البندقية التي لاتعي هدفها ,ولا تحمل أيديولوجية واضحة الرؤى والتنظيم ,في أسبابها ومؤداها ,يتحول فيها المناضل ألى قاتل ,والمجاهد الى كافر ,والعلماني ألى مستبد .
والثورة حركة تغيير لواقع سياسي واجتماعي واقتصادي انتهت صلاحيته ,ولم يعد يلبي الطموحات المستجدة لجملة العلاقات القانونية والسياسية والآخلاقية حاجة الجيل الجديد ,الذي ورث منجزات الجيل السابق الفكرية والعلمية , وما خلفته من معضلات وأزمات خلخلت بنية مجتمع الجيل الجديد ,صاحب المصلحة في الثورة والتغيير,وحتى تتضح الأزمات التي تمر بها الثورات لابد من تحليل شرائح المجتمع ,والقاء الضوء على بنية ومكونات هذا المجتمع ففي بلدة مثل تلكلخ
1-ستطاع الأمن تجنيد جيش من المخبرين ,من عديمي الضمير والأخلاق ,عاثوا فسادا وتخريبا للعقل والمجتمع والدولة ,سواء ببنيتهم الأخلاقية الفاسده ,أو بشكل مدروس في مطابخ أجهزة الأمن.فتتوا المجتمع وأصبح الأخ لايثق بأخيه
2- خلال أربعون عام صنع جيلين بين الخامسة عشر والخمسون,جيل مثقف, امتهن الهتاف والتصفيق والجاهزية لأقامة الأستعراضات الأحتفالية , وأنشأ عالم افتراضي في خياله وعاشه كواقع موجود , في خطابه ومهرجاناته وشعاراته يفتش في خفايا اللغة ,عن تعابير المديح والتمجيد ,ويخترع البطولات والأمجاد من وحي خياله ,ويعيشها كأنها وقعت فعلا ,تلهب عواطفه ومشاعره ,وأصبح عنده الكذب وتصديقه مسلمة ,وجل طموحاته وظيفة متواضعة ,أوالتغطية على تحويل مكتبه الحكومي الى مكتب خاص ,يقبض من المواطن رشوة لقاء تسيير أموره ومن الدولة راتب
وجيل فساده الوراثي أهله للتآخي مع فساد الطبقة الحاكمة وجشعها المالي , فأثرى وبغى, وعرف في ملاهي حلب وبيوتات القمار والدعارة,وبنى علاقات صداقة مع رموز السلطة , يعوي معها, وتزجه بالسجون عندما يعوي عليها ,لكنه بهر المحتمع بسياراته الفخمة ,وببيحامات الأديداس فساد المجتمع,وبرز كوسيط سمسرة بينه وبين السلطة , ومرجعية موثوقة من الأمن ,هذه الشريحة الأجتماعية ,دعمها النظام كقاعدة له, وبوأها قيادة الحراك الأجتماعي والسياسي ,طالما هي تحت قدميه ,هذه الشريحة بقيمها الأنتهازية وتبعيتها للقوي من اي لون كان ,تآخت مع الذل والآمتهان وفرك الخشوم من الأمن ,"بتمون ياسيدي مع ابتسامة شكر وامتنان" , لذلك عندما لاح بالأفق ضعف النظام انقلبت علىيه ,وتسللت الى الثورة ,والى قياداتها ,فأرهقت الحراك الثوري ,فهي تغازل النظام حين تستشعر بقوته ,وتتمترس خلف الثورة ,كساحة مناورة لمصالحها الأجتماعية والسياسية ,واعتقد أنها مشكلة الثورة بعد سقوط النظام.

4-والشريحة الرابعة انطوت على نفسها , ونأت بضميرها عن الأنخراط في الفساد السياسي والأحتماعي ,فحافظت على قيمها وأخلاقها وقبضت على دينها , فنساها المجتمع , حيدها وهجرها النظام ,وبذلك ريحت واستراحت.
5- طبقة من المغتربين ,هجٌرها النظام, وتربت في الاغتراب ,وبقيت في أذهانها الصورة التي تركتوا فيها البلد ,فكانوا بعيدين كل البعدعن التطورات التي طرأت على المجتمع الذي تركوه .لذلك تدخلاتهم في ألثورة أدت الى شرذمة القوة المقاتلة على الأرض.
وكان واضحا لكل ذي بصيرة ,أن النظام يدرك أنه متطفل على السلطه ,وقاعدته الشعبية المصنعة برداءة ,تدرك أنها في المكان الخطأ ,فخلايا النظام العليا التي تخطط ,راحت تغالي في حماية نظامها , من خلال سيطرة طائفة واحدة على الجيش والآمن وكافة مرافق الدولة ومؤسساتها ,وخلقت توازنات طائفية وعرقية تحمي مصالحها الضيقة , تخاف بعضها البعض ,وهذا الخوف دفعها لمزوادات انتهازية ولائية لمراقبة بعضها,وزاودت على بعضها في تقديم الولاء, توددا للنظام , والقاعدة الشعبية فتح الفساد شهيتها على الثراء الغير مشروع ,وكأن النظام سيسقط غدا,
ففي بلدة مثل تلكلخ , تشكلت فيها كتيبة شهداء تلكلخ ,مهمتها حماية المتظاهرين ,فحولها التمويل الآيديولوحي للمغتربين الى ستة كتائب,وفشلت كل محاولات التوحيد تحت قيادة مركزية واحدة .حتى وصل الآمر الى أن المقاتلين: أذا خلصت ذخيرة زميله لايمده بالذخيرة أذا كان من كتيبة أخرى .
