المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : روافد الجهاد الاسلامي



اسامه الدندشي
22-10-2006, 22:59
قضايا > روافد الجهاد الإسلامي رابطة ادباء الشام

روافد الجهاد الإسلامي

الدولة القومية والمحافظون الجدد

أسامة الدندشي

ossama-aldandashi@hotmail.com

الإنسان مدني بالطبع, وهذه المدنية مخلوق, تتجاوز قوانينه الصيرورة إلى الصير, و تنتقل من حال الكمون في الشعور الجمعي إلى وجود فكري متفجر بالفعل, كلما تطور وتقدم المجتمع الإنساني في بيئة ما, وتنتقل إلى مراحل صدامية, كلما ضاقت جملة المنظومة القيمية المستجدة للمرحلة الجديدة, ويتبلور صراعا فكريا بين القديم والجديد, تتفاوت أدواته وقسوته, مقدار التفاوت والتناقض, بين الاستبداد والحرية, بين الشمولية والديموقراطية, بين المحراث اليدوي وال**** الميكانيكي, بين فائض الإنتاج الوطني و القومي , وبين الفائض الإقليمي والدولي , بين المصالح الوطنية القومية, والمصالح العالمية, بين القيم السائدة والقيم المستجدة, وغالبا ما يحسم هذا الصراع, في ثورات داخلية, أو أهلية أو عالمية, وبعد أن تدفع البشرية ثمنا غاليا, تبدأ مرحلة كونية جديدة, ونظاما عالميا جديدا.

عرفت أوربا حروبا من هذا النوع محلية و إقليمية وعالمية, منذ فجر التاريخ المدون, وكأن هناك تلازما شرطيا بين التقدم والحرب في بنية الحضارة الغربية, أو أن الحضارة الغربية, لم تسطع انتزاع المفهوم القبلي للغزو والسلب والنهب, الذي بدأت به هجراتها من الشمال إلى الجنوب, من المناطق الباردة إلى المناطق الحارة, بهمجية وشهوانية للقتل والتدمير,لا يعرف التاريخ مثيلا لها, يجذبها الدفء والخير.

وبالضرورة مع تطورها ورقيها, يترقى المصطلح القبلي, إلى مصطلحات عصرية, الأمن الأوربي, وحقوق الإنسان, تحرير المرأة والخطر النووي, حقوق الأقليات و أعداء الديموقراطية, هي مصطلحات حضارية واكبت العصر في شكلها, لكنها قبلية عصبية في جوهرها, تبرر الغزو والنهب والسلب.

العولمة هي النظام العالمي الجديد للغرب الأمريكي, الذي أطل بمفاهيم جديدة للغزو, في السياسة والاقتصاد والاجتماع وكل مناحي الحياة, بمثابة ثورة على قيم سابقة أصبحت لا تلبي احتياجات الإنسان الأوروبي, وتطوره العلمي والتقني الهائل, فلا تعدد الأسواق العالمية, التي يتحكم بها العرض والطلب, ولا الاستقلال المحدود للقرار السياسي في الدول النامية, ولا أسعار اليد العاملة المتفاوتة, ولا الإيديولوجيات والقوميات ذات المصالح المحلية والإقليمية, ولا الثقافات المتناقضة والمتعادية, حتى ولا اللغات المتعددة, تلبي طموحات الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات, التي ضاقت بها سبل التسويق, وحصد الثروات ,فلا بد من “دكان" عالمية واحدة, يديرها ويضبطها شرطي واحد, أجندته "الأخلاق في خدمة المصلحة", وعصاه غليظة لاترحم ولاتلين.

المنطقة العربية منذ فجر التاريخ المدون, ودماؤها تسيل وجروحها تنزف على ترابها, وهي تدفع الغزو الأوربي عن أراضيها - باستثناء الفترة الإسلامية, حيث نقلت الحرب إلى الثغور, والقاعدة نقلتها إلى الأرض الأوروبية- منذ اللحظة الأولى لتاريخ العلاقات بين الغرب والشرق, التي بدأها الأسكندر, بتجهيز أسطولا لاحتلال المنطقة العربية عامة وشبه الجزيرة خاصة, لكثرة ماتناها إلى سمعه عن غنى العربية, والرومان عندما فشلت حملة غاليوس الوس, في احتلال الجزيرة العربية عام 25 ق.م, انزلوا أساطيلهم البحار الجنوبية, وانتزعوا تجارة البخور والتوابل من العرب روادها العالميين , إلى بيان اوربان الشهير الذي يعلن بها الحرب الصليبية على بلاد السمن والعسل, مرورا بالاستعمار الحديث, ونهب خيرات المنطقة, حتى احتلال وتدمير العراق, واعتبار الإرهاب عدوا افتراضيا على العالم.

والحقيقة أن أوروبا لم تغمض عينيها يوما عن كلأ وماء العرب منذ فجر التاريخ. . الإسلام الذي كان يقود حركات التحرر ضد الاستعمار, بدءا من عبد القادر الجزائري وعبد الكريم الخطابي في المغرب, حتى يوسف العظمة وعز الدين القسام في المشرق, تسيس بعد الانتهاء الدموي للاستعمار الغربي , وخاض الانتخابات كأي حزب من أحزاب تلك الفترة, يتنافس مع الأحزاب الشيوعية والوطنية والقومية, على المقاعد الانتخابية, وحظه لم يكن أوفر حظا من تلك الأحزاب, وجد نفسه يحيد عن العمل السياسي, ويحارب حضوره الشعبي, في ظل الأنظمة القومية الشمولية, التي اعتمدت نظام الحزب الواحد, وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية, و الأجهزة الأمنية المطلقة اليد, لضرورات المعركة القومية , وتحقيق العدالة الاجتماعية, وطرحت شعارات استقطبت بها قطاع جماهيري واسع, من المجتمع المهمش تاريخيا وسياسيا واجتماعيا, القطاع الذي أسس من المفهوم الديني, شبكة من العلاقات المادية, يسير بها حياته اليومية, وأطر مجتمعا متميزا غيب عنه النص الديني, تحكمه تلك الشبكة التي ولدت من ذلك النص واستقلت عنه, هذا القطاع الذي ترجم المفهوم الديني إلى مفهوم زمني, هو ما نسميه الدين الشعبي, تمييزا له عن الدين "السلفي" المسيس, والدين الرسمي.

تزاوج قطاع الدين الشعبي مع الدولة القومية العلمانية, التي رشته بالمظاهر الدينية رغم علمانيتها, بالمحافظة على الأذان في أوقاته الخمسة, وعلى خطبة الجمعة المكتوبة, وافتتاح الإذاعة بالقرآن الكريم, و تركته يمارس حياته اليومية بحرية, فيزوج بنيه وفق الشرع, ويدفن موتاه بحضور الشيخ, ويستعير الملح من جاره, ولم تتركه فكريا يحسم خياراته بين النص الديني والقومية العلمانية, و الصحف والأعلام تزين مستقبله الزاهر بعد معركة التحرير القادمة, حيث ينتهي الاستعمار وعملاءه, وتعود الأرض المغتصبة, وتوزع الثروات بالعدل, ويعم الرخاء والنعيم, في ظل الوحدة العربية المنشودة, وأقنعته بجدلية العلاقة بضرورة الاستبداد لتحقيق العدالة الاجتماعية, بعد أن رقت عواطفه , إلى متخيل يعيشه بسعادة منقطعة النظير في تلك الشعارات, تستشفه في هتافاته واحتفالاته, وفي هيجان الجموع المحتشدة, أمام الخطيب, عندما يقرر انه بإذن الله سيتحطم الاستعمار على صخرة الصمود والتصدي, وعند أقدام الجماهير الكادحة المناضلة, وغفرت هذه الجماهير الدخيلة المستجدة على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية, لهذا الخطيب القائد الكادح والمناضل, تدخينه المالبورو, وانتعاله الحذاء الإيطالي, وعقدة عنقه أل "بيير كار دان", وسيارته "المر سيدس", وحيادية ضميره عن إدانة الفساد الذي استشرى, حيث لم يبقى شيء في الدولة القومية,يحتاجه منها المواطن بلا ثمن. وأجل كل شيء لما بعد المعركة, وتنازل عن كل شيء في سبيل التحرير. و أهم الشعارات في النظام القومي العربي على اختلاف ترتيبها " الوحدة العربية طريقنا إلى فلسطين", وهو الذي طغى على كل الشعارات, و بقوة هذا الشعار الذي يجسد قضية الأمة المركزية والأساسية, خطفت أنظار الدين الشعبي, الذي شكل قاعدة قومية واسعة, كان لها حضورا متميزا في القرار العربي الرسمي, "من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر" وساد في هذه القاعدة,خطاب و ثقافة الدولة القومية , بعد إلغاء الخطاب والثقافة السائدة : ومن المقومات الأساسية والنضالية لثقافة الجمهور القومي, الكراهية للغرب المستعمر, الذي عبر عنه في أدبياته ب “العدو الغاشم", وللرجعية العربية المتمثلة في القوى التي جاءت بالاستقلال و النظام الديموقراطي,ومعهم الدول الخليجية, وعرفتهم "بأذناب الاستعمار", وكل من لا يضع نفسه في خدمة معركة التحرير القادمة بقيادة الدولة القومية, كانوا إمبرياليين مارقين عملاء للاستعمار وطابورا خامسا........, وحفلت المظاهرات بشعارات كثيرة تحطم الاستعمار وأذنابه, وتقضي على الإمبريالية والرجعية, وتأصلت الكراهية للغرب شعارا أيديولوجيا ثقافيا قوميا , ومنعت كتابة اليافطات على المحال التجارية بأي لغة غير العربية

1- ومنعت الأحزاب السياسية التي ارتقت في تنظيمها إلى مستوى النظرية السياسية, كالأحزاب الشيوعية, و الأخوان المسلمين, و الحزب القومي السوري الاجتماعي, والأحزاب الوطنية, وأعداء النظام القومي :من عملاء الاستعمار, والطابور الخامس, والإقطاع, والانتهازيين, والمارقين........., من المشاركة في معركة التحرير المصيرية, دون أي تقييم للحجم الذي تشكله هذه القوى, وصادرت النصر سلفا لصالح الدولة القومية المتمثلة في الرمز. a. واعتمدت الدولة القومية ماسمي مؤخرا إرهاب الدولة,في صراعها مع الاستعمار,تفجير الطائرات المدنية و السفارات, وتبنت الاغتيالات السياسية والاعتقالات المدنية, والتصفيات الجسدية, لأعداء الوحدة والتحرير.يغطيها صمت جماهير التحرير القادم.

2- و حيد الأمن القوى المناهضة للدولة القومية أو سياساتها الوحدوية التحريرية, حتى ضاقت السجون بنزلائها, وخاض ا اقتتالا دمويا مع الأخوان المسلمين.

3- بين حاضنة غربية للإخوان ضد الشيوعية, وحاضنة شرقية للدولة القومية, ضد الإمبريالية و الدين وكان الأخوان المسلمين متهمين بأنهم صناعة الإنكليز, وعملاء الاستعمار. و الشيوعيون طابورا خامسا, للسوفييت؟؟؟.

وفي غياب أي رؤية استراتيجية قومية موحدة, لم يستمع النظام القومي كل في قطريته إلا لصوته, والنصائح الأمنية, وأغلق المنابر أمام المفكرين والإيديولوجيين والاستراتجيين, مانعا أي بحث علمي يعتمد على النقد إلا للرسميين, ولم تعط جماهيرها مساحة للمشاركة السياسية الفعلية, وأبقتها متلقية و ضمن المشاهد الاستعراضية للمسيرات والأعلام, وركزت حربها على المؤامرة في الأعداء الداخليين, من الأحزاب المناوئة ,ومن الرجعيين, وعملاء الاستعمار, والطابور الخامس, وكلما تعاظم وتفاقم الخطر الخارجي, كلما ضيقت على الأعداء الداخليين المفترضين, لأنهم جزء مهم وفعال , للأهداف الاستعمارية في المنطقة, لذلك كان مبررا انتهاج سياسة أمنية صارمة, ومصادرة الحريات والرأي, وإصدار قانون الطوارئ, والأحكام العرفية,لضبط الأعداء الداخليين. . إدراك الدولة القومية الخاطئ لحجم المؤامرة الخارجية وقدراتها, حجب عنها تحليل التحالفات و التصريحات والمواقف الغربية التكتيكية, في إطارها الايديولجي وبعدها الاستراتيجي, لذلك فشلت في إدارة الأزمات التي مرت بها, واكتفت بردودها على إضعاف الداخل الوطني,وعلى استعراض جماهيرها في مسيرات صاخبة.

وانشغال الدولة القومية بالمؤامرة وعملاء الاستعمار, أجل الاهتمام بأوضاعها الاجتماعية , والاقتصادية والعسكرية, وبناء قوة ردع عسكرية, باستثناء العراق, الذي سمح له ببناء قواته لحروب إقليمية ومحلية, وعندما تفرغ للمنظومة العربية, بغروره القومي وأميته السياسية, دمر العراق وحوكم. إن أحدا لم يدرك كم كان تنامي الشعور القومي وشعاراته الوحدوية, يخيف الغرب الحريص على معاهدة سيكس بيكون, وشعار النفط "ثروة قومية", يرعب النظم الراديكالية, لذلك كان هناك تحالف استراتيجي بين الغرب والدول النفطية, على إسقاط الدولة القومية, وهذا التحالف هو مصدر المؤامرة وعناصرها, والشعرة التي قصمت ظهر البعير, هو تنمية الولاء للنظام, على حساب الوطنية, وتقديس الشعارات على حساب الوطن, والرموز على حساب المواطنة, وانتهجت خطابا مثاليا مغتصبا, يصور الأمور كما يجب أن تكون, ويقدمه للجمهور على أنه المنجز على الواقع , والذي أطلق رصاصة الرحمة, رشواها لقواعدها, بالسلطة والكسب المادي بلا حساب أو رقيب, الأمر الذي أدى إلى الفساد, والى تقديم المنفعة الشخصية على مصالح النظام القومية, واستكانت الدولة القومية إلى صفقتها مع قواعدها المصفقة الهتافة, بينما وضع الغرب كل ثقله, ليحول دون تحقيق أو قطف ثمار أي من شعاراتها, أو حروبها التي خاضتها من اجل فلسطين, ومنع أي تقارب أو تضامن عربي, وبرعت المؤامرة في دفع الأنظمة القومية على صرا عات فيما بينها, وعلى خوض حروب داخلية مع شعوبها.

وبصورة عامة انتهجت الدولة القومية خطابا زيفت به الوعي واغتصبت اللغة لذلك فشلت الدولة القومية في قيادة المرحلة فشلا زريعا, ولم تقدم شيئا ملموسا على الواقع, في قضية الوحدة العربية, وقضية فلسطين, والثروة العربية, سوى الخطابات والشعارات, لذلك عندما زال الغطاء عن الدولة القومية, بانهيار الاتحاد السوفييتي, وانتهى دور المؤامرة في المكاسب السياسية, وبرز القطب الأوحد, وهوت الشعارات والمسيرات المبرمجة, والمظاهر الإعلامية والبلاغة الخطابية, وكأنها كرات ثلج, وعندما "ذاب الثلج بان المرج", عن نظام عار حتى من ورقة التوت, فخرجت مصر من الجمهورية العربية المصرية, إلى جمهورية "مصر"- أولا- و"العربية"- ثانيا-, واتجهت ليبيا إلى أفريقيا, واليمن إلى صراعاتها الحدودية, مسلمين أمرهم لرسول الديموقراطية بوش, والعراق بدد ثرواته في حروب محلية وإقليمية, ينتظر مصيره المؤلم, وسوريا أمام شعبها محتلة أراضيها, وتواجه ضغوطا وحربا نفسية, كونها أخر رمز من رموز النظام القومي, في وقت تحلل وتفسخ فيه التضامن الصوري القومي, ورفع الغطاء الايديولجي عن الشارع القومي, ووقف في مفترق طرق مظلم, يشهد انهيار فكره عموديا انهيارا مأساويا, ويشهد عودت الوطنية بكل أبعادها القطرية, بعد أن فقدت الوطنية تضامن الموزاييك التاريخي, لمكونات الأمة المتعددة الأعراق والأديان, وثبت للمواطن القومي, أن الدولة القومية, لم تحقق أي توحد أو تضامن, بل كانت تكرث انفصالا عن الأمة, وبترا لأجزاء الجسد الواحد, وتفتيت هذا الجزء الواحد,لذلك لم تلق قبولا دعوات المنظرين القوميين صدا, لتحميل التردي القومي على الدولة القومية الشمولية المستبدة, في محاولة تبدوا يائسة لتبرئة العجز في بنية الفكر القومي الإيديولوجي.

وبعد أن هدرت الدولة القومية, نصف قرن ونيف من عمر الأمة, ومليارات الدولارات الوطنية والخليجية, لمعركة خسرت بها أرضا ولم تحرر شبرا, تركت شعوبها تواجه مصيرها بلا غطاء وطني أو إقليمي أو دولي, تركتها تتلقى الصفعة تلو الأخرى, من الغرب المتفق رغم اختلاف أهدافه ومصالحه وتناقضها, على تصفية العروبة العنصرية, و الإسلام الإرهابي, وخلفه قوة ملكت المال والأعلام والايديولجيا, تزيد عمق الهوة بين الغرب والشرق.

وتخلت الدولة القومية عن جماهيرها,وتحولت إلى دولة قطرية,ومن رمز قومي إلى مندوب سامي وعندما دق المسمار الأخير في نعش العروبة,في حرب الخليج الأولى, كان الإسلام المسيس القابع في أحضان الغرب, يدفع ليأخذ موقعه في الساحة العالمية للحرب, وقيادة المرحلة الجديدة. و أحفاد الشرائح المحيدة سياسيا, منذ أربعا وخمسون عاما, أضنتها لقمة العيش ,باسم الاستبداد الضروري لتحقيق العدالة الاجتماعية, و فقدت اهتماماتها السياسية, وماتت كوادرها السياسية بلا وريث في مهاجرها.

3- وجماهير الدين الشعبي القومية, تركت تواجه مصيرها,وهي مشحونة العواطف من الخطاب القومي المهزوم, الذي خذلها وخدرها وأفقرها نصف قرن من الزمان, تنتظر معجزة إلهية تعيدها إلى وعيها, وتبعث بارقة أمل في الغد الأتي, وتطلعت تلك الجماهير إلى الإسلام في عالميته الجديدة, بعد أن أسقط القومية من آماله, وأضحى جسدا معلولا فقد مناعته, ينتظر فيروسا قاتلا, أو ترياقا شافيا.

وعندما زلزلت الأرض زلزالا, في 11 سبتمبر وهوت الرموز الأعظم للنظام الأمريكي, القائد الأوحد للعالم, وقف الجمهور العربي والإسلامي المهزوم, بين الشماتة والأسى, بين التشفي ,والرحمة, بين القبول والرفض, بين الاستنكار والتأييد, يراقب بتوجز وحزر, تسارع الأحداث والتصريحات والمواقف الغربية والأمريكية: فبوش أعلنها حربا صليبية, على الصالح والطالح, وأعلنها حربا عالمية على الإرهاب دون تعريف, فطال الخير والشر, ورقي الإسلام إلى شيوعية الحرب الباردة, وفتح حربا عالمية على الإسلام دينا وثقافة, أحيا بها الذاكرة التاريخية العربية والإسلامية, وعادت إلى الأذهان الحروب الرومية,حتى قصف دمشق والمليون شهيد في الجزائر, وأحيا الذاكرة المسيحية,ذكرى سقوط بيزنطة, ومعركة شهداء البلاط, و الفرسان الصليبية , والشعراء الجوالين في القرون الوسطى , وبذلك أسس أرضية خصبة لدعوة الجهاد, وللأحزاب اليمينية المسيحية المتطرفة ولو أن بوش أعلن الحرب على طالبان أو القاعدة " لكفى الله المؤمنين شر القتال" التيار الإسلامي المسيس أعلن الجهاد حربا مفتوحة ومعه كل المنتمين إلى ثقافته, على ساحة تشمل الكرة الأرضية, أينما وجدت أمريكا وحلفاؤها المنتمين إلى ثقافتها. إنها حربا عالمية ,فرضت نفسها على العالم باستبعاد استخباراتي للعقل وحضور متميز للعاطفة,وتحت قيادات وجد نفسه قسرا منطويا تحت إمرتها طواعية بلا ولاء,و القتل متبادل لتهويمات طوباوية, لا تنتمي إلى الواقع, ولا تنتمي للأسباب المعهودة للحروب ,إنها حرب من حروب الخيال العلمي تطبق على الواقع.

شريحة رفضت التفجيرات, وتفخيخ السيارات, واستهداف المدنيين, وميزت بين الإرهاب والمقاومة, وانتهجت الوسطية من المفردات الزمنية التي يعج بها الإسلام,كالسلم والحرب, الحرية والعبودية, القتال والسلم, العدالة والانتقام, الكراهية والمحبة,معاملة أهل الذمة,ومعاملة أهل الكفر, العفو والحكم, الجهاد والحرب , ........ كما قال المعتزلة في العصر العباسي" بوجود منزلة بين المنزلتين", واعتبرت الحوار سلاحا لتحسين صورة المسلمين, أمضى من المواجهة في زمن الضعف المهين والصورة المهزوزة عن الإسلام, أمام القوة العاتية الغاشمة, ولكن بين الفترة والأخرى يتلقى هذا التيار ضربات محكمة وقاتلة, أخرها محاضرة البابا وأما الشرائح التي حيدتها الدولة القومية عن معركة التحرير, أعلنت حربها على الاستبداد , ونادت بالدولة الديموقراطية, وحرية الرأي, والتعددية الحزبية, وأمنت لها الضغوط ألأمريكية, مساحة آمنة تعمل فيها وتقول رأيها, واتسم موقفها بالحزر وبالكلمة المدروسة, وأطرت عملها ونشاطها في حدودها معاهدة سيكس بيكون, تعيد جاهدة, المعاني السامية للوطنية و وحدة تنوعاتها العرقية والدينية التي فتتها الدولة القومية وأما تيار الدين الشعبي, المخذول قوميا, وقف مذهولا أمام هذا الزلزال الكارثة للمارد الأمريكي في 11 سبتمبر, لا يدري موقعه من الحدث الكارثة, يندفع هنا ويتراجع هناك, يؤيد الرأي الأخر, ويعود لينفيه......., ولم يستطع المنظرين والمفكرين القومين, النفاذ بمقولة أن هزيمة الفكر القومي مسؤولية الدولة القومية الشمولية الارهابية, وليس بنية الفكر القومي.

ومع جلاء ووضوح الأهداف الغير معلنة للمحافظين الجدد, و تداعيات الحرب الأفغانية و العراقية واللبنانية, تلاشت الآمال الوحدوية التحريرية من أحلام الجمهور القومي,وأصبح مرتعا نشطا للقاعدة, بعد أن رقى الإسلام إلى فاعل تاريخي قادر على خلق تكتل عربي وإسلامي واسع, قادر على مواجهة العولمة المتوحشة, وداعما انتخابيا للأحزاب الدينية النيرة التي قرأت الواقع بوضوح,وأقرت بنضوج سياسي الديمقراطية والتعددية....., وخلط الأوراق الأمريكية في المنطقة, وقلب الطاولة في أفغانستان والعراق والبنان إنه تفريخ أشباح الجهاد الإسلامي, من حاضنة الدولة القومية , في مد جنة المحافظين الجدد

رابط موقع ادباء الشام
http://www.odabasham.net/show.php?sid=8770