خطبة جمعة

بعنوان

(الصَّبْرُ عَلَى كُوُرُونَا )

15/2/1442

كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب
جامع الواكد بحائل

الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الصَّبُورِ الشَّكُورِ، شَمَلَتْ قُدْرَتُهُ كلَّ مَخْلُوقٍ وُمُأمُورٍ ، وَجَرَتْ مَشِيئَتُهُ بِتَصَارِيفِ الأُمُورِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محُمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ،
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ : (يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران 102)
أَيُّهَا النَّاسُ : مَا أَحْوَجَنَا إِلَي الصَّبْرِ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ التِي نَمُرُّ بِهَا مَعَ وَبَاءِ كُورُونَا ، والصَّبْرُ يَاعِبَادَ اللهِ ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ، وَيَعْظُمُ وَيَقِلُّ مَعَ الإِيمَانِ فَكُلَّمَا زَادَ إِيمَانُ المُسْلِمِ كُلَّمَا عَظُمَ صَبْرُهُ ، فَالصَّبْرُ يَا عِبَادَ اللهِ خُلُقٌ فَاِضلٌ مِنْ أَخْلَاقِ النَّفْسِ ، فَبِهِ صَلَاحُ شَأْنِهَا وَقِوَامُ أَمْرِهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ) ، فَالصَّبْرُ مَطْلُوبٌ مَعَ أَوَامِرِ اللهِ وَشَرِيعَتِهِ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الصَّلاَةِ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)(طه132) وَقَالَ تَعَالَى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْر وَالصَّلاَةِ)(البقرة45) وَالصَّبْرُ مَطْلُوبٌ مَعَ نَوَاهِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَالمُسْلِمُ لاَ يَصْرِفُ نَفْسَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ مِنْ الشَّهَوَاتِ إِلاَّ بِالصَّبْرِ عَنْهَا تَعَبُّدًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى قَدَرِ اللهِ الذِي يَجْرِي عَلَيْنَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِنَا كَهَذَا المَرَضِ الذِي يَمُرُّ بِنَا وَهَذِهِ الجَائِحَةِ الكُورُونِيَّةِ التٍي تَعْصِفُ بِالعَالَمِينَ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى بِهَا وَلَا نَتَسَخَّطَ مِنْهَا ، فَقَدْ يَكُونُ فِي ظِلَالِهَا الخُيرُ لِلْإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ نَعْمَلَ عَلَى جَانِبِ الوِقَايَةِ التِي جَاءَتْ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا مَعَ دِينِ اللهِ وَمَعَ أَسْبَابِ سَخَطِهِ وَعُقُوبَتِهِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ لُقْمانَ (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)(لقمان 17) وَلَا نَنْسَ شُكْرَ النِّعْمَةِ التِي نَحْنُ فِيهَا فَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ المُسْلِمُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ هُنَاكَ مِنْ سَيِّءِ الحَالِ التِي سَلَّمَهُ اللهُ مِنْهَا مَا لَوْ أَصَابَهُ لَتَمَنَّى حَالَهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ، فَهَا نَحْنُ أَصِحَّاءُ آمِنُونَ آكِلُونَ شَارِبُونَ أَلَاذَنَا اللهُ بِفَضْلِهِ ، وَهَدَانَا بِرَحْمَتِهِ ، فَمَنْ أَدَّى حَقَّ اللهِ فِي شُكْرِ فَضْلِهِ قَوْلاً وَعَمَلاً وَأَقَامَ دِينَ اللهِ أَمِنَ زَوَالَ نِعْمَتِهِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)(هود 9- 11) بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الخطبة الثانية


الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ عسرٍ يسراً ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى آلهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزّ وَجَلَّ وَالصَّبْرِ عَلَى هَذَا الوَبَاءِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ إِجْرَاءَاتٍ ، وَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِصَبْرِكُمْ عَلَى أَقْدَارِهِ ، فَالصَّبْرُ مِثُلُ الدَّوَاءِ مُرُّ المَذَاقِ عَظِيمُ الفَائِدَةِ ، وَقَدْ ذَمَّ اللهُ المُتَّصِفِينَ بِاليَأْسِ عِنْدَ البَلاَءِ ، لأَنَّهُمْ أَجْهَلُ النَّاسِ بِعَظِيمِ رَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ ، قَالَ تَعَالَى (قَالَ وَمَنْ يَقنَطُ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ إلا الضَّالونَ)(الحجر56) وقال عز وجل (إِنَّهُ لا يَيْأسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)(يوسف87) وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (الكَبَائِرُ : الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالأمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَاليَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ
فَالْتَزِمُوا التَّعْلِيمَاتِ المُتَعَلِّقَةَ بِهَذِهِ الجَائِحَةِ الكُورُونِيَّةِ بِعَدَمِ المُصَافَحَةِ وَلِبْسِ الكمَاَّمَاتِ وَالتَّبَاعُدِ حَتَّى تَزُولَ بِإِذْنِ اللهِ ، وَالأَخْذُ بِأَسْبَابِ الوَقَايَةِ لَيْسَ خَوْفًا وَوَسْوَسَةً كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ تَمَشِّيًا مَعَ السُّنَنِ الكَوْنِيَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا وَسَنَّهَا اللهُ ، وَأَمَرَ بِهَا الشَّرْعُ ، فَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ ، وَاتِّقَاءُ الأَسْبَابِ بِالأَسْبَابِ وَالإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ وَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ ، لاَ يَنْفَصِمُ بَعْضُهَ عَنْ بَعْضٍ لِأَنَّ الذِي خَلَقَ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِهِ أَعْلَمُ بِالكَوْنِ وَمَنْ سَكَنُوهُ (أَلَا یَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلخَبِیرُ) (الملك ١٤)
وَاعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللهِ أَنَّ الفَرَجَ مَعَ الصَّبْرِ، وَاليُسْرَ مَعَ العُسْرِ، وَأَنَّكُمْ فِي مَعِيَّةِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَهُ (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)( الأنفال 46) وَقَالَ تَعَالَى فِي الصَّابِرِينَ (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة 157) أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيرِ هَادٍ وَبَشِير قَالَ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزَاب56)


https://sites.google.com/view/www-al...%A7?authuser=0