المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكبيــــر في السن ماله وما عليه



الشيخ/عبدالله السالم
27-09-2013, 09:36
الحمدُ للهِ ما انتظمتْ بتدبيرِهِ الأمُورْ ، وتوالتْ بحكمتِهِ السّينينَ والشهورْ ، وسبحتْ بسناءِ صنعتِهِ أسرابُ الطُيورْ، وسعَ المُقترفين بعفوِهِ وغُفرانِهْ ، وعمَّ المُفتقرين بفضلِهِ وإحسانِهْ ،خرتْ لعظمتِهِ جباهُ العابدينْ ، فطوبى لمن عبدْ ، واعترفتْ بوحدانيتِهِ قُلوبُ العارفينْ ، فويلٌ لمنْ جَحَدْ ، كم سُئلَ فأجزلْ ، وكم عُصي فأمْهلْ ، لا راتقَ لما فتقْ ، ولا فاتقَ لما رتقْ ، ولا رازقَ لمن حرمْ ، ولا حارمَ لمن رزقْ ، أشهدُ أن لا إلهَ لنا غيرُهْ ، ولا ربَّ لنا سواهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أما بعد : ، أيها الأخوة في الله :فإنَّ الإنسانَ مفطورٌ على حبِّ الحياةِ، بل يحبُّ أن يطولَ في هذه الحياةِ عُمُرُهُ، ويتمنى أن يُخلَّدَ فيها، ولكن هيهاتَ هيهاتَ ، أن يَخلُدَ أحدٌ في هذهِ الدنيا، فقدْ حكمَ اللهُ عز وجل لهذه الدّارِ بالفناءِ، وكلُّ مخلوقٍ مآلُهُ إلى الموتِ ، والانتقالِ إلى دارِ القرارِ، والسعيدُ ، هو مَنْ اغتنمَ هذه الحياةَ ، وعَمَرَها بطاعةِ اللهِ تباركَ وتعالى، وليستِ العبرةُ في طولِ العُمُرِ، وإنما العبرةُ والشأنُ كلَّ الشأنِ ، في الاستفادةِ من السنينَ والأيامِ التي يعيشُها العبدُ في هذه الحياةِ، فطولُ العُمُرِ نعمةٌ إذا استُخدِمَ في طاعةِ اللهِ ، وعَمَلِ الخيرِ والبُعدِ عن الْمُحرمَاتِ، سُئلَ الرسولُ r : مَن خَيرُ النَّاسِ؟ وفي روايةٍ: أيُّ الناسِ أفضلُ؟ فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: {من طَالَ عمرُهُ وحَسُنَ عملُهُ} رواهُ الترمذيُّ.ولذلكم اهتمَّ الإسلامُ بالشيخِ الكبيرِ، وجَعَلَ له حَقاً على مَنْ دُونِهِ، فأوجبَ احترامَهُ وتَوقيرَهُ، قالَ رسولُ اللهِ r : {ما أكرمَ شَابٌّ شيخًا من أجلِ سِنِّهِ ، إلا قَيَّضَ اللهُ لهُ عِندَ سِنِّهِ مَنْ يُكرِمُهُ} رواهُ الترمذيُّ، وقالَ r : {إنَّ مِنْ إِجلاَلِ اللهِ ، إِكْرَامَ ذِي الشَّيبةِ المسلمِ} رواهُ أبو داوودَ والبيهقيُّ، وقالَ r : {ليس منّا من لم يرحمْ صغيرَنا ويوقرْ كبيرَنا}الحديثُ رواهُ الترمذيُّ.فالكبيرُ له حقُّ الاحترامِ والتَّقديرِ، كيفَ لا ! وهو قد سبقَ مَنْ دُونَهُ لِعمَلِ الصالحاتِ ، وتَعَلُّّمَ العلومَ وممارسةَ أعباءِ هذه الحياةِ، والمثلُ الشعبيُّ السائدُ يقولُ: "أكبرُ مِنكَ يَومًا أعرفُ مِنكَ سنةً". نعمْ ، الأيامُ مَدارسٌ، فَمَنْ ولجَها قَبلَكَ ، أَصبَحَ لك أُستَاذًا فيها، الشيوخُ قد جَرَّبُوا كثيراً، عَرفُوا الأيامَ، وعَاشُوا تَقلُباتِ الأحوالِ ، فأصابوا الحكمةَ، ونفعتْهم الخبرةُ، مَلَكُوا العقلَ الراجحَ ، والفكرَ الرزينَ، يقدرونَ الواقعَ، وينظرونَ بواقعيةٍ نحوَ المستقبلِ ، الشيوخُ ، تَاجُ الوقَارِ، ومَنَابعُِ الأَخبَارِ، إذا رأوكَ في قَبيحٍ صَدّوكَ، وإن أَبصَروكَ على جميلٍ ، أَيّدوكَ وأَمدّوكَ، وقد قيلَ: "عليكم بآراءِ الشيوخِ؛ فإنهم إن فقدوا ذكاءَ الطبعِ ، فَقَد مَرّتْ عليهم تجاربُ الحياةِ"، جاءَ في منثورِ الحكمِ: "من طالَ عمرُهُ ، نَقَصَتْ قُوّةُ بَدَنِهِ وزَادتْ قُوةُ عَقَلِهِ". والأيامُ لا تدعْ جاهلاً إلاَّ أدّبتْهُ، فَكفَى بالتجاربِ مُؤدّباً، وبتقلبِ الأيامِ واعظاً، وكفى عِبَراً لأولي الألبابِ ما جربوا. فَينبَغي على الشبابِ أن يوقروا الشيوخَ، ويستنيروا بآرائِهم، ويَستَفِيدُوا من خِبْرَاتِهم. جاءَ في الحديثِ أن الرسولَ r يقولُ: {إن اللهَ يَستَحي أن يُعذّبَ شَيخًا في الإسلامِ }؛ وذلك لأنَّ الكبيرَ في الغالبِ ، يَكونُ أكثرَ إِقبالاً على اللهِ وحبّاً للخيرِ، فَيَستَحي من اللهِ ، أَنْ يَراهُ على معصيةٍ ، أو مُقصّراً في طَاعةٍ، فيستحي اللهُ منهُ. أمَّا إذا لم يَستحِ مِنْ اللهِ ، فإنّ عَذَابَهُ عِندَ اللهِ أشدُّ وأنكى ، كما في الحديثِ الصحيحِ أن الرسولَ r قالَ: {ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهم ، ولا يُزكِيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ} وفي