المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لقاء مع الشيخ / عبد الله الطيار



الصايح الزلفاوي
01-02-2009, 20:43
فضيلة الشيخ عبد الله الطيار لـ " موقع الفقه الإسلامي":المجامع الفقهية مسؤولة عن توحيد الفتوى




* جمعت في كتابي (لقاءاتي مع الشيخين) الكثير من الفوائد التي حصَّلتها من لقاءاتي العلمية مع ابن باز وابن عثيمين وحضور مجالسهما الطيبة التي كانت دائماً تفوح بالخير على كل من حضرها



*انجزت بفضل الله 81 مؤلفا .. وهناك 8 مؤلفات تحت الطبع


* أعتمد على الدليل وبيان الراجح في كل ما ألفته أو حققته أو شرحته مستفيداً من منهجية العلامة ابن سعدي وشيخنا الشيخ محمد ابن عثيمين رحمهما الله تعالى


* كتابي (أفول شمس) هو خواطر من اهتمامي بمواقفي مع والدتي رحمها الله وحرصي على برها والإحسان إليها


* العلماء العاملون والمجامع الفقهية على مستوى العالم الإسلامي مطالبون بالتعاون لسد باب الفتوى على الأفراد الذين لا يتورعون في هذا الباب لكي تسلم الأمة من التفرق والتنازع


* الذي يفتي بغير علم على القنوات الفضائية يوقع الأمة في الحرج ويتسبب في إيقاع الكثير من المسلمين في مخالفات شرعية عظيمة


* أشدّ على أيدي أصحاب البنوك في المسارعة بتحويل مؤسساتهم إلى بنوك إسلامية خالية من الربا وشوائبه


* عدم ظهوري إعلاميا في مجال الفتوى اساسه الاكتفاء فما دام المسلم مكفياً ويقوم غيره بالواجب فهذا من فضل الله عليه وأسلم له في دينه ودنياه



أجرى موقع الفقه الإسلامي مقابلة مميزة مع فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد الطيار ، تحدث فيها عن سيرته منذ بواكير الصبا بالزلفي وسيرته مع المشايخ الذين درس عليهم وتعلم منهم واقتدى بهم ، وحتى مشاركاته العلمية الشرعية في أغلب مدن العالم ، مرورا بإنتاجه الفكري الدعوي المتوزع بين تأليف الكتب وتحقيق المخطوطات والنشر على الانترنت .. ونأمل أن يكون في هذه السياحة في فكر وحياة الشيخ الطيار ما يحثّ على الإقتداء به والاستفادة من خبرته الممتدة عبر السنين التي قضاها في العلم والدعوة الإفتاء والتربية :
* في البداية نرجو أن تحدثنا عن سيرتكم العلمية ، كيف كانت منذ البداية وحتى الآن ؟ ــ
لقد بدأت دراستي العلمية في مدرسة(المنصورية) التي أصبحت باسم(ابن خلدون) الابتدائية بالزلفي، ثم في معهد الزلفي العلمي، ثم التحقت بكلية الشريعة بالرياض، فالمعهد العالي للقضاء، ومنه نلت درجتي الماجستير والدكتوراه، وكان موضوع الماجستير (خيارا المجلس والعيب في الفقه الإسلامي) تحت إشراف فضيلة الشيخ مناع خليل القطان، وقد حصلت فيها على تقدير ممتاز مع التوصية بطبعها، وقد تفضلت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مشكورة بطباعتها، والدكتوراه كان موضوعها (البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق)،وقد حصلت فيها على الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى، والتوصية بطبعها، وقد تدرجت في بعض الوظائف فعُينت عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء، ثم عميداً لكلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم، ثم عميداً لكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم، ثم وكيلاً لوزارة الشؤون الإسلامية بالرياض، ثم أستاذاً بجامعة القصيم وما زلت فيها إلى الآن بفضل الله تعالى.


علماء مؤثرون


* حدثنا عن العلماء الذين كان لهم أثر على حياتكم؟
ــ تتلمذت في حياتي على العديد من العلماء، وتأثرت بهم كثيراً، واستفدت من علمهم، ومن هؤلاء: الشيخ عقيل العقيلي، والشيخ عبد الله بن سابح الطيار، والدكتور إبراهيم بن سابح الطيار، والشيخ عبد العزيز الرومي، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الملا، والشيخ محمد بن سليمان الحمدان ×، والدكتور محمد صدقي البورنو. ومنهم أيضاً الشيخ صالح العلي الناصر ×، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم ×، والشيخ فالح بن مهدي ×، والشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ عبد الرحمن الدويش، والشيخ الدكتور عبد الله الزايد، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة ×، والشيخ حمود العقلاء ×، والشيخ فهد الحمين ×، والدكتور محمد أبو الفتح البيانوني، والدكتور عبد الله المصلح. ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ×، والشيخ عبد الله بن حميد ×، والشيخ عبد الرزاق عفيفي ×، والشيخ عبد الله الغديان، والشيخ محمد بن إبراهيم المبارك ×، والشيخ محمد بن صالح العثيمين ×. وأكثر من تأثرت بهم في حياتي هما سماحة الوالد الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، وسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمهما الله رحمة واسعة والشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى، وهذا بسبب ما رأيته من صدقهم مع الله تعالى، وحرصهم على نفع الناس، وبذلهم الكثير من الجهد في سبيل نشر العلم الشرعي، وقد استفاد من علمهم القاصي والداني، وقد استفدت الكثير من علمهم، وسجلت الكثير من الفوائد العلمية من خلال لقاءاتي الخاصة والعامة معهم، وإني لأحمد الله تعالى على توفيقه وإعانته لي في التتلمذ على هؤلاء حيث عاد ذلك علي بالخير الكثير في تصحيح مسيرة حياتي، والسير على منوالهم في محبة العلم ونفع نفسي والمسلمين.
* كان للشيخين ابن باز وابن عثيمين ـ رحمة الله عليهما ـ نصيب واسع من اهتمامكم بمؤلفاتهم وأقوالهم وفتاويهم وإبرازها، خاصة في كتابكم لقاءاتي مع الشيخين؟
ــ هذا صحيح فهذان العالمان لهما فضل كبير ـ بعد الله ـ في نفع الكثير من طلبة العلم وعوام الناس، وغالب الموجودين حالياً على مستوى التعليم والفتوى قد تخرجوا على أيديهم ونهلوا من معين علمهم. وكتابي (لقاءاتي مع الشيخين) جمعت فيه الكثير من الفوائد التي حصَّلتها من لقاءاتي العلمية معهما وحضور مجالسهما الطيبة التي كانت دائماً تفوح بالخير على كل من حضرها.
وتأليف هذا الكتاب له أسباب: منها قناعتي بأن هذين العالمين أكثر من استفدت منهما من علمائنا ومشايخنا ـ وهم كثر ولله الحمد ـ ثم إني رأيت إقبال طلبة العلم على التعلم منهما وقناعتهم بما يصدر ويكتب عن هذين العالمين. لذا حرصت على الاستفادة منهما بقدر المستطاع، وأيضاً أردت المساهمة في نشر جزء من علمهما الكثير ليستفيد منه القاصي والداني، وقد نلت من بركة مجالستهما الخير الكثير ولله الحمد أولاً وآخرا. وكان من توفيق الله لي أني كنت أسجل كتابة كل سؤال أطرحه عليهما في وقته، وبعد إطلاع بعض أحبتي من طلاب العلم ألحوا عليَّ بنشره للاستفادة منه.


المؤلفات ومشاريع علمية


* كم بلغت مؤلفاتكم؟ وفي أي المواضيع كانت؟
ــ بلغت مؤلفاتي حتى الآن إحدى وثمانين مؤلفاً، وهناك مؤلفات غيرها تحت الطبع تبلغ حوالي ثمانية مؤلفات.
شملت مؤلفاتي أبواباً كثيرة في فروع الشريعة عامة، والجانب الأكبر منها في الفقه.


منهجية التأليف


* نلاحظ كثرة مؤلفاتكم، فما هي أبرز منهجيتكم في ذلك؟
ــ أولاً: لعل السبب هو الرغبة الشديدة التي تملكتني في بداية حياتي العلمية وحبي للتأليف وتوجيه مشايخي وأساتذتي شجعوني على ذلك، وثانياً: وجدت الكثير من المسلمين في حاجة إلى تعلم العديد من الأمور الشرعية وخاصة في قسم العبادات، فحرصت على التأليف حيث أن مكتبتي الخاصة ساعدتني في ذلك، وتضم بين جنباتها الكثير من أمهات الكتب في جميع أبواب الشريعة، مما ساعدني في البحث والتأليف، ومع عملي في التدريس في كلية الشريعة ومشاركاتي في الدورات العلمية الصيفية منذ سنوات طويلة في غالب مدن المملكة، وقيامي بشرح العديد من كتب الفقه، ولحرص بعض الإخوة ـ جزاهم الله خيراً ـ على الاستفادة من هذه الشروح، تم تسجيلها وتفريغها للاستفادة منها. ثالثاً: الحرص على نفع المسلمين بشتى السبل، وخاصة عن طريق العلم الشرعي، والحمد لله أن بعض الكتب التي ألفتها تم تحكيمها علمياً وتبنت طباعتها جهات علمية ووزعتها في داخل المملكة وخارجها، في المواسم وغيرها. رابعاً: كل ما قمت بتأليفه أو تحقيقه أو شرحه أعتمد فيه على الدليل، وبيان الراجح، وقد استفدت كثيراً من منهجية العلامة ابن سعدي وشيخنا الشيخ محمد ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.


* تحقيق المخطوطات ما هي مظاهر العوائق فيه حيث نرى هذه الأيام أن بعض الكتب تحقق عدة مرات، ومن جهات وأشخاص مختلفين؟


ــ تحقيق المخطوطات مهمة ليست سهلة، والذين يقومون بها نحسبهم على خير والله حسيبهم ـ ولا نزكي على الله أحدا ـ وهي تحتاج إلى جهد عظيم في البحث والتنقيب والتحقيق لما لهذه المخطوطات من أهمية كبيرة في حياة المسلمين، والحمد لله أن هناك بعضاً من المحققين على مستوى العالم الإسلامي قد بذلوا جهداً كبيراً في إخراج العديد من المخطوطات التي كانت غائبة عن نظر الكثير من أهل العلم، فاستفاد منها الكثيرون وخاصة من طلبة العلم. والدخول في هذا المجال يحتاج لجهد كبير وصبر عظيم وبحث كثير، فالمهمة ليست سهلة، واختلاف جهات التحقيق في المخطوطة الواحدة يرجع إلى اهتمام البعض بدقة التحقيق، والاستفادة من الشروح المتعلقة بهذه المخطوطات لزيادة الاستفادة منها، والمساهمة في نشر العلم، وهذا ينم عن حرص العلماء المحققين من إظهار تلك المخطوطات وشرحها وإيصال نفعها إلى المسلمين.
وقد يكون المتأخر اطلع على عمل السابق فرأى فيه جوانب لم تستكمل فرغب في استكمالها والتحقيق الذي نحذر منه هو التحقيق التجاري الذي لا يخدم المخطوطة ولا يخدم العلم وأهله.


ضوابط التآليف الفقهية



* التأليف بالاشتراك كان له حظ من مؤلفاتكم سواء في التحقيق أو التأليف، فما هي الضوابط الفقهية لهذا العمل، وما هي مشكلاته العلمية؟


ــ إذا كان من يشتركون في التأليف متفقين اتفاقاً تاماً على ما يحقق المصلحة من الاشتراك والعمل مرتب بينهم حسب إمكاناتهم وقدراتهم وتخصصهم فلا إشكال في ذلك، بل قد يكون هذا من الخير لهم وللمسلمين لأن بعض المشاريع تحتاج إلى جهد مشترك ولا يكفي جهد الشخص الواحد، وقد جربت ذلك ونجح ولله الحمد في أكثر من مشروع علمي.


أفول شمس



* كتاب (أفول شمس) لون جديد من ألوان التأليف حدثنا عن هذا الكتاب؟


ــ لقد كان أثر والدتي في حياتي عظيماً جداً حيث أنها هي التي ربتني وقامت على شأني، وكانت توجهني للخير وتبعدني عن الشر، وكانت تعاني الكثير من أجلي وإخوتي، ورغم شظف العيش الذي كنا نعيشه إلا أنها كانت حريصة على توجيهنا توجيهاً شرعياً، بالحرص على الصلاة، وحسن الخلق، ومحبة الخير للناس. ولقد شجعتني على طلب العلم، والحرص عليه، وكانت تبشرني بأن العلم يرفع من قيمة صاحبه، وينال به العزة والشرف في الدنيا والآخرة، فكنت حريصاً أشد الحرص على طاعتها وبرها، فكان ينالني من بركتها الكثير والكثير.
وقبل تأليف هذا الكتاب كنت أهتم بمواقفي مع والدتي رحمها الله، وكنت حريصاً أشد الحرص على برها والإحسان إليها، فلما توفيت ـ رحمها الله ـ بادرت بتقييد بعض الخواطر وأنا في مكة قبالة الكعبة، وقد علم بعض إخوتي وأخواتي عن ذلك فألحوا عليّ بإخراج هذه الخواطر لتكون معينة لهم ومذكرة لغيره في ميدان البر الواسع، وبفضل الله تعالى تم إخراج هذا الكتاب على هذه الصورة، عسى الله أن يجعله باب خير لي ولوالدتي، والله تعالى أسأل أن يغفر لها وأن يرحمها، وأن يجمعني بها ووالدي وإخوتي وسائر المسلمين في جنات النعيم.


تعدد الفتوى



* لاشك أن الفتوى توقيع عن رب العالمين، وفي الآونة الأخيرة بدأ يلاحظ كثرة المفتين وتعددهم، بل واختلافهم كثيراً في المسألة الواحدة، فما رأيك فضيلة الشيخ في هذه الظاهرة؟


ــ إن من عظيم شأن الفتوى أن جعلها الله قرينة لأعظم الأعمال التي نهى عن الوقوع فيها، قال تعالى: [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ](سورة الأعراف: 33). ومعلوم أن من يفتي في دين الله تعالى يوجه الناس إلى أوامر ربهم، ويعرفهم بالحلال والحرام، وما يتعلق بأمور عباداتهم ومعاملاتهم ويوقع عن رب العالمين، فإذا كان الأمر كذلك وجب على كل من يتولى ذلك الحذر من الإفتاء عليه بغير علم لئلا يبوء بالإثم ويضر نفسه وغيره. قال ابن القيم رحمه الله:=وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفُتَّيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ]، فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش،ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، وقال تعالى [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ](سورة النحل: 116،117)، فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه+. ومن الأدلة على عظم شأن الفتوى قوله تعالى:[قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ..](سورة الأعراف: 33). وقوله [قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..](سورة يونس: 59، 60). وما رواه البخاري في صحيحه عن أبي الأسود عن عروة قال حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي يقول:=إِنَّ اللَّهَ لا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ+. وفي رواية لمسلم:=إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا+.
ولقد كان السلف يتهيبون الفتوى أشد الهيبة، ويتريثون في أمرها، وربما يتوقفون في بعض الأحيان عن القول فيها. فكان الخلفاء الراشدون ـ رضوان الله عليهم ـ يجمعون علماء الصحابة وفضلاءهم عندما تعرض لهم بعض المسائل التي لا يجدون لها حلا عندهم، فيستشيرونهم، ويستنيرون برأيهم، فكان هذا هو الإجماع الذي كانوا عليه في العصر الأول. وهكذا دأب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، فقد كان الكثير منهم ـ على الرغم مما أوتوا من علم وبصيرة وطهارة قلوب ـ إلا أن أحدهم كان لا يجيب عن المسألة حتى يأخذ رأي صاحبه، وكيف لا، وقد كان النبي يُسأل في بعض الأحيان فلا يجيب حتى يأتيه جبريل بالوحي؟. وفي تلك العصور المتأخرة بدأ يدب في الأمة مرض فتاك، وداء عضال، من خروج البعض ممن ينتسبون إلى العلم وأهله ليفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وصدق رسولنا حين قال:=إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا+(رواه البخاري). حتى اختلط الحابل بالنابل، واختلطت الأمور على الناس، فما برحوا يتحيرون مما يسمعون من الاختلافات حول المسألة الواحدة، وهنا لابد من النظر في تلك القضية الهامة والخطيرة حتى لا نوقع المسلمين في حرج هم في غنى عنه، بل هم في حاجة إلى الانضباط في الفتوى لكي يطمئنوا ويسارعوا إلى تطبيق ما يسمعونه، وهذا يحتاج من العلماء العاملين، والمجامع الفقهية على مستوى العالم الإسلامي التعاون في هذا المجال، وسد باب الفتوى على الأفراد الذين لا يتورعون في هذا الباب لكي تسلم الأمة من التفرق والتنازع، ورغم أن هناك بعض العلماء تؤخذ فتاواهم وتقبل، وقد نفع الله بهم إلا أن الفتوى الجماعية تكون أقوى وأنفع للأمة في دنياها وأخراها لاسيما في قضايا الأمة الخطيرة.


علامات ضعف الأمة



* كذلك رأيكم في ظهور الفتاوى والمفتين في القنوات العديدة ومنها بعض القنوات غير المنضبطة بالضوابط الشرعية؟


ــ هذه علامة على ضعف الأمة ووهنها، وأنها بحاجة إلى العودة إلى النبع الصافي والهدي النبوي، وظهور هؤلاء المفتين الذين يفتون بالرأي والهوى ويفتون أيضاً بغير علم فيوقعون الأمة في الحرج، ويتسببون في إيقاع الكثير من المسلمين في مخالفات شرعية عظيمة، كمن يحلل الربا، ويسميه بغير اسمه، وكمن يتساهل في تحليل بعض الذنوب والمعاصي المنصوص على تحريمها كالغناء، والتمثيل، وشرب الخمور، وغير ذلك مما جاءت الأدلة على تحريمها، وأيضاً هناك من يتساهل في مسألة الهدي الظاهر للمسلم والمسلمة كالحجاب واللحية وغير ذلك، فيجب على المسلمين الوقوف ضد هذه الظاهرة لكي تعود الأمة إلى رشدها وتحفظ كيانها من الانهيار والتردي. فلا يجوز لأحد الإفتاء بالرأي أو الهوى، ولا يجوز المصير إلى الرأي قبل العمل على تحصيل النصوص الواردة في المسألة، أو القول بالرأي غير المستند إلى الكتاب والسنة، بل بمجرد الخرص والتخمين، وقد قال النبي لمعاذ رضي الله عنه:=كيف تقضي؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله ، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله . وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لشريح:ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه، فإن لم يستبن لك في كتاب الله فمن السنة، فإن لم تجده في السنة فاجتهد رأيك قال ابن القيم رحمه الله:وقالت طائفة من أهل العلم: من أَدَّاه اجتهاده إلى رأي رآه ولم تقم عليه حُجَّة فيه بعد فليس مذموماً، بل هو معذور، خالفاً كان أو سالفاً، ومن قامت عليه الحُجَّة فعاند وتمادى على الْفُتْيَا برأي إنسان بعينه فهو الذي يلحقه الوعيد؛ وقد روينا في مسند عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله :مَنْ قَالَ فِي الْقُـرْآنِ بِرَأْيِـهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ.
وإني أوجه نصيحتي لمن يفتي بغير علم أن يتقي الله تعالى، وأن يعلم أنه موقوف بين يديه يوم القيامة وسوف يسأله عن كل ما تكلم به، وأنه سوف يحاسب حسابا عسيراً لأنه تقوَّل على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، وسوف يلاقي جزاءه الموعود به على لسان نبينا محمد الذي قال من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار(رواه مسلم). نسأل الله الهداية للجميع، وأن يرد هؤلاء إلى الحق والرشاد، وأن يكفي أمة الإسلام شر الفرقة والتنازع، وأن يجمع القلوب على الحق والهدى.


الاجتماع في الفتوى



* هل ترون أن الاجتهاد الجماعي في هذه الفترة الحرجة ضرورة يلزم طلاب العلم وأصحاب القرار أن يتبنوها؟ وكيف السبيل إلى تحقيق ذلك؟


ــ لقد حث الإسلام على الاجتماع، وحذرهم من الفرقة والاختلاف، قال تعالى:[وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا](آل عمران:الآية 103)، وقال "إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة(رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع)، وقال أيضاً:لا تختلفوا فتختلف قلوبكم..(رواه مسلم)، وقال أيضاً:=اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه)(متفق عليه)، وقال:=يد الله مع الجماعة+(رواه الترمذي، والنسائي، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع). وقال:من فارق الجماعة شبرا فميتته جاهلية+(متفق عليه). وقال ابن مسعود ÷ في تفسير قوله تعالى:[ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا] =عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر الله به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تجدون في الفرقة. فهذه الأدلة وغيرها كثير فيها حث على الاجتماع وعدم الفرقة، ومعلوم أن الاجتماع على الحق هو سبيل قوة المسلمين، والفرقة هي سبيل الضعف والوهن لهم. والاجتماع في الفتوى هو سبيل العلماء الربانيين، وهو أساس الرباط المتين للأمة، فمتى اجتمع المسلمون على مسألة واحدة كان ذلك أدعى لعامة المسلمين بالأخذ بها والتمسك بما فيها لورودها عن الإجماع، وأما الانفراد بالفتوى ممن قل علمه، أو ضعف إدراكه فهذا لا ينبغي، بل على المسلمين التعاون في سبيل إرشاد المسلمين لما فيه خير لهم في العاجل والآجل، وهذا لا يتأتى إلا بالاجتماع في أمر الفتوى في قضايا الأمة المصيرية وخاصة في زماننا هذا الذي كثر فيه من يفتي بغير علم، ودخل في مجال الفتوى من ليس من أهلها.
يقول الإمام مالك :إن عمر بن الخطاب وعامة خيار الصحابة رضي الله عنهم كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرون الذي بعث فيهم النبي"، وكانوا يجمعون أصحاب النبي " ويألون ثم حينئذ يفتون فيها(إعلام الموقعين لابن القيم). فنصيحتي لأهل الفتوى الاجتماع عليها وخاصة في المجامع الفقهية التي وضعت لهذا الغرض، وعلى المجامع الفقهية أن تقوم بحصر العلماء وطلبة العلم المتخصصين في علوم الشريعة بأبوابها المختلفة والعمل على جمعهم في جلسات، أو مؤتمرات، أو ندوات لمناقشة تلك المسائل والقضايا التي تعرض عليهم، ليكون ذلك حافزاً لهم على الاجتماع ولم الشمل، وليكون رادعاً لأهل الهوى والمقلدين بالرجوع عما هم واقعون فيه من الفتوى بغير علم ومن ثمَّ تصدر هذه المجامع ما تراه مناسباً في كل قضية.
وعلى الدول الإسلامية تشجيع تلك المجامع والعمل على تقويتها وفتح الباب لكل متخصص في علوم الشريعة ليشارك في بحوث تلك المجامع ليعم الخير والنفع جميع المسلمين ولترجع لهم عزتهم ومكانتهم بين دول العالم أجمع.


الفتوى المباشرة مسؤوليتها عظيمة


* تعليقكم على ظاهرة الإفتاء المباشر في القنوات الفضائية وسر عدم ظهوركم الإعلامي؟
ــ منصب الإفتاء ذو أهمية عظيمة ويكفي أنه توقيع عن رب العالمين، والذي يفتي يقوم مقام الأنبياء والمرسلين والعلماء الربانيين، والفتوى المباشرة أصبحت إحدى متغيرات العصر ومنجزاته التي يجب توظيفها والانتفاع بها حسب ما يمليه الشارع الحكيم، والناظر في تأثيرها يجد أنها ذات تأثير كبير على من شاهدها أو حضرها أو سمعها من حيث الإيجاب أو السلب، والإعلام المرئي والمسموع اليوم أصبح محوراً أساسياً في منظومة الحياة لمختلف شرائح وطبقات المجتمع، بل وأصبحت الفتوى تصل الآن لكل أحد في شتى بقاع العالم، لذا فتأثيرها قوي، وشأنها عظيم، وأصبحت الفتوى مصدراً من مصادر التوجيه المباشر، بل ومصدراً لتوجيه الرأي العام وقناة من قنوات الاتصال الجماهيري. لذا فأهمية الفتوى المباشرة كبيرة وذات تأثير على العام والخاص، فإذا كان القائم بها ممن هم معروفون بالتقوى والصلاح والعلم كانت الفتوى مقبولة ومستساغة، وأما إن كانت الفتوى ممن لا علم عنده ولا ورع ولا تقوى كان تأثيرها ضعيفاً في الغالب، ولكن الذي يجعلها ذات تأثير في بعض الأحيان أن أصحاب القلوب المريضة ومرضى الهوى يتلقفونها تلقف الملهوف لأنها توافق هواهم ومرض قلوبهم، لذا فينبغي النظر فيمن يفتي أو يتعرض للفتوى من خلال هذه القنوات المباشرة، وعدم تقديم من لا علم لهم في التصدر للفتوى المباشرة لأن من يقولها ربما لا يهتم بتأثيرها بقدر ما يثبت أنه أهل لها، وللأسف الشديد أن هناك كثيراً ممن يتعرضون للفتوى لا يحملون حتى القليل من العلم الشرعي، بل ربما يتعرض للفتوى الفنانون، والممثلون، والراقصات، وغيرهم، وقد سمعنا الكثير عن هؤلاء الذين أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ](العنكبوت)، فأي خطورة بعد هذا الكلام العظيم في تحذير من تسول له نفسه بالتصدي للفتوى. وفي الناحية الأخرى يجب فتح المجال لأهل العلم والتخصص في العلوم الشرعية في التصدي لهؤلاء والعمل على إفهام الناس بما يريده هؤلاء من إضلالهم، والتنبيه على أخذ الفتوى ممن لا خلاق له.
وأما عدم ظهوري إعلاميا في مجال الفتوى فما دام المسلم مكفياً ويقوم غيره بالواجب فهذا من فضل الله عليه وأسلم له في دينه ودنياه، والفتوى المباشرة ذات مسؤولية عظيمة وحملها ليس بهين، وكم من شخص صدرت منه فتوى خاطئة طبقت الآفاق سيحمل وزرها يوم القيامة. فإلى الله المشتكى ممن يتصدرون وهم ليسوا أهلاً لذلك.


الحكم على المصالح والمفاسد


* لوحظ في الفترة الحالية انتشار أنواع كثيرة من أساليب اللعب والترفيه في جميع طبقات المجتمع، مثل اللعب بالسوني (البلاي ستيشن) واللعب بالورق وغيرها، ولوحظ أيضاً إدخال القنوات الإسلامية التي تعرض فيها صور المذيعين والمنشدين بصور براقة على الرجال والنساء في ظل هذا الانفتاح الهائل غير المعهود ولا المسبوق، هل يعد إدخال مثل هذه الأمور من باب المصالح والمفاسد، فالمجتمع لم يعد مغلقاً كما كان، والمغريات تزداد يوماً بعد يوم، وهل ترى شيخنا أن هذه الأمور مما يصح أن يقال فيها (بعض الشر أهون من بعض)؟
ــ المسلم العاقل هو الذي يستطيع أن يحكم على الأمور بحكمة وأناة، والمصالح والمفاسد كثيرة ولكن مقياس الحكم عليها يرجع إلى النظر فيها، فيقدم المصلحة على المفسدة في الوقت المناسب، ويدرأ المفسدة إذا كانت لا تعود بمصلحة. والوسائل الترفيهية الآن أصبحت في متناول الكثير من المسلمين وهذا بسبب الانفتاح العظيم على العالم، فتيسرت أسباب الحصول عليه، وأصبح كل بيت لا يخلو من هذه الوسائل، ولكن من الذي يستطيع أن يستفيد منها وأن يوجهها التوجيه الشرعي الصحيح لكي يحفظ نفسه وأهله وأولاده من أضرارها؟ هذا يحتاج إلى النظر في تلك الأمور بعين البصيرة لكي نستطيع أن نحكم عليها، والواقع أن تلك الألعاب التي تدخل بيوت المسلمين تعود بالضرر العظيم على الناشئة دينياً ونفسيا وصحياً، وهذا هو المشاهد بسبب التأثيرات القوية لهذه الألعاب، ولقد رأينا ما سببته هذه الألعاب لبعض الناشئة من الوقوع في المحرمات، وارتكاب الجرائم، وحب العنف والحرص عليه، بل وتسببت تلك الوسائل في إضعاف البنية الجسمانية لبعض الناشئة، وضعف النظر بسبب الجلوس أمامها بالساعات الطويلة.
فينبغي على أولياء الأمور النظر في ذلك لكي يحفظوا أولادهم من تلك الأضرار الخطيرة، وأهمها حفظهم من سلوك طريق الجريمة والعنف. وأما القنوات الإسلامية فالذي أراه أنه لا حرج على المسلم في إدخالها لبيته ما دام أنها تنشر الخير وليس فيها منكرات، مع الحرص على التوجيه لأفراد الأسرة للاستفادة من تلك القنوات بما يعود عليهم بالخير. وعلى القائمين على تلك القنوات أن يقللوا من المؤثرات في عرض المذيعين والمنشدين وغيرهم بصور جذابة فاتنة لكي يكونوا عامل بناء للشباب والفتيات لا عامل هدم في أخلاقهم.


حاضر التعليم الشرعي


* عبر السنوات الكثيرة التي قضيتموها بين جنبات الجامعة ومع طلاب العلم فكيف تقيمون مستويات التعليم الشرعي في وقتنا الحاضر؟ وهل من كلمة لطلاب العلم حول ذلك؟
ــ التعليم الشرعي له مكانته وشأنه، وهذا يرجع إلى قوة الدراسة على مستوى الجامعات الشرعية، ووجود المتخصصين في العلوم الشرعية، ورغبة الطلاب في التحصيل الجاد، والحمد لله أن الذين يتخرجون من الجامعات الشرعية تستفيد منهم الأمة استفادة كبيرة حيث ينتفع بهم في القضاء، والتعليم، والخطابة، وغير ذلك من المجالات الهامة والضرورية. أما الآن فقد قلت الرغبة في التحصيل العلمي الشرعي بسبب الحرص على الشهادة فقط، وضعف النية عند الطالب في نفع نفسه ومجتمعه وأمته، وأصبح التعليم من أجل تحصيل المؤهلات للحصول على الوظائف فقط إلا من رحم الله منهم، وهذا يحتاج إلى مراجعة النفس وتصحيح النيات، والحرص على نفع الأمة، ويكفي شرفاً وفخراً لطالب العلم قول النبي في الحديث الصحيح من يرد الله به خيرا يفقه في الدين(رواه أحمد)، وقوله ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقاً إلى الجنة (رواه مسلم).
فليحرص الطلاب على التحصيل الجاد، وإخلاص النية والعمل لله، والاجتهاد في بذل الأسباب التي من شأنها رفع مكانة الأمة بين مثيلاتها من الأمم، ومن أجل نشر دعوة الإسلام بين العالمين.


الارتقاء بالفقهاء


* الفقه والفقهاء كلمتان تحملان بين طياتها الكثير من المعاني، فما السبيل في رأيك للنهوض بالفقه والارتقاء بالفقهاء حتى نرى ذلك الدور الذي كان يؤديانه في عصور السلف؟
ــ لقد شمل الفقه الإسلامي جميع نواحي الحياة الفردية والاجتماعية من شؤون اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها حيث قام الفقهاء المجتهدون من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بدراسة كل ما يعترض حياة الناس من مسائل وقضايا على ضوء أصول الشريعة وقواعدها وتبيين أحكامها. والفقه الإسلامي يعتبر من أهم ميادين العلوم الشرعية، وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بالحث على التفقه في الدين، ومعرفة أحكام الشريعة،ويعتبر طلب العلم الشرعي من أشرف المطالب وأسمى الغايات والمشتغل به مع إخلاص النية في أعلى درجات العبادة، قال تعالى:[.. فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ](التوبة: الآية122). وقال " من يرد الله به خيرا يفقه في الدين(رواه البخاري ومسلم). وجاء في حديث أنس قال: قال رسول الله ":خير العبادة الفقه(رواه البخاري في الأدب المفرد، والإمام أحمد في مسنده ـ جامع بيان العلم وفضله (1/21). والفقه ثمرة العلوم كلها، قال ابن الجوزي :أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته ومن تأمل ثمرة الفقه علم أنه أفضل العلوم، فإن أرباب المذاهب فاقوا بالفقه الخلائق أبداً..
. وانطلاقاً من هذه المكانة للفقه حرص العلماء على دراسته وتدوين فروعه ووضعوا له قواعد وضوابط تجمع فروعه المتناثرة مما سهل دراسة هذا الفن وضبط فروعه، والفقه كغيره من العلوم ينمو باستعماله ويضمر بإهماله، فقد مرت به أطوار نما فيها وترعرع وتناول كل مناحي الحياة، ثم عدت عليه العوادي من المتآمرين على شرع الله فتوقف ذلك النمو فترات وكاد أن يقف في أخرى. والفقه تبع لشريعة الله التي أبعدت عمداً عن تنظيم حياة الناس وحل مشاكلهم، واستبدلت بنظم وطرائق جاءت من الأعداء، وقد لبست أثواباً مختلفة وتشكلت بأنماط متباينة حسب مصالحهم، وهذا الإقصاء عن مناحي الحياة أثر كثيراً على نمو الفقه وإبداع الفقهاء، وعلى الرغم من الضعف الذي تعيشه الأمة في مناحي الحياة إلا أنه توجد مؤشرات ومبشرات هنا وهناك من حيث تنامي البحوث والدراسات للوقائع والنوازل والحوادث التي تنزل بالأمة الإسلامية وتطبيق الأصول والقواعد الشرعية عليها وبيان الحكم الشرعي فيها واستبعاد ما يخالف الشريعة الإسلامية وإيجاد البدائل لما يتعارض منها مع ذلك.
إن الفقه الإسلامي ثروة فكرية هائلة وتراث ضخم لم يستفد منه الكثيرون وإن كل طالب علم لديه القدرة على توسيع دائرة الاستفادة من الفقه الإسلامي مسؤول عن هذا الأمر. لذا فالأمر يحتاج إلى جهد كبير وبذل عظيم من أجل الاستفادة من أبواب الفقه الإسلامي لحل مشكلات العالم وتوجيه المسلمين إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه "، وهذا لا يتأتى إلا بتضافر الجهود بين الجهات العلمية في سائر الدول الإسلامية وبين العلماء العاملين على مستوى العالم كله، وفتح مجال الاجتهاد للجميع، ودعم الأبحاث العلمية التي تعود بالنفع على الأمة الإسلامية، ولابد من تنظيم هذه الجهات لكي يكون جلَّ همها هو إظهار عظمة هذا الدين، ونفع العالم كله بما فيه من الخير والرشاد. وعلى جميع العلماء العاملين التوجه الصحيح إلى تحكيم الكتاب والسنة في سائر شؤون الحياة، مع الأخذ بإجماع الصحابة، والعمل بالقياس في المسائل التي لا يوجد لها دليل من كتاب أو سنة، أو الاجتهاد في حل هذه المسائل بما يراه العلماء.


تصحيح أعمال البنوك


* كيف تقيمون مستوى أداء البنوك الإسلامية الحالية وخصوصاً أنكم من المهتمين بقضية البنوك الإسلامية ورسالتكم الدكتوراه (البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق) تصب في هذا الشأن؟
ــ الحمد لله على فضله وعونه، فقد برزت على نطاق واسع في داخل المملكة وخارجها صيحات تنادي بتصحيح أعمال البنوك، وتغيير طريقها إلى النطاق الشرعي في التعامل، وبفضل الله بدأت بعض البنوك في تحويل مسارها إلى التعامل بما تمليه شريعة الإسلام، والاجتهاد في تنظيف مؤسساتها المالية من كل ما يشوبها من معاملات ربوية محرمة أو قصور أو شبهات، وأصبح لبعض البنوك الآن لجان شرعية تعمل على تصحيح مسارها، وتحسين وضعها بما يعود عليها بالخير في الدنيا والآخرة.
وإني لأشد على أيدي أصحاب البنوك في المسارعة بتحويل مؤسساتهم إلى بنوك إسلامية خالية من الربا وشوائبه، وأن يعملوا على كل ما من شأنه تطهير الأمة من المعاملات غير الشرعية لكي يحفظ الله لأمة الإسلام مكانتها وعزها واقتصادها، وأن يسيروا على الطريق الذي ارتضاه الله لعباده بالتعاون على الخير والبعد عن كل شر.


خدمة مصالح الأمة


* كلمتكم لطلاب العلم والمشايخ في هذه المرحلة الحرجة من حياة الأمة؟
ــ على الجميع التكاتف والتعاون فيما يخدم مصالح الأمة ويبعدها عن الضعف والوهن، والتمسك بما كان عليه سلف الأمة من التمسك بالكتاب والسنة وإجماع السلف، وتقديم مصلحة المسلمين على مصلحة النفس، فالأمة تحتاج لكل من يقوم على نصرة دينها وإعلاء شأنها، والعلماء هم سراج الأمة وأملها، فهم حاملو شرعة رب العالمين للخلائق أجمعين، فيجب عليهم مجاهدة أعداء الملة، وإيصال رسالة الإسلام إلى غير المسلمين في سائر بقاع الأرض، ومعلوم لدى الجميع أن أعداء الإسلام يحاولون التشكيك فيه، وصد الناس عنه، بل وإخراج المسلمين منه، وهذا لن يتم بإذن الله ما دام أن العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله وكل من يساهم في نشر الإسلام قائمين بواجبهم نحو نصرة هذا الدين. وعلى الجميع ترك التنازع والاختلاف، فدين الإسلام دين الاجتماع والتآلف والمحبة،فإذا ترك المسلمون الفرقة والتنازع، واعتصموا بكتاب الله تعالى وسنة نبيه وتعاونوا على كل ما فيه خير للأمة كان ذلك من أقوى عوامل رجوع أمة الإسلام إلى عزها ومكانتها بين الأمم كافة.


حياة العالم الاجتماعية


* الجانب الاجتماعي في حياة العالم كيف يمكن استثماره لخدمة الدعوة وهداية الناس حيث يلاحظ إهمال هذا الجانب؟
ــ لقد كان الرسول قدوة للناس كافة، وكان يسعى بكل جهده في سبيل فتح قلوب الناس لهذا الدين، فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان يرفق بالمخطئين، وكان يحلم على المسيئين، وكان يصبر على المؤذين، فأحبه الناس، وسارعوا إلى الإيمان به، والتمسك بهديه، والدفاع عنه، ونصرته، وتعزيره، وتوقيره، وما زال هذا الأمر إلى يومنا هذا مع الفارق الكبير بين القرون الأولى وزماننا الذي نعيش فيه. والعالم يسير على ما سار عليه الرسول فهو قدوة للناس في تمسكه بدينه، والعمل بالسنة، واتصافه بالصفات الكريمة من الحلم والصبر والتواضع والرفق، وأن يكون حريصاً على خدمة المسلمين، مبادراً إلى قضاء حوائجهم، فاتحا قلبه لكل من يسأله ويستفتيه ويحتاج إلى مشورته، قدوة للناس في حرصه على الطاعة ومبادرته إليها، بعيداً عن كل ما يشوبه من صفات غير لائقة.
ومن عوامل محبة الناس للعالم حرصه على قضاء حوائج الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام، وسعيه في تيسير أمور المسلمين، وشفاعته لأصحاب الحاجات، وكم كنا نرى ونسمع ما كان يبذله سماحة والدنا وشيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة واسعة الذي كان كل وقته وماله وجهده في خدمة المسلمين وقضاء حوائجهم والسعي في تيسير أمورهم، وهذا ما عاد عليه بالخير في حياته وبعد مماته، من نيل محبة الناس ودعائهم والثناء عليه، فأسأل الله تعالى أن يمن علينا جميعاً بالاقتداء برسولنا ، وأن يوفقنا لما يعود علينا وعلى المسلمين بالخير في العاجل والآجل.


جبرية الحفظ


* الشيخ عبد الله الطيار أب لاثنين من طلاب العلم، كيف كان الشيخ يوجه أبناءه في هذا الجانب، وما هي نصيحته لطلاب العلم الذين يجبرون أبنائهم على التعلم والحفظ؟
ــ أحمد الله تعالى على هذا الفضل العظيم الذي امتن به عليَّ، وقد كنت حريصاً بقدر استطاعتي على توجيههم للخير، والسير على نهج السلف الصالح في تربيتهم، وكانت والدتي رحمها الله تحرص على توجيههم التوجيه الطيب، فنالا ببركة دعائها الخير الكثير، فوفقهما الله في طلب العلم والحرص عليه، وإني أقول لهما ولغيرهما عليكم بالحرص على الخير، والتمسك به، وعدم التفريط فيه، والجد والاجتهاد في طلب العلم فهو طريق الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من العلماء والصالحين. والله أسأل أن يحفظهم وباقي إخوانهم وأخواتهم وأن يبارك فيهم، وأن يبلغهم ما يريدون من الخير، وأن ينفع بهم أمة الإسلام. ونصيحتي لطلاب العلم الذين يجبرون أبنائهم على التعلم والحفظ أن يسلكوا طريق الرفق واللين، وإلا فالمؤثرات كثيرة وأثرها عظيم، والحاجة إلى تعليم الأبناء العلم الشرعي حاجة عظيمة مع كثرة الفتن وانفتاح الدنيا بشهواتها وملذاتها، واختلاط الحابل بالنابل، والحلال بالحرام.
وينبغي على كل والد توجيه أبناءه التوجيه السديد في سلوك هذا الطريق، حيث أن الأبناء يختلفون في الهمم والرغبات، فينظر الوالد في ذلك نظرة حكيمة، ويحرص على ما ينفع أولاده، فيوجههم بما يعود عليهم بالخير، ولا يمكن أن يكون تحصيل العلم الشرعي بالإجبار عليه، ولكن الأخذ بالأسباب في سبيل حفظهم وتربيتهم هو العامل الأساسي في سلوكهم طريق الخير وبعدهم عن طريق الشر.


* هل من كلمة توجهونها لموقع الفقه الإسلامي؟


أقول لموقع الفقه والقائمين عليه احرصوا على تأصيل الفقه، واحذروا من تمييع البحوث والموضوعات واللهث وراء الفتاوى الشاذة، واحرصوا على الفتوى الجماعية، وقدموا فتاوى المجامع والهيئات الشرعية ولجان الفتوى، وتابعوا الجديد من الموضوعات والرسائل واعرضوا ما تستطيعون منها، ولو قمتم بحصر جميع الرسائل العلمية في موضوعات الفقه في الجامعات الإسلامية لحققتم سبقاً تشكرون عليه، والباحثون بأمس الحاجة إليه، ورغم قصر المدة إلا أن جهودكم مشكورة وعملكم مقدر، وتقديركم لأهل العلم محفوظ لكم. زادكم الله توفيقا وهدى، ونفع بهذا المنبر البلاد والعباد، وحقق الله على أيديكم للفقه وأساتذته وطلابه ومحبيه ما يصبو إليه كل مخلص وعامل في كل مكان على ثرى أرض الله الواسعة.




(( منقول ))

الشيخ/عبدالله الواكد
03-02-2009, 17:03
حفظ الله الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار وأمد الله في عمره ونفع الله بعلمه وبمؤلفاته الإسلام والمسلمين فله جهود كبيرة في إثراء الساحة العلمية ولعل أهمها إهتمامه بمؤلفات الشيخين بن باز وابن عثيمين رحمهما الله وقد إستفدنا منه ومن علمه الشيء الكثير وقد لمسنا من تواضعه وخلقه الشيء العجب غفر الله لنا وله ولوالينا ولجميع المسلمين ونشهد الله على حبه

وأشكر أخي الكريم الصايح الزلفاوي هذا النقل وأستأذنه بتعديل الألوان فقط ليستفاد من كلام الشيخ حفظه الله

شام
03-02-2009, 22:03
جزاك الله خيراً اخي الكريم
للإيراد المفيد والنافع
و نفع الله بفضيلة الشيخ الطيار البلاد والعباد
حفظك الله ورعاك

أبو مارلين
08-02-2009, 04:21
جزاك الله خيراً

سيف الدولة
20-02-2009, 23:05
جزاك الله خيراً

الرحال الهذلي
21-02-2009, 13:54
حفظ الله الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار وأمد الله في عمره ونفع الله بعلمه وبمؤلفاته الإسلام والمسلمين.

واشكر اخي الصايح الزلفاوي على النقل المفيد
وتيلو تحياتي أخوكم الرحال الهذلي