المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أرحــــمُ الرّاحميـــــــــــن ( خطبة جمعة )



محمدالمهوس
12-10-2016, 00:16
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ ، أَمَّا بَعْدُ: عِبَادِ اللَّهِ : رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِيِ صَحِيِحَيْهِمَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟)) قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ))
((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا )) اَللَّهُ أَكْبَرُ عِبَادَ اللَّهِ ! رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تُشْبِهُهَا وَلَا تَفُوقُهَا رَحْمَةٌ؛ فَهِيَ تَسَعُ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )) وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (( إنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )) وَهُوَ الْقَائِلُ عَنْ نَفْسِهِ (( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) فَمَهْمَا قُلْنا عنْ رَحْمَةِ اللهِ فإنّها فَوْقَ ما نَقُولُ وَنَتَصَوّرُ، فَسُبْحانَ مَنْ رَحِمَ في عَدْلِهِ ، وَرَحِمَ في عُقوبَتِهِ كَمَا رَحِمَ في فَضْلِهِ ، وَرَحِمَ في إِحْسانِهِ وَمَثُوبَتِهِ ، سُبْحانَ مَنْ وَسِعَتْ رحمتُه كُلَّ شيءٍ وَعَمَّ كَرَمُهُ كُلَّ حَيٍّ ، هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ عِبَادِهِ ، وَهُوَ الرّحيمُ بِهِمْ وَهُمْ مُفْتَقِرُونَ إليهِ عَلَى الدّوامِ فِي جَمِيعِ أَحْوالِهِمْ فَلا غِنَى لَهُمْ عَنْهُ طَرْفَـةَ عَيْنٍ ، جاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ‏ ‏سَلْمَانَ ‏رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، ‏قَالَ:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((‏ ‏إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ ‏ ‏طِبَاقُ ‏ ‏مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ رَحْمَةً، فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ ))
عِبَادَ اللهِ / كَمْ فَتَحَ الْمَوْلَى أَبْوابَ رحمَتِهِ للتائبينَ والعابدينَ ، وبَسَطَ فضْلَهُ وإحْسانَهُ للدّاعينَ والْمُتضرّعينَ ، فَمِنْهُ الْجُودُ لِأنّهُ الْجَوَادُ ، وَمِنْهُ الْكَرَمُ لأنّه الْكَرِيمُ الّذِي يُعْطِي عَبْدَهُ ما سَأَلَ وَمَا لَمْ يَسْأَل ! فَهُوَ ذو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ، وَهُوَ التَّوابُ الرَّحِيم ، وَهُوَ الْقَائِلُ : ((وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ((
قَالَ ابنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهِ : فَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ : ابْتِلاءُ الْخَلْقِ بِالْأَوامِرِ والنَّواهِي ؟ رَحْمَةً لَهُمْ وحَمِيّةً لا حاجة َمِنْهُ إِلَيْهِمْ بِمَا أمرَهُم بِهِ .
وَمِنْ رَحْمَتِهِ : أَنْ نَغَّصَ عَلَيْهِمُ الدُّنيا وكَدّرَها لِئَلا يَسْكُنُوا إِلَيْها ، وَلا يَطْمَئِنُّوا إِلَيْها وَيَرْغَبُوا عَنِ النّعِيمِ الْمُقيمِ فِي دارِهِ وجِوارِهِ فَساقَهُم إليها بِسِيَاطِ الابْتِلاءِ والامْتِحَانِ فَمَنعَهُم ليُعْطِيَهم وابْتلاهُم ليُعافِيَهم ، وأَمَاتَهُم لِيُحْيِيَهُم .
وَمِنْ رَحْمَتِهِ: أنْ حذّرَهُمْ نفسَه ؛ لِئَلا يَغْتَرُّوا به فيُعامِلُوهُ بِمَا لاتَحْسُنُ مُعاملتُهُ بِهِ .
وَمِنْ رَحْمَتِهِ : أنْ أَنْزَلَ لَهُمْ كُتُباً ، وَأَرْسَلَ لَهُمْ رُسُلاً فافْتَرَقَ النّاسُ إلى فَرِيقَيْنِ ؛ مُؤْمِنُونَ : قَدِ اتّصَلَ الْهُدَى في حقِّهم بِالرّحمة فَصارَ القرآنُ لهُمْ هُدًى وَرَحْمَة ، وَكَافِرُونَ لَمْ يَتّصِلْ الْهُدَى بِالرّحْمَةِ فَصَارَ الْقُرآنُ هُدًى بِلا رَحْمَةٍ ، وَهَذِهِ الرّحْمَةُ الْمُقَارِنةُ لِلْهُدَى في حَقِّ المؤمنينَ رَحْمَةٌ عاجِلَةٌ وآجِلَةٌ ، فأمّا العاجلةُ فما يُعطيهِمُ الله ُفي الدُّنيا مِنْ مَحَبّةِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ، وذَوْقِ طَعْمِ الْإِيِمانِ وَوِجْدانِ حَلاوَتِهِ ، والْفَرَحِ والسُّرور والأمْنِ وَالْعَافِيةِ ،قَالَ تَعَالَى : )) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ((
فَأَمَرَهُمْ عَزّ وَجَلّ بِأَنْ يَفْرَحُوا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَهُمْ يَتَقَلّبُونَ في نُورِ هُداهُ ، وَيَمْشُونَ بِهِ في النّاس وَيَرَوْنَ غيرَهُم مُتَحَيِّراً في الظُّلُماتِ ، فَهُمْ أشدُّ النّاسِ فَرَحاً بِمَا آتاهُمْ ربُّهُم مِنَ الْهُدَى والرّحمةِ ، وغيرُهُم جَمَعَ الْهَمَّ والْغَمَّ والْبَلاء َ والألَمَ وَالْقَلَقَ والاضْطِرابَ مَعَ الضَّلالِ وَالْحَيْرَةِ .
فاستشعروا رحمة الله تعالى عباد الله في كل وقت وافرحوا بها كما قال ربكم (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )) بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .
‏ عِبَادَ اللهِ / وَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِنَ: أنّ اللهَ يُحِبُّ التّوابينَ ويُحِبُّ الْمُسْتَغْفِرينَ ، ويُحِبُّ الْمُتَطَهِّرينَ بَلْ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ : أنّ الله َيَفْرَحُ فَرَحاً يَلِيقُ بِجَلالِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ بِتَوْبِةِ عَبْدِهِ إذا تابَ وَأَنابَ .
وَمِنْ رَحْمَتِهِ: أنْ فَتَحَ ربُّنا أبْوابَهُ لِكُلِّ التّائِبينَ، وَشَمِلَتْ مَغْفِرَتُهُ وَرحْمَتُهُ سُبْحانَه وَتَعَالَى لِكُلِّ ذُنُوبِ الْمُذْنِبينَ ، فَهُوَ القائِلُ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))
اللّهُمَّ ارْحَمْ ضَعْفَنَا ، وَاغْفِرْ ذَنْبَنَا ،وَاسْتـُرْ عَيْبَنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .