المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة كاملة : فوائد من حديث حذيفة بن اليمان



الياس اسكندر
01-12-2014, 20:53
الخطبة الأولى : فوائد من حديث حذيفة بن اليمان

الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه ، وأومن به ولا أكفره،وأعادي من يكفر به ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحقّ والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرّسل ، وقلّة من العلم وضلالة من النّاس وانقطاع من الزّمان، ودنوّ من السّاعة ، وقرب من الأجل.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى وفرّط وضلّ ضلالا بعيدا .وإنّ خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله ، واحذروا ما حذّركم الله من نفسه فإنّ تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربّه ، عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة . أمّا بعد عباد الله ، فقد أورد الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب المناقب/ الباب الثاني والعشرين:
" حدثنا يَحيَى بن مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْريسَ الخَوْلانيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَة بن اليَمَانِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وآله وسلم- عَنِ الخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذا الخَََيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ{نَعَمْ}، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِك الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟قَالَ: {نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ}، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُه؟ قَال:{قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَديِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ}، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْد ذَلِكَ الخَيْرِ مَنْ شَرٍّ؟ قَالَ: {نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْها قَذَفُوهُ فِيهَا} قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقَالَ: {هُمْ مِنْ بَنِي جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِألْسِنَتِنَا} قُلْتُ: فَمَا تأْمُرُنِي إِن أَدْرَكَنِي ذلك؟ قَالَ: { تَلْزَمْ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإِمَامَهُمْ} قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَام؟ قَالَ: {فَاعْتَزِلْ تِلْكِ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَ المَوتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ}".
هذا لفظ البخاري من كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام .
هذا الحديث يشتمل على أبوابٍ من الفقه عظيمة، وعلى أصول وقواعد في السنة جليلة، وكان هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ بعثه الله حتى توفاه وهو يقرر أصول هذا الدين، ويقرر ما يجب على العباد فعلا وتركاً، حتى ترك هذه الأمة على البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولعلنا- إن شاء الله- نأتي على كل مضمون الحديث أو جله، سائلين الله لنا ولكم العون والسداد والهداية إلى مراشد الأمور.
أولاً: انظروا إلى حرص حذيفة- رضي الله عنه- وعمق علمه وغزاة بصره وبصيرته
كيف سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عما يجب حذره وتوقِّيه من الأمور ألا يَبِينُ لنا من ذلك أنه يجب على المسلم أن يحرص مع الحرص على ما ينفعه، كذلك يحرص على ما يضره في دينه!.
وإذا لاحظنا قول حذيفة -رضي الله عنه- " كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني" ليس هذا قصوراً من حذيفة -رضي الله عنه- إذ سأل من نبيه -صلى الله عليه وسلم- بيان جانب من جوانب الدين، ولكنه بما أنه رأى إخوانه من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إقبالهم على الفقه في معرفة الخير والعمل به، رأى أن يتفقه هو وغيره أيضاً إلى جانب ذلك في علم ما يضر والوقاية منه؛ ألا ترون أنه قال:" مخافة أن يدركني" وليس هذا غريباً!
أولاً: كان ذلك هدي النبي-صلى الله عليه وسلم- وهدي إخوانه قبله من النبيين والمرسلين؛ يدل لذلك ما رواه أحمد ومسلم من حديث عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:{إنه لم يكن نبيٌ قبلي قط إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وأن ينذرهم شر ما يعلمه لهم}.
ثم ثانيا: قد كان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من يحرص كل الحرص على معرفة ما يجب توقيه إلى جانب معرفة ما يجب عمله؛ لأنه متقررٌ عند القوم أن الشرع مبناه على الأوامر والنواهي، فما أمر الله به العباد أحب منهم فعله، وما نهاهم عنه أحب منهم تركه، من ذلكم ما رواه الترمذي وصححه عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله دلني على عملٍ يقربني من الجنة ويبعِّدُني من النار، قال:{ يا معاذ لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على من يسّره الله عليه؛ تعبدُ الله ولا تشرك به شيئا، وتقيمُ الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصومُ رمضان، وتحج البيت} الحديث.
وفي حديث وفد عبد القيس الذي أخرجه الشيخان عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنهم قالوا:" يا رسول الله: إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مُضَر، فمرنا بأمرٍ فصل نخبر به من ورائنا وندخل به الجنة- أمر فصل- تنبهوا- أمر فصل- قال:{ آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع ؛ آمركم بالإيمان بالله وحده }- ثم قال:-{ أتدرون ما الإيمانُ بالله وحده؟} قالوا الله ورسوله أعلم- ثم فسره فقال:- { شهادة أن لا إله إلا الله}- أو قال:- {تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيمون الصلاة، وتؤتون الزكاة، وتصومون رمضان ، وأن تعطوا خُمُس ما غنمتم } الحديث.

والمقصود بذلك عباد الله، أن شريعة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ودعوته شاملةٌ للحض على كل ما أمر الله به، وأعظمُ ذلك توحيد الله وإخلاص الدين له، ثم من بعد سائر فرائض الدين العملية، كما أنها شاملةٌ للنهي عن كل ما يغضب الله عز وجل- وإن شئت فقل- شاملة بأنها تدعوا العباد إلى الكف عن كل ما نهى الله عنه، وأعظم ما نهى الله عنه هو الشرك بالله عز وجل ثم بعدُ سائر المعاصي ومنها البدع والمحدثات في دين الله.

وما أحسنَ ما قاله شيخ الإسلام المجدد الثالث للدعوة السلفية الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- الذي ناصره على هذا التجديد وهذه الدعوة الإمام الأمير محمد بن سعود- رحمه الله- قال الشيخ في بعض رسائله:
"وأصل الدين وأساسه أمران:-
الأمر الأول: الدعاء إلى عبادة الله وحده والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه.
والأمر الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله ، والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله".
وشواهد ما قدمناه من الجمل وأدلته أكثر من أن يحصر، ولكني اكتفيت هاهنا بالإشارة.
ثم ماذا يفيد صنيع حذيفة هذا -رضي الله عنه-؟!
إنه تنبيهٌ إلى أمرٍ يغفُل عنه كثيرٌ من الناس أو يقصرون فيه، وذلكم الأمر هو الالتجاء إلى أهل العلم المعروفين بسداد المنهج وسلامته وصحة المعتقد والنصح للأمة ومن أوتوا رسوخاً في العلم وفقهاً في دين الله؛ لأن أولئك القوم هم أهل ميراث النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عليه الصلاة والسلام:{وإن العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافر}.
فبان بهذا أن على المسلمين إذا نزلت بهم نازلة أو خافوا أمراً يضرهم في دينهم أن يلتجئوا إلى أهل العلم الذين يحسنون الفصل في المعضلات وحل المشكلات وفق الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح، وهم:
أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأئمة التابعين ومن بعدهم ممن هو على سنتهم ونهجهم.
قال:" فهل بعد هذا الخير من شر؟" هذا هو السؤال الأول، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- {نعم}.
- ثم تابع الصحابي الجليل الفقيه الحذِر من كل ما يضره في دينه-
"وهل بعد هذا الشر من خير"؟ قال:{ نعم، وفيه دخن } -يعني- إسلام خالص، شر ثم بعد ذلك إسلام أو دين فيه دخن.
وأقول: من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحذير أمته من أمورٍ وأهواء مخالفة لما بعثه الله به من الهدى ودين الحق، ولعل حذيفة سأل هذا السؤال بما فهمه من هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنه التحذير من كل ما هو قادمٌ على الأمة وعاصفٌ بها من الأهواء والمحدثات ومضلات الفتن.

قال:"وما دخنه؟" فقال- ما سمعتم- {قومٌ يهدون بغير هديي، ويستنُّون بغير سنتي}.
والحاصل من اللفظين أن رسول -صلى الله عليه وسلم- أبان معنى هذا الدخن؛ الخلط في هذا التدين، فأولئك القوم -أصحاب الدخن- هذه صفاتهم؛ لا يهتدون بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يستنون بسنته يعرف المرء منهم وينكر، تظهر منهم أمورٌ حق وأمور باطلة.
حذر صلى الله عليه وسلم تحذيراً من أهل الأهواء عموماً؛ من ذلكم ما رواه مسلم في مقدمة صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:{سيكون قومٌ}- أو ناسٌ- {يُحدّثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباءكم فإياكم وإياهم}. وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم:{افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة} قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال:{الجماعة} قال عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- في تفسير هذه الرواية:" الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك،فإنك أنت حينئذٍ الجماعة".
نسأل الله لأمة الإسلام الوحدة والتمكين لتبلّغ دعوة النبي الأمي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.



الخطبة الثانية : مصيبة غلاء الأسعار

الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام، واختاره لنا دينًا، أحمده حمدًا يوافي نِعمَه ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله، حدَّ حدودًا فلا تَعْتدوها، وحرَّم أشياء فلا تَنتهِكوها، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، دعا إلى الكسب الحلال وبيَّن لنا طريقه، وأكَّد أن كلَّ جسد نبت من سُحْت فالنار أولى به، صلى الله وسلم عليه وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين التزموا بهديه، وأقاموا سُنَّته، واتَّبعوا طريقتَه، وعمِلوا لدنياهم كما عمِلوا لآخرتهم، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.
أمّا بعد ، عباد الله يقول الله عز وجل : " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " ( ) تبين هذه الآية أن الله عز وجل تكفل بالرزق لكل دابة تدب في الأرض ، وهو وحده سبحانه القادر على بسط هذا الرزق وقبضه ، قال سبحانه وتعالي : " اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ " ( ) وبيَّن جل وعلا أنه وحده العالِم بأحوال خلقه وما يصلحهم ، قال سبحانه وتعالي : " أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ " ( ) ومن كمال علمه ، وحكمته وحلمه يختار لعباده ما يصلحهم ولا يفسد حالهم بشقائهم في الدنيا أو بضلالهم في الدين ، قال سبحانه وتعالي : " وَلَوْ بَسَطَ اللَّـهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " ( )
ثم إنه جل وعلا قد يبتلي الناس ببعض ما كسبوا في أبدانهم أو أرزاقهم أو أمنهم أو ذريتهم ليعلم الصابرين منهم والشاكرين ، وليعلم من يلجأ إليه ويستغيث به ، ممن يلجأ إلى العبيد الذين لا يملكون موتًا ولا حياة ولا نفعًا ولا ضرًا، وليعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك .
ومما يبتلى الله به عباده الغلاء ... غلاء الأسعار وقلة السلع وندرتها ، ولقد كان الحديث خلال العقود الماضية عن الغلاء في جانب واحد فقط هو المهور، لكن مشكلة الغلاء توسعت في كل شيء ، وعمت بلاد العرب من المشرق إلي المغرب ، حتى إنها وصفت بالتسونامي ، وهذا الغلاء الذي بدأ في أسعار مواد البناء والإيجارات ، امتد الآن ليشمل المواد الغذائية وخدمات التعليم والصحة ، فضلاً عن الخدمات المهنية ، والمشكلة ما زالت مستمرة ومتزايدة ، والغلاء يضرب في كل اتجاه وبلا هوادة ، والأوضاع على أرض الواقع مهيأة لمزيد من الارتفاع بمعدلات أعلى من المعتاد.
إن غلاء الأسعار له نتائج ظاهرة من خلال عجز الناس عن توفير حاجاتهم الأساسية والقدرة على شرائها، وله نتائج غير مباشرة من تحول نسبة كبيرة من الطبقة متوسطة الدخل إلى قسم الطبقة الفقيرة ، وسعي بعض الناس للحصول على المال بطرق غير مشروعة كالسرقة والرشوة
فما هي أسباب هذه المشكلة وما علاجها ؟
يعتقد الناس ـ في الغالب ـ أن أسباب غلاء الأسعار يرجع إلي أسباب دنيوية عديدة ، ولكل سبب نسبة معينة في حدوث تلك المشكلة ، ويصنفون هذه الأسباب إلي أسباب تتعلق بارتفاع أسعار الوقود ، أو تدهور أسعار صرف العملات ، أو انخفاض قيمة النقود ، أو تحول الناس إلي أنماط اسـتهلاكية معينة ، أو زيادة السكان وكثرة الاستهلاك ... الخ هذه الأسباب التي يرجعونها إلي النظريات الاقتصادية التي تعلموها ونقلوها إلينا من الغرب ، والتي لا تستمد من قيمة ثابتة ، ولا تسـير على نهج واضـح ، وتتأرجح بين الانفعالات الطارئة ، والتصورات العارضة ، والاندفاعات مع الأحداث والتيارات .
والباحث المنصف لابد أن يتبين له أن هذه الأسباب المزعومة ليست بأسباب لهذه المشـكلة ، إنما هي في الواقع ظواهـر قد ترتبت علي المشكلة الأم ، وإفرازات تمخضت عنها !!!
إن المسلم يجب أن يخضع كل أموره لميزان الشرع الذي جاء به محمد صلي الله عليه وسلم والذي وصفه ربه عز وجل فقال : " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى " ( ) فالأمر في السراء والضراء يتبع قانوناً ثابتاً ، ويرجع إلى مشيئة الله سبحانه وتعالي ، فهو الذي ينعم بالرحمة ، ويبتلي بالشدة ؛ ويبسط الرزق ويضيقه وفق سنته ، وبمقتضى حكمته " اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " ( ) فهي إذا أحوال تتعاور الناس وفق حكمة الله ، وفيها للقلب المؤمن دلالة على أن مرد الأمر كله لله ، ودلالة على اطراد السنة ، وثبات النظام .
يقول الله عز وجل : " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ " ( ) يخبر سبحانه وتعالي أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم ، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات ، وأن ما يعفو اللّه عنه أكثر، فإن اللّه لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون " وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ " وليس إهمالا منه تعالى تأخير العقوبات ولا عجزا. ( )
وعن النبي صلي الله عليه وسلم : " ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب ، ولما يعفو الله عنه أكثر " ( )
و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " (

هذه هي الأسباب الحقيقية ـ من وجهة نظر إسلامية ـ للمشاكل الاقتصادية وغيرها مما يعاني منه العالم عامة ، والشعوب المسلمة خاصة ... ذنوب ومعاصي يتسربلون بها ليل نهار ، إعراض عن شريعة الله واستبدالها بما تهوي الأنفس ويرضي الشيطان ، ولوغ الكثيرين في المعاملات المحرمة ، وعدم إخراج الزكاة ، وغير ذلك من صنوف الذنوب والمعاصي ... فأحوال الحياة وأوضاعها مرتبط بأعمال الناس وكسبهم ؛ وأن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد ، ويملؤها براً وبحراً بهذا الفساد ، ويجعله مسيطراً على أقدارها ، غالباً عليها ، كما يقرر القرآن الكريم : " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ "
نسأل الله السلامة لأمّتنا من كل ضيق ، كما نسأله سعة الرزق والقناعة والرضى إنّه سميع قريب مجيب.

الشيخ/عبدالله الواكد
05-12-2014, 14:35
بارك الله فيكم ياشيخ إلياس ونفع بعلمكم وشكر الله لكم على ما تقومون به من توجيه وإرشاد في بلادكم العزيزة على قلوبنا بل وفي كل مكان من خلال هذه القنوات المباركة فتوجيهكم في خطبكم القيمة نابع من أصول معتقد أهل السنة والجماعة وطريقة سلف هذه الأمة الصالح وذلك بالحث على التوحيد والسنة والطاعة والتحذير من الشرك والبدعة والمعصية وإننا قد تشرفنا بأخ فاضل كريم يضيف إلى هذا المكان الطيب روح الإبداع في الجانب الخطابي أسأل الله لي ولكم ولإخواننا جميعا التوفيق والسداد وأن يعظم للجميع الأجر والمثوبة

أخوك مشرف المضايف الإسلامية
عبدالله بن فهد الواكد

الياس اسكندر
05-12-2014, 20:13
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الجليل عبد الله الواكد..نفع الله بك الأمّة على ما تبذلونه من جهود لإعلاء راية الإسلام وإقامة الدين الحنيف..وإنّي أعتبر أعمالي المتواضعة لبنة في صرح الإسلام ونحسبها بإذن الله تعالى في سبيل وجهه الكريم لا نريد من ورائه جزاء ولا شكورا...
أخي الكريم ، إنّي على استعداد لأي ندوات علميّة ومحاضرات تقام في ربوع بلدكم الغالي ..أرض الحرمين الشريفين...مستعدّ للحلول بينكم متى شئتم عسانا نتعاون ونتضامن في سبيل خير هذه الأمّة .
مع العالم وأنّي أرأس جمعيّتيْن إسلاميتين : رئيس جمعيّة قدماء وأحباء جامع الزيتونة ورئيس الجمعية التونسيّة لأئمّة المساجد (فرع مدينة نفطة من الجمهورية التونسية)
شكرا لكم وجازاكم الله كل خير ونفع الله بكم البلاد والعباد.

الشيخ/عبدالله الواكد
10-12-2014, 09:54
إن شاء الله
وبارك الله فيكم