من هذا المجتمع ,خرج الجيل الجديد من سن العشرين الى الثلاثين ,ليقود ثورة التغيير ,ضد المجتمع القائم ,ليصنع ملامح مجتمعه الجديد .
بين 16-3-2011بداية الثورة السورية و25-3-2011تاريخ أول مظاهرة في تلكلخ ,حين قام شباب من جامعين أحدهما في غرب البلد وثانيهما في شرق المدينة ,وعند لقاءهم في منتصف الطريق ركضوا للقاء بعضهم في عناق وابتهاج وألفة تعجز اللغة عن وصفه,وتوحدت المسيريتين الى ساحة الحرية حيث قاموا احتفالا خطابيا تم توصيفه في المقال الأول, متجاوزين مرحلة التسلل ليلا في الظلام يعبرون عن مطالبهم في الحرية بكتابة شعاراتهم السلمية على جدران المركز الثقافي والمدارس , ليقوم الأمن بطلائها بالأسود صباحا . يتجمهرون هنا ويتظاهرون هناك ,مدفوعين بخطاب العرعور الديني , فالمسلم بحكم أيمانه الغريزي ,في صعابه الجسام يلجأ الى الله , وتصريحات أوباما والدول الغربية وتركيا أن "أيام الأسد معدودة " كانت جرعات دفع الى الأمام , بعد أن حقنتهم بشحنات طائفية اعتقالات المخابرات الجوية للمهربين السنة دون العلويين ,وتغضبهم روايات التعذيب المروعة في سجون الأمن .
قبل 25-3 كانت شعاراتهم سلمية سلمية ,الشعب يريد أسرى الجوية , واحد واحد الشعب السوري واحد,وأمام تكثيف الآحتماعات الأمنية مع زعماء البلد من المهربين ,لوقف هذا الحراك صعد الشباب مواجهاتم ,فكانوا يتسللون ليلا في كل الحارات ,يصرخون الله وأكبر,وتجيبهم تلكلخ أطفالا وشبابا وشيوخا ألله أكبر , يتردد صداها في سماء يبدوا أنها دنت من الأرض بكواكبها ونجومها ,لتصرخ مع الشجر والحجر والبشر" ألله وأكبر" هذا النداء كان كفيلا بتحويل تلكلخ الى بيت واحد فيه تصافحت كل الأعداء وذابت كل الأحقاد والضغائن ,
هذه الحاضنة الشعبية التي تتبلور للثوار السلميين لم تكن وليدة لحظتها ,بل هي تراكمات اربعون عام من ممارسات أمنية فجة على كل مناحي المواطنة , حتى أضحت المواطنة تابع لمتحول أمني طائفي . أرتسمت ملامح هذه الحاضنة بقيادة الدافع الديني , عندما أعتقل الشيخ أسامه العكاري , فأعلن الشباب ثورتهم المسلحة للأفراج عنه ,فاحتلوا مبنى الأمن السياسي , وبقي التمرد حتى أطلق سراحه . ومايلفت النظر أن مساء ذلك اليوم تسلل عمر دندشي وعصام دندشي بحدود( 16 عام) الى مبنى الأمن السياسي ,ليحصل كل منهم على بندقية ,فألقى القبض عليهم الأمن العسكري ,وسلمهم لأولياءهم في اليوم التالي.
ورغم أن الزعامة صنيعة الأمن استطاعت أن تزيل الحواجز التي وضعها الثوار على كل مفارق الطرق ,وفتح الطريق الذي يربط بين القري الموالية في الشمال مع الموالية في الجنوب ,والذي يتقاطع مع أوستراد حمص طرطوس في مظهر احتفالي أقرب منه للنصر حيث جالت سيارات المهربين من الطائفة العلوية والسنية في كافة أنحاء البلد متأكدة من رفع الحواجز.دون أن الأخذ بعين الأعتبارمشاعر الثوار من هذا التصرف .
وصادف يوم 22-4-2011 مظاهرة يوم الجمعة العظيمة فأعاد الشباب الحواجز ثانية وسيطروا على البلد سيطرة كاملة واستلموامهمة الأمن وراحو يفتشون السيارات الغريبة ,وخاصة الباص الذي ينقل موظفي مشفى الباسل ,فقدتسرب لهم أنه ينقل جنودا وأسلحة الى المشفى وقد ثبت صحة هذا فيما بعد , وقد قتلت طفلة وأمرأة في سيارة لم تمتثل للوقوف ,وتهامس البعض أن القتل قام به أحد المتعاونين مع السلطة ,ولم يعد للسلطة أية تواجد بالمدينة ,سوى أصدقائهم من المهربين الذين يقدمون الخدمات المطلوبة منهم .
هنا نؤكد أن أغلب السلاح الموجود بين يدي الثوار سلاح صيد وبعض الروسيات المتواجدة قبل الثورة بيد المهربين .
ونؤكد -ولا أدري مدى صحة - أن اول تخريب للنسيج الثوري المنسجم هو هاتف من عدنان العرور الى أكس من الناس بتلكلخ يعده بوصول السلاح خلال يومين .وكان التمويل العشوائي بداية تقسيم الثوار الى ستة كتائب غير متعاونة ومنسجمة
وخلال الأجتماعات بين المهربين سادة البلد وقادة أمنيين سواء في حمص أوفي دمشق ,تبين أن هناك تجييشا وتحريضا لدخول الجيش الى تلكلخ للقضاء عل أرهابيين وسلفيين وتكفيريين قادمين من خارج الحدود ,وقد تم لهم ذلك بتاريخ 14-5-2011
يتبع 26-4-2014