المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المستقلة ، وشيخ الإسلام



الثائر
06-03-2004, 06:16
بسم الله الرحمن الرحيم

مختصر الكلام في الذب عن عقيدة الأئمة الأعلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ، فقد استمعت إلى بعض المناظرات التي بثتها إحدى الفضائيات، والتي عرض فيها مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وما اعترض عليه ذلك المخالف الشيخ حسن السقاف ، وهو في الحقيقة إنما يعترض على مذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين من الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة المرضيين والعلماء المهديين.
ولقد أسفت كثيراً لبث مثل هذه المسائل العلمية الكبيرة على مسامع العامة، فهذا مما لا ينبغي فعله، خاصة في المسائل الخفية التي يستعصي فهمها وإدراكها على كثير من طلبة العلم الشرعي، فضلاً عن غيرهم من المثقفين أو العوام الأميين، وهو مدعاة إلى الشك والتكذيب في هذا الدين، وقد صح في الأثر (( حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكَّذبَ الله ورسوله)).
وساءني أن يعرض مذهب السلف على العامة بهذه الطريقة ، وأن ينال من ذات الله وصفاته ويُكَّذبَ كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويحرَّف معناه، وتلقى الشبه الكثيرة على مرأى ومسمع من تلك الجموع الكثيرة والألوف المؤلفة التي لا يُحصي عددها إلا الله تعالى .
ومعلوم أنه لايشد انتباه الناس شيء أكثر من الخصام والجدال ، خاصة في مسائل الدين . وليته كان جدالاً بالتي هي أحسن ، لكنه للأسف تحول إلى مغالطات ثم إلى سباب ومهاترات ، وسفه لا يليق بأهل العلم على الإطلاق . وساءني كذلك أن ينال ذلك المخالف من شخص عَلَم شامخ من كبار أعلام الأمة، وينعته بما لا يليق بمقامه من تكفير وتبديع وتفسيق، وغيرها من أوصاف نابية كان المخالف أحق بها وأهلها.
وإنَّ تَرَفُّعَ الوضعــاء يوماً على الرُّفَعاء من إحدى الرزايا
إذا استوت الأسـافل والأعالي فقد طابت منـادمة المنــايا
وليس هذا بغريب صدوره ممن ملئ قلبه حقداً وغيظاً وغلاً على أئمة الدين وأعلام المسلمين، فهذا حال أشياعه على مر السنين، منذ أن نشأت أول فرقة في الدين . ولو سُلِّط أمثال هؤلاء على رقاب السلفيين لرأيت سوء صنيعهم فيهم بما لا يخطر على بال أحد من العالمين.
· أوليس قد اجترأ سلفهم على خليفة المسلمين، عثمان رضي الله عنه فذبحوه في داره وهو يتلو كلام ربه؟
· أوما كفَّروا خيار المسلمين من الصحابة، وقاتلوهم، ثم غدروا بابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وقتلوه غيلة، قرباناً لشيخ المعطلة إبليس اللعين؟
· ولم تزل تلك طرائقهم وأساليبهم، حتى تمكنوا من السلطة في عهد المأمون والمعتصم والواثق فنكلوا بأئمة المسلمين وامتحنوهم بتلك المحنة المشهورة، محنة القول بخلق القرآن.
ومن عجائب صنيع هؤلاء المخالفين التستر بدعوى الحرص على عقائد المسلمين، وهم أول من يهدمها ويبث الشك والريبة في قلوب أهلها، وهم موقد الفتنة وأصل البلية في هذه الأمة، وهم أعظم خطراً وإثماً من الخوارج الأُوَل، لأن أولئك كفَّروا الناس بفعل كبائر الذنوب ، وهؤلاء كفروهم بإيمانهم وطاعتهم وتعظيمهم لكلام ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فقابلوه بالتصديق، ولم يقدموا عليه عقل إنسان ولا منطق اليونان.
ولم يقتصر هؤلاء المخالفون على تكفير طائفة دون أخرى، بل أطلقوا عنان ألسنتهم وأقلامهم بتكفير عامة الأمة وتبديعهم، فأوجبوا عليهم أولاً الشك والنظر وجعلوه أول واجب على المكلَّف، ومن لم يقم بهذا الواجب فهو عندهم كافر أو ضال .
وانظر إن شئت في نقض هذا الأصل الفاسد الذي أصَّلوه، ما ذكره الحافظ في الفتح [13/350] نقلاً عن القرطبي، وفيه ذكر أنه لما أُورِد على صاحب هذا القول ، أن هذا الأصل يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك، فقال: (( لا تشنِّع عليّ بكثرة أهل النار)).[ وانظر تفسير القرطبي 7/331- 332].
إذاً هم الذين أشاعوا تكفير المسلمين،ثم يرمون غيرهم من أهل السنة بهذه الفرية، والله تعالى أعلم من أحق بها وأهلها.
ولم نذهب بعيداً، فهذا المخالف قد أعلن صراحة على الملأ تكفير ابن تيمية ومن يقول بقوله .
وأما الطرف الآخر في تلك المناظرات الفضائية وهو فضيلة الشيخ/ عدنان عرعور، فهو إن شاء الله مأجور مشكور على جهاده ونصرته لعقيدة السلف وذبه عن شخص عَلَم من كبار أعلام الأمة، وقد لمس الناس كلهم صدقه وحرصه على هداية العامة وعدم التشويش عليهم، واجتهد كثيراً في دحض شبهات المخالف، ووفِّق في إفحام خصمه في مواضع كثيرة، وشرح مجمل اعتقاد أهل السنة بطريقة ميسرة، حتى يعقله العامة.
غير أني وجدت الشيخ عدنان – وفقه الله وسدد على الحق خطاه – قد خانته العبارة أحياناً في رده على شبهات المخالف، وكرر القول بأن شيخ الإسلام قد أخطأ في مسائل، منها إثباته لقعود الرب على الكرسي ، وإقعاده النبي صلى الله عليه وسلم معه يوم القيامة . وهاتان المسألتان ليستا من مفردات ابن تيمية، ولا من شذوذه عن الأئمة كما يفهم من عبارة فضيلة الشيخ عدنان، بل قد صرح أئمة السلف المتقدمون بإثباتها واتفقت كلمة جمهورهم عليها، ولم يخالفهم إلا عدد يسير من المتقدمين، لا يصلح أن يعارض بقولهم قول ذلك الجمع الغفير والعدد الكثير، كما سيأتي توضيحه وبيانه.
هذا وليعلم بأني لا أقصد بمقالي هذا غمط الشيخ عدنان فما منا إلا راد ومردود عليه، والظن فيه وفي غيره من إخواننا الرجوع إلى الحق وهي فضيلة خص الله بها من اصطفاه من عباده .
وأنبه إلى أني قصدت بكتابي هذا توضيح بعض المسائل في الصفات لا الرد على المخالف، فإن ذاك له شأن آخر وموضع آخر، نطيل فيه الكلام على شبهات المخالفين، وندحض فيه باطل مذهبهم، إن شاء الله تعالى.
وقد قسمت الكتاب إلى ثمان مسائل بمنزلة الأبواب، اختصرت الكلام فيها بقدر الإمكان، وما كان فيه من إطناب وإسهاب فهو مما دعت إليه الحاجة أو هو استطراد، والله الموفق والمعين و الهادي إلى سواء الصراط.
المسألة الأولى
مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة الصفات وغيرها هو مذهب سلف هذه الأمة وأئمتها وعلمائها من لدن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، والتابعين وأتباعهم إلى القرن الثالث وما بعده، وهو محل إجماع منهم ، ولم ينفرد شيخ الإسلام بمذهب مستقل عنهم في عامة المسائل في الصفات وغيرها.
وخلاصة هذا المذهب: إثبات ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الله من غير تعطيل ولا تمثيل، كما قال تعالى [ليس كمثله شيء وهو السميع البصير] .
· ولا أعلم أحداً من العلماء من بعد القرون الفاضلة نصر مذهب السلف في عامة المسائل، ووضحه وشرحه ورد على خصومه،كشيخ الإسلام رحمه الله.
ومما قاله جواباً لسؤال سائل عن قوله في آيات الصفات (( قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره..)) انظر المجموع [5/6].
واسمع لقوله رحمه الله في المخالفين لمذهب السلف (( كيف يكون هؤلاء المحجوبون الحيارى المتهوكون أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.. وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا ... وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة )) . انظر المجموع [5/11].
· وقد زعم بعض المخالفين أن أهل السنة يمتحنون العامة بمسائل الصفات، ويوردون عليهم ما لا تحتمله عقولهم، وهذا ما اتُّهِمَ به شيخ الإسلام أيضاً، فأجاب (( وأما قول القائل: لا يُتَعرَّض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام: فأنا ما فاتحت عامياً في شيء من ذلك قط )). المجموع [6/266].
وقال في موضع آخر (( وإذا كان الرجل قد حصل له إيمان يعبد الله به، وأتى آخر بأكثر من ذلك عجز عنه الأول، لم يُحمَّل مالا يطيق . وإن يحصل له بذلك فتنة لم يُحَّدث بحديث يكون له فيه فتنة )). المجموع [6/135].
· وليس عجيباً أن يُمْتَحن شيخ الإسلام بسبب نصرته لعقيدة السلف، فإنه وُجد في عصر كان للمخالفين فيه سلطان وقوة، قريباً مما كان في عصر الإمام أحمد رحمه الله.
ولم يكن في عصر شيخ الإسلام من المخالفين من يجرؤ على تكفير أئمة الدين أو تبديعهم، كالإمام مالك وطبقته والشافعي وطبقته وأحمد وطبقته ونحوهم، بل كان المخالفون يظهرون تعظيم هؤلاء الأئمة قولاً باللسان فقط، وأما في الحقيقة فقد كانوا أشد الناس لهم تسفيهاً وتجهيلاً، وكانوا لأئمتهم وشيوخهم المتكلمين معظمين وعلى أقوالهم ومذاهبهم معوَّلين.
فلما نصر شيخ الإسلام كلام السلف الماضين، وفنَّد شبه المتكلمين ونقض مذاهبهم، وكشف زيفها وعوارها، ناصبه المقلدون العداء، ووشوا به لدى الأمراء، وسُجن شيخ الإسلام مرات وأوذي في الله من أجل نصرته لمسائل الاعتقاد وبخاصة الصفات.
والكلام عن هذا العَلَم الشامخ من أعلام المسلمين، وعن فقهه وعلمه وجهاده وزهده وأخلاقه ... الخ، مما لا تحتمله هذه الورقات، ولا تفي بحقه مئات الصفحات ، ومن أنصف علم أن عامة من يُعْتَد به من العلماء من عصر شيخ الإسلام إلى يومنا هذا، عيال على كتبه ورسائله وفتاواه في عامة أبواب الدين وعلومه، خاصة مسائل الاعتقاد والرد على شبهات الفرق المخالفة.
· وليس هذا المخالف، الذي يدعي الحذلقة والفهم في أمور الاعتقاد ومسائل الصفات، بِبِدْع ممن سبقه، لكنه أتى ببعض الغرائب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: إنكاره أن تكون هناك فرقة من الفرق المخالفة تسمى بالجهمية.
ولما تلي عليه كلام الترمذي وابن عبد البر، بل وكلام أبي منصور البغدادي صاحب كتاب "الفَرْق بين الفِرَق"، وهو من أئمة المتكلمين، كذَّب الجميع بطريقة فجة سمجة، فزعم أنها زلة عالم، وهذه حيلة منه يريد أن يتوصل بها إلى التكذيب، لأن هذا خبر محض، وردُّه تكذيب لقائله، كما لا يخفى . ثم هو لم يأت بأي بينةٍ من قول من يُعتد به، بل اكتفى بالنفي ، فأين التحقيق العلمي؟!
ومعلوم أن هذا التكذيب يسري على كل من أثبت وجود هذه الفرقة من العلماء، ومنهم أئمة السلف، الذين صرحوا بوجود فرقة " الجهمية " ، ومن ثم تجد في كتب السنة المشهورة أبواب مفردة في الرد على الجهمية، كما في سنن أبي داود، باب في "الجهمية" . وفي سنن ابن ماجه: باب : فيما أنكرت الجهمية . وذكر الحافظ في الفتح في شرح كتاب "التوحيد" من صحيح البخاري أن في بعض النسخ: كتاب "الرد على الجهمية وغيرهم" . وأنا أسوق بعض كلامه في الفتح [13/344] قال: (( وزاد المستملي "الرد على الجهمية وغيرهم" . ووقع لابن بطال وابن التين "كتاب رد الجهمية")) إلى أن قال: (( وظاهره مُعتَرَض، لأن الجهمية وغيرهم من المبتدعة لم يردوا التوحيد وإنما اختلفوا في تفسيره، وحجج الباب ظاهرة في ذلك . و المراد بقوله في رواية المستملي "وغيرهم": القدرية.. )).
ثم ذكر الحافظ "المعتزلة" ، ثم قال ((وهم في النفي موافقون للجهمية، وأما أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل))إلى أن قال ((وأما الجهمية فلم يختلف أحد ممن صنف في المقالات أنهم ينفون الصفات حتى نُسِبوا إلى التعطيل، وثبت عن أبي حنيفة أنه قال: بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال إن الله ليس بشيء.
وقال الكرماني: "الجهمية" فرقة من المبتدعة ينتسبون إلى جهم بن صفوان مُقدَّم الطائفة القائلة أن لا قدرة للعبد أصلاً)) إلى أن قال الحافظ ((وليس الذي أنكروه على "الجهمية" مذهب الجبر خاصة، وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسببه إنكار الصفات، حتى قالوا: إن القرآن ليس كلام الله وأنه مخلوق . وقد ذكر الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في كتابه "الفرق بين الفرق" أن رءوس المبتدعة أربعة، إلى أن قال: والجهمية أتباع جهم بن صفوان .. )). انتهى نقله من فتح الباري باختصار.
وفي مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري ((الذي ينتسب إلى مذهبه المخالف)) ما نصه "ذكر قول الجهمية". انظر [1/338].
والمقصود: أن المخالف شذ عن سائر أهل العلم، حتى الأشاعرة ، بإنكاره وجود فرقة تسمى"الجهمية"، وليست هذه بأشنع بلاياه وطاماته ، فقد أنكر صفات الخالق ، وصرح بالقول بخلق القرآن.. إلى آخر ما نطق به، وأبان به عن جهله وسفهه وفساد عقيدته.
المسألة الثانية
وردت عبارات في بعض كتب السلف فسَّروا بها بعض نصوص الكتاب والسنة بما يقتضيه السياق، فظن المخالف، كغيره من أضرابه ، أن هذا تأويل للصفات، فطرَّدوا القاعدة في سائر الصفات، فقالوا: أوَّل ابن عباس رضي الله عنهما صفة الساق في قوله تعالى: [يوم يكشف عن ساق] كما نقل ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره، وأوَّل غيره الوجه في قوله تعالى [فثم وجه الله]. وأوَّلوا غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة.
قال المخالف: فدل ذلك على أن مذهب أهل السنة والجماعة هو تأويل الصفات كلها، سوى ما أثبته الأشاعرة من الصفات السبعة المشهورة ، القدرة والعلم والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام. وأما سائر الصفات فهي مؤلة ، كاليد والعين والوجه والقدم والساق والنزول والضحك والاستواء.. إلى آخر ما أثبته علماء السلف والخلف، وعد المخالفون ذلك الإثبات تشبيهاً ينزه عنه الخالق، وأنه مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة . كذا قالوا.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: أن مقتضى كلام هذا المخالف أنه هو وأشياعه متبعون لمذهب السلف في تأويل الصفات، وأنهم لم يبتدعوا التأويل، بل غيرهم ابتدع الإثبات . وهذا عند التحقيق أبعد ما يكون عن الحق، فغاية ما قدروا عليه بعد البحث والاستقصاء هو بضعة نصوص لا يتجاوز عددها أصابع اليد زعموا أن السلف أولوها. ونحن نعكس عليهم الدليل، فنقول: عندنا مئات النصوص الثابتة المحكمة من الكتاب والسنة في تقرير وإثبات الصفات، لم يتعرض لها أحد من الرواة والمفسرين والشراح من السلف بأي تأويل يخرجها عن ظاهرها، فلِمَ لَمْ يقتصروا إلا على تأويل تلك النصوص القليلة التي ذكرتموها؟
وهذا عندنا ليس له إلا معنى واحد، وهو أنهم أثبتوا الصفات كما وردت في هذا العدد الكثير من النصوص، ولو فرض أنهم قد أولوا تلك النصوص القليلة، كالساق وغيرها فنحن تبع لهم في الإثبات والتأويل ونحن أحق بمذهبهم منكم، حيث سكتنا عن تأويل ما سكتوا عن تأويله، وأوَّلنا ما أوَّلوه (لو صح أنهم أوَّلوه).
· ثم نقول: إن هذه الدعوى من المخالف وغيره، تتناقض مع دعوى سلفه من شيوخ الأشاعرة ومن نحا نحوهم وتأثر بمذهبهم، فإنهم، مع اختلافهم في بيان معنى تلك النصوص المثبتة للصفات ، كالعلو والاستواء والوجه واليد و العين والنزول والضحك والمجيء وغيرها، ما بين مثبت لها، ومفوض ومؤول، فقد اتفقت كلمتهم على أن مذهب السلف هو إجراؤها على ظاهرها أي : إثباتُها صفاتٍ لله.
ولم يحتجَّ أحد من هؤلاء بما احتج به هذا المخالف من تأويل بعض السلف لتلك النصوص القليلة . فظهر بهذا شذوذ المخالف، ومن على شاكلته، عن سائر أهل العلم. وإليك بعض نصوص من يَعْتدُّ المخالف بكلامهم:
قال أبو الحسن الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين" – في معرض كلامه عن اختلاف الفرق في الصفات – [1/285] (( وقال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وإنه على العرش، كما قال عز وجل [الرحمن على العرش استوى] ولا نقدم بين يدي الله في القول، بل نقول: استوى بلا كيف وإنه نور كما قال تعالى: [الله نور السموات والأرض] وإن له وجهاً كما قال: [ويبقى وجه ربك] وإن له يدين كما قال: [خلقت بيدي]، وإن له عينين كما قال: [تجري بأعيننا]، وإنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: [وجاء ربك والملك صفاً صفاً]، وإنه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث، ولم يقولوا شيئاً إلا ما وجدوه في الكتاب أو ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم )) اهـ.
قال سمير: فهذا كلام إمامهم الذي ينتسبون إليه في الاعتقاد، وقد أكده وكرره في كتبه الأخرى، كالإبانة وغيرها، وهم إذا أُورِدَ عليهم كلامه كذَّبوا به وأنكروا نسبته إليه.
تنبيه : وقوله هنا عن أهل السنة: إنهم ينفون الجسم، ليس بصواب، بل هم لا يثبتون الجسم ولا ينفونه، وتفصيل ذلك له موضع آخر.
* وقال البيهقي في كتابه المشهور "الأسماء والصفات" [2/40] (( باب ما جاء في إثبات العين صفة لا من حيث الحدقة . قال الله عز وجل: [ولتصنع على عيني] وقال تعالى [فإنك بأعيننا] وقال [واصنع الفلك بأعيننا] وقال تبارك وتعالى [تجري بأعيننا] )).
ثم ساق بإسناده حديث (( إن الله ليس بأعور)) وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بيده إلى عينه، ثم قال (( ومن أصحابنا من حمل العين المذكورة في الكتاب على الرؤية.. ومنهم من حملها على الحفظ والكلاءة )) إلى أن قال البيهقي (( والذي يدل عليه ظاهر الكتاب والسنة من إثبات العين له صفة لا من حيث الحدقة أولى، وبالله التوفيق )).
