خطبة جمعة

بعنوان
( التطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل






الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ ، قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شَاءَ بِعَدْلِهِ ، هو الكريمُ الوهابُ ، هازمُ الأحزابِ ، ومنشئُ السحابِ ، ومنزلُ الكتابِ ، ومسببُ الأسبابِ ، وخَالِقُ النَّاسِ مِن تُرابٍ ، هو المبدءُ المعيدُ ، الفَعَّالُ لمايُريدُ ، جلَّ عن أتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحدٌ ، أشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله ، وحدَهُ ولا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : الصِّحَّةُ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ النَّفْسِ التِي هِيَ مِنْ الضُّرُورَاتِ الخَمْسِ التِي أَمَرَ اللهُ بِحِفْظِهَا قَالَ تَعَالَى ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة:195) ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسْبِغَ عَلَيْناَ وَعَلَيْكُمْ الصِّحَّةَ وَالعَافِيَةَ وَعَلَى المُسْلِمِينَ جَمِيعاً ، وَأَنْ يُوَفِّقَناَ لِشُكْرِهاَ
وَقَعَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ طاعُونُ عُموَاسَ والذي انْتَشَرَ فِي بِلاَدِ الشَّامِ وَلَمْ يَدْخُلْ عُمَرُ الشَّامَ بِسَبَبِهِ وَالْتَزَمَ أَحَادِيثَ العَزْلِ التِي وَرَدَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِهَا وَمِنْهَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا سَمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا " مَتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي طَاعُونِ عُمْوَاسَ مَاتَ مِنْ المُسْلِمِينَ فِي الشَّامِ قُرَابَةُ ثَلاَثِينَ أَلْفاً ، مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرو وَضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ وَالحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعُتْبَةُ بْنُ سُهَيْلٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ ، فَلاَ يُسْتَهَانُ بِهَذهِ الأَمْرَاضِ مِثْل هَذَا المَرَضِ كُورُونَا الذِي عَصَفَ بِالعَالَمِ وَهَلَكَ بِسَبَبِهِ الكَثِيرُ مِنْ البَشَرِ وَكَذَلِكُمْ الإِنْفِلْوَنْزَا المَوْسِمِيَّةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الأَمْرَاضِ المُعْدِيَةِ وَيَجِبُ عَلَى الجَمِيعِ أَنْ يَلْزَمُوا التَّعْلِيمَاتِ الصَّادِرَةَ مِنْ الجِهَاتِ المُخْتَصَّةِ حِرْصًا عَلَى السَّلَامَةِ وَالوِقَايَةِ
وَقَدْ قَرَّرَتْ هَيْئَةُ كِبَارِ العُلَمَاءِ سَابِقًا بِأَنَّهُ : يَحْرُمُ عَلَى المُصَابِ شُهُودُ الجُمُعَةِ وَالجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٌّ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ : ( إِذَا سَمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَأَنَّ مَنْ قَرَّرَتْ عَلَيْهِ جِهَةُ الإِخْتِصَاصِ إِجْرَاءَاتُ العَزْلِ فَإِنَّ الوَاجِبَ عَلَيْهِ الإِلْتِزَامَ بِذَلِكَ ، وَتَرْكَ شُهُودِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ وَالجُمُعَةِ وَيُصَلِّي الصَّلَواتِ فِي بَيْتِهِ أَوْ مَوْطِنِ عَزْلِهِ حَتَّى يُشْفَى مِنْ المَرَضِ تَمَامًا بِإِذْنِ اللهِ ، لِمَا رَوَاهُ الشَّرِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ رَضِيَ اللهُ عُنْهُ قَالَ : ( كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم
وَتُوصِي هَيْئَةُ كِبَارِ العُلَماَءِ الجَمِيعَ بِالتَّقَيُّدِ بِالتَّعْلِيمَاتِ وَالتَّوْجِيهَاتِ وَالتَّنْظِيمَاتِ التِي تُصْدِرُهَا جِهَةُ الإِخْتِصَاصِ ، فَكُلُّ مَا يَصْدُرُ مِنْ الجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ فِي هَذَا الخُصُوصِ يُلْزِمُ الجَمِيعَ الإِلْتِزَامَ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ طَاعَةً للهِ وَرَسُولِهِ وَطَاعَةً لِوُلاَةِ الأَمْرِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَتِكَ وَسَلَامَةِ غَيْرِكَ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاللُّجُوءِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَنْ يَرْفَعَ هَذَا البَلاَءَ قَالَ اللهُ تَعَالَى : ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاِشفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ )

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْءَانِ العَظِيمِ


الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَاتَّقُوا اللهَ القَائِلَ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : تَقُومُ وَزَارَةُ الصِّحَّةِ هَذِهِ الأَيَّامُ مَشْكُورَةً بِحَمْلَةٍ وَطَنِيَّةٍ لِلتَّطْعِيمِ ضِدَّ الإِنْفِلْوَنْزَا المَوْسِمِيَّةِ التِي تُعَدُّ أَحَدَ الأَمْرَاضِ الأكْثَرِ إِنْتِشَارًا فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ مِنْ السَّنَةِ ، وَأَعْرَاضُهَا تَظْهُرُ بِشَكْلٍ مُفَاجِئٍ عَلَى عَكْسِ الإِصَابَةِ بِنَزْلَاتِ الرَّشْحِ التِي تَبْدَأُ أَعْرَاضُهَا بِالتَّدْرِيجِ ، وَمِنْ أَعْرَاضِهَا ارْتفِاَعُ دَرَجَةِ الحَرَارَةِ وَعَادَةً مَا تَكُونُ غَيْرَ ثَابِتَةٍ تَرْتَفِعُ وَتَنْخَفِضُ بِاسْتِمْرَارٍ ، وَأَلَمٌ فِي عَضَلَاتِ الظَّهْرِ وَالأَيْدِي وَالأَرْجُلِ وَصُدَاعٌ شَدِيدٌ ، وَتَعَرُّقٌ وَقَشْعَرِيرَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ ،
وَتَعَبٌ عَامٌّ وَإِرْهَاقٌ وَفُقْدَانٌ لِلشَّهِيَّةِ ، وَسُعَالٌ جَافٌّ ، وَأَلَمٌ وَاحْتِقَانٌ بِالحَلْقِ وَالأَنْفِ ، وَالأَكْثَرُ عُرْضَةً لِلإِصَابَةِ بِالاِنْفِلْوَنْزَا المَوْسِمِيَّةِ هُمْ الأَطْفَالُ الذِينَ أَعْمَارُهُمْ تَقِلُّ عَنْ عَامَيْنِ ، وَالكِبَارُ فَوْقَ سِتِّينَ عَامًا وَالأَشْخَاصُ المُصَابُونَ بِأَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ كَمَرْضَى السُّكَّرِ وَالضَّغْطِ وَ مَرْضَى الرَّبْو ، وَذَوِي المَنَاعَةِ الضَّعِيفَةِ ، وَتَنْتَقِلُ فَيْرُوسَاتُ الاِنْفِلْوَنْزَا المَوْسِمِيَّةِ بِسُهُولَةٍ ، خُصُوصًا فِي الأَمَاكِنِ المُزْدَحِمَةِ بِالنَّاسِ لِأَنَّ هَذَا الفَيْرُوسَ يَنْتَقِلُ عَنْ طَرِيقِ العُطَاسِ وَالسُّعَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ أَيْضًا عَنْ طَرِيقِ المُصَافَحَةِ ، لِذَلِكَ فَإِنَّ وَزَارَةَ الصِّحَّةِ تَحُثُّ عَلَى التَّطْعِيمِ ضِدَّ هَذِهِ الإِنْفِلْوَنْزَا ذَاتِ الفَيْرُوسَاتِ المُتَعَدِّدَةِ
وَاحْرِصْ عَلَى أَخْذِ التَّطْعِيمَ وَأَنْتَ بِصِحَّةٍ جَيِّدَةٍ وَغَيْرُ مُتْعَبٍ أَوْ مُرْهَقٍ لِتَكُونَ مَنَاعَةُ الجِسْمِ جَيِّدَةً
وَقَدْ تُصَاحِبُ تَلَقِّي التَّطْعِيمِ أَعْرَاضٌ بَسِيطَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ تَزُولُ خِلَالَ يَوْمَيْنِ مِنْ تَلَقِّي التَّطْعِيمِ
وَتَذَكَّرْ دَائِمًا أَنَّ التَّطْعِيمَ يُسَاعِدُ عَلَى الوِقَايَةِ فَالْتَزِمْ بِالكَمَّامَاتِ وَالتَّبَاعُدِ وَغَسْلِ الكَفَّيْنِ بِاسْتِمْرَارٍ
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : عَلَيْكُمْ جَمِيعًا البُعْدُ عَنْ التَّجَمُّعَاتِ وَالأَمَاكِنِ المُخْتَلِطَةِ وَالعَامَّةِ وَعَلَى أَحَدِنَا أَنْ لاَ يُورِدَ كَفَّيْهِ فَمَهُ وَأَنْفَهُ بَعْدَ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ أَوْ مُلَامَسِةِ الأَشْيَاءِ إِلاَّ بَعْدَ غَسْلِهِمَا جَيِّدًا بِالمَاءِ وَالصَّابُونِ ، وَهَذَا إِجْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ لِمُحَاصَرَةِ الوَبَاءِ وَعَزْلِهِ حَتَّى يَنْتَهِي بِإِذْنِ اللهِ كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ الأَطِبَّاءُ وَأَيَّدَهُ الشَّرْعُ وَالعُلَمَاءُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَخْذٌ بِأَسْبَابِ الوَقَايَةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( إِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ،

عِبَادَ اللهِ ، قَالَ سُبْحَانَهُ ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) فَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ ، اللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