السلسلة المختصرة كيف يتطهر المسلم


ثانياً: غُسل المرأة من الجنابة والحيض.

من المعلوم أن النساء شقائق الرجال في الأحكام الشرعية إلا ما اختصها الشرع الحكيم ، فمن ذلك غسل الجنابة والحيض ، فهي تغتسل كما يغتسل الرجل كما بيّنا في المختصر (أولاً) أعلاه ولكنها تزيد عن الرجل بمسائل تخصها فنقول:

1) المرأة لا يجب عليها أن تنقض ضفائر شعرها ( القرون ) في غسل الجنابة، ويكفيها أن تروي شعرها بالماء حتى يصل للبشرة.

2) يجب نقض المرأة شعرها في غسلها من الحيض على القول الصحيح .


وسنذكر الأدلة على ذلك من الأحاديث الصحيحة فنقول:

وأما عن نقض المرأة شعر رأسها من عدمه في غسل الجنابة فقد

( بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ فَقَالَتْ يَا عَجَبًا لاِبْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ أَفَلاَ يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَلاَ أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِى ثَلاَثَ إِفْرَاغَاتٍ ). رواه مسلم.

وهذا في غسل الجنابة لاشك كن يشاركنه صلى الله عليه وسلم، وأما غسل الحيض فلم يشاك النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من نسائه فيه.


وأوضح من ذلك وأصرح:

أنّ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّى امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِى فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ: ( لاَ إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِى عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ ). رواه مسلم.


أما نقض المرأة شعرها في غسل الحيض:

فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا وَكَانَتْ حَائِضًا: ( انْقُضِى شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِى ).
قَالَ عَلِىٌّ فِى حَدِيثِهِ: ( انَقُضِى رَأْسَكِ ). أخرجه ابن ماجه (684).

قال الألباني في "الصحيحة" تحت هذا الحديث وهو برقم (188):
" قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين . و هو عندهما في أثناء حديث عائشة في قصة حيضها في حجة الوداع و أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : " انقضي رأسك و امتشطي و أمسكي عن عمرتك .. الحديث و ليس فيه " و اغتسلي " و هي زيادة صحيحة بهذا السند الصحيح ، و سياق الشيخين ، يقتضيها ضمنا ، و إن لم يصرح بها لفظا" .

وقال أيضاً في "السلسلة الضعيفة" تحت حديث (937):
" وأقرب المذاهب إلى الصواب التفريق بين غسل الحيض فيجب فيه النقض وبين غسل الجنابة فلا يجب".


الفرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض عند المرأة:

الأول: غسل الجنابة لا يجب عليها نقض ضفائرها، بل عليها تمكين وصول الماء لبشرة الرأس وتبليل الشعر المستتر بالماء لقوله صلى الله عليه وسلم:
( واغمزي قرونك عند كل حفنة ).
أخرجه أبو داود (252) وسنده حسن كما قال الألباني.

والْغَمْز: الْعَصْر وَالْكَبْس بِالْيَدِ.
والمعنى: أَيْ اِكْبِسِي وَاعْصِرِي ضَفَائِر شَعْرك عِنْدَ كُلّ حَفْنَة مِنْ الْمَاء.


الثاني: أن في غسل الجنابة أقصى ما جاء فيه؛ أن تحثي المرأة الماء على رأسها وتغمز ضفائرها.

وأما غسلها من الحيض فجاء فيه الدَّلك الشديد والنقض كما في الحديث جاء فيه:
( ثُمَّ تَصُبّ عَلَى رَأْسهَا فَتَدْلُكهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغ شُؤُون رَأْسهَا ...) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ إِفَاضَة الْمَاء كَغُسْلِ الْجَنَابَة.

وسبق معنا حديث: ( انْقُضِى شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِى ).


الثالث: غسل الحيض فيه أمور أخرى عن غسل الجنابة وهي:

1- الدلك الشديد. وتقدم الدليل.

2- نقض الضفائر. وتقدم الدليل. لأن الْأَصْل نَقْض الشَّعْرِ لِتَيَقُّنِ وُصُول الْمَاء إِلَى مَا تَحْته، إِلَّا أَنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ فِي غُسْل الْجَنَابَة لِتَكَرُّرِهِ وَوُقُوع الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة فِي نَقْضِهِ ، بِخِلَافِ غُسْل الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ فِي الشَّهْر أَوْ الْأَشْهُر مَرَّة.

3- أَخْذ السِّدْر، وَالْفِرْصَة الْمُمَسَّكَة، و تَتَبُّعِ أَثَرَ الدَّم.

فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ: ( خُذِى فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِى بِهَا ) .

قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ

قَالَ: ( تَطَهَّرِى بِهَا ) .

قَالَتْ كَيْفَ؟

قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِى ) .

"فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَىَّ فَقُلْتُ تَتَبَّعِى بِهَا أَثَرَ الدَّمِ ". متفق عليه.


وفي لفظٍ لمسلم:

( تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا).


( فِرْصَة ):أي؛ قِطْعَة مِنْ قُطْن أَوْ صُوف ـ قطعة من قماش ـ .
(مِنْ مِسْكٍ ): الْمُرَاد الطِّيب الْمَعْلُوم والْمَعْرُوف، أَيْ: مُطَيَّبَة مِنْ مِسْك.

فَإِنْ لَمْ تَجِد المرأة مِسْكًا؛ فَتَسْتَعْمِل أَيّ طِيب وَجَدَتْ، ويستحب لها أن تطيب كل موضع أصابه الدم من بدنها وذلك كي تذهب رائحة الدم الكريهة.


هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


كتبه
أبو فريحان جمال بن الحارثي
الأربعاء 23/7 /1433هـ.
المصدر