خطبة جمعة

بِعِنْوَان

(الخُشُوعُ فِي الصَّلاَةِ)


كَتَبَهَا / عبدالله فهد الواكد

إمام وخطيب جامع الواكد بحائل


الخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَأُثِنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ المُخْبِتِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ ، وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ : عِنْدَمَا يَكُونُ أَحَدُناَ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي مَزْرَعَةٍ مِنْ الَمَزَارِعِ وَأَرَادَ الإِتِّصَالَ بِهَاتِفِهِ وَوَجَدَ الإِشَارَةَ ضَعِيفَةً وَصَوْتَ المُتَّصِلِ مُتَقَطِّعٌ رَدِيءٌ أَوْ أَرَادَ الإِنْتَرْنِتْ وَكَانَتْ إِشَارَتُهَا ضَعِيفَةً وَالمَوَاقِعُ لاَ تَفْتَحُ بِسُهُولَةٍ ، ذَهَبَ يَبْحَثُ عَنْ قُوَّةِ الإِشَارَةِ وَصَفَاءِ الإِتِّصَالِ مِنْ مُرْتَفَعٍ إِلَى مُرْتَفَعٍ وَمِنْ رَابِيَةٍ إِلَى رَابِيَةٍ ، وَمُعْظَمُكُمْ حَدَثَ لَهُ هَذَا ، بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ لاَ يَتَنَزَّهُ فِي مَكَانٍ ، مَالَمْ يَكُنْ البَثُّ وَالنِّتُّ عَلَى مَا يُرَامُ ، أَرَأَيْتُمْ أَهَمِّيَةَ جَوْدَةِ الإِتِّصَالِ وَصَفَاءِ الإِشَارَةِ ، فَالمَرْءُ يَبْذُلُ وُسْعَهُ فِي هَذَا الجَانِبِ ، وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى حَالِنَا فِي الصَّلاَةِ ، نَرْضَى بِأَقَلِّ جَوْدَةٍ ، وَبِأَسْوَأِ المَعَايِيرِ ، فَالأَمْرُ لاَ يَخْتَلِفُ فِي الحَالَتَيْنِ ، لِأَنَّ الصَّلاَةَ أَيْضًا صِلَةٌ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ ، فَهِيَ اتِّصَالٌ بِالخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَيَجِبُ أَنْ يَحُوزَ هَذَا الإِتِّصَالُ عَلَى أَعْلَى مَعَايِيرِ الجَودَةِ التِي مَدَحَ اللهُ أَهْلَهَا ، قَالَ تَعَالَى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) المؤمنون ) وَقَالَ تَعَالَى ( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ ) 45 البَقَرَةُ ) ، فَالصَّلاَةُ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ مُنَاجَاةٌ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ ، وَالخُشُوعُ وَالسَّكِينَةُ فِيهَا هُوَ لُبُّ الصَّلاَةِ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ مُنَاجٍ رَبَّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ( فَإِنَّ اللهَ يَنْصُبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاَتِهِ مَالَمْ يَلْتَفِتْ ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فِيمَا رَوَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِنْ قَالَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ قَالَ اللهُ حَمَدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ قَالَ اللهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ اللهُ مَجَّدَنِي عَبْدِي فَإِذَا قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ اللهُ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ إِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ قَالَ اللهُ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ )
فَأَنْتَ أَيُّهَا العَبْدُ المُسْلِمُ كُلَّمَا تَكُونُ حَاضِراً فِي صَلاَتِكَ كُلَّمَا كَانَتْ صَلاَتُكَ كَامِلَةً ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلاَتِهِ إِلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلاَّ عُشْرُ صَلاَتِهِ ، تِسْعُهَا ، ثُمُنُهاَ ، سُبُعُهاَ ، سُدُسُهَا ، خُمُسُهاَ ، رُبُعُهاَ ، ثُلُثُهَا ، نِصْفُهَا ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لاَ يَزَالُ اللهُ مُقْبِلاً عَلَى العَبْدِ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ انْصَرَفَ اللهُ عَنْهُ ) رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ ، وَالتِفَاتُ الْمَرْءِ فِي صَلاَتِهِ هُوَ اخْتِلَاسٌ شَيْطَانِيٌّ وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ( إِخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، فَالصَّلاَةُ مَطْلُوبٌ أَدَاؤُهَا بِكُلِّ الجَوَارِحِ مِنَ القَلْبِ إِلَى العَقْلِ إِلَى اللِّسَانِ إِلَى سَائِرِ الأَعْضَاءِ لِتُؤَدِّيَ الغَرَضَ الذِي مِنْ أَجْلِهِ شَرَعَهَا اللهُ ، وَهُوَ كَامِلُ الخُشُوعِ وَالخُضُوعِ وَالعُبُودِيَّةِ عَلَى سَائِرِ الأَعْضَاءِ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : نَحْنُ وَلُبُّ الصَّلاَةِ فِي مُجَاهَدَةٍ ، أَجْسَادُنَا وَجَوَارِحُناَ فِي المَسْجِدِ ، وَقُلُوبُناَ فِي مَتَاهَاتِ الأَرْضِ يَذْرَعُ بِنَا الشَّيْطَانُ فِجَاجَهَا وَيَجُوبُ بِنَا أَطْرَافَهَا ، فَالوَاجِبُ عَلَيْناَ أَنْ نَسْتَحْضِرَ قُلُوبَناَ وَسَائِرَ جَوَارِحِناَ حَالَ الصَّلاَةِ ، كَيْ نَكُونَ عَلَى قُرْبٍ مِنْ رَبِّنَا الذِي نُصَلِّي لَهُ ، وَنَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَوْ كَانَتْ تِجَارَةً مَا بِعْنَا وَلاَ اشْتَرَيْنَا إِلاَّ بِاسْتِجْمَاعِ الجَوَارِحِ وَالقَلْبِ خَشْيَةَ الخَسَارَةِ ، فَكَيْفَ بِنَا أَمَامَ تِجَارَةٍ لَنْ تَبُورَ ، نَقِفُ أَمَامَ رَبِّ العَالَمِينَ بِهَيْئَةٍ وَوَضْعٍ وَلِبْسٍ وَوُقُوفٍ قَدْ لَا يَلِيقُ بِالصَّلاَةِ ، أَحَدُنَا وَهُوَ يُصَلِّي يَتَجَوَّلُ بِبَصَرِهِ فِي المَسْجِدِ يَرْفَعُهُ وَيَخْفِضُهُ وَيُعْلِيهِ وَيُدْنِيهِ ، وَالآخَرُ طِيلَةَ الصَّلاَةِ وَهُوَ فِي احْتِدَامٍ مَعَ غُتْرَتِهِ وَعِقَالِهِ أَوْ مَعَ فَرْقَعَةِ أَصَابِعِهِ ، وَالآخَرُ فِي سَرَحَانٍ لاَ يَدْرِي مَاذَا قَرَأَ الإِمَامُ ، وَالآخَرُ قَدْ أَفْسَدَ عَلَى الآخَرِينَ خُشُوعَهُمْ بِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ ، وَرَفْعِ صَوْتِهِ ، وَالآخَرُ بِرَائِحَتِهِ وَرَائِحَةِ ثِيَابِهِ ، وَالآخَرُ بِمَلاَبِسِ النَّوْمِ التِي لاَ تَلِيقُ بِالمَسْجِدِ وَلاَ بِالوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ اللهِ وَلاَ بِجُمُوعِ المُصَلِّينَ ، فَأَنْتَ أَيُّهَا المُسْلِمُ قَدْ تُفْسِدُ الخُشُوعَ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَى غَيْرِكَ مِمَّنْ يَصْطَفُّونَ بِجَانِبِكَ مِنَ إِخْوَانِكَ المُصَلِّينَ ، فَلْنَتَعَاوَنُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ عَلَى إِيجَادِ الخُشُوعِ بَيْنَنَا وَفِي صَلاتِنَا قَالَ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) المائدة
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فالصَّلاَةُ كَمَا عَلِمْتُمْ صِلَةٌ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ وَوَشِيجَةٌ بَيْنَ المُصَلِّي وَخَالِقِهِ ، فَاسْتَوْصُوا بِهَذِهِ الصَّلاَةِ خَيْراً فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
فَأَحْسِنُوا الخُشُوعَ وَالخُضُوعَ ، وَاجْعَلُوا أَبْصُارَكُمْ حَاَلَ صَلَاتِكُمْ فِي مَوَاضِعِ سُجُودِكُمْ ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى أَفْضَلِ الخَلْقِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