لفظٍ: {ثلاثةٌ لا يكلمُهم اللهُ، ولا ينظرُ إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ} منهم: {أُشيمطٌ زانٍ}، شيخٌ كبيرٌ في السنِّ زانٍ، هذا ليسَ له عندَ اللهِ قبولٌ، ولا يكلمُهُ اللهُ يومَ العرضِ الأكبرِ، ولا ينظرُ إليهِ، ولا يزكيهِ، وله عذابٌ أليمٌ، فشيخٌ أخذَ في عُمُرِهِ مَا أخذَ ، ثم أتى إلى اللهِ ، فَختَمَ صَحِيفتَهِ بالزنا ، لا قبولَ لهُ عندَ اللهِ. فَمَنْ مَنَّ اللهُ عليهِ بطولِ العمرِ ، ولم يَستَفِدْ منهُ لعملِ الآخرةِ ، أو ضيّعَ أيامَهُ ولياليَهُ في الغفلةِ ، أو انهمَكَ في جمعِ حُطامِ الدنيا الفاني ، وألهتْهُ دنياهُ عن عملِ أُخرَاهُ ، ولم يَزدَدْ من عَمَلِ الصالحاتِ في آخرِ حياتِهِ ، فإنَّه سَيندمُ حينَ يَنتقلُ من هذه الدارِ إلى دارِ القرارِ، ولاتَ ساعةَ مَندمِ ، يقولُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن المفرطينَ: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ)، ويقولُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنهم: (يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا)، قالَ أهلُ العلمِ في هذه الآيةِ: "يقولونَ: يا ويلتَنا على ما ضيّعْنا في حياتِنا من الأوقاتِ الثمينةِ".وعن أبي بكرةَ رضي اللهُ عنهُ أن رجلاً قالَ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قالَ: {من طالَ عُمُرُهُ وحسُنَ عملُهُ}، قالَ: فأيُّ الناسِ شرٌّ؟ قالَ: {من طالَ عمُرُهُ وساءَ عملُهُ} فينبغي للمسلمِ أن يغتنمَ أوقاتَهُ فيما يقربُهُ إلى ربِّهِ، فهنيئاً لمن وفقَهُ اللهُ لطاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ r
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الحمدُ للهِ حمداً لا يُعدُ ولا يُحدُّ ولا ينفدْ ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لاشريك لهُ ، الواحدُ الأحد الفردُ الصمدْ، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ أفضلَ من تعبّدْ، اللهم صلِ وسلمْ وباركْ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ إلى يومِ الدينِ.أما بعدُ:أيها الشيخُ الكبيرُ، لقد تعبتَ في هذهِ الحياةِ كثيراً ،حتى احدودبَ مِنكَ الظهرُ ، وتَقَارَبتْ الْخُطى ، وضَعُفَ البصرُ وتساقطتِ الأسنانُ ، أليس من حقِّ نفسِكَ عليكَ ،أَنْ تُريحَها بَقيّةَ عُمُرِكَ ، من أعباءِ هذه الحياةِ ومشاكلِها، وتَقنَعُ بما أَعطَاكَ مولاكَ ،وجَمَعتَهُ أثناءَ شَبابِكَ ، وتتّجِهُ إلى راحةِ بدنِكَ بالإقبالِ على الطاعاتِ ،والتزوُّدِ من عَملِ الصالحاتِ ، مِنْ قِراءةٍ للقرآنِ وصَدقَةٍ وصَيامٍ ، وتَبكيرٍ إلى صلاةِ الجمُعةِ والجماعاتِ؟! واعلمْ أن ذلك مما يكفّرُ اللهُ به الخطيئاتِ ، ويرفعُ به الدرجاتِ، يقولُ الرسولُ r : {ألا أدلُّكم على ما يمحوُ اللهُ به الخطايا ويرفعُ به الدرجاتِ؟} قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قالَ: {كثرةُ الخطى إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ، فذلكمُ الرباطُ، فذلكمُ الرباطُ} فَعَلى الإنسانِ ، أَنْ يَحرصَ على الإكثارِ من طاعةِ اللهِ تباركَ وتعالى ، خَاصَةً في آخرِ عُمُرِهِ، وأن يكثرَ من الاستغفارِ والحمدِ، كما قالَ اللهُ تباركَ وتعالى لنبيِّهِ محمدٍ r : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ *وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً*فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) فَكَانَ r بعدَ نزولِ هذه الآيةِ ، يُكثِرُ أَنْ يَقُولَ في ركوعِهِ وسجودِهِ: {سبحانَكَ اللهم ربَّنا وبحمدِكَ، اللهم اغفرْ لي} كما روتْ ذلك عنهُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضي اللهُ عنها؛ حيثُ إنه r علمَ أن نزولَ هذه السورةِ علامةٌ على قربِ أجلِهِ.اللهم اختمْ بالصالحاتِ أعمالَنا، وقنّعْنا بما أعطيتَنا، واجعلْنا هداةً مهتدينَ، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ. اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ ، ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