المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نحو أدبٍ لا يخضعُ لمعايير قيميّة ... ! / للنقاش



نواااف الشمــري
08-02-2004, 12:38
اعتبر المؤرخون و دارسوا تأريخ الآداب العالمية كتابَ( الأغاني ) موسوعةَ الشعر ِ الكبرى ، فلقد حشدَ فيه كل وقعَ تحت يديهِ من أدبٍ ، بغض النظر عن كون هذا الأدب مما يتفق المجتمع على مضامينه و قيمهِ أو كونه يمثل تجانساً مع نوعية الثقافة القائمة و الوعي المجتمعي السائد . و إننا إذ نقرأ فيه عن الأدب و الأدباء نجدُ أشعارَ ( النابغة الجعدي ) و ( امرئ القيس )جنباً إلى جنب بجوار أشعار ( ابن رواحة ) و ( حسان بن ثابت ) ، ثم لا يكون منّا أن نتحيّز إلى ابن رواحة حين :


يا نفسُ إلا تقـــــــتلي تموتي ... هذا حمامُ الموتِ قد صليــــــــتِ !


على حساب قول حبيب بن أوسِ :

من لم يمت بالسيف مات بغيرِه ... تعددت الأسبابُ و الموتُ واحد ُ ! مع الاختلاف البيّن بين الخلفية الحدثية للشاعرين ، و ما يمكن أن تبعثُه المعرفةُ بموطن القول في الحالتين من شعورٍ يتمايزُ و لا يتقاطعُ ... لأن الشحنةَ المثاليةَ لمضامين النص و السموّ الذي يكتنفُه قد تسطّحُ المدخل و تحيلهُ إلى التجريد المخلّ في العمل الفني ، في حين تستقيمُ بنيةُ النص الأدبي على ما كان خيالاً أو تهويماً ساحراً ... و ما انضوى تحت القاعدة العامة للشعر : ( في كل وادٍ يهيمون ) !


الحديثُ عن مثالية الفن ، و توظيفيته لخدمة المسار النهائي أو المعاييري لوجدان و فكر الأمة هو حديثٌ آحادٌ ولا ينبعُ إلا عن من لا يعرفُ عن الأدبِ الكثير ، فتحويل الأدباء و الشعراء و الفنانين إلى قطيع ممرضات أو مضيفات طيران ... أو تدثيرهم بلباسٍ نمطي واحد بما يجعل منهم أشبه بقريق ( كرة قدمٍ ) يختزل العالم الجمالي الثري بآفاقه و أبعاده إلى فعلٍ سلوكي واقعي - مع احترامي لكون الواقعيةِ مطلوبةً في بعض التوجهات الشعرية أو هي توجهٌ مستقلٌّ بذاته - كما أنه لا يوجد في الأدب ما يمكن أن يسمى منظومة قيميّة ‍، فلقد سقط ثالوث الحق و الخير و الجمال ، الذي يفترضُ وجودَ تلازماً حدّيّــاً بين هذه الأقانيم الثلاثةِ منذ خمسمائة عامٍ و تجاوز النص الأدبي هذه المحاذير الأخلاقية َ و أصبحنا الآن نتحدث عن ( جمال القبيح ) و ( جمال الجمال ) لأن الأصل في الأدب توليد انفعالات و مشاهدات مستوقفة و تحقيق هزات وجدانية من أي نوعٍ سواءً أكانت سالبةً أو موجبة ، و إخراج الرائعةِ في أسلوبٍ فنّيٍ آسر وفق مهمةِ الأدب الأولــى ، و هي توليدُ الجمــال ... و لا يمكن أن توضع المعايير لتقييم الصدق الفني و الجمالي للنصوص بناءً على القضايا التي تزخر بها مثل هذه النصوص .... و لا فرق لديّ بين شاعرٍ يناغي وردةً ، و بين كاتبٍ بالرصاص إلا من ناحية التمكن من الأدوات الفنية عند كليهما و العمق النفسي الروحاني في النص ..

حين قال أبو نواس :


مـا زلتُ استلُّ روحَ الدنّ في لًُطُفٍ ... و استقي دمهُ.. من فمِّ مجــروحِ
ثم ارتميتُ و لي روحانِ في جسدي .... و الدنّ منطرحاً ...جسمٌ بلا روحِ

تغنّت الأجيال بمثل هذا الجمال الطافر الأخّاذ بعيداً عن مخالفته لمنظومة القيم المجتمعيةِ ، و خروجه عن التوجه العام لثقافةِ عصره الذي ينبذُ السكارى ، بل ويقيمُ عليهم الحد ... بينما راح أبو العتاهيةِ في آخر عمرِه يكتبُ في الزهدِ فجاءت أعمالهُ مهلهلةً ساذجةً مثل قوله :

ألا يا ربّةَ الساعه ... أموتُ الساعةَ الساعة ‍‍‍‍‍‍|

فلم يلتفت إليه أحد ، ولعلّ قول أحدهم حين قال : لو أردتُ أن أكتب مثل أبي العتاهيةِ لقلتُ كلَّ يومٍ ألف بيتٍِ ــ غير أني أقولُ :

ابن عبد الحميدِ يوم توفّـى ... هدّ ركناً ما كان بالمــــهدودِ
ما درى نعشهُ و لا حاملوه ... ما على النعشِ من عفافٍ و جودِ .‍

كان إيذاناً منه بأن نقرأ النصوص الأدبية بأعينٍ أخرى ... غير تلك التي تقيمُ العزاء في كل صقع !

من هنا ينبع حبّنا و استشعارنا لجمال العمل الفني من حيثُ تلمّسه لأحزاننا و أفراحنا ، و من حيثُ يخلق فينا ذلك الشعور الدافئ بلمساته الموغلة في التجسيديةِ ، بعيداً عن تجريديةِ النُثّار ، و يكون انتماؤنا للأدب وفق متتالياتٍ نفسيةٍ تلخصها حقيقةٌ قيلت من قبل و من بعد : دعوا عقولكم جانباً و اقرؤا الشعر بقلوبكم ‍. فنحنُ لا نبحثُ في الشعرِعمّن يقيمُ دعائم التشريع و لا من يعيدُ أمجاد الأمم - مع أهمية أن يتناول الأدب مثل هذه القضايا - بقدر بحثنا فيه عن ما يوقظ فينا بسمة الطفل الجذلة . و لك أن تعرف أن سيمفونية الرعوية( السادسة ) لبيتهوفن من أخلد الأعمال الفنية على الاطلاق رغم بساطة مادتها الذهنية و هي عودةُ فنانٍ إلى قريةٍ ثم احتفاله بأعراس هذه القرية و ما كان من نشوء عاصفةٍ استعرت قليلاً ثم همدت ‍. بينما كانت السيمفونية الخامسة ( البطولة) مزعجةً ، لأنها وضِعت بالأساس من أجل الاحتفاء ببطولة و فروسية ( نابليون ) - قيمية حسب المفهوم التقليدي للشعر العربي - لولا أن الفنان ( بيتهوفن) أدرك الأمر فحوّل مقاطعها الأخيرةَ إلى احتفاليةٍ فذّةٍ بالبطولة و الانسانية بشكل عام فيما يشبهُ الرجوع عن الأمر .

كذلك .. يعترف كل العالم بـ( إزرا باوند) كواحدٍ من أقطاب الشعر العالمي ، و كمنافسٍ جديرٍ بالوقوف أمام صديقه الجميل ( تي إس إليوت )رغم تبني الأول للنظرية الفاشية و عشقه اللامحدود ل( موسوليني ) . و بالرغم من أن العالم وقف في لحظةِ الثورة و الغضبةِ ضد ( باوند ـ توفي سنة 72 م ) إلا أنه أعاد قراءة فنّ هذا العملاق في ظل محددات فنية ٍ و أدبيةٍ عاليةٍ لا تعترف بالبعد القيمي في التقييم ، ولا تحاكم النصوص إلى مسلمات إيمانية أو عقدية ـ فوجدوه كأنضر ما يمكن أن يكون عليه أديب عالمي في سلسلتهِ الطويلة ( كانتوس) التي بدأ كتابتها منذ كان في الثالثة و العشرين من عمره ( في عمري الحين يعني ) ‍.

إذاً ، فليس من المنطق أن نحشر القيم و الثوابت و التعاليم و الكتب المقدسة في الأدب فنجعلَ منه سرادق للوعظ و الارشاد على غرار أشعار ابن المبارك ، محمد بن إدريس ، و موالات الصوفية.

و بناءً عليه ... فلقد كان حسان بن ثابت رضي اللهُ عنه شاعراً فاشلاً بعد إسلامه ، لأنه أدخل نوعية المضمون في عمله الفني فأخرجه جلُّ النقاد ِ من دائرة الشعراء ‍.



.


هي دُعوةٌ مفتوحةٌ للنقاش ، كتبتها على عجل ٍ ... أتمنى أن تأخذ نصيبها من التداول !

عبدالرحمن
08-02-2004, 14:08
إذاً ، فليس من المنطق أن نحشر القيم و الثوابت و التعاليم و الكتب المقدسة في الأدب فنجعلَ منه سرادق للوعظ و الارشاد على غرار أشعار ابن المبارك ، محمد بن إدريس ، و موالات الصوفية.

و بناءً عليه ... فلقد كان حسان بن ثابت رضي اللهُ عنه شاعراً فاشلاً بعد إسلامه ، لأنه أدخل نوعية المضمون في عمله الفني فأخرجه جلُّ النقاد ِ من دائرة الشعراء ‍.

----- اقتباس ----

اخى الكريم - نواف - اهلا فيك.

واستميحك العذر بهذا التعليق.

ان ابعاد الدين عن الادب ، هو مطلب العلمانيين؟!

وان الادب ماهو إلا انعكاس لدين الشعوب وحضارتها..

فكيف لك تطالبنا بأن نخرج ادبنا عن ديننا ... ونبعده عنه؟!!

ومن اين اتيت بالفشل الشعرى لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم

بعد اسلامه !!!

ونحن لا اريد ان نحشر الشعر فى زاوية النصح والارشاد فقط ؟

وكذلك لا نريده ان يتحول الى شعر يدعو للفسق والمجون ؟!

انما نريده شعرا لايخرج عن ثوابت وقيم ديننا ويحث على الفضيلة ..و..و..

تحياتى مع التقدير 0

شمالية روح
09-02-2004, 03:25
أؤيد أخي الكريم .. عبد الرحمن .. في كل ماذهب إليه ،،
فإن لم يكن ديننا واجهة أدبنا ، فماذا يكون إذن ؟!


وفقنا الله جميعاً لكل مايحب ويرضى .