هَــــــــــــمُّ قَبــــــول العَمـــــــــــــــــــــل
كان السلف الصالح يجتهدون في إكمال العمل وإتمامه وإتقانه ثم يهتمون بالقبول ويخافون من رده ، ولما نزلت هذه الآية اكريمة (( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ(( أهو الرجل يزني ويشرب الخمر ؟ قال : (( لا يابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه ((
وعن الحسن رحمه الله قال ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ(( قال : يعملون ما عملوا من أعمال البر، وهم يخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم .
وقال الحسن أيضاً : إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة ، وإن المنافق جمع إساءة وأمناً ، ثم تلا الحسن )) إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ((وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه : كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً من العمل ، ألم تسمعوا قول الله عز وجل ))إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين((
وقوله )) إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين(( دليل على أن الأمة سلفا وخلفا ترى أن هذه الآية من أعظم العظات وأجل العبر ، حتى أن ابن عمر رضي الله عنه دخل عليه سائل يسأله ، فقال لابنه اعطه ديناراً فاعطاه ، فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدةً واحدةً أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت تدري ممن يتقبل الله )) إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَالْمُتَّقِين(( وابراهيم الخليل وابنه اسماعيل عليهما السلام وهما يبنيان بيت الله الكعبة ومع عظمة العمل وجلاله كانا يدعوان ويطلبان من رهم القبول ، كما قال الله تعالى ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))
وقال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا ؟ ، وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان :ياليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه .
فأعظم ماتفنى به الأعمار ، وأجل وأطيب مايرجوه المؤمن هو قبول العمل ، فسلوا ربكم وأنتم ربما في آخر ليلة من ليالي رمضان أن يتقبل منكم صالح أعمالكم وأن يغفر لكم ذنوبكم ويعتقكم من النار .
اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينفعُنا وانفعْنا بما علَّمتَنا، وزدْنا علمًا وعملاً يا ذا الجلال والإكرام ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .