[align=justify]حين تكون خفيف الوزن كالقرطاس فلا غرابة أن تطير في عجة تويتر مع أول خبر يشغل ويشعل التايم لاين ، لدرجة أنك تحلّل وتفسّر وتشرح وتبيّن موقفك ورأيك في شيء لم يحدث أصلاً أو حدث بصورة مغايرة لما كنت تتوهم ، حتى إذا انجلى الغبار واكتشفت بأنك لا تركب الفرس بل الحمار ، وركدت العجّة ، وتبين خيط الصدق الأبيض من خيط الكذب الأسود ، واكتشفت أنك لم تكن أكثر من قرطاس ؛ خرّ عليك سقف تحليلاتك وتفسيراتك من فوق رأسك ، وعدت من محاولتك لفت الأنظار بخفّي حُنين .
والمصيبة الأعظم والداهية الأطم أن البعض يظن بأن ذاكرة الآخرين من حوله لا تختلف كثيراً عن ذاكرة الذّباب - مع إيماني بإصابة الآخرين بزهايمر حفظ المواقف ولكن ليس بهذه الصورة - لذلك تجده ينكص على عقبيه سريعاً ليبدّل موقفه بسرعة البرق دون تقديم اعتذار للآخر ودون احترام لنفسه ينبني عليه احترام للآخرين وشعاره "عجّة تفوت ولا حدّ يموت" .
التثبت والتبين شيمة الصالحين ، ووصية رب العالمين ، قال تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) وفي الحديث الصحيح ( كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع ) ولا يخفى على عاقل ما في تناقل الأخبار الكاذبة والتعليق عليها والزيادة فيها من خطر كبير على المجتمعات لا سيّما ممن يحملون في قلوبهم الفجور في الخصومة فيتلقفونها لأنها وافقت أهواءهم ويزيدون عليها مائة كذبة متطبعين بأطباع إخوانهم الشياطين ثم ينشرونها في الآفاق غير آبهين بضررها متناسين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً ) نسأل الله السلامة .
والحلم والتروي والأناة شيم سادة أقوامهم ، ممن حازوا من الفضل أعلاه ، ومن النبل أقصاه ، وحازوا من الأخلاق ما يحبه الله عزّ وجلّ ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشجّ عبد القيس : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله ؛ الحلم والأناة ) .
فتثبتوا رحمكم الله عند سماعكم للأخبار ، وتأنّوا قليلاً قبل نشرها ، وتذكّروا أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : ( أمسك عليك هذا ) يعتي لسانه ، ويصلح في زمن العولمة والتطور التكنولوجي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع صنع الخبر أن يقول أحدنا للآخر : "أمسك عليك هذا" يعني أصبعه .


‏منصور الغايب
[/align]