المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان صفتي الوفاء والغدر في الناس



الشيخ/عبدالله الواكد
12-05-2010, 00:39
خطبة جمعة بعنوان صفتي الوفاء والغدر في الناس
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل


الخطبة الأولى
أيها الأحبة المسلمون : الثقة بين الناس صفة محمودة، تطمئن إليها النفوس، وترتاح لها القلوب، وكل من اتصف بهذه الصفة صار ثقة محبوبا عند الناس، مقربا لديهم ، مأمونا في أقواله وأفعاله ومعاملاته ، وبقدر ما يكون ثقة أمينًا فإنه يكون أهلاً يُعتَمَد عليه بعد الله تعالى في كل شيء ، فإذا تزعزعت هذه الصفة وزالت ، إهتزت مكانته عند الناس ، وابتعد الناس عنه ، وحذروا من التعامل معه ، وأصبح الناس لا يأمنون غدره وانقلابه.
والمرء أيها الناس : إذا كان معدوم الثقة تنقطع عنه الروابط الأخوية والعلاقات الاجتماعية ، فلا يؤمن له جانب ، لا في عرض ولا مال ولا غير ذلك من ضروريات الحياة الأخرى ، لأن الخيانة ديدنه ، والغدر صفته وعادته ، يبيعك بأقل ثمن ، ويروغ عنك لأتفه سبب ، لا يتردد في إلقائك في المهالك والحفر ، ولا يتورع عن وصفك بأقبح الصفات ونعتك بأبشع الألفاظ ، من أجل مصلحة من مصالحه ، فلا تطمئن لصداقته ، ولا ترتاح لتظاهره بحسن علاقته ، لذلك أيها المسلمون : كانت صفة الغدر من الصفات القبيحة التي ذمها الإسلام ، ومن الخلال الذميمة التي حذر منها أشرف الأنام .
قال تعالى: ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ) ، وقال جل وعلا: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً )
وأعظم الغدر قبحا ، أن ينقض الإنسان العهد الذي بينه وبين خالقه ، بينه وبين الذي أوجده من العدم ، وَأَدَرَّ عليه الخيراتِ والنعم ، ثم هو في كل مرةٍ لا يفي بما وعد ، ولا يُتِم ما به التزم وتعهد ، فكم من أناس عاهدوا الله لزوم الطاعة ، ولزوم الجماعة ، وعاهدوا الرزاق ، على البذل والإنفاق ، وعاهدوا الحكيم العليم ، على الإذعان والتسليم ، فما أوفوا بوعودهم وما التزموا بعهودهم ، بعدما من الله عليهم بالصحة والعافية ، وبالسلامة والنجاة ، وبالغنى والمال ، أعطاهم الله ما سألوه ، ولم يوفوه ما عاهدوه
ومن اتصف بذلك فإنه على حالٍ خطيرة ، قال تعالى: ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ )
أيها المسلمون : إن الغدر صفة ذميمة وممقوتة ، ولا أدلّ على ذلك ، من أن الخالق ، هو خصمه يوم يبعث الخلائق ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجره)) رواه البخاري. ومن كان الله تعالى خصمه فقد وقع في أحقر موقف وأذل صورة وأخزى حال ، إذ هو أمام رب العالمين وأحكم الحاكمين.
ولقد عاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغادرين بعقوبة قاسية أليمة ، فعن أنس بن مالك أن أناسًا قدموا على رسول الله المدينة فاجتووها ـ أي: استوخموها فلم تناسبهم واعتلت صحتهم ـ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ) ، ففعلوا وانطلقوا إليها ، فشربوا من أبوالها وألبانها ، حتى صحوا وسمنوا فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الإبل ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث في آثارهم وأتى بهم ، فأمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ثم أمر بسمر أعينهم، وطرحهم في الحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا. رواه البخاري ومسلم.
أنزل بهؤلاء هذه العقوبة الصارمة جزاء غدرهم ومقابلتهم الإحسان بالإساءة والمعروف بالنكران، ولعذاب الآخرة أخزى وأشد.
ولو لم يكن في الغدر والخيانة وعدم الوفاء بالعهد إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّ ذلك من صفات المنافقين لكفى ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر )) رواه البخاري ومسلم.
ومما يدل على شؤم الغدر وسوء عاقبته أن الله تعالى يفضح صاحبه على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يُرفع لكل غادر لواء، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان)) متفق عليه ،
فتكون عقوبته في ذلك الموقف العظيم ، التشهير بخيانته وإعلان غدره ونشر فضيحته أمام أهل الموقف، حتى يُعرف بذلك ويُذم بينهم نسأل الله لنا ولكم السلامة ، وأما المؤمنون الصادقون ، الموفون بعهودهم فقد أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه فقال سبحانه ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم



الثانية

أيها الإخوة في الله : نعوذ بالله من الغدر وأهله ، كلما انتشر الغدر بين الناس وشاع بينهم نقضُ العهد وعَدَمُ الوفاء به أدى ذلك إلى تفكك المجتمع واضطرابه ، وفقدان الثقة بين أفراده ، وعدم اطمئنان بعضهم لبعض ، وتناؤوا عن روابط الألفة والتماسك فيما بينهم ،
روى بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ، ولا ظهرت الفاحشة في قومٍ إلا سُلط عليهم الموت ، ولا منع قوم الزكاة إلا حُبس عنهم القطر)) رواه الطبراني.
أيها المسلمون : إذا سادت الثقة بين الناس ، وأمن بعضهم بعضا ، والتزموا الوفاء بما عليهم ، ساد الخير والمعروف بينهم ، وصارت قلوبهم صافية ، ونواياهم سليمة ، ووفقهم الله لكل خير ، وحرسهم الله من كل سوء ،
ألا وصلوا وسلموا على خير من وفى العقود ، وأتم العهود ، صاحب الحوض المورود ، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

شام
12-05-2010, 01:30
كم نحتاجها هذه الخطبة
كم نفتقد اليها
في زمن انتفى فيه الوفاء وكثر الغدر
الوفاء من أخلاق المسلم وبدأ يتساقط مع بقية الأشياء التي تساقطت فلم يبق منه سوى ذكرى إنسان
ومع ذلك لا يأس من هذه الأمة التي لازلت فتية ولازال أبناءها يستشعرون الاخلاق الاسلامية
فمع كل حلول ظلام هناك بشائر بأن القادم نهار آخر.
جزاك الله خيراً شيخنا الواكد
لنشر هذه الخطبة القيمة والمفيدة
وحفظك الله ورعاك

ابو ضاري
12-05-2010, 01:42
بارك الله فيك شيخنا الفاضل

طلال
12-05-2010, 16:02
ابو فهد

يشهد الله أني أحبك فيه

ما أجمل فكرك و اختيارك لـ الخطب ، سهل جداً أن نستفيد بدون تعقيد في اللغة

جزاك الله ألف خير

..

الشيخ/عبدالله الواكد
12-05-2010, 17:28
بنتي الكريمة الفاضلة شام

لا يزال في الناس الكرام مخزون الخير
وهم كثيرون بفضل الله ولكن هذه الإفرازات السيئة والمظاهر الساقطة والسلوك غير اللائق
وجوده في المجتمعات حتمي حتى في أطهر القرون وأفضل الأزمنة زمن النبوة وجدت هذه السلبيات
لأن الله عز وجل قال ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) فلا بد لكسب الحسنات واكتساب السيئات من هذه الدولبة
فعمل الخير وعمل الشر والدعوة للخير والفضيلة والحق والدعوة للشر والرذيلة والباطل وكل ماهو على سياق ذلك أوعية تجمع بها الحسنات والسيات
ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ، ولو شاء الله لجمع الناس على الهدى ، ولكن هذه حكمة الله من الخلق كله وحكمته من خلق الجنة والنار
ولكن الصفات الحميدة والخلال الذميمة مثل النباتات كل نبات ينمو ويستطيل ويستغلظ ويستوي على سوقه في زمنه وموسمه
وهذا لا يعني زوال النبات الطيب وهلاكه وانحساره ولكنه كامن وقابع في حبه ونواه حتى يأتي وقته وزمانه وموسمه

أبشري فالخير قادم بإذن الله ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )

بارك الله فيك

الشيخ/عبدالله الواكد
12-05-2010, 17:31
وبك بارك الله يا أبا ضاري وحفظك الباري من كل سوء وشر وبلاء وفتنة

أشكر لك حضورك الكريم يا أيها الفاضل الكريم

الشيخ/عبدالله الواكد
12-05-2010, 17:40
أخي الكريم وإبني الفاضل طلال حفظك الله

وأحبك الله الذي أحببتنا فيه

تشرف المكان والزمان بمرورك العطر وأسلوبك المطر

أبلغ سلامي بيت الفضيلة والشهامة والمروءة الذي تربيت في أكنافه

وعلى رأسهم والدنا أبو نومان

أخوك المليء قلبه بمحبتك