المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإنــــــــــــابة إلى الله



الشيخ/عبدالله السالم
29-01-2014, 14:27
الحمد لله، ( الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما كان وما يكون. وما تسرون وما تعلنون. واشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق المأمون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون. وسلم تسليما كثيرا إلى يوم يبعثون ، . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أمّا بعد :أيُّها الأحبةُ في الله ، فَإنَّ الرجوعَ إلى اللهِ تعالى ، والإنابةَ إليه ، عبادةٌ عظيمةٌ من سُنَنِ الأنبياءِ والمرسَلين ، قال جلّ وعلا عن داودَ عليه السلام: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) وقال عَن سليمانَ عَليه السلام: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ)وقال شُعيب عليه السلام: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وقال نبيُّنا محمّد e (ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وأثنى الله على خليلِه إبراهيم لاتِّصافِه بالإنابةِ إليه والرّجوعِ إليه في كلِّ أمر، قال جلّ وعلا: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) ومِن دعاء الخليلِ عليه السلام: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) والمنيبون إلى اللهِ هُم خيرُ مَن يَصحبُهم المرءُ في حياته، يقول سبحانه: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) والإنابةُ إلى اللهِ هي مفتاحُ السّعادةِ والهدايةِ، قال سبحانه: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) والبِشارة لأهل الإنابة: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى) ولا يَعتَبِرُ بالآيات ولا يتَّعظُ بالعِبَر، إلاّ المنيبَ إلى ربِّه ، قال عز وجل: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) والْمُنيبُ إلى الله ، هُو المتذكِّرُ دائِماً بنزولِ النّعم ،يقولُ تعالى (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ) والإنابةُ إلى الله مَانِعةٌ من عَذابِ الله،يقولُ تعالى (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) والجنّةُ أعِدَّت نُزُلا للقلبِ الخاشعِ المنيب ، قال جل جلاله: (وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ *هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ *مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) وأمَر الله جميعَ الخَلق بالإنابة إليه والرجوع إليه، قال سبحانه: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) وحقيقتُها الرجوعُ إلى الله، وهي مَنزِلةٌ أعلى من التوبةِ، فالتوبةُ إقلاعٌ عنِ الذنب وندَمٌ على ما فات ، وعَزمٌ على عدَمِ العودةِ إليه، والإنابةُ تَدلُّ على ذلك ، وتدلّ على الإقبالِ على الله بالعِبادات ، يقولُ جلَّ ذِكرُه ، ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) ومَن أكثرَ الرجوع إلى الله ، كان الله مَفزَعَه عند النوازِلِ والبلايا والفواجِع ، فَحقيقٌ بالمرءِ أن يُنيبَ إلى ربِّه ، وأن يُحاسِبَ نفسَه على ما سَلَف ، وعلى ما اقتَرَف من عِصيان ، يقول الحسن البصري رحمه الله: "إنَّ العبدَ لا يَزال بِخيرٍ ما كان له واعظٌ من نفسِه ، وكانَتِ المحاسبَةُ هِمَّتَه، والمؤمِن في الدنيا كالغريبِ؛ لا يَجزَع من ذلِّها، ولا يُنافِسُ في عِزِّها، له شأنٌ وللنّاسِ شَأن" واعمَل بوصيَّةِ المصطفىe {كُن في الدنيا كأنّك غريبٌ أو عابرُ سبيل}رواه البخاري، ومن كانتِ الآخرة همَّه ، كانت هِمَّته في تحصيلِ الزاد الصالح ، وإذا استَيقَظَت القلوب ، استعدَّت للآخرة، قال بعض السلف: "ما نِمتُ نومًا قطّ ، فحدّثتُ نفسِي أني أستيقِظُ منه ، ومَن اجتَهَد في محاسبةِ نفسِه ، ولَجَمها علَى العصيان ، نجا في الآخرةِ منَ النّدامة والخُسران .فَحقٌّ على الحازِمِ ، أن لا يَغفَلَ عَن زلاّت نفسِه وخَطَراتِها وخَطَواتِها، بل يَقودُها إلى ما يُقرِّبُها إلى ربِّها، فالمحافظَةُ على الصلواتِ جماعةً في بيوتِ الله ، من شعائرِ الإيمان، والدعوة إلى الله تنير البصيرةَ، وبِذِكر الله تلينُ القلوب،يقولُ سُبحانه (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) وبذكر الله تطمئن القلوب ،يَقولُ سُبحانه: (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ومجالسةُ العلماء والصالحين ، وملازَمَةُ دروسِهِم ،من أسبابِ خشيةِ الله ومراقبَتِه، يَقولُ سُبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وبِرُّ الوالدين مفتاحُ السّعادة ، وصِلَةُ الرّحِم ،بركةٌ في الوقتِ والرّزق ، والمالُ الحلال ، سبَبٌ في صلاح الأبناءِ وإجابةِ الدعاء ، وقِصَرُ الأمَل دافعٌ للعَمَل ، وتَذَكُّر الموت خيرُ واعِظ، وزِيارةُ المقابر والتأمُّل في أحوال الموتى ، تذكيرٌ بالآخرة ، والتطلّع إلى سِيَر السّلَف يُهذِّبُ النّفسَ ، ويَحدو للعمل ، قال ابن القيِّمِ رحمهُ الله: "ومن تأمَّل أحوالَ الصحابةِ وجَدَهم في غايةِ العمل مع غايةِ الخوف، أما نَحنُ فَجمَعنا بين التّقصِيرِ ، بل بين التفريطِ والأمن ، وكان الصِّدِّيق يقول: (وَدِدتُ أني شعرةٌ في جنبِ عبدٍ مؤمن) ، وكان إذا قامَ إلى الصلاة كأنّه عودٌ مِن خشية الله ، والموفَّقُ أيُّها الأحبةُ هو المنيب إلى الله ، بالرجوع إليه من العصيان، المكثِرُ من أنواعِ الطاعاتِ والقُرُبات.لِيَجِدَهَا(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم،
ونفَعني الله وإيّاكم بما فيهِ من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تَسمعون، وأستغفِر الله لي ولكم








الحمدُ لله عَلَى إحسانِه، والشّكر له على توفيقِهِ وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وَحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.أمّا بعدُ : فَإنَّ الموفَّق مَن خافَ على نفسِه الوقوعَ في الزّلَل ، أو الإقرارَ على الخَلَلِ ، فالصّحبةُ السيّئة ، تُورِدُ المهالك ، وإطلاقُ عَنانِ البَصَرِ في المحرَّمات ، يُضعِفُ زَكاءَ النّفس ، وإهمالُ الأبِ إصلاحَ أهلِ بيتِه ، تفريطٌ في الأمانة ، واتّباعُ الهوى والشهواتِ ، يُورِدُ النّدامة ، وإطلاقُ اللّسانِ بالكذبِ ، وفي أعراضِ المسلمين ، يُظلِمُ القلبَ، وإشغالُ النَّفس بما لا يَعنِيهَا، حِرمَانٌ لها ممّا يَرفَعُ درجَاتِهَا ، يقول إبراهيم بن أدهَم رحمه الله: "من علامةِ إعراضِ الله عن العبد ، أن يُشغِلَه بِما لا يعنيه"، ودَواءُ السيِّئاتِ كثرةُ الاستغفار، وتَرك الخطيئةِ أيسَرُ من طلبِ التّوبة، فَغتَنِم الأعمالَ الصالحةَ ، قَبلَ أن يَحولَ بَينَكَ وبينَها حائل ، يقول المصطفى e: { اغتَنِم خَمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغك قبل شغلِك، وحياتك قبل موتِك}رواه الحاكم ، عبادَ اللهِ صلّوا على المعصومِ عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُ التسليمِ فقد قالَ بأبي هو وأمي { إن من أفضَلِ ِأيامِكُم يومَ الجمعةِ فيه خُلِقَ آدمُ وفيه قُبِضَ وفيهِ النفخةُ وفيهِ الصعقةُ فأكثروا علي من الصلاةِ فيه فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ علي قالوا وكيفَ تعرضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرمتَ فقالَ إن اللهَ عز وجل حَرّمَ على الأرضِ أن تأكلَ اجسادَ الأنبياءِ}اللهم صل وسلّم وأنعم وأكرم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، ورض اللهم عن أصحابه الأطهار ماتعاقب الليل والنهار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم اجعل في قلوبِنا نوراً نهتدي به إليك ، وتولنا بِحُسنِ رعايتِك ، حتى نتوكلَ عليك ، وارزقنا حلاوةَ التذلُلِ بين يديكَ ، فالعزيزُ من لاذَ بعزِكَ ، والسعيدُ من التجأَ إلى حماكَ وجودِك ، والذليلُ من لم تُؤَيّدْهُ بعنايتِكَ ، والشقيُّ من رضيَ بالإعراضِ عن طاعتِكَ ، اللهم نَزِّه قلوبَنا عن التعلقِ بمن دونِك ، واجعلنا من قومٍ تحبُهم ويحبونَك ،وَأَعِزَّ الإِسْلاَمَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَ الشِّرْكَ والمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ المُجاهدينَ المُوَحِدِّينَ ،اللهم سدد رميهم ، ووحِّد صفهم ، وثبِّت أقدامَهُم ، وانصرهم على عدوّك وعدوهم ، اللهم عليك باليهودِ والنصارى المعتدينَ الحاقدينَ ، ومن كرِهَ الإسلامَ والمسلميَن ، اللهم عليك بهم فانهم لا يعجزونَك ، اللهم زلزل الأرض من تحتهم ، وصُبَّ عليهم العذاب من فوقهم ، وقذف الرعب في قلوبهم ، وجعلهم عبرةً للمُعتَبرين ،اللهم شتتْ شملَهم وأوهنْ عزمَهُم ،وأَرِنا بهم عجائبَ قدرتِك ، وفجاءةَ نقمتِك ، وأليمَ عذابِك اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)