قال سمير : ليس من مذهب السلف إثبات الحدقة ولا نفيها .
ثم ختم الباب بما رواه بإسناده عن سفيان بن عيينة أنه قال (( ما وصف الله تبارك وتعالى من نفسه في كتابه فقراءته تفسيره، ليس لأحد أن يفسره بالعربية ولا بالفارسية)) ا هـ.
وقال البيهقي في كتابه المذكور [2/43] (( باب ما جاء في إثبات اليدين صفتين، لا من حيث الجارحة، لورود الخبر الصادق به. قال الله عز وجل [يا إبليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي] )) ثم ساق البيهقي آية [بل يداه مبسوطتان] وحديث (( يا آدم أنت أبو الناس خلقك الله بيده)) رواه الشيخان. وساق أحاديث أخرى في إثبات صفة اليد لله تعالى ، ثم قال (( وقد قال بعض أهل النظر في معنى اليد في غير هذه المواضع: إنها قد تكون بمعنى القوة، قال الله عز وجل [واذكر عبدنا داود ذا الأيد] أي: ذا القوة. وقد يكون بمعنى الملك والقدرة، قال الله عز وجل [قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء] وقد يكون بمعنى النعمة، تقول العرب: كم يد لي عند فلان. أي: كم من نعمة لي قد أسديتها إليه. وقد يكون بمعنى الصلة قال الله تعالى [مما عملت أيدينا أنعاماً] أي: مما عملنا نحن. وقال جل وعلا [أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح] أي الذي له عقدة النكاح. وقد يكون بمعنى الجارحة قال الله تعالى [وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث] فأما قوله عز وجل [يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي] فلا يجوز أن يحمل على الجارحة، لأن الباري جل جلاله واحد لا يجوز عليه التبعيض، ولا على القوة والملك والنعمة والصلة، لأن الاشتراك يقع حينئذ بين وليه آدم وعدوه إبليس، فيبطل ما ذكر من تفضيله عليه لبطلان معنى التخصيص، فلم يبق إلا أن يحملا على صفتين تعلقتا بخلق آدم – تشريفاً له، دون خلق إبليس – تعلق القدرة بالمقدور، لا من طريق المباشرة، ولا من حيث المماسة)) اهـ.
قال سمير: فهذا كلام أحد كبار أئمتهم وقد صرح فيه بإثبات صفة اليد لله عز وجل في نحو قوله تعالى [لما خلقت بيدي] وأنه لا يصلح فيه تأويلها بالنعمة أو القدرة أو غير ذلك، وفيه رد على المخالف ومن على شاكلته الذين أولوا اليد بالقدرة في هذا الموضع وفي غيره من النصوص، وزعموا أن أئمتهم متفقون على تأويلها، وأن مذهب السلف هو تأويلها .
تنبيه:
لم أورد كلام البيهقي تقريراً له، وإنما لألزم به المخالف، فإن كلامه جارٍ على سنن المتكلمين لا على مذهب الأئمة المرضيين، وليس من مذهب السلف نفي الجارحة ولا نفي التبعيض والجسم ونحوها من عبارات المخالفين.
وفي موضع آخر من كتابه ذكر البيهقي في باب: ما ذكر في اليمين والكف [2/54] بعض النصوص الواردة في الكتاب والسنة التي صرحت بلفظ اليمين والقبض، ثم قال (( أما المتقدمون من هذه الأمة فإنهم لم يفسروا ما كتبنا من الآيتين والأخبار في هذا الباب مع اعتقادهم بأجمعهم أن الله تبارك وتعالى واحد لا يجوز عليه التبعيض.. )) ، ثم ذكر قول سفيان بن عيينة (( كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه)).
وقال البيهقي في موضع آخر في باب: ما جاء في قول الله عز وجل [الرحمن على العرش استوى] [2/150] ما نصه (( فأما الاستواء، فالمتقدمون من أصحابنا رضي الله عنهم كانوا لا يفسرونه ولا يتكلمون فيه، كنحو مذهبهم في أمثال ذلك )) ثم أسند عن الأوزاعي قوله (( كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جل وعلا )). وأسند البيهقي عقبه قول الإمام مالك المشهور (( الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة )). ونحوه عن ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإمام مالك. ثم أسند عن سفيان بن عيينة قوله (( كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه )).
ثم قال البيهقي (( والآثار عن السلف في مثل هذا كثيرة، وعلى هذه الطريقة يدل مذهب الشافعي رضي الله عنه، وإليها ذهب أحمد بن حنبل والحسين بن الفضل البجلي، ومن المتأخرين أبو سليمان الخطابي . وذهب أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري إلى أن الله تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعلاً سماه استواء ... )) الخ ما ذكره.
ثم نقل قول آخرين (( إن الاستواء صفة الله تعالى بنفي الاعوجاج عنه )) وقول غيرهم (( إن الاستواء هو القهر والغلبة.. وإنما خص العرش بالذكر لأنه أعظم المملوكات، فنبه بالأعلى على الأدنى .. )) اهـ.
قال سمير: وإنما قصدت بهذه الإطالة رد مزاعم المخالف حيث زعم أن السلف أولوا كل الصفات سوى السبع، فهذا البيهقي، وهو من فضلاء المخالفين قد حكى الخلاف فيها ، وأن من الأئمة من أثبتها ، ونسب الإثبات إلى الأئمة المتقدمين ، كالشافعي وأحمد وغيرهما.
* وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى [ثم استوى على العرش] من سورة الأعراف [7/219] (( قوله تعالى [ثم استوى على العرش] هذه مسألة الاستواء، وللعلماء فيها كلام وإجراء)) ثم ذكر قول من نفى الجهة ونسبه إلى المتكلمين، ثم قال: (( وقد كان السلف الأُول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته، قال مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم – يعني في اللغة – والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة .. )) إلى آخر ما ذكره.
قال سمير: والقرطبي أيضاً ممن تأثر بقول المتكلمين ، وقد صرح بإثبات الاستواء والجهة كما رأيت.
وللحافظ ابن حجر العسقلاني كلام طويل في الفتح في مواضع كثيرة ، ذكر فيها أقوال العلماء واختلافهم في الصفات وكرر أن مذهب السلف إثباتها بلاتأويل، وأن التأويل مذهب غيرهم.
فنقل في [13/405 وما بعدها] في شرح الاستواء كلام ابن بطال، ثم كلام ابن الأعرابي اللغوي المشهور في جوابه لمن سأله عن [ الرحمن على العرش استوى ] قال((هو على العرش كما أخبر)) قال السائل (( يا أبا عبد الله إنما معناه استولى . فقال: اسكت . لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد)).
و

الثائر
06-03-2004, 06:20
نقل كذلك كلام الإمام مالك وشيخه ربيعة في الاستواء، ونقل قول الأوزاعي (( كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته)).
ونقل الحافظ أيضاً قول الإمام الترمذي في مواضع من سننه، في إثبات الصفات ونسبة ذلك إلى الأئمة مالك والثوري وابن عيينة وابن المبارك وقول إسحق بن راهويه (( إنما يكون التشبيه لو قيل: يد كيد، وسمع كسمع)).
قال سمير: وقول إسحق بن راهويه يدل صراحة على أن اليد وغيرها من الصفات هي على ظاهرها ومعناها وهي التي يقبض بها ويبطش بها ويمسك بها، كما وردت النصوص بذلك، وهي التي يعبر عنها تارة بالكف، كما في حديث "وقعت في كف الرحمن" وتارة باليمين كما في قوله تعالى [والسموات مطويات بيمينه] وقوله في الحديث "اخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين".
وهذه النقول السلفية صريحة في إثبات الصفات لا في تأويلها ، وهناك عشرات بل مئات الروايات مثلها ، وهي تنقض دعوى المخالف من أن مذهب السلف هو التأويل لا الإثبات .
وقد اخترت أن أنقلها من فتح الباري لا من مظانها من كتب السلف لأن فتح الباري عمدة عند هؤلاء المخالفين ، فهم ينقلون منه ما يوافق أهواءهم، وابن حجر غير متهم عندهم بالتشبيه أو التجسيم ، وقد ساقها محتجاً بها مقراً لها ولم يتعقبها بالتشكيك أو التكذيب ، والله أعلم .
وقال الحافظ أيضاً (( وقال إمام الحرمين في الرسالة النظامية: اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن . وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى . والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقيدة ، اتباع سلف الأمة ، للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة. فلو كان تأويل هذه الظواهر حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع)). انتهى.
قال سمير: وهذه شهادة من إمام من أئمة المتكلمين ، ممن يعظمهم المخالفون ، يصرح فيها بأن مذهب السلف هو الإثبات لا التأويل ، وهو ينقض دعوى المخالف .
ثم قال الحافظ (( وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث ، وهم فقهاء الأمصار، كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم، وكذا من أخذ عنهم من الأئمة، فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة، وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة )) اهـ.
قال سمير: وكلام الحافظ صريح في ترجيح مذهب السلف على غيره في الصفات ، وأنه متفق على الإثبات لا التأويل ، وهو مما يبين لك كذب المخالف حين زعم أن مذهب السلف هو التأويل.
وأنبه أيضاً ، أننا لسنا بحاجة إلى نقل كلام الحافظ ابن حجر وغيره ممن نقلنا كلامه هنا في باب الصفات ، فقد أغنانا الله – معشر السلفيين- بكلام الله وكلام رسوله ومقالات سلفنا، ولكننا نورد كلام الآخرين إلزاماً لخصومنا المعاصرين من أمثال هذا المدعي كذباً وزوراً.
الوجه الثاني: أننا لا نسلم بأن السلف أوَّلوا أي صفة من الصفات، وما نقل عنهم من التأويل، مما زعمه المخالف، غاية ما فيه تفسير للنصوص بما يقتضيه السياق بحسب الاستعمال العربي، وفرق كبير بين أن يقال إن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أوَّلوا صفة الساق لله وأنكروا اتصاف الله عز وجل بها، وبين أن يقال: إن ابن عباس فسَّر معنى الساق في قوله تعالى [يوم يكشف عن ساق] بأنها الشدة. ومثله يقال في تفسير [فثم وجه الله] و [جنب الله] ونحوها من النصوص، وليس في واحد منها أنهم صرحوا بنفي الصفة أو أولوها، كما فعل المتأخرون الذين عمدوا إلى النصوص الصريحة التي لا تحتمل غير الصفة، فحكوا الخلاف في معناها، ثم رجحوا التأويل على الإثبات وعللوا ذلك بتعليلات كلامية عليلة.
وإليك كلام ابن القيم في رد ما زعمه المخالفون من تأويل ابن عباس لآية الساق. قال رحمه الله (( ليس في ظاهر القرآن ما يدل أن ذلك صفة لله تعالى، لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه،وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكَّراً. والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، إنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه ( فيكشف الرب عن ساقه ..) الحديث ... )) إلى آخر ما ذكره ابن القيم.
انظر مختصر الصواعق [ص25].
وأجاب ابن القيم كذلك عن النصوص الأخرى، التي ذكر فيها لفظ اليد وفسرت بغير الصفة، كقوله تعالى [مما عملت أيدينا] بأنها هنا ليست بمعنى اليد في قوله تعالى [خلقت بيدي] ، فلا تحتمل هنا غير الصفة.
المسألة الثالثة
مذهب السلف في الصفات من أيسر المذاهب فهماً وإدراكاً، فهو بعيد عن التعقيدات الكلامية التي لا يفهمها إلا من حذق فيها،وهم أقل من القليل. فأنت إذا سألت أمياً من عامة الناس وقلت له ماذا تفهم من سماعك لقول الله تعالى [أأمنتم من في السماء] وقوله [إليه يصعد الكلم الطيب] وغيرها من النصوص، لقال: أفهم أن الله في السماء في العلو، ولا يتعدى فهمه هذا، وهو عين ما صرَّح به علماء السلف، وهو الذي يقوله كل من لم يتدنس قلبه بشبهة المخالفين، فاستوى العالم والأمي في فهم ذلك وتقريره . وقل مثله في سائر النصوص المحكمة، التي جاء فيها ذكر الاستواء والوجه والعين واليد والضحك والنزول والمجيء وغيرها.
فمذهب السلف موافق للفطرة التي لم يؤثر عليها مؤثر خارجي مما يثيره المخالفون ويبثونه في أسماع وقلوب العامة. فالعجب ممن يؤثر مذاهب معقدة الألفاظ، لا يكاد يفهمها إلا شذاذ الناس، وهم مع ذلك من أكثر الناس شكاً وحيرة واختلافاً ، ثم يرمون غيرهم بدائهم، فيزعمون أن مذهب السلف يورث الشك والحيرة ويوهم التشبيه والتجسيم... سبحانك هذا بهتان عظيم.
يدلك على هذا رجوع بعض فضلائهم وأكابرهم عن كثير من أقوالهم ومخالفاتهم، واضطراب بعضهم في أقوالهم، فيتردد محتاراً بين الإثبات تارة، والتعطيل تارة أخرى [مذبذبين بين ذلك]. وشواهد ذلك أكثر من أن تحصر.
· فهذا إمامهم ومقدَّمهم، أبو الحسن الأشعري ، ظل زمناً طويلاً على مذهب المعتزلة ينافح عنه، ثم انتقل عنه إلى مذهب ابن كُلاَّب وناظر المعتزلة، ثم استقر أخيراً على مذهب قريب من مذهب السلف، كما صرح بذلك في آخر مصنفاته في "الإبانة" و"الموجز" و"المقالات" .
وأكثر المخالفين ينكر رجوع أبي الحسن الأشعري ويكذب به، ويزعمون أن كتاب " الإبانة" وغيره منسوب إليه، وأن السلفيين يتقولون عليه .
والرد على هؤلاء سهل يسير، فأسوق لهم كلام السبكي ، وهو من كبار الأشاعرة ، حيث قال في طبقات الشافعية في ترجمة أبي الحسن الأشعري [3/405] (( وما نقموا من الأشعري إلا أنه قال بإثبات القدر لله، خيره وشره ونفعه وضره، وإثبات صفات الجلال لله، من قدرته وعلمه وإرادته وحياته وبقائه وسمعه وبصره وكلامه ووجهه ويده، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق ... )) الخ. وقال في [3/417] (( ومذهبه أن الله تعالى أفرد موسى في وقته بأن أسمعه كلام نفسه بغير واسطة ولا على لسان رسول )).
قال سمير: وقد اشتهركذلك رجوع الجويني والرازي والشهرستاني في آخر حياتهم، وانظر إن شئت كلام الحافظ في الفتح [13/350] وسير الذهبي [18/468] و [20/286] و [21/500].
المسألة الرابعة
يظن بعض طلبة العلم السلفيين أن معرفة عقيدة السلف تدرك بقراءة المختصرات المشهورة، كالواسطية والطحاوية ونحوها، وأن حفظها أو فهمها يكفيه ويغنيه عن قراءة غيرها. وهذا غير صحيح، إذ ليس في هذه المختصرات إلا القواعد العامة والأصول الجامعة لمسائل الاعتقاد، وقد ساق الإمام اللالكائي نصوصاً جامعة لبعض مشاهير الأئمة السابقين، كالإمام أحمد والبخاري وابن جرير الطبري وغيرهم، وليس فيها إلا الأصول التي خالف فيها المتكلمون، في القدر والصفات والصحابة ونحو ذلك، أما العقيدة نفسها فهي النصوص المروية في القرآن والسنة والآثار. فعقيدة السلف مبناها على الرواية، لأنها عقيدة الإثبات .
وهناك مصنفات كثيرة مفردة في ذكر نصوص الاعتقاد، سوى المصنفات الجامعة للسنن، فينبغي لمن أراد معرفة مذهب السلف إدامة النظر في تلك المرويات ، ودراسة تلك المصنفات .
المسألة الخامسة
لما كانت عقيدة السلف معتمدة على النصوص والروايات، وهي مروية بالأسانيد، كما في عامة كتب "السنة" و "الرد على الجهمية"، فإن على طالب العلم – السلفي- أن يتعرف على طريقة علماء الحديث في قبول الروايات وردها، هذا إن أراد الاستقلال بالحكم على الأسانيد والروايات، كما يفعل بعض الباحثين في الجامعات وغيرها، أو يتابع من يثق في علمه وفهمه في معرفة المقبول والمردود من الروايات، حذراً من قبول المنكر والمردود، أو رد الصحيح المقبول.
· وليعلم أن الأصل في هذه المصنفات ، وبخاصة المشهور منها، هو الصحة والقبول، إذ لا يعقل أن يحتج الأئمة في تقرير الصفات وإثباتها، والرد على مخالفيهم، بروايات ضعيفة أو منكرة، فإن هذا قد يرد في الكتب المصنفة لجمع الأحاديث، كالمسانيد والمعاجم ونحوها، أما مصنفات العقيدة فيبعد هذا، خاصة إذا تكرر إيرادها في أكثر من كتاب، فكيف إذا صرحوا بصحتها وأنكروا على من ردها وتأولها؟
هذا من حيث العموم والإجمال، إلا أنه قد يرد فيها ما لا يصح ولا يقبل، وهو مما قد ينفرد به مصنف، ولا يتابع عليه، أو مما قد نص على ضعفه ونكارته الأئمة، وهذا قليل ونادر في أمهات كتب "السنة" المشهورة، كالسنة للإمام أحمد وابنه واللالكائي و "التوحيد" لابن خزيمة، و "الرد على الجهمية" للدارمي ونحوها.
· ومسألة الحكم على الروايات ونقدها من المسائل الكبار، وقد خلط فيها كثير من طلبة العلم واستسهلوها، إذ ظنوا أنه يكفيهم قراءة شيء من كتب المصطلح وتراجم الرواة وشيء من الدربة في البحث والتخريج، في تحصيل القدرة على نقد الأسانيد والروايات، وهذه بلية من بلايا العصر.
وتفصيل الكلام على هذه المسألة يطول جداً، وستراه إن شاء الله مفصلاً في كتاب لاحق، رددت فيه على بعض الفضلاء في تعليقاتهم ونقدهم لكتب "السنة"، بنحو ما بينته من قبل في كتاب "بيان الوهم والإيهام".
المسألة السادسة
أصل مذهب السلف مبني على قاعدة جليلة، وهي "كتاب وسنة بفهم سلف الأمة"، وقد سميت "عقيدة السلف" لأنهم هم الذين نطقوا بها، وتسمى "عقيدة أهل الحديث" أو "أهل الأثر" لأن عمدتها وأصلها مبني على الرواية، وأهل الحديث والأثر هم رواتها ونقلتها منذ العصر الأول، ثم حملها الخلف عن السلف، وتتابعوا عليها على نمط واحد وقاعدة مطردة، بخلاف غيرهم من المتكلمين الذين بنوا مذاهبهم وأسسوا مقالاتهم على علم الكلام ومنطق اليونان.
وعليه، فإن مقتضى ذلك أن يتقيد المتبعون لمذهب السلف بما يقرره علماء السلف الماضون نفياً وإثباتاً، وتصحيحاً وتضعيفاً. ألا ترى أننا – معشر السلفيين- نحتج على المخالفين في فهم النصوص بفهم السلف. فنقول ونكرر دائماً: قال مالك قال الأوزاعي قال الثوري قال أحمد بن حنبل إلى أن نقول: قال ابن تيمية قال ابن القيم.. وهكذا؟
بل إننا – إذا اختلفنا في فهم مراد السلف- نرجع إلى أقوال هؤلاء للفصل بين النزاع. ونحن، وجميع من في الأرض من أهل العلم، متفقون على أن أئمة السلف هم أئمة الحديث والجرح والتعديل، وأنهم هم حاملوا رايته ، وأن المتأخرين عيال عليهم في نقد الراويات تصحيحاً وتضعيفاً .
