المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة ( وقوف المسلم مع أخيه المريض ) بتاريخ 28/6/1431 هـ



الشيخ/عبدالله الواكد
10-06-2010, 18:37
خطبة جمعة يوم الغد إن شاء الله
بعنوان
وقوف المسلم مع أخيه المريض


عبدالله بن فهد الواكد


إمام وخطيب جامع الواكد بحائل



الخطبة الأولى


أيها المسلمون : لقد خلقنا الله عز وجل في أحسن صورة وعلى أجمل هيئة قال سبحانه وتعالى ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ولو شاء الله أيها المسلمون لخلقنا على أي صورة أخرى لأنه سبحانه هو المدبر المتصرف في شؤون خلقه وتكوينه لا ينازعه في ملكوته أحد سبحانه وتعالى , قال الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) وقال سبحانه وتعالى ( خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
أيها المسلمون : لو نظر الإنسان إلى ملكوت السماوات والأرض من حوله ، وأبصر في نفسه لرأى متاهات العجب ، ودقائق الصنعة الإلهية قال تعالى ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) فكم من النعم التي تملأك وتحيط بك وأنت لا تشعر بها طالما أنت بصحة وعافية , كم من الأعضاء التي في أجسادنا تعمل ليلا ونهارا ونحن لا نشعر بوجودها إلا إذا اعتلت ومرضت قال تعالى (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىبِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ فَذُو دُعَاء عَرِيض)
فأين نحن من شكر هذه النعم وأين نحن من حفظها بصيانتها عن المحرمات ، وكفها عن المعاصي المهلكات ، أعين مبصرة تنظر إلى محارم الله ، وتسهر ليلها على رؤية ما يغضب الله ، وأسماع مرهفة ، قائمة على سماع المهلك من المنكر دؤوبة على سماع الغيبة وسماع فاحش القول ، وألسن تغتاب المسلمين والمسلمات الغافلين والغافلات ، وتلهج بالغيبة والنميمة ، وذكر مثالب الناس وعيوبهم ، وكأن هذه الأعضاء قد خلقت لذلك ، أوما يتذكر أصحابها أنها مسؤولة عن كل شيء قال تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وقال تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسئولا ) قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : أونحن مؤاخذون بما نقول يارسول الله فقال عليه الصلاة والسلام كما في الترمذي : ( ثكلتك أمك يامعاذ ، وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم ) لو أبصرت أيها الأخ المسلم ذلك الكفيف الذي يطرق بطرف العصا أدنى الحائط يتحسس طريقه ، أو نظرت إلى ذلك الأصم الأبكم الذي يجلس بين الناس فيتخاطبون ويتسامرون ، ويضحكون ويأنسون ، ويشترون ويبيعون ، ويقرأون ويكتبون ، وهو لا يعلم عما يدور بينهم ، قد أوصدت بينه وبينهم أبواب السمع والكلام ، ولو رأيت ذلك المقعد المشلول ، وهو يضاجع السرير دهره ، أو يلازم كرسيه يومه وليله ، لو دخلت المستشفيات ، ورأيت من فيها ممن كلبتهم يد السقم ، وعزلهم عن الناس الألم ، لعلمت أن الدنيا بحذافيرها قد حيزت لك ، صحة الأبدان أيها المسلمون تاج على رؤوس الأصحاء لا يرى هذا التاج إلا المرضى قال عليه الصلاة والسلام كما في الترمذي : ( من آصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) ليس والله للحياة طعم ولا رائحة إلا بهذه الصحة ، نسأل الله أن يسبغها علينا ، وأن يوفقنا لشكرها ، وأن يشفي أسقامنا وأمراضنا وسائر المسلمين ، يدخل أحدنا المستشفى ليرى الأقسام العديدة ، والعيادات الكثيرة ، والفحوصات المتعددة ، والأجهزة المتطورة ، أكل هذه الأقسام والأطنان من المعدات ، لعلاج أعضاء هذا الإنسان ؟ ، فيا سبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد والثناء ، مراكز عملاقة ومبان ضخمة وثلة من الأطباء الذين شابت رؤوسهم في الطب ، مراكز متخصصة في أمراض القلب في أمراض هذه المضغة التي لا تتجاوز قبضة الكف ، وأخرى مثلها لعلاج أمراض الكلى وغسيلها ، هذه الكلية التي تضعها في كفك وتغلق عليها ، وأخرى لعلاج العيون ، هذه العين التي لا يتجاوز حجمها إبهام اليد ، سبحوا ربكم واشكروا نعمه عليكم ، فأنتم في نعم لم تشكروها وفي مسابغ رحمة لم تدركوها ، أبو شجاع رحمه الله من فقهاء الشافعية بلغ من العمر نيفا ومئة سنة وهو يمشي على قدميه ولم تسقط له سن ، سأله تلامذته يا إمام كيف حافظت على أعضائك فقال : حفظتها صغيرا فحفظها الله لي كبيرا , فأين نحن من حفظ هذه الأعضاء ، عجيب هذا الجسد أيها المسلمون ، كثيرا ما جلست إلى الأطباء ، وسألتهم عن الجانب الإعجازي في تخصصاتهم ، فيروون لي ما تذهل منه العقول وما تنشده له الألباب ، ووالله إن الأطباء أيها المسلمون إذا دخلوا في دقائق هذه الصنعة ، واستصحبوا التفكر ، رأوا العجب العجاب ، موريس بوكاي ، وهو برفسور وعالم أجنة فرنسي ، لما قرأ أية تكوين الجنين ، لما قرأ قول قول الله تعالى ( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةًفَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّأَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، أسلم ، دخل في دين الإسلام لأن هذا الكلام الذي طابق العلم الحديث ، الذي أمضى كل حياته فيه ، لم يكن من قول بشر قبل ألف وأربعمائة سنة ، إنما هو من كلام رب العالمين ، إنما هو من كلام من خلق هذا الإنسان سبحانه وتعالى ، إن هذا الجسم وأعضاؤه ، لهو من دقائق صنع الله ، ومن عجائب خلق الله سبحانه ، فهل من متأمل ، وهل من مدكر ومعتبر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون )
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم



الخطبة الثانية


أيها المسلمون : لقد ابتلي فئام من المسلمين بأمراض الكلى ، وبعضهم لا بد له من الغسيل بشكل دائم ، ، وهاتان الكليتان التي يقبض أحدنا على الواحدة منها في كفه ، في كل واحدة منها قرابة مليوني مصفاة ، لتصفية الدم والسوائل في الجسم ، وينبغي للمسلم المحافظة على هذه الأعضاء الثمينة ، بسلوك أسباب حمايتها وحفظها ، لأن أمراض الكلى والمصابين بها قد تزايد عددهم ، واكتظت المستشفيات ومغاسل الكلى بهم نسأل الله لنا ولهم الشفاء ، وهذه الأمراض ليست عيبا ولا نقيصة في الإنسان لأن الله قد كتبها عليه ويكتب له الأجر والثواب إن صبر واحتسب وفي المقابل خلق الأموال واستخلف الناس فيها ليبلو بعضنا ببعض ، ويبلونا فيما آتانا ، ومن هذا التمحيص والإبتلاء وقوف المسلمين مع إخوانهم المرضى ، بدعم سبل علاجهم ومواساتهم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام ، في قصة أصحاب النمار من فقراء مضر ، انفَرَجَتْ أساريرُهُ ُ، وزالَ همُّهُ وانزاحَ غمُّهُ، وهو يرى المسلمين كل يدلي بدلوه ، ويَرسِمُونَ صُورةً رائعةً للتآخي ، شعورَ الجسدِ الواحدِ ، والأمةِ الواحدةِ ،
إنَّ الصَّدقةُ أيها المسلمون : هي شعارُ المتقين، ولواءُ الصالحينَ المصلحينَ , زكاةٌ للنّفُوسِ، ونَماءٌ في المالِ، وطُهرةٌ للبدنِ ومَرضاةٌ للربِّ ، بها تُدفعُ عن الأمةِ البلايا والرزايا ، وتُطَهِّرُ القلوب من أدرانِ التعلقِ بهذه الدنيا وَأَوضَارِها ، وشَهوَاتِها ومَلذَاتِها.يقولُ تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
وها هي جمعيةُ الأميرَ فهد بن سلمان الخيرية ، من الجمعيات التي تَسدُّ حاجة طائفةً كبيرة ، ممن لديهم الفشل الكلوي ، ولأن الجمعيةَ ، من الجمعياتِ الْمُرَخَّصِ لها، وتعملَ بنشاطٍ محتسبةً في ذلك الأجرَ من الله ، وقد صدرت فتوى سماحة المفتي ، بجواز دفع الزكاة للمرضى الفقراء ، الذين يتلقون العلاج لديهم ، فَأُهيبُ بكم أيها المسلمون ، بالتبرعَ لهذهِ الجمعيةِ ،عملاً للخيرِ ومُساهمةً في خدمةِ المرضى ،واحتساباً للأجرِ من الله ، وهي لا تخفى على رسائل جوالاتكم ، ولعل هذه المساهمة المتواضعة منكم تكون عونا عظيما لهم وسببا في دفع البلاء عنكم وعن ذريتكم ، وتكون لكم ظلا يوم القيامة فالناسُ في ظلِ صدقاتهِم يوم القيامه ، يقولُ المصطفىe كما في مسندِ الإمامِ أحمد من حديثِ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه {كُلُّ امْرِئٍ فِى ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ} وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلام ، كما في الصحيحين ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ) ، اللهم وفقنا للوقوف مع إخواننا المرضى والمحتاجين ، واكشف عنهم الضر والبلاء ، وجنبنا جميعا العلل والأمراض والأسقام ، واجعل ما كتبته علينا منها تمحيصا لذنوبنا ، وتثبيتا لأنفسنا ، إنك أنت العليم الحكيم
صلو وسلمو على أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم