المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إن الله سريع الحساب (تأملات وخواطر)



شام
29-03-2010, 02:28
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
مفاسد الحياة ومفاتنها واغراءتها كثيرة بل لا تحصى
ومن أنعامه تعالى علينا أن جعل للمهتدين نوراً في قلوبهم يخفف عنهم وطأة وبأس منكرات الحياة ..
فجعل الحساب والقيامة وإن التوسلَ إلى الله -عز وجل- بأنه سريعُ الحساب، واستحضارَ هذا المعنى لهو من أعظم ما يداوي أمراض القلوب؛ التي تحصل بسبب الظلم الذي كثر وانتشر في المشارق والمغارب، في الشمال والجنوب، من مخالفة لأمر الله -عز وجل- بالشرك والكفر، والنفاق والعصيان، ومن مخالفةٍ لشرع الله -عز وجل- بفعل الفواحش وارتكاب المحرماتِ، وارتكاب المعاصي والمنكرات، ومن مخالفةٍ لشرع الله -عز وجل- بالبغي والإفساد في الأرض: من سفكٍ للدماء وانتهاك للأعراض، وقتلٍ للأطفال، وتهديم للبيوت، واغتصاب للأموال، وسلب للأراضي والبلاد، فما أكثرَ الظلم الواقع في هذه الأرض، وخصوصًا على عباد الله المؤمنين الموحدين.
مع أن الله -عز وجل- حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرمًا، وقال لهم: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا) (رواه مسلم)، وجعل الله -تعالى- الظلمَ سببًا لخراب الأرض وفسادِها، وشقاء أهلها، وإن كان قلب كل مؤمن ليتألم من الظلم الواقع في هذه الأرض، ويجد فيه غصة ومرضًا يحتاج إلى شفاء.
فإن لم يتدارك الإنسان هذا المرض ويعالجه يوشك أن يوقعه في اليأس والإحباط، وترك العمل الواجب في ذلك الوقت أو سوء الظن بالله -عز وجل-، أو التخلف عن رفقة الصالحين الذين ساروا في الأرض؛ ليصلحوا ما وقع فيها من ظلم وجور، وعلى رأسهم أنبياء الله -تعالى- الذين أصلح الله -تعالى- بهم الأرض.
وهذا أمر لابد أن يعلمه المسلم؛ لينتفع بفترات انتشار الظلم والظلام في نفسه، ولطائفته المؤمنة كذلك.
وإن مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: ما أعده الله -تعالى- للكافرين والظالمين من عذاب في الدنيا من: ضنك وشقاء، وألم وحسرة؛ قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه:124)، وقال -تعالى-: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:104).
وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: ما أعده الله -تعالى- للكافرين والظالمين من حساب في الآخرة، وما ينتظرهم يوم القيامة من عذاب أليم، قال الله -تعالى-: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المطففين:34-36).
وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: أن يتدبر كتاب الله -تعالى- فإن فيه الشفاء؛ قال الله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء:82)، فيشهد ما فيه من أخبار هلاك الظالمين، قال -تعالى-: (فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت:40).
وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: أن يشهد أسماء الله -تعالى- وصفاته، وأن يتعبد لله -عز وجل- بمقتضاها، فيشهد إهلاك الله -تعالى- للظالمين بيقين قلبه قبل أن يرى بعينه؛ فيدعو الله -تعالى- بها، كما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللَّهُمَّ مُنَزِّلَ الْكِتَابِ، مُجْرِيَ السَّحَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، هَازِمَ الأَحْزَابِ... ) (متفق عليه)، فيشفي الله -تعالى- بذلك ما في الصدور ما لا يعلمه إلا الله، فيشهد عدله وسرعة حسابه.
وإن شهود عدل الله -عز وجل- وسرعة حسابه؛ لهو من أعظم الأمور التي تجعل العبد -وإن كان مظلومًا في أشد درجات الظلم وهو يرى أهله وإخوانه والمسلمين من حوله يتعرضون لأنواع الظلم- يرى أن الله -تعالى- لا يظلم الناس شيئًا، وأنه سريع الحساب، وأنه -عز وجل- هو العليم الحكيم.
فعند ذلك؛ ينزِلُ البَردُ على قلبه، ويحصل له من أنواع الخيرات ما يستمد بها طاقة يسير بها على الطريق، مع بقاء كراهيته للظلم والظالمين، ومع استمرار دعائه وتضرعه وانكساره لله -عز وجل-.
وقد يملي الله -عز وجل- للظالمين ويؤخرهم فترة -مدة من الزمن- حتى يظنَّ أكثر الناس أنهم لن يُعاقبوا، مع أن الله -تعالى- سريعُ الحساب، فكيف ذلك وقد تمر على الناس قرون يزداد فيها الظلم والعدوان؟! هذا لنعلم أن الله -عز وجل- قد قسَّم الأخلاق والأعمال، والأحوال بين الناس قسمة عدل، وهو -عز وجل- حكم قسط، سريع الحساب.
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ). قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) (رواه البخاري ومسلم).
ومن سرعة حسابه -عز وجل- بالظالمين:
ما يلقيه الله في قلوبهم من الرعب، والقلق والاضطراب والخوف وعدم السكون؛ جزاء لهم على ظلمهم،وهذا لا يراه كثير من الناس! وإنما يعلمه المؤمنون من أحوال الظالمين، كما أنهم يرون قطرة منه إذا عرَّضوا أنفسهم للظلم، فيجدون انقباضًا وضيقـًا في الصدور، ويجدون ألمًا وهمًا وغمًا وكربًا بما قصروا في الواجب وبما ظلموا أنفسهم فضلاً عن أن يظلموا غيرهم، ويعرفون ذلك بهذه القرينة، وبمقارنة حال الظالمين الأشد ظلمًا كيف أن الله -عز وجل- يجمع على الظالمين الآلام والشقاء والتعب!
وهم وإن كانوا يملكون الدنيا بمالها، وسلطانها، وشهواتها المختلفة ويملكون الأمر والنهي، ويظنون أن الأمور بأيديهم، فمع ذلك تجد في قلوبهم فزعًا عجيبًا، واضطرابًا وقلقـًا شديدًا، كما قال -تعالى-: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران:151)، وكما قال الله -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:81-82).
ويبقى على الكافر والظالم من الألم ما لا تذهبه حلاوة الشهوات، ولا لذاتها، التي هي من جنس اللذة التي يجدها الخنزيرُ في أكل الروث! والتي هي من جنس حَكَّة الجربان إذا حك جلده ومزقه؛ ليحصل على شيء من اللذة أثناء الحك، وهو يؤذي نفسه ويدميها ويضرها أعظم الضرر! ولا يجد شيئًا يسكِّن الألم والمرارة والضيق الذي يجده في صدره -وإن كان يضحك كثيرًا فإنه يضحك وقلبه يتمزق- فأكثر الناس مغرورون بالشهوات غارقون في بحارها، وهم في سكرتهم يعمهون، وهم لا يدرون أنهم يزدادون ألمًا فوق ألم، كما قال الله -تعالى-: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:104).
ومن سرعة حسابه -عز وجل- لعبده المؤمن:
أنه إذا ظـُلم وتعبد لله -عز وجل- بالعبوديات الواجبة -حال تعرضه للظلم- يجد من الأمن والطمأنينة والسكينة، والهدوء والراحة والسعادة ما لا يجده غيره، حتى ولو كان في أشد لحظات البأساء والألم.
ولكن ألمه قد زال بالصبر واليقين، واستحضار معية الله -عز وجل- للصابرين كما قال الله -تعالى-: (وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:249)، فهذه المعية التي تجعل المؤمن في حال آخر، في حلاوة تذوب معها مرارة الألم، فلو أذن للمؤمن -حينئذ- أن يتمنى مزيدًا من البلاء لفعل، لكنه يسأل الله العافية، فإنه يجد اطمئنانـًا وسكينة، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).
فهذه الحلاوة تذهب مرارة الألم؛ فمرُّكُم أيها المؤمنون معه عسلٌ تـُذْهِبُ مرارتَه، وأما مرُّهم فلا حلاوة معه، بل تبقى معه المرارة دائمًا.
فرجاء الله -عز وجل- يبدد ظلمات اليأس، والله -عز وجل- يجعل في قلب عبده المؤمن من محبته وتعظيمه واستحضار معيته، ورجاء فضله ويقينه بوعده وثقته بما أعده الله -تعالى- له في الدنيا والآخرة ما يذهب معه كل مرارة وألم، ويستعذب في سبيل الله كل ما يصيبه ويرى أنه -بفضل الله- في أحسن حال.
كما كانت أيام إبراهيم -عليه السلام- عندما ألقي في النار خير أيامه، قال -تعالى-: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (إبراهيم:69)، وأعلى الله -تعالى- بذلك منزلته، وأظهر الله -تعالى- فضله بتلك المحنة، وجعله إمامًا للناس، قال الله -تعالى-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120).
وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حين اجتمعَ المشركون على قتله في يوم الهجرة، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)، ولكن مع صبره واحتسابه -صلى الله عليه وسلم- أنزل الله -تعالى- عليه السكينة والطمأنينة، قال -تعالى-: (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40).
وكذا يوم بدر لما أراد المشركون إهلاك هذه العصابة المؤمنة أنزل الله -تعالى- عليه -صلى الله عليه وسلم- السكينةَ والرحمة والنصرَ، قال الله -تعالى-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ . وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ . إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:9-12)، وروى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ). فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ... ".
وكذا يوم أحد، يوم قتل سبعون من أصحابه -صلى الله عليه وسلم- وكسرت رباعيتُهُ -صلى الله عليه وسلم-، وهشمت البيضة على رأسه -صلى الله عليه وسلم-، وسال الدم على وجهه -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه صبر واحتسب؛ فكان النصرُ في الدنيا والثوابُ في الآخرة، قال الله -تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:146-148).
وكذا يوم الأحزاب، حين اجتمع الأحزاب لاستئصال دعوته -صلى الله عليه وسلم-، فصبرَ وثبتَ واحتسبَ -صلى الله عليه وسلم-؛ فجعله الله -تعالى- قدوة وأسوة للعالمين، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا . وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب:21-22).
فبهذه المواقفِ وغيرِها أظهر الله -تعالى- قدرَ رسولهِ -صلى الله عليه وسلم-، وأعلى شأنهُ وجعله إمامًا للمرسلين، وجعله خيْرَ خلقِ الله أجمعين.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
أنه يجعل الكافرين والمنافقين والظالمين يعذبون بلذاتهم، قال الله -تعالى-: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:55)، فالأموال والأولادُ من أسبابِ السعادةِ للإنسانِ، ولكن يجعلها الله -تعالى- سببًا لعذاب الظالمين: فأما الأموالُ؛ فيعذبون بها في الدنيا وعند الموتِ، وفي القبرِ وفي القيامة.
ففي الدنيا: من يجمع المالَ من حرامٍ فإنه يشقى به؛ يشقى بطلبهِ، ثم بعد ذلك يشقى بحبسهِ والحرص عليه، والقلقِ على نفاده -فالبخلٌ داءٌ يجعل الإنسان شقيًا في حياته متألمًا في جميع لحظاته-، ويشقى بإنفاقِ ما ينفق بلا سماحةٍ، ولا رضا، ولا رغبةٍ فيما عند الله -عز وجل-، ويتألم في المصائبِ التي تصيبه حين يفقد ما يتمنى تحقيقَهُ؛ فيزداد ألمًا بعد ألم.
حتى إذا جاء الموتُ كان ذلك أعظمَ الألم الذي يلقاه في دنياه، ويشتد عليه عندما يعاين السكرات، فهذه شدة عظيمةٌ إلا أنها لا تزال بدايةَ الشدائد.
فإذا مات كان كنزه وماله ضجيعًا له في قبره كثعبانٍ يلدغهُ ويقضم يده، يلتف حول رقبته، ولا يجد منه مهربًا، ويقول له في القيامة: "أنا مالُكَ، أنا كنزُكَ"، ثم يطوقه الشجاعُ الأسود ذو الزبيبتين -النقطتين-.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ). ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (آل عمران:180)، (رواه البخاري).
فإذا جاءت القيامة: فإنهم يعذبون بما اكتنزوه من أموالهم ولم يؤدوا حقها، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34-35)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ) (رواه مسلم).
وأما الأولادُ؛ فإنهم يعذبون بهم في الدنيا وفي القيامة:
في الدنيا: بمنازعتهم لهم دائمًا، وبمخالفتهم إياهم، فيحرمون برَّهم، وبشقائهم بهم عند فقدهم، حتى ربما تهلكُ نفسُ أحدِهم بسبب ابنه إذا فقِد، أو مَرِِضَ أو أصابه ما أصابه، فيعذَّب به، ثم بعد ذلك بالفراق الذي لا التقاء بعده إلا في النار، والذي يزيد الشقاء شقاءً.
وفي القيامة: يفر أحدُهم من أخيه، وأمه، وأبيه، وصاحبته، وبنيه، قال الله -تعالى-: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ . وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ . وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) (المعارج:11-14)، فعندما يَصلَى النارَ يعرف الألم والعذابَ بالأولاد والأموالِ -نعوذ بالله من ذلك-.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
أنه يحيي المؤمنَ الحياة الطيبةَ: فالله -عز وجل- يعدُّ للمؤمنين من الخيرات ما تطمئن به نفوسهم ما يدركون به مآلهم عند الله -تعالى-؛ قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، فالمؤمن يسعدُ بالمالِ والولدِ في الدنيا والآخرة.
فأما سعادتُه بالمال:
ففي الدنيا: عندما يعمل ويكتسب الرزقَ الحلال فإنه يحتسب ذلك لله -عز وجل-، وعندما ينفق على نفسه وأهله وعياله؛ فإنه يحتسبه عند الله -تعالى-، فيجد في ذلك من السعادة والراحة أضعافـًا مضاعفة، فإن سعادة المعطي بالعطاء أعظمُ من سعادةِ الآخذ بالأخذ -سعادة الآخذ إن لم تكن ضرورة فهي عذاب على صاحبها-.
وفي الآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ: أَي فُلُ هَلُمَّ) (رواه البخاري). أَي فُلُ: يعني يا فلان، هَلُمَّ: يعني تعال.
وأما سعادته بالولد:
ففي الدنيا: هم قرةُ العينِ كما قال الله -تعالى- عنهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:74).
فقرةُ العينِ بالأهل والذريةِ إنما بكونهم على طاعة الله -عز وجل-، وبكونهم على طريق العبودية لله -عز وجل-.
وبعد موته: يدعو له كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) (رواه مسلم).
وفي الآخرة: يشفع له إن مات صغيرًا؛ فعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة -رضي الله عنه-: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: قَالَ نَعَمْ. (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ -أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ- فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ -أَوْ قَالَ بِيَدِهِ- كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا فَلاَ يَتَنَاهَى -أَوْ قَالَ فَلاَ يَنْتَهِي- حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم) -دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ: أي صغار أهلها، وأصل الدعاميص: جمع دعموص وهو دويبة صغيرة تكون في الماء لا تفارقه، أي أن هذا الصغير في لجة لا يفارقها. صَنِفَة الثوب: أي طرفه-.
وإن مات كبيرًا؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (الطور:21)، قال ابن كثير -رحمه الله-: "يخبر -تعالى- عن فضله وكرمه، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه: أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان يُلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل، بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته، للتساوي بينه وبين ذاك؛ ولهذا قال: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)... هذا فضله -تعالى- على الأبناء ببركة عمل الآباء، وأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)" اهـ بتصرف يسير. ثم عمل الولد الصالح من كسب أبيه وحسناته.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
ما يقدِّره على الكافرين والظالمين وأهل العدوان من: مصائبَ تصيبهم عاجلاً بلا تخفيف لآلامهم، ولا رجاءٍ لثواب الله -عز وجل-؛ ولذا تجدهم يجزعون أشدَّ الجزعِ، ويخافون أشدَّ الخوف؛ فالله -سبحانه- يبتلي عباده جميعًا بالمصائب، وهو -عز وجل- قدَّر وجود الشقاء على كل من على ظهر الأرض كما قال لآدم: (فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) (طه:117)، فلا يزال -سبحانه- يبتلي عباده بأعظم المحن، فأما الكفرة والظلمة فلا يخفف عنهم من تلك المصائب، بل مصيبة واحدة تكاد تذهب نفوسهم بالكلية، وتتضاعف آلامها، ولا يجدون أبدًا سكينة ولا طمأنينة، وأما المؤمنون بصبرهم واحتسابهم يتحول البلاء إلى نعمة، وسعادة وسكينة وطمأنينة.
وتأمل في حالهم عند خروج أرواحهم وهي من أعظم مصائبهم فإنهم ينازعون أعظمَ النزع، وتضرب الملائكةُ وجوههم وأدبارَهم، كما قال الله -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (الأنفال:50).
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
لعبادِه المؤمنين أنهم عندما تصيبهم المصائبُ يصبرون ويسترجعون؛ فتتنزل عليهم الرحمةُ والهداية، قال الله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة:155-157)، فنعم العَدْلانِِ ونِعمَت العلاوةُ.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة. ولهذا أخبر -تعالى- عما أعطاهم على ذلك فقال: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي: ثناء من الله عليهم ورحمة.
قال سعيد بن جبير: أي أَمَنَةٌ من العذاب (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العدْلان ونعمت العلاوة (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) فهذان العدلان، (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل، وكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا".
فالعَدلانِ: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)، ماذا لو تخيلت أن الصالحين يُثنون عليك في مجالسهم؟ وكيف لو كان الأنبياء يُثنون عليك؟! وكيف لو كانت الملائكة المقربون يثنون عليك عند الله -عز وجل-؟ وكيف بصلوات الربِّ -عز وجل-؟! أبعد ذلك تكره المصائب أن تقع عليك؟!
أنت تتألم منها لكن ترى بالصبر آثار فضل الله عليك، فإن من أثنى الله -عز وجل- عليه، وصلى عليه في الملأ الأعلى، ثم أعطاه رحمةً، فلابد أن يجد أثرها في الدنيا قبل الآخرة.
فربُّ العالمين يثني على الصابرين الذين شهدوا أنهم ملكٌ لله -عز وجل- (إِنَّا لِلَّهِ)، والذين حققوا الإيمان باليوم الآخر (وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، وذلك مما يخفف عنهم ألم المصائب.
فسرعان ما تمر الدنيا كلها بلذاتها وآلامها، فكم من أناسٍ قَبلَنا قد تألموا أضعافـًا مضاعفة ومات المتألم ومات من يؤلمه، ولم يبقَ إلا خبرٌ، ثم بعد ذلك يزول الخبرُ ولا يبقى إلا الحسابُ عند سريع الحساب -عز وجل-، زالت لذاتُ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، وزال ألمُ المؤمنين والمؤمنات، وبقيت تبعةُ الفتنة التي فتن بها الكفرةُ والظلمة عبادَ الله المؤمنين؛ فالله -عز وجل- قال عن المؤمنين: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)، فهذان عدلان.
وأما العلاوةُ: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، فهذا فضل الله -عز وجل- على الصابرين، مع زوال الألم في الدنيا، وعند لقائه -عز وجل-.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
بالظالمين الذين ظلموا وأشركوا، وأفسدوا في الأرض أن يضعَ لهم البغضاء في الأرض، وأن ينزع من قلوبهم الرحمةَ، وأن يجعل قلوبَهم قاسية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ) (رواه مسلم)، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا) (رواه مسلم).
أتظنون أن قاسيَ القلب الذي يعذب الناسَ ويظلمهم يؤلم الناسَ أكثر مما يتألم هو؟!
لا والله. بل إن ألمه أشدُّ، يكفي أن السماء تبغضه، وأهل السماء يبغضونه والأرض تبغضه، وأهلَ الأرض يبغضونه، ومن حوله من أهل الأرض جميعًا يلعنونه، والدواب تلعنه، حتى النملة في جحرها تلعنه، والجعلان، وما تبكي عليه السموات والأرض حين موته، كما قال الله -تعالى-: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:29)، بل نفوسهم تبغضهم، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ) (غافر:10).
تأمل في (إِذْ)؛ أي: حين، فإنما أبغضتهم أنفسهم من حين دُعوا إلى الإيمان فكفروا (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ) ليس فقط تبغضهم نفوسُهم في الآخرة حين يرون العذابَ، وحين يرون ما قدموا لأنفسهم من هلاكٍ أبديّ، وعذاب سرمدي، إنما تبغضهم أنفسُهم حين دُعوا إلى الإيمان فكفروا، ومقتُ الله -عز وجل- أشد من ذلك، وإن كان الناس قد لا يعرفون ما سبب هذه البغضاءِ، وما سبب هذه القسوة.
ولكن إذا أردتَ أن تعلم أن قسوة القلب عقوبةٌ للعبد يتألم بها أكثرَ من ألم المُعذَّب المُتألم؛ فتدبر قول الله -تعالى- عن اليهود الملاعين: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ) (المائدة:13)، فالله -عز وجل- بيَّن أنه لعنهم؛ أي: أبعدهم، والبعدُ عن الله -عز وجل- سببُ كل ألم، وسببٌ كل شقاءٍ وتعاسةٍ.
فإذا تعجبت كيف تصل القلوبُ إلى هذه الدرجة من القسوة؟! فاعلم أن ذلك بسبب؛ لعن الله -تعالى-، وبغضه ومقته -تعالى- لهذا العبد، وإلا فالراحمون يرحمهم الرحمن، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
ولو قدِّر لك أن ترى حياة الظالمين من داخلها وممن يعاملونهم من المقربين منهم من: خدامهم وأعوانهم، وجنودهم؛ لرأيت عجبًا من الشقاءِ المحيط بهم من كل جانب، ولو رأيتهم مع أهليهم وأولادهم وأزواجهم؛ لوجدتَّ من ذلك عجبًا؛ ولذا تجدهم يحاولون الهروب دائمًا بالمسكراتِ، والمخدراتِ والخمر، وأنواع اللذات التي يريدون أن يغيبوا بها عن الوعي؛ لكي لا يدركوا قدرَ الألم الذي هم فيه؛ بسبب بغض الله -عز وجل- لهم، وهذا من سرعة حسابه -عز وجل-.
ومن سرعة حسابه -سبحانه وتعالى-:
للمؤمنين ما يقبضونه من الثمن العاجل -فضلاً عن الآجل- من الحبِّ الذي يجدونه ممن حولهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ) (متفق عليه)، فتجده يشعر بالأنس بينه وبين الأرض، وبينه وبين السماء، وبينه وبين الكائنات المختلفة.
ما ظنك بعبدٍ يعلم أن الملائكة تستغفر له، وأن حملةّ العرشِ مع تسبيحهم يدعون له ويستغفرون له؟! قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (غافر:7-9).
فانظر وتأمل في حال المؤمن: كم يجد من أثر استغفار الملائكة، ومن أثر دعائهم، وكم يجد أُلفـًا وسكينة بينه وبين كل الكائنات، حتى الجمادات؟! قال الله -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء:44).
فهو يستشعر أن الله -عز وجل- يسبح له من في السموات ومن في الأرض، وأن الله -عز وجل- هو العزيزُ الحكيم؛ فعند ذلك يشعر بأنه ليس غريبًا في هذا الكون، بل مع كونٍ أليفٍ حبيب إليه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وأعظمُ من ذلك أنه يعلم ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-: (وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (رواه البخاري).
فهو يشعر أن الله -عز وجل- يكره مساءتَه، ويعلم ذلك ويوقن به؛ لأن المؤمن يكره الموتَ، فكيف بكراهية المؤمن لأشياء أشدَّ من الموت: كالفتنة في الدين، ومخالفة ربِّ العالمين، وظلم الظالمين؟! فالله -عز وجل- يكره هذا أعظم كراهية، ويكره أن يسوءَ المؤمن.
ولولا أن الله -عز وجل- جعل في هذه المساءات من الخيرات ما فيها لما قدَّرها -عز وجل-.
ولولا أن الله -عز وجل- جعلَ من سعادة المؤمنين ما يصيبهم من المساءات المكروهة؛ لعصمهم الله -تعالى- من كل ما يسوؤهم.
ولولا أن المؤمنَ لا يَقْدُمُ على الله -تعالى- إلا بالموت؛ لما قبضه الله -عز وجل-، لكنه يحبه -عز وجل- فيدنيه ويقربه ويعدُّ له من أنواعِ الخيرات ما لا يعلمه إلا هو -عز وجل-؛ لأجل ذلك لابد له من الموت.
فضلاً عما ينال المؤمن من إجابة لدعائه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول هذا الحديث: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري)، وكلُّ واحدةٍ من هذه تدل على سرعة حسابه -عز وجل-، فالله -عز وجل- يعطي المؤمنين عاجلاً، فضلاً عما يدخره آجلاً.
ويكفي من ذلك معيته -عز وجل-، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-: (كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا)، فهذه معيةُ الحبِّ والتقريب والتكريم؛ حتى يوفقَ العبد في سمعه وبصره، ويده ورجله ما لا يقدر عليه غيره من الناس، فيوفقه الله -تعالى- لاستعمال هذه الجوارحِ في عبوديته، والتي تجلب له كلَّ أنواع السعادة، وبها يزول كل شقاء وألم.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
أنه إذا أخذ الظالمين لم يفلتهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ). قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) (رواه البخاري ومسلم).
تأمل كيف أهلك الله قومَ نوحٍ -عليه السلام- في أيام معدودات.. !! بعد تسعمائة وخمسين عامًا من الطغيان والجبروت والعدوان على المؤمنين، والاستهزاء بنبي الله نوح -عليه السلام-؛ إذا بالتنور يفور، وإذا بالسماء تمطر، وإذا بالأرض تفور بالماء، وإذا بالموج يكون كالجبال، وإذا بالكفرة الظلمة ينتهون في لحظات، وإن كانت هذه اللحظاتُ تَبقى آلامًا مستمرة عليهم أبد الآبدين كما قال الله -تعالى-: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا) (نوح:25)، وقال الله -تعالى-: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر:11-12)، ثم بعد ذلك: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: 44).
سبحان الله! بقي نوح -عليه السلام- يدعو إلى الله -تعالى- ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا، وهم يصدون عن سبيل الله -عز وجل-، ويكفرون به طوال هذه المدة، ثم في أيام معدودة تغيَّر الأمرُ.
وتأمل كيف أهلكَ الله -تعالى- قوم ثمود بصيحةٍ واحدةٍ.. ! بعد طول مُلكٍ، وسلطانٍ، بعد ما كانوا ينحتون من الجبال قصورًا، ويبنون في الأودية والسهول، ولكن في لحظة ينتهي كل شيء، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت:17).
وتأمل فيما أصاب قوم عاد.. وكيف سلَّط الله -عز وجل- عليهم الريح الباردة في سبع ليالٍ وثمانية أيام حسومًا، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ . فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) (الحاقة:6-8).
وتأمل فيما أصاب قوم لوط.. في صبيحةِ يوم عذابِهم أخذتهم الصيحةُ، وجعلَ الله -تعالى- عاليها سافلَها، كما قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ . مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ)؛ أي: مُعَدَّةٌ، وما زالت موجودة (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود:82-83).
سبحانَ الله وبحمده، إذا نفذ الأمرُ، قال -تعالى-: (وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ . وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:50-51).
وتأمل المدة التي ظلمَ فيها فرعون وتجبَّر، وقتلَ من قتل من الرجال، والنساء، والأطفال، وبقي الفراعنةُ ينحتون انتصاراتهم على المخالفين لهم على جدران معابدهم الزائفة، وما زالت تشهدُ على ظلمهم وجورهم، وتقطيعهم للأعضاء وتمزيقهم للأجسام، وظلَّ فرعونُ يظلم ويتجبر على لحظاته الأخيرة، حتى قبل الوفاة يقول كما حكى الله -عز وجل- عنه: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ . وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ . وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) (الشعراء:54-56).
ويدخلُ البحرَ بغروره وطغيانه، وفي لحظة تأتي سرعة الحساب من سريع الحساب -عز وجل-: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ . فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس:90-92).
فلنوقن إذن أن الله -تعالى- سريعُ الحساب يغيِّر موازين الأرض في لحظات، ويمكِّن لعباده المؤمنين، ويفتح لهم من أنواع الخير ما يثبِّت به أفئدتهم، وما يقوي قلوبهم؛ فلا نستعجل: (خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء:37).

-------
29-03-2010, 03:45
شكرا لك شاااام
وتسلم يمينك
والله يحرم وجهك عن النار

http://smiles.al-wed.com/smiles/60/Is_058.gif

بعد ملي
29-03-2010, 19:26
جزكِ الله خير

بارك الله بك وبجهود غاليتي شام

شام
30-03-2010, 01:01
شكرا لك شاااام
وتسلم يمينك
والله يحرم وجهك عن النار

http://smiles.al-wed.com/smiles/60/Is_058.gif


وإياكِ أختي الكريمة إيثار
بارك الله بك وحفظكِ

الكاتم
30-03-2010, 01:33
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
بارك الله فيكِ اختنا شام
رغم ان الموضوع طويل ولكن من قرأه بتأنٍ سيجد فيه ما يجعل قلبه يتعلق بخالقه سبحانه وتعالى
اللهم أغفر لنا ولكاتبة وقارئي هذا الموضوع ولجميع المسلمين والمسلمات يا غفور يارحيم
اللهم انّا نعوذ بك من شرور انفسنا و سيئات أعمالنا اللهم اهدنا الى سواء السبيل
اللهم إنّا نعوذ بك من الظلم والجهل اللهم وفقنا لما تحب وترضى

آمين آمين آمين

دمتم بحفظ الرحمن

ابو ضاري
30-03-2010, 07:12
بارك الله فيك ياشمس المضايف

ونفع بك الامه

شام
02-04-2010, 14:36
جزكِ الله خير

بارك الله بك وبجهود غاليتي شام

تسلمي يابعد ملي
و اياكِ ياغالية
حفظك الباري

شام
02-04-2010, 14:38
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
بارك الله فيكِ اختنا شام
رغم ان الموضوع طويل ولكن من قرأه بتأنٍ سيجد فيه ما يجعل قلبه يتعلق بخالقه سبحانه وتعالى
اللهم أغفر لنا ولكاتبة وقارئي هذا الموضوع ولجميع المسلمين والمسلمات يا غفور يارحيم
اللهم انّا نعوذ بك من شرور انفسنا و سيئات أعمالنا اللهم اهدنا الى سواء السبيل
اللهم إنّا نعوذ بك من الظلم والجهل اللهم وفقنا لما تحب وترضى

آمين آمين آمين

دمتم بحفظ الرحمن


آمين
جزاكَ الله الخير أخي الفاضل الكاتم
للدعوة الطيبة .. والنبض الايماني الكبير
بوركت ..

لوليتا
02-04-2010, 15:35
*
*


بارك الله فيكِ شام
اوردتِ فاحسنت
جزاك الله خير

*
*

طلال
02-04-2010, 16:53
بعض المواضيع ندخلها فـ تنشرح صدورنا !

جزاك الله ألف خير ، ام مصطفى

..

شام
04-04-2010, 01:49
بارك الله فيك ياشمس المضايف

ونفع بك الامه

وإياكَ ..
شكراً

شام
04-04-2010, 01:51
*
*


بارك الله فيكِ شام
اوردتِ فاحسنت
جزاك الله خير

*
*

وإياكِ أختي الكريمة
شكراً ..
حفظك الباري..

شام
04-04-2010, 01:53
بعض المواضيع ندخلها فـ تنشرح صدورنا !

جزاك الله ألف خير ، ام مصطفى

..


تسلم أخي طلال ..
بارك الله بك وحفظك ورعاك
وشكراً للمرور الأنيق..

صلفيق
04-04-2010, 15:31
مشكورة أختي شام لهذا الجلب المفيد
أسأل الله العظيم ان يحرم وجهك من النار
جزاك الله خير


احترامات لك،،،

شام
05-04-2010, 20:11
مشكورة أختي شام لهذا الجلب المفيد
أسأل الله العظيم ان يحرم وجهك من النار
جزاك الله خير


احترامات لك،،،

وشكراً لمرورك دكتورنا القدير
بارك الله بك
وحفظك ورعاك

شام
10-04-2010, 20:28
** وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَـَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ
يقول تعالى منبهاً على قدرته العظيمة في خلقه لأشياء المختلفة خلق البحرين العذب الزلال , وهو هذه الأنهار السارحة بين الناس من كبار وصغار بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والأمصار والعمران والبراري والقفار, وهي عذبة سائغ شرابها لمن أراد ذلك {وهذا ملح أجاج} أي مر وهو البحر الساكن الذي تسير فيه السفن الكبار, وإنما تكون مالحة زعافاً مرة, ولهذا قال: {وهذا ملح أجاج} أي مر. ثم قال تعالى: {ومن كل تأكلون لحماً طرياً} يعني السمك {وتستخرجون حلية تلبسونها} كما قال عز وجل: {يخرج منها اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان}
وقوله جل وعلا: {وترى الفلك فيه مواخر} أي تمخره وتشقه بحيزومها وهو مقدمها المسنم الذي يشبه جؤجؤ الطير وهو صدره, وقال مجاهد: تمخر الريح السفن ولا يمخر الريح من السفن إلا العظام وقوله جل وعلا: {لتبتغوا من فضله} أي بأسفاركم بالتجارة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم {ولعلكم تشكرون} أي تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم, وهو البحر, تتصرفون فيه كيف شئتم, تذهبون أين أردتم, ولا يمتنع عليكم شيء منه, بل بقدرته قد سخر لكم ما في السموات وما في الأرض, الجميع من فضله ورحمته.

شام
11-04-2010, 12:23
قال ابن قيم الجوزية: « لا يجتمع الإخلاص في القلب ، ومحبة المدح والثناء ، والطمع فيما عند الناس ، إلا كما يجتمع الماء والنار ، والضب والحوت . فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص ؛ فأقبل على الطمع أولا ؛ فاذبحه بسكين اليأس ، وأقبل على المدح والثناء ؛ فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة ، فإذا استقام لك ذبح الطمع ، والزهد في الثناء والمدح ؛ سهل عليك الإخلاص .
فإن قلت : وما الذي يسهل علي ذبح الطمع ، والزهد في الثناء والمدح ؟ قلت : أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه ، لا يملكها غيره ، ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه . وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده ، كما قال ذلك الأعرابي للنبي – صلى الله عليه وسلم -: إن مدحي زين، و[إن] ذمي شين ؛ فقال: « [ذاك] الله – عز وجل
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه ، وفي ذم من لا يشينك ذمه ، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه ، وكل الشين في ذمه ، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين ، فمتى فقدت الصبر واليقين ؛ كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب . قال تعالى : ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم : 60] ، وقال تعالى :
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ السجدة : 24

شام
13-04-2010, 00:30
اللهم حاسبنى حسابا يسيرا



وهو إطلاع الله عباده على أعمالهم - "إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم" - الغاشية 25



والمراد بالحساب أن الله تعالى يوقف عباده بين يديه ويعرفهم بأعمالهم التي عملوها وأقوالهم


التي قالوها وما كانوا عليه في حياتهم الدنيا من إيمان وكفر واستقامة وانحراف



الأمم تجثوا على الركب عندما يدعى الناس للحساب "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون" - الجاثية 27




قال الله تعالى: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور" - البقرة 210؛ وهو مجيء الله تعالى ومجيء الملائكة فهو موقف جليل.



ويؤتى بالعباد الذين عقد الحق محكمته لمحاسبتهم ويقومون صفوفا للعرض على رب العالمين "وعرضوا على ربك صفا" - الكهف 48.



الكفار يحاسبون لتوبيخهم وإقامة الحجة عليهم "ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون" - القصص 62؛ والكفار يتفاوتون بالعذاب كل على حسب عمله، فالنار درجات بعضها تحت بعض وكلما كان المرء أشد كفرا كلما كان أشد عذابا



يقيم الله تعالى على الكافرين الشهود "ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه" - يونس 61؛
فأعظم الشهداء عليهم هو ربهم وخالقهم كما أنه يشهد الناس عليهم وكذلك الأرض والأيام

والليالي والمال والملائكة وأعضاء الإنسان كل ذلك من الشهود.


يسأل الله العباد عما عملوه في دنياهم "فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون" - الحجر 93/92، ويسأل العبد عن أربع؛ عمره وشبابه وماله وعمله ويسأل عن النعيم الذي تمتع به "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" - التكاثر 8؛ ويسأل عن العهود والسمع والبصر والفؤاد



والمؤمن يخلوا الله به فيقرره بذنوبه حتى إذا رآه أنه هلك قال الله له


: "سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" -- لا إله الله كم وكم رحمتك وعظمتك ياكريم
وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الخلائق ويحاسبون أمام الناس.



والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي وهم سبعون ألفا


منهم عكاشة بن محصن -رضي الله عنه-


ومن صفاتهم هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون


اللهم أجعلنا منهم بمنك وكرمك ياعظيم . . ياكريم . . ياأرحم الراحمين


اللهم آمين . . اللهم آمين . . اللهم آمين .




أول أمة تحاسب أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-


فنحن آخر الأمم وأول من نحاسب



وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة


وأول ما يقضي بين الناس في الدماء

شام
18-04-2010, 00:06
ماهي البيوت التي لاتدخلها الملائكة؟؟


1 ــ بيت قاطع الرحـــــم .

2ــ بيت أكل مال اليتيـــــــم .

3 ــ بيت فيه كلـــــــب .

4 ــ بيت يكثر فيه السباب مثل سب الصحابة والاموات والشيطان والدهر والريح والديك والمرض والسب العام .

5 ــ بيت يتغنى بغير ذكر الله فيها .

6 ــ بيت يرتفع فيه صوت نائحة .

7 ــ بيت يشرك فيه بالله وتعلق بالتمائم ويرتكب فيه السحر .

8 ــ بيت فيه محرمات مثل استعمال أنية الذهب .

9 ــ بيت فيه روائح كريهة مثل رائحة الثوم والبصل والمخدرات والتدخين .

10 ــ بيت أصحابه مصرين على المعصية .

11 ــ بيت يرتكب فيه الكبائر .

12 ــ بيت العاق لوالديه .

13 ــ بيت يؤكل فيه الربا .

14 ــ بيت فيه مجالس للشيطان وهي : المجالس التي لايذكر فيها الله _ المجالس التي

لايصلى فيها على النبي عليه الصلاة والسلام ......

15 ــ بيت فيه صورة او تمثال .

16 ــ بيت يشرب فيه الخمر .

17 ــ بيت يلعب فيه بالنرد .

18 ــ بيت الملعونين : ومنهم الراضي والمرتشي _ المغيرات لخلق الله _ تارك الصلاة ...

19 ــ بيت مسرف ومن الاسراف : الاكثار من الاثاث والفرش التي لا لزوم لها ....

20ــ بيت يرتكب فيه الفاحشة .

21 ــ بيت يترك صاحبه الغسل من الجنابه



اللهم لاتجعل بيوتنا منهم
وجعلها طاهرة من الربا والرياء والغش وعفن النفاق والخصام
وجعل هواءها متجددا بذكرك وجوها نظيفاً بعبادتك والتقرب إليك

شام
21-04-2010, 03:53
العفو العام




د. عايض القرني


ينبغي للإنسان أن يصدر كل ليلة عفواً عاماً قبل النوم عن كل من أساء إليه طيلة النهار بكلمة أو مقالة أو غيبة أو شتم أو أي نوع من أنواع الأذى، وبهذه الطريقة سوف يكسب الإنسان الأمن الداخلي والاستقرار النفسي والعفو من الرحمن الرحيم، وطريقة العفو العام عن كل مسيء هي أفضل دواء في العالم يصرف من صيدلة الوحي «ادفع بالتي هي أحسن» «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين»، يا من أراد الحياة في أبهج صورها وأبهى حُللِها اغسل قلبك سبع مرات بالعفو وعفّره الثامنة الغفران






قام رجل يسبُّ أبا بكر الصديق ويقول: والله لأسبنَّك سباً يدخل معك قبرك، فقال أبو بكر: بل يدخل معك قبرك أنت، وسبَّ رجلٌ الإمام الشعبي فقال الشعبي: إن كنتَ كاذباً فغفر الله لك، وإن كنتَ صادقاً فغفر الله لي. إن تحويل القلب إلى حيّات للضغينة وعقارب للحقد وأفاعي للحسد أعظم دليل على ضعف الإيمان وضحالة المروءة وسوء التقدير للأمور.





وكما يقول شكسبير: لا توقد في صدرك فرناً لعدوك فتحترق فيه أنت، ما أطيب القلب الأبيض الزلال، ما أسعد صاحبه، ما أهنأ عيشه، ما ألّذ نومه، ما أطهر ضميره، ثم هل في هذا العمر القصير مساحة لتصفية الحسابات مع الخصوم، وتسديد فواتير العداوة مع المخالفين؟ إن العمر أقصر من ذلك، وإن الذي يذهب ليقتصّ من كل من أساء إليه وينتقم من كل من أخطأ عليه سوف يعود بذهاب الأجر، وعظيم الوزر، وضيق الصدر، وكثرة الهم مع قرحة المعدة، وارتفاع الضغط، وقد يؤدي ذلك إلى جلطة مفاجئة أو نزيف في الدماغ ينقل صاحبه مباشرة إلى العناية المركّزة ليضاف لقتلانا ممن مات في قسم الباطنية صريعاً للتخمة بعد أكلة شعبية قاتلة.





إن أفضل أطباء العالم هم ثلاثة:



الدكتور بهجة، وتخصصه السرور والفرح والعفو والصفح.



والدكتور هادئ، وتخصصه أخذ الأمور بهدوء والدفع بالتي هي أحسن.



والدكتور رجيم، وتخصصه عمل رجيم للجسم لمنعه من كل ضار ومن الإكثار من المشتهيات التي يدعو إليها الشيطان الرجيم،





أيها الناس: الحياة جميلة، ألا ترون النهار بوجهه المشرق وشمسه الساطعة وصباحه البهيج وأصيله الفاتن وغروبه الساحر، لماذا لا تشارك الكون بهجته فتضحك كما تضحك النجوم، وتتفاءل كما تتفاءل الطيور، وتترفق كما يترفق النسيم، وتتلطف كما يتلطف الطّل، الحياة جميلة إذا أخرجتم منها الشيطان والشر والشك والشتم والشؤم والشماتة وشارون، والمشكلة أن بعضنا متشائم تريه وجه الشمس فيشكو حرّها، وتخرج له الزهرة فيريك شوكها، وتشير إلى نجوم الليل فيمتعض من ظلمته، إذاً اقترح عليك أن تصدر الليلة مرسوماً بالعفو عن كل من أساء إليك وبعدها سوف تنام ليلة سعيدة لم يمر بك ليلة أجمل منها كما قال صديقي الشريف الرضي:



يا لَيلَةَ العفو أَلاّ عُدتِ ثانِيَةً؟ *** سَقى زَمانَكَ هَطّالٌ مِنَ الدِيَم



هنيئاً للعافين عن الناس، قبلات على رؤوس الكاظمين الغيظ، باقات ورد لمن سامح وأصلح، مع الشكر الجزيل للمقنع الكندي حيث يقول:



وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِمُ*** وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا



الإنسان السوي والمؤمن الراشد يكون منزوع الدسم من السم عنده براءة اختراع لمكارم الأخلاق، مختومٌ على جبينه خاتم «ومن عفا وأصلح فأجره على الله»، غفر الله لنا إساءتنا للغير، وغفر الله لمن أساء إلينا وغداً نلتقي في الجنة إن شاء الله تحت مظلة «ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين». وقد قلتُ في قصيدتي (أنشودة الطفولة):



فيا أيها الإنسان هاك صداقة *** أبر من الأم الرءوم وأحدبـا



تعال نعيد الوصل عهداً مباركاً *** وخذني أخاًإذ كان آدم لي أبا



إذا كنت قابيل العداوة والرّدى *** فإني أنا هابيل رأيا ومذهبا




اللهم انفعنا بما علمتنا

شام
25-04-2010, 22:54
حسن الخاتمة



الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم عليه في العالمين ، وعلى آله وأصحابه والتابعين . . أما بعد :
فمن حَسُنَتْ خاتمته فهو إلى الجنة إن شاء الله ومن ساءت خاتمته فهو على خطر.
ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا " ، فالخاتمة هي المقصود ، أن يُختَم للعبد بما يحب الله عز وجل ويرضاه .

شام
25-04-2010, 22:57
الأستاذ عبد المنعم أبو السعود كبير المذيعين بإذاعة القرآن الكريم بالقاهرة:
من الظواهر التي لا يستطيع منصف أن ينكرها ظاهرة ضعف الإيمان في قلوب كثير من المسلمين، فكثيرًا ما يشتكي المسلم من قسوة قلبه وعدم شعوره بلذة الطاعة، وضعف تأثره بالقرآن الكريم، وسهولة الوقوع في المعصية، إلى آخر ذلك من مظاهر ضعف الإيمان.

وبداية نقول: إن موضوع القلب موضوع حساس ومهم، وقد سمي قلبًا لسرعة تقلبه، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة، يقلبها الريح ظهرًا لبطن" رواه الإمام أحمد. "وقلوب العباد جميعهم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" رواه مسلم.

شام
27-04-2010, 14:02
إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب" جملة عظيمة
قالها لقمان عليه السلام لابنه وهو يعظه، ولا شك أنها
وصية عظيمة جليلة لو عمل بها الناس لاستراحوا
وأراحوا، ألا ترى أن اللسان على صغره عظيم
الخطر، فلا ينجو من شرِّ اللسان إلا من قيده بلجام
الشرع، فيكفه عن كل ما يخشى عاقبته في
الدنيا والآخرة.


عن معاذ بن جبل قال :
كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير
فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره
الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم
الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت
ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير :
الصوم جنة
والصدقة تطفيء الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار
وصلاة الرجل من جوف الليل ،
قال :
ثم تلا : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم – حتى بلغ – يعملون }
ثم قال : ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه
قلت : بلى يا رسول الله
قال : رأس الأمر الإسلام
وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد .
ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ،
قلت : بلى يا رسول الله
قال : فأخذ بلسانه ،
قال : كف عليك هذا .
فقلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟
فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النارعلى وجوههم ، أو على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم
الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2616
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح


إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، لا يلقي لها بالا ، يرفع الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6478 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]



قال الأمام الشافعي:
أحفظ لسانك أيها المسـلم لا يلدغـك إنه ثعبــان
كم في المقابر قتيل لسانـه كانت تهاب لقاءه الأقران
عـود لســانك قول الخير تنج به
مـن زلة اللفظ أو من زلة القـدم

شام
27-04-2010, 14:03
الموعظة الحسنة وأنواعها الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الموعظة: هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والقول الحق الذي يلين القلوب، ويؤثر في النفوس، ويكبح جماح النفوس المتمردة، ويزيد النفوس المهذبة إيماناً وهداية[1] (http://www.muslma1.net/vb/#_ftn1)، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66]، وقال سبحانه: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور:17].
والداعية إلى الله تعالى ينبغي أن يكون وعظه للناس بالقول الحكيم، على نوعين: تعليم، وتأديب.
النوع الأول: وعظ التعليم:
وهذا النوع يكون ببيان عقائد التوحيد، وبيان الأحكام الشرعية الخمسة: من الواجب، والحرام ، والمسنون، والمكروه، والمباح، ويراعى في ذلك كله ما يناسب كل طبقة، والحث على التمسك بها، والتحذير من التهاون فيها.
ومن تدبر أسلوب القرآن علم أن الأحكام نبغي أن تساق إلى الناس، مساق الوعظ الذي يُلين القلوب، ويبعثها على العمل، ولا تسرد سرداً خالية من وسائل التأثير، ومما يوضح ذلك قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 222، 223].
فالأمر بتقوى الله بعد النهي عن إتيان النساء في المحيض، والأمر بإتيانهن في موضع الحرث، والأمر بالتقديم لأنفسنا تحذيراً من مخالفة هذا الهدي الإلهي، وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ} إنذاراً للذين يخالفون عن أمره، بأنهم يلاقون جزاء مخالفتهم في الآخرة، ويحاسبون على أعمالهم.
وقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} تبشير للطائعين الذين يقفون عند الحدود، ويتبعون هدى الله تعالى، والمبشر به عام، يشمل منافع الدنيا، ونعيم الآخرة، وحصول كل خير، واندفاع كل شر –رتب على الإيمان- داخل في هذه الآية.
ومما يزيد ذلك وضوحاً وبياناً أن الله عز وجل بعد أن ذكر أحكام الفرائض وتقسيم التركات، ختم ذلك بقوله: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء:13، 14].
وهذان مثالان يبينان أن الداعية إلى الله إذا سلك في هذا النوع طريقة القرآن الكريم، فإنه سيجتذب الأسماع، ويأخذ بمجامع القلوب ويلينها، وحينئذ تستقبل العقائد والأحكام بإذن الله -عز وجل- للعمل والتطبيق برغبة واشتياق[2] (http://www.muslma1.net/vb/#_ftn2).
النوع الثاني: وعظ التأديب:
وهذا يكون بتحديد الأخلاق الحسنة: كالحلم والأناة، والشجاعة والوفاء، والصبر، والكرم...، وبيان آثارها ومنافعها في المجتمع، والحث على التخلق بها والتزامها، وتعريف وتحديد الأخلاق السيئة: كالغضب، والعجلة، والغدر، والجزع، والجبن، والبخل، ...، والتحذير عن الاتصاف بها من طريقي: الترغيب والترهيب.
وينبغي للداعية إلى الله أن يستشهد في كل من النوعين، بما جاء فيه من الكتاب والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وآثار الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، وأحوالهم في ذلك، فإن لهذا شأناً عظيماً يوصل إلى الغاية المقصودة، متى صدر من قلب سليم نقي متخلق بما يدعو إليه؛ لأن الموعظة في الغالب إذا صدرت من القلب وقعت في القلب، وإن خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.
وإذا أراد الداعية أن تكون موعظته مؤثرة بليغة، فإن عليه الآتي:
1.ينظر إلى المنكرات المنتشرة، ولاسيما ما كان منها قريب العهد، وحديثه على ألسنة الناس.
2. ثم يقدم من هذه المنكرات أكبرها ضرراً، و أسوأها أثراً، فيجعلها محور خطابته، وموضع موعظته.
3. ثم يفكر فيما ينشأ عن هذا المنكر من الأضرار: الخلقية، والاجتماعية، والصحية، والمالية.
4. ثم يستحضر ما جاء في ذلك من الآيات، والأحاديث الصحيحة، أو الحسنة، وأقوال الصحابة، والأبيات الشعرية الحكيمة.
5. ثم يأخذ في كتابة الموضوع إن شاء كتابته، ويضمنه ما فيه من تلك المضار، وما ورد فيه عن الشارع، محذراً من الوقوع فيه، حاثاً، على التوبة منه.
أما إذا أراد الحث على العمل الصالح النافع، فيتبع ما يلي:
1. يفكر في مزاياه وآثاره الحسنة تفكيراً عميقاً.
2. يستحضر ما يناسبه من الكتاب وصحيح السنة، وآثار الصحابة.
3. ثم يسلك في الكتابة المسلك السابق.
فإذا كتب الموضوع، فإن شاء حفظه وألقاه، وإن شاء ذكر مضمونه، وذكر المضمون أحسن لأمرين، حتى لا يكون مقيداً بعبارة خاصة، ويتخير من العبارات ما يؤدي إلى المعاني التي حصل عليها ببحثه وتفكيره.
وإن شاء عدم الكتابة واكتفى برسم الموضوع في مخيلته، وتسطيره في ذاكرته، التي قواها بالمران والتجارب والممارسة، كان ذلك أحسن وأكمل، وبتوفيق الله -عز وجل- ثم بإعداد الموضوع واستحضاره بأدلته تماماً، وتقسيمه بحسب نقطه إلى أقسام، يكون الداعية في مأمن من الزلل بإذن الله تعالى.
وبعد ذلك ينبغي أن يراعي في حال التأدية والإلقاء استعداد السامعين، فينزل في العبارة مع العامة على قدر عقولهم، متجنباً الألفاظ البعيدة عن أفهامهم، ويتوسط مع أوساط الناس، ويتأنق مع الخاصة، فيكون مع جميع الطبقات حكيماً يضع الأشياء في مواضعها.
وبكل حال عليه أن يختار المعاني النفيسة، وتنسيقها، وشرحها بالدقة، وإبلاغها أذهان السامعين، وإنقاذها في قلوبهم، ودفع السآمة والملل عنهم، بإيراد الشواهد عليه من الحكم النثرية والشعرية، والفكاهات الأدبية، بشرط التزام ظلال الكتاب والسنة، وبذلك يكون الداعية مُوفّقاً مؤثراً بإذن الله تعالى، إذا قصد إبلاغ الناس بإخلاص وصدق ورغبة، فيما عند الله تعالى.

[1] (http://www.muslma1.net/vb/#_ftnref1)انظر فتاوى ابن تيمية 19/164، ومفتاح دار السعادة لابن القيم 1/195، والتفسير القيم لابن القيم ص344، وهداية المرشدين، لعلي محفوظ ص71.

[2] (http://www.muslma1.net/vb/#_ftnref2)انظر تفسير ابن كثير(1/266- 462) وتفسير السعدي 1/278، وهداية المرشدين لعلي محفوظ ص143.
المصدر
رسالة الاسلام

شام
27-04-2010, 14:04
الإخلاص

للشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله

الحمد الله الذي أوجب لعباده توحيده، وشكرٌ له الذي وعد من وحده الجنة ويزيده من فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله مالك الخلق وكلهم عبيده، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أعظم الموحدين، وقامع المشركين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأعمال القلوب اهتم بها العلماء فصنفوا فيها المؤلفات، وابتدؤوا أعمالهم بالتذكير والحث عليها، ولذلك فإن أعمال القلوب تحتاج إلى مجاهدة وعناية، والنجاة مدارها على أعمال القلوب بالإضافة إلى أعمال الجوارح التي لابد أن تأتي صحيحة إذا صحّت أعمال القلوب، فلا يمكن أن تصح أعمال الجوارح ولا يكون هناك أعمال الجوارح إلا إذا صحت أعمال القلوب، فإذا صحت جاءت أعمال الجوارح صحيحة تبعاً لذلك.
والإخلاص هو أولها وأهمها، وأعلاها وأساسها، وهو حقيقة الدين، ومفتاح دعوة الرسل - عليهم السلام –: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))(البينة: 5)، ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ))(الزمر: 3).
- والإخلاص هو لب العبادة وروحها، قال ابن حزم: النية سر العبودية، وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهو جسد خراب.
والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها، فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران، وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، فإن الإخلال به يؤدي إلى النار، وتحقيقه يؤدي إلى الجنة، وسوف نتحدث عن الإخلاص في النقاط التالية:
معنى الإخلاص - من هو المخلص - أهمية الإخلاص - الإخلاص في العبادات - من عجائب المخلصين - أقوال العلماء في الإخلاص - تنبيهات في مسألة الإخلاص - الفرق بين الرياء ومطلق التشريك - علامات الإخلاص.

أما معنى الإخلاص:
خلص خلوصاً خلاصاً، أي صفى وزال عنه شوبه، وخلص الشيء صار خالصاً، وخلصت إلى الشيء وصلت إليه، وخلاص السمن ما خلص منه، فكلمة الإخلاص تدل على الصفاء والنقاء، والتنزه من الأخلاط والأوشاب، والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية، وأخلص الدين لله قصد وجهه وترك الرياء، وقال الفيروزأبادي: أخلص لله ترك الرياء.
كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، والمخلصون هم الموحدون والمختارون، وأما تعريف الإخلاص في الشرع فكما قال ابن القيم - رحمه الله -: هو إفراد الحق - سبحانه - بالقصد في الطاعة بأن تقصده وحده لا شريك له.
وتنوعت عبارات السلف فيه، فقيل في الإخلاص:
- أن يكون العمل لله - تعالى- لا نصيب لغير الله فيه.
- إفراد الحق - سبحانه - بالقصد في الطاعة.
- تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
- تصفية العمل من كل شائبة.
- المخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله - عز وجل -، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله قال - تعالى-: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ))(البينة: 5)، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ((قل الله أعبد مخلصاً له ديني))، ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين))، وقال - تعالى-: ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ))(الملك: 2) أحسن عملاً أي أخلصه وأصوبه.
قيل للفضيل بن عياض الذي ذكر هذا: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإن لم يكن خالصاً وكان صواباً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون موافقاً للسنة، ثم قرأ: ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))(الكهف: 110).
وقال - تعالى-: ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ))(النساء: 125) يعني أخلص القصد والعمل لله، والإحسان متابعة السنة، والذين يريدون وجه الله فليبشروا بالجزاء ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ))(الكهف: 28)، ((ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ))(الروم: 38)، (( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى))(الليل).
وأما أهل النقيض وأهل الرياء فإن الله ذمهم وبيّن عاقبتهم ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ))(هود: 16)، ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ))(الاسراء: 18)، ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ))(الشورى: 20)، ((وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))(الأنفال: 47).
وقد مدح الله المخلصين كما تقدم، وذكر عن أهل الجنة في الدنيا أنهم يطعمون المساكين لوجه الله قال - تعالى-: ((إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ))(الإنسان: 9)، ((لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ))(النساء: 114)، ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ))(الشورى: 20).
وقد أراد الله - تعالى- في غزوة أحد أن ينقي المسلمين بالابتلاء والتمحيص بأن يدفعوا ثمنها دماً وقتلاً وجراحاتٍ ((مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ))(آل عمران: 152)
قال - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات)، إنه أهم حديث علمنا إياه - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء، في الصلاة والصيام، والحج والجهاد، والصدقة وغيرها.
قال - صلى الله عليه وسلم -: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى) حسنه الألباني في صحيح النسائي، كذلك فإن بعث الناس على حسب نياتهم: (إنما يبعث الناس على نياتهم) رواه ابن ماجة وصححه الألباني.

أهمية الإخلاص:
- تكون النجاة في الآخرة بسببه.
- اجتماع القلب في الدنيا، وزوال الهم: (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر عليه)[رواه الترمذي وحسنه في السلسلة الصحيحة].
- مصدر رزق عظيم للأجر، وكسب الحسنات (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك)[رواه البخاري].
- ينجي من العذاب العظيم يوم الدين، فقد أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - عن أول خلق الله ممن تسعر بهم النار يوم القيامة، وهم: متصدق أنفق ليقال جواد، وقارئ تعلم العلم وعلمه ليقال عالم، ومجاهد قاتل ليقال جريء، وهذا الحديث قد حدث به أبو هريرة، وكان يغشى عليه من هوله كلما أراد التحديث به، فيمسح وجهه بالماء، حتى استطاع التحديث به، وفي مجال عدم الإخلاص في طلب العلم يقول - صلى الله عليه وسلم -: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)، وقال: (من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار).
- الإخلاص يريح الناس يوم يقول الله للمرائين: (( اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء))[الحديث في السلسلة الصحيحة].
- الإخلاص ينجي الإنسان من حرمان الأجر ونقصانه، ولذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل فقال: أرأيت رجل غزى يلتمس الأجر والذكر فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا شيء له "ثلاثاً "، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه)، وابن مكرز رجل من أهل الشام قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرضاً من عرض الدنيا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ( لا أجر له )، فأعظم ذلك الناس، فقالوا: عد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلعلك لم تفهمه - والمستفتي لابد أن يفهم المفتي - فقال له: لا أجر له فأعادها ثلاثاً فقال له: لا أجر له.
إذن القاعدة عند الله (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)).
كذلك الإخلاص هو أساس أعمال القلوب، وأعمال الجوارح تبع ومكمل له، والإخلاص يعظم العمل الصغير حتى يصبح كالجبل، كما أن الرياء يحقر العمل الكبير حتى لا يزن عند الله هباء (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ))(الفرقان: 23).
قال ابن المبارك: "رب عمل صغير تكثره النية، ورب عمل كبير تصغره النية".
ثم إن الإخلاص مما يحمي به الإنسان نفسه من الشياطين، فهو حصن حصين لأن الشيطان نفسه قال لله لما أخذا العهد على نفسه أن يغوي عباده (( إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ))(الحجر: 40)، إذن فالشيطان لا يستطيع على من تحصن بالإخلاص، قال معروف الكرخي يذكر نفسه:" يا نفس أخلصي تتخلصي "، وكذلك فإن الحديث في هذا الموضوع مهم لأن هذا هدي سلفنا، وقد كانوا يبتدؤن به مؤلفاتهم مثل ما بدأ البخاري - رحمه الله – بحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، وعبد الرحمن بن مهدي قال: من أراد أن يصنف كتاب فليبدأ بهذا الحديث.
وقضية الإخلاص مهمة لأن أغلب الناس يعانون من صراعات داخلية حتى لو كانوا دعاة أو طلبة علم أو أخياراً فهم يعانون من صراعات داخلية بسبب هذه القضية، ويعانون من أشياء أذهبت بركة الأعمال، وخلطت عليهم الأمور، وحرمتهم التوفيق - إلا من رحم الله -، ثم كيف ينصر الدين إلا بجنود مخلصين، وكيف يعلم الدين إلا بطلبة علم مخلصين، وكيف ينصر الدين إلا بمجاهدين مخلصين، إذن قضية الإخلاص مهمة جداً للنجاة من الوضع الذي نعيش فيه، فالأمة الآن تعيش في تخلف وتأخر وهزيمة من تسلط عليها من الشرق والغرب لأسباب أهمها افتقاد هذا العنصر في أفراد هذه الأمة - إلا من رحم الله -، حيث صار الإخلاص عزيزاً نادراً، أو قليل، ولو أن الإخلاص كثر لرأيت حال الأمة غير ما عليه الآن، ثم أن هناك مشاريع إسلامية كبيرة تجهض، ودعوة تقوم ثم تسقط لماذا؟
لأنها تلوثت بأقذار الرياء.
هناك حركات إسلامية كبيرة وليست حركة واحدة، فيها آلاف الأشخاص؛ كلها دمرت وانهارت، وصارت أثراً بعد عين، تفرقوا شذر مذر، وضاعوا وتفرقوا في البلاد بسبب عدم وجود الإخلاص، حين صارت أعمالهم لمقاصد الدنيا من مال وجاه.
وكذلك فإن النية التي هي العمل نفسه لا تقوم إلا إذا أخلص فيه، فليت شعري كيف تصلح نية من لا يعرف حقيقة النية، وكيف يخلص إذا لم يعرف حقيقة الإخلاص، وكيف يطالب المخلص نفسه بالصدق إذا لم يتحقق معناه، فالعلماء اهتموا كثيراً بقضية الإخلاص.
يقول ابن أبي جمرة وهو من كبار العلماء: " وددت لو أنه كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك ".
- ومن فوائد الإخلاص النية الصالحة أنه يقلب المباحات إلى عبادات، وينال بها عالي الدرجات، فلو أن شخصاً تطيب إقتداء بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة، واحتراماً للمسجد، وعدم أذية للمسلمين والملائكة؛ فإنه يؤجر، فيا ليت هناك من ينتصب لتعليم الناس الإخلاص في أعمالهم ونياتهم قال أحد السلف:" إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية حتى في أكلي ونومي ودخولي الخلاء"، وكل ذلك مما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله، لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن، وفراغ القلب للمهمات؛ مطلوب شرعاً.
والنية عند الفقهاء: تمييز العبادات عن العادات، وتمييز العبادات عن بعضها البعض، والمقصود هنا هو إرادة وجه الله - عز وجل -.
- والإخلاص ينقي القلب من الحقد والغل، ويسبب قبول العمل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه).
- والإخلاص سبب للمغفرة الكبيرة للذنوب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه فيغفر الله فيه كبائر كحديث البطاقة، وإلا فأهل الكبائر كلهم يقولون: لا إله إلا الله، لكن هذا الإنسان لما قال " لا إله إلا الله " كان عنده إخلاص كبير جداً جداً جعله يحرق كل هذه الكبائر، فرجحت كفة هذه البطاقة، وكالبغي التي سقت ***اً فقد حضر في قلبها من الإخلاص ما لا يعلمه إلا الله، فغفر الله لها، وأيضاً في المباحات فمن لا يأكل، ولا يدخل الخلاء، ولا يقضي حوائج أهله، ولا يتزين، ولا يلبس الملابس؛ إلا مع الإخلاص يحصل بها الأجر العظيم.
- تنفيس الكروب لا يحدث إلا بالإخلاص، والدليل على ذلك حديث الثلاثة الذين حبستهم صخرة ففرج الله همّهم، وكان منهم الرجل الذي وفى عاملاً أجره، ونماه وصبر على ذلك سنين، وهذا أعظمهم أجراً لأن الآخر صبر ليلة، والثاني صبر في موقف، بينما هذا صبر سنين، وجاء صاحب المال فأخذه ولم يعطيه شيئاً، وقد كان يقول كل واحد منهم: اللهم إنك إن كنت تعلم أننا فعلنا ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه.
- وبالإخلاص يرزق الناس الحكمة، ويوفقون للصواب والحق (( إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ))(لأنفال: 29)، وبالإخلاص يدرك الأجر على عمله وإن عجز عنه، بل ويصل لمنازل الشهداء والمجاهدين وإن مات على فراشه (( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ))(التوبة: 92) فقد كانوا يريدون الجهاد ولكن ليس معهم من المال شيء فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن أقواماً خلفنا في المدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر)رواه البخاري، وفي مسلم: ( إلا شاركوكم في الأجر ).
- بالإخلاص يؤجر المرء ولو أخطأ كالمجتهد والعالم والفقيه، وهو نوى بالاجتهاد استفراغ الوسع، وإصابة الحق لأجل الله، فلو لم يصب فهو مأجور على ذلك.
فالمرء ينجو من الفتن بالإخلاص، ويجعل له حرز من الشهوات ومن الوقوع في براثن أهل الفسق والفجور، لذلك نجى الله يوسف - عليه السلام - من امرأة العزيز ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ))(يوسف: 24) (( إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُون فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ))(الصافات)، وتُضاعف الحسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويثبت الله المخلصين، فحري بنا أن نخلص إذا كان هذا للمخلصين.

وهناك مجالات كثيرة للإخلاص:
الإخلاص في التوحيد قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر).
في السجود قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط بها عنه خطيئة).
في الصيام قال - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وحتى لو كان ليس في رمضان (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً).
في قيام الليل قال - صلى الله عليه وسلم -: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
الإخلاص في ترك الحرام، والمحبة في الله، والصدقة لحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
الإخلاص في الخروج إلى المساجد (وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ).
الإخلاص في طلب الشهادة: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).
الإخلاص في اتباع الجنائز: (من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها؛ فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى ثم رجع قبل أن يدفن فإنه يرجع بقيراط).
الإخلاص في التوبة: (قصة قاتل المائة نفس وملائكة الرحمة).
والإنسان يحتاج أن يبين لنفسه أحياناً بالكلام أشياء مما ينويها حتى يزداد أجره، كرجل ليس لديه مال فيقول: لو كان لي مثل هذا عملت مثلما يعمل قال - صلى الله عليه وسلم -: (فهما في الأجر سواء).
لقد مر في الأمة كثير من المخلصين، وكانت سيرتهم نبراساً لمن بعدهم، وقدوة وخيراً، لذلك أبقى الله سيرتهم وذكرهم حتى يقتدي بهم من بعدهم، وعلى رأس هؤلاء الأنبياء، والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أخلص المخلصين، وحواريو الأنبياء والصحابة الذين فتحوا البلاد بإخلاصهم، ومن بعدهم من التابعين.
يقول عبدة بن سليمان: كنا مع سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا للبراز، فخرج رجل من المسلمين فطارده ساعة فقتله، ثم آخر خرج فتحداه فقتله، ثم جاء ثالث فخرج عليه فطارده فقتله، فازدحم الناس على هذا الفارس المسلم الذي كل ما خرج عليه واحد من الكفار فتحداه فطعنه فقتله، فأحاطوا به وأزدحموا عليه ليعرفوا من هو كلهم رأوا عجباً، وكان عبدة ممن ازدحم عليه، وكان يغطي وجهه بكمه حتى لا يعرفوه – فهو مصرٌ على إخفاء شخصيته - يقول عبدة فأخذت كمه فممدته فإذا هوا عبد الله بن المبارك، فقال لائماً لهذا الذي كشف وجهه: أءنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا.
يقول الحسن: إن كان الرجل جمع القرآن ولما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولما يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار ولم يشعر الناس به، ولقد أدركت أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر فيكون علانية أبداً.
لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله - تعالى- يقول: (( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ))(لأعراف: 55).
يقول علي بن بكار البصري الزاهد: (لأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقى فلاناً، أخاف أن أتصنع له فأسقط من عين الله )، فقد كان السلف يخشون من قضية المجاملات، يعني أن الواحد إذا لقي أحداً من أصحابه يظهر له الكلام الطيب، وإذا ذهب إلى أهله وأولاده يريهم من التنكيل وسوء المعاملة ما الله به عليم.
قال الذهبي: يقول ابن فارس عن أبي الحسن القطان: (أصبت ببصري، وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أثناء الرحلة) قال الذهبي: صدق والله فإنهم كانوا مع حسن القصد، وصحة النية؛ غالباً يخافون من الكلام وإظهار المعرفة، مع أنهم كانوا مخلصين.
قال هشام الدستوائي: (والله ما أستطيع أن أقول إني ذهبت يوماً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله - عز وجل -) لا يستطيع الواحد منهم إظهار النية، ولا تزكية نفسه، وكانوا أئمة يقتدى بهم.
يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وما بين الناس).
ومن عجائب المخلصين ما حصل لصاحب النفق لما حاصر المسلمون حصناً، واشتد عليهم رمي الأعداء، فقام أحد المسلمين، وحفر نفقاً فانتصر المسلمون، ولا يُعرَف من هو هذا الرجل، وأراد مَسْلَمَة أن يعرف الرجل ليكافأه، فلما لم يجده سأله بالله أن يأتيه، فأتاه طارق بليل وسأله شرطاً وهو: أنه إذا أخبره من هو لا يبحث عنه بعد ذلك أبداً، فعاهده وكان يقول: (اللهم احشرني مع صاحب النفق).
وعمل الخلوة كان أحب إلى السلف من عمل الجلوة.
يقول حماد بن زيد: كان أيوب ربما حدث بالحديث فيرقّ، وتدمع عيناه، فيلتفت ويمتخط ويقول: ما أشد الزكام!، فيظهر الزكام لإخفاء البكاء.
قال الحسن البصري: (إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها، فإذا خشي أن تسبقه قام وذهب وبكى في الخارج).
يقول محمد بن واسع التابعي: (إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم).
وللإمام الماوردي قصة في الإخلاص في تصنيف الكتب، فقد ألف المؤلفات في التفسير والفقه وغير ذلك، ولم يظهر شيء في حياته، فلما دنت وفاته قال لشخص يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي، وإنما إذا عاينت الموت، ووقعت في النزع فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء فاعمد إليها وألقها في دجلة بالليل، وإذا بسطت يدي فاعلم أنها قبلت مني، وأني ظفرت بما أرجوه من النية الخالصة، فلما حضرته الوفاة بسط يده فأظهرت كتبه بعد ذلك.
كان علي بن الحسين يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة - والصدقة تطفئ غضب الرب -، وكان أهل بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلما مات عرفوا، ورأوا على ظهره آثاراً مما كان ينقله من القرب والجرب بالليل، وكان يعول 100 بيت.
تلك الأحوال والقصص أظهرها الله ليكون أصحابها أئمة (( واجعلنا للمتقين إماماً )).
وهكذا كان أحدهم يدخل في فراش زوجته فيخادعها، فينسل لقيام الليل، وهكذا صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله، فكان يأخذ إفطاره ويتصدق به على المساكين، ويأتي على العشاء.
وهذا أعرابي كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: أهاجر معك، فغنموا بعد خيبر، وقسم للأعرابي وأصحابه وكان يرعى دوابهم فلما جاءوه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا الذي وصلني؟ ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا - وأشار إلى حلقه بسهم - فأموت فأدخل الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن تصدق الله يصدقك)، فلبثوا قليلاً وهاجموا العدو، وأثاب الله الأعرابي كما طلب، فقيل: أهو هو قال - صلى الله عليه وسلم -: (صدق الله فصدقه)، فكُفِّن في جبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة: (اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، وقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك).

ماذا قال بعض العلماء في الإخلاص؟
قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبداً أحب الشهرة.
قال بعضهم: ينبغي للعالم أن يتحدث بنية وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت، وإن أعجبه الصمت فلينطق، فإن خشي المدح فليصمت، ولا يفتر عن محاسبة نفسه فإنها تحب الظهور والثناء.
سُئِل سهل بن عبد الله التستري: أي شيء أشد على النفس؟ قال: " الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب" فمع الإخلاص تنسى حظوظ النفس.
قال سفيان: " ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي فإنها تنقلب علي"، إذا أراد أن يجاهد نفسه يجد تقلبات، ولا يدري أهو في إخلاص أم رياء، وهذا طبيعي أن يشعر أنه في صراع لا تسلم له نفسه دائماً، فهو يتعرض لهجمات من الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، وهذا فيه خير، أما من اطمأنت نفسه بحاله فهذه هي المشكلة.
قال ابن يحيى بن أبي كثير: تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل.
قال الزبيد اليامي: إني أحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب.
عن داود الطائي: رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية وكفاك به خيراً وإن لم تنصب، أي حتى وإن لم تتعب فإن ما حصلته من اجتماع نفسك لله، وإخراج حظوظ النفس من قلبك؛ هذا أمر عظيم.
وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ما سبق الناس بكثرة صلاة وصيام بل بشيء وقر في قلبه.
قال داود: البر همة التقي، ولو تعلقت جميع جوارحه بحب الدنيا لردته يوماً نيته إلى أصلها.
قال يوسف بن أسباط: تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد.
قيل لنافع بن جبير: ألا تشهد الجنازة فقال: "كما أنت حتى أنوي" أي انتظر حتى أجاهد نفسي.
قال الفضيل: إنما يريد الله - عز وجل - منك نيتك وإرادتك.
ومن أصلح الله سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وما بين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، وما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله في صفحات وجهه، وفلتات لسانه.
والمخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته، ومن شاهد في إخلاصه الإخلاص فإن إخلاصه يحتاج إلى إخلاص.
ومما قيل في الإخلاص:
نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
إفراد الحق - سبحانه - بالقصد والطاعة.
استواء عمل الظاهر والباطن.
من تزين للناس فيما ليس منه سقط من عين الله.
إنه سر بين الله والعبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، والله قد يعلم الملائكة ما يشاء من أحوال العبد.
الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهداً إلا الله، وإذا داوم عليه الإنسان رزقه الله الحكمة.
قال مكحول: ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
قال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطع عنه كثرة الوساوس والرياء.
كان السلف يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا يعلم عنها زوجة ولا غيرها، وأعز شيء في الدنيا الإخلاص.
يقول يوسف بن الحسين: كم أجتهد في إسقاط الرياء من قلبي فينبت لي على لون آخر.
وكان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أفِ لك به، وأستغفرك مما زعمت أنني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمته.

تنبيهات في مسألة الإخلاص:
- متى يكون إظهار العمل مشروعاً؟
قال ابن قدامة: فصل في بيان الرخصة في قصد إظهار الطاعات قال: وفي الإظهار فائدة الإقتداء، ومن الأعمال ما لا يمكن الإسرار به كالحج والجهاد، والمظهر للعمل ينبغي أن يراقب قلبه حتى لا يكون فيه حب الرياء الخفي، بل ينوي الإقتداء به - إذاً ينبغي أن نحسن نياتنا في الأعمال المظهرة لندفع الرياء، وننوي الإقتداء لنأخذ الأجر -، قال: ولا ينبغي للضعيف أن يخدع نفسه بذلك، ومثل الذي يظهره وهو ضعيف كمثل إنسان سباحته ضعيفة فنظر إلى جماعة من الغرقى فرحمهم، فأقبل إليهم، فتشبثوا به وغرقوا جميعاً.
والمسألة فيها تفصيل:
- فالأعمال التي من السنة أن يكون عملها سرّاً يسرّها.
- والأعمال التي من السنة أن يظهرها يظهرها.
- والأعمال التي من الممكن أن يسرها أو يظهرها فإن كان قوياً يتحمل مدح الناس وذمهم فإنه يظهرها، وإن كان لا يقوى فيخفيها، فإذا قويت نفسه فلا بأس في الإظهار لأن الترغيب في الإظهار خير.
ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يظهرون بعض أعمالهم الشريفة ليقتدى بهم، كما قال بعضهم لأهله حين الاحتضار (لا تبكوا علي فإني ما لفظت سيئة منذ أسلمت).
قال أبو بكر بن عياش لولده: (يا بني إياك أن تعصي الله في هذه الغرفة فإني ختمت القرآن فيها اثنتا عشرة ألف ختمة) من أجل موعظة الولد، فمن الممكن أن يظهر المرء أشياء لأناس معينين مع بقاء الإخلاص في عمله لقصد صالح.
- ترك العمل خوف الرياء:
وهذا منزلق كشفه الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما، قال النووي: من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مرائي" لأنه ترك لأجل الناس" لكن لو ترك العمل ليفعله في الخفاء؟ فمن ترك العمل بالكلية وقع في الرياء، وكذلك من كان يستحب في حقه إظهار العمل فليظهره، كأن يكون عاملاً يقتدى به، أو أن العمل الذي يعمله المشروع فيه الإظهار.
- أن من دعا إلى كتم جميع الأعمال الصالحة من جميع الناس فهذا إنسان خبيث، وقصده إماتة الإسلام:
لذلك فإن المنافقين إذا رؤوا أمر خير وسموه بالرياء، وهدفهم تخريب نوايا المسلمين، وأن لا يظهر في المجتمع عمل صالح، فهؤلاء ينكرون على أهل الدين والخير إذا رؤوا أمراً مشروعاً مظهراً خصوصاً إذا أظهر عمل خير معرض للأذى، فيظهره احتسابا لإظهار الخير، فيستهدفه هؤلاء المنافقون، فالواجب الصبر على إظهاره ما دام لله، قال - تعالى-: ((الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ))(التوبة: 79).
- ينبغي أن نفرق بين الرياء ومطلق التشريك في العمل، فمتى يبطل العمل إذا حصل تشريك فيه؟ ومتى يأثم؟ ومتى لا يأثم؟
1- أن يعمل لله ولا يلتفت إلى شيء آخر (أعلى المراتب).
2- أن يعمل لله ويلتفت إلى أمر يجوز الالتفات إليه، مثل رجل صام مع نية الصيام لله وأراد حفظ صحته، ورجل نوى الحج والتجارة، ورجل جاهد ونظر إلى مغانم، ورجل مشى إلى المسجد وقصد الرياضة، ورجل حضر الجماعة لإثبات عدالته وأن لا يتهم، فهذا لا يبطل الأعمال ولكن ينقص من أجرها، والأفضل أن لا تكون موجودة ولا مشركة في العمل، ولا داخلة فيه أصلاً.
3- أن يلتفت إلى أمر لا يجوز الالتفات إليه من الرياء والسمعة، وحمد الناس طلباً للثناء، ونحو ذلك:
فإن كان في أصل العمل فإنه يبطله، كأن يصلي الرجل لأجل الناس.
وإن عرض له خاطر الرياء أثناء العمل فدافعه وجاهده فعمله صحيح، وله أجر على جهاده.
وإن طرأ عليه الرياء أثناء العمل ولم يدافعه بل استمر معه فهذا يبطل عمله.
4- أن يكون عمله الصالح للدنيا فقط، فيصوم لأجل الحمية والريجيم ولا يطلب الأجر، ويحج للتجارة فقط، ويخرج زكاة أموال لتنمو، ويخرج للجهاد للغنيمة، فهؤلاء أعمالهم باطلة ((مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ))(الإسراء: 18)، (( أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا ))(هود: 16).
5- أن يكون عمله رياءً محضاً، وبالرياء يحبط العمل بل ويأثم به الإنسان، لأن هناك أشياء تبطل العمل ولا يأثم صاحبها كخروج ريح أثناء الصلاة، ومن الناس من يرائي في الفتوى للأغنياء والوجهاء وقد يكون لضعفه أمامهم، قال بعض السلف: (إذا رأيت العالم على أبواب الغنى والسلطان فاعلم أنه لص)، أما الذي يذهب لقصد الإنكار والخير فله ما نوى.
وهناك أشياء تظن من الرياء وليست منه:
- إذا حمدك الناس على الخير بدون قصد فهذا عاجل بشرى المؤمنين.
- رجل رأى العابدين فنشط للعبادة لرؤيته من هو أنشط منه.
- تحسين وتجميل الثياب والنعل، وطيب المظهر والرائحة.
- كتم الذنوب وعدم التحدث بها، فبعض الناس يظن أنك حتى تكون مخلصاً لابد من الإخبار بالذنوب، نحن مطالبون شرعاً بالستر، وكتم الذنوب ليس رياءً بل هو مما يحبّه الله، بل إن ظن غير ذلك تلبيس من الشيطان، وإشاعة للفاحشة، وفضح للنفس.
- اكتساب شهرة بغير طلبها، كعالم اشتهر وقصده منفعة الناس، وبيان الحق، ومحاربة الباطل، والرد على الشبهات، ونشر دين الله، فإن كانت هذه الأعمال وجاءت الشهرة تبعاً لها وليست مقصداً أصلياً فليس من الرياء.
- ليس من الرياء أن يشتهر المرء، ولكن الشهرة يمكن أن توقع في الرياء!!

علامات الإخلاص:
- الحماس للعمل للدين.
- أن يكون عمل السر أكبر من عمل العلانية.
- المبادرة للعمل، واحتساب الأجر.
- الصبر والتحمل، وعدم التشكي.
- الحرص على إخفاء العمل.
- إتقان العمل في السر.
- الإكثار من العمل في السر.

المصدر
المختار الإسلامي

شام
07-05-2010, 17:31
المحبة والمعصية


قال الراوي :
سألت شيخي ذات يوم بعد أن سمعته يتحدث حديثا شجيا عن محبة الله ..
ولا سيما أنه أدرج قول الشاعر :
تعصي الإلهَ وأنت تزعم حبه ** عارٌ عليك إذا فعلت شنيعُ
إن كانَ حبك صادقاً لأطعتهُ ** إن المحبَ لمن يحب مطيعُ
وذكر شواهد كثيرة من سيرة السلف وأقوالهم ونحو هذا ..
سألته حين خلوت به وفي قلبي من الهم ما الله به عليم من جراء ما سمعت :
هل يمكن أن نفهم أن المحب لله جل جلاله لا يقع في مخالفة أبدأ ،
ومن ثم لا يعصي الله في حياته .. ؟
ابتسم الشيخ وقال بعد أن أخذ يتمتم لي بدعوات :
الحق يا بني ان أحداً لم يقل بذلك .. لأن معنى الأخذ بهذا القول :
أن هؤلاء قد اصبحوا في مقام العصمة ، ولا معصوم إلا رسول الله عليهم أفضل الصلاة والسلام ..
ولكنهم قد ذكروا أن الوقوع في المعصية يخدش كمال المحبة ، لا أصلها ..
فأمر متوقع أن يقع إنسان يشعر بأنه يحب الله تعالى في معصية أو معاصٍ عدة .. وهو مع هذه المخالفات يرى أنه يرغب فيما عند الله ..
لكن هاهنا نقطة احتراس ينبغي ان نضعها نصب أعيننا ..
ذكروا أن المحب الصادق وإن وقع في مخالفة ،:
فإن وقوعه قليل .. هذه واحدة ..
والثانية : أنه سريع الفيء إلى الله ..
بل هو يعود إلى الله منكسرا نادما كثير الدعاء والاستغفار ..
والثالثة : أنه لا يكتفي بذلك ..
بل هو أحرص ما يكون على أن يعوض فترة التعثر التي وقع فيها ..
وبهذا ونحوه : يقبل على الله بألوان من العبودية
ربما لم يكن متحققا بها قبل زلته ..
أو أنه نسيها وأهملها أو شيء هذا ..
كالندم والبكاء ، وكثرة الضراعة ، وتوليد الخوف من سوء الخاتمة ..
ومعرفة النفس وأنها قد تخونه وتغلبه .. وشد المئزر لإقبال جديد بهمة أعلى ،
وعزم أكبر .. من أجل تعويض ما ضاع من وقته أثناء غفلته …
فزلة هؤلاء المحبين الصادقين _ وإن كانت زلة في الحقيقة _
غير أنها أشبه ما تكون بنعمة في حقهم .. مع أن المعصية تؤلمهم كثيرا
رغم ما تسببه لهم من غصة خانقة ، ودمعة سائلة ، وألم دفين ..
أعود فأقول رغم هذا كله ، غير أن زلة هؤلاء :
أشبه ما تكون بالنعمة في حقهم ..
وذلك بسبب ما يعود إليهم من التقلب والتحقق في ألوان من العبودية لله عز وجل ..
وعلى رأسها أن يخرج من أنفسهم أي شعور بالعجب ، فينكس رؤوسهم بتلك الزلة ويعرفون قدرهم ، وأنهم إنما يعيشون برحمة الله سبحانه وحفظه وحمايته ..
ويدركون أن القلوب تتقلب سريعا ، كأنها الماء في القدر يغلي ..
ومن هنا تبقى قلوبهم معلقة بالله حباً له ، وخوفا منه ،
وحياء منه ورجاء فيما عنده
شعارهم مع أية زلة تقع مهما دقت وصغرت :
[ لا تنظر إلى صغر المعصية ، ولكن انظر إلى من عصيت .. ]
فالذنب الصغير يغدو في عيونهم كبيرا ، حيث يشهدون جلال الله وجماله وعظمته وكماله وعظيم صفاته ..
فيتولد عن هذا التعثر الذي وقعوا فيه ، ما ذكرنا من ألوان الطاعات .
ولعل الإشارة إلى هذا ما تضمنته الآية الكريمة في قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )
فهؤلاء متقون .. والمتقون هم صفوة عباد الله . ومع هذا يسمهم الشيطان بطائف ..
لكنهم يحسنون التعامل مع هذه الحالة العارضة ..
تلك إذن هي القضية ، والمعصوم من عصمه الله وحماه .
ولا يخذل الله مخلصا له ، صادقا معه ،
بل الخذلان ينصرف إلى من قرر أن يكون من المعرضين المنصرفين عن الله :
( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) والآيات كثيرة
أما الصنف الثاني من الناس ونحن منهم ..
فتغلبه نفسه الأمارة ويتلطخ بوحل المعصية ،
غير أنه لا يكاد يفيق من سكرته حتى يندم ، ويتحسر ، ويستغفر ويتوب ،
وينوي أن لا يعود .. لكنه لا يلبث إلا قليلا حتى يجد نفسه قد تلطخ من جديد
فهو دائر بين توبة ومعصية ، يتناوبان عليه ..ولا ينفك منهما .. كلما أفاق وقع ، وكلما تعثر نهض ، ولا يلبث إلا قليلا في صحوة التوبة حتى يعود إلى ما كان عليه ..
هذا لا يقول أحد أنه غير محب لله بسب ما هو فيه ..
لكن هذا الحال الذي هو عليه لا يترجم عن كمال محبة في قلبه ..
لكن أصل المحبة لا تنفى عنه بالكلية ..
بل محبته لله تدفعه مرارا للتوبة ، والندم والاستغفار .
وصيتنا لأنفسنا ولهذا :
أن يجهد جهده ليزيد منسوب محبة الله في فؤاده ،
ويجهد على أن يوقد مجامر الحب لله في قلبه دائما وباستمرار ..
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )
أما من ركب ظهر الهوى ، وطار مع خيله غير مبالٍ بتوبة ،
ولا يفكر بتجديد عهد مع الله ، بل هو يتوثب مع الهوى في كل واد ،
لا تحرقه المعصية في قلبه ، فلا يندم من قريب مما يقع فيه ،
وينجرف مع تيار الإثم بملء رغبته …
غير مكترث بفرائض الله فيؤديها ، لكنه رمى نفسه بالكلية في مركب الشيطان
يسيره حيثما شاء ..
ثم يزعم أنه محب لله رغم كل هذا ..
أما هذا فنقول له : حنانيك .. حنانيك .. رحم الله والديك .
قف مع نفسك طويلا .. وتذكر نعم الله عليك في ليلك ونهارك ، وكرمه معك ،
ولطفه بك ، وستره عليك وأنت تتوثب إلى معاصيه ، ويظهر منك الجميل ـ
ويخفي عن الناس منك القبيح .. ويواصل حلمه عليك .. الخ
فإن تفكرت في هذا وأمثاله ثم ظللت على ما أنت عليه مما أنت فيه ..
فاعلم أن محبتك لله قد كثر فيها الخدوش إلى درجة مخيفة
انظر _ لو كنت تعقل _ إلى صورة جميلة رائعة ..
يكثر فيها الخدش هنا وهنا وهناك ..
ماذا يبقى من جمالها بعد أن تمتلئ بالخدوش ؟؟
وصيتنا لمثل هذا الحبيب :
أن يراجع نفسه ، ويجتهد أن يعيد ترتيب أوراقه مع الله تعالى ،
ويعمل على تنظيم أموره والتفكير في دنياه وأخراه .
على ضوء ما سمعت قس نفسك … وحاسب نفسك قبل أن تحاسب ..
وخلاصة الأمر :
أن الصنف الأول :
تجده مشمرا إلى الطاعات ، مكثرا من النوافل ينافس عليها
ويبادر إليها ، كثير الذكر ، عالي الهمة .. مجاهدا لنفسه أن لا يقع في محضور.
أما الصنف الثاني : وإن كان يقوم إلى الفرائض لكن قد يكون فيه ثقل ،
أما النوافل وإن كان يؤديها لكن على ضعف فيها
وأما الثالث : فتراه معرضا عن الفرائض ناهيك عن النوافل
همته مع هواه ، وهواه مع شيطانه .. ونعوذ بالله من ذلك .
قال الراوي : وشعرت أني تنفست الصعداء بعد سماع الشيخ ..
وشكرته ودعوت له وانصرفت وأنا في حالة انشراح كبيرة . ولله الحمد والمنة.

شام
17-05-2010, 23:38
إن للمذنبين لأنين


كأنين الطفل يشوق لأمه
كأنين الضائع في صحراء بدون ماء
أنين مشتاق بين خوف و رجاء


أمر على مدن الشوق فأرى الوالجين
فأقول
يا ربي يا ربي يا ربي
إغفر لي واقبلني
بين الوالجين

ويا ليتني يا ليتني يا ليتني


لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا

لن تمسح بحار الدموع ذنوبي
لن تخلص هذا القلب من الأنين

ولكن رحمة ربي واسعه
وأرجو ألا اكون من المغترين
ربي إجعلني من عبادك الأوابين
يا رب العالمين
اللهم آمين


مذنبه مقصره

شام
17-05-2010, 23:39
جاء في الحديث: أنه إذا رفع العبد يديه للسماء وهو عاص فيقول يا رب
فتحجب الملائكة صوته
فيكررها يا رب فتحجب الملائكة صوتة
فيكررها في الرابعة
فيقول الله عز وجل: إلى متى تحجبون صوت عبدي عني لبيك عبدي لبيك عبدي لبيك عبدي لبيك عبدي





يا الله يا الله يا الله
أشهد أنك رب عظيم وملك كريم ليس كمثله شيء
سبحان من عزنا بالذل إليه



لبيك ربي لبيك ربي لبيك
يا حبيب قلبي




مذنبه مقصره

شام
17-05-2010, 23:40
الحب يا الله دربي لأنني أهواك
فأنت دوما بقربي ولا مجيب سواك
أشرقت نورا بقلبي
فلا تحدُّ عيوني أفقا يحيط مداك
فليس قبلك شيء وليس بعدك شيء
وعندما أتمادى في الحب يُغشى علي
أخشى إذا صار حبي عشقا
أحُول هواءا أكون ماءا
فأروي حقل الحياة بحبي
أذوب في النور حتى أصير نجما يدور
أظل في الليل أشدو بإسمك يا رب
يا نور يا نور يا نور

شام
06-06-2010, 21:22
يا مَن له تعنو الوجوهُ وتخشعُ = ولأمرهِ كل الخلائق تخضعُ
أعنو إليك بجبهة لم أحنِها يوما = لغير سؤالك ساجدا أتضرع
أنا من علمتَ المذنب العاصي الذي = عظُمت خطاياه فجاءك يهرع
كم من ساعة فرطت فيها مسرفا = وأضعتها في زائل لا ينفع
إن لم أقف بالباب راجي رحمة = فلأي باب غير بابك أقرع
هذا أوان العفو فاعف تفضلا = يا من له تعنو الوجوه وتخشع

رزقنا الله وإياكم الخشوع والإخلاص وجعلنا ممن يعملون فيخلصون ويخلصون فيقبلون ويقبلون فيفوزون