· وعليه فإنه إذا ورد نص في مصنفات "الاعتقاد" و"السنة" وصرح فيه ولو إمام واحد من الأئمة بنقد شيء من الروايات والآثار، فإنه بموجب ما ذكرته ، وما نحن متفقون عليه من حيث الجملة، يلزمنا الأخذ بحكمه، مالم يخالفه من هو مثله أو أعلم منه. ويبقى النظر فيما لم يرد فيه تصريح منهم بقبول أو رد، هل نقبله أم نرده أم نجتهد نحن فيه؟
وشرح ذلك يطول هنا، وأوضح ذلك بذكر مثالين:
الأول:
حديث أبي رَزِين العُقَيلي، وفيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم (( أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه )) ؟ فهذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند [4/11] والترمذي [5/288] وابن ماجه (1/64] ورواه غيرهم في مصنفات "السنة" ، كعبد الله بن الإمام أحمد وابن أبي عاصم وابن أبي شيبة في "العرش".
وقد نقل الذهبي في العلو [ص173] عن أبي عُبَيد القاسم بن سلاَّم تصحيحه لهذا الحديث مع أحاديث أخرى ذَكَرها، فقال (( هذه أحاديثُ صِحَاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها)). وحسنه الترمذي والذهبي في موضع آخر من كتاب العلو [ص18] واحتج به ابن القيم في تهذيب السنن [7/101].
ويكفي أن تعرف أن هذا الحديث ساقه الأئمة في إثبات الصفة، واحتجوا به في مصنفات "السنة" ، ولم نعلم أحداً من علماء السلف المعَّول عليهم في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، أنكره أو ضعفه. فحين يأتي بعض المتأخرين من طلبة العلم الباحثين أو المشتغلين بالحديث وينظر في إسناده لينقده ويضعف بعض رواته، ومن ثم يضعف الحديث، كما فعل بعض المعاصرين في تعليقاتهم على كتب "السنة"، فإن كلامه يرد عليه كائناً من كان.



فصل
المثال الثاني:
حديث أبي هريرة في الصورة، وفيه (( إن الله خلق آدم على صورته)) وفي حديث ابن عمر (( فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)). وهذان الحديثان كلاهما بمعنى واحد، والضمير في قوله (( على صورته )) يعود على الرب عز وجل، وفيه إثبات الصورة مع نفي التشبيه والتمثيل والتعطيل. وحديث ابن عمر المذكور، رواه عبد الله بن أحمد في "السنة" [1/268] والدارقطني في "الصفات" [ص64] والآجُرِّي في "الشريعة" [3/1152] وابن أبي عاصم في "السنة" [1/228] وغيرهم.
والحديث الأول بلفظ (( على صورته)) لا خلاف في صحته عند الجميع، لكنهم اشتغلوا بتأويله وتحريف معناه، فأرجعوا الضمير إلى غير الله، وأما اللفظ الثاني (( على صورة الرحمن)) فاشتغلوا بتضعيفه ، مع أن الذهبي حكى تصحيحه عن أحمد وإسحق بن راهويه . ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام طويل في تصحيحه والرد على من ضعفه، صدره بقوله (( هذا الحديث لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله ... )). انظر عقيدة أهل الإيمان للشيخ حمود التويجري [ص 54].
قال سمير: فلا يلتفت بعد ذلك إلى تضعيف من ضعف لفظ ((على صورة الرحمن)) بعد تصحيح الأئمة له، ولا لتأويل اللفظ الآخر (( على صورته )) ، فإنه لو كان له تأويل لتعرض له السلف، ولو لم يكن الضمير فيه راجعاً إلى الله لما أوردوه في مبحث "الصفات" أصلاً، ولهذا قال الإمام الآجري (( هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ولا يقال فيها كيف ولِمَ ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق وترك النظر، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين )) اهـ.
وقد نقل الذهبي في الميزان [1/603] إنكار الإمام أحمد على من تأول معنى الحديث وأرجع الضمير إلى آدم أو غيره، وعدَّ ذلك من تأويلات الجهمية.
فكيف يسوغ بعد ذلك تأويل الحديث أو تضعيفه يا أولي الألباب؟!
وقد أطلت في شرح هذه المسألة وذكرت أمثلة أخرى مما اعترض عليه بعض الباحثين، وخالفوا فيه حكم الأئمة السابقين والعلماء المرضيين في الكتاب الآخر، والله الموفق والمعين.
المسألة السابعة
هناك عبارات مشهورة على لسان السلف في بيان معنى الصفات زادها الأئمة لما نشأ خلاف المعطلة، كقولهم في الاستواء مثلاً: (( مستو على العرش بذاته بائن من خلقه)) ، ظن من لا علم له بحقيقة الأمر أنها خلاف الأصل الذي صرَّحوا به وهو (( أَمِرُّوها كما جاءت من غير تفسير)).
والحق أن مثل هذه الزيادات في الألفاظ، وإن لم ينطق بها أهل القرن الأول، فقد سيقت زيادة في البيان والتوضيح ، ورداً على الشبه التي ألقاها شياطين التعطيل، وإلا فهم كلهم متفقون على أن لا يزاد على ما في النصوص حرف واحد.
· فحين شبَّه المعطلون على العامة بتحريف معنى الاستواء فقالوا (( الاستواء بمعنى الاستيلاء أو الهيمنة)) ، وقصروا معنى العلو والفوقية على علو القهر والقدر والمنزلة، وأنه كقول القائل (( الأمير فوق الرعية))، وقالوا في النزول (( ينزل أمره)) أو ((ينزل ملك من الملائكة)).
اضطر السلف إلى زيادة كلمة (بذاته) فقالوا (( مستو على العرش بذاته)) وقالوا (( ينزل بذاته)) وقالوا ((يضحك حقيقة)) وقالوا (( له يدان على الحقيقة)) وله (( ساق على الحقيقة)) … وهكذا.
وما نطقوا بذلك إلا رداً على من تأول هذه النصوص على غير معناها وقد قال السلف في معنى الاستواء (( هو العلو والاستقرار)) ، فظن بعض من لا علم له أن لفظ (الاستقرار) زائد على الصفة فبادر إلى إنكاره، والصواب أنه من معاني الاستواء، كما صرح به ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث [ص 271] وابن عبد البر في التمهيد [7/131] وانظر "اجتماع الجيوش الإسلامية" لابن القيم [ص 199] وشرح العقيدة الواسطية للشيخ العثيمين [1/375].
فصل
· ومثله إثبات (القعود) على العرش، فإن لفظ القعود، لو فرض عدم مجيئه في النص، فإنه من معاني الاستواء، كما ذكر ذلك الأئمة، ومنهم الإمام أحمد فيما نقله عنه أبو يعلى. انظر مختصر الصواعق [ص386].
· ومثله (الجلوس) فقد قال خارجة بن مصعب (( وهل يكون الاستواء إلا بجلوس)) ؟ انظر "السنة" للإمام عبد الله [ ص105].
وفي كتاب "السنة" للإمام عبد الله [ص300] ما نصه (( سئل عما روي في الكرسي وجلوس الرب عز وجل عليه. رأيت أبي رحمه الله يصحح هذه الأحاديث، أحاديث الرؤية ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا بها. حدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحق عن عبد الله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال (إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد ).
حدثني أبي ناوكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحق عن عبد الله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال (إذا جلس الرب عز وجل على الكرسي)، فاقشعر رجل، سماه أبي، عند وكيع، فغضب وكيع وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها)) ا هـ.
قال سمير: لو لم يكن ثمة نص في إثبات الجلوس أو القعود، أما يكفي السلفيَّ أن يصرح أمثال هؤلاء الأئمة الأكابر بإثباته؟
أوليست عقيدتنا هي عقيدة سلفنا وأئمتنا: أحمد ووكيع والأعمش وسفيان وأضرابهم؟.
وقد أثبت ابن تيمية وابن القيم هاتين اللفظتين "الجلوس" و "القعود" في مصنفاتهما، وهي ثابتة في نصوص وآثار مرفوعة وموقوفة.
قال شيخ الإسلام (( وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن، فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ "القعود" و"الجلوس" في حق الله تعالى، كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهما أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد)) ا هـ. المجموع [5/527]. وانظر اجتماع الجيوش لابن القيم [108، 109].
وقد شرحت هذه المسألة في كتاب "بيان الوهم والإيهام" في ردي على تضعيف محقق كتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد، لهذا الحديث وإنكاره القعود والجلوس،وذكرتها أيضاً في الكتاب الآخر في ردي على الباحثين ، والله الموفق وبه أستعين .
المسألة الثامنة
ومما أنكره بعض السلفيين المعاصرين، ما رواه الإمام ابن جرير في تفسيره عن مجاهد بن جبر في تفسير قول الله تعالى [مقاماً محموداً] قال (( يقعده معه على العرش)).
وهذا الأثر رواه جمع من الأئمة في مصنفاتهم، فرواه ابن أبي عاصم في "السنة" [1/305] والآجري في "الشريعة" [4/1613] والخلال في "السنة" [ص209] وفي مواضع أخرى كثيرة، وذكره الذهبي في العلو في أكثر من موضع [ص 124، 170، 194، 215، 228، 234].
وقال به جمهور علماء السلف ، وصححوه وشنعوا على من رده وضعفه وقال به الشيخان ابن تيمية وابن القيم ، ولكن لم تسمح نفوس كثير من المعاصرين بإثباته ، ومنهم الشيخ عدنان في هذه المناظرة وفي المناظرة السابقة ، ووافقه على الإنكار الشيخ عبد الرحمن الدمشقية غفر الله لهما.
وممن صرح بصحة هذا الأثر وقبوله الآجُرِّي في "الشريعة"، وذكر أن الشيوخ من أهل العلم قبلوه بأحسن قبول. انظر "الشريعة" [4/1612-1617].
وذكر الذهبي في العلو [ص 170] أسماء عدد ممن قبله من الأئمة ومنهم: الإمام أحمد وأبو داود السجستاني وإبراهيم الحربي وعبد الله بن الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ونقل عن الأخير قوله (( ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا)).
وذكر الذهبي في العلو [ص194] أسماء آخرين غيرهم ، منهم: أبو بكر المروذي، وعباس الدوري، ويحيى بن أبي طالب وغيرهم. وذكر في [ص234] قول الدارقطني:
إلى أحمد المصطفى نسندهعلى العرش أيضاً فلا نجحدهولا تدخلوا فيه ما يفسده حديث الشفاعة في أحمدوأما حديث بإقعادهأَمِرُّوا الحديث على وجهه
قال سمير: ومن تتمة هذه الأبيات مما لم يذكره الذهبي – رحمه الله- قوله:
ولا تنكروا أنـه قاعـــد ولا تنكـروا أنه يقعـــده.
ونقل في [ص228] عن الطبراني أنه أثبته أيضاً. وذكر ابن القيم في "اجتماع الجيوش" [ص194] قول ابن جرير الطبري في كتابه "صريح السنة" في إثبات هذا الأثر. وساق ابن القيم في بدائع الفوائد [4/39] أسماء آخرين بلغ عددهم الثلاثين ، ممن قبلوا أثر مجاهد، منهم: إسحق بن راهويه وهارون بن معروف والمروزي وبشر الحافي وغيرهم، ونقل أبيات الدارقطني السابقة .
· وساق الخلال في كتاب "السنة" [ص209 – 266] روايات عن جمع كبير من الأئمة في إثبات هذا الأثر، وروى عن أبي داود صاحب السنن قوله (( من أنكر هذا فهو عندنا متهم)). وعن أبي بكر المقرئ (( من ذكرت عنده هذه الأحاديث فسكت فهو متهم على الإسلام، فكيف بمن طعن فيها))؟
وقال إبراهيم الحربي عن هذا الأثر (( حدث به عثمان بن أبي شيبة في المجلس على رؤس الناس، فكم ترى كان في المجلس عشرين ألفاً، فترى لو أن إنساناً قام إلى عثمان فقال: لا تحدث بهذا الحديث، أو أظهر إنكاره تراه كان يخرج من ثَمَّ إلا وقد قُتل)) ؟
وقال إبراهيم الأصبهاني (( هذا الحديث ثبت، حدث به العلماء منذ ستين ومائة سنة، لا يرده إلا أهل البدع )).
قال سمير: إلى غير ذلك من الأقوال التي رواها الخلال في كتابه "السنة" عن جمع من علماء السنة، وكلهم مجمعون على إثبات أثر مجاهد وتشديد النكير على من ينكره أو يضعفه، بل حتى على من يسكت عليه ولا يثبته.
قال شيخ الإسلام رحمه الله (( فقد حدَّث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه )). انظر المجموع [4/374].
وقد فصلت القول في هذه المسألة في الكتاب الآخر ورددت على من ينكر هذا الأثر من الباحثين ، والله الهادي إلى سواء السبيل.


الخاتمة

وبعد، فهذا ما أردت التنبيه إليه في هذا المقام، وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يهدينا وسائر المسلمين إلى الحق وأن يجنبنا الزيغ والضلال والشك، وأن يغفر لنا جميعاً ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ويثبت أقدامنا وأن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، إنه سميع مجيب،
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتب:
سمير بن خليل المالكي الحسني المكي
مكة المكرمة 12 / 1 / 1425هـ