله سبحانه وتعالى ، وولي الأمر مسؤول عن هذه الأمانة العظيمة ، ولله الحمد والمنة قد أبرم الله لهذا الأمر أمر رشد وتوجيه توفيق وسداد وفق الله له خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وأعانه الله على هذا العبء الجسيم حيث أمرأن تكون الفتوى المعلنة مقصورة على هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ومن تجيز لهم اللجنة المكلفة ذلك وتأذن لهم ، ويستثنى من ذلك الفتاوى الخاصة الفردية غير المعلنة والتي تكون عادة بين السائل والمسؤول وفي أمور العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية ، ومنع التطرق لشواذ الآراء والمفردات المرجوحة والأقوال المهجورة من أقوال العلماء ، وكل من يتجاوز ذلك فسيعرض نفسه للمحاسبة والجزاء الرادع كائنا من كان ، لأن مصلحة الدين ولحمة هذا الوطن فوق كل الإعتبارات , وأما الخلافات الفقهية ، فيتعين أن تكون في المجامع الفقهية والهيئات العلمية ، بعيدا عن عامة الناس ، فما مصلحة الناس من أن تثار هذه القضايا على رؤوسهم ،
القضايا أيها المسلمون : سواء كانت شرعية أو طبية أو اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية أو أسرية ، كلما أثيرت ونوقشت وحررت واستخلصت في قعر دارها ، وفي أماكنها الصحيحة ، كانت النتائج أسلم ، والنفع أبلغ وأسبغ ،
الفتوى أيها المسلمون : أمرها عظيم ، وخطرها جسيم قال عطاءُ رحمه اللهُ: "أدركتُ أقوامًا ، إن كان أحدُهم ليُسأَلُ عن الشيءِ ، فَيتكلَّمُ وإنّه ليرعُدُ" ، وقال سفيانُ الثّوري: "أعلمُ النَّاسِ بالفُتيا ، أسكتُهم عَنها، وأجهلُهم بِها أَنطَقُهم"،ومع هذا ـ أيها الأحبةُ في الله ـ لاَ بُدَّ للنَّاسِ ممن يجيبُهم في مسائلِ دينِهم ، ويُبيِّنُ لهم أحكامَ ربِّهم ، ولَكِنْ هذا يَجبُ أن لا يقومَ بهِ ، إلاَّ العُلماءُ المُؤَهَّلونَ ، الذينَ بَلغُوا في العلمِ أَعمَقَهُ ، وفي العقلِ أَرجَحَهُ، وفي الحكمةِ أتمَّها، وفي التروِّي أشدَّهُ، وفي الخبرةِ أعظمَها.......، بارك الله لي ولكم في القرآنِ ، ونفعَنا بما فيه من البيانِ، أقول هذا القولَ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية
أيّها الأحبةُ في اللهِ : وبمناسبةِ الفتوى وأهلِ الفتوى فلقدْ أفتى سماحةُ مفتي عامِ المملكةِبجوازِصرفِ الزكاةِ لأسرِ السجناءِ إذا كانوا من الفقراءِ والمساكينَ وقالَ إنَّ أسرَالسجناءِ يُعْطَوْنَ بصفةِ الفقرِ والمسكنةِ .
فيا أيها المسلمونَ الصائمونَ ، الراجونَ لما عندَ اللهِ هناكَ لجنةٌ تقومُ على رعايةِ أُسَرِ السجناءِ"، تحتَ شعارِ "أطفالُهُمْ لا ذنبَ لهم .. ساهموا معنا في رعايةِ أسرِ السجناءِ"ومنْ مهامِ هذهِ اللجنةِ ، رعايةُ أسرِ السجناءِ ، ودعمِ اندماجِ السجناءِ في المجتمعِ بعدَ الإفراجِعنهم، بالإضافةِ إلى إشراكِهِم في فعالياتٍ وأنشطةٍ اجتماعيةٍ مختلفةٍ تعودُ عليهِموعلى أُسَرِهم بالفائدةِ .والسجناءُ والمفرجُ عنهم إنما همْ أبناؤُنا وإخوانُنا سواءً بالقرابةِ أو بالإسلامِ ،والإعراضُ عنهم وعدمُ تقبُّلِهِم ونبذِهِم ،وعدمُ السعيِ في إصلاحِهم ، هدمٌ للمجتمعِ المسلمِ ، والمسلمونَ كالجسدِ الواحدِ ، كما قال عليه الصلاةُ والسلامُ { الْمُؤْمِنونَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى }رواه البخاري
فيا مَنْ يسَّرَ اللهُ عليكُم ، يَسِّروا على هؤلاءِ الذين تعسَّرتْ أمورُهُم , واشْضَوضَفَ عيشُهُم , ونَسَقَتْ مسالكُ رزقِهِم , وضاقتْ سُبلُ موارِدِهِم ، إلا برحمةِ اللهِ ثم بما أودعَ اللهُ في قلوبِكُمْ من رحمةِ هؤلاءِ الأطفالِ والنساءِ الذين أودِعَ راعيَهُم وكاسِبَهُم ، في حتوفِ السجنِ ، وحواتمِ الأقدارِ ، إجعلوا لهذهِ الأعينِ الدامعةِ ، والقلوبِ المحرومةِ نصيباً من برِّكُم وخيرِكُم وصدقاتِكُم وزكواتِكُم ، وصلوا وسلموا على النبيِّ الكريمِ القائلِ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)