المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كل يوم وطني وانتم بالف خير



الغريب محمد المنسلح
10-10-2006, 01:26
اختطاف الوطنيّة

سامي بن عبد العزيز الماجد 24/8/1426
28/09/2005
الطاعة المفروضة للإمام بقيدها الشرعي دعامة ضرورية للمواطنة الصالحة، بيد أنها وحدها لا تضمن ذلك، فما أكثر الذين يُظهرون الطاعة، ويجدّدون البيعة كل حين، وهم أكذبُ الناس وطنيةً وأخونُهم لوطن. وفي الوطن من يتظاهر بالطاعة ويدعو الناس إلى الوطنية ويمتحنهم فيها، وهو أفرغهم منها قلباً، وأكثرهم لها خوناً.
إن اختزال الوطنية في طاعة ولي الأمر مغالطة تمارسها المرتزقة عمداً، وهو أمر ممجوج مشوّه للوطنية، يُشعر الناس أنهم مجرد عبيد لأسياد، يؤدُّون ولا يأخذون.
إن غاية ما تحققه الطاعة ـ بصورتها المشروعة الكاملة ـ أن تعالج صلة المحكوم بالحاكم، ولكنها لا تعالج صلة المجتمع بعضه ببعض، ولن تصحح العلاقة بين المواطنين أنفسهم. وهذه الصلة الأخرى بين المحكومين أنفسهم لا بد من مراعاتها لتحقيق المواطنة وتعزيز الوطنية، فكم من مطواعٍ لإمامه غشوم مع أهله وجيرانه!! وكم من معظم شأن الإمام وسلطانه مستخفٍّ بحرمات الناس، مقتات على حقوقهم، متربص بهم قالة السوء والوشاية تزلّفاً وارتزاقاً، وفي زمن العجائب يُقدّم هذا الغشوم الفتّان أنموذجاً للمواطنة الحقة! وليس له من مؤهلاتها إلا طاعته المطلقة لولي الأمر غير عابئٍ بما سوى ذلك من مقتضيات المواطنة!
ليست الوطنية أداء حقوق الراعي وتعظيمَ حرمته وحده، ولكنها أداء ـ كذلك ـ لحقوق الرعية وتعظيمٌ لحرماتها.
لقد اختُطِفتْ الوطنية،وابتدُعِتْ لها معايير شكليّة، وفُتن الناس فيها فتوناً، وامتُحنوا بما لم يُمتحنوا به من قبل، فأصبح تعليق الصور والوقوف للعلم محكًّا للمواطنة الصحيحة، فمن عظّم هذين فهو المواطن المخلص، ومن تحرّج منهما فوطنيّتُه مشكوكٌ فيها، ولو كان أميناً فيما أُؤتمن، مخلصاً فيما استُرعي، مطيعاً بالمعروف.
وهل خفي على هؤلاء المختطفين للوطنية أن أول من سيسقط في هذه المعايير هم علماؤنا وقضاتُنا؟! الذين ائتمنهم الإمام على الفتوى والقضاء، وارتضاهم لها، وارتضاها منهم، والذين لم يتركوا هذه المظاهر الشكلية إلا تحرّجاً وتأثماً. وإذا كان هؤلاء العلماءُ المفوَّض إليهم أمر الفتوى والقضاء غيرَ ملومين في هذا، فكيف يُلام مَن اقتدى بهم وصدر عن فتاويهم؟! ليس ثَمَّ إلا خياران: فإما أن تُعتبر فتواهم فلا يُؤاخذ من التزمها، وإما أن تُجرّد عن فتواهم صفة الرسمية وتُسقط عنهم ولاية الإفتاء. أمّا أنْ تُجعل لهم ولاية الفتوى، ثم يُلام من التزمها، فهذا مما لا يسوغ في العقول. ولماذا يستعظم هؤلاء المختطفون هذه المخالفة، وقد علموا أن مَن ترك هذه المظاهرَ الشكليةَ إنما تركها تأثّماً لا كرهاً أو استخفافاً؛ لفتوى تحرمها؟!
ومن عجيب أمر هؤلاء المختطِفين للوطنية تأكيدُهم في معالجة ظاهرة الغلو والإرهاب لأهمية المرجعية العلمية، بحيث يكون لها القولُ الفصل في الأمور العامة التي تعمّ بها البلوى، فإذا هؤلاء هم أول المسارعين لإسقاطها وانتزاع هيبتها، فيأخذون من فتاويهم ما يستحسنون، وينبِذون منها ما لا يهوَوْن، فهل يريدونها مرجعيةً مع حقِّ الانتقاء؟! وهل يريدون أن يجعلوا أنفسهم في حِلٍّ من التزامها واحترامِها؟! كيف سنربي شبابنا على احترام هذه المرجعية إذا كنا ندعوهم إليها ونتمرّد عليها بطريقة الانتقاء؟!
لقد وجدنا الدولة تتسامح في هذه المظاهر الشكلية لأجل تحرُّج الناس فيها، ولكننا بُلينا بأناس ليس لهم في الأمر ورد ولا صدَر، تمكّنوا أو مُكِّنوا في بعض وسائل الإعلامفاختطفوا الوطنية وصاغوا لها معايير شكلية ليمتحنوا بها وطنيةَ أناس قصداً وعن سابقِ ترصُّد، لتُلصق بهم تهمةَ خيانة الوطن وتؤلّب عليهم.
لقد اختُطفت الوطنية فأُخِذ بشكلياتها وقشورها وتُرك جوهرها ولبُّها، والعجيب أنك لو وعظت هؤلاء المختطفين للوطنية في بعض مظاهر التدين؛ كالحجاب وإعفاء اللحية وما شابه ذلك، لقالوا: هذه قشور ومظاهر شكلية، وحقيقة الدين وجوهره في القلب، وإنما العبرة بالإيمان والمعاملة! وبعضُ هذا حقّ ولا شك، ولكن لماذا لا تنسحب هذه النظرة على مسألة الوطنية؟! لماذا لا يزِنُون الوطنية بلبّها وجوهرها؟! ولماذا يمتحنون وطنية الناس بمعايير شكلية ويتناسون ما يحقّقه هؤلاء من لبّها وجوهرها؟! أما إنها (تصفية حسابات)، وما أخطر الأمر حين تُوظَّف الوطنية لتصفية الحسابات والوشاية والتحريض، فمآل هذا التوظيف احترابٌ داخلي ونزاع لا يرضى به إلا المتربصون الأعداء.
أين هؤلاء عن صور صارخة لخيانة الوطن، وما أكثرها؟! أليس من أعظم الخيانة أن يأتمن ولي الأمر رجلاً على ولاية فيخونَ الأمانة، ويستخفَ بالمسؤولية، ويوظِّفَها لمصالحه الشخصية؟! أليست هذه مخالفة لولي الأمر وخروجاً عن طاعته؟! وهل يشفع لهذا الخؤون تعليقه لصورة ولي الأمر وتزيّنه بها في مكتبه، وجعلُه النشيد الوطني وِردَه كلما أصبح أو أمسى؟! أليس من النفاق أن يستعلن الوطنية والطاعةَ ويستبطن الأثرةَ والخيانة؟!
أين هؤلاء عن صورة أخرى من أعظم صور الخيانة للوطنية والوطن؟ أين هم عمن يستعدي على وطنه الأعداء نصرةً لمذهبه أو تشفّياً وتصفيةً للحسابات؟! وما يفيد الوطنَ أن يتظاهر هذا الخائن بالوطنية بمظاهرها الشكلية، وقد استعدى الأعداءَ بكتاباته المحرِّضة في صحفهم، والتي يتهم فيها مناهج التعليم والمؤسسات الدينية بالإرهاب.
وإذا كان مِن صور الاستعداء على الوطن استثارة الأعداء بالقتل والتفجير في بلادهم، فلماذا لا يُحسب من صورها ـ كذلك ـ الاستعداءُ بالكلمة الخبيثة والاتهام المحرّض؟! ومع أن هذا الاستعداء ظاهرٌ مفضوح إلا أنه غير معدود في صور الخيانة عند أولئك المختطِفين للوطنية!
فلماذا يغضّون طرفهم عن هذه الخيانة الصريحة؟! أليس من العجيب في زمن العجائب أن يُترك الحديث عن هذا الاستعداء قصداً على شهرته في الوقت الذي تُحسب من نقائض الوطنية أفعال شكلية محتملة!