المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضوابط الجهاد في السنة النبوية الجزء الاول



abin shail
03-11-2004, 04:54
ضوابط الجهاد
في السنة النبوية








للدكتور محمد بن عمر بازمول
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه، و نستغفره، ونعوذ بالله، من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله  .
يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَتَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ
يَآأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً
يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.
أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فهذا بحث أوردت فيه جملة من أحكام الجهاد، مقتصراً فيها على ما دلت عليه السنة النبوية، وسميته : ضوابط الجهاد في السنة النبوية.
أتقدّم به مشاركة في الملتقى الذي ينظمه قسم التفسير والحديث بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، بجامعة الكويت، عن "الجهاد حقيقته وضوابطه"بعنوان "، في يومي الثلاثاء والأربعاء 1،2 ربيع الأول 1425هـ.
وقد كسرته على ثلاثة فصول:
الفصل الأول : ضوابط الجهاد من جهة حكمه.
الفصل الثاني : ضوابط الجهاد من جهة طريقته.
الفصل الثالث : ضوابط الجهاد من جهة مغنمه.
وقدمت بين يديها مقدمةً ، أشرت فيها إشارة مختصرة جداً إلى فضل الجهاد، وإلى خطورة استباحة الدم المعصوم، ونبهت على ما تسلل إلى أفكار بعضهم من استباحة دماء المسلمين وتسمية ذلك بالجهاد، وبينت أنه جهاد بدعي لأن أصحابه خرجوا به عن حدود الشرع، فهو جهاد لنصرة الهوى والبدعة، لا لإعلاء كلمة الله، فليس في سبيل الله!
وختمت بذكر أهم الأمور التي بينها البحث وانتهى إليها.
أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يجزي القائمين على هذا الملتقى كل خير، وأن يجعل ما بذلوه من جهد ومن تعب في موازين حسناتهم، وأن يختم بالصالحات أعمالنا إنه سميع مجيب.
كتبه

د. محمد بن عمر بن سالم بازمول
mbazmool@hotmail.com







الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام؛
و لا غرو فالجهاد صعب على النفس؛ إذ هو اجتهاد في بذل الجهد في قتال العدو، إما دعوة، وإما دفعاً، وذلك ببذل المال و الروح في سبيل الله سبحانه وتعالى.
وقال الأثرم: قال أحمد: لا نعلم شيئاً من أبواب البر أفضل من السبيل.
وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله، وذكر له أمر الغزو، فجعل يبكي ويقول: ما من أعمال البر أفضل منه .
وقال عنه غيره: ليس يعدل لقاء العدو شيء ا.هـ( ).
والجهاد شرعي مادام لإعلاء كلمة الله.
ومادام الجهاد في حدود الأمر والنهي الشرعيين فهو جهاد لإعلاء كلمة الله، فإن خرج عن حدود الشرعة التي جاء بها محمد  فقد خرج عن أن يكون جهاداً في سبيل الله، بل صاحب هذا الجهاد الخارج عن شرع الله جهاده في سبيل بدعته وهواه، فجهاده بدعي!
وقتال صاحب الجهاد البدعي ومنعه من إيذاء أهل الإسلام هو جهاد في سبيل الله، لأنه يطلب فيه إعلاء كلمة الله أمام من يقاتل لإعلاء هواه وبدعته.
فليس كل من قاتل مدعياً أنه يجاهد كان جهاده في سبيل الله، ما لم يعتصم بالكتاب والسنة، فيلزم في قتاله حدود ما شرعه الله عز وجل وينتهي عما نهى الله عز وجل.
وإن مما نهى الله تعالى عنه قتل المسلمين بغير حق، وقد جاء في الحديث عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ.
ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!
قَالَ : فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.
قَالَ : أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟! قُلْنَا : بَلَى!
قَالَ : فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!
قَالَ : فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.
قَالَ : أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ! قُلْنَا : بَلَى!
قَالَ : فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!
قَالَ : فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.
قَالَ : أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ! قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ!
قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا.
وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا أَوْ ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ.
ثُمَّ قَالَ : أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ"( ).
وقد رجع بعضنا يضرب رقاب بعض، ويستبيح منا ما حرمه الله، ويسمي ذلك جهاداً، وإنما هو جهاد بدعي؛ لخروجه عما شرعه الله، وتجاوزه حد الشرعة والمنهاج!
قال ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: "لا ريب أن الجهاد و القيام على من خالف الرسل و القصد بسيف الشرع إليهم، و إقامة ما يجب بسبب أقوالهم نصرة للأنبياء والمرسلين، وليكون عبرة للمعتبرين ليرتدع بذلك أمثاله من المتمردين من أفضل الأعمال التي أمرنا الله أن نتقرب بها إليه، وذلك قد يكون فرضا على الكفاية، وقد يتعين على من علم أن غيره لا يقوم به، و الكتاب و السنة مملؤآن بالأمر بالجهاد و ذكر فضيلته؛ لكن يجب أن يعرف الجهاد الشرعي الذي أمر به الله و رسوله من الجهاد البدعي: جهاد أهل الضلال الذين يجاهدون في طاعة الشيطان وهم يظنون أنهم مجاهدون في طاعة الرحمن، كجهاد أهل الأهواء و البدع كالخوارج و نحوهم الذين يجاهدون في أهل الإسلام، وفيمن هو أولى بالله ورسوله منهم من السابقين الأولين و الذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين. .... ... ... وكذلك من خرج من أهل الأهواء على أهل السنة، و استعان بالكفار من أهل الكتاب و المشركين و التتر و غيرهم هم عند أنفسهم مجاهدون في سبيل الله، بل وكذلك النصارى هم عند أنفسهم مجاهدون.
وإنما المجاهد في سبيل الله من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، كما في الصحيحين( ) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وقد قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (الأنفال: من الآية39).
و الجهاد باللسان هو مما [جاهد] به الرسول كما قال تعالى في السور المكية َلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (الفرقان:51- 52)؛ و إذا كان كذلك فالجهاد أصله ليكون الدين كله لله، بحيث تكون عبادته وحده هو الدين الظاهر، وتكون عبادة ما سواه مقهورا مكتوما أو باطلا معدوما، كما قال في المنافقين و أهل الذمة، إذ لا يمكن الجهاد حتى تصلح جميع القلوب، فإن هدى القلوب إنما هو بيد الله، و إنما يمكن حين يكون الدين ظاهرا: دين الله، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة:33)؛
ومعلوم أن أعظم الأضداد لدين الله هو الشرك، فجهاد المشركين من أعظم الجهاد، كما كان جهاد السابقين الأولين، وقد قال صلى الله عليه و سلم:"مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وكلمة الله إما أن يراد بها كلمة معينة وهي التوحيد: لا إله إلا الله، فيكون هذا من نمط الآية، وإما أن يراد بها الجنس أن يكون ما يقوله الله ورسوله، فهو الأعلى على كل قول، وذلك هو الكتاب ثم السنة؛ فمن كان يقول بما قاله الرسول ويأمر بما أمر به وينهى عما نهى عنه فهو القائم بكلمة الله، ومن قال ما يخالف ذلك من الأقوال التي تخالف قول الرسول فهو الذي يستحق الجهاد"اهـ( ).
لأجل هذا كان لابد من تداعي همم أهل العلم وطلابه، لجلاء حقيقة الجهاد الشرعي وضوابطه، وبيان الفرق بينه وبين الجهاد البدعي!
وباستقراء السنن الواردة عن الرسول  في موضوع الجهاد، يمكن أن تصنف ضوابط تتعلق بموضوع الجهاد من جهات ثلاث:
الجهة الأولى : ضوابط الجهاد من جهة حكمه.
الجهة الثانية : ضوابط الجهاد من جهة طريقته.
الجهة الثالثة : ضوابط الجهاد من جهة مغنمه.
وإليك بيانها:

 
ضوابط الجهاد من جهة حكمه
فيه الضوابط التالية :
الضابط الأول
التفريق بين حكم الجهاد بحسب نوعه
فإن الجهاد في سبيل الله على نوعين فرّق الشارع بينهما في الحكم، وهما:
النوع الأول : جهاد الدفع.
النوع الثاني: جهاد الطلب والدعوة.
فجهاد الدفع واجب متعين على كل من نزل العدو بأرضه.
أمّا جهاد الدعوة والطلب فإنه فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الآخرين، فلا يتعين هذا النوع من الجهاد على كل أحد.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أحوالاً يكون فيها الجهاد فرض عين ، وهي :
الأولى : في حال نزول العدو في أرض ، فإنه يجب على كل مسلم منهم دفع، وهو جهاد الدفع.
والثانية: إذا عين الإمام (ولي الأمر) أشخاصاً بأعيانهم للجهاد.
الثالثة: عند مواجهة العدو بشرط أن لا يزيد عدد العدو عن ثلاثة أضعاف المسلمين، كما قال تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال:66)، فلو كان الكفار ثلاثة أضعاف المسلمين لما وجب عليهم القتال، ولصح لهم الفرار، هذا في جهاد الطلب والدعوة.
الرابعة : إذا استنفر الإمام نفيراً عاماً، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ. إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (التوبة:39)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا"( ).
الخامسة: إذا احتيج إليه و لا يوجد غيره، فيتعين عليه( ).
الضابط الثاني
ليس الجهاد للدفاع فقط
أمّا جهاد الدفع فهذا لا نزاع فيه.
أمّا جهاد الطلب( ) والدعوة فيدل عليه من سنة الرسول  أنه كان يبعث جيوشه وسراياه لدعوة الناس وقتالهم على الإسلام بل جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"( ).
وهذا نص صريح في جهاد الطلب، ويدل عليه ما تقدم من أنه  لم يبق في المدينة ينتظر من يهاجمه ليدفعه ولكن أرسل الجيوش والبعوث والسرايا لقتال الكفار ودعوتهم إلى الإسلام، وإلا دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
ويؤيد ما تقدم قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (لأنفال:39)، وحديث الرسول  حيث قال فيما جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"( ).
الضابط الثالث
الفرق بين الجهاد الشرعي والجهاد البدعي
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"( ).
والحديث يدل على أن المجاهد هو من جاهد لإعلاء كلمة الله، ويكون الدين كله لله؛
فمن جاهد لإعلاء بدعة لم يجاهد في سبيل الله.
ومن جاهد على غير الطريقة التي شرعها الله لم يجاهد في سبيل الله.
و لا ينفعه أنه يعتقد أنه في سبيل الله!
قال ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: "لا ريب أن الجهاد و القيام على من خالف الرسل و القصد بسيف الشرع إليهم، و إقامة ما يجب بسبب أقوالهم نصرة للأنبياء والمرسلين، وليكون عبرة للمعتبرين ليرتدع بذلك أمثاله من المتمردين من أفضل الأعمال التي أمرنا الله أن نتقرب بها إليه، وذلك قد يكون فرضا على الكفاية، وقد يتعين على من علم أن غيره لا يقوم به، و الكتاب و السنة مملؤآن بالأمر بالجهاد و ذكر فضيلته؛
لكن يجب أن يعرف الجهاد الشرعي الذي أمر به الله و رسوله من الجهاد البدعي: جهاد أهل الضلال الذين يجاهدون في طاعة الشيطان وهم يظنون أنهم مجاهدون في طاعة الرحمن، كجهاد أهل الأهواء و البدع كالخوارج و نحوهم الذين يجاهدون في أهل الإسلام، وفيمن هو أولى بالله ورسوله منهم من السابقين الأولين والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين. .... ... ... وكذلك من خرج من أهل الأهواء على أهل السنة، و استعان بالكفار من أهل الكتاب و المشركين و التتر وغيرهم هم عند أنفسهم مجاهدون في سبيل الله، بل وكذلك النصارى هم عند أنفسهم مجاهدون.
وإنما المجاهد في سبيل الله من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، كما في الصحيحين( ) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وقد قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (الأنفال: من الآية39).
و الجهاد باللسان هو مما [جاهد] به الرسول كما قال تعالى في السور المكية َلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (الفرقان:51- 52)؛ و إذا كان كذلك فالجهاد أصله ليكون الدين كله لله، بحيث تكون عبادته وحده هو الدين الظاهر، وتكون عبادة ما سواه مقهورا مكتوما أو باطلا معدوما، كما قال في المنافقين و أهل الذمة، إذ لا يمكن الجهاد حتى تصلح جميع القلوب، فإن هدى القلوب إنما هو بيد الله، و إنما يمكن حين يكون الدين ظاهرا: دين الله، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة:33)؛
ومعلوم أن أعظم الأضداد لدين الله هو الشرك، فجهاد المشركين من أعظم الجهاد، كما كان جهاد السابقين الأولين، وقد قال صلى الله عليه و سلم:"مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وكلمة الله إما أن يراد بها كلمة معينة وهي التوحيد: لا إله إلا الله، فيكون هذا من نمط الآية، وإما أن يراد بها الجنس أن يكون ما يقوله الله ورسوله، فهو الأعلى على كل قول، وذلك هو الكتاب ثم السنة؛
فمن كان يقول بما قاله الرسول ويأمر بما أمر به وينهى عما نهى عنه فهو القائم بكلمة الله، ومن قال ما يخالف ذلك من الأقوال التي تخالف قول الرسول فهو الذي يستحق الجهاد"اهـ( ).
ومعنى هذا الكلام أن من قتل معصوم الدم من مسلم وذمي ومعاهد ومستأمن ورسل الملوك، أو لم يراع حدود شرع الله في جهاده، فلم ينتظم فيه تحت راية ولي الأمر: إمام المسلمين، ومن جاء في جهاده بما يخالف شرع الله تعالى؛ فجهاده من الجهاد البدعي: جهاد أهل الضلال والأهواء، ليس هو من الجهاد لإعلاء كلمة الله؛ إذ أصحابه لم ينتهوا عما نهى الله عنه، بل خالفوا أمر الرسول ، فهؤلاء المخالفون يستحقون القتال، وقتالهم جهاد في سبيل الله.
الضابط الثالث
لا يكون جهاد الطلب والدعوة إلا في حال قوة وقدرة.
وهذا هو الأصل في تكاليف الإسلام، إذ القدرة مناط التكليف. يقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا البقرة: من الآية286)، ويقول سبحانه وتعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا (الطلاق: من الآية7)، ويقول سبحانه وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن: من الآية16).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بسؤالهم وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"( ).
ومما يزيد أن القوة شرط لإقامة جهاد الطلب ابتداء الأمور التالية:
أ) أن الله سبحانه وتعالى يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (لأنفال:60).
وفي الحديث عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (الأنفال:60)، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ"( ).
ففي هذا أن الإعداد لقتال العدو لابد منه، وأن أنفع القوة المعدة هي الرمي.
وفي الآية والحديث ما يشير إلى أنه لابد من الإعداد للقوة قبل القتال والجهاد، فإن لم تكن هناك قوة فلا جهاد و لا قتال، إلا أن ينزل العدو بأرضنا!
ب) أن الله اشترط في العدد للوجوب أن يكون الرجل المسلم مقابل اثنين، كما قال تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فلم يوجب الله على المسلمين قتال الكفار إذا كانوا أكثر من ذلك، وهذا في جهاد الطلب والدعوة، بخلاف جهاد الدفع كما حصل في معركة أحد والخندق، [فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجباً عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار]( ).
ج) ومما يدل على أن القدرة شرط في الجهاد ما جاء عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: "ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ!
الحديث وفيه ذكر الدجال ، ثم ذكر نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فقال: إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي

abin shail
03-11-2004, 04:59
حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ"( ).
ففي هذا الحديث أنه لما كان عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين لا طاقة لهم بقتال يأجوج ومأجوج أمره الله ألا يقاتلهم ويجاهدهم، فما الحال في أمة الإسلام وهم في حال ضعف القوة والقدرة؟!
فإن قيل: فإن هذا الحديث ما هو في جهاد الدّفع، وكلامنا في جهاد الطلب، فالجواب: إذا كانت القدرة معتبرة في جهاد الدفع – كما دل عليه الحديث – فمن باب أولى جهاد الطلب والدعوة.
مع ملاحظة أن عيسى وما ذكره إنما هو في أمة الإسلام أمة دعوة الرسول ، فما الذي جعل الجهاد والقتال في ذلك الوقت حين نزول عيسى عليه الصلاة والسلام ممنوعاً بسبب عدم القدرة وجعله اليوم واجباً؟!
وأفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية بما نصّه: "الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره، وحفظ حرماته؛ فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه، ولكنه لا بدّ له من بعث الجيوش، وتنظيمها؛ خوفاً من الفوضى، وحدوث ما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك كان بدؤه، والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه، مخلصاً وجهه لله، راجياً نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي، وعدم العذر؛ فهو آثم"اهـ( ).
قال ابن عثيمين (ت1421هـ) رحمه الله: "لابد فيه (يعني: الجهاد) من شروط، وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة، لأنهم عاجزون ضعفاء، فلما هاجروا إلى
المدينة وكونوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة أمروا بالقتال"اهـ( ).
الضابط الرابع
الجهاد ماض إلى يوم القيامة، في حال قوة المسلمين وفي حال ضعفهم؛
فهو بالسنان في حال قوتهم وهو بالحجة والبرهان باللسان أو بالقلب في حال ضعفهم.
وهذا معنى ما جاء عن مُعَاوِيَة بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. وَلَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"( ).
وعن عَبْد الرَّحْمَن بْنُ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَدْعُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ: يَا عُقْبَةُ اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُقْبَةُ: هُوَ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَجَلْ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ إِلَّا قَبَضَتْهُ ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ"( ).
فمعنى هذين الحديثين : استمرار الجهاد في كل زمان، وأن المسلمين لا ينقطعون عنه إلى أن تهب هذه الريح الطيبة، مع ملاحظة أن المراد بالجهاد الجهاد بجميع أنواعه، فهو جهاد بالسنان عند القدرة والقوة، وهو جهاد باللسان بالحجة والبرهان أو بالقلب عند ضعف القوة والقدرة.
قال ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: "لمّا أتى الله بأمره الذي وعده من ظهور الدين وعز المؤمنين؛ أنر رسوله بالبراءة إلى المعاهدين( ) وبقتال المشركين كافة( )، وبقتال أهل الكتاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ( )؛ فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى اللذين أمر الله بهما في أول الأمر، وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية، وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه، فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه.
وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون آخر عُمُر رسول الله  وعلى عهد خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة، لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام؛
فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين.
وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" اهـ( ).
الضابط الخامس
لابد من إذن الإمام( )، فلا جهاد دعوة وطلب إلا بإذن الإمام.
وهذه سنة الرسول  و سنة الخلفاء الراشدين ، وهو ما جرى عليه الصحابة ؛ فإننا لا نعلم أن أحداً منهم خرج مجاهداً بغير إذن الإمام؛ إنما كانوا يجاهدون ويخرجون للجهاد تحت راية الإمام، والخروج عن سبيلهم خروج عن سبيل المؤمنين، والله عزوجل يقول: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (النساء:115).
عن أبي هريرة ، قال رسول الله : "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ"( ).
عن أَبي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟
قَالَ : نَعَمْ.
قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟
قَالَ : نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ!
قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ؟
قَالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ!
قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟
قَالَ : نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا!
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا؟
فَقَالَ : هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا!
قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟
قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ!
قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟
قَالَ : فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"( ).
وقد نص العلماء رحمهم الله على مضي الجهاد تحت راية الأئمة برهم وفاجرهم، وهذا فيه أن الأصل في الجهاد أن يكون مع الأئمة، فلا جهاد بدون إذن الإمام.
قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله: "والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة – البر والفاجر – لا يترك"اهـ( ).
قال أبو جعفر الطحاوي (ت321هـ) رحمه الله تعالى : "والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برِّهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء و لا ينقضهما"اهـ( ) .
وقال ابن قدامه (ت620هـ) رحمه الله: "وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك"اهـ( ).
وقال ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: "ويرون (يعني: أهل السنة والجماعة) إقامة الحج والجهاد والجُمع مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً"( ) .
قال ابن عثيمين (ت1421هـ) رحمه الله: "لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون كلبه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذا.
وإنما لم يجز ذلك؛ لأن الأمر منوط بالإمام، فالغزو بلا إذنه اقتيات وتعد على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس، كما قال تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (الحجرات: من الآية9)، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضاً لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام"اهـ( ).
وعلى هذا الضابط نقول: لا جهاد تحت راية كافرة، و لا جهاد بغير راية إمام.
الضابط السادس
لابد من إذن الوالدين المسلمين إن كانا حيين أو أحدهما في جهاد الطلب
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ"( ).
وهذا في الجهاد الذي يكون للدعوة والطلب لأنه فرض كفاية وبر الوالدين فرض عين، أمّا في الجهاد العيني فإنه لا يشترط إذنهما، لأن مصلحة الجهاد أعم، إذ هي لحفظ الدين والدفاع عن المسلمين، فمصلحته عامة مقدمة على غيرها وهو يقدّم على مصلحة حفظ البدن.
وهذا في الأبوين المسلمين، فإن كانا كافرين خرج للجهاد بدون إذنهما فرضا كان الجهاد أو تطوعاً؛ إذ كان أصحاب رسول الله  يجاهدون وفيهم من له أبوان كافران من غير استئذانهما، منهم أبوبكر الصديق وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، كان مع النبي  يوم بدر وأبوه رئيس المشركين يومئذ قتل ببدر، و أبو عبيدة قتل أباه في الجهاد، وفيه نزل قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة:22)( ).
وظاهر الحديث أنه لابد من إذنهما سواء وجد لهما ولد غيره أم لا، وسواء كان بسبب خوفهما عليه، أم لا!
قال الشوكاني (ت1250هـ) رحمه الله: " يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن "اهـ( ) .
الضابط السابع
يختلف جهاد الدفع عن جهاد الدعوة والطلب في هذه الأمور؛ فلا يشترط فيه أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، و لا يشترط فيه القوة، ولا يشترط فيه إذن الإمام، و لا يشترط فيه إذن الوالدين أو أحدهما، فلا يشترط فيه شرط، بل يدفع العدو بحسب الإمكان.
قال ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: "أما قتال الدفع: فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين. فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه. فلا يشترط له شرط. بل يدفع بحسب الإمكان. وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم. فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر، وبين طلبه في بلاده ا.هـ( ).
قال ابن القيم (ت751هـ) رحمه الله: "فإذا كانت المسابقة شرعت ليتعلم المؤمن القتال ويتعوده ويتمرن عليه؛
فمن المعلوم أن المجاهد قد يقصد دفع العدو، إذا كان المجاهد مطلوباً، والعدو طالباً.
وقد يقصد الظفر بالعدو ابتداء إذا كان طالباً والعدو مطلوباً.
وقد يقصد كلا الأمرين.
والأقسام الثلاثة يؤمر المؤمن فيها بالجهاد .
وجهاد الدفع أصعب من جهاد الطلب؛ فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه، كما قال الله تعالى:  أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا (الحج:39)، وقال النبي  :"من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"( )؛ لأن دفع الصائل على الدين جهاد وقربة، ودفع الصائل على المال والنفس مباح ورخصة، فإن قتل فيه فهو شهيد؛
فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد يقم ويجاهد فيه: العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق.
ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد (يعني: جهاد الدفع) أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجباً عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار، ولهذا تباح فيه صلاة الخوف بحسب الحال في هذا النوع وهل تباح في جهاد الطلب إذا خاف فوت العدو ولم يخف كرته؟ فيه قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد.
ومعلوم أن الجهاد الذي يكون فيه الإنسان طالباً مطلوباً أوجب من هذا الجهاد الذي هو فيه طالب لا مطلوب، والنفوس فيه أرغب من الوجهين .
وأما جهاد الطلب الخالص فلا يرغب فيه إلا أحد رجلين إما عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، وإما راغب في المغنم والسبي.
فجهاد الدفع يقصده كل أحد، ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعاً وعقلاً.
وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين.
وأما الجهاد الذي يكون فيه طالباً مطلوباً فهذا يقصده خيار الناس؛ لإعلاء كلمة الله ودينه، ويقصده أوساطهم؛ للدفع ولمحبة الظفر."اهـ( ).
مع ملاحظة الأمور التالية:
- أن عدم اشتراط إذن الإمام في جهاد الدفع إنما هو إذا فاجأ العدو أهل البلد؛ فتعذر عليهم الرجوع إليه لدفع العدو، أمّا إذا لم يتعذر فالأصل الرجوع إلى الإمام، والجهاد معه، والقتال من ورائه، كما فعل المسلمون لمّا حاربهم المشركون في معركة الخندق.
قال عبدالله بن الإمام أحمد: سمعتُ أبي يقول: إذا أذن الإمامُ, القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا.
قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا, إلا أن يأذن الإمام, إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين"( ).
قال ابن قدامه (ت620هـ) رحمه الله: "لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه, لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجـأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأن المصلحة تتعين في قتالهم, والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم، لذلك لما أغار الكفار على لقاح النبي  فصادفهم سلمة بن الأموع خارجاً من المدينة، تبعهم فقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي ، قال: "خير رجالنا سلمة بن الأكوع" وأعطاه سهم فارس وراجل"اهـ( ).
- أن عدم القدرة على العدو في جهاد الدفع تجوز الدخول معه في صلح، إذا رأى الإمام ذلك، والحال في ذلك كالحال في جهاد الطلب. كما فعل الرسول  في دخوله مع المشركين في صلح الحديبية، ولم يدفعهم عن مكة المكرمة، وأموال المسلمين فيها.
- وعدم القدرة على قتال العدو يجوز معها ترك قتاله، كما أمر الله سبحانه وتعالى نبيه عيسى عليه الصلاة والسلام، وذلك في قوله في الحديث: "إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور".

 
ضوابط الجهاد من جهة طريقته
فيه ذكر الضوابط التالية:
الضابط الأول
الجهاد المشروع يشمل عدة صور وأنواع.
فهو يشمل من جهة النوع: جهاد النفس، وجهاد الشيطان( )، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين( )، والعصاة وأهل البدع .
ويشمل من جهة الوصف الجهاد بالسنان والجهاد باللسان (بالحجة والبرهان، والذب عن الإسلام والمسلمين)، والجهاد بالقلب.
وجنسه فرض إما بالقلب وإما باللسان وإما بالمال وإما باليد؛ فالجهاد باق إلى أن يأتي أمر الله، وعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع، بحسب الحال( ).
ويدل عليه حديث الرسول ؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ"( ).
َعَنْ أَنَسٍ  أَنَّ اَلنَّبِيَّ  قَالَ: "جَاهِدُوا اَلْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ, وَأَنْفُسِكُمْ, وَأَلْسِنَتِكُمْ" رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ( ).
وقد جاء ذكر جهاد النفس في الحديث عن رسول الله ؛
عن فضالة بن عبيد  قال: رسول الله  في حجة الوداع: "ألا أخبركم بالمؤمن: من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب"( ).
فهذا الحديث فيه ذكر جهاد النفس.
قال ابن قيم الجوزية (ت751هـ) رحمه الله : "لما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النبي : " المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"( )؛ كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج، وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، ويحاربها في الله؛ لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج! فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه، لم يجاهده، ولم يحاربه في الله بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج.
فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما، وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما، ويخذ له ويرجف به، ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان قال تعالى : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً (فاطر: من الآية6)، والأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته كأنه عدو لا يفتر ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس، فهذه ثلاثة أعداء أمر العبد بمحاربتها وجهادها، وقد بلي بمحاربتها في هذه الدار، وسلطت عليه امتحاناً من الله له وابتلاء"اهـ( ).
وقال رحمه الله: "وأمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده( )، كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته( ). وكما أن حق تقاته : أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، فحق جهاده : أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه، ولسانه، وجوارحه لله، فيكون كله لله و بالله، لا لنفسه ولا بنفسه، ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه؛ فإنه يعد الأماني ويمني الغرور، ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء، وينهى عن التقى والهدى والعفة والصبر، وأخلاق الإيمان كلها فجاهده بتكذيب وعده ومعصية أمره فينشأ من هذين الجهادين قوة وسلطان وعدة يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله لتكون كلمة الله هي العليا"اهـ( ).
و قال رحمه الله: "جهاد النفس أربع مراتب:
إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد عمله وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله.
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا؛ حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات."اهـ( ).
الضابط الثاني
لابد من الإعداد للقوة المعنوية الإيمانية والقوة الحسية( )
عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ:وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (الأنفال:60)، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ

abin shail
03-11-2004, 05:08
الرَّمْيُ"( ).
ففي هذا أن الإعداد لقتال العدو لابد منه، وأن أنفع القوة المعدة هي الرمي.
ولن نغلب أعداء الله بعدتنا و لا بعددنا إنما نغلبهم بتقوى الله في قلوبنا، فلا بد من الإعداد المعنوي بالعلم النافع والعمل الصالح، وقد جاء في الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلَا يُغْلَبُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ"( ).
الضابط الثالث
لا قتال لمن لم تبلغه دعوة الإسلام إلا بعد عرض الإسلام أو الجزية أو القتال.
في الحديث عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ:
اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا.
وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ:
ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ؛ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ.
ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ.
فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا؛ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ هُمْ أَبَوْا؛ فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ.
فَإِنْ هُمْ أَبَوْا؛ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ"( ).
أما ما جاء عن نَافِعٍ مولى ابن عمر : "َ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ. [قال نافع:] حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ"( )؛ فقد حمله أكثر العلماء على جواز المقاتلة قبل الدعاء إلى الإسلام في حق الكفار الذين قد بلغتهم الدعوة من غير إنذار.
الضابط الرابع
لا قتال لمن يقيم الصلاة ويؤذن لها؛
إذ كان  إذا أراد أن يبيت قوماً انتظر فإذا سمع النداء لم يقاتلهم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ.
قَالَ: فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ"( ).
فما القول فيمن يقوم بعمليات قتالية واستشهادية في ديار المسلمين، بين ناس تقام فيهم الصلوات الخمس، ويؤمر فيهم بالمعروف وينهى فيها عن المنكر؟!
هل يسمى قتل المسلمين جهاداً؟!
"بأيِّ عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهاداً؟! وَيحَكم....أفيقوا يا شباب!!"( ).
الضابط الخامس
جواز الصلح والهدنة مع الكفار ؛ سواء في جهاد الدعوة أم الدفع
وذلك إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك للمسلمين، أو كان أهل الإسلام في ضعف؛ فإن للإمام أن يصالح ويعقد الهدنة مع من يراه لصالح المسلمين .
عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ : أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ وَلَكِنْ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الْآنَ فَارْجِعْ قَالَ: فَذَهَبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمْتُ"( ).
قال ابن كثير (ت749هـ) رحمه الله: "فأما إذا كان العدوّ كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت الآية الكريمة: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (الأنفال من الآية 61) وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية"اهـ( ).
وقال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله : "ومعنى الشرط في الآية (يعني قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ  (الأنفال: من الآية61)) أن الأمر بالصلح مقيد بما إذا كان الأحظ للإسلام المصالحة، أما إذا كان الإسلام ظاهراً على الكفر ولم تظهر المصلحة في المصالحة فلا"اهـ( ) .
والذي يرى ذلك أو لا يراه إنما هو الإمام وليس لأحد غيره.
قال ابن قدامه (ت620هـ) رحمه الله: "ولا يجوز عقد الهدنة ولا الذّمّة إلا من الإمام أو نائبه، ولأنه يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة على ما قدّمناه، ولأن تجويزه من غير الإمام يتضمّن تعطيل الجهاد بالكلية أو إلى تلك الناحية، وفيه افتيات على الإمام"اهـ( ).
وقال : "وإن عقد الإمام الهدنة ثم مات أو عُزل لم ينتقض عهده، وعلى من بعده الوفاء به لأن الإمام عقده باجتهاده"اهـ( ).
وقال : "وإذا عقد الهدنة لزمه الوفاء بها لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة:1)، وقال تعالى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ (التوبة:4)؛ ولأنه لو لم يفِ بها لم يُسكن إلى عقده وقد يحتاج إلى عقدها"اهـ( ) .
وقال رحمه الله: "وإذا عقد الهدنة‏,‏ لزمه الوفاء بها لقول الله تعالى‏:‏ ‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة: من الآية1).‏ وقال تعالى‏: ‏‏فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ (التوبة: من الآية4)‏.‏ ولأنه لو لم يف بها لم يسكن إلى عقده وقد يحتاج إلى عقدها‏,‏ فإن نقضوا العهد جاز قتالهم لقول الله تعالى‏:‏ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (التوبة:12)،‏ وقال تعالى‏: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (التوبة: من الآية7)"اهـ( ).
ويقول ابن القيم (ت751هـ) رحمه الله: "يجوز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم"اهـ( ).
قال عبد العزيز بن عبدالله بن باز (ت1420هـ) رحمه الله تعالى : "تجوز الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك لقوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنفال:61)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلهما جميعاً، كما صالح أهل مكة على ترك الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، وصالح كثيراً من قبائل العرب صلحاً مطلقاً، فلما فتح الله عليه مكة نبذ إليهم عهودهم، وأجّل من لا عهد له أربعة أشهر، كما في قول الله سبحانه: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (التوبة:1-2)، وبعث  المنادين بذلك عام تسع من الهجرة بعد الفتح مع الصديق لما حج ، ولأن الحاجة والمصلحة الإسلامية تدعو إلى الهدنة المطلقة ثم قطعها عند زوال الحاجة، كما فعل ذلك النبي ، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله القول في ذلك في كتابه (أحكام أهل الذمة)، واختار ذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة من أهل العلم، والله ولي التوفيق"اهـ( ) .
وأصحاب العهد: أهل الذمة والمستأمنون ورسل الملوك؛ دمهم معصوم، لا يجوز أن يقتلوا في عهدهم، وقد جاء في السنة الوعيد الشديد لمن ينتهك دماً من دم هؤلاء؛
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"( ).
قال ابن حجر في شرحه لقوله  في الحديث: "معاهدا": ", وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم"اهـ( ).
وهذا الحكم في جواز الهدنة والصلح مع العدو في جهاد الدعوة والطلب وفي جهاد الدفع، فإن العدو إذا تمكن من البلد ولم يقدر على دفعه، فإنه للمسلمين الذين احتل العدو أرضهم أن يدخلوا معه في هدنة وصلح؛ حقناً لدماء المسلمين، وحتى لا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، كما دخل الرسول  مع كفار مكة في صلح وهدنة وهم قد اغتصبوا أرض المسلمين في مكة وديارهم، كما قال تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (الحشر:8)، [ومع ذلك صالح النبي  قريشاً يوم الحديبية سنة ست من الهجرة، ولم يمنع هذا الصلح ما فعلته قريش من ظلم المهاجرين في دورهم وأموالهم، مراعاة للمصلحة العامة التي رآها النبي  لجميع المسلمين من المهاجرين وغيرهم، ولمن يرغب الدخول في الإسلام]( ).
الضابط السادس
أوجب طاعة الإمام في غير معصية.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ"( ).
عن أبي هريرة ، قال رسول الله : "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ"( ).
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟! قَالُوا: بَلَى! قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا نَارًا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنْ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ وَسَكَنَ غَضَبُهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ"( ).
الضابط السابع
أوصى الجيش بوصايا
ومن مشكاتها ما جاء عن أبي بكر الصديق خليفة رسول الله  حيث قال لقائد أحد جيوشه: إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له و ستجدوا قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف.
وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نخلا ولا تفرقنه ولا تغلل ولا تجبن".
وفي الحديث عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ:
اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا.
وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ: ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ؛ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ.
ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ.
فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا؛ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ هُمْ أَبَوْا؛ فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ.
فَإِنْ هُمْ أَبَوْا؛ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ.
وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ؛ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ.
وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا"( ).
ومن وصاياه للجيش ما جاء عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنْتُ كَاتِبًا لَهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ"( ).
ولقاء العدو من مجالات الثبات، وسبيله الصبر، وهو ما أمر به .

 
ضوابط الجهاد من جهة الغنيمة
فيها الضوابط التالية:
الضابط الأول
فرق بين الغنيمة والفيء
عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا وَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ"( ).
قَالَ الْقَاضِي عياض (ت544هـ) رحمه الله: "يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ِالْأول في [الْفَيْء] مما لم [يوجف] عليه بخيل و لا ركاب، مما أجلى عنه أهله، أو مما [صالحوا] عليه، فيكون حقهم فيها، أي: قسمهم في العطاء، ويكون المراد بالثاني [ما] فيه الخمس، ما أخذ عنوة.
ولم يختلف العلماء أنه لا خمس في الفيء إلا الشافعي وحده، وقد خالفه بعض أصحابه في ذلك"اهـ( ).
الضابط الثاني
للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم.
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا". قَالَ: " فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ"( ).
الضابط الثالث
للإمام أن ينفل من غنائم العدو ما فيه المصلحة.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً وَأَنَا فِيهِمْ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا"( ).
وفي الحديث دليل على جواز التنفيل زيادة على الأسهم، ولم يكن  ينفل جميع من يبعثهم، إنما بحسب ما تقتضيه المصلحة، ويدل عليه ما جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ"( ).
الضابط الرابع
الغلول حرام
عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ: أَنَّهُ جَلَسَ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَالْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيِّ فَتَذَاكَرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِعُبَادَةَ: يَا عُبَادَةُ كَلِمَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا فِي شَأْنِ الْأَخْمَاسِ؟
فَقَالَ عُبَادَةُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي غَزْوِهِمْ إِلَى بَعِيرٍ مِنْ الْمَقْسِمِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَاوَلَ وَبَرَةً بَيْنَ أُنْمُلَتَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ مِنْ غَنَائِمِكُمْ وَإِنَّهُ لَيْسَ لِي فِيهَا إِلَّا نَصِيبِي مَعَكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ؛ فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ وَأَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَصْغَرَ وَلَا تَغُلُّوا فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَجَاهِدُوا النَّاسَ فِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. وَأَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ. وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عَظِيمٌ يُنَجِّي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْغَمِّ وَالْهَمِّ"( ).
وليس من الغلول الأكل من الطعام الذي يكون في الغنيمة قبل قسمتها، أو أخذ ما يستصلح به أمر الدواب من علف ونحوه، بدون إذن الإمام؛ ويدل عليه ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: "أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا! قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَبَسِّمًا"( ).
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ"( ).
الضابط الخامس
لا يخمس السلب، وهو لمن أتى به إذا جاء ببينة.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ! فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ فَقُمْتُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ! فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ فَأَعْطَاهُ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ"( ).
فهذا الحديث دليل على أن السلب لا يخمس.
هذه مجمل ضوابط الجهاد في السنة النبوية، قد عرضتها في هذه العُجالة.
راجياً الله أن يحمي حوزة الدين ويعلي شأن الإسلام والمسلمين، وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الخاتمة
تتضمن الأمور التي انتهى إليها البحث في ضوابط الجهاد في السنة النبوية
بتأمل هذه الضوابط التي جاءت في السنة النبوية، في موضوع الجهاد ننتهي إلى الأمور التالية:
- أن على الأمة الإسلامية اليوم السعي لتحصيل القوة المعنوية بالعلم النافع والعمل الصالح، والقوة المادية ، بكل ما من شأنه تهيئة الأمة لرفع راية الجهاد عالية خفاقة.
- أنه قبل أن يتحقق وصف القوة والقدرة، لا يجب على الأمة خوض جهاد الطلب والدعوة، وهل يستحب لها ذلك؟ الجواب: لا ، لا يستحب لها ذلك، لأنه إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، وعلى هذا لابد للأمة من شرط القوة والقدرة حتى تجاهد، و لا يكلف الله نفساً إلا وسعها( ).
- أن استباحة الدماء المعصومة، وترويع الآمنين، في عهدهم، هو من الجهاد البدعي، وأصحابه أحق أن يقاتلوا، إذ هذا جهاد في سبيل الله، لأنه إعلاء لكلمة الله!
- أن الخروج إلى الجهاد للدعوة والطلب لابد فيه من إذن الوالدين المسلمين.
- أن الخروج لجهاد الدعوة والطلب لابد فيه من إذن الإمام.
- أن جهاد الدعوة والطلب يختلف عن جهاد الدفع، فإن جهاد الدفع لا يشترط فيه أي شرط، إنما يدفع العدو بحسب الإمكان، فإن تمكن العدو من البلد، فإنه لا مانع من الدخول معه في صلح أو هدنة.
- أن على المجاهدين أن يتأدبوا بآداب ووصايا كان الرسول  يوصي بها الجيش.
- أن الدعوة إلى الإسلام وعرض الجزية يبدأ بهما قبل القتال.
- لا يقاتل من يقيم الصلاة ويؤذن لها.
- الهدنة والصلح والعهد مع العدو من شأن الإمام والناس له تبع، فللإمام أن يبرمها إذا رأى في ذلك مصلحة راجحة للمسلمين، وعلى المسلمين طاعته في ذلك واتباعه فيه، سواء في جهاد الدفع أم جهاد الطلب والدعوة.
- أن الغنيمة والفيء قسمها الرسول  ووضع لها ضوابط يرجع إليها في توزيعها.
- وجوب طاعة ولاة الأمر، وعدم الخروج عليهم، ما أمروا بطاعة وبما لا يخالف كتاب الله تعالى وسنة نبيه ، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
- الجهاد الشرعي أنواع : فمنه جهاد النفس، ومنه جهاد الشيطان، ومنه جهاد الكفار، ومنه جهاد المنافقين، ومنه جهاد أهل البدع والمعاصي، والأصل في جهاد الكفار يكون بالقتال بالسلاح، والأصل في جهاد النفس أن يكون بالعلم النافع والعمل الصالح، والأصل في جهاد المنافقين يكون بالعلم والحجة والبرهان، والأصل في جهاد الشيطان بمحاربة الهوى والشهوة، وتضييق مداخله على الإنسان.
- الجهاد ماض إلى يوم القيامة مع الأئمة برهم وفاجرهم، و لا تزال طائفة من أمة الإسلام على الحق ظاهرين، جهادهم بالسلاح في حال القوة والقدرة، والحجة والبرهان في حال الضعف المادي، فظهورهم بهما أو بأحدهما بحسب الحال.
اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزم أعداء الإسلام، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، وأرنا فيهم آيات قدرتك، ودلائك قوتك، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين في كل مكان.هذا والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

abin shail
03-11-2004, 07:14
اخيرا ليس أخر هذا ملحق بضوابط الجهاد

( ) ذهب بعض الناس إلى أن الجهاد المشروع فقط جهاد الدفع لا جهاد الطلب، واستدلوا على ذلك بآيات ناقشها الشيخ عبدالعزيز بن باز في محاضرة له بعنوان : "ليس الجهاد للدفاع فقط"، ألقاها عندما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في دار الحديث بالمدينة، في أول موسم المحاضرات لعام 1388- 1389هـ، ثم نُشرت في مجموع فتاواه (3/171-201)، حيث قال رحمه الله: "وقد تعلق القائلون بأن الجهاد للدفاع فقط بآيات ثلاث : الأولى: قوله جل وعلا : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا والجواب عن ذلك: أن هذه الآية ليس معناها القتال للدفاع ، وإنما معناها القتال لمن كان شأنه القتال : كالرجل المكلف القوي ، وترك من ليس شأنه القتال : كالمرأة والصبي ونحو ذلك ، ولهذا قال بعدها : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ. فاتضح بطلان هذا القول ، ثم لو صح ما قالوا ، فقد نسخت بآية السيف وانتهى الأمر بحمد الله . والآية الثانية التي احتج بها من قال بأن الجهاد للدفاع: هي قوله تعالى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ وهذه لا حجة فيها؛ لأنها على الأصح مخصوصة بأهل الكتاب والمجوس وأشباههم ، فإنهم لا يكرهون على الدخول في الإسلام إذا بذلوا الجزية ، هذا هو أحد القولين في معناها. والقول الثاني : أنها منسوخة بآية السيف ولا حاجة للنسخ بل هي مخصوصة بأهل الكتاب كما جاء في التفسير عن عدة من الصحابة والسلف فهي مخصوصة بأهل الكتاب ونحوهم فلا يكرهون إذا أدوا الجزية، وهكذا من ألحق بهم من المجوس وغيرهم إذا أدوا الجزية فلا إكراه ، ولأن الراجح لدى أئمة الحديث والأصول أنه لا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع ، وقد عرفت أن الجمع ممكن بما ذكرنا . فإن أبوا الإسلام والجزية قوتلوا كما دلت عليه الآيات الكريمات الأخرى . والآية الثالثة التي تعلق بها من قال أن الجهاد للدفاع فقط: قوله تعالى في سورة النساء : فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً قالوا : من اعتزلنا وكف عنا لم نقاتله . وقد عرفت أن هذا كان في حال ضعف المسلمين أول ما هاجروا إلى المدينة ثم نسخت بآية السيف وانتهى أمرها ، أو أنها محمولة على أن هذا كان في حالة ضعف المسلمين فإذا قووا أمروا بالقتال كما هو القول الآخر كما عرفت وهو عدم النسخ. وبهذا يعلم بطلان هذا القول وأنه لا أساس له ولا وجه له من الصحة"اهـ




هذا الكتاب جميل جدا ارجوا الاستفادة منه لانه فيه يوجد مباحث مهمه أخي اقرا هذا الكتاب فأني انزلته لك حتى يعم النفع انشاء الله وارجوا ممن يقرأه ان يهديه الى اخا له او صديق



والسلام عليكم ورحمة الله وبركة ابن شعيل