المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خواطـــــــر عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه ( خطبة جمعة الغد 1435/4/21هـ )



محمدالمهوس
20-02-2014, 19:21
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد عباد الله / روى البخاريُّ في صحيحه عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف أنَّ أباه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أُتِيَ بطعامٍ وكان صائماً، فقال: قُتِل مصعبُ بن عُمير رضي الله عنه وهو خيرٌ منِّي؛ فلم يُوجَدْ ما يُكفَّنُ فيه إلا بُردةٌ؛ إنْ غُطِّيَ بها رأسُهُ بدتْ رجلاهُ، وإنْ غُطِّيَ بها رِجلاهُ بدا رأسُهُ، ثم بُسِطَ لنا من الدنيا ما بُسِطَ ـ أو قال: أُعْطِينا من الدنيا ما أُعْطِينا ـ وقد خشينا أن تكون حسناتُنا قد عُجِّلتْ لنا .
الله أكبر - عباد الله - هل خَطَر ببالِكم ؟ وداعبَ خيالَكم مِثْلُ ذلك الخاطرِ الرّبّانيِّ الذي خطر ببالِ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو صائم؛ فقد تذكَّر إخوانَه المجاهدين، وأسِفَ على فراقِ الصادقين، واشتاق إلى الرِّجال السابقين، وخَشِي أن ينقطعَ به الطريق، وتغرّه الدنيا بما فيها من زخرُفٍ وبريق .
تذكر أول شاب حمل العلم إلى غيره، واستشهد في ريعان شبابه مصعب بن عمير القرشي - رضي الله عنه - الذي سيرة تحكي حياة شاب مترف مستقر في أسرته، مُنَعّم في بيته، هجر ذلك كله في سبيل إيمانه وتعلمه وتعليمه حتى لقي الله تعالى على ذلك، ترك حياة الترف، وهجر كنف أبويه الكافرين، وكانا غنيين يعتنيان برفاهيته، وقبل شظف العيش مع ثلة الشباب المؤمن في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فعانى معاناة شديدة بعد هذا الانقلاب الكلي في حياته؛ فبعد الجدة فقر، وبعد الترف والنعومة حرمان وخشونة، وبعد الشبع جوع، وبعد الأمن خوف، وهب نفسه لربه، وضحى بدنياه لآخرته، وتحمل في ذات الله تعالى ما يلقى ،حتى قتل فلم يُوجَدْ ما يُكفَّنُ فيه إلا بُردةٌ؛ إنْ غُطِّيَ بها رأسُهُ بدتْ رجلاهُ، وإنْ غُطِّيَ بها رِجلاهُ بدا رأسُهُ .
عباد الله / تذكر سير الصالحين والعلماء والزهاد يزيد من إيمان العبد ويقلل من تمسك الإنسان بالدنيا وزينتها ، والحذر من التوسع فيها والانشغال بها ، والتقصير عن الواجبات بسببها ، فالله يقول ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ )) وكثير من الناس – عباد الله - يجهل حقيقة الدنيا، ولذلك تجده قد تعلق بها وشُغف بحبها وصارت عنده كل شيء، وهي لا تساوي شيئًا، شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بالجدي الأسكّ الميت، كما في صحيح مسلم الذي رواه جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق والناس كَنَفَتَيْهِ، فمرّ بِجَدْي أَسَكّ ميّت ـ يعني صغير الأذنين وميّت ـ فتناوله فأخذ بأذنَيه ثم قال((أيّكم يحبّ أن هذا له بدرهم؟)) فقالوا: ما نحبّ أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟! ثم قال((أتحبّون أنه لكم؟)) قالوا: والله لو كان حيًا كان عيبًا أنه أَسَكّ، فكيف وهو ميت؟! فقال(( فوالله للدنيا أهْونُ على الله من هذا عليكم))
وعندما تذكر عبد الرحمن بن عوف مصعب بن عمير رضي الله عنهما تذكره بجميل فعاله ، وبحسن خصاله ، ومدى تمسكه بدينه ، وإتباعه لرسوله وقدوته صلى الله عليه وسلم ؛ بل وصفه بأنه خيرٌ منه ، وهذا الذي ينبغى منا تذكره عن إخواننا السابقين الصالحين فننظر دائماً في الطاعة لمن فوقنا وفي أمور الدنيا بمن دوننا ليبقى الحرص فينا على الاستكثار من الطاعة والشكر للمنعم المتفضل سبحانه وتعالى .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أما بعد عباد الله / لا شك أن عبادة الخوف من الله واتهام النفس بالتقصير سمة من سمات صحابة رسول الله فهذا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ – كما في البخاري – يقول : أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ . فهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الصائم القائم والمجاهد المنفق الذي شهد المشاهد كلها ، وأنفق ماله كله في سبيل الله يقول : ثم بُسِطَ لنا من الدنيا ما بُسِطَ ـ أو قال: أُعْطِينا من الدنيا ما أُعْطِينا ـ وقد خشينا أن تكون حسناتُنا قد عُجِّلتْ لنا .
فمن دلائل الإخلاص وعلامات المخلصين اتهامهم لأنفسهم بالتقصير في حق الله ، وعدم القيام بالعبودية لملك الملوك ، بل ومقتهم لأنفسهم ولا يرونها أهلاً لأي فضل ، قال تعالى (( وَاَلَّذِينَ يُؤْتَوْنَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ))
ألا فلنتق الله عباد الله، ولنقم بواجبنا تجاه ربنا وأن لانركن إلى الدنيا فتنسينا الآخرة ، هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))